• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | الثقافة الإعلامية   التاريخ والتراجم   فكر   إدارة واقتصاد   طب وعلوم ومعلوماتية   عالم الكتب   ثقافة عامة وأرشيف   تقارير وحوارات   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    سيناء الأرض المباركة
    د. حسام العيسوي سنيد
  •  
    استراتيجيات المغرب في الماء والطاقة والفلاحة ...
    بدر شاشا
  •  
    طب الأمراض التنفسية في السنة النبوية
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    الاستشراق والمعتزلة
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
  •  
    زبدة البيان بتلخيص وتشجير أركان الإيمان لأحمد ...
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    مفهوم الصداقة في العصر الرقمي بين القرب الافتراضي ...
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    الخنساء قبل الإسلام وبعده
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    العلم والمعرفة في الإسلام: واجب ديني وأثر حضاري
    محمد أبو عطية
  •  
    حول مصنفات وآثار الإمام ابن جرير الطبري (10) الرد ...
    محمد تبركان
  •  
    تفيئة الاستشراق
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    الطعن في الأحاديث النبوية سندا ومتنا
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
  •  
    طرق فعالة للاستفادة من وسائل التواصل الاجتماعي
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    حول مصنفات وآثار الإمام ابن جرير الطبري (9) بسيط ...
    محمد تبركان
  •  
    تهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني طبعة دار البر ...
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    التحقيق في ملحمة الصديق (7) دلالات وعبر
    محمد صادق عبدالعال
  •  
    بين العبادة والعدالة: المفارقة البلاغية والتأثير ...
    عبد النور الرايس
شبكة الألوكة / ثقافة ومعرفة / روافد / موضوعات طبية وعلمية
علامة باركود

في أصول البحث ومناهجه: آليات وتأصيل (5)

د. زهران محمد جبر

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 5/6/2010 ميلادي - 22/6/1431 هجري

الزيارات: 30367

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الفصل الخامس

موضوع البحث وعنوانه

1 - اختيار موضوع البحث.

2 - تحديد عنوان البحث.

3 - هيكلة البحث وخطته.

 

اختيار موضوع البحث

اختيارُ موضوع البحْث من أكبر المشاكل التي تواجه الباحثَ؛ إذ لا يعرف كيف يختار بحثَه، ويصطفي موضوعَه؛ وذلك لأنَّ علاقته بالمكتبات لم تكن حَسَنة، ولا صلتُه بالقراءة موصولة، ولا حضوره في أثناء محاضرات أساتذته فاعلاً، ولا في أثناء المناقشات التي تدور حولَ الموضوعات المقدَّمة تمهيدًا للتسجيل نابهًا، وعندما يأتي عليه الدَّورُ لاختيار موضوعٍ ما يُعدُّ هذا لاختيار التحديَّ الحقيقي لقدراته، والعلامةَ البارزة على ذَكائه وإمكاناته العلميَّة، ويصير العقدة الأولى التي تقف أمام الباحث، وإذا ما استطاع حلَّ هذه العقدة تفتحت أمامه الطرق، وذللت الصعاب.

 

على أنَّ مرجعَ الصعوبة يتمثَّل عند الاختيار في مدى معرفة الباحث بالبحوث التي عُولجت، وما هي التي يمكن معالجتُها، ومِن هنا يَعِنُّ لنا سؤال: مَن الذي يختار البحث؟ الباحث الذي يكون طالبًا بالدِّراسات العليا، أم الأستاذ أو المشرف[1]؟

 

الطبيعي أن تُوكل مهمَّة الاختيار للباحِث وحدَه، وذلك حتى يكونَ اختياره متفقًا مع اهتماماته، ومناسبًا لقدراته في وضْع الخطَّة، واختيار المنهج الذي يُمكنه كلَّ التمكُّن؛ ذلك لأنَّ هناك من الموضوعات التي قد يختارها ما يكون قد سَبَق بحثُه في القديم والحديث، ومِن الموضوعات أيضًا ما تتوافر مراجعُه ومصادره، ومنها ما لا يتسنَّى له ذلك، ومِن الموضوعات ما تتوافر مراجعه ومصادره، ولكن رغبةَ الباحث في الكتابة فيما حوتْه تلك المراجع والمصادر مِن موضوعات غيرُ أكيدة، ولا تناسب ميوله.

 

وبعض الباحثين يحاولون في هذه المرحلة أن يُلْقوا بكلِّ أعبائهم على أساتذتهم في القسم الذي ينتمون إليه، فيطلبون منهم اختيارَ موضوع لهم.

 

والواقع أنَّ لجوء الطالب إلى غيره في اختيار الموضوع دليلٌ على قلَّة اطلاعه وخبرته في مجال تخصُّصه ذلك؛ لأنَّ القضايا العلميَّة تحتاج إلى أبحاثٍ كثيرة، ولكنَّ الباحث المبتدئ بحُكم قلَّة قراءته يظنُّ أنَّ الموضوعات قد انتهتْ، وأنه لم تعُدْ هناك قضايا يمكن البحث فيها، وتستحقُّ بذْل الجهد، والواقِع غير ذلك، إذ إنَّ الموضوعاتِ التي يمكن أن تُختار للبَحْث كثيرة جدًّا، ومِن الخطأ الذَّهاب إلى أنَّ السابقين قد اكتشفوا كلَّ جديد، وكتبوا في كلِّ موضوع.

 

وليكشف الباحث عن نفسه هذه الغُمَّة، عليه أن يكتبَ عددًا من الموضوعات التي يروق له الكتابةُ فيها، ثم يعرضها على أساتذته تُقام حولَها حلقة نقاشيَّة (سيمنار) بحضور الطالِب يستمع إليهم وإلى تجارِبهم الطويلة، وآرائهم الحصيفة، وحِكمتهم النافِذة التي تُعينه على أن يستقرَّ على موضوع منها، وقد تُرفض الموضوعاتُ كلُّها جملة[2]، ويُطلب مِن الطالب إعادةُ البحث عن موضوع، ثم يعود إلى حلقة أخرى تناقش وتحاور، وهكذا إلى أن يقرَّ له قرار، ويثبت على حال.

 

على أنَّ مِن الباحثين مَن يُعلِّل لأهمية دور الباحث في اختيار موضوعه بنفسه؛ ذلك لأنَّ ردَّ الباحث إلى وسائله الخاصة في البحث عن الموضوع المناسِب هو استثمارٌ لقدرات الطالب، وتنمية لإمكاناته، فغالبًا لا يُجاز لمرحلة الدِّراسات العليا إلا طالبٌ عنده الإمكانات والطُّموح، وحينما يعجز عن اختيار الموضوع، فيلجأ مباشرةً إلى أستاذ مِن أساتذته.

 

لكي يختارَ له موضوعًا عامًّا، نكون قد قضَيْنا على إمكانات الطالِب، أمَّا حين ندفعه إلى وسائله الخاصَّة، وإمكاناته العلميَّة، يكابد عناءَ القراءة والاطِّلاع حتى يعثرَ على موضوع مناسب، فإنَّنا بذلك نساعده على تنميةِ قدراته[3]، واستقلال موهبته، وتحديد القضايا التي يُمكن أن ينفذ منها إلى تحديد بحْث إنما يمثل تحديًّا لبراعة الطالِب، وخاصَّة المبتدئ[4].

 

ومِن قائل: إنَّ الأفضل هو أن يتولَّى الأستاذُ اختيارَ الموضوع للطالب؛ لأنَّ الأستاذ أقدرُ على فَهْم عقل الطالب وما يناسبه في البحث، ولأنَّه يقدر على تحديد الموضوع الجديد الطريف، الذي يمكن أن يخرجَ منه الباحث بجديد حقًّا، ولأنَّ اختيار الأستاذ للموضوع يدفع بالباحث إلى الالْتزام بالموضوع، وإنجازه في وقته دون كَسَل وتقاعس[5].

 

وأرى أنَّ كلَّ طالب عليه المسؤولية في اختيار بحْثه، مستعينًا في ذلك بمحاضرات سنوات الدِّراسة، أو بمطالعاته الشخصية على موضوع وأكثر لم ينلْ ما يستحقُّه من الدراسة، وإلاَّ فعليه أن يعكفَ على كتب الباحثين، يستعرض موضوعاتِها؛ ليستبينَ له موضوع يتَّفق وميولَه وقدراتِه، أرى أنَّ الطالب يمكنه الجمْع بين الحُسنَيَيْن، بأن يختارَ الموضوع بنفسه، وما يتَّفق مع إمكاناته ومداركه، ثم يحسن الاستعانةَ بأساتذته للاستئناس بآرائهم، والاسترشاد بنصائحهم.

 

وممَّا يُعين الباحث على اختيار موضوعه:

أولاً: التعرُّف على المجال التخصُّصي للباحث:

فإذا كان الباحِث من المتخصِّصين في مجال الدِّراسات الأدبية والنقدية، عليه أن يقرأَ ويطالع الرسائل العلميَّة التي سبقتْ في هذا المجال، وأن يتفرَّس في كيفية إعدادها خطَّةً ومنهاجًا، وعلى الكتب التي سبَق وأن تناولتْ موضوعات هذه الرسائل.

 

فلا شكَّ أنَّ هذه القراءاتِ سوف تفتح أمامَه مغاليقَ الأمور، وتوحي إليه بكثيرٍ من القضايا التي يمكن بحثُها، ولا بدَّ أن تقعَ عينه على مقترحات أصحابها، وهي تتضمَّن في الأعمِّ الأغلب قضايا تحتاج إلى تناول الباحثين لها، وسوف يستفيد من قوائم كثيرة منها.

 

إنَّ الدراساتِ السابقةَ قد تُشير صراحةً إلى قضايا لم يستطعِ الباحث أن يستوفيَها دراسةً في بحثه؛ لأنَّها خارج نِطاق خطته، أو موضوع دراسته، ويهيب بالباحثين أن يتناولوها بالدِّراسة والتحليل.

 

أن تتكوَّن عنده فِكرةٌ عامَّة عن مدى أهمية الموضوعات الجديرة بالبَحْث، بناءً على ذلك يستطيع أن يُهمِلَ الموضوعاتِ التافهة، ويستبقيَ منها الجديرة بالدِّراسة، فيختار منها، ويضع لها المنهجَ المناسب للمعالجة.

 

ثانيًا: التعرف على البيئة الثقافية المحيطة بالباحث:

ذلك أنَّ القضايا الأدبيَّة والفِكريَّة والعِلميَّة التي تكون مِن نبْت البيئة، أو ممَّا ينتمي إليه الباحث ثقافيًّا تُعينه في اختيار موضوع مناسِب، كذلك تحديدُ الظروف البيئيَّة وانعكاساتها على الأدباء والشعراءِ موضوعِ الدِّراسة، أو في دراسة الظواهر الأدبية ذات أهميَّة بالغة[6] فيما يترتَّب على تحديد الموضوع، ثم دراسته، والطريقة التي بها سيَتناوله، والمنهج الذي سيُنجزه.

 

ثم إنَّ ما تتداوله الصُّحُف من آنٍ لآخرَ من قضايا أدبيَّة، أو مذاهبَ نقديَّة جديدة، أو ما يُنشر في المجلاَّت المتخصِّصة من أشعار أو قصص بأنواعها، أو مقالات أو تراجم، تحديدًا إذا كانتْ هذه المجلات تصدر بصِفة دورية، فإنَّ محتوياتها تحتاج أيضًا إلى دِراسات مستقلَّة، وإلمام الباحث بالآراء التي تتردَّد حولَ قضية أدبيَّة أو نقديَّة، أو التساؤلات التي تدور بيْن حين وآخَرَ بيْن التراث والمعاصرة، هي أيضًا في حاجةٍ إلى إعداد رسائل علميَّة.

 

كذلك اعتياد الباحِث على حضور الندوات والمهرجانات والمحاضرات في مجال تخصُّصه، وحرْصه عليه، وإلمامه بما يدور فيها مِن مناقشات، واستيعابه لها، يمكن أن يوحيَ إليه بكثيرٍ من القضايا التي تحتاج إلى بحْث.

 

ثالثًا: التمهل والأناة في اختيار الموضوع[7]:

فرْق بيْن أن يتأنَّى الباحث ويتمهَّل في أثناء جمْع المادة العِلميَّة، وقراءة المصادر والمراجع، وبيْن التمهُّل والصبر عندَ اختيار الموضوع نفسِه، ذلك أنَّ بعضَ الطلاب يتسرَّعون بتسجيل أوَّل فِكرة تلوح لهم، دون تدقيق في أبعادِه ومعرفة لتفاصيله، ثم يبدؤون البحثَ فيها، فيفاجَؤون بأنَّ الموضوع فوقَ طاقتهم، وأكبر مِن قدراتهم واستعداداتهم: إمَّا لأنَّه واسعٌ متشعِّب لا يستطيع إلمامه، وجمْع أطرافه، وإنجازه في المدة المناسِبة، أو لأنَّه ضيِّق وعميق للغاية، بحيث لا يصلح موضوعَ تخصُّص أو عالميَّة (ماجستير أو دكتوراه)، فلو تريَّث الباحِث وتأنَّى في اختيار الموضوع المناسِب عن فَهْم واستيعاب ومعرفة، يكفي نفسه مؤونةَ القلق والاضطراب، وإضاعة الوقت؛ ولذا قيل: اختيار المرء قِطعةٌ مِن عقله، والاختيار الدقيق لموضوع البحْث يحتاج إلى مقوِّمات، نوضحها فيما يلي:

مقومات اختيار الموضوع:

1 - أن يكون الموضوعُ غيرَ مطروق مِن قبل، ولم تُكتب فيه رسائلُ جامعية.

2 - أن يأتيَ في البحْث بجديد يكفل له الأهميةَ، والقِيمةَ العِلميَّة.

3 - أن تتوافر مراجعه ومصادره.

4 - أن يستشعرَ الميلَ نحوَ موضوعه والرغبة فيه[8].

 

بناء على ما سَبَق، لا بدَّ للباحث أن يراعيَ عدة اعتبارات أساسيَّة في مرحلة اختيار البحث منها:

أن يكون الموضوع مبتكرًا وجديدًا لم يسبق دراسته، وأن يُضيفَ جديدًا للمعرفة الإنسانيَّة، أو أن يرصدَ قضايا مثارة، ثم يقوم بمعالجتها، كما يمكن دراسة موضوعاتٍ سبقتْ دراستُها، ولكن الباحث يرى أنَّها لم تستكملْ بعدُ، ولم يستوفِ من قبل مَن درسها؛ لأنَّه لم يعتمدِ الوسائل العلميَّة الصحيحة فيها من خطة واستقصاء وتعمُّق، ممَّا جعل النتائج غيرَ سليمة تحتاج إلى إعادة نظر.

 

وهذا اللَّون من الأبحاث، يُشترط فيها الأصالة الفِكرية، التي يجب أن يعتدَّ بها الباحث؛ لأنَّ تقديم أفكار شخْص آخَرَ على أنها أفكار المرء نفسه لا يُعدُّ تضليلاً فحسب، بل يعد دليلاً على عدم احترام الذَّات، ويكفي الباحثَ مكافأةً شعورُه بالرِّضا عن نفسه حين يقدِّم فكرة جديدة في بحثه، أو يضع لَبِنةً في صرْح المعرفة الإنسانيَّة الشامخ، على عكس مَن يتلصَّص نتاج الآخرين، ويسطو على أعمالهم، ويغتصب بلا كفاءة أفكارَهم، وينسبها إلى نفسه، ويَكفي أمثالَ هؤلاء احتقارُهم لأنفسهم، واستشعارهم للدونيَّة في محافِل العلم، ومجالس العلماء، ذلك لأنَّ البحْث لن يكونَ أصيلاً إذا كان مجرَّد صبٍّ لأفكار وآراء الباحثين في قوالبَ جديدة[9].

 

الأهمية والقِيمة العلمية وعلاقتها بالجدة:

مِن البدهي أنَّ كل جديد ليس جديرًا بالدِّراسة، قد تكون القضيةُ جديدةً لم تُبحثْ من قبل، ولكن ليس لها قِيمةٌ عِلميَّة تدعو إلى بذْل المجهود في دراستها؛ لذا لا بدَّ من أن يشعر الباحِث بأنَّ موضوعه يستحقُّ البحث، وأنَّ القضية التي هو بصددها سيترتَّبُ على معالجتها ما يُفيد مجال تخصُّصه، ويفتح أبوابًا مغلقةً أمامَ الباحثين، وسيُضيف رؤى جديدة في آفاق البحْث، ولو سأل الباحث نفسَه عن اختيار موضوعه، هل هو يستحقُّ الدراسة؟ هل فيه فائدةٌ له ولغيره؟ هل يُعلي به شأن العلم ويُضيف إلى صرْحه لَبِنة؟

 

فإذا كانتِ الإجابة (بنعم) استحقَّ موضوعه منه أن يقتطعَ له من عمره سنين لإنجازه؛ لتعمَّ الفائدة منه، وإن كانتِ الأخرى فحريٌّ به أن ينصرف عنه إلى غيره ليبحث فيه.

 

توفر مصادره ومراجعه:

المصادر والمراجع ركنٌ أساسي في الحصول على المعلومات؛ لأنَّه من المسلَّم به أن التراث الإنساني شركةٌ بيْن بني الإنسان جميعًا، وأنه لا يمكن لباحث أو مخترع أو عالِم أن يأتي بما لم يأتِ به الأوائلُ من فراغ، بل لا بدَّ من أساس يرتكز عليه[10].

 

وهذا الأساس هو المصادر والمراجع، ولأهميتهما لا بدَّ أن يضع الباحِثُ في اعتباره أن يختار موضوعًا يمتاز بتوفُّره على المراجع والمصادر، وفي المقابل يحذر مِن أن يختار موضوعًا قليلَ المراجع قِلَّة لا تكفي لإقامة البحْث وإنجازه، أو أن تكون متوفِّرة، لكن في بلاد أخرى لا يستطيع أن يصلَها إلا بشقِّ النفس ليجمع مادته العلمية؛ ذلك لأنَّ مواد البحْث الأولية التي يتمُّ تكوين البحث بها وإنماؤه، والتي تؤخذ عنها الأفكار والآراء المختلفة المتعلِّقة بموضوع البحث، إنَّما هي في بطون المراجِع والمصادر، وهي ليستْ سواءً في الأهمية، فمنها ما يكون شديدَ الصِّلة بالبحث، لا يتكوَّن كيانه بدونه، ومنها ما يأتي على الهامش إذ لا يفيد إلا فوائدَ ثانوية، وهي التي تُسمَّى عند بعض الباحثين بالمراجع[11] - كما سنوضِّح ذلك فيما يأتي من فصول.

 

استشعار الميل والرغبة في الموضوع:

أشرْنا سابقًا أنَّ الرغبة في الموضوع عامل مهم لإنجاز الباحِثِ عملَه، ونعيد هنا أنَّ شعور الباحث بأنَّ الموضوع المختار نابعٌ من ذاته، ومتَّفق مع ميوله وإمكاناته، سوف يكون دافعًا قويًّا في إقْباله على البحْث، وقطْع مشواره إلى النهاية في هِمَّة عالية، ورُوح نَشِطة؛ ذلك لأنَّ الموضوع من لدن تسجيله بعدَ الموافقة عليه، وحتى الانتهاء منه مرهونٌ بوقت محدَّد، إذا لم ينجزه فيه على الوجه الأكمل أضاعَ كلَّ شيء سُدًى، وأهدر وقته، وجهده فيما لم يفد وعندئذٍ يستجدي مِن الأستاذ المشرف أن يمدَّ في الوقت، لعلَّه ينتهي من رسالته في غضون الوقت الجديد المسموح له به، وما أوقعه في ذلك إلا سوءُ اختيار الموضوع بداية عن عدم فَهْم أو قلَّة مراجعه أو تقاعسه.

 

تحديد عنوان البحث وهيكلته

بعدَ أن يطوف الباحِثُ في المجالات السابقة، ويتزوَّد بخلفية كبيرة من المراحِل السالفة، يكون على استعدادٍ وتهيؤ لمتطلَّبات مرحلة تحديد عنوان البحْث، خاصَّة إذا اطمأنتْ نفسُه إلى اختيار الموضوع، ووثق بأنَّ الجهد المبذول فيه مساوٍ للفائدة منه.

 

وهذه المرحلة هي مرحلةُ تحديد البحْث تحديدًا علميًّا عن طريق وضْع العنوان المناسِب الذي يتطلَّب خطَّة مناسبة، وبالتالي منهجًا مناسبًا كذلك؛ لأنَّ كل باحِث لا بدَّ أن يعد ما يجب عليه إعداده جيدًا، وإلاَّ اعترضتْه مشاكلُ لا حصرَ لها بعد، من حيث لم يتوقَّع، كأن يقعَ تناقض بيْن العنوان والفكرة، التي تجمع أجزاء البحث، أو أن يكون في العنوان ترهُّل وزيادة عمَّا هو متضمن في الخطَّة أو آليات المنهج، وأحيانًا لا يكون العنوان مستغرقًا لمحتويات الرِّسالة، ويُعاني مِن نقْص في شموليته؛ لأنَّ المفترض في العنوان أن يكون جامعًا مانعًا دالاًّ: جامعًا لكل ما اشتملتْ عليه الرسالة، مانعًا من الزِّيادات التي لا علاقة لها بالبحْث، دالاًّ دلالةً واضحةً ومباشرةً على محتوى الموضوع، فلو قرأ مطالِع العنوان عَرَف منه مباشرةً ما في الرسالة، وتكشف له أبعادها، وربما ضمن خطتها ومنهجها بناءً على دِقَّة اختيار العنوان.

 

ذلك لأنَّ الباحِث في اختياره للعنوان إنما يحاول أن يُسمِّي وليدًا جديدًا يحمل قسيماته، ويدلُّ عليه، وهذا التحديد لا يأتي من فراغ، فقد استقرَّت عزيمةُ الباحث على لون من الدراسة ليكتبَ فيها، ولا بدَّ أن تكون هناك مطابقةٌ بيْن الأثر والمسير، وبيْن الموضوع الذي آثره على غيره، وجمع حوله مادته، أو مالتْ نفسُه إليه، ووثق أنه سيأتي فيه بجديد، واسمه الذي يميِّزه عن سائر الموضوعات الأخرى.

 

وعلى قدْر ما يحاول الأبُ الحاني أن يتخيَّر اسمَ وليده من بيْن الأسماء، يشترط على الباحث أن يكون عنوانُ البحث جذَّابًا وطريفًا ودالاًّ، وفي الوقت ذاته بعيدًا عن العبارات الإنشائية والتخييل؛ ولذا قيل عن العنوان المنضبط الصحيح هو: أن يشملَ من المعلومات ما يدفع باحثًا آخَرَ أن يبحث عن هذه المعلومات تحتَ هذا العنوان، وهذا يقتضي للباحث أن يدعَ العناوين العامَّة غير المحدَّدة، والمصطلحات المشكلة.

 

وعمومًا، على الباحِث في هذه المرحلة أن يضعَ في اعتباره النِّقاط التالية[12]:

1. الابتعاد عن العناوين التي تتَّسم بالغموض أو التشعُّب أو الشكلية، فتكون واضحةً تمامَ الوضوح.

2. صياغة الموضوعات على هيئة سؤال يَتطلَّب إجابةً محدَّدة.

3. الدِّقة والعناية، وذلك يستدعي إلْغاءَ جميع العوامل التي لن يؤخَذَ في الاعتبار من العنوان. قوي التأثير في القارئ ومحفِّز.

4. تحديد المصطلحات المستخدَمة في صياغة العنوان، وتحديدها بدِقَّة وعناية.

5. أن يتَّسم العنوان بالدِّقَّة المتناهية في الدلالة على الموضوع، وذا أثرٌ بالِغ في القارئ[13].

 

اختيار لحظة المناسبة (هيكلة البحْث)

بعدَ الانتهاء من تخيُّر العنوان على أساس ما سَبَق من إرشادات وشروط، يبدأ الباحثُ في وضْع التصوُّر الذي على أساسه ستقسم الفِكرة الرئيسة للموضوع، ويشتمل على كلِّ التفصيلات والجزئيات الدقيقة، التي تعالج من خلاله.

 

ولذا لا بدَّ أن تأتيَ هذه الخطَّة وليدةً للفِكر الواعي، والنظرة الثاقِبة التي تحلِّل عنوان البحث إلى نقاط رئيسة، ثم تحلّل هذه النِّقاط إلى فروع جزئيه، ثم تحلل الفروع إلى مباحث، والنقاط الرئيسة تُسمَّى أبوابًا، وفروعها تسمى فصولاً، وأجزاء الفروع تسمَّى مباحِثَ.

 

على أن يلاحظ في هيكلة البحْث وتقسيماته الرئيسة والعامة، أو الأفكار الجزئية ما يلي[14]:

1. التسلسُل الفِكري الدقيق، والترابط العضوي بيْن الأفكار الجُزئية.

2. أن يكون عَرْض الأفكار وتتابعها وتماسكها منطقيًّا، بحيث تُسلِم كلُّ فكرة إلى تاليتها في تناغُم وانسياب.

3. مراعاة التتابع الدقيق، والإحصاء الوافي إن كان البَحْث يقتضي ذلك مِن أن يكون مثلاً في ظاهرة أدبيَّة، ومراعاة التسلسل إذا ارتبط الموضوعُ بزمن أو عصْر بعينه.

4. يحسن تجسيد الموضوع وتحديده جيدًا في نِقاط البحث الفرعيَّة في إطار تآلُف الجزء مع الكلِّ وانسجامهما.

5. أن تكون الخطَّة مستوعبةً لكلِّ جوانب الموضوع، بلا زيادة ولا نقص؛ لأنَّ الزيادة مضيعةٌ للوقت بلا مبرِّر، والنقصان عيب وتقصير يُقلِّل من قيمة البحث.

 

وليضع الباحِثُ في اعتباره أنَّ نجاح البحث، ونجاحه في مهمَّته، إنَّما يتوقَّف بالدرجة الأولى على الخطَّة التي يضعها؛ لأنَّه بناء عليها يحدِّد أهداف البحث، والمراجع والمصادر التي يستخدمها، وأسلوب المعالجة، وغير ذلك من الأمور التي تُنير الطريق أمامَ الباحث، وتزوده بالثقة والاطمئنان.

 

وخطة البحث وهيكلته وهندسته تحجيمًا وتوسعةً تتوقَّف على حجم الموضوع، وكمِّ الأفكار الفرعية التي تشكِّل في النهاية الفكرة الأساس التي يعالجها الباحِث في رسالته، "فلكلِّ بحْث هيكلية مناسبة، وقد نجد بحثًا لا يحتوي إلا فصولاً، وبحثًا آخر يحتوي أبوابًا مقسَّمة إلى فصول، وثالثًا مقسمًا إلى أبواب وفصول، وتتشعَّب الهيكلية عادةً من الأقسام إلى الأبواب، فالفصول، فالمباحِث فالنِّقاط، وتجدر الإشارة هنا إلى وجوب التناسُب بين أجزاء البحْث، وهذا التناسب، لا يعني أن تأتيَ الأقسام، أو الأبواب، أو الفصول بحجوم واحدة، وإنما يعني أنَّه من الخطأ في خطة البحث أن يأتيَ قسم أو باب أو فصل بحجم يُساوي أضعافَ حجمِ قسم أو باب أو فصل آخَر.

 

أما عدد الصفحات، فغير محدَّد، وقد أشرْنا إلى ذلك فيما سبق من فصول، وقيمة البحْث لا تتوقَّف على حجمه، بل على منهجيته وموضوعيته، والأمور الجديدة التي كشفها[15].

 

مرحلة إجازة الموضوع:

بعد أن يحدِّد الباحثُ موضوعَه وعنوانه وفق الإضاءات السابقة، ويحدِّد الوسائلَ والمنهجَ الذي سيتبعه في دراسة قضيته - واضعًا في الاعتبار أنَّ المنهج غير الخطة، ويُعنى به الطريقة التي بها يحلِّل مادته العلمية، والأسلوب الذي يكون أكثرَ مناسبةً لفهم الموضوع، وقد أشرْنا سابقًا إلى جملة من المناهج يعتمدها الباحث في الأدب والنقد، يرجع إليها في هذا الكتاب - عليه أن ينتقلَ إلى المرحلة التالية، وهي مرحلةُ تسجيل البحث، والتي تبدأ بعرض الباحِث موضوعَه أو موضوعاته، التي تمَّت مناقشتُها من قبل في حلقات (السيمنار) بين أساتذته، وأُجيزت له إلى القسم، وعليه أن يقدِّم بالتفصيل مخططًا تمهيديًّا مكتوبًا حولَ موضوعه، بحيث يتضمَّن هذا المخطط عرضًا دقيقًا لفكرته التي اختارها موضوعًا، وحدَّد أهدافها، والأسباب التي دعتْه إلى أن يقوم بدراستها، مع عرْض مبسَّط لأهم المراجع التي سيعتمدها في إنجاز بحْثه[16].

 

كل ذلك على شكل مشروع يتضمن ما يلي:

1 - عنوان البحث، ويجب أن يكون هذا العنوانُ واضحًا ومحدَّدًا وجديدًا، منبثقًا مِن الموضوع نفسه، ودالاًّ عليه دلالة علمية دقيقة، بعيدًا عن المقالات الصحفية التي غايتها الإثارة، ولَفْت الانتباه.

2 - تحديد أهمية الموضوع، والباعِث على اختياره.

3 - المنهج في تناوله، وتحديد المنهج شرْط لتسجيل الرِّسالة في بعض الجامعات.

4 - المخطَّط الأول لمعالجته، ويشتمل الأقسامَ والأبواب والفصول، والنِّقاط الرئيسة في كلِّ فصل.

5 - قائمة مبدئية بالمصادِر والمراجع[17].

 

وبعدَ موافقة القسم على الموضوع من حيثُ المبدأ، يأتي دَور إسناد الموضوع لمشرِفٍ يكون متخصصًا في مَيْدان البحْث، أو في ميدان له صلة وثيقة به، أو قد كتب أبحاثًا قريبةً منه، قد يكون المشرِفُ على الرِّسالة من اختيار الباحِث نفسِه، أو يختاره له رئيسُ القسم، ويوافق عليه، وفي الحالة الأولى عندما يختارُ الباحِث مشرفَه ربما يميل إلى أستاذ معروف بالتساهل؛ هروبًا من الالْتزام الجدي بالتدرُّب على المنهجيَّة العِلميَّة الصحيحة، وكتابة بحْث يفخر إذا نُسِب إليه، أو إذا طُبِع في كتاب، ومرجعُ جدية الأستاذ قُدراتُه العلمية، وأبحاثه أو كتبه المنشورة، أو محاضراته الصَّفية.

 

والأستاذ المتخصِّص بما لديه من خِبرة علميَّة موسوعيَّة، ومعرفة عميقة في التخصُّص يوجِّه الباحث إلى إرشادات جديدة، ويدلُّه على ملاحظات غابتْ عنه، فيقوم الطالِب باستيفاء الملاحظات أو الإرشادات، ويُعيدُ كتابةَ الخطة في ضوئها، وقبل هذا وذاك - وقبل الموافقة على التسجيل - على الباحِث أن يستقصي، ويتأكَّد من الكليات المناظِرة، وفي الأقسام المماثِلة من عدم تسجيل الموضوع الذي اختاره لنفسِه؛ تجنُّبًا للتَّكرار، وإضاعة الجهد فيما لا طائل تحتَه، وعندما يوثق جِدَّة موضوعه بما يُفيد أنه غير مسجَّل، ولا مطروق من قبل في الكليات المناظرة بخطابات رسميَّة، تُصبح العلاقة بيْن الباحِث وموضوعه علاقةً بُنوة شرعيَّة، يعرف به، وينسب إليه، تحتَ إشراف أستاذه.

 

ونشير هنا إلى عَلاقة المشرِف بالباحث؛ لِمَا توجبه هذه العلاقة من آداب وأخلاقيات وواجبات:

يجب أن يعرِف الباحثُ أنَّ هذه العلاقة قبلَ كل شيء أشبهُ بعلاقة الوالد، وصلته بابنه، فيها اللِّين والمحبَّة، واللطف والحزم، فمن واجبِ الباحِث أن يستمعَ إلى مشرِفه، وأن يستجيبَ لتوجيهاته.

 

لأنَّها كلها تصدُر خالصةً من أجله، وبحثه إلاَّ أنَّ هذا لا يمنع الباحِثَ من السؤال والاستفسار عن كلِّ ما يَعِنُّ له في بحْثه، كما أنَّ ذلك لا يمنعه أبدًا من عرْض رأيه بشجاعة، وبأسلوب مهذَّب، وخصوصًا إذا كان مخالفًا لرأي أستاذه، فالحقُّ لا يَعرِف المجاملة، طالما كانتِ العلاقة قائمةً بينهما على التوافُق الذي ينتج عن الاتصال والتعاون، والتوجيه والمشاركة.

 

وأودُّ أن أشيرَ هنا إلى أمر يحدُث في بعض الكليَّات، يتمثَّل في أن يعرض القسمُ على الباحث مشرفًا دون رغبةٍ منهما، أو مراعاة التخصُّص الدقيق، ممَّا يؤدِّي غالبًا إلى عدم إقدام أيِّهما على التعاون المرغوب، فيتقاعس الطالب عن البحث، ويكسل ويتأخَّر ويبخل الأستاذُ بنصائحه، ويضنُّ بوقته، وذلك مِن الخطأ الذي تقع فيه الأقسامُ، وإن كان الباحث إنما يتحمَّل العبء الأكبر مِن المسؤولية عن بحْثه، فإنَّ للأستاذ دورًا في إنجاز البحْث، وعليه أن يتحمَّل جزءًا من المسؤولية بصِفته معينًا وكاشفًا للباحث كلَّ ما يستشكل عليه ويعترضه مِن عراقيل، وعليه أن يسألَ ويستفسر، ولا يجلس أمامَ أستاذه مجلسَ المتلقي فقط.

 

وليس معنى أن يكون للباحِث حقٌّ على مشرفه أن يلجأ في كلِّ قرار يريد أن يتَّخذه في بحْثه إلى المشرِف، وإنما عليه أن ينظرَ إليه على أنَّه ملاذ يلجأ إليه لكي يقدمَ المساعدة عندما تُصبح الحركةُ بطيئة، والوقت يمضي على الباحِث دون إنجاز ما يُناسِب ما مضَى منه، وإلا كان الاعتمادُ الدائم على المشرِف عيبًا من الباحث في حقِّ نفسه؛ لأنَّ بحثَه لن يكون اختبارًا حقيقيًّا لقدرته، لو أنَّ كثيرًا من القرارات الأساسيَّة اضطر الأستاذُ المشرف إلى اتخاذها، بدلاً من أن يتَّخذها الباحثُ نفسُه[18]؛ لأنَّه كَلٌّ على أستاذه.

 

ومن واجبات المشرِف تُجاهَ الباحث - قبل الإرشاد إلى المصادر والمراجع، والنصح والإرشاد -:

تشجيعه، وعدم تثبيط هِمَّته، أو السخرية منه، أو الاستهزاء به، مهما كان عملُه ناقصًا[19].

 

وأن يفسح وقتَه وصدرَه له، فلا يُهمل متابعةَ البحث في مراحله المختلفة، وأن ينأى عن فرْض آرائه الشخصية مهما كانتْ صائبة، خصوصًا في المسائل الاجتهادية التي تحتمِل أكثرَ من رأى، بل مِن الواجب أن ينمِّي في الطالب الاستقلالَ الفكري، بحيث لا يكفُّ عن الاستفسار، وطرْح الأمثلة التي تساعد الإجابةُ عليها الطالبَ في فتْح مغاليق نقطة، أو خطوة هو بصددها، وليس معنى أنَّ المسؤولية في شطرها الأكبر ملقاة على الباحِث أنَّ المشرف طليقٌ من كلِّ مسؤولية عن مستوى بحْث الطالب؛ لأنَّه عندما رَضِي الإشراف على عملِ الطالب اعترَف ضمنًا بكفاءته، وعندما وافَق على موضوع الرِّسالة، سَلَّم بأنه حريٌّ بالبحث، وعندما سمح بطبع الرِّسالة وتقديمها للمناقشة، عدَّها إنجازًا مقبولاً.

 

والمشرِف مهما كان مِن استقلال في موقفه، فهو يتأثَّم من إخفاق طالبه، كما يعتزُّ بنجاحه، فضلاً عن تفوُّقه، والذي لا يتحمَّل المشرِف مسؤوليته هو آراءُ الطالب الشخصية، وموقفه الخاص والنهائي من موضوعه، وذلك احترامًا لحرية الرأي، وقناعة الفِكر[20].

 

ولقد تغيَّر دَوْر المشرِف من دَوْر صاحب السلطة المستحوذ على المعرفة، إلى دَوْر الخبير بأساليب البحْث العلمي، الذي ينمِّي في الباحثين القدرةَ على البحْث بوسائلهم الخاصة.

 

ولأنَّ الوقت غالٍ عندَ الباحث والمشرف على السواء، فعلى الباحِث أن يحرص على وقته، ووقت أستاذه، ولا يستغله إلاَّ في ما يُفيد، فيراجع أستاذَه في أوقات يحدِّدها سلفًا، ويعرِض عليه عمله فصلاً فصلاً، أو بابًا بابًا، مع الأسئلة التي تبحث عن الإجابة عنها مدوَّنة، ثم يعود بكلِّ ما يُشير به عليه مشرفُه من إجابات واقتراحات مكتوبة، حتى يتسنى له مراجعتها وقت يشاء.

 

ولأنَّ وقت المشرِف موزَّع بيْن محاضراته الصفيَّة، وبحوثه الخاصة، وقراءاته وكتاباته، وتواليفه والرسائل عليها، فإنَّ الذين يثقلون.

 

من هؤلاء أنفسهم بعشرات الرسائل العلمية، مظنَّة ألاَّ يؤدِّي واجبه، ولا يقوم بما عليه، وحسابه عندَ الله عظيمٌ، وهو بيْن أمرين:

1 - إما أن يجيز الأبحاثَ بلا قراءة ولا اطِّلاع كما ينبغي، وهو بذلك يهدِم في جدار البحْث العلمي السابق من ناحيتَيْن: أولاهما: أن تقدم على يديه بحْثٌ هزيل، ويجاز مجاملةً، فيكون ضررُه على العلم والبحْث العلمي أكثرَ مِن نفْعه، والأخيرة: أنَّ موت الباحِث الجاد ذي الإمكانات المبرزة يكون على يديه، حيث يقدِّمه نموذجًا هزيلاً، ضعيفًا بائسًا إلى دنيا الباحثين، يعتاد الأنماطَ الهزيلة، والكتابات المرذولة، أو يقنط وييأس ويهرب.

2 - وإما أن يدقِّق في الأبحاث ويؤدِّي واجبَه، فيصبح الباحث في طابور طويل، حتى يسمحَ له الوقت بمراجعة أبحاثهم، واحدًا بعدَ الآخَر.

 

وما يجب أن ننوِّه به هنا: أنَّ البحْث العلمي أمانةٌ كُبرى في رقبة المشرِفين، وعلى قدر أدائهم لواجبِهم تكون مساهمتُهم في ازدهار الحركة العلميَّة وتقدمها، وتطورها والعَكْس بالعكس.

ـــــــــــــــــــــــ
[1] كيف تكتب بحثًا: ص15.

[2] السابق: ص 17.

[3] البحث العلمي ومناهجه النظرية ص 64.

[4] البحث العلمي مناهجه وتقنياته ص 60.

[5] كيف تكتب بحثًا ص 16.

[6] المنهج العلمي في البحث الأدبي ص 5، مرجع سابق.

[7] البحث العلمي ومفاهيم النظرية ص 70.

[8] كيف تكتب بحثًا جامعيًّا ص 16.

[9] يراجع فن البحث الأدبي ص 96 د. عبدالله حمودة.

[10] البحث العلمي مناهجه وتقنياته ص 65، ويراجع 72 من البحث العلمي ومناهج النظرية.

[11] البحث الأدبي ص 37، د. شوقي ضيف.

[12] البحث العلمي ومناهجه النظرية ص 76.

[13] المنهج العلمي في البحث الأدبي ص7.

[14] ص 10، 11: السابق.

[15] منهجية البحث ص 77.

[16] البحث العلمي ومناهجه النظرية ص 77.

[17] منهجية البحث ص 38.

[18] البحث العلمي ص57 د. محمد زيان عمر، البحث العلمي ص78 د. سعد الدين

[19] منهجية البحث ص 39.

[20] إعداد الأطروحة الجامعية ص 21 كمال اليا، منهجية البحث ص 40.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • في أصول البحث ومناهجه: آليات وتأصيل (1)
  • في أصول البحث ومناهجه: آليات وتأصيل (2)
  • في أصول البحث ومناهجه: آليات وتأصيل (3)
  • في أصول البحث ومناهجه: آليات وتأصيل (4)
  • في أصول البحث ومناهجه: آليات وتأصيل (6)

مختارات من الشبكة

  • من قضايا أصول النحو عن علماء أصول الفقه (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • المقدمات في أصول الفقه: دراسة تأصيلية لمبادئ علم أصول الفقه (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • خصائص ومميزات علم أصول الفقه: الخصيصة (3) علم أصول الفقه علم إسلامي خالص(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خصائص ومميزات علم أصول الفقه: الخصيصة (1) علم أصول الفقه يجمع بين العقل والنقل (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • من قضايا أصول النحو عند علماء أصول الفقه (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • تفصيل ثلاثة أصول من أصول العقائد (5)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفصيل ثلاثة أصول من أصول العقائد (4)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفصيل ثلاثة أصول من أصول العقائد (3)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفصيل ثلاثة أصول من أصول العقائد (2)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفصيل ثلاثة أصول من أصول العقائد (1)(مقالة - آفاق الشريعة)

 


تعليقات الزوار
1- شكرا
hgljthzgm - السعودية 22-10-2011 08:13 PM

جزاك الله كل خير استفدت كثيراً من هذا المقال جعله الله في ميزان حسناتك

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 17/11/1446هـ - الساعة: 9:44
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب