• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | الثقافة الإعلامية   التاريخ والتراجم   فكر   إدارة واقتصاد   طب وعلوم ومعلوماتية   عالم الكتب   ثقافة عامة وأرشيف   تقارير وحوارات   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    الاستشراق والقرآنيون
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
  •  
    نبذة في التاريخ الإسلامي للأطفال
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    عقيدة التوحيد، وعمل شياطين الشرك
    أ. د. فؤاد محمد موسى
  •  
    الفلسفة الاقتصادية للاستخلاف في منظور الاقتصاد ...
    د. عبدالله محمد قادر جبرائيل
  •  
    منهج شياطين الإنس في الشرك
    أ. د. فؤاد محمد موسى
  •  
    سيناء الأرض المباركة
    د. حسام العيسوي سنيد
  •  
    استراتيجيات المغرب في الماء والطاقة والفلاحة ...
    بدر شاشا
  •  
    طب الأمراض التنفسية في السنة النبوية
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    الاستشراق والمعتزلة
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
  •  
    زبدة البيان بتلخيص وتشجير أركان الإيمان لأحمد ...
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    مفهوم الصداقة في العصر الرقمي بين القرب الافتراضي ...
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    الخنساء قبل الإسلام وبعده
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    العلم والمعرفة في الإسلام: واجب ديني وأثر حضاري
    محمد أبو عطية
  •  
    حول مصنفات وآثار الإمام ابن جرير الطبري (10) الرد ...
    محمد تبركان
  •  
    تفيئة الاستشراق
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    الطعن في الأحاديث النبوية سندا ومتنا
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
شبكة الألوكة / ثقافة ومعرفة / التاريخ والتراجم / تاريخ
علامة باركود

الصورة الحولية

إبراهيم السيد شحاتة عوض

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 27/12/2010 ميلادي - 20/1/1432 هجري

الزيارات: 25907

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

المبحث الأوَّل: الصورة الحولية عند روزنثال

لقد قسَّمت موضوعَ الصورة الحولية عند روزنثال على نقاط على النحو التالي:

النقطة الأولى: المقصود بالتاريخ الحولي عند روزنثال.

 

النقطة الثانية: أوَّل مؤلف مسلم دوَّن التاريخ على السنين.

 

النقطة الثالثة: الحوليَّات الإسلامية بين الخلق والاقتباس.

 

النقطة الرابعة: أيُّ الثقافات كانت لها الفضل في نقل فكرة الترتيب على السنين إلى المسلمين؟

 

النقطة الخامسة: الذين يفضلون أنْ يَروا نقاطًا أمتنَ من الاتصال بين علم التاريخ الإغريقي السرياني، وعلم التاريخ الإسلامي، فسيجدون أدلةً ضعيفة.

 

النقطة السادسة: كيفية تطوُّر صورة التاريخ المرتب على السنين في الإسلام.

 

النقطة السابعة: التقسيم الفرعي المتمثل في الترتيب على العقود.

 

النقطة الثامنة: التقسيم على القرون.

 

أولاً: المقصود بالتاريخ الحولي عند روزنثال:

يرى روزنثال أنَّ علمَ التاريخ الحولي يكون شَكلاً تخصصِيًّا من علم تاريخ السنين، وهو كما يدُلُّ اسمه يخضع لتعاقُبِ السنين المفردة، فكانت مُختلف الحوادث تَجمع في كل سنة، وتربط فيما بينها بعبارة "وفيها" - أي: وفي السنة نفسها - فإذا انتهت حوادثُ السنة الواحدة، انتقل المؤرخ إلى حوادث السنة التالية عن طريق استخدام عبارة "ثم دخلت سنة كذا"، أو "ثم جاء في سنة كذا".

 

وكان المؤرخ الذي يتبع طريقةَ الترتيب على السنين هو الذي يقرر مدى التفاصيل في وصف الحوادث.

 

ويرى روزنثال من عيوب هذه الصورة عدمَ السماح بذكر تقرير مُتتابع عن الحادثة - التي تمتد في عددٍ من السنين - ضمن سنة معينة منها، فلا يذكر المؤرخ الذي يتبع المنهجَ الحولي منها إلاَّ ما يَخص حوادثَ السنة التي يَجمع كل أحداثها، فإذا كان لهذه الحادثة بقية في سنين أخرى، ذكرها متفرقة ممزقة في جملة أحداث كل سنة.

 

ويرى روزنثال أيضًا أنَّ هذه القاعدة كثيرًا ما كانت تُهمل ولا تُراعَى، ولعله قصد بذلك أنَّ بعضَ المؤرخين قد تغلبوا على عَيْبِ هذه الطريقة، فقد انتقد المؤرخ الكبير ابن الأثير هذا المنهج قائلاً:

"ورأيتهم - يقصد مَن كتب على المنهج الحولي - يذكرون الحادثة الواحدة في سنين، ويذكرون منها في كل شهر أشياء، فتأتي الحادثة مقطعة لا يحصل منها على غرض، ولا تفهم إلاَّ بعد إنعام النظر، فجمعت أنا الحادثة في موضع واحد، وذكرت كلَّ شيءٍ منها في أيِّ شهر أو سنة كانت، فأتت متناسقة، قد أخذ بعضها برقاب بعض...".

 

ثانيًا: أول مؤلف مسلم دوَّن التاريخ على ترتيب السنين:

إنَّ أولَ مؤلف مسلم دوَّن التاريخ على ترتيب السنين، وبَقِيَ لنا كتابه - في رأي روزنثال - هو الطبري العظيم، وقد وصل بتاريخه إلى سنة 302 أو 303هـ.

 

ويشك روزنثال في أن يكون الطبري أولَ من طبَّق الصورة الحولية على الكتابة التاريخية؛ وذلك للأسباب الآتية:

السبب الأول: حجم الكتاب الكبير يَجعلنا نشك في أن يكون الطبري أولَ من طبَّق هذه الطريقة على الكتابة التاريخية، وخاصَّة أنَّ كل شيءٍ في بدايته يكون قليلاً ثم يكثر، وصغيرًا ثم يكبر.

 

السبب الثاني: إنَّه لدينا بعض الأخبار عن استعمال المؤلفين الأول لصورة الحوليات، وإن كانت هذه الأخبار ليست واضحةً كل الوضوح؛ لأَنَّه قد تستعمل كلمة تاريخ عنوانًا للكتاب الحولي، ولكنَّها لا تستلزم الإشارة إلى استخدام الصورة الحولية في عرض المادة التاريخية الموجودة فيه، وهذا يدل عادة على أن الكتاب مصنف على هذا النمط، ومن هؤلاء الذين استعملوا المنهج الحولي قبل الطبري:

 

• أبو عيسى بن المنجِّم، فقد كتب قبل الطبري بعدة عقود "تاريخ سني العالم"، وربَّما كان هذا بحثًا مرتبًا على السنين، يبدأ منذ خليقة العالَم على النمط اليهودي المسيحي، وربَّما لم يتطرق إلى تاريخ الإسلام قط.

 

• كما أنَّ عمارة بن وثيمة ألَّف تاريخًا على السنين في القرن التاسع الميلادي (الثالث الهجري)؟

 

• وكذلك كتاب محمد بن يزداد عن التاريخ، فلعله كان مُرتبًا على السنين؛ لأَنَّ ابن النديم يقول: إن عبدالله ابن المؤلف تَمَّم كتابَ التاريخ الذي عمله أبوه إلى سنة ثلاثمائة من الهجرة، وهذه الجملة التي قالها ابن النديم تُشير إلى أنَّ كتاب محمد بن يزداد كان مرتبًا على السنين.

 

• كما أنَّ المقتطفات من تاريخ محمد بن موسى الخوارزمي - العالم العظيم الذي عاش في النصف الأول من القرن العاشر الميلادي (الرابع الهجري) - والتي توجد في تاريخ حمزة الأصفهاني، وفي تاريخ إلياس النصيبي - ترجِّح أن يكونَ كتاب الخوارزمي مرتبًا على السنين.

 

• ومما يدل على أنَّ الطبري لم يكن أول من استخدم الحوليات أن الهيثم بن عدي - المتوفى سنة 206 أو 207هـ ألَّف كتابًا في التاريخ على المنهج الحولي بعنوان: كتاب التاريخ على السنين، وهو أمر يشير إلى أن الكتابة التاريخية على المنهج الحولي كانت معروفة في العراق في النصف الثاني من القرن الثاني الهجري، وبذلك ينتهي روزنثال إلى أن الطبري لم يكن أولَ مستخدم لطريقة الحوليات الإسلامية.

 

ثالثًا: الحوليات الإسلامية بين الخلق والاقتباس:

على الرغم من أنَّ روزنثال قد انتهى إلى أنَّ الكتابة التاريخية على السنين كانت معروفة في العراق في النصف الثاني من القرن الثاني الهجري، إلاَّ أنَّه يرى أنَّ الأدلةَ لا تستلزم الافتراض بأن الأصل الإسلامي لهذه الصورة قد نشأ في العراق في ذلك الوقت، وإنَّما يعني أنَّ أول الكتب المنشورة والمعروفة من ذلك النوع قد ظهرت في العراق، وهو بذلك يشير من طرف خفي إلى أن الحوليات الإسلامية ليست مختلقة ولا أصيلة النشأة عند المسلمين، ولكنها مقتبسة من غيرهم.

 

بدايةً، يرى روزنثال أنَّه من المحتمل نظريًّا أن يكون العلماء المسلمون قد توصلوا - منذ إدخال التقويم الهجري - إلى الاستنتاج أنَّ صورةَ الترتيب على السنين هي الوسيلة المناسبة لعرض المادة التاريخية، ولكنَّنا عندما نَجد فكرة أو صورة أدبية قديمة تظهر في مكان جديد، لا يفصله عن الموطن الأصلي لتلك الفكرة أو الصورة الأدبية أيُّ حاجز منيع من المكان أو الزمن، فمن الأفضل أن نعُدَّ هذه الفكرة أو الصورة الأدبية قد اقتبست من موطنها الأصلي، ولم تبتدع ابتداعًا في هذا الموطن الجديد.

 

وبذلك يعمد روزنثال إلى القول بأنَّ فكرة الترتيب على السنين عند المسلمين مقتبسة من غيرهم، وكأنَّه استشعر بأنه سيسأل عن الأدلة المادية لانتقال هذه الفكرة إلى المسلمين من غيرهم؛ ولذلك نجده يسرع بقوله: إنَّه من غير المعقول أنْ نتطلب وجود أدلة مادية على هذا الاقتباس؛ وذلك لسببين:

الأول: إنَّ الذي استعير في هذه الحالة الخاصة ليس مادة تاريخية، ولكنَّه مجرد فكرة لتنظيم عرض المادة التاريخية، تتمثل في ترتيبها على السنين.

 

الثاني: إنَّ فكرة الترتيب على السنين بإمكانها أن تنتقل إلى المسلمين بمجرد الاطلاع السطحي على تاريخ مكتوب على السنين، كما أنَّ مناقشة عرضية مع عالم أجنبي - يشير إلى وجود كتب في آداب لغته مرتبة على السنين - قد تنير السبيلَ أمام مؤرخ مسلم.

 

وبذلك ينتهي روزنثال إلى أنَّه ربَّما تكون فكرة الترتيب على السنين عند المسلمين قد انتقلت إليهم من غيرهم.

 

رابعًا: أيُّ الثقافات كانت لها الفضل في نقل فكرة الترتيب على السنين إلى المسلمين؟


يَميل روزنثال إلى عدم وجود تأثير فارسي في انتقال فكرة الترتيب على السنين إلى المسلمين؛ وذلك للأسباب الآتية:

الأول: إنَّ الأدلة المتوفرة عن صورة التاريخ الإيراني في القرن السابع الميلادي (الأول الهجري) ضئيلة جدًّا.

 

الثاني: ليس هناك ما يمكننا من الاقتناع بأنَّ الفرسَ قد استخدموا الترتيبَ على السنين، وكل الأدلة تَميل إلى إظهار عدم استعمالهم إيَّاه.

 

الثالث: عدم وجود حِقْبة مستمرة، أو تقويم متتابع عندهم - قد يُؤدي إلى صُعوبة كتابة كتب تاريخية شاملة لفترات طويلة.

 

الرابع: إنَّ جميع مَن قالوا بوجود التأثير الفارسي لم ينجحوا في إيرادِ الأدلة على أنَّ صورةَ الترتيب على السنين دخلت بتأثيرِ الفُرس في الوقت نفسِه مع التاريخ المرتب حسب الدول؛ حيث يرى روزنثال أنَّ ذلك ليس مُمكنًا.

 

• وعندما نوجه أنظارنا إلى الآداب البيزنطية والإغريقية (والسريانية)، نَجد الحالة تَختلف، فمن المعروف جيدًا أنَّه لم يصل إلى العرب قطُّ أي من الكتب الكلاسيكية في التاريخ الإغريقي.

 

وكذلك ليست لدينا معلوماتٌ صريحة عن وجود تراجم عربية كاملة للحولِيَّات البيزنطية، وقد يقارن المرء ما ذكره الشافعي فيما يتعلق بالكتب الإغريقية التي يأخذها المسلمون غنيمة، فهو يُميز بين ما تبحث في الطب، أو ما تبحث في موضوعاتٍ غَيْرِ مَكروهة، وبين التي تبحث في أمور الدين، وتعد معظم كتب التاريخ من الصنف الأخير، فيروي الطبري: وقال الشافعي: ما وجد من كتبهم فهو مغنم كله، وينبغي للإمام أن يدعوَ من يترجمه، فإن كان علمًا من طب أو غيره لا مكروهَ فيه، باعه كما يبيع ما سواه من المغانم، وإن كان كتابَ شرك، شَقَّق الكتابَ وانتفع بأوعيته وأداته فباعه، ولا وجهَ لتحريقه ولا دفنه قبل أن يعلم ما هو.

 

إنَّ القوانين التي تَحكمت في عمليةِ الترجمة من الإغريقيَّة إلى العربية، لا تَجعلنا نؤمل عكس ذلك، فقد كانت التآليفُ التاريخية مثارًا لارتيابِ علماء الدين المسلمين أكثرَ بكثير من التأليف في العلوم، ولم تترجم إلاَّ العلوم التي كونت التربية العالية، غير أنَّ البيزنطيين أظهروا اهتمامًا عميقًا جدًّا بالتآليف التاريخية، ويبدو أنَّ المختصين بالتاريخ البيزنطي مُتفقون على أنَّ علم التاريخ احتل مكانةً راجِحَةً في نشاطهم الأدبي.

 

والكتابة التاريخية على طريقة الحوليَّات - في رأي روزنثال - كانت مَعروفة في الكتب الإغريقيَّة، وكذلك فإنَّ الحوليات الإغريقيَّة التي كانت مَوجودة في عصر ظهور الإسلام تتشابه كثيرًا مع الحوليات الإسلامية المتأخرة.

 

والحوليات الإغريقيَّة تتمثل فيما كتبه "إيونيس ملالاس"، الذي كان يستعمل صورةَ التاريخ على السنين، عندما كان يعالج الأحداثَ القريبة من عصره؛ حيث يستعمل عباراتٍ شهيرة في طريقة الترتيب على السنين، مثل: وفي السنة ذاتها، أو في نهاية الفترة نفسها.

 

وكذلك، فقد اهتم إيونيس ملالاس بذكر مَعلومات عن العُلماء والفلاسفة، وكبار رجال الكنيسة، وكان مُعظمُهم سياسيِّين في الوقت نفسه، كما ذكر معلومات عن الزلازل والرُّعود والفيضانات، إضافةً إلى الأوبئة والمجاعات والغلاء، وغيرها من نكبات الطبيعة التي كانت من خصائص التاريخ المرتب على السنين، والتي لَم تَغِبْ عن الحوليات الإسلامية التي ظهرت بعد ذلك.

 

وبذلك يكون إيونيس ملالاس قد حَقَّق الصورةَ نفسها، والمحتوى نفسه الموجود في الحوليات الإسلامية التي ظهرت بعد ذلك.

 

وعندما ينقل روزنثال إلى "الوسط السرياني"، فإنَّه يرى أنَّه قد يكون سطحيًّا، ولكن ينبغي ملاحظته، فقد كان "تاريخ الرها" - وهو مؤلَّف في القرن السادس الميلادي - كتابًا مُرتبًا على السنين.

 

كما أنَّ صورةَ الكتابة التاريخية عند إيونيس ملالاس تظهر أيضًا في الأدب السرياني مُمثَّلة في الكتب التاريخية ليعقوب الرهاوي، الذي عاش في القرن السابع الميلادي (الأول الهجري)، فقد واجه يعقوب مصاعب في تحديد زمن الحوادث التي نجمت عن وجود حقب مختلفة في أواخر العصور القديمة، وقد أدَّى هذا إلى ضرورة وجود جدول مُرتب على السنين، ومع أنَّه قد طمس نوعًا ما نظام الترتيب على السنين، إلا أنَّه بَقِيَ موجودًا بوضوح.

 

وقد اهتم يعقوب - كما فعل إيونيس ملالاس - بالحكام الدنيويين وكبار رجال الكنيسة والعلماء والأتقياء، وكذلك فقد اهتم بذكر حدوث الزَّلازل والبرق، وغزو الجراد، والحرائق والشهب، والأعمال العمرانية، وكل ذلك شهير في الكتابة الحولية.

 

ثم يثير روزنثال اعتراضًا ويعقبه بإجابة؛ حيث يقول: "إنَّ قليلاً من الاعتراض يُمكن توجيهه إلى الافتراض بأنَّ التاريخ الحولي الإسلامي كان مَدينًا في بداية أيَّامِه إلى النماذج الإغريقية والسريانية، فلم يكن هناك كتابٌ معين ألْهَم المؤلفين المسلمين، ولكن فكرة الترتيب على السنين جاءت إلى العلماء المسلمين الأُوَل عن طريق الاتصال بالنصارى المتعلمين".

 

ويرى روزنثال أنَّ الاتصالَ الوثيق بين المسلمين والنصارى في ميدان التاريخ - حتى في مناطق الأطراف البعيدة عن بيزنطة ومركز الإسلام - يبدو جليًّا في تاريخ الحوليات المسيحية اللاتينِيَّة الأولى في إسبانيا؛ حيث يعرف وجود مؤرخين لهم بعض المزايا منذ زمن الفتح العربي، ولا شكَّ في أن التبادُل الثقافي في مثل هذه الأمور كان أعظمَ في سوريا؛ حيث كان المسلمون والنصارى يعيشون معًا مُرتبطين بصلات وثيقة.

 

ويبدو أنَّ روزنثال أراد في النِّهاية أنْ ينصف المسلمين، ويَحفظ لهم دَوْرَهم في تطوير وتَحسين هذه الطريقة التي استوحوها من المؤرخين الإغريق والسريان؛ حيث يقول: وإذا كان المسلمون قد استوحوا طريقةَ التأريخ على السنين من المؤرخين الإغريق والسريان، فإنَّهم قد حسنوا هذه الطريقة تحسينًا عظيمًا، فقد كان المؤرخون المسلمون أمامهم عهود مُستمرة؛ مما ساعد على سهولة عرض المادة التاريخية.

 

ومن هنا، فإنَّ روزنثال لم يَجزم بأن المسلمين قد أخذوا فكرةَ الترتيب على السنين من الإغريق والسريان، ولكنَّه يرجِّح فقط وجودَ هذا الأخذ والنقل؛ بناءً على وجود التشابه بين الحوليات الإغريقية والسريانية المتقدمة، وبين الحوليات الإسلامية المتأخرة، مع وجود فرصة الاتصال بين الطرفين في إسبانيا وسوريا، ومع ذلك فإنَّه يرى أنَّه حتى مع وجود ذلك الأخذ والاتصال، فإنَّ علماء المسلمين كان لهم الفضل في تحسين هذه الطريقة وتطويرها بما توفر أمامهم من عهود مستمرة.

 

خامسًا: الذين يفضلون أنْ يَروا نقاطًا أمتنَ من الاتِّصال بين علم التاريخ الإغريقي السرياني، وعلم التاريخ الإسلامي، فسيجدون أدلةً ضعيفة، ولكنَّها ليست خِلْوًا من بعض ما يسند الطريقة التي ذكرناها:

1- كتاب "التاريخ" ليحيى النحوي، وتاريخ الفلاسفة لفررفيري، كلاهما يهتم بالتراجم، غير أن أيًّا منهما لم يكن مُرتبًا على السنين.

 

2- أمَّا يوسبيوس (توفي بين سنة 337 و 340)، فإنَّه كان معروفًا عند المسلمين؛ نظرًا لأنه كان معروفًا كثيرًا بين المؤلفين السريان، ويبدو أنَّ المعلومات عن عصور ما قبل الإسلام التي نَجدها عند كبار المؤرخين المسلمين، كالطبري واليعقوبي وأبي الفداء يُمكن إرجاعُها إلى يوسبيوس، والذي عرفه واستفاد منه المؤلف العربي هارون بن عزور، الذي يقال: إنَّ كتابه باقٍ، ولكنَّه ليس في مُتناول اليد، كما أنَّه عاش في حقبةٍ يبدو أنَّها مبكرة، ويبدو أن البيروني عرفه بصورة غير مباشرة، غير أنه لم يتحقق بعد شكلها بالضبط أو تاريخها بدقة.

 

وقد اقتبس المؤرخون المسلمون المتأخرون أحيانًا من يوسبيوس عن طريق وسطاء نصارى، وكتاب يوسبيوس، بالشكل الذي عرفه المسلمون ليست له أيُّ علاقة بالترتيب على السنين.

 

3- المؤرخ أندرونيكوس:

وهو من رجال القرن السادس، وقد نقل من تاريخه جبريل بن بختيشوع (ت 1006م) الذي كان بدوره مصدرًا لابن أبي أصيبعة، ومن الصعب أن نقرر فيما إذا كان مصدر ابن بختيشوع قد بقي أم لا، ويحتمل أن يكون قد اقتبس من النصِّ السرياني (أو الإغريقي)، فقد كان أندرونيكوس مَعروفًا في الأدب السرياني، ثم ظهر بعد ابن بختيشوع بأمد غير طويل كمصدر لتاريخ إلياس النصيبي (ت سنة 1049م).

 

4- المؤرخ أنيانوس:

وهو مؤرخ إغريقي عاش في القرن الخامس الميلادي، وكان معروفًا أيضًا بشكل أضيقَ عند السريان والعرب.

 

وهنا كتاب مصنف في أخبارِ اليونانيِّين، ليست لدينا معلومات عن شكله أو مُحتوياته أو تأليفه، ويقال: إنَّ حبيب بن بهرز مطران الموصل ترجمه إلى العربية، منذ أيام المأمون، وقد استعمل هذه الترجمة حمزة الأصفهاني، ثم استعمل القاضي وكيع (ت 306هـ - 918م) كتابَ تاريخٍ لملك رومي كان قد ترجمه مترجم مجهول الاسم.

 

إنَّ المعلومات الإسلامية عن ملوك الوثنية والنصرانية والرومان، ترجع إلى المصادر الإغريقية النصرانية أو السريانية، أمَّا معلوماتُهم عن تاريخ العهد القديم والجديد، وملوك آشور وبابل، فترجع أيضًا إلى المصادر المسيحية، (وربَّما إلى المصادر اليهودية في بعض الحالات).

 

وينبغي ملاحظة أنَّ هذه المصادر - حتى لو صرفنا النظر عن مادة التوراة فيها - ليس من الضروري أن تكون دائمًا كتب تاريخ بالمعنى الدقيق.

 

وينتهي روزنثال إلى أنَّ الأدلةَ السابقة تُشير إلى توفر المعرفة لعلماء المسلمين عن علم التاريخ الإغريقي السرياني، غير أنَّ ذلك لا يعني أنَّه قد ثبت أن تلك المعرفة التي جاءت المسلمين بالطريقة السابقة - قد وصلت مبكرة لدرجة تكفي لإلهامهم باستعمال أشكال التأريخ على ترتيب السنين، وهذا نفسه ينطبق - إلى حد أكبر - على بعضِ الكتب التاريخية النصرانية العربية، التي ربَّما نقلت إلى المسلمين صورة التاريخ الإغريقي السرياني المرتب على السنين ومُحتوياته.

 

وكذلك فإنَّ بعضَ الكتب التي لدينا عنها معلومات مؤكدة - يرجع تاريخُها إلى زمن متأخر كثيرًا عن الزمن الذي ظهر فيه شكل الترتيب على السنين في الكتابة التاريخية الإسلامية، ومن هذه الكتب الكتاب الذي ينسب إلى حنين بن إسحاق (ت 264هـ - 877م) بعنوان: "تاريخ العالم، والمبدأ، والأنبياء، والملوك، والأمم، والخلفاء، والملوك في الإسلام"، وغيره.

 

ومن المؤكد أنَّ الترجمةَ الكاملة الوحيدة في التاريخ القديم، التي نعرفُ عنها معلوماتٍ، ويبدو أنَّها بقيت، قد جاءت متأخرة لدرجةٍ لا تكفي لتؤثر على علم التاريخ الإسلامي، وهي ترجمة الكتاب الذي ألفه هوروسيوس، وقد أرسل الإمبراطور البيزنطي رومانوس نسخةً منه، وأخرى من كتاب ديوسقوريدوس - إلى عبدالرحمن الناصر في الأندلس في سنة 377هـ، وهذا الآخر من المحتمل أن يكون قد ترجم في الوقت الذي ترجم فيه كتاب هوروسيوس الإغريقي - أي: بعد إرساله إلى الأندلس بثلاث سنين - عندما أرسل الإمبراطور البيزنطي راهبًا اسمه نيقولا إلى إسبانيا؛ ليترجمه عن الإغريقية، غير أنَّ هذا - في رأي روزنثال - قد لا يكون مؤكدًا؛ نظرًا لعدم وجود حاجة في إسبانيا إلى مترجم يأتي من الخارج؛ ليترجم كتابًا لاتينيًّا، وقد استعمل بعض المؤرخين المتأخرين كتابَ هوروسيوس، وخاصَّة ابن خلدون والمقريزي.

 

وبذلك فإن روزنثال يرفض كونَ انتقال فكرة الترتيب على السنين إلى المسلمين عن طريق معرفتهم بالكتب الإغريقية السريانية؛ لأَنَّ بعضَ هذه الكتب ليس له علاقة بالترتيب على السنين، وبعضها الآخر يرجع تاريخه إلى زمن متأخر كثيرًا عن الزمن الذي ظهر فيه شكل الترتيب على السنين في الكتابة التاريخية الإسلامية، وحتى الترجمة الوحيدة التي بقيت قد جاءت متأخرة لدرجة لا تكفي لتؤثر على علم التاريخ الإسلامي.

 

وبذلك يظل روزنثال عند رأيه الأول، وهو أنَّ المسلمين إن كانوا قد أخذوا فكرة الترتيب على السنين من النماذج الإغريقية والسريانية، فإنَّ ذلك كان عن طريق اتصال علماء المسلمين الأُوَل بالنصارى المتعلمين، وليس عن طريق اطِّلاعهم على كتب هؤلاء، وخاصَّة أن العلاقات الوثيقة كانت موجودة بين الطرفين في إسبانيا وسوريا.

 

سادسًا: كيفية تطور صورة التاريخ المرتب على السنين في الإسلام:

وعلينا - لنفهمَ تطوُّر المنهج الحولي في تدوين التاريخ عند علماء المسلمين - أنْ نُدرِك أن التاريخَ المرتب على السنين يهتمُّ بمحض طبيعته بالحقائق المجردة، التي كانت مدونة في المصادر المعاصرة، ويبتعد عن الأهواء الشخصية، فلا يُمكن لأي كتاب متأخر أن يغير، أو يُوسِّع، أو يحسن في هذه الحقائق.

 

ولذلك فإنَّ الكتب المرتبة على السنين اعتُبرت استمرارًا للكتب المرتبة على السنين التي ألفها المؤرخون الأَوَّلون؛ ولذلك وجد ابن القفطي أنَّه من السهل على الباحث أن يَحصل على أوثق الأخبار التاريخية من بَدْء الخليقة إلى السنة التي فيها؛ أي: إلى سنة 616هـ.

 

فقد اتبع الطبري هذا المنهجَ في تدوين تاريخ العالم منذ البَدْء حتى سنة (309)هـ، وكذلك كتاب ثابت الذي يداخل الطبري في بعض السنين، ويصل إلى سنة (363هـ)، ثم كتاب هلال بن المحسن بن إبراهيم الصابي، الذي يتَّفق وكتاب خاله "ثابت"، ويُتمِّمه إلى سنة (447هـ)، ثم يتلوه كتابُ ولده غرس النعمة محمد بن هلال، وهو كتاب حسن إلى ما بعد سنة (470هـ) بقليل، ثم اتَّفق عمل الهمداني، وعمل غرس النعمة، فأتمه الهمداني إلى سنة (512هـ)، ثم كمل عليه "أبو الحسن بن الراغوني"، فأتى بما لا يشفي الغليل؛ إذ لم يكن ذلك من صناعته، فأوصله إلى سنة (527هـ)، ثم كمَّل عليه "العفيف صدقة الحداد" إلى سنة 570هـ وشيء، ثم كمَّل ابن الجوزي كتاب "صدقة" إلى سنة (580هـ)، ثم كمَّل عليه "ابن القادس" إلى سنة 616هـ.

 

وبذلك يكون القفطي قدَّم صورة دقيقة للوضع السائد، فقد كانت الكتب التي نهجت المنهج الحولي في تدوين التاريخ تؤلف تكملة واستمرارًا لسابقاتها.

 

ولم تكن هناك حاجة كبيرة لأَنْ يكتب كتابان مرتبان على السنين في وقتٍ واحد ومنطقة واحدة.

 

وكان القسم المهم في التاريخ المكتوب على السنين هو القسم المعاصر للمؤرخ، الذي قد يكون مفصلاً جدًّا.

 

ولقد صار العرضُ التاريخي - وخاصَّة في تواريخ القرنين الرابع عشر والخامس عشر - يُجَزَّأ إلى الأشهر والأيام بانتظام كبير، غَيْرَ أنَّ كُتَّابَ الحوليات الأوائل لم يكونوا متمكنين دائمًا من هذه الطريقة.

 

وكانت الحقائق المنقولة تؤخذ على علاَّتها، وقد استعار المؤرخون من علم الحديث تعبير "جازف"، واستعملوه اصطلاحًا لإنكارِ التوسُّع الذي لا أساسَ له، وكذلك الإضافات المقحمة والاختلاق الكاذب، كما هي الحال عند نور الدين علي بن داود الصيرفي المتوفَّى سنة 900هـ - 1495م، وهو مؤلف متأخر أثارت جهودُه التاريخية سخرية معاصريه؛ لأنه كتب تاريخه مجازفة دونَ الاستناد إلى مصدر ذكر الأخبار أو رواتها.

 

ويجوز أن يكون هذا المؤلف - في رأي روزنثال - قد استندَ إلى شيء من الأصالة الفكرية معتمدًا على قول القائل:

يَا مَنْ تَقُولُ بِأَنَّ فِي التْ
تَارِيخِ كُتْبًا كَامِلَهْ
لَكَ بِالْأَبَاعِرِ نِسْبَةٌ
لَمْ تَدْرِ مَا هِيَ حَامِلَهْ

 

غير أن إنتاجه قد خَيَّب آمالنا.

 

وينتهي روزنثال إلى أنَّ كل الإضافات من الصُّور الأخرى للعرض التاريخي، ومن العلوم الأخرى غير التاريخ - لم تستطع تبديلَ الصفات الموروثة لصورة الترتيب على السنين.

 

سابعًا: التقسيم الفرعي المتمثل في الترتيب على العقود:

كثيرًا ما شعر الأفراد في العصور المتأخرة إلى الحاجةِ إلى ترتيب إضافي لجمع المادة المتزايدة باستمرار في وحدات زمنِيَّة أوسع.

 

وقد أدخل الذهبي في كتابه "تاريخ الإسلام" تقسيمًا فرعيًّا تبعًا للعقود من السنة الأولى إلى السنة العاشرة الهجرية، وهكذا، وقد طبق هذا التقسيم في كل أجزاء الكتاب.

 

غير أنَّ أصولَ هذا التقسيم - في رأي روزنثال - لم تُسْتمد من التاريخ الحولي، بل من تاريخ السير المتأثرة بالمثيولوجيا.

 

وكان ابن الجوزي قد كتب كتابًا عن عصور الرجال المعروفين، رتب فيه من تُوفُّوا في العقد الثاني أو الثالث... إلخ من حياتهم، وجعلهم على هيئة مَجموعات، ودرس كل مجموعة على انفراد.

 

إنَّ ما يدين به الذهبي للتراجم لا يتجلى فقط في المكانة الخاصة لتراجم الوفيَات في داخل ترتيب العقود، بل يتجلى أكثر في استعماله لكلمة "طبقة" للدلالة على العقد، وبذلك يربط تقسيمه على العقود بأدب الطبقات.

 

ثامنًا: التقسيم على القرون:

يرى روزنثال أنَّ أصولَ هذا التقسيم ترجع أيضًا إلى كتب التراجم، وهي مرتبة عادة على الحروف الأبجدية، ومرتبة أيضًا على السنين، كما نَجدها عند ابن العيدروس، ومن النادر جدًّا أن نعتبر القرن عنصرًا مَفروضًا على التقسيم الزَّمني في أيِّ تاريخ مرتب على السنين لا يقتصر على التراجم، ومن هذه الأحوال النادرة كتاب "زبدة الفكرة في تاريخ الهجرة" لبيبرس المنصوري.

 

ومما يؤكد أنَّ أصلَها مُستمد من كتب التراجم استعمالُها أحيانًا كلمة قرن في عنوانها.

 

والقرن ليس وحدة عددية مُطلقة مثل مائة، بل كان دائمًا مرتبطًا بطول عمر الأفراد والجماعات، بل حتى في حِقْبة متأخرة كالقرن الخامس عشر (التاسع الهجري)، نجد مؤلفًا كالمقريزي يحذف القرن من مُختلف تقديرات الزمن.

 

والقرن الأمة تأتي بعد الأمة، قيل: مدته عشر سنين، وقيل: عشرون سنة، وقيل: ثلاثون، وقيل: ستون، وقيل: سبعون، ويمكن تحديده مع شيء من التجوُّز بمقدار المتوسط في أعمار أهل الزمان، فالقرن في قوم نوح على مقدار أعمارهم، وفي قوم موسى وعيسى وعاد وثَمود بمقدار أعمارهم أيضًا، وفلان على قرن فلان؛ أيْ: سنِّه وقده.

 

ورُبَّما يكون المقصود بالقرن أهلَ كل مدة كان فيها نبي، أو كان فيها طبقة من أهل العلم، قلَّت السِّنون أو كثرت.

 

المطلب الأول: الحوليات عند المؤرخين والباحثين العرب:

تقول الدكتورة سيدة إسماعيل كاشف حول ما اقتبسه العرب من اليونان: والمعروف أنَّ ما اقتبسه العرب منه كان على الخصوص في المنطق والفلسفة والرِّياضيات والفلك والجغرافيا، وليس في التاريخ[1].

 

ثم تقول: ولم يتأثر المؤرخون المسلمون تأثرًا كبيرًا بغَيْرهم من الأمم القديمة، أو التي عاصرتهم، فلم يصل إلينا شيء يشهد بأنَّهم عرفوا المؤرخين اليونان عن طريق ترجمات عربية...[2]

 

ثم تحصر التأثير الأجنبي على بعض المؤرخين المسلمين في الفرس حين تقول: والواقع أن التأثير الأجنبي الذي نلمسه عند بعض المؤرخين المسلمين القدماء إنَّما كان في كتب التاريخ الفارسية فيما يَختص بالتاريخ الإيراني القديم.[3]

 

والخلاصة كما نفهمها من الدكتورة سيدة إسماعيل كاشف: أنَّ المؤرخين المسلمين لم يكونوا على اتِّصال بتاريخ الأمم القديمة.

 

ولم يكن هناك تأثير، اللهم إلاَّ تأثيرًا فارسيًّا فيما يختص بالتاريخ الإيراني القديم، وهي بذلك تختلف مع روزنثال؛ لأَنَّه قال بعدم وجود التأثير الفارسي.

 

بينما نرى جورجي زيدان وهو يتحَدَّث عن حركة النَّقل إلى العربية يقول: "ومِمَّا نُلاحظ من أمرِ ذلك النقل أنَّ العرب مع كثرة ما نقلوه عن اليونان لَم يتعرضوا لشيء من كتبهم التاريخية أو الأدبية أو الشعر، مع أنَّهم نقلوا ما يُقابلها عند الفرس... فقد نقلوا جملةً صالحة من تواريخ الفرس وأخبار ملوكهم... ولكنَّهم لم ينقلوا تاريخَ هيرودوتس..."[4].

 

ومن هنا نرى أن جورجي زيدان يتَّفق مع الدكتورة سيدة كاشف، ويَختلف مع روزنثال الذي قال بعدم وجود التأثير الفارسي.

 

وعندما يتحدث الدكتور حسين نصار عن نشأة التدوين التاريخي وتطوره عند المسلمين، يقول: "إنَّ الكتابةَ التاريخية نشأت نشأةً عربية خالصة لا يَدَ فيها للفرس أو اليونان... وكان أوائل المؤرخين عَربًا، سواء كانوا من الجنوب أم من الشمال، ولكنَّ هذه الحركة العربية ما لبثت أنْ تأثَّرت بمؤثرات خارجِيَّة من أهل الكتاب والفرس، بل صار جميع المؤرخين من الموالي في أواخر القرن الثاني الهجري"[5].

 

ومن هنا، فإنَّ الدكتور حسين نصار يرى أنَّ الكتابة التاريخيَّة نشأت نشأةً عربية خالصة، ثم تأثرت بعد ذلك بأهل الكتاب والفرس.

 

ويقول علي أدهم: وتدلُّ أكثر القرائن على أنَّ التاريخ الإسلامي نشأ نشأة مستقلة، غير متأثرة بما كتبه أعلام المؤرخين اليونانيين أو الرومانيِّين[6]، ولكنَّه يعود ليقرر أنَّ الطبري قد أفاد من حركة النقل من اليونانية إلى العربية، لكنَّه لم يُحدد أيَّ نوع من الاستفادة هذه؛ إذ يقول: "... وقد أفاد الطبري من المواد التي جمعها مُؤرخو القرن الثاني الهجري، وانتفع بحركة النقل عن اللغات الأجنبية التي بدأت في ذلك القرن"[7].

 

ويرى الأستاذ عبدالحميد العبادي أنَّ طريقةَ الترتيب على السنين قد انفرد بها المسلمون؛ حيث يقول: وهذه الطريقة هي طريقة الحوليات المعتمدة على توقيت الأحداث بالسنين والشهور والأيام، وهذا ضابط انفرد به مُؤرخو المسلمين عن نظرائهم من اليونان والرومان وأوروبا في العصور الوسطى؛ قال المؤرخ الإنجليزي "بَكْل": إنَّ التوقيت على هذا النحو لم يعرف في أوروبا قبل عام 1597م[8].

 

ويشك الدكتور سعد بدير الحلواني فيما ذهب إليه روزنثال من أنَّ الكتابة الحولية قد انتقلت إلى العرب عن طريق السريان النصارى؛ حيث يقول: ونحن نشك في صحة هذا الحديث؛ إذ كان العرب قد أقاموا التاريخ، واعتنوا به؛ لحاجة دينيَّة وسياسية واجتماعية كذلك، ولم يكن هناك ما يضطرهم إلى الاقتباس من طرق أجنبية عنهم؛ لأَنَّ نشأةَ التاريخ عند المسلمين نشأة مَحلية بَحتة[9].

 

ثم يذكر ما قاله "هرنشو" من أنَّ الحوليات كانت مجرد تقييدات للحوادث المعاصرة... وأنَّ كثيرًا من الحوادث الواردة في حوليات العصور الوسطى - ولا سيما أوائلُها - من أتفه ما يكون[10].

 

ثم يرى أنَّه يُمكن أن يؤخذ من كلام "هرنشو"، وما جاء به من أمثلة لمن استخدموا المنهجَ الحولي في الغرب بأنَّهم كانوا متأخرين جدًّا عن المؤرخين العرب المسلمين الذين سبقوهم في هذا المجال، وإذا ضربنا الصَّفْحَ عن الكتابات التافِهَة التي وصفها هرنشو بهذا الوصف، فإنَّنا نستطيع أن نؤكد على انفراد العرب، وابتكارهم لهذه الطريقة.[11]

 

ومن هنا، فإن الدكتور سعد الحلواني يَميل إلى انفرادِ العرب المسلمين بطريقة الحوليَّات ضاربًا الصفحَ عما ذهب إليه روزنثال من احتمالِ وجود التأثير الإغريقي السرياني عن طريق النصارى المتعلمين.

 

ويذهب الدكتور علي بكر حسن إلى أنَّ الطبري قد اتَّصل اتِّصالاً ما بالتآريخ الفارسية واليونانية والرومانية وتأثَّر بها، ولم يبتكر طريقةَ التاريخ على النظام الحولي؛ إذ سبقه إليها غيرُه من المسلمين، كما أنَّ المسلمين لم يبتكروا بدورهم هذه الطريقة وإنَّما اقتبسوها من مؤرخين فرس ورومان ويونان[12]، وكذلك فهو يرى أن هناك أدلة مقنعة جدًّا لاستخدام الفرس الترتيب على السنين حسب سِني ملوكهم، ويستشهد بقول الطبري: "وأما الفرس فإنهم كانوا يؤرخون بملوكهم، وهم اليوم - فيما أعلم - يؤرخون بعهد يزدجر بن شهريا"، ويرى أن الطبري أعلم من روزنثال بتاريخ الفرس؛ لأنَّه فارسي الأصل، ولذلك فإن قوله: .... "إنَّ الفرس كان ملكهم متصلاً دائمًا من عهد جيو مرت... إلى أنْ زال عنهم بخير أمة أخرجت للناس" دليل على وجود حقب مستمرة عند الفرس[13].

 

ومن هنا، فإن الدكتور علي بكر حسن يختلف مع روزنثال في أمرين:

الأول: أنَّه أجزم بوجود التأثير الروماني واليوناني، بينما مال روزنثال إلى الاحتمال؛ حيث قال: وإذا كان المسلمون قد استوحوا طريقةَ التاريخ على السنين من المؤرخين الإغريق والسريان، فإنَّهم قد حسنوا هذه الطريقة.

 

الثاني: أنه قال بوجود التأثير الفارسي؛ بسبب وجود الحقب المستمرة عندهم، بينما جزم روزنثال بعدم وُجود التأثير الفارسي؛ لأَنَّ الفرس لم يستعملوا طريقةَ الترتيب على السنين؛ بسبب عدم وجود حقب مستمرة تُمكنهم من استعمالها.

 

ثم ينبه إلى أنَّه لا يقلل من شأن المؤرخ المسلم بصفة عامة - والطبري بخاصة - أن يكون اقتبس فكرة منهج معين من غيره، ثم نَمَّاها وطوَّرها وحسَّنها حتى غدت وكأنها من صنعه هو.[14]

 

ومن الذين يَميلون إلى القول بالتأثير الفارسي واليوناني على المؤرخين المسلمين: الأستاذ/ أحمد أمين؛ إذ يقول: "ولما نشطت حركةُ الترجمة في العصر العباسي، وكان كثيرون يتقنون الألسنة المختلفة مع العربية، فمِنهم من يُتقن الفارسية، ومنهم من يُتقن اليونانية، ومنهم من يتقن الهندية، وقعوا - فيما وقعوا عليه - على كتب في تاريخ الأمم المختلفة، فنقلوها إلى اللسان العربي، فكان من ذلك كله أنْ كان أمام من يتكلمون العربية مَصادر مُختلفة لأخبار الأمم المختلفة، كانت كلها معتمد الطبري في تاريخه، ومن أتى بعده من المؤرخين"[15].

 

ويتفق مع الرأي السابق رأيٌ آخر يقول أصحابه: "... ثم رجع المؤرخون إلى كتب تاريخية باللغة السريانية؛ للوقوف على تاريخ اليونان وغيرهم... ثم بدأ أثر الثقافة الفارسية والإغريقية واضحًا في كتب التاريخ الجديدة، وكان من أوضح ما يكون فيما اقتبسه مؤرخ كأبي حنيفة الدينوري (ت 282هـ) في كتابه "الأخبار الطوال"... واليعقوبي... والمسعودي"[16].

 

أما فيما يتعلق بالطبري، فإنه من المؤكد أنَّه أفاد كثيرًا من المادة التاريخية التي جَمعها مُؤرخو القرن الثاني، كما انتفع مما نقل إلى العربية من اللُّغات الأجنبية، تلك الحركة التي بدأت في مطلع القرن الثاني من أخبارٍ ستُشكل قسمًا من مادة كتابه في التاريخ.[17]

 

بينما يرى الدكتور عبدالعليم عبدالرحمن خضر أنَّ المسلمين هم في الواقع بناةُ المنهج العلمي لمباحث التاريخ، وهم رُوَّاده الأوائل، فحين وضحت في أذهانهم فكرة الزَّمان والمكان، قاموا بتصنيف العصور، وعُنوا بتوقيت الواقعة التاريخيَّة بالأيام والشهور والسنين، وهو ما لم يعرفه مؤرخو الإغريق والرومان، ولم يعرفه مؤرخو أوروبا قبل عام 1597م.[18]

 

ويرى أيضًا أنَّه من المرجح أنْ يكون علماء المسلمين قد توصلوا إلى صياغةِ المعلومات التاريخية في إطار المنهج الحولي منذ إدخال التقويم الهجري، فإنَّ هناك آراء تؤيد أنَّهم قد توصلوا إليه بصورة مُستقلة عندما وجدوا أنَّه الوسيلة الملائمة للعرض التاريخي، ولكنَّه يتفق مع روزنثال في أنَّ الأمر المؤكد أنَّه ليس لدينا ما يُمكننا من الاقتناع بأن الفرس قد استخدموا هذا المنهج، بل إن كل الأدلة تميل إلى إظهار عدم استعمالهم إياه[19].

 

ومن هنا، فإنَّ الدكتور عبدالعليم يخالف روزنثال في قوله باحتمال وجود التأثير الإغريقي السرياني عن طريق الاتصال بالنصارى المتعلمين في سوريا، بينما يرجح الدكتور عبدالعليم كون المسلمين قد توصلوا لهذا المنهج بصورة مُستقلة، على الرغم من أنَّه يَتَّفق معه في استبعاد وجود التأثير الفارسي؛ لأن كلَّ الأدلة تَميل إلى إظهار عدم استعمالهم إيَّاه، وبذلك يكون لديه شيء مرجح، وهو كون المسلمين مُستقلين بالفكرة، وشيءٌ مؤكد، وهو استبعاد استعمال الفرس لهذا المنهج.

 

ويقرر الدكتور شاكر مصطفى - في أثناء الحديث عن المرحلة الثالثة من مراحل التدوين - أنَّ الهيثمَ بن عدي قام بوضع أول كتاب في التاريخ على أساسِ السنين، مُحققًا بذلك ثورةً في المنهج التاريخي على مطالع المائة الثالثة للهجرة[20]، وأنَّ جميع الكتابات التاريخية التي ظهرت إنَّما وضعت على أساس إسلامي بَحْت، كما نظمت على أساسِ التقويم الهجري، الذي ظهر مُبكرًا؛ ليُعين على تنظيمها، وهكذا لم يكن التاريخُ الإسلامي استمرارًا أو صلة للتواريخ القديمة؛ وإنَّما هو تاريخ إسلامي خالص، وقد نَما النمو المستقل ضمن حدود التطوُّر الثقافي الإسلامي.[21]

 

ويذهب الدكتور فتحي عبدالفتاح إلى أنَّ هناك مؤثراتٍ تأثر بها التاريخ الحولي، هذه المؤثرات هي الكتابات الإغريقيَّة، ولكن وجودَ التقويم الهجري كتقويم جديد جاء مع الإسلام كفيلٌ وكافٍ لتأريخ الأحداث التاريخية التي تَخصُّ المسلمين سنة بسنة، وهي بعينها الصورة الحولية في كتابة التاريخ.[22]

 

بينما يقول الباحث عبدالرحمن حسين العزاوي: إنَّ التاريخ الحولي عربي النشأة، دون ذكر أدلة.

 

المطلب الثاني: الحوليات عند المستشرقين:

وإذا انتقلنا إلى المستشرقين رأينا مرجليوث يرى عكسَ ما رآه روزنثال؛ إذ ينفي أن يكون المسلمون قد وقفوا على ترجماتٍ لتأريخ الإغريق، ويثبت احتمالَ إفادتهم من المؤرخين الفرس؛ إذ يقول: ... يبدو أنَّه لا يوجد أثر لأي ترجمة من مؤرخ إغريقي إلى اللغة العربية، ولم يفهم المفهرسون العرب تلك التواريخ التي تُعَدُّ نَماذج الكتابة التاريخية، بل يبدو أنهم أهملوا أيضًا المؤرخين السريانيين، الذين كانت آثارهم تثير اهتمامَ أولئك المشتغلين بالدراسات القديمة، وربَّما أفادوا من المؤرخين الفرس.[23]

 

أمَّا ما كان من ابتكار المؤرخين المسلمين - من وجهة نظره - فهو التأريخ بهجرة النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - الذي كان من ابتكار الخليفة الثاني، وكذلك تسجيل الأحداث بالسنة والشهر؛ بل باليوم، ولكنه يعود ليقرر أن تسجيل الأحداث بهذه الكيفية وجد مدونًا في أحد التواريخ الجاهلية.[24]

 

وفيما يتعلق بالطبري، يقول مرجليوث: ونجده - أي: التأريخ على السنين - متطورًا عند الطبري من بين المؤرخين العرب.[25]

 

أمَّا "أوليري"، فكان أكثر المستشرقين وضوحًا في نظرته إلى هذه القضية؛ حيث يُلخِّصُها في كلماتٍ قلائل بقوله: وفكرةُ الكتابة على المنهج الحولي انتقلت على هذا النَّحو إلى مُؤرخي العرب الأولين عن طريق اتصالهم بأولي العلم من السريان والمسيحيين أولاً، ثم عن طريق رجوعهم إلى المصادر الإغريقية الأصلية مباشرة.[26]

 

ومن هنا فإنَّ "أوليري" يتفق مع روزنثال؛ حيث قال: "... ولكن فكرة الترتيب على السنين جاءت إلى العلماء المسلمين الأُوَل عن طريق الاتِّصال بالنصارى المتعلمين"[27].

 

وإذا كان روزنثال قد رفض التأثير من جانب الفرس، وقال: إنَّ التأثير كله إنَّما يعود إلى الاتِّصال بالنصارى المتعلمين الذين كانوا نقلةً للتَّواريخ اليونانية، فإنَّ اثنين من المستشرقين ذهبا عكس ذلك تمامًا، وهما بروكلمان وجولد زيهر؛ يقول الأول: ونحن لا نزال نعتقد - مع جولد زيهر - أنَّ ظهورَ علم التاريخ عند العرب على هذا النحو يرجع إلى اعتمادِهم على نَماذج الفرس ومذاهبهم في تأليف الكتب من ملوك العجم، ولا سيما كتاب "خوذاي نامكك" عن ملوك بني ساسان[28].

 

أمَّا جان سوفاجيه كلودكاين، فيقول: كانت المؤلفات في أول أمرها تكتفي بتسجيل الأخبار، ثم بدأت تَجنح شيئًا فشيئًا إلى الترتيب الزمني على السنين (بطريقة الحوليات الأوروبية نفسها).

 

ومع أنَّ تاريخَ إيران الساسانية قد دُوِّن بالعربيَّة أو بترجمات إسلاميَّة إلى الفارسية الحديثة؛ مما يصعب معه تحديد أثر الفرس في هذا التطور الجديد تَحديدًا دقيقًا، إلاَّ أن هذا الأثر يكاد يكون مؤكدًا، ومما يؤكده أنَّ كل التواريخ التي دونت بالعربية في القرنين التاسع والعاشر الميلاديين كتبها إيرانيُّون للأرستقراطية الحاكمة، وإذا لم يكن هناك بُدٌّ من البحث عن نموذج أسبق لمثل هذا الترتيب، فسنجده في التاريخ اليوناني المسيحي وتنقيحاته السريانية.[29]

 

ومن هنا، فإنَّ جان سوفاجيه كلودكاين يرى تأثيرًا مُؤكدًا للفرس على العرب المسلمين في تطوُّر العملية التاريخية من مجرد جمع الأخبار إلى ترتيبها زمنيًّا على السنين، وهو بذلك يخالف روزنثال الذي نفى تمامًا وجود التأثير الفارسي.

 

المطلب الثالث: تعقيب:

أولاً: فيما يتعلق بالطبري يقول روزنثال: إنَّ أولَ مؤلف مسلم دوَّن التاريخ على ترتيب السنين، وبقي لنا تاريخه هو الطبري العظيم... ونظرًا لحجم الكتاب، فقد يبدو من غير المعقول أنْ يكون الطبري أول من طبق الصورة الحولية على الكتابة التاريخية.

 

ونوافق روزنثال - كما وافقه كثير من المؤرخين والباحثين - في أنه من غير المعقول فعلاً أن يكون الطبري أول من أرَّخ على نظام الحوليات، ليس فقط كما هو ظاهر من حجم كتاب الطبري - كما أشار روزنثال - ولكن من حيث درجة النضج والتطور الظاهرين في استخدامه لهذه الطريقة.

 

ثانيًا: أما بالنسبة لوجود التأثير الفارسي أو عدمه، فالراجح رأي روزنثال القائل بعدم وجود ذلك التأثير؛ لأَنَّ كلَّ الأدلة تَميل إلى إظهار عدم استعمالهم إيَّاه؛ نظرًا لعدم وجود حقبة مستمرة تُساعدهم على سُهُولة استخدام الطريقة الحولية، وحتى الذين قالوا بوجود ذلك التأثير لم يستطيعوا إيرادَ الأدلة على أنَّ صورة الترتيب على السنين دخلت بتأثير الفرس، فالدكتورة "سيدة كاشف" قالت بوجود التأثير الفارسي، ولكنَّها لم تعلل قولَها، أو حتى لم تبيِّن نوعَ ذلك التأثير، وكذلك الدكتور علي بكر حسن الذي مال إلى القول بوجود ذلك التأثير مُعتمدًا على قول الطبري: "... إنَّ الفرس كان ملكهم متصلاً..."؛ ولكن قول الطبري ليس دليلاً على استعمال الفرس لصورة الترتيب على السنين.

 

ثالثًا: أمَّا قول روزنثال بوجود التأثير الإغريقي السرياني، فكان بناءً على وجود تشابه بين الحوليات الإغريقية السريانية التي كانت موجودة في عصر ظهور الإسلام، وبين الحوليات الإسلامية المتأخرة، فقد استعمل كلٌّ من "أيونيس ملالاس"، و"يعقوب الرهاوي" طريقةَ الترتيب على السنين.

 

ومما يدل على دقة روزنثال قوله: لم يكن هناك كتاب معين ألهم المؤلفين المسلمين، ولكنَّ فكرةَ الترتيب على السنين جاءت إلى العُلماء المسلمين الأُوَل عن طريق الاتِّصال بالنصارى المتعلمين[30]؛ حيث كان المسلمون والنصارى يَعيشون معًا مرتبطين بصلات وثيقة في سوريا، فربَّما تعرف بعض العلماء المسلمين على هذه الطريقة عن طريق مناقشة عرضية مع أحد النصارى، ممن أشار بوجود كتب في آداب لغته منظمة على هذه الطريقة.

 

وعندما لم يتمكن روزنثال من إيراد الأدلة على انتقال فكرة الترتيب على السنين عن طريق الاتصال بالنصارى، قال: وإذا كان المسلمون قد استوحوا طريقةَ التأريخ على السنين من المؤرخين الإغريق والسريان، فإنَّهم قد حسَّنوا هذه الطريقة تَحسينًا عظيمًا، فقد كان المؤرخون المسلمون أمامهم عهود مستمرة؛ مما ساعد على سهولة عرض المادة التاريخية.[31]

 

وهذه المقولة تدل على أن روزنثال قد مال إلى القول باحتمال وجود ذلك التأثير، وحتى لو حدث هذا التأثير، فإنَّ المسلمين قد حسَّنوا في الطريقة التي اقتبسوها.

 

أولاً المصادر:

1- ابن سعد: الطبقات، ترجمة كريب، الجزء الخامس، القسم الأول، طبعة سخاو.

 

2- ابن هشام: سيرة النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - تحقيق محمد محيي الدين، المجلد الأول، الجزء الأول والثاني، مكتبة التراث، القاهرة.

 

ثانيًا: المراجع العربية الحديثة:

1- أ. أحمد أمين: ضحى الإسلام، طبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر، القاهرة، (1353هـ 1935م).

 

2- د. أحمد الحوفي: الطبري، المؤسسة المصرية العامة للتأليف، (د. ت).

 

3- جورجي زيدان: تاريخ آداب اللغة العربية، مطبعة الهلال، (1930).

 

4- د. حسين نصار: نشأة التدوين التاريخي عند العرب، منشورات اقرأ، بيروت، ط2، (1400هـ 1980م).

 

5- د. سعد بدير الحلواني، مدخل إلى علم التاريخ ومناهج البحث فيه.

 

6- د. سيدة إسماعيل كاشف: مصادر التاريخ الإسلامي ومناهج البحث فيه، مكتبة الخانجي، القاهرة، ط4، (1421هـ - 2001م).

 

7- د. السيد عبدالعزيز سالم: التاريخ والمؤرخون العرب، مؤسسة شباب الجامعة، الإسكندرية (1999م).

 

8- د. شاكر مصطفى: التاريخ العربي والمؤرخون، دار العلم للملايين، بيروت، ط2، (1983م).

 

9- د. شوقي الجمل: علم التاريخ ومناهج البحث فيه، دار الزهراء، الرياض، ط2، (1422هـ 2002م).

 

10- د. عبدالعزيز الدوري: بحث في نشأة علم التاريخ عند العرب، دار المشرق، بيروت، (1983م).

 

11- د. عبدالعليم عبدالرحمن خضر: المسلمون وكتابة التاريخ، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، الأردن، ط1، 1415هـ - 1995م).

 

12- د. علي أدهم: بعض مؤرخي الإسلام.

 

13- د. علي بكر حسن: الطبري ومنهجه في التاريخ، دار غريب، القاهرة، 2004م.

 

14- د. فتحي عبدالفتاح أبو سيف: علم التاريخ ومنهج البحث فيه، مطبعة علاء الدين، القاهرة، (د. ت).

 

15- د. نور الدين حاطوم وآخرون: المدخل إلى علم التاريخ، المطبعة العصرية، القاهرة، (1383هـ - 1964م).

 

ثالثًا: المراجع العربية المترجمة:

1- أوليري: مسالك الثقافة الإغريقية إلى العرب، ترجمة د. تمام حسان، مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة (1957م).

 

2- جان سوفاجيه كلودكاين: مصادر دراسة التاريخ الإسلامي، ترجمة: د. عبدالستار الحلوجي، ود. عبدالوهاب علوب، المجلس الأعلى للثقافة، (1998م).

 

3- كارل بروكلمان: تاريخ الأدب العربي، ترجمة: د. عبدالحليم النجار، دار المعارف، مصر (1974م).

 

رابعًا: الرسائل العلمية:

1- عبدالرحمن حسين العزاوي: المنهج التاريخي عند المؤرخين العراقيين، قسم التاريخ الإسلامي، دار العلوم، القاهرة، أطروحة ماجستير، (1979م).



[1] د. سيدة إسماعيل كاشف، "مصادر التاريخ الإسلامي ومناهج البحث فيه"، مكتبة الخانجي، القاهرة، ط4، 1421هـ 2001م ص 55.

[2] المصدر السابق نفسه، والصفحة نفسها.

[3] المصدر السابق نفسه، والصفحة نفسها.

[4] جورجي زيدان، "تاريخ آداب اللغة العربية"، مطبعة الهلال، 1930م، ج2، ص 35.

[5] د. حسين نصار، "نشأة التدوين التاريخي عند العرب".

[6] د. علي أدهم، "بعض مؤرخي الإسلام"، ص 32.

[7] المصدر السابق نفسه، ص 43.

[8] أ. عبدالحميد العبادي، "علم التاريخ عند المسلمين"، ص 66: 67. وانظر د. أحمد الحوفي، "الطبري"، المؤسسة المصرية العامة للتأليف، (د. ت) ص 196.

[9] د. سعد بدير الحلواني، "مدخل إلى علم التاريخ ومناهج البحث فيه"، ص 115.

[10] المصدر السابق نفسه، الصفحة نفسها.

[11] د. سعيد بدير الحلواني: "مدخل إلى علم التاريخ"، ص 115.

[12] د. علي بكر حسن: "الطبري ومنهجه في التاريخ"، دار غريب، القاهرة، (2004)، ص 130.

[13] د. علي بكر حسن: "الطبري ومنهجه في التاريخ"، ص 93.

[14] المصدر السابق نفسه ص130.

[15] أ. أحمد أمين: "ضحى الإسلام"، طبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر، القاهرة، (1353هـ - 1935م)، ج2، ص 351.

[16] د. نور الدين حاطوم، د. نبيه العاقل، د. أحمد طربين، د. صلاح مدني، "المدخل إلى التاريخ"، المطبعة العصرية، القاهرة، (1383هـ - 1964م) ص 264 - 265.

[17] د. نور الدين حاطوم، وآخرون: "المدخل إلى علم التاريخ" ص 271.

[18] د. عبدالعليم عبدالرحمن خضر، "المسلمون وكتابة التاريخ"، ص 206.

[19] د. عبدالعليم خضر، "المسلمون وكتابة التاريخ"، ص 204.

[20] د. شاكر مصطفى، "التاريخ العربي والمؤرخون"، ج2، ص 100.

[21] المصدر السابق، نفسه، ص 85.

[22] د. فتحي عبدالفتاح أبو سيف: "علم التاريخ ومنهج البحث فيه"، مطبعة علاء الدين، القاهرة، (د. ت) ص 19.

عبدالرحمن حسين العزاوي، "المنهج التاريخي عند المؤرخين العراقيين"، ماجستير، دار العلوم، قسم التاريخ الإسلامي (1979)، ص 197.

[23] أ. أحمد أمين: "ضحى الإسلام"، ج2، ص 360.

[24] المصدر السابق نفسه، الجزء والصفحة نفسهما.

[25] المصدر السابق نفسه، ج2، ص 360 - 361.

[26] أوليري: "مسالك الثقافة الإغريقية إلى العرب"، ترجمة د. تمام حسان، مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة (1975م)، ص 3.

[27] روزنثال: "علم التاريخ عند المسلمين"، ص 110.

[28] كارل بروكلمان: "تاريخ الأدب العربي"، ترجمة: د. عبدالحليم النجار، دار المعارف، مصر، ط3، 1974م، ج3، ص 8.

[29] جان سوفاجيه كلودكاين: "مصادر دراسة التاريخ الإسلامي"، ترجمة: د. عبدالستار الحلوجي، ود. عبدالوهاب علّوب، المجلس الأعلى للثقافة، (1998م).

[30] روزنثال: "علم التأريخ عند المسلمين"، ص 110.

[31] روزنثال، "علم التأريخ عند المسلمين"، ص 110، 111.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • صورة تاريخ الخبر
  • الصورة وجمالية النسق في توقيعات نعيمة خليفي
  • هل الصور كالتماثيل؟

مختارات من الشبكة

  • الصورة الشعرية بين الثابت والمتحول في القصيدة العربية (صورة الليل والفرس نموذجا)(مقالة - حضارة الكلمة)
  • بلاغة السرد .. أو الصورة البلاغية الموسعة(مقالة - حضارة الكلمة)
  • كل من يدخل الجنة تتغير صورته وهيئته إلى أحسن صورة وأجمل هيئة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • صناعة الصورة باليد مع بيان أحكام التصوير الفوتوغرافي (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • الفرق بين (السورة) و (الصورة)(مقالة - حضارة الكلمة)
  • في النهي عن وصف الملائكة بقبح الصورة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الأربعون العقدية: حديث الصورة (الجزء الثاني)(مادة مرئية - مكتبة الألوكة)
  • الأربعون العقدية: حديث الصورة (الجزء الأول)(مادة مرئية - مكتبة الألوكة)
  • الصورة الذهنية للعلاقة الزوجية عند الرجل(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • الصورة الذهنية للنجاح(مقالة - موقع د. زيد بن محمد الرماني)

 


تعليقات الزوار
1- تأييد لقول الاستاذ ابراهيم
د. ياسر البدري - العراق المحتل 11-01-2011 10:38 AM

قول روزنثال غير دقيق فقد سبق الطبري في هذا المجال خليفة بن خياط (ت:240هـ)؛والفسوي (ت:277هـ)، ولم يطلع روزنثال على هذين المصدرين كونه مات قبل نشرهما.
حقق هذان الكتابان الاستاذ المؤرخ الدكتور أكرم ضياء العمري الأول سنة 1967م والثاني سنة 1974م.
بارك الله بالجهود المبذولة من قبل الأستاذ إبراهيم السيد وتحياتي له والآخرين.

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • دفعة جديدة من خريجي برامج الدراسات الإسلامية في أستراليا
  • حجاج القرم يستعدون لرحلتهم المقدسة بندوة تثقيفية شاملة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 21/11/1446هـ - الساعة: 10:16
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب