• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | الثقافة الإعلامية   التاريخ والتراجم   فكر   إدارة واقتصاد   طب وعلوم ومعلوماتية   عالم الكتب   ثقافة عامة وأرشيف   تقارير وحوارات   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    نبذة في التاريخ الإسلامي للأطفال
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    عقيدة التوحيد، وعمل شياطين الشرك
    أ. د. فؤاد محمد موسى
  •  
    الفلسفة الاقتصادية للاستخلاف في منظور الاقتصاد ...
    د. عبدالله محمد قادر جبرائيل
  •  
    منهج شياطين الإنس في الشرك
    أ. د. فؤاد محمد موسى
  •  
    سيناء الأرض المباركة
    د. حسام العيسوي سنيد
  •  
    استراتيجيات المغرب في الماء والطاقة والفلاحة ...
    بدر شاشا
  •  
    طب الأمراض التنفسية في السنة النبوية
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    الاستشراق والمعتزلة
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
  •  
    زبدة البيان بتلخيص وتشجير أركان الإيمان لأحمد ...
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    مفهوم الصداقة في العصر الرقمي بين القرب الافتراضي ...
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    الخنساء قبل الإسلام وبعده
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    العلم والمعرفة في الإسلام: واجب ديني وأثر حضاري
    محمد أبو عطية
  •  
    حول مصنفات وآثار الإمام ابن جرير الطبري (10) الرد ...
    محمد تبركان
  •  
    تفيئة الاستشراق
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    الطعن في الأحاديث النبوية سندا ومتنا
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
  •  
    طرق فعالة للاستفادة من وسائل التواصل الاجتماعي
    محمود مصطفى الحاج
شبكة الألوكة / ثقافة ومعرفة / روافد / موضوعات فكرية
علامة باركود

عبر لمن يعتبر

محمود محمد شاكر

المصدر: الرسالة، السنة الخامسة عشرة (العدد 738)، أغسطس 1947.
مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 16/10/2010 ميلادي - 8/11/1431 هجري

الزيارات: 7057

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

في اليومِ الخامس مِن أغسطس 1947 ارتفعتْ مصرُ والسودان بقضيتها إلى مجلس الأمْن، تطلُب النَّصَفة مِن بريطانيا التي اعتدتْ على استقلالها، واحتلَّتْ أرْضها مِن منبع النِّيل إلى مصبِّه، ووقف رئيسُ وفد مصر والسودان (محمود فهمي النقراشي باشا) يُميط اللِّثامَ عن السياسة البريطانية منذ سنة 1882، وكان لا بدَّ له مِن أن يكشِفَ طرفًا من سوءاتِ هذه الدولة التي قام كيانُها على استعباد الشُّعوب وإذلالها، واهتضام حقوقِها، وكان الذي كشَفه شيئًا ضئيلاً إذا قِيسَ بما كان يمكن أن يُقال أو يُكْشَف من الأساليب الخبيثة، التي دأبتْ بريطانيا على التذرُّع بها إلى عُدوانها الوحشي على الأُمم في القرن الثامن عشر والقرن التاسع عشر الميلادي.

 

وكان رئيسُ وفد مصْر والسودان يذكُر الماضي، ويَرْوي عن التاريخ أصدقَ رواية في أعفِّ لفظ، فأبَى له أدبُه أن يصفَ أفعالَ بريطانيا باللفظ الذي ينبغي أن تُوصَف به، والذي سوف يَصفُها به التاريخ بعدَ أن تسقطَ هذه الدولة مِن عداد الدول التي يكون لها في هذه الأرض سلطانٌ يقوم على القوَّة الغاشِمة، والدِّعاية الكاذبة، وعلى التضليل والافتراء، والعَبَث بعقول الناس.

 

ولم يَكدِ النُّقراشي يَفرُغ من عرْض قضية بلادِه على أعضاء مجلس الأمن، حتى هبَّ مندوب بريطانيا السير (ألكسندر كادوجان) يَروي لمندوبي مجلس الأمن تاريخَ هذا العدوان البريطاني روايةً ملفَّقةً مبتورةً، حشوُها العَبَث بالتاريخ، والاستهانة بالجِنس البشري، والاستخفاف بعُقول الذين يسمعون روايتَه المدلَّسة عن تاريخ حِقْبة من الدهر، يستطيع كلُّ مندوب ممن يسمعونَه أن يفتحَ بعدها أيَّ كتاب من كتب التاريخ الصحيحة، فيعرف مقدارَ السُّخرية التي سَخِر بها هذا الرجل مِن سامعيه.

 

وكان يسوق هذه الروايةَ المزيَّفة بأسلوبِ الواثق المطمئنِّ، بل بأسلوب الصادِق الذي لا يأتيه الباطلُ من بيْن يديه ولا مِن خلْفه، ولا ريبَ في أنَّ السير (ألكسندر كادوجان) هو أوَّل مَن يعلم أنَّ الذي يقوله باطلٌ كلُّه، ولكنَّه رَجلٌ من ساسة بريطانيا - أي رجل مِن أعظم الممثِّلين الذين يجعلونك تحسُّ أنَّ المسرح قد انقلب تحتَ عينيك حقيقةً واقعة.

 

ونحن لن نُعلِّق على ما قاله (النقراشي باشا)، ولا على ما قاله (السير كادوجان)، فالحقُّ أبينُ من أن يُحتاج إلى إيضاح لمن أراد الحق والْتمسه وحرَص [على][1] التثبُّت منه، ولستُ أظنُّ أنَّ أحدًا من مندوبي أُمم مجلس الأمن يخفَى عليه وجهُ الحق في الذي سمع من الرجلين، فإن كان بناءُ مجلس الأمن قائمًا على العدل والإنصاف، وإيتاء كلِّ ذي حق حقَّه، فقد نالتْ مصر إذًا حقَّها من غاصبها كاملاً غير منقوص، ولا مشروط بشرط، وإنْ كان مجلس الأمْن هو سوقَ الرقيق الحديثةَ التي أنشأتْها الأمم الغالبة؛ لكي تبيعَ خَلْق الله وتشتريَهم على الهوى، فإنَّ مصر والسودان سوف تُعلِّم هذا المجلس عِلمًا جديدًا لم يكن يتوقَّعه مِن أُمَّة ضعيفة أضعَفَها الاستبدادُ البِريطاني على مدِّ خمسٍ وستِّين سَنَة؛ لأنَّها أمَّة قويَّة قد علَّمها هذا الاستبدادُ أنَّ الحقوق تُنال بالجهاد المر، وبالدم المهراق، وبالإيمان الذي لا يَتضعْضع.

 

ولقد كان فيما قاله (النقراشي)، وفيما قاله (كادوجان) عِبَرٌ لمن أراد أن يَعتبر، ونحن- العربَ- أحوجُ الناس اليوم إلى الاستفادة من العِبَرِ المواضي، فإنَّ جهاد مصر والسودان حلقةٌ من حلقات الجِهاد الذي كُتِبَ علينا منذُ احتَلَّتْ بلادَنا بريطانيا وفرنسا، وسواهما مِن الأمم التي استعانتْ على ضعْفنا وغفلتنا بقوَّتها ويقظتها، وجشعها الذي لا يشبع ولا ينطفئ.

 

فأوَّل هذه العبَر: أنَّه ينبغي للمجاهدين في سبيل بلادهم أن يحذروا كلَّ الحَذَر من الخوف، فإنَّ الخوفَ آفةُ الجهاد، وما ساور الخوفُ قلبًا إلا انتزعَ منه البصيرةَ التي هي رائدُ كل مجاهد، وما نفى الخوفَ امرؤٌ من قلْبه إلا زَلْزل بجرأته قلبَ خصمِه، وجعَله يضطرب بيْن يديه، وإنْ كان أقوى منه بأسًا، وأشدَّ صولة.

 

وقد نفى (النُّقراشي) الخوفَ من قلْبه، فوقف (كادوجان) بين يديه مضطربَ الحُجَّة حتى لم يجدْ لنفسه مناصًا من أن يلجأَ إلى الأكاذيب القديمة التي ألفتْها بريطانيا، وبرعتْ في تزْويقها وتزويرها، تُريد بذلك أن تَسحَرَ عقولَ الناس! ولو كان الساسةُ العرب قد حرَصوا على أن يكون هذا موقفَهم في كلِّ أمر، وفي كل عهد، وفي كل ساعة، لَمَا أُتيح للاستعمار البريطاني والفَرنسي أن يبقَى ضاربًا بجذوره في بلادنا إلى هذا اليوم من أيَّام الناس.

 

فهذه جُرأة اللِّسان، فعلى ساستنا منذُ اليومِ أن يُتبعوا ذلك بجرأةٍ أخرى هي جرأةُ العمل، ولو فَعَل الساسة أفعالَهم بجُرأة وشمم وإباء على الضَّيْم، لَمَا رأينا اليوم بلدًا كمصر والسودان يَعجُّ بالمستهترين مِن الأجانب، والمشرَّدين وصعاليك الأمم، يستولون على أمواله وأراضيه، وأخلاق بنيه، باسم حريَّة المهاجَرة، وحرية التِّجارة، وحريَّة العمل.

 

لقد أظلَّهم الاستعمارُ البريطاني بظلِّه وحماهم، حتى بات المصريُّ والسُّوداني غريبًا في بلاده، يأكُله كلُّ طارئ، ويدعه جوعانَ عريانَ منبوذًا في بلاده وتحتَ سمائه.

 

وعِبْرة أخرى: هي أنَّ التساهل مخافة العواقب شرٌّ كله، فقد رأى بعضُ ساستنا أنهم إنما يفعلون خيرًا كثيرًا لبلادهم إذا تساهلوا لبريطانيا في بعضِ الحقوق؛ ظنًّا منهم أنْ ينالوا من وراءِ ذلك حقوقًا أخرى، هي أوْلى بالتقديم والنَّظر والاهتمام، فكانتِ العاقبة أنْ دخلنا مع بريطانيا في الدائرة المغلَقة التي يسمُّونها (المفاوضة).

 

فإذا نحن نضيِّع حقوقَنا كلَّها جملةً واحدة، وإذا بريطانيا تُريد أن تحتجَّ علينا اليومَ بما تساهل به أولئك الساسةُ في حقوق بلادهم، فتأكل علينا حقَّنا كلَّه حين تُريد أن تمنعَنا من أعظمِ الحقوق البشرية، وهي الحريَّة، وتريد أن يُقطع قلْب مصر بقطع السودان عنها؛ لأنَّ قومًا مِن الساسة غفلوا زمنًا طويلاً عن رفْض كل اتفاق لا يشمل السودان كما شمل الجزءَ الشمالي مِن وادي النيل وهو مصر، فارتضَوا أن يُعلِّقوا مسألةَ السودان، ويأخذوا من عبث بريطانيا ما زوَّرتْه لهم وخدعتْهم به، ثم هي اليوم تمنُّ علينا أنها أعطتْنا تلك الفضلاتِ التي لا يعبأ بها إلا الذليلُ الخانِع المقيم على الضَّيْم.

 

وعِبرة ثالثة: هي أنَّ زعماءَ الثورة على العدوِّ ينبغي أن يظلُّوا أبدًا زعماءَ الثورة، لا رُؤساءَ حكومات تحت ظلِّ حماية مقنَّعة تُسمَّى استقلالاً كذبًا وتضليلاً في العُرْف الدولي، فكان ينبغي لهؤلاء الزعماء أن يظلُّوا بمنجاةٍ من إثْم الحُكم تحتَ ظل الاستعباد البغيض، وأن يكونوا دائمًا أيقاظًا لا تُنيمهم شهوةُ الحُكم، وبذلك يَضمنون لبلادهم أن تظلَّ يدًا واحدةً على العدو، وأنَّ تظلَّ يقظةً متنبِّهة لا يخدعها لفظ (الاستقلال) عن الخبث الذي انطوى عليه، وأن يُصارحوا الشعبَ دائمًا بالحقيقة التي لا تُستَر، وهي أنَّه صار (مستقلاًّ) في العُرْف الدولي، وأن يكشفوا له ما استطاعوا عن خُدع الاستعمار الذي يَعْبث بهم، وإلا فأي خديعة كانتْ أكبرَ على هذا الشَّعْب من خديعة الناشئة في المدارس والبيوت، وهم يقرؤون ويسمعون أنَّ مصر دولةٌ مستقلَّة، وهي اليوم تقِف لتقول للناس على رؤوس الأشهاد في مجلس الأمن: إنَّ الاستقلالَ الذي ضمنتْه بريطانيا!! كان استقلالاً مزيَّفًا؛ لأنَّ الجنود البريطانية كانتْ لا تزال تحتلُّ بلادنا، ولأنَّ السفير البريطاني كان يُنصِّب الحكوماتِ المصريَّة، ويُقيلها كما يشاء وتشاء دولتُه المستعمرة لبلادنا.

 

لقد ظنَّ أولئك الرجال أنَّ هذه سياسةٌ وكياسة، وحسنُ تدبير، فإذا هي غفلةٌ وحماقة، وسوء تقدير، ولولا يقظةُ هذا الشعب الأبيِّ الكريم، لما استيقظ هؤلاءِ الزُّعماء البتَّة، ولمضَوا إلى الغاية في التنازُع على الحُكم، وشهوات الحُكم، وفِتن الحُكم، فالشعب هو الذي انتهى بنا إلى مجلس الأمن لا الزعماء، ولا أولئك الساسة.

 

وعِبرة رابعة: هي أنَّه ينبغي لزعماء الثورة ألاَّ يقبلوا البتةَ مفاوضة الغاصِب على حقٍّ من حقوق البلاد، فإنَّ حقوقَ الحريَّة مترابطة لا ينفك بعضُها من بعض، ففيمَ يفاوض الإنسان إنسانًا قد سلبَه حقوقه؟! إنها كلمة واحدة: (هاتِ حقي)، ولا تدع المطالبة بالحق كاملاً حتى يتركَه لك، أو تموت دونه.

 

وما دام الغاصبُ لا يستطيع أن يُفني شعبًا بأسره، فالشعب هو الظافرُ المنصور في النهاية، مهما لقِي من عذاب وتنكيل، واضطهاد وبؤس، ولو كان هذا من فِعْل مصر والسودان منذ سنة 1882 لَمَا انقضتْ سنوات بعدَ سنة 1919 سَنَة الثورة، حتى كان الغاصِب قد أسلمَ إلينا حقوقَنا كاملةً بلا معاهدة، ولا مفاوضة، ولكن زُعماء الثورة رمَوا بأنفسهم في المفاوضات، فكانتِ العاقبة أنَّنا بَقِينا نفاوض بريطانيا سبعةَ عشرَ عامًا، فإذا هي تعطينا معاهدةَ سنة 1936 تحت الضغط والقهْر والتهديد، وإذا هذه المعاهَدة احتلالٌ تام، ولكنَّه سُمِّي في العُرْف الدولي (استقلالاً).

 

وعِبرة خامسة: هي أنَّ الذين يدخلون المفاوضاتِ ويعقدون المعاهداتِ تحتَ ظلال السيوف، وبضرورة التهديد والقَهْر، كان ينبغي عليهم أن يكونوا ناسًا غير زُعماء الثورة، أمَّا زُعماء الثورة حين يفعلون ذلك، فهم بيْن رجلين: إمَّا مدلِّس كذَّاب يخدع الناس، ويقول للناس: هذه معاهدةُ الشَّرف والاستقلال، وهي ليستْ سوى معاهدةٍ للاحتلال الدائم، وإما رجلٌ ضعيف الرأي، منخوب الفؤاد يوقِّع على المعاهدة، ثم لا يجرؤ أن يقول لشَعْبه: إنَّ هذا الذي وقَّعتُ عليه احتلالٌ لبلادكم، فاحذروه وارفضوه، وثُوروا في وجهي ووجهِ مَن رضيه معي.

 

وهذا الثاني لن يستطيعَ أن يقولَ ذلك، فهو مضطرٌ إذًا إلى التلفُّف والتلفيق والسكوت، وادِّعاء الشجاعة حين يقول: (هذه معاهدة لولا القهرُ والتهديد لَمَا وقَّعتُها)، ويقولها في غَمرة تلك الأمواج الهائلة مِن الخِداع والأكاذيب، التي اصطَلح على نشْرها بين الشَّعبِ الغافلِ المنكوبِ زعماءُ من أنفسنا، وساسةٌ من أخبث ساسة بريطانيا في هذا القرن.

 

يا لَهُ مِن عَبَث أيها الساسةُ المخادعون! وتَبَّتْ أيديكم يومَ وقَّعتم وثيقةً أراد بها الغاصِبُ إذلالَكم وإذلالَ بلادكم فقبلتموها، وهو اليوم مُصِرٌّ على أخْذ بلادكم بما جنَتْ أيديكم من شرور تلك المعاهدة الخبيثة، التي زعمتم أنها فُرضتْ عليكم فرضًا، وقد كانت لكم مندوحةٌ عن قَبولها لولا الضَّعْفُ والخور، والجُبن وشهوة الحُكم التي استولتْ على قلوبكم.

 

وعِبرة سادسة: هي أنَّ بريطانيا وكلَّ دولة مستعمرة مِن هذه الدول الأوربية لا تتورَّع عن اتِّخاذِ كل وسيلة تبلغ بها غايتَها، فمن أجْل ذلك ينبغي للشعب أن يَعرِفَ منذ الساعة الأولى رجالَه ورجالَ عدوِّه، وأن يَسمَ الخونةَ بسِمَة لا تزول، وأن يتناقل هذا التاريخ عامًا بعد عام، وجِيلاً بعد جيل، في البيت والمسجد، والمدرسة والمجالس، فهذا وحدَه هو الكفيلُ بأن يُعرِّف الشَّعْب حقيقةَ كلِّ زعيم تسوِّل له نفسُه أن يستغلَّ غفلةَ الناس أو ذعرَهم أو لَهْفتهم، فيُغرِّرَ بهم في مزالق السياسة الاستعماريَّة، فإنَّ مصر والسودان ظلَّتْ أعوامًا تأبَى أن تعترف باتفاقية سَنة 1899 التي فرضتْها بريطانيا على مصر والسودان على يدِ رئيس وزراء كان خليقًا أن يخونَ بلاده، ثم جاء الموقِّعون على معاهدةِ سنة 1936، فقَبِلوا أن يكون لهذه الاتِّفاقية الباطلة التي لم تَعترِفْ بها مصر قطُّ - ذِكْرٌ في معاهدتهم الوبيلة الخبيثة.

 

فلو كان الشَّعبُ يومئذٍ على ذكر لِمَا كان من شؤون الخونة السابقين وما فَعلوه، لَمَا جازتْ عليه الكلمة الملعونة في معاهدة سنة 1936، ولثار يومئذٍ على هؤلاء الزُّعماء؛ لأنَّهم أهدروا كلَّ جهاده الماضي، وكلَّ ما أراق مِن دماء، وأضاع مِن جهود، وأنفق مِن سنين بنصٍّ موبوء في معاهدة موبوءة.

 

ولن نفرُغَ من ذكْر العِبر الكثيرة التي تُوحي بها هذه الساعاتُ في المعركة الفاصِلة بيننا وبيْن بريطانيا في مجلس الأمْن، وفي كل عِبرة من هذه العِبر خيرٌ كثير يُرجَى ألا يَفُوتَ العربَ إذا حَذِروا وانتبهوا، وآثروا السلامة مما وقعْنا نحن فيه.

 

ومن حُسن الحظِّ: أن أكثرَ زعماء العرب اليومَ من مراكش وتونس، والجزائر وليبيا، وفلسطين والعراق، هم اليوم أشدُّ إحساسًا من أسلافهم بالتبِعة الملقاة على كواهلهم، وأقوى إيمانًا بالحقوق الإنسانيَّة من بعض زعمائنا في الماضي، ولكن ينبغي لهم أن يجتنبوا كلَّ الاجتناب أن يَقبلوا مفاوضةَ الغاصِبين أو معاهدتهم، أو الدُّخول معهم في حديثِ السياسة والكياسة واللباقة، فإنَّ هذا وإن أفاد قليلاً، فإنَّه شرٌّ مستطير على مستقبل الشعب في الشؤون السياسية، وفي النواحي الأخلاقيَّة.

 

وحسْبُ هؤلاء الزعماءِ العَرَب ما جرَّبتْه مصرُ مِن مطاولتها والمدِّ لها أكثرَ من تِسع وعشرين سَنَة باسم المفاوضات والمعاهدات، حتى فَقَد الشعب كثيرًا من إيمانه بحقوقه، ولولا أنَّ الله أتاح لنا هذه الحربَ الأخيرة لتنفضَ عن عيوننا النومَ والتخديرَ الذي أصابها باسمِ المفاوضة، لظللْنا إلى اليوم نيامًا تجرُّنا بريطانيا وراءَها طمعًا منَّا في أن ننال شيئًا من حقوقِنا بمفاوضتها ومعاهدتها.

 

أيُّها الزعماء العرب، لا تخونوا بلادَكم؛ أي: لا تُفاوضوا بريطانيا أو سواها من الدول المستعمرة، ولا تُعاهدوها ولها في بلادكم ظلٌّ من سلطان، ولا تخافوها ولا تخشوا لها بأسًا ولا قُوَّة، واحْرِصوا على أن تبقَى شعوبكم عالِمةً بحقيقة ما يُحيط بها بكل أسلوب تستطيعونه، وإيَّاكم والحُكمَ، فإنَّه الفتنة المبيدة، والآفة الحالِقة[2] والبلاء المبين، لقد كان لكم فينا عِبرةٌ فاعتبروا.

 

وقِفوا منذ اليوم أيقاظًا لا تغفلون، فرُبَّ ساعة سوف تأتي علينا وعليكم فنُناديكم للجهاد، فهبُّوا معنا، واحذروا أن يكون بينكم زعيمٌ يُسوِّل لكم أنَّ الخير في الرِّضا والتراضي والتساهل، فإنَّ ذلك هو الوبال، وهو آخِرةُ العرب إنْ فعلتم، إنَّ مصر والسودان قد بدأتْ أولَ الجهاد؛ فاستعدُّوا أيها العرب!



[1] يتعدَّى هذا الفعل بـ(على)، فزدتها.

[2] الحالِقة: المُهْلِكة.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • نار حامية
  • وهذه هي آثارها
  • وهذا هو تاريخها
  • قضي الأمر

مختارات من الشبكة

  • مخطوطة العبر في خبر من عبر (النسخة 2)(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • عبر وعبرات من ذكريات معتمر(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الحياة عبر الزمن(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • أتعرض للابتزاز بسبب علاقة محرمة عبر الكاميرا(استشارة - موقع الشيخ خالد بن عبدالمنعم الرفاعي)
  • عبر وعظات من بعض ما ذكر في القرآن الكريم من حيوانات وحشرات(مقالة - آفاق الشريعة)
  • غزوة تبوك وما فيها من عبر ودروس (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • من دلائل نبوته إخباره بتغير أنظمة الحكم عبر تاريخ المسلمين(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة عبر من غزوة بدر(مقالة - ملفات خاصة)
  • عبر من الحجر(مقالة - آفاق الشريعة)
  • عبر من الزلزال (خطبة)(مقالة - ملفات خاصة)

 


تعليقات الزوار
1- مقالة تنويرية
أمنية محمد السيد - مصر 10-11-2010 12:54 PM

بصيرة رائعة ونصيب من العلم واسع للأستاذ القدوة محمود محمد شاكر ، استنتاجات ست من العبر :هى عمود في بناء فكري شامخ نسأل الله أن يكون في قلوب رجالنا وشبابنا ، والأهم أن تكون النية لله ليرزقنا البصيرة والعلم والقدرة والقوة والصبر والثبات، مزيدًا من التألق للألوكة إن شاء الله وننتظر المزيد من مثل هذه الموضوعات الإصلاحية ، أثابكم الله .. والحمدلله .

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • دفعة جديدة من خريجي برامج الدراسات الإسلامية في أستراليا
  • حجاج القرم يستعدون لرحلتهم المقدسة بندوة تثقيفية شاملة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 20/11/1446هـ - الساعة: 15:29
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب