• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | الثقافة الإعلامية   التاريخ والتراجم   فكر   إدارة واقتصاد   طب وعلوم ومعلوماتية   عالم الكتب   ثقافة عامة وأرشيف   تقارير وحوارات   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    منهج شياطين الإنس في الشرك
    أ. د. فؤاد محمد موسى
  •  
    سيناء الأرض المباركة
    د. حسام العيسوي سنيد
  •  
    استراتيجيات المغرب في الماء والطاقة والفلاحة ...
    بدر شاشا
  •  
    طب الأمراض التنفسية في السنة النبوية
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    الاستشراق والمعتزلة
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
  •  
    زبدة البيان بتلخيص وتشجير أركان الإيمان لأحمد ...
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    مفهوم الصداقة في العصر الرقمي بين القرب الافتراضي ...
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    الخنساء قبل الإسلام وبعده
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    العلم والمعرفة في الإسلام: واجب ديني وأثر حضاري
    محمد أبو عطية
  •  
    حول مصنفات وآثار الإمام ابن جرير الطبري (10) الرد ...
    محمد تبركان
  •  
    تفيئة الاستشراق
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    الطعن في الأحاديث النبوية سندا ومتنا
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
  •  
    طرق فعالة للاستفادة من وسائل التواصل الاجتماعي
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    حول مصنفات وآثار الإمام ابن جرير الطبري (9) بسيط ...
    محمد تبركان
  •  
    تهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني طبعة دار البر ...
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    التحقيق في ملحمة الصديق (7) دلالات وعبر
    محمد صادق عبدالعال
شبكة الألوكة / ثقافة ومعرفة / التاريخ والتراجم / سير وتراجم / سير وتراجم وأعلام
علامة باركود

ترجمة العلامة عبدالحي الكتاني

محمد زياد التكلة

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 11/11/2010 ميلادي - 4/12/1431 هجري

الزيارات: 80891

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

ترجمة العلامة عبدالحي الكتاني[1]

هو السيِّد العلاَّمة، المحدِّث المسنِد، المؤرِّخ النسَّابة المطَّلع، أبو عبدالأحد، عبدالحي بن عبدالكبير بن محمد بن عبدالواحد الكَتَّاني، الإدريسي الحَسَني، الفاسي، المتكنِّي بأبي الإسعاد، وأبي الإقبال، والمكنَّى أيضًا بأبي الإرْشاد وأبي المجد وأبي الكُنَى.

 

ووالدتُه فضيلةُ بنت إدريس الكتاني (ت 1334)، أفْرَد المترجَمُ ترجمتها في كتاب، وهو مطبوع.

 

وُلِد في مدينة فاس في جمادَى الأولى سنة 1302، كما رأيتُه بخطه، ونشأ في أسرةٍ عِلمية في كنف والده وأخيه الكبير محمد، وخاله جعفر، وهم مِن كبار علماء بلادِهم، ودخَل في المكتب الذي تحت زاويتهم، المعروف بمكتب الكهْف بجريز، فقرأ على الفقيهِ عليِّ بن أحمد زويتن، ثم على الفقيهِ أحمد البغل بمكتب حومة ابن صوال، ثم على الفقيه محمد الصِّنهاجي بمكتب وادي رشَاشَة.

 

ثم دخَل القرويين سنة 1314، ولازم كبارَ علمائها.

فمن شيوخه في بلده:

1- والده: وهو عُمْدته، قرأ وسَمِع عليه صحيحَ البخاري مِرارًا، والشفا، والشمائل مرات، وطرفًا من مسند أحمد، وأطراف الكتب الستة وغيرها، والأوائل والمسلسلات والأجزاء، وكتب التفسير، خصوصًا الدُّر المنثور، والبغوي، وابن كثير، والأُلوسي، وغير ذلك مِن العلوم.

 

2- وشقيقه محمد: حضَر عليه في البخاري، والشفا، وسنن النسائي، والشمائل، وجملة صالحة من الترمذي، والمواهب مجردة، وسمع عليه الكثيرَ مِن كتب الحديث والتصوُّف، ولازمَه طويلاً، وتأثَّر به.

 

3- خاله جعفر الكتاني: قرأ عليه دُروسًا في الهمزية، وأخذ عنه مسائلَ مِن الفقه، وسمِع عليه بعض المختصَر بشروحه.

 

4- وابن خاله محمد بن جعفر الكتاني: حضَر درسَه في الصحيحين، والموطأ، وسنن أبي داود، والألفية، والمختصر، والمرشد، وجمع الجوامع، وعبادة المختصر، وابن عاشر، وغير ذلك، وسمِع عليه كثيرًا من المسلسلات والأوائل والفوائد.

 

5- أحمد ابن الخيَّاط الزُّكاري: سمِع منه الأولية، وقرأ عليه مجالسَ في البخاري، وجميع الشفا، والطرفة في الاصطلاح بشرحها وحاشيته عليها، وغيرها.

 

6- مَحمد - فتحًا - بن قاسم القادري: أخَذ عنه جُلَّ الشمائل بشرح جَسُّوس وحاشيته عليه، وغيرها في الفِقه وأصوله، والسِّيرة.

 

7- محمد بن محمد بن عبدالسلام كَنُّون: حضَر عليه خاتمةَ جمع الجوامع، وعبادة المختصر بشرح الدَّردير، ومجالس مِن المطوَّل.

 

8- أحمد بن الطالب ابن سودة المُرِّي: سمِع عليه بعض الصحيح، وأوَّل الصحيحين والشمائل.

 

9- أحمد بن محمد بن الطيب الكاوْزي الفيلالي: أخَذ عليه المختصر، والآجرومية، والألفية، والشمائل، والسنوسية، وطرفًا من المنطق، والاستعارة بالشيخ الطيب ابن كيران.

 

10- عبدالسلام الهواري: أخَذَ عنه الشمائل والموطأ.

 

11- خليل بن صالح التلمساني: أخَذ عنه الألفية.

 

12- أحمد ابن الجِيلالي الأمغاري: أخَذ عنه جمع الجوامع.

 

13- محمد الفضيل بن الفاطمي الشبيهي الإدريسي الحسني الزَّرْهُوني: سَمِع عليه في زَرْهون جملةً من الصحيحين والشمائل، ومن شرْحه للبخاري المسمَّى بالفجر الساطع.

 

ويقول المترجَم عن نفسه: "وأقبل على المطالعةِ والدِّراسة بهمَّة ونشاط، وعَزْم وحَزْم، بحيث لا يُذكَر أنَّه نام مدَّة عمره إلا غَلَبة"، فظهر نبوغُ المترجَم مبكرًا، وحدَّث وما في وجهه شَعْرة، وابتدأ التصنيفَ آخر سنة 1315، ودرَّس في الزاوية الكتانية سنة 1319، ثم في القرويين سَنَة 20، واستجازه السلطانُ عبدالحفيظ سنة 1321 في مراكش، وكتب له ثَبَتًا خاصًّا[2]، بل اختير مِن الطبقة الأولى من علماء فاس سنة 1325، وهو في الثالثة والعشرين مِن عمره، وقبلها بثلاث سنين اختير ضِمنَ عشرة من كبار العلماء يَقرؤون البخاري في القُبَّة الإدريسية، وهم: خاله جعفر، وابن الخيَّاط، والقادري، والهواري، وكنون، وابن الجيلالي، وكلهم مِن شيوخه، وابن القرشي، وعباس التازي، ومحمد بن محمد المدغري.

 

وتولَّى أيضًا جمعيةَ الكتب بخزانة القرويين، وكان مِن أسباب تكوين المجلس العلمي، وكانتْ له وجاهةٌ كبيرة، ومشاركة في الأحداث العامَّة والحَلِّ والعَقْد، حيث أسهَم في خلْع وتنصيب اثنين مِن سلاطين المغرِب[3].

 

من رحلات المترجَم:

سافر لِعِدَّة مناطقَ في بلاده، وزار علماءَها، مثل مكناس وزرهون سنة 18، والرباط وسَلاَ سنة 19، ومراكش سنة 21، ثم سافر للحجِّ المرة الأولى سنة 1323، واستجاز في طريقِه مِن علماء مصر، ودرَّس في الأزهر، وأخَذ عن جماعةٍ من علماء الحجاز، وقرأ على بعضِهم، وتعرَّف فيها على المسند الكبير أحمد أبي الخير العطَّار، واستفاد كلٌّ منهما مِن الآخر، ودرَّس الحديث في الحرمين، ثم رحَل للشام، ودار بلدانها، وأخَذَ عن كِبار مشايخها سماعًا وإجازةً كذلك، ودرَّس في الأقْصَى وفي الأُموي بعدَ صلاة الجمعة، ثم رجَع لمصر، وأجاز وأُجيز في رحلاته، وحصَّل مِن نفائس الكتب الشيءَ الكثير.

 

عاد إلى بلادِه في ربيع الثاني سنة 24، وقد زادتْ شهرته، وبقِي على وجاهته وسيادته، إلى أنْ حصلت النكبة لفَرْع أسرته، التي أسفرتْ عن سجْنه ومقتل أخيه الأكبر شيخه محمَّد سنة 27[4].

 

ثم عادتِ المياه لمجاريها بتولِّي السلطان يوسف سنة 1330، وأعيدت الزوايا الكتانية، ومكتبة المترجَم المصادَرة، وكان المترجَم قبلُ قدِ انقطع للتدريس في القرويين، وسعَى في تطويره، ورحل مرارًا إلى قبائلِ البربر مرشدًا ومدرِّسًا، ثم رحل المترجَم للجزائر وتونس سنة 39، واحتفَى به أهلُها، وكرَّر لهم الزيارة بعدئذٍ مرات، وانتُخب عضوًا في المجمع العِلمي في دمشق.

 

وحجَّ المرة الثانية الأخيرة سَنة 1351، وتسابق للأخْذ عنه الكبارُ قبل غيرهم، وجدَّد لذلك طبع إجازته المسمَّاة منح المنة، ثم توجَّه للشام، وعاد إلى بلادِه سنة 52، وعلى عادته في أسفاره، رجَع محمَّلاً بنفائسِ الكتب والمخطوطات.

 

وسافَر إلى أوربا، وزار شكيب أرسلان، وزار روما، ودرَّس في السوربون.

 

طائفة من مجيزي المترجم:

قال المترجم عن نفسه: "وقد أشْرَبه شقيقُه الشيخُ أبو الفيض مرَّةً بيده الكريمة ماءَ زمزم قائلاً: اشربه بنيَّة أن تجمع عِلمَ الحافظ ابن حجر ومشيخته، وذلك يوم السبت سابع عشر جمادى الثانية عام 1318 بفاس".

قلت: أجازه نحوُ خمسمائة نفْس مشافهةً ومكاتبة، فكان مُسنِدَ عصره بلا منازع، وكتابُه فهرس الفهارس هو عمدةُ المشتغلين في الرِّواية مِن وقته للآن.

 

وقد سَرَدتُ أكثرَ مِن مائتين مِن شيوخه في تحقيقي لمِنَح المنَّة، مع فوائدَ تتعلَّق بهم، ومنهم:

مِن أهل المغرب - سوى من تقدَّم -: عبدالله بن إدريس السنوسي الأثري، ومحمد بن إبراهيم السباعي، وحميد بن محمد البناني، ومحمَّد بن عبدالرحمن البَرِيْبْري، ومحمد بن عبدالواحد الشبيهي، وعبدالله بن الهاشمي بن خضراء السلاوي، وأبو جيدة الفهري.

 

من أهل الجزائر: علي بن أحمد بن موسى الجزائري، ومحمَّد بن محمد بن أبي القاسم الهاملي.

 

ومن أهل تونس: عمر ابن الشيخ، وسالم بو حاجب، ومحمد الطيب بن محمد النيفر، ومحمد المكي بن عزوز.

 

ومن أهل ليبيا: أحمد الشريف السنوسي.

 

ومن أهل مصر: عبدالرحمن الشربيني، وسليم البِشْري، وأحمد الرفاعي الفيومي، ومحمد بخيت المطيعي، وحسين منقارة الطرابلسي، وأحمد الجمل النهطيهي، ومحمد بسيوني عسل القرنشاوي، وحسونة النواوي، وعبدالمجيد الشرنوبي، وأبو الفضل الجيزاوي الورَّاقي، ومحمد إمام السقا.

 

ومن أهل الحجاز: حبيب الرحمن الهندي المدني، وفالح الظاهري، وعلي بن ظاهر الوتري المدني، وأحمد بن إسماعيل البرزنجي، ومفتي مكة حسين بن محمد الحبَشي، وعبدالجليل برادة، ومحمد بن سليمان حسب الله، وأحمد أبو الخير مرداد الحنفي المكي، وأحمد الحضراوي، وإبراهيم الخنكي السلفي.

 

ومن أهل الشام: جمال الدِّين القاسمي، وعبدالرزاق البَيْطار، وعبدالله بن درويش السُّكَّري، وسعيد الحبال، وأبو النصْر نصر الله بن عبدالقادر الخطيب، وعبدالحكيم الأفغاني، وعبدالله القدومي، وأبو الخير عابدين.

 

ومن أهل العراق: أحمد بن صالح السويدي.

 

ومن أهل اليمن: محمد بن سالم التَّرِيمي، وعلي الأهدل الزَّبيدي.

 

ومن أهل الهند: حسين بن مُحْسِن الأنصاري الأَثَري، ومحمد محيي الدين الجعفري، ومحمد نور الحسنين بن محمد حيدر الأنصاري اللكنوي، وخضر بن عثمان الرضوي، وأحمد أبو الخير العطار، وهداية الله الفارسي الحنبلي.

 

ومن الأتراك: محمد فرهاد بن عمر الريزي.

 

ومن أهل جاوة: عثمان بن عبدالله بن عقيل العلوي.

 

مكتبته:

كانت مكتبتُه في فاس من نوادرِ الخزائن في العصور المتأخِّرة جمعًا ونفاسةً، بذَل لها النفْس والنفيس، وساعدَه كونه مِن الأثرياء الباذلين، والوجهاء العالِمين، فانعكَس ذلك على سَعَة اطلاعه ونُدرة مصادره في مؤلَّفاته[5]، مثل: "فهرس الفهارس والأثبات"، و"التراتيب الإدارية"، و"تاريخ المكتبات الإسلامية ومن ألَّف في الكتب"، وكان باذلاً لها، مفيدًا للعلماء والباحِثين، وكان أوْقَفها مع مقرِّها الكبير، مع بيتين لصيانتها، وأرَّخ لها عددٌ، منهم أحمد بن محمد النميشي، وعبدالله الجراري.

 

المترجم بين التصوف والحديث:

كان المترجم صوفيَّ النشأة، تربَّى في الزاوية الكتانية، وصار شيخَها بعدَ وفاة والده وأخيه سنة 1333، وهذا بارزٌ في إنتاجه المبكِّر، ولكنَّ عِلمَه واطِّلاعه الواسع؛ واشتغالَه الكثير بالحديث[6]؛ ولقاءَه بالأعلام في البلدان - كل ذلك أثَّر عليه أيَّما تأثير، فلم يكن صوفيًّا صرفًا، ولا مُغرِقًا من أهل الشَّطْح، بل كان متتبِّعًا للسنَّة، داعيًا لها، وعارفًا بقدْر أعلامها، يحاول إصلاحَ التصوف تدريجيًّا من الداخل، وأسَّس دار الحديث في فاس، وأقرأ ودرَّس أُمَّات كتب السنة[7]، وكان بعضُها مِن النادر إقراؤه في عصره ومِصْره.

 

وهذه بعض النقول في ذلك:

قال ابنه القاضي عبدالأحد - الذي كان مرشَّحًا لخلافته لولا سبقُ الأجَل - في مقدِّمة فهرس الفهارس المطبوع بإشراف والده: "ورأيه في الطُّرُق الصوفية وجوبُ إصلاحها تدريجيًّا[8]، والسعي في تربيةِ مَن يرأسها تربيةً عِلمية دِينية، لا القضاء عليها، فإنَّها الرابطةُ الوحيدة بين كثيرٍ من المتدينين اليوم".

 

وقال: "سيِّدنا الشيخ الإمام المترجَم أكبرُ ساعٍ ومدير لدوالب عاطفة الاتحادِ بيْن مختلف أربابِ الطرائق والمبادئ والغايات..."، إلى أن قال: "ساعٍ لتمكين العقيدة السَّلفيَّة منهم، وإيثار الأورادِ النبويَّة المأثورة على غيرها، مُخفِّف لوطأة غلوِّ الاعتقاد منهم".

 

وقال تلميذه الخاصُّ وسارد (قارئ) دروسه العلاَّمة محمد بن أبي بكر التطواني السَّلاَوي: "ولقد قال لي في يومٍ من الأيام وهو في طريقه إلى الزاوية: أربعةٌ مِن الأئمَّة أجد لهم في قلْبي من الإجلال ما لم أجدْه في غيرهم مِن عظماء الإسلام، وظننتُ وهو ابن الزاوية أنه سيذكُر الشيخ الأكبر ومَن هم على مشربِه، ولكن الواقع بعكس ذلك! فالأربعة هم: ابنُ حزم المتوفى سَنَة 456، وابن العربي المتوفَّى سنة 543، وابن الجوزي المتوفَّى سنة 597، وابن تيمية[9] المتوفى سنة 728، وأظنُّ أنَّه لو وقَف على بعض آثار الإمام أبي الوفاء ابن عَقيل المتوفَّى سنة 513 لأضافَه إليهم.

 

والأغرب مما ذكر هو ما صدَّر به نُسخةً عتيقة من تلبيس إبليس للحافظ ابن الجوزي، وهو مِن الكتب التي يَنظر إليها عُشَّاقُ التصوُّف بعيْن السُّخط، فبعدَ أنْ دافع عن بعض مَن حشَرَهم المؤلِّف في كتابه، وكال لهم بالمكيال الأوْفَى، كصاحب الحلية الحافظ أبي نعيم، وصاحب الإحياء حجَّة الإسلام، رَفَع مِن شأن الكتاب، واعتبرَه مِن أهمِّ الكتب التي فضحَتْ ما يُحاك في الخفاء ضدَّ الإسلام، وما يُضاف إلى جوهرِه النقي مِن خيالات وأوهام.

 

ويُشبه موقف الشيخ مِن هذا الكتاب ما له مِن تعاليقَ على نسخة مِن "عدَّة المريد" للعارف الكامل الشيخ سيدي أحمد زرُّوق المتوفى سنة 899[10].

 

وأمَّا في مسائلِ الفقه فما كان أيضًا متعصِّبًا للمذهب المالكي، ومِن ذلك مسألة القبْض في الصلاة كان ينصُر سُنَّةَ القبض، ويخالف ما استقرَّ عليه المالكية فيها، وألَّف في ذلك كتابه "البحر المتلاطم الأمواج"، قال فيه العلامة المكي بن عزوز في رسالة للمترجَم: "وإنَّ أكبرَ ما أعجبني منه أنه لا يختصُّ بنُصْرة القبض، بل داعٍ إلى السُّنن كلها، ذابٌّ عن المنهج المحمدي كلِّه، دامغ لرؤوس المبتدِعة مِن غلاة المقلِّدة".

 

وكان يميلُ للاجتهاد، وألَّف فيه مؤلَّفًا، وأشار له في فِهْرسه (2/730)، وكان يُقدِّم نيل الأوطار كثيرًا، كأخيه الأكبر محمد؛ الذي أدْخَل الكتاب لفاس، وأقام له حفْلاً كبيرًا حضَرَه كبارُ العلماء، ودعاهم لقِراءته والانتهاج بنهْجه بالعملِ بالكتاب والسُّنَّة ونبْذ التعصُّب.

 

وأختم المبحث بوصيةِ المترجَم التي أضافها إلى الطبعة الأخيرة من كتابه "منح المنة" حيث أوْصَى بـ"احترامِ حُرْمة الدِّين والأمَّة، وملازمة الجماعة والغَيْرة على الدِّين والسُّنَّة، وتقديمهما على أمر كلِّ ذِي مُنَّة".

 

موقفه من مسائل الصفات:

قال في كتابه "البيان المعرب" (ص: 11 - 12 الحجرية) بعدَ أن نقَل تأويلاً لجماعةٍ من العلماء: "ولا شكَّ أنَّ هذا الحملَ جارٍ على طريقةِ الخَلَف الذين يُؤوِّلون أخبارَ القرآن وأحاديث السنَّة المتشابهة بالحَمْلِ على ما يُطابق العقلَ والنقل، وأمَّا مَن كان سَلَفيَّ العقيدة، أَثَريَّ الفِطرة: فلا شكَّ أنَّه لا يُقْدِمُ على ما عليه أقْدَموا، ولذا قال مُختصِر كتاب الأسماء والصفات عقِبَ ما سبق عن البيهقيِّ ما نصُّه: كلُّ ما ذَكَره من معاني الأحاديث في هذا الباب عنه وعن غيرِه له تأويلٌ على طريق الخَلَف التي تُخالِف ديدنَ السلف، والتفويض هو الأسْلَم، وفيه السلامةُ عن الخطأ وإحالة المرادِ إلى الله ورسولِه - صلَّى الله عليه وسلَّم" ا.هـ.

 

أقول: ولا يشكُّ عاقلٌ موقِن أنَّ طريقةَ السَّلَف في مسألة المتشابه أسلم المذاهب، وأَولاها بالحقِّ والقَبول، وناهيك بنِسبة هذا القول للسَّلَف، الذين هم الصحابة فمَن بعدهم مِن أهل القرون الثلاثة، والصوفية كافَّة، وأهل الحديث قاطِبة، وقد نقَل الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" أنه لم يُنقَل عن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - ولا عن أحدٍ من الصحابة من طريقٍ صحيحٍ: التصريحُ بوجوب تأويلِ شيءٍ مِن ذلك - يعني: المتشابهات - ولا المنْع مِن ذكره، ومِن المحال أن يأمرَ الله نبيَّه بتبليغِ ما أنزل إليه من ربِّه ويُنزل عليه: ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ﴾ [المائدة: 3]، ثم يترك هذا الباب؛ فلا يُميِّز ما يجوز نسبةُ الله إليه ممَّا لا يجوز، مع حثه على التبليغ عنه بقوله: ((ليبلِّغِ الشاهدُ الغائبَ))، حتى نقلوا أقوالَه، وأفعاله، وأحواله، وما فُعِل بحضرته، فدلَّ على أنَّهم اتَّفقوا على الإيمان بها على الوجهِ الذي أراده الله منها، ووجَب تنزيهُه عن مشابهةِ المخلوقات بقوله: ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ﴾ [الشورى: 11]، فمَن أوْجَب خلافَ ذاك بعدَهم، فقد خالَف سبيلَهم. اهـ.

 

ونقل عن الإمامِ الشافعي أنَّه قال: إنِّ لله صفاتٍ وَصَفَ الله بها نفسَه، ووَصَفَه بها نبيُّه - صلَّى الله عليه وسلَّم - مما لا يُدرَك حقيقة ذلك بالفِكْر والرويَّة، فنحن نُثبِت هذه الصفات، ونَنفي عنه التشبيهَ، كما نفَى ذلك عن نفسه، فقال: ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ﴾ [الشورى: 11] ا.هـ.

وعلى هذه العقيدةِ السَّلفيَّة مات الأشعريُّ وإمامُ الحرمَيْن، وغيرهما من نُظَّار المتأخِّرين.

وممَّن أفرد الانتصارَ لها بالتأليف شيخُ شيوخ أشياخنا اليمنيين: الإمام الحافظ محمد بن علي الشوكاني الصنعاني سمَّاه: "الانتصاف لمذهب الأسلاف".

وراجِع رسالتنا على حديثِ الأولية، وما كتبْناه على ختْم أحاديث الأربعين النوويَّة، والله الهادي الموفق.

فعَلَى هذه الطريقة التي هي معتقدُه، وأمنيتنا أن نموتَ عليها إنْ شاء الله تعالى، نقول..." إلخ.

والكتاب عليه تقريظُ محمد الصادق النيفر التونسي سنة 1331، فأظنُّه طُبِع تلك السَّنَة.

 

من مؤلفاته:

ساق في ترجمته الذاتية مائة وعشرة عناوين، وساق ابنُه في مقدمة "فهرس الفهارس" (1/24) مائة وثلاثين عنوانًا، بل ذكَر سكيرج في "رياض السلوان" (ص: 43) أنَّ مؤلفاتِه تنوف على الخمسمائة، ومنها:

فهرس الفهارس والأثبات، التراتيب الإدارية، مفاكهة ذوي النبل والإفادة حضرة مدير السعادة، ما علَق بالبال أيَّام الاعتقال، إنارة الأغوار والأنجاد بدليل معتقد ولادة النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - من السبيل المعتاد، الأجوبة النبْعة عن الأسئلة الأرْبعة، النور الساري على صحيح البخاري، التزم ألا يتعرَّض فيه إلا لما أغفلتْه الشروح والحواشي - رأيت قطعةً منه من كتاب الجمعة - ختم البخاري، تعليقة على جامع الترمذي - رأيتُ قطعةً منها في الصلاة - ختم جامع الترمذي، الاعتراضات والعراقيل لمن يُسمِّي ملك الموت عزرائيل، الأربعون حديثًا التي عُزِيت إلى كتب لم توجدْ فيها، عقد الزبرجد في أنَّ مَن لغا فلا جمعة له ممَّا نُقب عنه مِن الأخبار فلم يوجد، المخبر الفصيح عن أسرار غرامي صحيح، إفادة النبيه لتيسير الاجتهاد ومَن ادَّعاه أو ادُّعي فيه، البحر المتلاطم الأمواج المُذهِب لما في سُنَّة القبض من العناد واللجاج: ذكر أنَّه كالموسوعة في نُصْرَة السُّنة والعمل بالدليل، نصيحة كتَبها للسلطان عبدالحفيظ، جزء فيما ورد من الأحاديث النبويَّة عن أسباب استيلاءِ الفرنج على بلاد الإسلام آخرَ الزمان، الإجازة إلى معرفة أحكام الإجازة، جلاء النقاب عن أحاديث الشِّهاب، كشف اللبْس عن حديث وضْعِ اليد على الرأس، المورد الهائل على كتاب الشمائل، قال: في نحو مجلدين، ضاع أغلبُه، المسالك المتبوعة في الأحاديث الموضوعة، تبليغ الأمانة في مضارِّ الإسراف والتبرُّج والكهانة، التنويه والإشادة بنسخة ورواية ابن سعادة مِن صحيح البخاري، رسالة في إثبات التدوين والجمْع لأهل القرن الأول الهجري، رسالة حاء التحويل، مجموع الأجوبة الحديثيَّة، تاريخ المكتبات الإسلاميَّة، الأوائل الكتانية، الإفادات والإنشادات، المعجَم الأكبر، قال: في مجلَّدات لم يرتَّب.

وأما مراسلاته، فشيءٌ كثير جدًّا، وفيها معلوماتٌ وفوائدُ كثيرة.

 

محنته الأخيرة وخاتمته:

أصابتِ المُترجَمَ قبل سنوات مِن وفاته محنةٌ أخرى من تبِعات مبايعته مع طائفة مِن أعيان المغرب لمحمَّد بن عرفة - وهو مِن الأسرة العلوية الحاكمة بالمغرِب - وما حصَل لقاءَ ذلك من قلاقل في البلاد، فبعدَ أن عُزِل ابنُ عرفة وعاد الملك محمد الخامس للحُكم سنة 1375، صدر القرار بمصادرةِ أملاكه الكثيرة، ومنها مكتبتُه العامِرة، وأُشيعتْ عنه التُّهَم، وشُوِّهت سُمعتُه، واستطال عليه مخالفوه، وصار الناس فيه لأجْلِ هذه الأحداث على طرفي نقيض[11]، وعندَ الله تجتمع الخصوم، فاستقرَّ خارج البلاد، وتُوفِّي غريبًا في مدينة نيس جنوب فرنسا، فجرَ الجمعة 28/4/1382 على ما حدَّده محمد بن أبي بكر التطواني في إجازته للمصلوت، وكذا المؤرخ ابن سودة، وقيل في غيره، وخُتم له بلفظِ الشهادة كما أخبَرَنا ابنُه الشيخ عبدالرحمن، ودُفِن في مقابر المسلمين قُرْب مدينة نيس، رحمه الله تعالى، وأسكنه فسيحَ جنَّاته، وتجاوز عنَّا وعنه بمنِّه وكرمِه.

 

وأخْتِم هذه العُجالة المختصرة بالقول: إنَّ الكتابة عن هذه الشخصية الكبيرة - في عِلمها وآثارها، وصِلاَتها ومواقفها وأطوارها - يستوجب دراسةً واسعةً مُوثَّقة بعيدةً عن المؤثرات، وهي جديرةٌ بذلك، يسَّر الله لها باحثًا مطَّلعًا صبورًا منصِفًا[12].

 

وصيتُه التي ختَم بها إجازته المطبوعة:

"موصيًا للسيِّد المجاز بتقوى الله تعالى - التي هي ملاكُ الأمر كلِّه - في السِّرِّ والعلن، فيما ظهَر وبطن، ورفْع الهِمَّة، واحترام حُرْمة الدِّين والأمَّة، وملازمة الجماعة والغَيْرة على الدين والسُّنَّة، وتقديمهما على أمر كلِّ ذي مُنَّة.

 

وأرجو ألاَّ ينساني من صالِح دعواته، في خلواته وجلواته، وأسأل الله تعالى أن يُطيل عمرَه في صحَّة وعافية، ويَنفع به، ويُوفِّقني وإياه وذويه، ومحبِّيه وتابعيه، والمسلمين لِمَا يحبُّه ويَرضاه، آمين".

 

رحمه الله رحمةً واسعة، وأسكنه فسيحَ جنانه.



[1] هذه الترجمة مهذَّبة من ترجمتي له مطلعَ تحقيقي لرسالته "مِنَح المِنَّة في سَلْسَلَة كتب السنَّة"، وهو مطبوع بدار الحديث الكتانية.

واستفدتُ غالب الترجمة وذكر المسموعات مِن ترجمته الذاتية في كتابيه: "المظاهر السامية" و"الردع الوجيز"، ومقدمة فِهرس الفهارس لابن مؤلِّفها: القاضي عبدالأحد، ومن رياض السلوان لأحمد سكيرج، وإجازة المترجم لأبي العباس أحمد بن محمد بن سعيد العلوي، وقليلاً مِن فيض الملك الوهاب المتعالي.

وأمَّا ولادته فأخذتُها مِن ترجمته الذاتية بخطِّه آخر "الردع الوجيز" (ص: 26)، ويظهر أنَّه لم يكن يحبُّ تقرير سِنِّه، كما في ترجمته الذاتية في المظاهر السامية، التي استلَّها ونشرَها البحَّاثة محمد بن عزوز (ص: 127).

وذكر سكيرج أنَّ ولادته في ربيع الأول سنة 1303 يوم جمعة، وذكره في تلك السنة محمد الباقر الكتاني، والنبهاني في جامع الكرامات (1/381 عوض).

[2] وهذا أحدُ الأدلَّة الكثيرة التي تُسقط زَعْم أنه كان منذُ نشأته على غيرِ ولاء للأسرة العلوية الحاكِمة، بينما الواقِعُ أنَّ له أكثرَ مِن ظهير ملكي في تقديره واحترامه، وبينهم المكاتبات الناطقة بالودِّ والتعاون والتناصُح.

[3] أذكُر أنَّ أحد المشايخ سُئِل: إنْ كان له خصوصية منفردة مع شيخه المترجَم، فقال لنا: أنَّى يكون لي ذلك وقد كان دولةً وبلاطاً بحدِّ ذاته؟

وقد ذكر المترجَمُ شيئًا عن سبب دخوله في الأحداث العامَّة في ترجمته الذاتية (ص: 186)، وفيه إنكاره على شيوخ الطُّرق في المغرب في وقته وقبْله الانشغالَ بالمرقعات وتقديس أشخاصِهم وغير ذلك، وانكفاءَهم عن واقعهم، وعدم نظرِهم في أسباب تقهقُر المسلمين وتقدُّم غيرهم.

[4] انظر لأسباب المِحنة إجمالاً: ترجمة محمد بن عبدالكبير الكتاني لابنه محمد الباقر، وهو مطبوع، والترجمة الذاتية لعبدالحي، ومنطق الأواني (ص141)، والنعيم المقيم للمرير (3/297).

[5] قال العلامة محمد المختار السوسي في مشيخة الإلغيين الحضريين (183): "ولا يزال أبو الإسعاد اليوم - وهو أشهر مِن نار على عَلَم - فريدًا في المغرب، بل في شمال إفريقيا، بل في العالَم في عِلم الأسانيد، والبصير بكُتب الفن، الموجود منها والنادِر والمفقود، ومعرفة مظانِّ مراجعة المسائل، حتى قال صاحبُه الفقيه التطواني: إنَّه وحده اليوم فيما نعرف مَن يستطيع أن يستخرجَ النصوص لما يُريده من مختَلِف الفنون، وأما التاريخ القديم والحديث العام والخاص فمَّما يتعجَّب به مَن يعرف ما في ذاكِرةِ الرجل".

وقال محمَّد العربي العزوزي - أمين فتوى لبنان - في إتحاف ذوي العناية، معدِّدًا شيوخَه في المشرق والمغرب (17):  "ومنهم مَن هو أولاهم وأعلمُهم بعلوم السنَّة وطبقات الرجال: المحدِّث المسنِد الرحَّالة، سيدي عبدالحي".

وللعلامة أبي فهر محمود شاكر مقالٌ حافل عن المترجَم وسَعَة علومه وتعدُّدها، وهو ضِمن جمهرة مقالاته (2/630)، وللعلاَّمة محمد راغب الطبَّاخ مقالٌ قيِّم مثله في مجلة الاعتصام الحلبية.

[6] علمًا بأنَّ الطريقة الكتانية يوجد عندَها اهتمامٌ بالحديث والعلم - من حيث الأصل - يفوق غالبَ الطرق الصوفية، ولذلك تعدَّد المشتغِلون بالحديث في الكتانيين.

وقال المترجَم في "الردع الوجيز" (ص: 26) مُتحدِّثًا عن نشأته: "وبعد ذلك طمحتْ نفسي نحوَ الحديث، فلازمتُ دروسه، مع المراجعة الطويلة، وحصَل لي من كُتبه ما لا عينُ أحد من طلبةِ العصر رأت، ولا أُذن سمعت، ولا خطَر على قلْب أحدٍ مِن أقراني، ولله تَعالى الحمد، فتفوقتُ فيه، وشهِد لي كلُّ مَن خالطني بالمهارة الحَسَنة فيه".

[7] مِن حرْصه على دروسه، أخبرَنَا شيخُنا عبدالرحمن أنَّ والده كان درَّس الموطأ شرحًا في القرويين، وكان لا يقطعه مهما كانتِ الظروف، حتى في الأيام ذات المطرِ الشديد والرِّياح كان يضَع السلهام على رأسه، ويمضي للقرويين ولا يتغيَّب.

[8] وانظر مقدمة الهدية الهادية (ص12-14) لتقي الدِّين الهلالي، فقدْ نَقَل فيه نقلاً صريحًا وجريئًا عن السيِّد عبدالحي في الموضوع.

وقال العلامة أبو فهر محمود شاكر في مقاله الحافِل عن المترجم (جمهرة مقالاته 2/632): "وهو وراء ذلك أحدُ المتصوِّفة الذين عرَفوا حقيقة التصوُّف، لا أوهامه التي ملأَ بها الدخلاءُ ساحةَ التصوف".

[9] وعلى ذِكْر الإمام ابن تيمية، فإنَّ تاريخ موقف المترجَم منه يدلُّ بوضوح على تطوره الفِكري الناشئ عن اطلاعه المتزايد وتقديمه للسنَّة، فكان سبق له أن قدّم لكتاب النبهاني "شواهد الحق" وهو في العشرين من عمره، فشدَّد النكيرَ على ابن تيمية بعبارات قاسية، ناقلاً عن غيره، ثم تراجَع عن ذلك، وكتب رسالة للعلامة المكي بن عزوز، قال فيها: "فصَدَر مني ما صدَر من التوغُّل والإفراط في ذمِّ ابن تيمية شيخ الإسلام وأتباعِه، لموجبات أوجبتْ لي ذلك، أعظمها: أني إذ ذاك لم أتمكَّن مِن مطالعة كتب شيخ الإسلام حقَّ المطالعة، ولا استوعبتُ واحدًا منها؛ لأنَّها ما وصلتنا لفاس..."، إلى أن قال: "فلما رجعتُ مِن الحج، وكنتُ قد زودتُ نفسي من كُتبه بالكثير، وطالعتُ أسرارَها، وعِشتُ مضامنَها، والمحور الذي تدور عليه - علمتُ أنَّ الرجل عديمُ النظير في الإسلام، قُرَّة عين أهله لمَن كان يشعُر، فما رأيتُ - على كثرة ما رأيت - مِن عَلَمة العلماء مَن يستخرج شواهدَ القرآن والسُّنَّة مِثلَه، فكأنَّه ما حفِظ أحدٌ القرآن إلا هو".

وبيَّن أنَّه في الصفات ناصرٌ لمذهب السَّلف، ولا يقول بالتجسيم كما يتَّهمه أعداؤه.

وهذه الرسالة كتبَها بعد عقد تقريبًا من مقدمة الشواهد.

ثم كتَب بعدَها بسنوات في "فهرس الفهارس" (1/274-278) ترجمةً طيِّبة لشيخ الإسلام ابن تيمية، صدَّرها بقوله: "هو إمام السُّنَّة، الحافظ الكبير"، ونقل فيه ثناءً عاليًا، إلى أن قال: "وهو مِن الأفراد الذين كثُر الخبط في شأنِهم بين مُكفِّر، وبيْن ذاهبٍ بهم إلى منزلة المعصومين، والإنصافُ فيه قول الحافظ ابن كثير: "كان مِن كِبار العلماء، وممَّن يخطئ ويُصيب، لكن خطأه بالنِّسبة إلى صوابِه كنُقطة في بحر لُجِّي، وخطؤه أيضًا مغفورٌ له كما في الصحيح" ا.هـ.

قال الحافظ الذهبيُّ في حقه مِن "تذكرة الحفَّاظ" بعدما أطراه: "[رُئيت] له بعدَ موته مناماتٌ حسنة، وقد انفرَدَ بفتاوى نِيل مِن عِرْضه لأجلها، وهي مغمورةٌ في بحْر علمه، فالله يُسامِحُه ويرضَى عنه، فما رأيتُ مثله، وكلُّ واحد يُؤخَذ مِن قوله ويُترك، فكان ماذا؟! ا.هـ كلامه، وهو الإنصاف فيه".

وانظر إطراءَه له في كتابه أيضًا (1/127-128).

وكتب له في إفادة النبيه (مخطوط ص:190) ترجمةً من أوسعِ تراجم كتابه وأرفعِها إطراءً، قال مطلعَها: "ومنهم الإمام تقيُّ الدين أحمد بن عبدالحليم بن تيمية الحرَّاني الدمشقي، نادرةُ الدنيا في الحِفْظ، وثبات الجأش، والتبحُّر في العِلم بما لم نَرَه في كتب أحدٍ مِن علماء الأمَّة، وكتبُه شاهِدي بادعائه، بل ووَصْفِه بما يكون أكبر وأكثر مِن الاجتهاد المطلَق المستقل"، ونصَّ على تراجُعه عن طعْنه القديم فيه، وذَكَر خلافَ الناس فيه، وأنَّ الإنصاف فيه قول الذهبي.

فتأمَّل شهادتَه فيه؛ وهو مَن هو في الاطِّلاع والخِبرة بتراجم الرِّجال وآثارِهم.

[10] انظر كلامه في ذيل الفهرس العلمي للمصلوت (ص119)، وكتاب: "العلامة محمد بن أبي بكر التطواني السلاوي" للدكتور البحاثة محمد بن عزوز (ص33-34 و91)، بل ذكر التطواني (ص56) أن تعرفه على كتب ابن تيمية وابن القيم وغيرهما من أئمة السلفية كان بتوجيه وإرشاد مباشر من شيخه الكتاني.

وترى في فهرس الفهارس (1/477) تنويه المترجم بكتاب مجيزه الجمال القاسمي: "إصلاح المساجد من البدع والعوائد"، والشيء بالشيء يُذكر: ففي رسالة منه للقاسمي يقول: "ولتعلم حضرتكم أن الفقير مسرور غاية السرور بوجود مثلكم في هذا العصر، لِما جمعتم من حُسن الأخلاق، وطيب الأذواق، مع العناية بالأثر، والاندراج في سلك المسندين، ومحبة الأثريين، والشغف بجمع تراجمهم"، وكان يصرِّح بعد عودته من الحج أنه ما رأى في المشرق أعلم من اثنين فقط: القاسمي وبخيت المطيعي. انظر الرحلة المدنية للقاسمي (ص67).

[11] ولهذا، فإنَّ الكلام على تلك الأحداث يستوجبُ اليقظةَ والتحري والإنصاف، ومعرفة أنَّ التاريخ يكتبُه المنتصر في حينه، ولكن استوقفني أنَّ غير واحد ممَّن رمَى المترجَم بالخيانة والعمالة للفرنسيِّين كان نفسه ممَّن عمل رسميًّا في ظلِّ الاحتلال الفرنسي للمغرِب، بخلاف المترجَم، وبعضهم صار مِن رؤوس التغريب في بلادِه، فيما المترجَم كان غيورًا على الدِّين، معروفًا بمحافظته، وله رسالةٌ في الرد على الحداثيِّين، ومفاكهة ذوي النبل والإجادة، وغير ذلك، بل ثبَت في وثائقَ تحريضه للقبائل على جهاد المحتل الفَرَنسي، وفي بعضِها أنه شارَك بنفسه في معارك ضدَّها أيامَ السلطان عبدالحفيظ - كما في منطق الأواني (173).

وهذا أحدُ خصومه الذي ألَّف رسالة "كشف الأستار المسبلة" في القذف الفاحِش للغاية بحقِّ المترجَم متقنِّعًا باسم مستعار: تراه في كتابه الآخر "البحر العميق" يُصرِّح باتصالاته مع الإسبان (1/77 و79) ومع الطليان والألمان والإنجليز (ص80)، ومع الأمريكان (ص81 و85)، فضلاً عن ممالأته لحاكمِ مصر فيما بعدُ، وإسرافه في مدْحه وتنزيل أحاديثِ الطائفة المنصورة عليه!

وفي المقابل سألتُ شيخنا عبدالرحمن - بوجود بعضِ الزملاء - عن خلافات أولئك مع أبيه، فقال بخُلُقه الرفيع المعهود: تلك أحداثٌ لم أكن مشاركًا فيها فلا أحبُّ أن أخوضَ فيها، وسألني الشيخ "فلان" - من مشايخ حلب المعروفين - فاعتذرتُ عن الخوض فيها، ولكن أشهد أنِّي لازمتُ والدي ملازمةً تامَّة ولم أسمعْه طوالَ حياتي طعَن في مخالفيه، ثم عرَّض بصاحب كشف الأستار - الذي شمله طعنُه - قائلاً: وأعتقد أنَّ المحدِّث والعالِم الحقيقي يَنبغي أن يكون عفيفَ اللِّسان ولا يَقذِف بالفُحْش مهما حصَل.

[12] قال العلامة محمد المختار السوسي في مشيخة الإلغيين من الحضريين (183): "فالشيخ أبو الإسعاد نادرةُ العصر، ولو ساعدَه الحظ أن يُؤخَذ عنه علمُه كما هو لأفادَ فائدةً عظيمة، ولكن انتشار التلاميذ للإنسان مِن الحظوظ، ومِن الغريب أنَّ كثيرين لا يُقِرُّون له بكونه عظيمًا في معلوماته، وما ذلك إلا لقصورِ أنظارهم، ولإدخالِ مماحكاتٍ أخرى هذا المدخل، وليس ذلك مِن الإنصاف في شيء".

وأقول أيضاً: كذلك وقعتْ بيْن المترجَم وبعض أقاربه وأتباعهم خلافاتٌ - غفر الله للجميع.

وأختم مستشهدًا بما أنشدنا شيخُنا عبدالرحمن مِرارًا للعلامة عباس التازي مضمِّنًا:


(لِعَبْدِ الحَيِّ) فَضْلٌ لَيْسَ يَخْفَى
تُضِيْءُ بِهِ اللَّيَالي المُدْلَهِمَّهْ

يُريدُ الحاسِدُونَ لِيُطْفِئُوهُ
وَيَأْبَى اللهُ إلَّا أَنْ يُتِمَّهْ




 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • ترجمة فضيلة الشيخ محمد بن عبدالرحمن بن إسحاق آل الشيخ
  • ترجمة الحافظ الجمال عبد الله بن إبراهيم الشرائحي
  • ترجمة حمزة بن حبيب الزيات الكوفي وراوييه
  • المحدث المسند والطبيب المعمر محمد أكبر الفاروقي ( الهندي )
  • ترجمة العلامة الشيخ محمد عبدالرشيد النعماني
  • ترجمة القارئ نافع بن أبي نعيم المدني
  • ترجمة الزبيب بن ثعلبة بن عمرو العنبري
  • معالم في ترجمة ابن سعدي رحمه الله
  • ترجمة الفاضل العلامة أبي نصر محمد أعظم البرناآبادي
  • ترجمة العلامة المحدث عبد الكريم عباس الأزجي الحسني رحمه الله

مختارات من الشبكة

  • ضوابط ترجمة معاني القرآن الكريم للغة أخرى (2)(مقالة - حضارة الكلمة)
  • الوسائل التكنولوجية الحديثة والترجمة(مقالة - حضارة الكلمة)
  • الترجمة في الوطن العربي(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • توجهات في الترجمة(مقالة - حضارة الكلمة)
  • حدائق الترجمة(مقالة - حضارة الكلمة)
  • أساسيات الترجمة(مقالة - حضارة الكلمة)
  • الترجمة والصحافة في النهضة الحديثة(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • الترجمة الإعلامية والترجمة الأدبية(مقالة - حضارة الكلمة)
  • كيفية الترجمة للراوي ترجمة علمية دقيقة (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • ترجمة السيرة النبوية إنجاز متميز لجائزة خادم الحرمين العالمية للترجمة ورد حضاري على المسيئين(مقالة - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 18/11/1446هـ - الساعة: 8:24
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب