• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | الثقافة الإعلامية   التاريخ والتراجم   فكر   إدارة واقتصاد   طب وعلوم ومعلوماتية   عالم الكتب   ثقافة عامة وأرشيف   تقارير وحوارات   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    حول مصنفات وآثار الإمام ابن جرير الطبري (10) الرد ...
    محمد تبركان
  •  
    تفيئة الاستشراق
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    الطعن في الأحاديث النبوية سندا ومتنا
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
  •  
    طرق فعالة للاستفادة من وسائل التواصل الاجتماعي
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    حول مصنفات وآثار الإمام ابن جرير الطبري (9) بسيط ...
    محمد تبركان
  •  
    تهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني طبعة دار البر ...
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    التحقيق في ملحمة الصديق (7) دلالات وعبر
    محمد صادق عبدالعال
  •  
    بين العبادة والعدالة: المفارقة البلاغية والتأثير ...
    عبد النور الرايس
  •  
    الثقة بالاستشراق
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    الطعن في شخصية النبي صلى الله عليه وسلم
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
  •  
    المجموع في شعر علماء هجر من القرن الثاني عشر إلى ...
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    المصحف المرتل بروايات أخر غير رواية حفص عن عاصم
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    موقف أبي موسى الأشعري مع جندي من جنوده
    الشيخ عبدالعزيز السلمان
  •  
    النقد العلمي
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    المصحف المرتل وفق رواية حفص عن عاصم الكوفي بصوت ...
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    الطعن في رسالة النبي صلى الله عليه وسلم
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
شبكة الألوكة / ثقافة ومعرفة / روافد / موضوعات فكرية
علامة باركود

المدنية وتعميم التعليم

الزعيم المصري مصطفى كامل

المصدر: نشر في جريدة الأهرام يوم الجمعة 24 فبراير 1893 م. و أعيد نشرها في كتاب: "أوراق مصطفى كامل (المقالات)"
مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 21/1/2008 ميلادي - 12/1/1429 هجري

الزيارات: 9459

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

المدنيَّة وتعميم التَّعليم[1]

 

مَهْمَا بَحَثْنا فِي تواريخ الأُمَم، ونظرْنا في آثار الإنسان، لا نَجِدُ أُمَّةً عظيمةً قامَتْ على الأرض، وتوفَّرت لديْها وسائلُ القوَّة والنجاح إلاَّ بالعلم[2]، ولا نرى أثرًا جليلاً إلاَّ ويُنَبِّئُنا عمَّا لصاحبه منَ القدْرِ، وما كان عليه من عُلوِّ الهِمَمِ؛ هذا المَشْرق لقد مضى عليه - في عهد شَبِيبَتِهِ وزمانِ زَهْرِهِ ونَضْرَتِهِ - أجيالٌ تدرَّجتْ في مَهْدِها المدنيَّةُ حتَّى بلَغَتْ أَشُدَّها منَ الكمال، وقامَتْ فيها لِلمعارِفِ والعُلوم سوقٌ تَزَاحَمَ فيها الشُّعوبُ الشَّرقيَّةُ تزاحُمَ الوُرود على الماء الزُّلال، فاستكملوا أسباب التَّرقِّي، ومَهَدُوا سُبُل العُمران؛ فتوفَّرتْ لديْهِم وسائِلُ القُوَّة والنَّجاح، فشَيَّدوا المَمَالك وعمَّروا الأمصار، وأقاموا للتَّمدُّن بقوَّة الحياة الأدبيَّة دعائمَ، ما كانت لتقوى على هَدْمها عادِيَاتُ السِّنين والأيَّام، لو لم يكن النَّقصُ مُقارِنًا للكمال، والدَّهرُ لا يستقيم على حال.
إِذَا تَمَّ شَيءٌ بَدَا  نَقْصُهُ        تَرَقَّبْ زَوَالاً إِذَا قِيلَ تَمّ
حيث عَبِثَتْ بِهم بعد ذلك يدُ الاستِغْراق في نعيم الرَّفاهة والتَّلهِّي عن المعارف والعلوم، بالتَّحاسُد الذَّميم، فتطرَّقَ إلى نِظامهمُ الخَلَل، وأخذت عوامل الانقسام والتَّقهقُرِ تتوالَى على الشَّرق، وما زال يضعف نورُه وتتراخَى قُواه حتَّى ظُهور الإسلام، وقيام الأمة العربيَّة بخدمة المدنيَّة والعلم خيرَ قيام؛ إذ عاد مظهر المَشْرِق وقتَئذٍ بِمظهر جديد، ودبَّت في عناصره رُوح الحياة، فاستقامَتْ له الأحوال، وتحلَّى منَ المدنيَّة بِحُلل البَهاء والكمال، إذْ لَمْ يَتْرُكِ الخُلفاءُ في عصْرِهِمْ وسيلةً منْ وسائل تعميم التَّعليم إلاَّ اتَّخذوها، ولا طريقةً لِبَثِّ أنوار المعارف إلاَّ سلَكُوها، فشيَّدوا المدارس ورتَّبوا لها المُرتَّبات، وتقدَّموا لأهل الفضل بترجمة الكُتُب العلميَّة من جميع اللغات، ورغَّبوا النَّاس في الإقبال عليها، والاقتباس من فوائدها، فراجت سوق العُلُوم، وأينعت رياض الفُنُون، وكثُرَتِ التَّآليفُ والتَّصانيف، فعمَّت الرَّغبة في العلم، وتوفَّرت بذلك موادّ القُوَّة للخُلفاء، فدوَّخُوا الممالك وعَمَرُوا المَسالِكَ، وأَصْبَحَتِ الأُمَّة العربيَّة في أقلَّ من جيل، وقد ملأتِ الخافِقَيْنِ دِينًا ولُغَةً وعِلْمًا وأَدَبًا وسِياسةً وغيرَ ذلك من الأمور الَّتِي هي نتيجة تعميم التَّعليم، ومُثابرةِ الخُلفاء على بثِّ روح المعارف والعلوم بين النَّاس، وانتقائِهم لترويج مقاصدهم وإدارة مهامِّ الأعمال خِيرَةَ الرِّجال، وأفاضلَ النَّاس، ومشاركتِهم في كلِّ عمل لفَطَاحِلِ العلماء ومشاهير الفُضَلاء، حتَّى كانتِ المَمالك العربيَّة في أيام زَهْوِها محفوفة بأهل العلم، مُشَيَّدَةً على دعائم النَّجاح، مُشْرِقَةً بأنوار الفضيلة والفضل.

نعم ذلك لم يدُمْ للشَّرق، لكن لما طرأ عليه منَ العوارض الكثيرة حينما تغيَّرت الأعمال، وساءت نيَّات الرِّجال، فتقلَّص ظِلُّ العلم إلاَّ لدى الخاصَّة الذين استعملوه لغير وجهته، وحَمَلُوهُ على غير مَحْمَلِهِ، فشوَّهوا وجه الفضيلة، وكانوا سببًا لتداعي أركان العلم، وزوال صَوْلَةِ الملَّة فتلاعبت بالأمم الشَّرقيَّة من ذلك الحين أيدي التَّفريق، وعَمَّ بينهمُ الجهل، وما زالت بهمُ الحال بين إدبار وإقبال حتى قُضِي على بقيَّة ما لديهم أو كاد؛ بقيام الأمم الغربيَّة وظهور المَدَنِيَّة الأوروبيَّة التي تأسَّست على قواعدَ أحفظ لثباتها، وأضمَنَ لاستمرارها، وأهمُّ تلك القواعد تعميم التَّعليم بطُرُق سهلة، ووسائطَ مقبولة كافلةٍ لحُسن مستقبل الشُّعوب الغربيَّة، حتى كان من نتائجها التَّدريجيَّة ما نراه الآن من انتشار المبادئ العلميَّة بين جَميع طبقات النَّاس من أولئك الشعوب، ومشاركتهم للهيئة الحاكمة في كلِّ عمل[3] مُقتضاه جرُّ المنفعة للوطن، أو دفع الضَّرر عنه.

ولا يخفى ما يترتَّب على ذلك من الأهميَّة التي أَقَلُّها مُراقبة أعمال الهيئة الحاكمة، وإلزامُها بالسَّير على طريق السَّلامة في جميعِ الأحوال؛ لِئَلاَّ يَحْدُو بِها استِئْثارُها بِالعِلْمِ إلى جَعْلِ الهيئة المحكومة آلةً صمَّاء تضعها يدُ الأغراضِ حيث شاءت.
إذ منَ المقرَّر أنَّ كُلَّ هيئةٍ حاكمة لا بُدَّ أن تكون عالمة، والعلم إذا لم يكن مقرونًا بالفضيلة أوِ العمل، يُؤدِّي بصاحبه إلى استعماله في غير وِجهته في كثير من الأحيان، فإذا استأثرتِ الهيئةُ الحاكمة بالعِلْمِ دون الهيئة المحكومة، وكان علم أفرادها غيْرَ مقرون بالفضيلة وهو الأغلب، يتصرَّفون بمصالح الرَّعيَّة تصرُّفًا لا يُحتَمَلُ إتيانُه بنتيجة حَسَنَةٍ قَطُّ.

وأمَّا إذا كانت مبادئُ العُلُوم عامَّة بينَ أفراد الهيئة كما هي لدى الهيئة الحاكمة، فلا يُمْكِنُ لِلأُولى أن تستعمل علمها بأيَّة وجهة يتأتَّى عنها ضرر الثَّانية ما دامت مشارِكَةً لها في العلم، ورقيبةً عليْها في كُلِّ عمل إلا في بعض أحوالٍ خفيَّة ربَّما يتعذَّر وقوف العامَّة عليها.
ولا يُستغرَب قولُنا (وهو الأغلب)، إذ قلَّ أن تجتمع الفضيلة والعلم إلاَّ بما استُثْنِيَ منه أفرادٌ يُعَدُّون على الأنامل في كلِّ هيئة حاكمة مهما تنوَّعت أشكالها، ولا حاجةَ بِنَا إلى أن نَسْتَدِلَّ على صِحَّة ذلك بأكْثَرِ المسائل الاختلاسيَّة الرَّاهنة؛ كالمسألة الباناميَّة في فرنسا، ومسألة مصارف التَّوزيع في إيطاليا، ومسألة السلاح في ألمانيا[4]، فإنَّها جميعًا لم تصدُرْ إلاَّ عن أعاظم رجال تلك الأمم المُتصدِّرين في الهيئة الحاكمة، الذين لم يتوصَّلوا إلى المناصب العالية الَّتي وُسِّدَتْ إليهم إلاَّ بشُهرتِهم بالعلم، وكفاءتهم للرِّئاسة، ومع ذلك فحيث تحرَّر عِلْمُهم عنِِ الفضيلة فعِلْمُهم كان مُخالِفًا لها أيضًا إلاَّ أنَّهم لمَّا كانوا في هيئة حاكمة لم تستأثر بالعلم دون الهيئة المحكومة فقدِ افْتُضِحَ أمرُهم، وكَشَفَ الحقُّ سِتْرَهُم فجُوزُوا بعملهم حين لم ينفعهم عِلْمُهم، ولو صَدَرَ عنهم ذلك في شَعْبٍ عَمَّ فيه الجهل، وانفردت حُكَّامه بالسُّلطة والعلم فاستعملوها في سبيل الغاية لما أصابَهم شيء من ذلك، مهما تَمادَوْا في سَلْبِ الأُمَّة، وخَرَابِ البلاد.

ومِمَّا اعتُبِرَ من أركان المدنيَّة الغربيَّة وأهمّ أسباب انْتِشار المعارف لدى الشُّعوب الأوربيَّة –: حُريَّةُ المطبوعات[5]، وأَخَصُّها الجرائِدُ سياسيَّةً كانت أو علميَّة؛ فإنَّها قامتْ بِخِدمة المدنيَّة والعلم خيرَ قيام، وكانتْ هي الوصلة الحقيقيَّة بين الحاكم والمحكوم، لبثِّ الأولى لأنوار الفضيلة والعلم بين النَّاس، ومُراقبةِ الثَّانية لأعمال العمَّال في الهيئة الحاكمة، لإيقافهم عند حدِّ الواجب وتطهيرهم من دَرَنِ الغُرُور، فتراهُم محاسَبين بسبَبِها على كُلِّ ما يَصْدُرُ عنهم منَ الأعمال، مُتَوَخِّينَ طُرُقَ الحِكمة في كلِّ حركة وسُكُون؛ فلا يَتَجَرَّأُ أحدهم على أيِّ عمل يخالف مبدأ الاستقامة، ويضرُّ بِصالح الشَّعب والمملكة، ما دامَتِ الجرائدُ الصَّادقة مُعِدَّةً صفحاتِها لقَيْدِ أعماله ونَقْدِ أفعالِهِ، خدمةً للحقِّ وقيامًا بالواجب، حتَّى تُبُودِلَتِ الثِّقةُ لذلك بين الهيْئَتَيْنِ الحاكمة المحكومة فَتَسَاعَدَتَا على كُلِّ ما من شأنِه جلبُ المنافع العموميَّة، والاستمساكُ بواجب الحقوق الوطنيَّة، وأصبحت الجرائد لدى الشعوب المتمدِّنة من أهمِّ ما تدعو إليه الحاجة، وتقوم به حياة الشَّعبِ الأدبيَّةُ، وتدور عليه رحَى السّياسة، فهي مجرى أقلام الكُتَّاب، ومَطْمَع نظر السَّاسة؛ ومُنْعَكَسُ أشعَّة أفكار العلماء؛ وبِها تُعلَن جلائلُ الأعمال، وتَشْتَهِرُ مناقب الرِّجال كما أنَّ فيها تُعَدَّد الحسنات وتُحصر السَّيئات، فهي لذلك مصباح الاسترشاد، ومِرْقَاةُ الأفكار، وداعِيَةُ الرَّهبة والتَّهذيب، والباعثة على الرَّغبة والنَّشاط.

وبالإجْمال: فَمَا ذكرْناه هو أقل ما ترتَّب على تعميم التَّعليم، وحريَّةِ الجرائد في أوروبا، فضلاً عمَّا نتج عن ذلك من توسُّع الشُّعوب الأوربيَّة في جميع الفنون العلميَّة، وتَرْقِيَتِهم من المدنيَّة إلى درجةٍ جَعَلَتِ الشَّرق بعد ذلك المَجْدِ الباذخ في حاجة للغرب حتَّى بالضَّروريَّات الحيويَّة، وهذا - لَعَمْرُ الحقِّ - إنذارٌ كان لنا.

وإنَّنا لَيَسُرُّنا - معاشِرَ العُثمانِيِّين - ما نراه من جلالة مولانا أمير المؤمنين، الذي أحيا في قلوب الأُمَّة الضَّعيفة الأملَ، وأعاد للشَّرقيِّين أيَّام الخلفاء الأُوَل؛ منَ الاهتمام بهذينِ الأمرينِ العظيمينِ، وأَخَصُّهما تعميم التَّعليم، وتوجيهِهِ العنايَةَ الفائقةَ بإنشاء المدارس، ونَشر العلوم والمعارف في جميع أنحاء السَّلْطَنَةِ السَّنِيَّة، حتى إنَّنا لذي[6] المدارس التي أُنشِئت في عهدِهِ السعيد على مَصْرف الحكومة لا تَقِلُّ مادَّةُ التَّعليم فيها عن مِثْلِها من مدارس أوروبَّا، وذلك ما يُبَشِّرُنا بكل مستقبل حَسَنٍ إن شاء الله تعالى.

إلا أنَّه يُعْوِزُنا - لتَدَارُك خطر المدنيَّة الأوروبيَّة والوصولِ إلى الغاية المطلوبة - سُلُوكُ طريقٍ لتعميم التَّعليم أقربَ سرعَةً، واستعمالُ وسائلَ أعمَّ فائدةً؛ إنَّ الوسائل المُتَّخَذَةَ لذلك الآن سواءٌ كانت جَبْرِيَّةً أو تَرْغِيبِيَّةً غير وافيةٌ بغرض أمير المؤمنين الذي من مقتضى إرادته السَّامية تعميمُ التَّعليم بين جميع طبقات الرَّعيَّة بدون استثناء، والواسطة لذلك سهلة سنبسطها برسالة تاليةٍ إن شاء الله، وأملُنا بِاللَّه وبعناية الخليفة الأعظم - أدام الله ملكه - أن نرى قريبًا من نتائج حكمتِه ومَزِيدِ سَهَرِهِ على مصلحة رعيَّته ما يجعل المملكة العثمانيَّة في مقدِّمَةِ الممالك الشرقية في مسابقة الأُمم الأوروبيَّة، بدليل ما هو مُشاهَدٌ في جميع العثمانيين من تَرَقِّي الأفكار، وعظيم الانتباه، وما رُزِقُوه من صفاء الخواطر، وقُوَّة الضَّمير، ولا سيما وهم في مركزٍ هامٍّ منَ الشَّرق، يساعِدُهُم على نَيْلِ الغاية أوَّلاً بسبب قُرْبِ اتصاله بالغرب، وتيسُّر تَلَقِّيهِ لموادِّ المدنيَّة مباشرةً بدون كثير عَناء، وثانيًا لتوسُّطه بين بقيَّة الممالك الشرقيَّة، والقارة الأوروبيَّة، وكونِهِ بهذه المَزِيَّة نقطةَ الاتصال التجاريَّة بين الجهتينِ، وهو لذلك مركزٌ كان له من الأَهَمِّيَّة في كل جِيل منَ الأجيال ما جعله مَنْبِتَ الرُّسل، ومَهْبِطَ الشَّرائع والوحي، ومظهَرَ المَدَنِيَّة ومَطْمَحَ أنظار الفاتحين، ومقرًّا لأعظم الأُمَمِ قُوَّةً، وأَسماها علمًا ومدنيَّةً، حتى توالى عليه من عصور الشِّدَّة والرَّخاء، ما لَمْ يتوال على مركز في القسم المعمور.

ولا شُبْهَةَ في أنَّ الله تعالى سخَّر في هذا العصر لبقاء همية هذا المركز وسلامة عناصره، وإحياء شعوبه من وهب قوة العممنينينأهميَّة هذا المركز، وسلامةِ عناصره، وإحياءِ شُعُوبِهِ مَنْ وُهِبَ قُوَّةَ العلم والحكمة وعظيمَ السِّياسة والقُوَّة ما جعل الأبصار شاخصةً إليه، والقلوب والآمال مُتعلِّقةً عليه، ألا وهو فَخْرُ آل عُثمانَ وفريدةُ عِقْدِ السَّلاطين العظام، ومولانا السلطان الغازي عبدالحميد خان أيَّده اللَّه بِأَيدِهِ الأسنَى، وأمَدَّهُ بعَوْنِهِ العظيم، ومَتَّع الأُمَّة والبلادَ بطول بقائه، وأجرى على يديه منَ الخير ما به رِفْعَتُها، إنَّ الله كريم مجيب.


[1]   أعيد نشر هذه المقالة في كتاب: "أوراق مصطفى كامل (المقالات)" بتحقيق د/ يواقيم رزق مرقص، وهو التحقيق الموجود هنا. 
[2]   كانت حالة التَّعليم في مصر سيئة للغاية، إذ عمد الإنجليز منذ دخولهم مصر إلى سياسة إضعاف التَّعليم، وقصر نشاط المدارس على مُجرَّد تخريج كتبة للدَّواوين الحكوميَّة، أمَّا التَّعليم في حد ذاته فلم يكن هدفًا لإنجلترا في مصر، حتى لا تكون هناك أصوات مُتعلِّمة تُنادي بمصلحة البلاد دون مصلحتها، وأصبح التَّعليم مجرد "نجلزة" للمصريين، بل لقد وصل الأمر إلى إلغاء التَّعليم المجَّانيِّ في مدارس الأوقاف، وأصبح برنامج التَّدريس لا يزيد عن القراءة والكتابة والحساب البسيط، لذلك اتَّجهت دعوة مصطفى كامل لحثِّ الأُمَّة على نشر التَّعليم القومي في أرجاء البلاد، حتى تقوى الرُّوح الوطنيَّة في نفوس الشَّباب، ودعا الأغنياء إلى إنشاء وإقامة المدارس الأهليَّة على نفقتهم، وأول من لبَّى تلك الدَّعوة هو حسين بك القرشوللي أحد أعيان القاهرة، الذي أسَّس مدرسة على نفقته بالحلميَّة، ثم تلاه كل من محمد أفندي سعيد التومي, وأحمد أفندي صادق، اللَّذانِ أسَّسا مدرسة في باب الشعرية في يناير 1899.
- تيودور روزشتين: "تاريخ مصر قبل الاحتلال وبعده"، تعريب علي أحمد شكري ص 469 - 484.
- عبدالرحمن الرَّافعي: "مصطفى كامل باعث الحركة الوطنيَّة" ص 139، 140.
- المجلة التَّاريخيَّة، مصطفى كامل، بحوث أُلقيت في النَّدوة بمناسبة مرور مائة عام على مولده. القاهرة 1976.
- صلاح عيسى: "مصطفى كامل وقضايا الإصلاح الاجتماعي" ص 179 – 187.
[3]   كان مصطفى كامل في رفضه لسياسة الاحتلال يسعى دائمًا لفكرة تكوين حكومة وطنيَّة مُقَيَّدة، فكما أنَّ التَّقدُّم الحضاري في ظِلِّ الاستعباد والاستعمار مرفوض من الجبهة الوطنيَّة بقيادة مصطفى كامل، فإنَّ الاستبداد الوطني كذلك مرفوض، لذلك كان مصطفى كامل يُنادي بحكومة ديمقراطيَّة؛ كالحكومات الأوروبيَّة، التي تشعر بما على عاتِقِها من واجبات أمامَ شعوبها، بجانب أنَّ الهيئة الحاكمة في كل بلد إنَّما هي جُزْء لا يتجزَّأ من الهيئة المحكومة، لا فارقَ بينهما، ولا امتيازات للأخرى على حساب الأمَّة؛ فالهيئتان في نظر مصطفى كامل – الحاكمة والمحكومة – إنَّما هما هَيْئَتان مُتبادِلتان للمصالح والخِدْمات متبادِلَة الثِّقةِ فيما بينهما، فالحكومة خادمة للشَّعب، أمَّا الاستبداد فهو قاتل للنُّبوغ والرُّوح الوطنيَّة، ويُطالِب بأن تكون الأُمَّة هي صاحبةَ الكلمة العليا، فإن رضيت الأُمَّة عن عمال الحكومة ظلوا في مراكزهم؛ يؤدُّون واجباتهم، أمَّا إن حادُوا عن ذلك فتعزلهم أُمَمُهم.
وبذلك نرى أنَّ رؤية مصطفى كامل للمسألة المصريَّة ككُلٍّ ليست في وجود الاحتلال البِريطانِيِّ فَقَطْ؛ بل أيضًا تأخُّر الشعب المصري في إدراك حقوقِهِ الشَّرعيَّة، وذلك لا يتحقَّق إلاَّ عن طريق تطوير التَّعليم خاصَّة الذي يؤدِّي إلى بناء الاقتصاد المصري، ونعني به التَّعليم الفنِّي صناعي، وزراعي، وتجاري.
- مجلة الجمعيَّة التاريخيَّة، مجموعة بحوث ألقيت في النَّدوة بمناسبة مرور مائة عام على مولد مصطفى كامل، صلاح عيسى، "مصطفى كامل وقضايا الإصلاح الاجتماعي" ص 182 – 191.
[4]   تعرضت حركة النَّهضة التي تولاَّها مصطفى كامل لكثير من عوامل الإحباط، منها عدم أمانة من حوله، فساق بعض الأدلَّة على قيام السلبيَّات في الدول الأوروبيَّة نفسها، فبعد نجاح حفر وافتتاح قناة السويس في مصر دعا فرديناند ديلسبس الشَّعب الفرنسي للاكتتاب لفتح قناة بناما في أمريكا الوسطى؛ للوصل بين المحيطين الهادي والأطلنطي، إلاَّ أنَّ الشَّركة المكلَّفة بأعمال الحفر توقَّفتْ عن المشروع، وأعلنت إفلاسها عام 1892، وذلك بسبب التَّلاعُب في حسابات وأموال المشروع، مِمَّا أدَّى إلى فضيحة ماليَّة وهياج الرَّأي العام الفرنسي.
- أنور الرفاعي، وشاكر مصطفى، العالم الحديث القاهرة. ص 200.
كما نجد أنَّه بالنِّسبة لقطاعات الحياة الاقتصاديَّة الإيطاليَّة الرئيسيَّة كانتْ يدُ ألمانيا تُسيْطِر عليْها تَمامًا، فكانَتْ مشروعات المصارف الإيطاليَّة في أيدي عدد من المصارف الألمانيَّة، وأشهرها "المصرف التجاري" الذي أنشِئ عام 1894 بإشراف بليشرودر Bleichroeder   رجل مصارف بسمارك، وكان هذا المصرف هو الذي يساعد المشروعات الألمانيَّة الكبرى الخاصَّة بالكهرباء، وكان له نفوذ على مصانع صناعة الأسلحة، كذلك يمتلك أغلب الأسهم في الشَّركة العامَّة الإيطاليَّة للملاحة، مما ساعد على تزايد النُّفوذ الاقتصادي الألماني في إيطاليا.
- بير رنوفان، تاريخ العلاقات الدَّوليَّة 1815 – 1914، تعريب جلال يحيى ط 2 القاهرة 1971 ص 863، 864.
[5]   ضرب مصطفى كامل على هذا الوتر كردِّ فعل لموقف الاحتلال منَ الصَّحافة في مصر، وتكبيلها بِالمُصادَرة تارة وبالقوانين الجائِرَة تارة أخرى، فمُنْذُ وضع الاحتلال قَدَمَهُ في مصر عطَّل الصحف الوطنيَّة الموالية للعُرابيين وصدر أمْرُ ناظر الداخليَّة في 23 سبتمبر 1882 بإلغاء جريدتي (الزَّمان والسَّفير).
بل وتعقُّب السلطة للصحف العربيَّة المصريَّة الَّتِي كانت تُطْبَع في الخارج أيضًا كمجلة (أبو نضارة، والعروة الوُثقى).
ولقدْ كان المحتلّون مُتشدِّدينَ في تعرُّضِهِم للصَّحافة المصريَّة، رغم توصية لورد دفرين لهم بمنحها (حريَّة تامَّة) معتمدين على جذور الضَّغط القديمة التي بَذَرَها الخديوي توفيق بسَنِّه قانون المطبوعات 1881.
(ولمزيد من المعلومات في هذا الموقف يمكن الرجوع إلى: سامي عزيز، الصَّحافة المصريَّة وموقفها من الاحتلال الإنجليزي) ص 75: 87.
[6]   جاءت في الأصل هكذا، وصحتها "لنرى".




 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • التعليم في عهد السلف
  • العلم والتعليم (1)
  • مسيرة التعليم والعهد الجديد
  • ما تحتاج إليه مدارس اليوم من دعائم التربية الفكرية
  • هل المدنية سبيلنا إلى خلاص البشرية؟
  • القلادة الذهبية في آداب العالم والمتعلم والعملية التعليمية (منظومة)
  • حديث عن التعليم والمعلم
  • واتعليماه!
  • حالة التعليم في الحجاز .. المقابلة بين الماضي والحاضر
  • فوضى التعليم
  • الخروج إلى تنمية البادية يحل مشكلات الإسكان داخل المدن
  • شبابنا والمدنية
  • العلم والتعليم وفضله وعام دراسي جديد
  • أخذ الأجر على التعليم
  • أسلوب التكرار في التعليم
  • استمرارية التعليم وعدم الاكتفاء بحد من العلم
  • على الدين يجب أن تقوم الثقافة العربية العامة (1)
  • التعليم المقلوب: أين ومتى طبق؟
  • موجز تاريخ التعليم المختلط ونتائجه

مختارات من الشبكة

  • بين الحضارة والثقافة والمدنية(مقالة - موقع أ. د. عبدالحليم عويس)
  • مخطوطة الحواشي المدنية على شرح المقدمة الحضرمية(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • توضيح نظام المعاملات المدنية (PDF)(كتاب - موقع د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر)
  • المجالس المدنية في شرح مسند الإمام أحمد بن حنبل حافظ السنة النبوية(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • التعليق على التحفة المدنية في العقيدة السلفية للشيخ عبد العزيز الراجحي(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • المسؤولية المدنية والجنائية عن عمليات نقل الدم - دراسة مقارنة(رسالة علمية - مكتبة الألوكة)
  • مخطوطة التحفة المدنية في المسلسلات الوترية(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • من هدي معاني وتفسير آيات كريمة في العقائد والتشريع من سورة الحديد المدنية المباركة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • عقد الإيجار في ضوء قانون المعاملات المدنية وأحكام الفقه الإسلامي(كتاب - موقع أ. د. محمد جبر الألفي)
  • التمييز بين القاعدة الجنائية والقاعدة المدنية(مقالة - موقع د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 9/11/1446هـ - الساعة: 17:29
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب