• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | الثقافة الإعلامية   التاريخ والتراجم   فكر   إدارة واقتصاد   طب وعلوم ومعلوماتية   عالم الكتب   ثقافة عامة وأرشيف   تقارير وحوارات   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    انحراف الفكر مجلبة لسوء العمل
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    الحلوى في السنة النبوية
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    الخل إدام وغذاء ودواء
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    دور التربية الإسلامية في مواجهة التحديات لشبكات ...
    د. حميد سيف قاسم ثابت القادري
  •  
    حول مصنفات وآثار الإمام ابن جرير الطبري (12) كتاب ...
    محمد تبركان
  •  
    وسائل صناعة الكراهية بين الثقافات: الاستشراق ...
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    الهداية والعقل
    إبراهيم العامر
  •  
    مفهوم الإنسانية الحقة، في ميزان الله والخلق
    د. نبيل جلهوم
  •  
    الحبة السوداء شفاء من كل داء
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    علي بن أبي طالب أبو الحسنين
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    العلاج بأبوال الإبل في السنة النبوية
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    قراءات اقتصادية (62) كتب غيرت العالم
    د. زيد بن محمد الرماني
  •  
    المزيد في شرح كتاب التوحيد لخالد بن عبدالله
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    وسائل صناعة الكراهية بين الثقافات: الاستشراق ...
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    من مائدة الصحابة: أبو عبيدة بن الجراح رضي الله
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    قراءات اقتصادية (61): اليهود والعالم والمال
    د. زيد بن محمد الرماني
شبكة الألوكة / ثقافة ومعرفة / فكر
علامة باركود

انحراف الفكر مجلبة لسوء العمل

انحراف الفكر مجلبة لسوء العمل
د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 2/9/2025 ميلادي - 10/3/1447 هجري

الزيارات: 94

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

انحرافُ الفكر مجلبة لسوء العمل

 

﴿ أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ ﴾ [فاطر: 8].

 

تمهيد:

إن تصورَ الإنسان لمجمل علاقاته التي تتطلب منه تفاعلًا إيجابيًا معها بحسب مستوى كل علاقة وحجمها ابتداء من علاقته بخالقه سبحانه، مرورًا بعلاقاته الاجتماعية الأخرى في إطار منظومة المجتمع التي يعيش فيه؛ كُل تلك العلاقات تتطلب منه منهجًا واضحًا يشمل تفاصيل كل شيء، ولا غرو أن القرآنَ الكريم والسنة النبوية المطهرة قد هيئتا للإنسان في كل زمان ومكان منهجًا ربانيًا محكمًا لكافة هذه العلاقات، لم يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها.

 

وحتى تتحقق أعظم استفادة من هذا المنهج الرباني القويم يجب على الإنسان المسلم أن يبذل الجهد والمزيد من الاهتمام والعناية التامة بطلب العلم المؤصل من الكتاب الكريم والسنة المطهرة، وفق سلف الأمة الصالح، حتى يكون في منأى عن الغلو والتطرف، أو الإفراط والتفريط.

 

أقوال العلماء في تفسير الآية موضوع المقال:

قال ابن كثير رحمه الله: "﴿ أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا ﴾ [فاطر: 8] يعني: الكفار والفجار، يعملون أعمالًا سيئة، وهم في ذلك يعتقدون ويحسبون أنهم يحسنون صنعًا، أي: أفمن كان هكذا قد أضله الله، ألك فيه حيلة؟ لا حيلة لك فيه، ﴿ فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ ﴾، أي: بقدره كان ذلك، ﴿ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ﴾ أي: لا تأسف على ذلك فإن الله حكيم في قدره، إنما يضل من يضل ويهدي من يهدي، لما له في ذلك من الحجة البالغة، والعلم التام؛ ولهذا قال: ﴿ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ ﴾"[1].

 

وقال ابن عاشور رحمه الله: "الوقوعُ في هذه الحالة ناشئ من تزيين الشيطان له سوء عمله، فالمزين للأعمال السيئة هو الشيطان، قال تعالى: ﴿ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ ﴾[2]. فرأوا أعمالهم السيئة حسنة، فعكفوا عليها ولم يقبلوا فيه نصيحة ناصح، ولا رسالة مرسل. قوله: ﴿ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ ﴾ [فاطر: 8]، أي: فلا تفعل ذلك، فإنهم أوقعوا أنفسهم في تلك الحالة بتزيين الشيطان لهم ورؤيتهم ذلك حسنًا، وهو من فعل أنفسهم فلماذا تتحسر عليهم، وإسناد الإضلال والهداية إلى الله بواسطة أنه خالق أسباب الضلال والاهتداء، وذلك من تصرفه تعالى بالخلق، وهو سر من الحكمة عظيم لا يُدرك غوره وله أصول وضوابط"[3].

 

وقال ابن عثيمين - رحمه الله كلامًا- فيه عموم وشمول للآية الكريمة: "﴿ أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ ﴾ [فاطر: 8]، من المزين؟ ذكر الله عز وجل أن المزين الشيطان. وسوء العمل؛ يشمل كل الأعمال، سواء كان الشرك أو العدوان على الغير أو سوء السلوك وفساد الأخلاق أو غير ذلك، المهم أنه شامل لكل الأعمال. ﴿ فَرَآهُ حَسَنًا ﴾ [فاطر: 8] أي: رَأَى سُوءَ عَمَلِه حَسَنًا، وهذا أشَدّ ما يكون أن يكونَ الإنسان على خَطَأ ويرى أنَّه على صَوَاب، لأَنَّ مثل هذا لا يَكَادُ يُقْلِعُ عن غَيِّه حَيْثُ أَنَّه يَعْتَبِرُه صَوَابًا، ومن ذلك مثلًا: أصحاب الحيل المخادعون، فالمنافق مثلًا زين له سوء عمله؛ لأنه يرى أنه ذكي، وهذا مِن سُوءِ العمل، ومن أمثلة ذلك: الـمُتَحَايلون على الرِّبَا بأنواعِ الحِيَل هؤلاء أيْضًا زُيِّنَ لهم سُوءُ أعمالِهم، ولهذا لا تكَاد تجِدُهم يُقلِعُون على ما هم عليه لأنَّه قد زُيِّنَ ذلك في نفوسِهم فلا يُقْلِعُون عنه، المهم أنَّ هذا له أَمْثِلَة كَثِيرَة وهذا مِن سُوءِ العمل"[4].

 

الملامح التربوية المستنبطة من الآية موضوع المقال:

أولًا: تؤكد الآية الكريمة على خطورة اعتقاد الإنسان الذي عمل سيئا ويراه حسنًا؛ لما لذلك من تبعات سلبية على الفرد والمجتمع ــــ كما هو حال أي عمل سيء ـــــ. فربما يتسع مداه ودائرة قبوله لدى الآخرين فيصبح أمرًاطبعيًا، وتُبنى عليه تصورات وقرارات مصيرية قد لا تُرى نتائجها العكسية في الوقت الحاضر. فالواجب العناية التامة بأعمالنا وأقوالنا وبخاصة المصيرية منها، والعناية بمراجعتها من أهل الاختصاص للتأكد من سلامتها وموافقتها لكتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وواقع الحال ومتطلبات العصر.

 

ثانيًا: توجد علاقة قوية ورابط وثيق بين رؤية الإنسان لعمله السيء حسنًا، وبين تزيين الشيطان له؛ لأن الشيطانَ حريص أشد الحرص على إغواء بني آدم بشتى الوسائل الممكنة، قال تعالى: ﴿ وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ ﴾[5]، وقال سبحانه: ﴿ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ ﴾[6].

 

قال الطبري - رحمه الله-: "وحسَّن لهم إبليس عبادتهم الشمس، وسجودهم لها من دون الله، وحبَّب ذلك إليهم ﴿ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ﴾، فمنعهم بتزيينه ذلك لهم أن يتبعوا الطريق المستقيم، وهو دين الله الذي بعث به أنبياءه، ومعناه: فصدّهم عن سبيل الحقّ ﴿ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ﴾، فهم لما قد زين لهم الشيطان ما زين من السجود للشمس من دون الله والكفر به لا يهتدون لسبيل الحقّ ولا يسلكونه، ولكنهم في ضلالهم الذي هم فيه يتردّدون"[7].


ثالثًا: من الخيبة والخسران والحرمان وقلة التوفيق أن يسلك الإنسان في حياته مسلكا ًيظن كل الظن أنه مستقيمًا، وهو بخلاف ذلك، بل في وجهة قد تَهوي به إلى الشقاء والضياع والعياذ بالله، قال الله تعالى: ﴿ قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا ﴾[8]. قال الطبري رحمه الله: "هم الذين لم يكن عملهم الذي عملوه في حياتهم الدنيا على هُدى واستقامة، بل كان على جَور وضلالة، وذلك أنهم عملوا بغير ما أمرهم الله به بل على كفر منهم به، ﴿ وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا ﴾، وهم يظنون أنهم بفعلهم ذلك لله مطيعون، وفيما ندب عباده إليه مجتهدون"[9]. وقال ابن كثير رحمه الله: "﴿ الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾ أي: عملوا أعمالًا باطلة على غير شريعة مشروعة مرضية مقبولة، ﴿ وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا ﴾، أي: يعتقدون أنهم على شيء، وأنهم مقبولون محبوبون"[10].

 

رابعًا: أشدُّ الناس وقوعًا في رؤية أعمالهم السيئة حسنة أكثرهم بعدًا عن الله تعالى، ومن أعظم الانحراف وأشده الوقوع في الكفر والعياذ بالله، ثم ارتكاب المعاصي والذنوب كبيرها وصغيرها، وغير ذلك من الانحرافات، وكلما كان الإنسان من الله أبعد كانت رؤيته لعمله السيء حسنًا، قال تعالى: ﴿ بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مَكْرُهُمْ وَصُدُّوا عَنِ السَّبِيلِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ ﴾[11]، وقال سبحانه: ﴿ أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾[12]. قال السعدي رحمه الله: "فلم يزل الشيطان يحسن لهم أعمالهم، ويزينها في قلوبهم، حتى استحسنوها ورأوها حقًا، وصار ذلك عقيدة في قلوبهم، وصفة راسخة ملازمة لهم، فلذلك رضوا بما هم عليه من الشر والقبائح"[13].

 

خامسًا: عندما لا يشعر الإنسان بخطئه، أو تقصيره، ولا يرى فيه بأسًا، بل قد يراه حسنًا، فذلك انحراف في التصور والسلوك، وقد يكون بسب تسلط الشيطان عليه، أو تسلط نفسه الأمارة بالسوء، فيزهو حينها بنفسه كِبْرًاوغُرورًا، وقد يظن في نفسه أنه هو الفاهم الذكي ويحتقر غيره في سوء فهمهم وقلة علمهم، ولم يعلم المسكين أن الله تعالى هو الذي علّمه ورزقه الفهم والدراية، وفي أية لحظة فإن الله تعالى قادر على أن يسلبه ذلك، ولذلك جاءت الشريعة السمحة بتوجيهات عدة بتحريم الكبر واحتقار الآخرين، قال تعالى: ﴿ وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ﴾[14]. قال ابن باز رحمه الله: "ينبغي للمؤمن أن يحذرَ أن يعجب بعمله، أو نفسه، أو أن يتكبر على إخوانه، يجب الحذر من ذلك، فإن الإنسان محلُّ الخطر، فينبغي له أن يُحاسب نفسه، وأن يُجاهدها حتى لا يقع في قلبه التَّكبر على إخوانه والعجب بنفسه فيهلك".

 

سادسًا: يحتاجُ المؤمن بصفة دائمة إلى محاسبة نفسه ومراجعتها، للتأكد من مدى سلامة سيره على الصراط المستقيم، وبخاصة في الأمور المهمة التي تحتاج تأنٍّ وحكمة، وتأتي في مقدمتها شرائع الدين وأحكامه، ومن توجيهات الشريعة السمحة في محاسبة النفس، قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾[15]. قال السعدي رحمه الله: "هذه الآية الكريمة أصل في محاسبة العبد نفسه، وأنه ينبغي له أن يتفقدها، فإن رأى زللًا تداركه بالإقلاع عنه، والتوبة النصوح، والإعراض عن الأسباب الموصلة إليه، وإن رأى نفسه مقصرًا في أمر من أوامر الله، بذل جهده واستعان بربه في تكميله وتتميمه، وإتقانه"[16]. وقال صلى الله عليه وسلم: "الكَيِّسُ مَن دان نفسَه وعمِل لما بعدَ الموتِ، والعاجِزُ مَن أتبَع نفسَه هَواها وتمنَّى على اللهِ الأمانِيَّ"[17]. قال ابن عثيمين رحمه الله: "من دان نفسه"؛ يعني: من حاسبها ونظر ماذا فعل من المأمورات، وماذا ترك من المنهيات هل قام بما أُمر به؟ هل ترك ما نُهي عنه؟ إذا رأى من نفسه تفريطًا في الواجب استدركه إذا أمكن استدراكه، وقام به أو ببدله، وإذا رأى من نفسه انتهاكًا لمحرم أقلع عنه وندم وتاب واستغفر"[18].

 

سابعًا: يقع على عاتق الأسرة دور مهم في صياغة الفكر السليم والسلوكيات الإيجابية وتربية النشء عليها ليكونوا معاول بناء في المجتمع، وكلما كانت تربية النشء في داخل الأسرة تربية إسلامية أصيلة متكاملة كان المجتمع أكثر استقرارًا ونضوجًا ورقيًا، وتختفي معه الكثير من الظواهر السلبية، وإن ظهر بعضها في وقت معين يسهل علاجها والقضاء عليها. ومن أبرز من ينبغي أن يركز عليه الوالدان لتجنب أولادهما الوقوع في تزيين سوء أعمالهم ورؤيتها حسنة، ما يلي:

• غرسُ القيم والمبادئ الإسلامية والأخلاق الفاضلة في نفوس النشء، وعرضها بأساليب تربوية مشوقة، وأن يكون الوالدان قدوة حسنة لأولادهم في شؤونهم كلها، فهذا أدعى لترسيخها والالتزام بها.

 

• التعريفُ بالحق والباطل، والتمييز بينهما، والتحذير من شياطين الجن والإنس، وما يقوموا به من ترويج للشبهات والشهوات، وتحريف وتأويل فاسد لبعض النصوص الشرعية؛ لكي يزينوا السوء ويقبحوا الحسن.

 

• تحصينُ النشء بتقوية الإيمان بالله تعالى لديهم والتوكل عليه؛ ليكونوا سدًا منيعًا أمام ترويج المعاصي والمنكرات من قبل أهل الشر والفساد.

 

• الحرصُ التام على الأعمال الصالحة، وفي مقدمتها المحافظة على الصلوات، وتلاوة القرآن الكريم، والأذكار الشرعية، والتوبة والاستغفار من الذنوب والخطايا، والتذكير دائمًا بالآخرة والحساب والجزاء، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.

 

ثامنًا: من أقوى ما يُعين الإنسان على السلامة والابتعاد عن الزيغ والضلال والانحراف في الفكر والسلوك، ورؤية الأعمال السيئة حسنة؛ الإكثار من الدعاء، ومن الأدعية الشرعية المفيدة في هذا الجانب، الآتي:

الحديث الأول: عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: قالَ لي رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: "قُلِ: اللَّهُمَّ اهْدِنِي وَسَدِّدْنِي، وَاذْكُرْ بالهُدَى هِدَايَتَكَ الطَّرِيقَ، وَالسَّدَادِ سَدَادَ السَّهْم"[19]. قال النووي رحمه الله: "معنى (سددني): وفقني واجعلني منتصبًا في جميع أموري مستقيمًا، وأصل السداد الاستقامة والقصد في الأمور، وأما الهدى هنا فهو الرشاد، ومعنى (وَاذْكُرْ بالهُدَى هِدَايَتَكَ الطَّرِيقَ، وَالسَّدَادِ سَدَادَ السَّهْم)، أي: تذكر في حال دعائك بهذين اللفظين، لأن هادي الطريق لا يزيغ عنه، ومسدد السهم يحرص على تقويمه، ولا يستقيم رميه حتى يقومه، وكذا الداعي ينبغي أن يحرص على تسديد علمه وتقويمه، ولزومه السنة"[20].


الحديث الثاني: قال صلى الله عليه وسلم: "اللَّهمَّ ألْهِمني رُشدي وقِني شرِّ نَفسي"[21]. قال ابن عثيمين رحمه الله في معرض حديثه عن فضل الدعاء، وما كان يدعو به النبي صلى الله عليه وسلم ويأمر به: "اللَّهمَّ ألْهِمني رُشدي وقِني شرِّ نَفسي"، "ألهمني رشدي" يعني: اجعلني موفقًا للرشد والرشد ضد الغي، والغي هو المعاصي والشر والفساد، والإنسان إذا وفق للرشد فإنه موفق، وهذا هو غاية المؤمنين الذين قال الله عنهم: ﴿ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ ﴾[22]"[23].


الحديث الثالث: دعاء: "اللهم أرنا الحق حقًاوارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلًاوارزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبسًاعلينا فَنَضِلّ"[24]. قال ابن عثيمين رحمه الله في فتوى لسائل في الحرم المكي الشريف؛ عام 1418 ه، ختمها رحمه الله بقوله: "واسألوا الله دائمًاقولوا: "اللهم أرنا الحق حقًاوارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلًاوارزقنا اجتنابه ولا تجعله ملتبسًاعلينا فنضل. ادع الله دائمًابهذا، وادع الله دائمًاأن يثبتكم على الحق أحياءً وأمواتًافإن الله يقول: ﴿ يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ﴾[25] ".

 

تاسعًا: من الأمور المهمة التي ينبغي الإشارة إليها ويجب أن تكون حاضرة في عقل ووجدان كل مسلم لتجنب المصادمات والصراعات بين الناس وما ينتج عنها من فُرقة وتشتت في منظومة العلاقات الاجتماعية؛ القناعة التامة بوجود اختلافات في وجهات النظر بين الناس حول موضوعات وقضايا معينة، فلا نسقط الآية موضوع المقال على كل عمل يخالف رأينا، فالاختلاف سنة اجتماعية معتبرة، قال تعالى: ﴿ وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ ﴾[26]. قال ابن كثير رحمه الله: "أي: ولا يزال الخُلف بين الناس في أديانهم، واعتقادات مللهم، ونحلهم، ومذاهبهم، وآرائهم"[27]. وهنا ينبغي أن تكون هناك مِساحة من اتساع الفكر وقبول واحترام وجهات النظر المخالفة، طالما في إطار الأصول والقواعد الشرعية، ولها مسوغ شرعي معتبر، حفاظًا على سلامة المجتمع من التشتت والخصام، ولكي لا تكون هناك فرصة مواتية لشياطين الإنس والجن لبذر بذور التناحر والقطيعة بين أبناء المجتمع الواحد.

 

عاشرًا: الخطأ والتقصير وسوء الفهم من لوازم الطبيعة البشرية، وهي بحاجة دائمة إلى التذكير والتناصح بالحكمة والموعظة الحسنة، فمن تيقن حق اليقين رؤية تقصير معين عند أخيه المسلم فالواجب نصحه وتذكيره، قال تعالى: ﴿ وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ﴾[28]، وقال صلى الله عليه وسلم: "الدِّينُ النَّصِيحَةُ. قُلْنا: لِمَنْ؟ قالَ: لِلَّهِ ولِكِتابِهِ ولِرَسولِهِ ولأَئِمَّةِ المُسْلِمِينَ وعامَّتِهِمْ"[29]، وقال عليه الصلاة والسلام: "المؤمِنُ مرآةُ أخيهِ، المؤمنُ أخو المؤمنِ يَكُفُّ عليهِ ضَيْعَتَه ويحوطُه مِن ورائِه"[30]. قال ابن باز رحمه الله: "أنت مرآة لأخيك وهو مرآة لك، إذا رأيتَ شيئًا يشينه نبهته برفق وحكمة وإظهار المودة والنصح حتى يزيل ذلك الشيء الذي يشينه وينقصه، وهو كذلك إذا رأى فيك ما يشينك نبهك بلطف ورفق ومحبة وعدم عنف حتى تزيل ما يشينك وما يقدح فيك من أخلاق وأعمال".

 

الحادي عشر: هناك ملمح مهم؛ فعندما يُوجه للإنسان نصيحة لأي أمر كان، ينبغي احترام القائل وقبول النصيحة، فقد تكون النصيحة في محلها، والمبادرة بمراجعة النفس، فالآخرون لهم القدرة على رؤية وملاحظة ما في غيرهم بما لا يراه الشخص في نفسه، فلا تواجه بعنف أو اشمئزاز أو تعالٍ، ويكون شعار المنصوح مقولة الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "رحم الله امرأ أهدى إلي عيوبي"[31]. والواجب أيضاَ القبول الحسن والرد الحسن، ولعل الآية الكريمة: ﴿ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ﴾[32]، تؤكد هذا المعنى، فإذا كان الذي أخطأ في حقك الأولى تقابله بالتي هي أحسن، فكيف بمن أسدى إليك نصيحة!! فيكون القبول أعظم والرد أفضل، قال ابن عثيمين رحمه الله تعالى: "يعني إذا أساء إليك إنسان فلا تقابله بإساءة، ولا تقابله بحسنة أيضًا، قابله بما هو أحسن"[33].

 

الثاني عشر: ينبغي على الإنسان التأني والتثبت قبل الحكم على أعمال الآخرين، فلا يُصدر حكمًا على شخص لمجرد رؤية صورة واحدة من شخصيته، فالحكم على الشيء فرعٌ عن تصوره، فالعاقل الموفق يتجنب سرعة الانتقاد لأعمال الآخرين، فيحفظ لسانه، ويترك الأمر لأهل العلم، كل بحسب اختصاصه للتصدي لمعالجة القضايا والظواهر السلبية بالطرق المناسبة من غير إفراط أو تفريط.

 

الثالث عشر: قد يغلب على ظن البعض أحيانًا تبني قولًا لموضوع محدد، أو قضية معينة استنادًا على فهم غير مكتمل، ثم يظهر خلاف ذلك، ورجوحه بدليل أقوى، فالتراجع إلى القول الأقوى دليلًا خير من التمادي في الخطأ، وهذ من التوفيق والحكمة وكمال العقل، فالعلم بحر لا ساحل له، قال تعالى: ﴿ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ﴾[34]، قال الطبري رحمه الله: "وفوق كل عالم من هو أعلم منه، حتى ينتهي ذلك إلى الله"[35].



[1] تفسير ابن كثير (6/ 473).

[2] [النمل:24].

[3] التحرير والتنوير (22/ 263-265).

[4] تفسير العثيمين (فاطر، ص: 63).

[5] [الأنفال: 48].

[6] [النمل:24].

[7] تفسير الطبري (19/ 447). انظر: مقالًا موسعًا للكاتب على موقع الألوكة: ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى: ﴿إِنَّ كَيۡدَ ٱلشَّيۡطَٰنِ كَانَ ضَعِيفًا ﴾ [النساء: 76].

[8] [الكهف: 103-104].

[9] تفسير الطبري (18/ 128).

[10] تفسير ابن كثير (5/ 181).

[11] [الرعد: 33].

[12] [الأنعام: 122].

[13] تفسير السعدي (ص: 272).

[14] [لقمان:18].

[15] [الحشر: 18].

[16] تفسير السعدي (ص: 853).

[17] الترمذي، حديث رقم: (2459)، ابن ماجه، حديث رقم: (4260)

[18] شرح رياض الصالحين لابن عثيمين (ص: 508).

[19] صحيح مسلم، حديث رقم: (2725).

[20] شرح النووي على صحيح مسلم، (17/ 43-44).

[21] أحمد، المسند، (33/197)، الترمذي، حديث رقم: (19992).

[22] [الحجرات: 7].

[23] شرح رياض الصالحين لابن عثيمين (ص: 966).

[24] دعاء مأثور، ابن شاهين، مذاهب أهل السنة، (ص: 38).

[25] [إبراهيم: 26].

[26] [هود: 118].

[27] تفسير ابن كثير (4/ 310).

[28] [الذاريات: 55].

[29] صحيح مسلم، رقم: (55).

[30] الألباني، صحيح الأدب المفرد، رقم: (178).

[31] الغزالي، إحياء علوم الدين، (3/64).

[32] [فصلت: 34].

[33] تفسير العثيمين (فصلت، ص: 187).

[34] [يوسف: 76].

[35] تفسير الطبري (16/ 191).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • لا يستوي الخبيث والطيب
  • إكرام الله شرف عظيم
  • العلاقات بين الابتلاء والصبر
  • أهمية الإخلاص والتقوى
  • الضلال نفق مظلم

مختارات من الشبكة

  • نظرية الوسم الاجتماعي(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • الكبر وخطره على الدعوة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تحصين الفكر من الانحراف(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • منهج القرآن الكريم في تحصين الفكر من الانحراف(مقالة - موقع أ. د. عبدالله بن إبراهيم بن علي الطريقي)
  • الإسلام يحقق السيادة والعلو والتمكين في الأرض وعصمة من الضلال والزيغ والانحراف(مقالة - آفاق الشريعة)
  • انحرافات الحداثيين في تفسير آيات الأحكام عرض ونقد لفتحي سباق عابد(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • أسباب الانحراف (خطبة)(مقالة - موقع د. محمود بن أحمد الدوسري)
  • الانحراف: أسبابه وعلاجه (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • انحراف فكر محمد أسد في تأويل معجزات الأنبياء عليهم الصلاة والسلام(مقالة - آفاق الشريعة)
  • حلاوة الإيمان موجباتها وآثارها والرد على الانحرافات المتعلقة بها(رسالة علمية - مكتبة الألوكة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مسجد يستضيف فعالية صحية مجتمعية في مدينة غلوستر
  • مبادرة "ساعدوا على الاستعداد للمدرسة" تدخل البهجة على 200 تلميذ في قازان
  • أهالي كوكمور يحتفلون بافتتاح مسجد الإخلاص الجديد
  • طلاب مدينة مونتانا يتنافسون في مسابقة المعارف الإسلامية
  • النسخة العاشرة من المعرض الإسلامي الثقافي السنوي بمقاطعة كيري الأيرلندية
  • مدارس إسلامية جديدة في وندسور لمواكبة زيادة أعداد الطلاب المسلمين
  • 51 خريجا ينالون شهاداتهم من المدرسة الإسلامية الأقدم في تتارستان
  • بعد ست سنوات من البناء.. افتتاح مسجد أوبليتشاني في توميسلافغراد

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 10/3/1447هـ - الساعة: 11:15
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب