الأبهر من (أسلاك الجوهر في نظم مجدد القرن الثالث عشر) تحقيق أحمد غانم الأسدي

الأبهر من (أسلاك الجوهر في نظم مجدد القرن الثالث عشر) لأحمد غانم الأسدي

صدر حديثًا كتاب "الأبهر من (أسلاك الجوهر في نظم مجدد القرن الثالث عشر)"، للإمام "أحمد بن محمد بن علي الشوكاني" (ت 1281هـ)، تحقيق: "أحمد بن غانم الأسدي"، نشر: "دار النصيحة للنشر والتوزيع" و"دار الناشر المتميز للنشر والتوزيع".

وهذا الكتاب فريد في بابه، قد انتخبه "أحمد بن غانم الأسدي" من درر علامة اليمن الإمام الشوكاني، وفاءً وعرفانًا بفضله على طلبة العلم، حيث يبرز الشوكاني شاعرًا وناقدًا شعريًا، وهو جانب تندر الإشارة إليه في سيرة الإمام الشوكاني، حيث قام المحقق بجمع التعقبات الشعرية للإمام الشوكاني، مثال:

لما سمع رحمه الله قول القائل:

كَيْفَ نَرْجُو إِجَابَةً لِدُعَاءٍ قَدْ سَدَدْنَا طرِيْقَهَ بِالذُّنُوبِ

قال متعقبًا:

كَيْفَ لا يَرْتَجِي الإجابَةَ فَضْلًا مَنْ غَدا غارِقًا ببَحْرِ الذُّنوب إِنَّ للهِ رَحْمةً وَسِعَتْ كُلَّ الْبَرَايا يَعْفُو بها كُلَّ حُوب

وما جمعه ابنه أحمد - رحمه الله - في حياة والده من ديوان أبيه، وضمَّ إليه أشياء بعد وفاته في الديوان المسمى بـ"أسلاك الجوهر في نظم مجدد القرن الثالث عشر"، حيث نظم فيه ما يربو على (2600) بيت من الشعر، منها الطوال، والمثنويات، وكثير من المفردات، وهو قليل مما نظمه الإمام الشوكاني، لا يتعدى الشطر من نظمه!

وقد كان لشيخ الإسلام الشوكاني - رحمه الله - كتاب اسمه "الروض الوسيع في الدليل على عدم انحصار علم البديع" يعتبر من إبداعاته حين برهن على أن علم البديع لا يزال مفتوح الباب، فرغَّبَ الناشطين في التعمق في هذا العلم بذكر المحسنات البديعية التي أضافها إلى هذا الفن فبلغت إحدى وأربعين فنًا أو نوعًا، وذكرَ لكل نوع مثالًا أو مثالين من الأبيات الشعرية، مما دلل على علو كعبه في علوم البلاغة عامةً، وعلم البديع خاصةً.

وله كتاب آخر اسمه "الرد على الزمخشري في استحسانه بيت المُرِبَّةَ" يتعقب فيه الزمخشري في نقده بعض أبيات الشعر واستحسانه إياها، ويرد عليه ردًا بديعًا في بيان مواطن البلاغة والاستحسان الصحيح في أبيات الشعراء المخضرمين.

والإمام الشوكاني ضليع في الأدب، لكن شغله التعليم والتأليف والفتيا وولاية القضاء عن إظهار ذلك الجانب الشعري لديه، وتطبيقه بتمامه.

قال القاضي إسماعيل الأكوع: "وله شعر حسن، ولكنه دون مستوى نثره".

وقال تلميذه الشجني: "وأما الشعر فهو وإن لم يكن من مفاخر أمثاله، ومتاجر من بلغ رتبة جلاله، فإنه أيسر بضاعته، على طرف التمام في عمل صناعته".

وقدَّمَ المحقق هذه المجموعة المنتخبة، بأشهر ترجمة لشيخ الإسلام الشوكاني زبرتها أنامل تلميذه البار "محمد بن الحسين الشجني" من علماء مدينة زمار، بعنوان "درة التقصار في جيد زمان عالم الأقاليم والأمصار، ومشايخه وتلامذته ذوي الافتخار".

وكان الدافع لهذه المنتخبات الشعرية إبراز صفحة الشعر والأدب في حياة شيخ الإسلام الشوكاني، ومضي أكثر من ثلاثة عقود زمنية على طباعة ديوان الشوكاني، وقرابة ثلاثة عقود على طباعة "درة التقصار" مما جعلهما مفقودين عند عامة المكتبات.

وقام المحقق "أحمد بن غانم الأسدي" بسرد تلك التعقبات على الشعراء، سواء أكانت نقدًا أو تتمة أو قلبًا للمعنى.

مع تقديم ترجمة موجزة للمتعقب، ومصادر أبياته.

وسرد الأبيات المنتخبة تحت عنوانات توضيحية لها، مع ضبط المشكل من الأبيات؛ لتمام الضبط، والسلامة من الغلط.

وتبيين وشرح الكلمات الغريبة، والترجمة لأعلام المنتخبات.

والإمام محمد بن علي بن محمد الشوكاني، الملقب ببدر الدين الشوكاني، أحد أبرز علماء أهل السنة والجماعة وفقهائها، ومن كبار علماء اليمن ولد في هجرة شوكان في اليمن 1173 هـ ونشأ بصنعاء، وولي قضائها سنة 1229 هـ ومات حاكمًا بها في سنة 1250 هـ.

نشأ - رحمه اللّه تعالى - بصنعاء اليمن، وتربى في بيت العلم والفضل فنشأ نشأة دينية طاهرة، تلقى فيها معارفه الأولى على والده وأهل العلم والفضل في بلدته، فحفظ القرآن الكريم وجوّده، ثم حفظ كتاب "عيون الأزهار" للإمام المهدي في فقه الزيدية و"مختصر الفرائض" للعُصيفيري و"ملحة الأعراب في صناعة الإعراب" للحريري، و"الكافية والشافية" لابن الحاجب، وغير ذلك من المتون التي اعتاد حفظها طلاب العلم في القرون المتأخرة.

وكان - رحمه اللّه تعالى - كثير الاشتغال بمطالعة كتب التاريخ، والأدب، وهو لايزال مشتغلًا بحفظ القرآن الكريم.

ومما ساعد الإمام الشوكاني على طلب العلم والنبوغ المبكر: وجوده وتربيته في بيت العلم والفضل، فإن والده - رحمه اللّه تعالى - كان من العلماء المبرزين في ذلك العصر، كما أن أكثر أهل هذه القرية كانوا كذلك من أهل العلم والفضل استطاع "الشوكاني" أن يستفيد من علماء عصره، وما أكثرهم، فأخذ يطلب العلم بجميع فنونه: فقرأ "شرح الأزهار" على والده، و"شرح الناظري" على "مختصر العصيفيري".

كما قرأ "التهذيب" للعلامة التفتازاني، و"تلخيص المفتاح" في علوم البلاغة للقزويني، و"الغاية" لابن الإمام، و"مختصر المنتهى" لابن الحاجب في أصول الفقه، و"منظومة ابن الجزري" في القراءات و"منظومة" الجزار في العروض، و"آداب البحث والمناظرة" للإمام عضد الدين الإيجي، وما إلى ذلك من سائر العلوم النقلية والعقلية.

وظل هكذا ينتقل بين العلماء، يتلقَّى عليهم، ويستفيد منهم، حتى صار إمامًا يشار إليه بالبنان، ورأسًا يرحل إليه، فقصده طلاب العلم والمعرفة للأخذ عنه، من اليمن والهند، وغيرهما حتى طار صيته في جميع البلاد، وانتفع بعلمه كثير من الناس.

تفرغ الإمام الشوكاني رحمه الله تعالى لإفادة طلاب العلم، فكانوا يأخذون عنه في كل يوم زيادة على عشرة دروس في فنون متعددة كالتفسير والحديث والأصول والمعاني والبيان، والمنطق. وتقدم للإفتاء وهو في نحو العشرين من عمره، وكانت ترد عليه الفتاوى من خارج صنعاء، وشيوخه إذ ذاك أحياء، وكاد الإفتاء يدور عليه وحده، وهو في هذه السن.

تولى رحمه الله تعالى القضاء الأكبر للإمام المنصور في شهر رجب سنة (1209هـ) خلفًا للقاضي يحيى بن صالح السحولي على غير رغبة منه، ثم تولى لابنه المتوكل أحمد، فابنه المهدي عبد الله. ويقول الشوكاني عن نفسه: "وابتلى بالقضاء في مدينة صنعاء بعد موت من كان متوليًا للقضاء، وكان دخوله في القضاء وهو ما بين الثلاثين والأربعين".

وكان جريئًا في قول الحق، آمرًا بالمعروف ناهيًا عن المنكر، لا يخشى في الله لومة لائم، أنكر على الهادوية اعتمادهم أقوال أئمتهم وجمودهم على التقليد، فكتب كتابه: (القول المفيد في أدلة الاجتهاد والتقليد).

وقد تأثر الإمام الشوكاني بشخصيات كثيرة من العلماء الذين كانوا قبله: منهم من بلده اليمن، وأشهرهم: العلامة محمد بن إبراهيم الوزير، والعلامة محمد بن إسماعيل الأمير (ت 1182هـ)، والعلامة الحسن بن مهدي المقبلي (ت 1108هـ)، والحسين أحمد الجلال (ت 804 هـ) ومنهم من غير بلده ولم يكونوا في عصره، وعلى رأسهم: إمام الدنيا ابن حزم الأندلسي (ت 456هـ)، وشيخ الإسلام ابن تيمية (ت 728 هـ).

وتوفي الشوكاني في ليلة الأربعاء السابع والعشرين من شهر جمادى الآخرة سنة 1255 هـ.

ترك العلامة الكبير الإمام الشوكاني للمكتبة الإسلامية والعربية الكثير من المصنفات في علوم متفرقة منها المطولات، ومنها المختصرات، من أشهرها:

1- (نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار)، وهو أشهر كتبه على الإطلاق.

2- (السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار)، وهو خلاصة فقه الشوكاني.

3- (الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة).

4- (إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول).

5- (البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع)، اشتمل على تراجم أكابر العلماء من أهل القرن الثامن ومن بعدهم.

6- (الدراري المضيئة)، وهو شرح متن الدرر البهية في الفقه، كلاهما للمصنف.

7- (وبل الغمام على شفاء الأوام)، في الفقه.

8- (الدر النضيد في إخلاص كلمة التوحيد)، في العقيدة.

9- (فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير)، في التفسير.

10- (در السحابة في مناقب القرابة والصحابة).