• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | الثقافة الإعلامية   التاريخ والتراجم   فكر   إدارة واقتصاد   طب وعلوم ومعلوماتية   عالم الكتب   ثقافة عامة وأرشيف   تقارير وحوارات   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    حول مصنفات وآثار الإمام ابن جرير الطبري (10) الرد ...
    محمد تبركان
  •  
    تفيئة الاستشراق
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    الطعن في الأحاديث النبوية سندا ومتنا
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
  •  
    طرق فعالة للاستفادة من وسائل التواصل الاجتماعي
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    حول مصنفات وآثار الإمام ابن جرير الطبري (9) بسيط ...
    محمد تبركان
  •  
    تهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني طبعة دار البر ...
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    التحقيق في ملحمة الصديق (7) دلالات وعبر
    محمد صادق عبدالعال
  •  
    بين العبادة والعدالة: المفارقة البلاغية والتأثير ...
    عبد النور الرايس
  •  
    الثقة بالاستشراق
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    الطعن في شخصية النبي صلى الله عليه وسلم
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
  •  
    المجموع في شعر علماء هجر من القرن الثاني عشر إلى ...
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    المصحف المرتل بروايات أخر غير رواية حفص عن عاصم
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    موقف أبي موسى الأشعري مع جندي من جنوده
    الشيخ عبدالعزيز السلمان
  •  
    النقد العلمي
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    المصحف المرتل وفق رواية حفص عن عاصم الكوفي بصوت ...
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    الطعن في رسالة النبي صلى الله عليه وسلم
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
شبكة الألوكة / ثقافة ومعرفة / فكر
علامة باركود

أيسر القواعد لبلوغ ما نبل من المقاصد

د. محمد بريش

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 26/1/2008 ميلادي - 17/1/1429 هجري

الزيارات: 20669

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر
القاعدة الأولى
العناية القصوى هي للحق وأصواته
ولا فزع من ضخامة حجم الباطل، ولا من تعدد أبواقه

يقول الله جل وعلا: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاء وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ لَوْ أَرَدْنَا أَن نَّتَّخِذَ لَهْوًا لَّاتَّخَذْنَاهُ مِن لَّدُنَّا إِن كُنَّا فَاعِلِينَ بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ وَلَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِندَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ} [الأنبياء: 11-20].

فلا يزال الباطل يتسعُ مجالُه بغياب الحق وتراجع أهله عن مواقعهم، وتخليهم عن مسؤولياتهم، حتى انطفاء آخر جذوة للحق أو ضعفها. فإذا حصل ذلك أضحى القومُ في غير مأمن من عذاب الله إلا أن يلطف الله جل في علاه، وأوشكوا أن يَستبدِل الله قومًا غيرهم فلا يكونوا أمثالهم. ثم ينصر الله الفئة المستضعفة المتمسكة بالدين والمعتصمة بحبله المتين، فيقدف الله بالحق على الباطل "فيدمغه" ويقهره ويهلكه، فإذا هو زاهق فارّ مُوَلٍ للدبر.

وأصل الدمغ شج الرأس حتى يبلغ الدماغ. ذلك أن الباطل لا يزول بالتفاوض معه، ولا بـ(التطبيع) مع رهطه، ولا بالاكتفاء بالنظر إليه بوجه عبوس. وإنما مزهقُ الباطل الوحيد هو الحق، والقوة الكبرى دائمًا مع الحق، لا يؤثر فيها حجمُ الباطل وشكلُه بشيء، ولهذا لزم الاهتمامُ بالحق وأصواته ومنابره وأدواته دون غيره.

والمراد بالحق في الآية الوحي المعصوم كتابًا وسنة، وما يدعو إليه من عبادات وأخلاق ومعاملات، وتقوى والتزام ونهج للصراط المستقيم، وما يعرضه من بيان وما يرسيه من أركان، وما يقدمه من حجج، وما يجليه عبر وحيه وسننه من دلائل وبراهين.

والباطل الشيطان، وما مكّنه الله -عز وجل- من سبل تزيين ووسوسة وتخويف وتضليل، وما يدلي به هو وقبيله من شبه، وما يقومون به من مكر، وما يأمرون به من منكر، وما يفترونه على الله وعلى أهل الحق من الكذب والبهتان.

والآية تشير بوضوح إلى أننا لسنا ملزمين باللَّحاق بالباطل حتى نمسك به كليا، ولا أن نستغرق الجهدَ ملاحقةً له منشغلين به دون غيره، بل تدعونا أن نسعى بما استطعنا وما استجمعنا من قوة أن نقذف بالحق باسم الله وبعونه على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق. وزهوقه لا يعني القضاء النهائي عليه، وإنما المتحقق استحالة رجوعه ما دام للحق الدامغ وجود.

هذه السنة -التي لن نجد لها تبديلا ولا تحويلا- تفرض علينا صرف العناية أساسًا لتوطيد وتقوية الحق، ونصرة أهل الحق، والاستثمار العلمي والعملي في دوام حضور الحق، ذلك أن ضعفه مؤذن بعودة الباطل. فالثبات على الحق والدفاع عنه واستمرارية وجوده هو الأساس، أما أن نفرط في شروط بقاء الحق سائدًا، وننشغل بكيفية احتلال الباطل للمواقع بغياب الحق، فذلك جانب من الغفلة والجهل بالسنن غير هين.

فالنهي عن المنكر لا يقتضي صب العناية جهةَ المنكر استغراقًا للجهد في وصفه، ولا تقعيد النفس بالتهويل من فعله. أكيدٌ أن النهي عن المنكر هو في حد ذاته حق ومعروف، وفعلنا يلزم أن يتجلى دائمًا في دائرة الحق والمعروف، لكن من حسن المعروف وترسيخ المعروف أن ينصب اهتمامُنا جهةَ سيادة الحق وتوسيع دائرة المعروف، بالحفاظ على شروط بقاء المنجز من أركان قيام تلك السيادة وسعة تلك الدائرة، والبحث عن الاستجابة لشروط بقائها ونمو أثرها في سلوك الفرد والجماعة ومؤسسات المجتمع.

فلو أن شارعًا من شوارع المدينة به مائة مصباح موزعة بين اليمين والشمال، معطل جلها لغياب الصيانة وعدم العناية إلا مصباحان أو ثلاثة، وجاء المكلفون بالإصلاح يهوّلون من فعل الظلمة، ويكثرون من تهويل أمرها وتعظيم اشتدادها وانتشارها، والناس يرددون معهم يا هولنا قد قوي الظلام، ويا ويلتنا كم اشتدت العتمة، ... ألا يكون هذا من قبيل سخرية بعضهم من بعض؟ هل الشرعة المثلى والمنهج السليم في إصلاح المصابيح أو في سب الظلام ووصف قبحه وتهويل مفعوله؟

فكذلك ما نحن فيه من واقع محزن، إذ الكثير منا يردد أنه قد استفحل المنكر، دون أن يدرك -إلى جنب تلك الحقيقة المرة- أن الذي استفحل واشتد حتى أضحى مرضًا مزمنًا هو ضعف انتشار واستقرار المعروف وتقاعس أصوات الحق. فكثير منا يردد أن واقعنا وعصرنا قد عمت به البلوى، وكثرت فيه أصوات الشيطان والهوى، وعمّ فيه المنكر أرجاء المعمور كافة، ناسيًا أو متناسيًا أن الذي ضعف حضورُه وطال غيابُ صولته هو صوت الحق وإقدام رجال الحق. فنحن لا نقبل عذرًا ممن يصرخ حين الظلمة أن لا سبيل للنور في وجه تفاقم الظلام، ولكن نسأل معه: لم انعدمت مشكاة النور ومصابيح الضياء؟؟؟ مستحضرين علمنا الفطري بأن غياب النور هو عين الظلمة.

وأصل الداء أن فئات واسعة من الناس ترى في القيام بأعباء الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مجرد فرض كفاية، وما دامت هنالك أجهزة للشؤون الدينية وأخرى للشؤون الاجتماعية والإدارية والقضائية والأمنية مفروض فيها القيام بتلك الأعباء، فلا مسؤولية عليهم. وهذا قول لا يبرئنا أمام الله عز وجل؛ لأن بقاء الحق والعناية بأهله وأصواته واجب يجب أن يجنّد له الجميع، كل حسب مسؤولياته. فكون المسؤوليات متعددة لا يعني انتفاءها عن أهلها أو تخلي البعض عن واجباتهم التي يرونها صغرى أو غير ذات جدوى بدعوى عظم وجسامة مسؤوليات آخرين فوقهم في السلطة وتدبير الشان العام.

فالله -عز وجل- يقول: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الروم: 41]، أي ظهرت المعاصي في بر الأرض وبحرها بما اكتسبت أيدي الناس وباقترافها ما نهى الله عنه، وانتشار المنكر بسكوت أهل الحق وضعف تواصل أثرهم. فهذا هو مآل الكون إذا ما ضيع الحق وسكت أهله، أو أسكتوا واكتفوا بلغو يهوّل الباطل ويتفنن في وصف كيفية فتكه بالعقول والنفوس، ويشرح احتلاله للمواقع، بل أمثلهم طريقة يرى من الأولوية أن يُبكي وينتحب لغياب الحق ويشفق على حاله.

يقول الله عز وجل في سورة الأعراف [الآية: 96]: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ وَلَكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ}.
ويقول سبحانه في سورة المائدة [الآيتان 65-66): {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأَدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِمْ مِن رَّبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ}.

وكلمة "ولو أن" تشير في الآيتين معا إلى مستقبل ممكن ومحقق بإذن الله ومشيئته لو استجيب لشروطه، لكنه مستقبل مفقود بضياع تلك الاستجابة وفسح المجال تهاونًا وضعفًا وكسلا للباطل. فالباطل لا يقنع بجزء من الذات، ولا بركن من الكون، فهو بطبعه لا يزهقه إلا الحق، ولا يمكن بأي حال التفاوض مع أهله -وعلى رأسهم إبليس- بأن لا يتجاوزوا نسبة مئوية معينة، فهو من سنته التي أنشأه الله عليها أن لا يقف حتى يعم البر والبحر، فلا يدع مكانًا إلا احتله، ولا مجالا إلا سكنه، مثله مثل الظلمة، إذا غاب النور اكتسحت كل شيء، بل غياب النور كما قلنا هو عين الظلمة. أما الانشغال بحركة تلك العتمة، وعد المساحات التي احتلتها، وتقدير سرعة حركتها، فذلك كله لا يغير من فعلها ونموها في غياب الحق أو ضعف أهله عن الدمغ به للباطل شيئًا.

وهذا لا يعني عدم السعي لإبطال شبهات الكفار ودفع أباطيلهم، بل هي من الواجب، فقد أبطل الله في القرآن جميع ما احتج به الكفار من حجج لما هم عليه من الباطل والشرك والضلال، ورد الله على مزاعمهم وضلالهم وشبههم وتأويلاتهم. لكن هذا العمل هو جزء من فعل الحق، مصاحب لعمل آخر هو توطيد أصوات الحق، وتوسيع دائرة فعله، والإكثار من منابره.

فليس من المعقول ولا المقبول، لا منطقًا ولا منهجًا، أن يترك أهل الحق مواقعهم التي هم مطالبون بالذود عنها، فيستهينوا بالإنفاق اللازم لبقائها، والحرية الضرورية من أجل نفع الناس بها، ويكتفوا بالغضب والضيق والحزن لكثرة الباطل ونفوذ أبواقه. فإنهم إذ يفعلون ذلك، يكونون قد أضحوا في حكم العبيد مملوكين لا يقدرون على شيء، لا استطاعة لهم ولا قدرة إلا الإشارة بنوع من الحسرة والتأسي لما يفعله الباطل وأهله.

ولنتأمل في قوله تعالى في سورة النحل [الآيات 74-76]: {فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لا تَعْلَمُونَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً عَبْداً مَّمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَمَن رَّزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقاً حَسَناً فَهُوَ يُنفِقُ مِنْهُ سِرّاً وَجَهْراً هَلْ يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَّجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَن يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}.

فنحن مسؤولون عن ضياع فرص يصاغ فيها الغد بتخلينا عن مباشرة الإعداد لمستقبلات هي بأيدينا، وانشغالها أساسًا بلوم الآخرين للسبق في غيابنا بصياغة مستقبلاتهم. فالباطل بطبعه زهوق، وكيد الشيطان في أصله ضعيف، ولكنها قلة الإيمان بقوة الحق، وضعف الإنفاق في سبيل تقوية منابر الحق وأهل الحق، وغفلة عن المتاح من القدرة والاستطاعة لتفعيل أركان استراتيجية الفعل الجاد المتواصل المنطلق من الحق والداعم للحق.

وأنا لا أريد أن أكثر الكلام في أمر نحتاج فيه أساسًا إلى ضبط الفعل مع القول، فلا حاجة لكي يقول ذو القوة لمن يريد أن ينال منه سأشج رأسك، وأقطع دابرك، وأفني وجودك، وإنما يكثر من تكرار ذلك صاحب الضعف، والمتردد الجبان!

لنتأمل في قول سيدنا نوح لعتاة قومه: {يَا قَوْمِ إِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآَيَاتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلَا تُنْظِرُونِ} [يونس: 71]؛ فهو قد أبلغهم التهديد الشديد، في بيان بديع وخلق رفيع، فخوفهم وأرعبهم بالجزم أنهم لو اجتمعوا على أكثر ما يقدرون، ثم جاؤوه وهو في نوم عميق أو غفلة تامة عما يمكرون، ما استطاعوا لغلبته سبيلا! بل زاد وكشف لهم السلاح: إتقان توكله على الله واعتصامه بحيل الله. فما أخالهم إلا وقد أضحوا منه في رعب يترقبون، وفي مكرهم به يترددون.

ومن ثَمَّ؛ فمتى كمل في قلوبنا الإيمان، واستقام عندنا الميزان، وانسجم لدينا الفعل واللسان، صلح فينا المجتمع والسلطان، وولى الباطل مدبرًا ولم يعقب حتى ينسينا عن العناية بالحق الشيطان.

فليس عبثا أن ينهانا الله ويعيب علينا أن نقول ما لا نفعل، قبل أن ينبهنا على أن أحبنا إليه من يقاتل صفا في سبيله كأنهم بنيان مرصوص. يقول عز من قائل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ} [الصف: 4]؛ فميزان انضباط القول مع العمل هو الضابط لحسن الصف وإقامة البنيان المرصوص، والفيصل في ما يعطى لجانب الأمر بالمعروف وما يخصص للنهي عن المنكر.

فشتان بين صف مرصوص دون اعوجاج، وبين جيش ضخم يسوده الارتباك ومِن خصمه دائم الانزعاج. ومصيبتنا أننا ننزعج أكثر مما ننضبط، وننفعل أكثر مما نفعل، ذلك بأنه كثيرٌ فينا القولُ قليلٌ بيننا العمل، فنحن لا نتردد في أن نخصص أورادًا لشتم الباطل، وكم هو قليل ذكرنا للحق سبحانه وما أنزل علينا من الحق، وأضعف منه استثمارنا في تعزيز الحق ونصرة الحق.

تجدنا على استعداد في كثير من الأحيان للتنديد بما نراه من تقتيل وتنكيل بضعفاء المسلمين في شتى بقاع الأرض، نسب هذا ونلوم ذاك. لكن قلما نمد يد مساعدة منظمة، أو نكتب لجهات مسؤولة دولية أو إقليمية رسالة مؤثرة ومحكمة، نتبعها باتصالات متواصلة ومنظمة.

فإياك أيها اللبيب -وأنت المخاطب- من أن تنزعج من فظيع واقعك وتنفعل، فيستفزك الباطل يخوّفك برهطه ويشغلك بحركاته، فتنسى أمر ربك تباركت عزته بأن لا تهن ولا تحزن أيًّا كانت الظروف والمواقف. وتذكر على الدوام أنك صاحب الحق والمكانة العالية. فأن تمسك بمقعدك ومنبرك للذوذ عن الحق أحق من أن تغادره مغاضبًا بسبب أنَّ متلبسًا بباطل أضحى يضايقُك بجنبك. فأنت بفعلك غيرِ الموزون هذا -لو غاب لبك فأقدمت عليه- ستكونُ قد أسعدتَ خصمَك ورهطَه، ومكنته ورسخت بقاءه، وأبعدت عنك الكثير من سبل دمغه، فضيعت فرصًا سانحة لإزهاقه.

وسبق أن شرحنا بالمثل ما نعجز عن وصفه بالكلام في غير هذا المقام فقلنا: "أكيدٌ انزعاجُ من لم يبق عليه من الثياب إلا جورب في رجله اليسرى، بعد أن أنساه التقادمُ انكشاف عورته الكبرى! فتلك قد أضحى يراها الخاص والعام، أما غياب الجورب فابتلاء بالعري التام! وليس من العجب أن يظل همه الجورب!!!!" فتلك حال من تعرى من العلم والحلم، وتباين القول عنده مع الفعل. 

وأشير في ختام هذه القاعدة الأساسية إلى لمحات من استراتيجية الفعل الجاد المستوحاة من القاعدة ذاتها، والمتجلية في خمس قواعد فرعية، كل منها كالبرنامج العملي، للتمكين من ترسيخ أركان الدعوة وسيادة متين الشرعة وقويم المنهاج، كل منها بمثابة القاعدة التي أفردنا لها بحثا مستقلا سنعمل على نشره بإذن الله:

1. إن الراشد من أصوات الحق ينبغي أن يحفظ:
فهناك مدارس قرآنية ينبغي أن تبقى، وهناك جامعات ومؤسسات ومعاهد ومدارس إسلامية ينبغي أن يدوم أثرها، ومراكز ومواقع وقنوات يلزم أن يتواصل فعلها، وهناك مقررات وبرامج ومناهج يراد اقتلاعها ينبغي للأمة أن تحافظ عليها، وهناك مساجد ومراكز أسست لذكر الله ورفع كلمة الله والدعوة لدينه ينبغي أن تبقى وتستمر، فكل ذلك وغيره من منابر الخير وأصوات الحق، إذا لم يحافظ عليها أهلها عطلت أو أزيلت أو خضعت لتفكيك أدواتها وإحداث التغيير في جوهرها لتكون شيئا آخر منقطعًا عن الحق ومعاكسًا للحق.

فالراشد من أصوات الحق ينبغي أن يجتهد في بقائه، ويجب بذل الجهد تلو الجهد للمحافظة على استمرار حياته ودوام عطائه وفعله،..... فهناك مشاريع شتى تفعل فعل الخير في الأمة، ومن أجلها يغضب ذلك الباطل ويتحرك بجنوده وجيوشه، تحتاج على الدوام إلى أن تحصّن وتصان وتحفظ، والحفظ مشروع استراتيجي قائم بذاته.

2. وإن القاصر منها ينبغي أن يرشد:
والقاصر من أصوات الحق ينبغي أن يرشد، فهناك مؤسسات خير ومنابر حق لا تحتاج منا إلا للجهد اليسير لتبلغ مستوى الرشد، وتدخل منتصبة سليمة الأركان ساحة الفعل من بابه الواسع باطمئنان. فالملاحظ أننا كثيرا ما نبذل الجهود الكثيفة حين انطلاق الكثير من مشاريع الخير، ثم نتقاعس عن استمرار إنجازها بعد تجاوز العقبات الأولى، وخاصة حين دخول تلك المشاريع إلى مستويات إنجاز المراحل الأخيرة والدقيقة منها. وهذا عيب لا يتغلب عليه إلا أهل الحنكة الاستراتيجية الذين يدركون معنى قوله تعالى: {وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آل عمران: 139]، والعبرة هنا بعموم لفظها لا بخصوص سببها.

3. وأن المعوج منها ينبغي أن يقوم ويسدد:
والمعوج من تلك الأصوات ينبغي أن يقوّم ويسدّد، لا أن تلصَق به -كيدًا أو قسوة- الكثيرُ من الشبه والتهم، أو يقصد عمدًا إلى التشهير بسوء فعله وشنيع عمله، أو يضعف ليتمكن الآخر منه فيزيله أو يغيّب أثره.

فإذا كنا نعرف أن في فكره دخنًا، أو أن في منهجه اعوجاجًا، عالجنا منه ما يلزم أن يعالج، وتعاملنا معه كجزء منا يلزم تطبيبه وإصلاحه وتقويته ما دامت له صلة بالحق ونصرة للحق؛ ذلك أنه لو ترك لحاله لضل وغوى، فاشتد بذلك ضعفه وكبر اعوجاجه، فيصبح هزيل الأساس سهل الافتراس، ويستغل ليكون في أضعف حالات الاستغلال صوت حق يراد به خدمة الباطل، أو ينقلب على عقبيه كليا والعياذ بالله ليكون مدخلا من مداخل الفساد.

4. وإن المكبل منها ينبغي أن يفك قيده ويساعد:
فالمكبل من أصوات الحق وأنوار الحق يلزم حتميًا أن يفك قيده ويساعد، فهناك الكثير من الأصوات في عالمنا الإسلامي الفسيح منعت ظلمًا أو جهلا من أن تجهر بالحق، وتحتاج لأن تساعد على نصرة الحق، وأخرى كبلت بشتى القيود، المادية والمعنوية، ووضعت في وجهها الكثير من العقبات،... هذه الأصوات من واجب أصوات الحق الراشدة أن تعمل على مساعدتها لتقوم هي كذلك بعملها ورسالتها على صعيد الأمة.

5. وإن الغائب منها ينبغي أن يوجد:
وهناك أصوات غائبة فعلا على مستويات شتى، في العلوم والفنون والثقافة والتربية والإعلام والمعالجات الاجتماعية وغيرها، نحتاج إلى إخراجها للوجود عاجلا لنتمكن من النماء والبقاء. وهي كثيرة بقدر حجم الغياب في المجالات المتعلقة بها.

ذلك ما نحتاج إليه حالا من مستعجلات الإنقاذ.




 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • مدخل إلى علم المقاصد (1 /5)
  • أنواع المقاصد باعتبار مدى الحاجة إليها

مختارات من الشبكة

  • الفروق بين القواعد الأصولية والقواعد الفقهية(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أنواع القواعد الفقهية(مقالة - آفاق الشريعة)
  • حديث: خير الصداق أيسره(مقالة - موقع الشيخ عبد القادر شيبة الحمد)
  • من فضائل النبي: أكرمه الله تعالى بخير الشرائع وأفضلها وأيسرها وأدومها(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أخذ بالأيسر.. لا تفريط(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أيسر المقال في شرح تحفة الأطفال (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • أيسر المقال في شرح تحفة الأطفال (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • نشأة القاعدة النحوية وتطورها(مقالة - حضارة الكلمة)
  • هل يبدأ المتسوك بجانب فمه الأيمن أو الأيسر؟(مقالة - موقع الشيخ دبيان محمد الدبيان)
  • كيف تحقق مخطوطة "أنموذج عملي لأيسر السبل" (WORD)(كتاب - موقع مثنى الزيدي)

 


تعليقات الزوار
2- تعقيب
أبو رناد - السعودية 10-12-2010 12:03 AM

فعلا . لقد آن الأوان لأن نخرج من حالة النقد والتشاؤم التي غلبت على مجتمعاتنا وكبلت أفكارنا وعقولنا وأن نتطلع إلى المستقبل بكل حيوية ونشاط وأن نرتقي بمجتمعاتنا كل في مجاله .
إضافة إلى ذلك وجب علينا البعد كل البعد عن وصف الواقع المؤلم الذي وصلنا له من الضعف وما يحاك ضد الأمة من مؤآمرات لمجرد وصف الحال ، بل علينا تعزيز الثقة والقوة فيما نملكه من دين قادر على تجاوز كل المؤآمرات والعقبات التي تقف أمامه وأكبر مثال على ذلك
ما يشهده العالم الغربي من تعالي نسبة الداخلين في الإسلام رغم المؤآمرات والمكائد .
شكر الله لكم ما تقومون به من عمل وجعله في موازين حسناتكم ونفع بكم الأمة .

1- أيسر القواعد لبلوغ المقصد
الدكتور زيد أحمد المحيسن -مستشار وكاتب في القضايا - المملكه الاردنيه الهاشميه -عمان 08-11-2010 01:54 PM

هذه المقالات مفيده،  جزاك الله خيرا وجعل هذه الأعمال في ميزان حسناتك وأرجو أن تعمم وأن تكون في متناول الجميع حتى يتمكنوا من محاربة الخزعبلات والشوائب التى التصقت بالدين الحنيف فغابت الحقيقه أمام الصوت العالي لأعمال الشعوذه -أكرر أشكر لك ونفع الأمة بعلمك وقلمك

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 0:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب