• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | الثقافة الإعلامية   التاريخ والتراجم   فكر   إدارة واقتصاد   طب وعلوم ومعلوماتية   عالم الكتب   ثقافة عامة وأرشيف   تقارير وحوارات   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    حول مصنفات وآثار الإمام ابن جرير الطبري (10) الرد ...
    محمد تبركان
  •  
    تفيئة الاستشراق
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    الطعن في الأحاديث النبوية سندا ومتنا
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
  •  
    طرق فعالة للاستفادة من وسائل التواصل الاجتماعي
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    حول مصنفات وآثار الإمام ابن جرير الطبري (9) بسيط ...
    محمد تبركان
  •  
    تهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني طبعة دار البر ...
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    التحقيق في ملحمة الصديق (7) دلالات وعبر
    محمد صادق عبدالعال
  •  
    بين العبادة والعدالة: المفارقة البلاغية والتأثير ...
    عبد النور الرايس
  •  
    الثقة بالاستشراق
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    الطعن في شخصية النبي صلى الله عليه وسلم
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
  •  
    المجموع في شعر علماء هجر من القرن الثاني عشر إلى ...
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    المصحف المرتل بروايات أخر غير رواية حفص عن عاصم
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    موقف أبي موسى الأشعري مع جندي من جنوده
    الشيخ عبدالعزيز السلمان
  •  
    النقد العلمي
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    المصحف المرتل وفق رواية حفص عن عاصم الكوفي بصوت ...
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    الطعن في رسالة النبي صلى الله عليه وسلم
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
شبكة الألوكة / ثقافة ومعرفة / التاريخ والتراجم / تاريخ
علامة باركود

التحقيق في ملحمة الصديق (4) دلالات وعبر

التحقيق في ملحمة الصديق (4) دلالات وعبر
محمد صادق عبدالعال

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 22/3/2025 ميلادي - 22/9/1446 هجري

الزيارات: 629

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

التحقيق في ملحمة الصديق (4)

دلالات وعبر

 

التحقيق الرابع عشر: السجن من بعد البئر:

﴿ ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ ﴾ [يوسف: 35].

 

وما ينبغي لمثلي أن يقتفي آثار تلك الملحمة القصصية الرائعة آيةً تلو الآية، ولكنني سوف أعوِّل بعون الله تعالى على بعض مما لفت انتباهي واسترعى مني النظر، وإن كل حرف في كتاب الله يستدعي الفكر والذكر، عملًا لقوله سبحانه: ﴿ وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا ﴾ [الإسراء: 106]، وفي هذا التحقيق نجد أن آيات أهل الحق لا تردع من افتراءات أهل الباطل، خاصةً لو كانوا في سُدَّة الهيمنة والحكم، ويظنون أن بإمكانهم تغيير الأقدار، وصرف الأنظار، وقلب المعايير بما يتناسب مع الواجهة الرسمية لمكانتهم الاجتماعية، وهذا هو القهر بعينه؛ فحينما تبين لقصر العزيز الخيط الأبيض من الأسود، وإشراق شمس الحقيقة، وقد استبان نورها، استعانوا بظلمة الليل وغيابات السجن؛ لكي يصرفوا القوم عن التهم التي أُلصقت بهم، وحتى ينساها الناس، ومع تعاقب الليل والنهار، يصبح يوسف البريء العفيف نسيًا منسيًّا، لكن هيهات، وما كان ربك نسيًا، وهو الغالب على أمره، وكفى به هاديًا ونصيرًا.

 

ومن الملامح البيانية الرائعة في نسيج تلك القصة العالية الوصف، الجليلة المعاني، المتفردة في تراكيب أساليب الخبر والإنشاء، نجد أن الآيات من الآية الخامسة والثلاثين إلى الرابعة والخمسين هي مرحلة تواجد نبي الله يوسف في السجن، فانظر لهذا الوصف المتناهي البلاغة؛ ولقد بدأت من قوله تعالى: ﴿ وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ ﴾ [يوسف: 36]، وهنا - كما ذهب العلماء - قول محذوف من السياق ومتروك استنتاجًا، وهذا ما يسمى في أبواب البلاغة بالإطناب والتكثيف، ونبي الله يوسف لم يؤول الرؤيا لكل منهما بمجرد دخوله السجن، بل استغرق ذلك وقتًا لم يذكره القرآن، حتى استراحت نفساهما ليوسف عليه السلام بما أعلمهم مسبقًا بما سيُعَد لهم من طعام، فضلًا عن أخلاقه وأريحيته التي أزاحت عن صدور السجناء كثيرًا من نوازع الوحشة، فضلًا عن أدب يوسف الراقي في مخاطبة من هو أدنى منه علمًا وفهمًا؛ بقوله: ﴿ يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ ﴾ [يوسف: 39]، إشاعةً لجوٍّ من الأُلفة وكسرًا للحاجز النفسي، بما يُعد ذلك حديثًا من مقومات التربية والتعليم.

 

وهنا ملمح طيب حقيقٌ ألَّا يُترك؛ وهو بشارة يعقوب النبي ليوسف من قبل بأن الله سوف يجتبيه ويعلمه من تأويل الأحاديث، هل كان يخطر ببال يوسف أن هذا التعليم سوف يكون أول ما يكون بين جدران السجن، وغياهب الحبس؟ لم يكن يدري ذلك، لكنها إرادة الله التي جعلت الحياة مراحلَ ومحطاتٍ ومكتسبات بعد فقد، ومطلوبات بعده تأتي ببراهين على أن اجتباء الله لا يكون إلا في صالح عبده المؤمن الصابر القانت، وصاحبا السجن ليسا هما كل من أوَّلَ لهما يوسف الرؤيا، بل سبقهم كثير، لكن كما علمنا أن القرآن في قصصه يؤكد على الأحداث المؤثرة القوية في القصة؛ فالساقي هذا سوف يكون يومًا جنديًّا من جنود الله، الذين سوف يجعلهم سببًا من أسباب خروج يوسف من السجن بريئًا عزيزًا مُكِّن له في أرض مصر، ثم إن يوسف النبي لما رأى ممن حوله استقبالًا بصدور رحبة لحديثه، دعاهم للقضية الكبرى؛ وهي قضية التوحيد، وهي رسالة كافة الرسل قاطبة، وحولها نُدندن؛ كما قال صلى الله عليه وسلم.

 

﴿ إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ... وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ ﴾ [يوسف: 37، 38]:

ولقد بدأ يوسف الكريم بالتبرئة لنفسه من دين قومٍ لا يؤمنون بالله واليوم الآخر، ثم استدرك بالإيمان بملة أبينا إبراهيم؛ حيث قال القرآن الكريم عن لسانه: ﴿ ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ ﴾ [يوسف: 37]، وقوله مخاطبًا المثنى المذكر: (ذَلِكُمَا) إشارة قوية ولافتة إلى أن تأويل الرؤيا لهذين الرجلين كان شرارة لنشر الدعوة الإبراهيمية بالتوحيد، ولو نظرنا في قول سيدنا يوسف: ﴿ إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ... وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ ﴾ [يوسف: 37، 38]، وفي هذا التحقيق تربية وتأديب وتهذيب، فقبل أن يعبِّر ويؤول لصاحبي السجن رؤياهما، بيَّن لهم على سجية من فُطِر على التوحيد والإيمان أنه ترك ملة الكفر وهو من هو.

 

﴿ مِلَّةَ آبَائِي ﴾ [يوسف: 38]، وهنا تنبيه للتخلية قبل التحلية، وكأنه يخبرهم بالبيان العملي لاستقبال الإيمان أن الإناء الذي به أدران لا يستلذُّ شاربه العسل، إلا إذا تم تنظيفه، والمقصد العام هنا هو لفت الانتباه إلى أن التوحيد الخالص لا يُبنى على متعلقات تقطع بشرك صاحبها؛ ومن الجمال والبهاء اللغوي في قوله: ﴿ إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ ﴾ [يوسف: 37]، فيه حسم للقضية، ولكنه حين قال: ﴿ وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ ﴾ [يوسف: 38]، لم يسبقه بحرف التوكيد الناسخ معطوفًا عليه ضمير المخاطب؛ ذلك لأن التعلق بدين كفر وغير التوحيد أشد خطرًا من ألَّا يكون دينٌ أصلًا.

 

ولعل سائلًا يسأل: ما ملة الكفر التي تركها يوسف الصديق وهو ربيب بيت النبوة، ووريثها كابرًا عن كابر؟ وفي تفسير الجلالين لم يزد عن التأويل بأن الملة: هي الدين، أما في تفسير الإمام الطبري فاستزاد: "﴿ إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ﴾ [يوسف: 37]، يقول: إني برِئت من ملة من لا يصدق بالله ويقر بوحدانيته، ﴿ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ ﴾ [يوسف: 37]، يقول: وهم مع تركهم الإيمان بوحدانية الله، لا يُقرون بالمعاد والبعث، ولا بثواب ولا عقاب"[1]، ومقصد نبي الله يوسف هو ملة الكفر بكل ما انسدل تحت مظلتها الجاحدة من نكرانٍ لوجود خالق واحد، ومنكر للبعث والنشور، والحساب والجزاء.

 

والاستفهام الإنكاري الذي طرحه نبي الله يوسف في معرِض حديثه، محركًا فيهم نوازع الفطرة التي تعطَّلت بفعل السطوة والهيمنة ممن يعلوهم بدرجات مادية ومعنوية واجتماعية، واتخاذهم ملوكَ مصرَ آلهةً أو أنصاف آلهة، كل أولئك كان عنه مسؤولًا، فتوجب على نبي الله يوسف أن يعرِضَ قضية التوحيد بمثل تلك الصورة من سؤالٍ، يحرِّك ما ركد من ماء تسبح فيه الفطرة، تبحث عن مُجير.

 

التحقيق الخامس عشر:

التعبير والتأويل:

التعبير والتأويل من مراحل كشف الظنون عما يراه الإنسان حين ينام، وهي الفترة التي ينقطع فيها المرء عن أي حدث يجعله يشعر بالزمن، فيكون في حياة مختلفة تمامًا، فيرى مشاهدَ متشابكة وأناسًا رحلوا مع آخرين ما زالوا على قيد الحياة، ربما لم يلتقوا في الواقع أصلًا، وعدم معاصرة الحدث كفيلة بأن تجعل الإنسان في انقطاع تامٍّ، ما لم يوجد من مثير أو مُنبه يحركه، كمثل أهل الكهف لما أماتهم الله تلك الفترة، ونبيِّ الله عزير عليه السلام، وبعث الخلق يكون قولهم من الدهشة واحدًا: ﴿ كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ ﴾ [الكهف: 19].

 

فأما التعبير، فيكون من حدس وظن المعبر وسقف علمه المحدود الذي لم يزِد عليه، وربما خبراته الذاتية فيها قصور، فيكون أقل علمًا واستيعابًا من المؤوِّل نفسه.

 

وأما التأويل، فهو العتبة العليا للوصول بالرؤيا إلى حد المطابقة التامة دون إقلال أو مبالغة في تصريف المشهد، والتأويل لفظًا - في قاموس المعاني - هو صرف اللفظ عن معناه الظاهر إلى معنى آخر يحتمله لدليل، وهو علم عظيم لا يناله إلا المصطفَون من الناس، وهو ما خصَّ به الله يوسف عليه السلام دون غيره من الرسل، جاء ذلك نصًّا على لسان أبيه نبي الله يعقوب عليهما وعلى نبينا الصلاة والسلام؛ حين قال له: ﴿ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ ﴾ [يوسف: 6]؛ أي: التأويل الأنسب والأصح والأدق وشيك الوقوع، ويُفترض فيه الصدق والحياد وأمانة المحدِّث في التبليغ، مع صرف جميع العلم له سبحانه وتعالى.

 

والرؤيا تختلف عن الحُلم؛ فقد روى البخاري عن أبي قتادة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((الرؤيا الصالحة من الله، والحُلم من الشيطان، فإذا حلم أحدكم حلمًا يخافه، فليبصق عن يساره، وليتعوَّذ بالله من شرها؛ فإنها لا تضره))[2].

 

ومن بلاغة القصص القرآني وعظيم اختياره لمفرداته ومترادفاته، فمعبِّرو مصر حينما عجزوا عن مجرد تعبير الرؤيا، قللوا من شأنها؛ بقولهم: ﴿ قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلَامِ بِعَالِمِينَ ﴾ [يوسف: 44].

 

قد يرى المرء في منامه ما لا يمكن أن يحدث في يقظته، كأن يطير أو يمشي على الماء أو خلاف ذلك من خوارق الظن، وغالبًا ما يكون الحلم أو الرؤيا على هيئات مجازية لعلاقات غير متشابهة، مع إيراد قرائن مانعة من إيراد المعنى الأصلي تمامًا، في تفسير الرؤيا لخازن طعام الملك، والذي فسَّر وأوَّل له يوسف الصديق وصفَه الغريب بأنه سوف يُصلب وتأكل الطير من رأسه؛ نكالًا له بما اقترف؛ فالخبز والطير هنا لا علاقة مشابهة لهما بما سوف يجري عليه، لكنه إنباء بما سوف يناله من عقاب جراء جرمه، في حين أن ساقي الملك - وهو بريء وقد زُجَّ به في السجن ظلمًا - قال: ﴿ إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا ﴾ [يوسف: 36]، فأوَّل له نبي الله يوسف أنه سوف يخرج ويعود لسابق عهده ساقيًا للملك، ويعتبر ذلك في علم البلاغة مجازًا مرسلًا علاقته ما سيكون، ومجازات القرآن حقيقة استشهادًا بعظمة المبلغ سبحانه، والله تعالى أعلى وأعلم.

 

ومن جمال وبلاغة القصص القرآني، الذي لا يحتمل إلا الأنوار ذات الإشراقات البيانية، أنه لم يصرح مباشرة على لسان يوسف: مَن منهم سوف يصلب؟ ومن سوف يعود لسالف عهده ساقيًا للملك؟ على رغم وضوح الأمر، بما يعد ذلك إطنابًا؛ بقوله: ﴿ يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا وَأَمَّا الْآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ ﴾ [يوسف: 41].

 

﴿ قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ ﴾ [يوسف: 41].

 

وقبل أن نغادر هذا التحقيق، نسأل أنفسنا سؤالًا: لما قال نبي الله يوسف: ﴿ قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ ﴾ [يوسف: 41]؟ أورد جامع البيان في تأويل القرآن للإمام الطبري رحمه الله "أن الفتيين لما فسَّر لهما يوسف ما رأيا، مارا في تعبيره قائلين: إنما كنا نلعب، فكان رد نبي الله يوسف حازمًا جازمًا، فما ينبغي لنبي معصوم أن يقول قولًا يحتمل الهرج واللهو فيه، والله تعالى أعلى وأعلم، فلما عبر، قالا: ما رأينا شيئًا، قال: ﴿ قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ ﴾ [يوسف: 41] على ما عبَّر يوسف؛ حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق: قال لمجلث: أما أنت فتُصلب فتأكل الطير من رأسك، وقال لنبو: أما أنت فتُرد على عملك، فيرضى عنك صاحبك، ﴿ قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ ﴾ [يوسف: 41]"[3].

 

ولقد صارت تلك العبارة القرآنية العظيمة مضربًا ومثلًا للقطع بإنهاء أمر ما وعدم الرجوع فيه؛ كقوله صلى الله عليه وسلم - وهو من أوتي جوامع الكلم - في الحديث الشريف: ((رُفِعَتِ الأَقْلَامُ وَجَفَّتِ الصُّحُفُ))، صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.

 

التحقيق السادس عشر:

1- مفهوم الربوبية الحقة.

2- أولو العصمة حين تصدر عنهم زلة بغير قصد.

 

﴿ وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ ﴾ [يوسف: 42].

 

أولًا: مفهوم الربوبية الحقة:

تحقيق حقيقٌ على ألَّا يُترك أو يمر علينا مرور الكرام؛ فنبي الله يوسف حينما عبر لصاحبي السجن عن منام كل منهما، رأى أن صاحب البشارة بالنجاة أولى بأن يقدَّم إعرابًا عن فرحته، وزكاة عن نفسه التي عُتقت من الإزهاق بغير حقٍّ، بأن يذكر للملك - وهو من يعلو عزيز مصر مقامًا - سجنَه دون ذنب اقترفه، ولا جرم استحل به محرمًا، ولقد استعمل النص القرآني في سرده كثيرًا لمفردة (الربوبية) بسورة يوسف، فمرة أُريد بها عزيز مصر حينما وبَّخ يوسف زليخا في واقعة المراودة: ﴿ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ ﴾ [يوسف: 23]، وحينما استشرف نبي الله يوسف النجاة من تلقاء نفسه التي استزلها طائف من الشيطان؛ فقال للساقي: ﴿ اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ ﴾ [يوسف: 42]، وهناك تقابل ترادفي وتباعد عقائدي، فربه في الأولى يقصد فرعون مصر، وربه في الثانية رب العرش العظيم سبحانه، ونبي الله يوسف بشر في سجاياه، فلولا عصمة الله له، لكنها كانت زلَّة منها أدَّبه الله على إثرها، فلبث في السجن بضع سنين: ﴿ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ ﴾ [يوسف: 42].

 

وأيضًا حينما رجع الساقي وقد ادَّكر من بعد فترة وأمة طلب يوسف، فقال له زاهدًا يخشى عقوبة ربه باعتراضه أو ملاله من مكوثه في السجن، وحتى يكشف النقاب والحجب التي صنعها السجن عن عفته: ﴿ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ ﴾ [يوسف: 50]؛ يقصد الملك، والملك لم يعاصر الحدث، لكنه ما دام القائم على أمر البلاد، فإن بيده تصاريف الحكم والفصل بين الرعية، ويوسف الآن من عداد رعاياه، وإن كان كما قالوا: عبد عبراني في السجن.

 

وقبل أن نمر على قضية العصمة لأصفياء الله من النبيين والرسل، وهي ليست بعطية بقدر ما هي قضية تستوجب منا النظر إليها بعيون الحكمة، نقف على أنوار مفردة (الربوبية) قليلًا، فنقول بعد الحمد لله رب كل مربوب، وكلنا لذاته مقهور ومغلوب، فلا المحلق في جو السماء بمستغنٍ عن فضل جوده، أو خارج عن طوع أمره ومدوده، ولا المكين المطاع بأرض ملك بمستكفٍ بأشياعه وجنوده، وكلٌّ له راغبون رغبة المفتقر لذي العزة والمجد، وحاجة العائذ المستجير لمن يجير ولا يُجار عليه، وكلٌّ له خاضعون خضوع الربوبية الحقة المستحقة لكل تقديس وعبادة، ويقين بأنه رب الناس، ملك الناس، إله الناس، فاطر الفطرة الأولى، وجابل الأفلاك والأملاك لذاته تسخيرًا ومثولًا، فما من دابة تتحرك ولا ساكنة تتفتق ولا جامد يتشقق، إلا وعنده المستقر والمستودع، كلٌّ في إمام مبين، ومهما راوغ الملحدون تنصلًا منها ومناصًا، أرُكسوا فيها إركاسًا، وأُزهقت أرواحهم لذلك زهوقًا، وصاروا كما الأنعام وقد نفقت نفوقًا، إن لم يقروا بوجود الله إلهًا معبودًا.

 

وبعدُ؛ فقد اتفقت الأقلام وآراء العلماء على القول بأن الربوبية هي: الاعتقاد بأن الله رب كل موجود؛ أي خالق كل موجود ومدبر أمر الوجود، فلا يشغله خلق عن خلق، وهو من التعريفات الشرعية الأصولية.

 

من اجتهادات الخلق في تفسير معنى الربوبية:

وبادئ ذي بدء، نستفتح بالمبحث اللغوي لمفردة (الرب)؛ فاللغة مفتاح لكل مبهم، لاستدراك المراد من الكلام والاستقراء المختصر، ولا يستطيع دارس أن يخوض في دراسة أدبية أو نقدية وهو غير ملمٍّ بمعنى المفردة من الناحية اللغوية، وتعدد مفرداتها ومتشابهاتها وتطابق حروفها جناسًا تامًّا غير منقوص، ويمثل التشكيل والضبط وعلامات البناء والإعراب معاييرَ الفهم لمعنى المفردة المستخدمة، أو محل الدراسة، وماهية المعنى العام والخاص لها.

 

وفي معجم المعاني، بالبحث عن معانٍ لمفردة (رب)، وجدنا:

"والرب: المالك، الرب: السيد، رب الأرباب: الله تعالى"، ولو أردنا بعون الله أن نسترسل في لغويات مفردة الربوبية، لبرزت لأقلامنا فيوضات لا حصر لها ولا جسر، لكنها الومضة السريعة التي تعطي إضاءة نيرة، وقد صححت مترادفًا غير معروف، وكشفت من اللغة الغنية بالجمال بديع الحروف، و"رب الولد رب ربًّا: ولِيَه وتعهده بما يغذيه وينميه ويؤدبه، رب ربًّا فهو رابٌّ، وهو مربوب، وربيب، رب: (فعل)، رب ربًّا فهو راب، وهو مربوب، وربيب، رب ربًّا، وربابًا، وربابة، ربَّ الولد: رباه، تكفل بغذائه ولباسه، أدبه، رب القوم: كان رئيسهم وسائسهم، وبالإجماع على تعريف كلمة (رب)، تكون الربوبية على مثل ذلك من التقديس".

 

وكلمة "رب تعني السيد المالك المصلح المعبود بحق جل جلاله، رب العالمين، مربيهم ومالكهم ومدبر أمورهم، رب: الرب في الأصل: التربية، وهو إنشاء الشيء حالًا فحالًا إلى حد التمام، ويقال: ربه، ورباه، فالرب مصدر مستعار للفاعل، ولا يقال الرب مطلقًا إلا لله تعالى المتكفل بمصلحة الموجودات، نحو قوله: ﴿ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ ﴾ [سبأ: 15]، وعلى هذا قوله تعالى: ﴿ وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا ﴾ [آل عمران: 80]؛ أي: آلهة، وتزعمون أنهم الباري مسبب الأسباب، والمتولي لمصالح العباد، وقوله: ﴿ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ ﴾ [الشعراء: 26]، ويقال: رب الدار، ورب الفرس لصاحبهما؛ وعلى ذلك قول الله تعالى: ﴿ اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ ﴾ [يوسف: 42]، وقوله تعالى: ﴿ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ ﴾ [يوسف: 23]، قيل: عنى به الله تعالى، وقيل: عنى به الملك الذي رباه، وهو قول أكثر المفسرين، ويرجحه قوله: ﴿ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ ﴾"؛ [منسوخ من قاموس المعاني، مفردات القرآن].

 

رأي اجتهادي:

وتعريفات الربوبية كثيرة ومتعددة، تنصرف كلها إلى أن الرب هو السيد، رب أسرة كان أو رب عمل، أو قائمًا على شأن من الشؤون، وعلى هذا الأثر الجليل نقول: إنه من الممكن تقسيم تعريفات الربوبية على معنيين:

الأول: دنيوي، وهو ما يُصنع على أعين الناس، كرب لأسرة بحيثيات الوالدية أو الابن الأكبر، أو الأم التي تعول، أو صاحب العمل أو المصلحة... إلى غير ذلك مما يرفع الفرد قيمة، له حق الطاعة وعليه الكفالة والرعاية، وإن كان ذلك مؤقتًا بإذن الله رب العالمين، وهو تمامًا ما قصده نبي الله يوسف في كل ما ذكر بالسورة بكنية العزيز والملك.

 

الثاني: ديني، وهو ما حوله نُدندن، وهو المنحى الشرعي الفقهي الأعلى؛ وهو الإخلاص التام لرب لا يفنى، ولا يُجار عليه، وهو الجائر والمجير، والمنصف والنصير، لا يشاركه مشارك ولا ينازعه منازع في واحدة من صفات الربوبية الحقة، وإن ظنَّ جاهل بقوة سلطان، وبطش وأعوان أنه مشابه، فقد خاب وخسر.

 

ومفردة الربوبية الحقة، التي يجتهد في سياقها بشكل أفضل وأقدس كلُّ من تعرض لمعناها دون إقلال أو تقصير، نستطيع الإقرار اجتهادًا بأنها تمام الكفالة مع ثبات ودوام العناية جبرًا وقهرًا، أو تمام العناية مع ثبات الولاية، وجميعها تمر بشكل منظم ومرتب، وتتنوع وتختلف بمراد صاحب الهيمنة تبارك وتعالى عما يصفون علوًّا كبيرًا، وموجبات كل واحدة منهن بحساب ومقدار، والله أعلم بمقصوده، بل إن القرآن الكريم قد صاغ للربوبية الحقة معنًى عامًّا أعظم شمولًا واتساعًا، وأقدس كلامًا، بمطلع سورة الأعلى: ﴿ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى * الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى * وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى ﴾ [الأعلى: 1 - 3]، إلى آخر الآيات.

 

ومن مجادلة فرعون لنبي الله موسى وأخيه هارون، حين سألهما بتهكُّم عن ماهية الرب لديهما، ومعطيات وبراهين الانصياع له كمعبود: ﴿ قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى ﴾ [طه: 49]، فكان رد نبي الله الكليم فصيحًا عظيمًا: ﴿ قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى ﴾ [طه: 50].

 

إذًا يمكننا القول: إن الربوبية هي تمام الخلق مع التقدير والهداية، كل ذلك مقيَّد بالاستطاعة والقدرة التي لا قِبل لبشر بحدِّها ولا إحصائها، فما من واحدة من أولئك الثلاثة في يد بشر أو جن، ومن يجادل في ذلك نسأله: لو قُدر لك أيها الإنسان المعاصر أن تبتغي صناعة أية آلة أو تقنية من تقنيات العصر الحديث أو حتى البسيط، ومُنعت عنك أسباب الاستطاعة بفقد مطلوبات وعناصر تلك الأشياء، أو نقصان مورد من الموارد التي تتطلبها، أو غياب عامل من العوامل المعينة على إتمام تلك الصناعة، فماذا أنت فاعل؟

 

فمن آلية الربط بين هذين التعريفين، نستطيع القول اجتهادًا واستنادًا لمنقول رباني: إن الربوبية الحقة هي منح كل مخلوق حقه في التكوين والتمكين، ثم الهداية لما جُبِل عليه وإليه، وعزز هذا الرأي القرطبيُّ رحمه الله وأعلام تفاسير القرآن الكريم بذكر المخلوق ونظيره، أو بذكر الذكر والأنثى عنصري الحياة والإنماء، فمثلًا: الدواب خُلقت لتمشي على أربعة أقدام، ومنهم من يمشي على بطنه، وسبحان الله! لم يولد واحد منهم يخالف ما هُدي لأجله، ولا يستسيغ طعامًا غير الذي فُطر عليه بأمر خالقه تعالى، فهدى كل مخلوق لِما فطره وجبله عليه.

 

وجدير بالذكر أن الحيوان أيًّا كان جنسه أو فصيله، فهو مهديٌّ بقدرته سبحانه على اكتساب رزقه، وتكوين جحره بما منحه الله تعالى من معطيات، هي الأدوات التي يستطيع بها قضاء حاجاته من المعايش والتكاثر، فالجوارح مثلًا لها أظلاف ومخالب في أقدامها تمكِّنها من صيد الفرائس، وهي على مستوى من الطيران، والدواب من الأرض لها أنياب وقواطع، بل إن دواب الأراضي الصخرية تختلف في هيئة أقدامها عن الأرض الرملية الناعمة، وذلك تقدير العزيز العليم ﴿ الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ ﴾ [السجدة: 7]، والله تعالى أعلى وأعلم.

 

ثانيًا: أولو العصمة حين تصدر عنهم زلَّة بغير قصد:

الأنبياء والرسل معصومون بأمر الله، وهم سفراؤه في الأرض ونقباؤه في الخلق، ولسان الصدق، وعيون الناس مصوَّبة إليهم في قيامهم ومنامهم، فحقيقٌ عليهم أن يكونوا مثلًا يُقتدى به، ونبراسًا يُهتدى به من حنادس الشك وظلمات الجهل، وإن عصمة الله للأنبياء من هيئات الإجلال لعباده الذين اصطفاهم واختارهم على عينه، وما نحسبه من الأفعال كبشر عادي غير معصوم هينًا، فهو عند الله عظيم، ولو كان المقام يفسح لنا في طيات سطوره، لنظرنا فيما فتح الله علينا به، لكنها تلميحات لبعض منها، ولكن لتنظر كيف يكون رد فعل العلي العظيم، الذي لا يرضى لعباده الكفر، فلا يرضى أيضًا لأصفيائه مجرد الزلل أو الهفوات، وسبحان المنزه عن كل نقص، ذي الجلال والإكرام! ولنطوِ الأرض طيًّا، ونستلهم من التاريخ أمثلة؛ فشيخ الأنبياء نوح عليه السلام لما قال بدافع الأبوة ومنازع الوالدية: ﴿ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ ﴾ [هود: 45]، عاتبه ربه: ﴿ قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ ﴾ [هود: 46]، فاستغفر نوح ربه وابتهل منيبًا إليه: ﴿ قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ [هود: 47].

 

وكذلك ذو النون سيدنا يونس، حينما خرج من تلقاء نفسه مهاجرًا، وظن كما قال القرآن: ﴿ وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الأنبياء: 87، 88]، وما خرج يونس عليه السلام انتقامًا لعزة نفسه، بل غيرةً على دين التوحيد ومفاتح النجاة التي أعرض عنها قومه.

 

وحتى واسطة عقد الرسل وخاتمهم صلى الله عليه وسلم، حينما عاتبه ربه في عبدالله بن أم مكتوم، وتصوير حاله حينها: ﴿ عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى * وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى * أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى ﴾ [عبس: 1 - 4].

 

ومما يجب الإشارة إليه حرص أنبياء الله وأصفيائه على ألَّا يتجاوزوا حدودهم التي حدَّها الله، ومنازلهم التي أوقفهم عليها من معطيات العلم والاستدراك، نجد في ملمح عابر لكنه معبِّر عن منطق ثابت ومنهج مثبِّط لكل هاجس معاكس، أن أنبياء الله ملتزمون الأدبَ الجمَّ مع ربهم الأعلى، ومثال ذلك نبي الله يوسف، حينما فسَّر وأوَّل للساقي رؤياه واستشرف له النجاة؛ قال القرآن على لسانه: ﴿ وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ ﴾ [يوسف: 42]، وحينما تحدث القرآن عن الساقي ذاته وهو يعرض عليهم من سيُوفق لتأويل رؤيا الملك؛ قال: ﴿ وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ ﴾ [يوسف: 45]، فجملة ﴿ ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ ﴾ أعتبرها أصالة عن نفسي - والله تعالى أعلى وأعلم - أدبًا من يوسف الصديق مع ربه، على رغم علم التأويل الذي رسخ فيه رسوخًا بفضل ربه.

 

التحقيق السابع عشر: (التواتر السردي في قصة يوسف):

والتواتر يعني التتابع للأحداث داخل بنية السرد القصصي بشكل عام، ولكن حين الحديث عن تواتر الحدث داخل القصص القرآني كقصة يوسف مثلًا، فإن الأمر يختلف باختلاف المحدث؛ فشتان بين حديث أهل الأرض وخطاب رب السماء؛ والقصة منذ إشراقها من قوله سبحانه وتعالى: ﴿ إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ ﴾ [يوسف: 4]، استفتاح عظيم فيه التحقيق والتدقيق، إمعانًا في كل كلمة وفي كل آية، ثم تنبيه يعقوب النبي ليوسف بعدم قص رؤياه على إخوته، ثم انتقال للحوار وتدابير المساء بين إخوة يوسف وهم يدبرون لإقصائه، ثم عروجهم لأبيهم يراودونه عن ترك يوسف يرتع ويلعب معهم كما يزعمون، ثم حياكة المؤامرة والزج بيوسف في البئر، ثم بيعه بثمن بخس، ثم يشتريه عزيز مصر ويرجو من زليخا أن تكرم مثواه وتحسن إليه، ثم يأتي قفل قصصي بقوله تعالى: ﴿ وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ * وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ﴾ [يوسف: 21، 22]، ثم يلي ذلك أحداث أخرى داخل البنية القصصية، وهي واقعة المراودة وافتتان زليخا امرأة العزيز به، وشهادة الشاهد، ثم تداعي نسوة المدينة على يوسف، ثم الزج به في السجن، وتفسير الرؤيا لكل من الساقي وخازن طعام الملك؛ ثم يأتي قوله تعالى: ﴿ وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ ﴾ [يوسف: 43].

 

وعند تلك الآية الكريمة (الثالثة والأربعين من السورة)، أدهشني أيما إدهاش روعة القصص القرآني في سرده للأحداث، والانتقال الزماني والمكاني بأريحية عالية وبالغة البيان، لا تقلل من شأن القص ولا تترك فجوة ينفذ من خلالها العابثون، ولا تدع مجالًا للنقد، فلو أننا رجعنا لقوله تعالى على لسان يوسف عليه السلام في قوله: ﴿ اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ ﴾ [يوسف: 42]، لو نظرنا لقوله سبحانه: ﴿ بِضْعَ سِنِينَ ﴾، ثم الإتيان نصًّا بعدها برؤيا الملك في شأن البقرات والسنبلات: ﴿ وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى ﴾ [يوسف: 43]، ومعلوم أن البضع في اللغة هو ما بين ثلاث إلى تسع سنين؛ فأين تواتر الأحداث وتتابعها، ومحاورات الشخوص، وتعاقبات الليل والنهار في تلك الفترة، باعتبارها عملًا روائيًّا مكتمل الأركان البنائية والقصصية؟ وهل تخطَّاها القرآن الكريم لكونها أحداثًا متشابهة، فالحال قائم على ما هو معلوم؛ فيوسف ما زال في السجن، وعزيز مصر وزليخا ما زالا مهيمنين بما اقترفا في حق يوسف ظلمًا، ومن قبلهما الأسباط، فما زالوا يتجرعون مرارة الفعلة النكراء، كلما التقت عيونهم عينَ يعقوب الأسيف على فراق يوسف؟ ربما كل هذا حتى تأتي الأحداث المؤثرة والمغيِّرة والمعبرة عن جديد في السياق القصصي، وما يمكننا قوله - والله تعالى أعلى وأعلم - أن من سمات القصص القرآني تصدير العبرة وبيت القصيد من القصة، ومن يقرأ في القرآن متدبرًا على مكث، يجد أن قصص الأنبياء جميعًا - بخلاف قصة يوسف الصديق التي جاءت جملة واحدة، وحادثة هابيل وقابيل، وأصحاب الجنتين - فإن القرآن الكريم يسلط الضوء على الأحداث بهيئات مختلفة لفظًا ومعنًى، ولربما كان ذلك في الحدث الواحد، كما في قصص موسى عليه السلام وآياته التسع التي جادل بها موسى عليه السلام فرعون مصر، والله بكل شيء عليم.

 

التحقيق الثامن عشر:

﴿ وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى ﴾ [يوسف: 43]، ﴿ وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ ﴾ [يوسف: 50]، ﴿ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ ﴾ [يوسف: 76]، لم ترِد مفردة (الملك) في القصة بكاملها تصريحًا في غير تلك المواضع الثلاثة؛ ذلك حين جمع المعبرين والكهنة وقد أفزعه ما رأى من رؤيا، وفي الثانية لما أمر وطلب بإحضار يوسف لاتخاذه خليلًا معينًا بعدما علم عنه الفطنة والعفة والصلاح، ثم جاءت تلميحًا بقوله موجهًا اللوم والتوبيخ لزليخا وللنسوة؛ انتصارًا ليوسف العفيف البريء: ﴿ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ ﴾ [يوسف: 51].

 

ففي التحقيق الثالث من ملحمة الصديق عن فراسة اختيار وانتخاب المصلحين؛ في تفسير الإمام الطبري رحمه الله قال: "حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن أبي عبيدة، عن عبدالله، قال: أفرس الناس ثلاثة: العزيز حين قال لامرأته: ﴿ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ ﴾ [يوسف: 21]، والقوم فيه زاهدون، وأبو بكر حين تفرس في عمر فاستخلفه، والمرأة التي قالت: ﴿ يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ ﴾ [القصص: 26]"[4].

 

وإني لأجد أن إقرار الملك بحق يوسف الصديق ﴿ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي ﴾ [يوسف: 54] لا يقل فراسة وحكمة وفطنة عن الثلاثة السالف ذكرهم بتفسير الإمام الطبري رحمه الله، فما أفضل تخيُّر أهل الصلاح والعلم لإدارة شؤون العباد، فذلك من مقومات الارتقاء والنهوض والخروج الآمن من النوائب والنوازل، والله المعين لمن أراد إصلاحًا.

 

وقد اختلف العلماء وصناع السياقات الدرامية في التأكيد على أن حاكم مصر في تلك الحقبة هل كان ملكًا أم فرعونًا؟ فمنهم من ذهب نصًّا بأن القرآن قد حسم الأمر بأنه ملك؛ ومنهم العلامة الشيخ الشعراوي رحمه الله واستنادًا لإيراد مفردة الملك بديلًا عن الفرعون على غير وروده في كافة قصة نبي الله موسى عليه السلام، ولأن كتب التاريخ تقول: إن تلك الفترة كان يحكم مصر الهكسوس الرعاة، حتى جاء أحمس فطردهم وقضى عليهم، فكانت ألقابهم الرسمية ملوكًا، وليسوا بفراعين، ومنهم من ذهب أنهم العرب الرعاع، ويسمون حاكم مصر حينها بالملك وليس الفرعون، وعلى أيٍّ فالقرآن أصدق حديثًا وقيلًا، وكتاب (قصص القرآن) لمحمد جاد المولى وآخرين قد أورد مفردة الملك، ولم يتعرض لها بذكر إن كان ملكًا أو فرعونًا، أما في (الجلالين)، فلم يزد على القول: "﴿ وَقَالَ الْمَلِكُ ﴾ [يوسف: 43] ملك مصر للريان بن الوليد... ﴿ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ ﴾ [يوسف: 43] إلى آخره"[5]، بينما ذهب تفسير القرطبي رحمه الله: "وذلك أن الملك الأكبر الريان بن الوليد رأى في نومه كأنما خرج من نهر يابس سبع بقرات سمان، في أثرهن سبع عجاف أي: مهازيل، وقد أقبلت العجاف على السمان، فأخذن بآذانهن فأكلنهن، إلا القرنين"[6].

 

وهنا اختلاف حتى في اسم الملك ذاته، فالجلالين ذكر أن الريان بن الوليد كان معاونًا له، بينما ذكر القرطبي خلاف ذلك بأن الريان بن الوليد ذاته هو الملك، بينما في سلسلة د. أمينة الصاوي في مسلسل (لا إله إلا الله)، الذي عُرض تلفزيونيًّا، ذكر أنه الملك تحتمس الثالث، بينما ذكرت مسلسلات أخرى عُرضت تلفزيونيًّا أيضًا بأنه (أمنحوتب الرابع)، وإن (تحتمس الثالث) كان قبله في حكم عزيز مصر (بوتيفار) زوج زليخا، وإن هذه الأسماء ليست بعربية، سواء تحتمس الثالث أو أمنحوتب الرابع، وهذا العفو عن الخوض في كون الفترة للفراعنة أم الملوك، فإن المنطق يقول: فرعونًا كان أو ملكًا، المهم أنه أسلم بتلطف يوسف الصديق معه، وسماحة خلقه جلبت له موحدين كثرًا بعد الملك.

 

وفي تفسير ابن كثير: "قال مجاهد وغيره: فلم يزل يوسف عليه السلام يدعو الملك إلى الإسلام ويتلطف له، حتى أسلم الملك وكثير من الناس، فهذا في الدنيا، حدثني المثنى قال: ثنا عمرو، قال: أخبرنا هشيم، عن أبي إسحاق الكوفي، عن مجاهد، قال: أسلم الملك الذي كان معه يوسف"؛ [تفسير ابن كثير].

 

رأي اجتهادي:

لا نستطيع الجزم بأنه كان من الفراعنة، على رغم العروض التي قدمت تاريخًا بأسماء مصرية قديمة مثل أمنحوتب الرابع أو تحتمس الثالث، وإنه من الإعجاز التاريخي أن القرآن الكريم قد ذكر أنه ملك، سواء كان القصد المعنى الأعم الأكثر شمولية لمفردة الملك بأنه من المالك الحاكم، أو كما ذكر أنهم كانوا من عرب أو هكسوس، وإن لي رأيًا متواضعًا في ذلك، أدعو الله ألَّا أكون قد تجاوزت فيه حدودي، أو تطاولت على ثابت أو متفق عليه؛ فغالب ظني - والله تعالى أعلى وأعلم - أننا لو رجعنا للقرآن الكريم في إيراده لمفردة الفرعون تصريحًا وتلميحًا، نجدها قاربت سبعًا وستين مرة، لم يُذكر فيها (الفرعون) إلا بسوء عمله وجزاء من اتبع سبيله في غالب السور، فضلًا عن تجبره وتكبره وادعائه أنه ربهم الأعلى، حتى أخذه الله نكال الآخرة والأولى.

 

ويكأن الله سبحانه لم يشأ أن ينعت حاكم مصر آنذاك حتى ولو كان فرعونًا، وقد أصغى لدعوة يوسف الصديق، وقد أشهر إسلامه تاركًا عبادة الأصنام (أمون رع أو أوببيس)، وخروجه عن اتباع كهنة المعبد الذين طغوا في البلاد باسم الدين، لم يشأ الله سبحانه وتعالى أن يكون هناك خلط بين الفرعون في حقبة يوسف الصديق، الذي أسلم لله رب العالمين ودعا لدين التوحيد، وبين فرعون موسى الذي علا في الأرض وجعل أهلها شيعًا، فما ذكرته آيُ القرآن الكريم حتى يذكر فرعون وهامان وجنودهما الخاطئين، ومصيره الأبدي بالنار.

 

ولقد درج فهم كثير من الناس، بخاصة في مصر، على استخدام مفردة (الفرعون) وعربوها تعريبًا بمعنى المتعجرف المتكبر الحامل لصفات تخلو من التواضع، ولها من سخائم الكِبْر نصيب وافر.

 

واستنادًا على ذلك، وبعونه سبحانه، بعد مفردة الفرعون التي لم تأتِ في أي مرة بموضع حمد أو ذكر طيب، نستند لمفردة (الرجل في القرآن) كمثال، التي وردت في أكثر من موضع لم تذكر إلا بحمد وبخير؛ مثال قوله تعالى: ﴿ لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ ﴾ [التوبة: 108]، ﴿ رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ ﴾ [النور: 37]، ﴿ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا ﴾ [الأحزاب: 23]، ﴿ وَلَوْلَا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ ﴾ [الفتح: 25]، ﴿ أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَلِتَتَّقُوا وَلَعَلَّكُمْ تَرْحَمُونَ ﴾ [الأعراف: 63].

 

وهذا على سبيل المثال لا الحصر لمفردة الرجل بالآيات.

 

ومثال من سورة يوسف التي نحن بصدد التحقيق في بديع سردها، قوله تعالى على لسان زليخا: ﴿ قَالَتِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ ﴾ [يوسف: 51]، فكلمة (حَصْحَصَ) يُحصحص، حصحصةً، فهو مُحصحص بمعنى: ظهر وبان بعد خفاء، ووضح واستقر[7]، لم ترد في القرآن الكريم كله سوى ذلك الموضع حصرًا وقصرًا، وكأن الله أراد أن تكون تلك الكلمة صكًّا مصكوكًا في براءة يوسف، لا تختلط مع متشابه أو متقارب، إن سمعها الناس تُتلى قالوا: تلك سورة يوسف، وذلك قول زليخا اعترافًا بعفته وطهارته من كل سوء، والله تعالى أعلى وأعلم.

 

ولنخلص لما مفاده: إن الله سبحانه وتعالى يرسخ لمفردات لا تقترن إلا بخير، وأخريات لا تقترن إلا بشر وسوء منقلب، وما ذلكم غير محض اجتهاد ليس أكثر، والله المستعان، والله تعالى أعلى وأعلم.

 

وللمقال بقية بإذن الله، والله من وراء القصد...



[1] تفسير الطبري، سورة يوسف، الآية 37.

[2] حديث شريف، إسلام ويب، موقع تقني.

[3] تفسير جامع البيان في تأويل القرآن، الطبري (ت: 310 هـ)، مصنف ومدقق.

[4] التحقيق في ملحمة الصديق (3): دلالات وعبر/ شبكة الألوكة/ ثقافة ومعرفة/ التاريخ والتراجم/ تاريخ/محمد صادق عبدالعال.

[5] تفسير الجلالين للسيوطي والمحلي، حققه ونسقه: الشيخ محمد الصادق القمحاوي من علماء الأزهر الشريف، ص: 197، مطبعة الأنوار المحمدية.

[6] تفسير القرطبي، تفسير الآية 43، ص: 240، موقع تقني.

[7] قاموس المعاني، موقع تقني، أصل كلمة "حصحص".





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • التحقيق في ملحمة الصديق (1) دلالات وعبر
  • التحقيق في ملحمة الصديق (2) دلالات وعبر
  • التحقيق في ملحمة الصديق (3) دلالات وعبر
  • التحقيق في ملحمة الصديق (5) دلالات وعبر
  • التحقيق في ملحمة الصديق (6) دلالات وعبر
  • التحقيق في ملحمة الصديق (7) دلالات وعبر

مختارات من الشبكة

  • حاجة كتاب (غاية النهاية) لابن الجزري للتحقيق ، وحاجة التحقيق للتنسيق(مقالة - موقع الشيخ الدكتور عبدالرحمن بن معاضة الشهري)
  • التحقيقات التي حظي بها كتاب البرهان للإمام الزركشي(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • التحقيق في تبرئة العلامة السيوطي من كتاب (الروض الأنيق في فضائل الصديق)(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • نعمة المطر .. دلالات وعبر(مقالة - آفاق الشريعة)
  • آية الإسراء والمعراج: دلالات وعبر(مقالة - ملفات خاصة)
  • مخطوطة التحقيق(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • كيف تشتري كتابا محققا؟ وكيف تميز بين تحقيق وآخر إذا تعددت تحقيقات النص؟(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • إسهامات المستشرقين في نشر التراث العربي الإسلامي: دراسة تحليلية ونماذج من التحقيق والنشر والترجمة (PDF)(كتاب - موقع د. علي بن إبراهيم النملة)
  • إسهامات المستشرقين في نشر التراث العربي الإسلامي: دراسة تحليلية ونماذج من التحقيق والنشر والترجمة (PDF)(كتاب - موقع د. علي بن إبراهيم النملة)
  • التحقيق في المسائل الخلافية وليس الخلاف حجة(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 0:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب