• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | الثقافة الإعلامية   التاريخ والتراجم   فكر   إدارة واقتصاد   طب وعلوم ومعلوماتية   عالم الكتب   ثقافة عامة وأرشيف   تقارير وحوارات   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    منهج شياطين الإنس في الشرك
    أ. د. فؤاد محمد موسى
  •  
    سيناء الأرض المباركة
    د. حسام العيسوي سنيد
  •  
    استراتيجيات المغرب في الماء والطاقة والفلاحة ...
    بدر شاشا
  •  
    طب الأمراض التنفسية في السنة النبوية
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    الاستشراق والمعتزلة
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
  •  
    زبدة البيان بتلخيص وتشجير أركان الإيمان لأحمد ...
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    مفهوم الصداقة في العصر الرقمي بين القرب الافتراضي ...
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    الخنساء قبل الإسلام وبعده
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    العلم والمعرفة في الإسلام: واجب ديني وأثر حضاري
    محمد أبو عطية
  •  
    حول مصنفات وآثار الإمام ابن جرير الطبري (10) الرد ...
    محمد تبركان
  •  
    تفيئة الاستشراق
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    الطعن في الأحاديث النبوية سندا ومتنا
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
  •  
    طرق فعالة للاستفادة من وسائل التواصل الاجتماعي
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    حول مصنفات وآثار الإمام ابن جرير الطبري (9) بسيط ...
    محمد تبركان
  •  
    تهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني طبعة دار البر ...
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    التحقيق في ملحمة الصديق (7) دلالات وعبر
    محمد صادق عبدالعال
شبكة الألوكة / ثقافة ومعرفة / التاريخ والتراجم / تاريخ
علامة باركود

التحقيق في ملحمة الصديق (2) دلالات وعبر

التحقيق في ملحمة الصديق (2) دلالات وعبر
محمد صادق عبدالعال

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 17/12/2024 ميلادي - 15/6/1446 هجري

الزيارات: 756

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

التحقيق في ملحمة الصديق- 2

دلالات وعِبر


التحقيق الرابع: مفتتح القصة والحوار:

﴿ إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَاأَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ * قَالَ يَابُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ * وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴾ [يوسف: 4- 6].

 

• ومن هنا تبدأ خيوط الرواية العظيمة تنسدل، وأريج سردها ينجدل في ضفائر البيان، فيرف بنسائم طيبة على قلوب وأفئدة تستعذب العربية، وتستكثر الجمع لجمال البديع وحسن الصياغة؛ فيستنكف الغَرِير أن يقول في قصص القرآن قولًا غير محمود، أو يُشيع في قَصصه مقالةً غير مسنودة على أركان من الصدق، وإن قصص القرآن كله صدقٌ وعِبَر، وحقيق خبر، وعظيم نبأ، وما عداه إما استزادة رجاء التشويق والإثارة، أو إحداث حالة من التلفيق لإشعال غارة ما تلبث أن تغور في جوف الأرض غورًا، ومن أحسن من الله قولًا؟! وتبدأ القصة بأول حوار بين بطليها الصابرين القانتين الرائعين "يوسف الصِّدِّيق وأبيه يعقوب النبي عليهما السلام"؛ حيث يصحو الصغير يوسف الصدِّيق على رؤيا عجيبة رائعة، لم يتخيل أن الشمس مليكة السماء ذات الجبروت من نور ونار سوف تسجد له، أو أن القمر ذلك القريب النظر البعيد المْستقر، والذي لا يرى إلا بليل، ينير الدجى وضوءه من الشمس مقتص ومكتسب، سوف يكون له من الساجدين والمعَظِّمين، فضلًا عن أحد عشر كوكبًا نزلوا نزول الخضوع كما نزلت من قبل بنت الصبح والقمر!

 

• ولو فتح الله علينا فتح أولي التأويل والتفسير لعلمنا أن اختيار الله لتلك النواميس العظيمة والكائنة خارج نطاق الكوكب الأرضي من شمس تفوق الأرض آلاف المرات إحاطةً، والقمر الذي لم يتوصل العنصر البشري لطبيعته وتقدير مسافة ابتعاده عن الأرض إلا قريبًا وبنسب تقديرية وليست حقيقية، وكذلك الشمس، وأيضًا الكواكب التي نُكِّرت دون تسمية لها غير هيئتها؛ لتفاوتها في أحجامها وتباين مداراتها، كل أولئك بمثابة إِرهاص لمكانة عالية سامقة تنتظر ذلك الغلام لتكون نبراسًا له في ظلمات وحنادس الظلم والفراق، فتهوِّن عليه ما سوف تحيكه وتخيطه له الأيام من جور الأخوة وكيد النسوة! ولو نظرنا لتلك العناصر المسيرة للحياة اليومية- أعني الشمس والقمر والكواكب السيَّارة- للجنس البشري من إنسان وحيوان ونبات، لعلمنا أن كل عنصر من أولئك الثلاثة رمزٌ للحياة، فالشمس والقمر هما عنصرا الهداية على مدار اليوم المنجدل عنه الزمان كله، ولعل اختيار الشمس ثم القمر والكواكب تفاوت في مكانة الساجدين أنفسهم، وكأن الله قد قد أنزلهم مقاديرهم بها إنفاذًا لما ينتظر يوسف الصديق عليه السلام وتحقيقًا لمراده سبحانه قَيُّوم السماوات والأرض.

 

• وجديرٌ بيعقوب الأب أن يبتهج لأجل هذا التكريم والانتخاب العظيم برفع شأن واحد من ولده، ولك أن تندهش كيف لم تكتمل فرحته إذ قال ليوسف محذرًا: ﴿ قَالَ يَابُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ ﴾ [يوسف: 5]، كما لا عَجب في استباق يعقوب النبي عليه السلام بالتحذير قبل التبشير بسموِّ المكانة وعلو الشأن لولده يوسف، لكنه يعلم أن الاجتباء وتمام النعمة سوف يحسه يوسف بفضل الله، لكنه بدأ بالتحذير والترقُّب المعتصرين بأسى الأب المشفق على صغير من بطش كبير، أو المحروم من صدر أم حانية ممن لهم أمهات تدفعهم للتحديق بعين استنكارِ للرعاية التي ينالها "يوسف أو بنيامين" دفعًا يجلب على العداوة، ويحرك نوازع الشر تحريكًا يؤرق صفاء تلك اللحظة التي يجدر بأخوة يوسف أن يسعدوا لأجلها! وإن كان ميراث يوسف من النبوة والحكمة عِزًّا لهم ولكنهم لا يعلمون!

 

ولأن يعقوب عليه السلام نبيٌّ ومؤيد من قبل الله بالحكمة والصبر، فلم يرد أن يلقي في صدر يوسف عليه السلام الغض بعض كراهية من مغَبَّة تفضيل الله واصطفائه دون باقي الأسباط، فأزاح عن أخوته جُلَّ التهمة وإن كانوا غارمين فيها حتى احرزوا خطئًا كبيرًا، فقال: ﴿ إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ ﴾، والقرآن الكريم في إيراد تلك القصة كاملة لم يتحدث عن سبب كامن في صدر يعقوب النبي، ولكن كُتُب التاريخ نسخت وصورت لنا حين عَرج يعقوب النبي لأبيه إسحاق عليهما وعلى نبينا الصلاة والسلام "يشكو إليه جحود أخيه "عِيصو" وتجبُّره عليه بماله وولده، وإذ بنبيِّ الله إسحاق وقد فكَّر له ودبَّر في الخلاص من هذا الاضطهاد والجفاء المعلن دون رفق بشيبة إسحاق النبي التي ألمت به حين مسَّه الكبر، وانحنت قناته، وما عاد له في شأن اتخاذ القرار من كثير، فأشار عليه بالانتقال إلى "فَدان بآرام العراق" حيث خاله "لابان بن بتويل" ناصحًا له: فابْنِ على إحدى بناته؛ فإنك تنال العز والشرف والمجد والمَنَعَة، ثم عد بعدها لهذه الأرض، وإني لأرجو لك عيشًا خفيضًا عن أخيك، ونسلًا طاهرًا خيرًا من نسله وولده، والله يكلؤك بعينه، ويحفظك ويرعاك"[1].

 

• ياله من ابتلاء موروث مرَّ على ثلاثة هم صفوة الصفوة من جد وولد وحفيد وكأنها كأس البلاء تدور وما على المجتبى المبتلى غير مكابدة الصبر لمثابرة القلب على ألا يحيد عن الاطمئنان بأن نصر الله قريب! فلم يكن بالهيِّن السهل أن يحار الوالد بين فلذات أكباده وهم يكنُّون العداوة والجفاء لصغيريه كالذي يتقطع بين الثلج والنار، فلا هو بقادر على إذابة الثلج بالنار، ولا بقادر على إطفاء النار ببرد الثلج.

 

إن مشاعر الوالدية سجية فطرية لا ريب فيها، فقبل أن يفكر يعقوب في سبيل للخلاص مما يلاقي من أخيه كان أبوه المراقب المتابع عن وَصب في البدن ونَصب في ميدان الفكر يستعين بالله على سبيل ومناص لإنجائه! وحتى لا يقول قائل ممن يحركون الغوائل تجاه قصص القرآن يقولون ولو في أنفسهم: هل مجرد الرؤيا وقصِّها على الأب كفيلةٌ بأن يحذر الأبُ ولدَه من عاقبة تنامي العداوة مع إخوته؛ لكنها تجارب الحياة التي تعرك الكبير المخضرم فيسلك سبلًا فجاجًا لاتقاء وقوع الشقيقة، فيجد في البُعْد راحةً وكأننا بحال شاعرنا العربي:

حبك الأوطان عجز ظاهر
فاغترب تلق عن الأهل بدل

• وحال إسحاق مع يعقوب كوالد يخشى على فلذة كبده من أخيه كحال يعقوب مع يوسف وإن اختلفت الأدوار؛ فإسحاق من عَرَض على يعقوب الاغتراب بيد أن يعقوب من أرَّقه الفراق، واكتوى حتى تجرَّع جزع الفراق من عينيه التي ابيضَّت من الحزن وهو كظيم! وكأن الله سبحانه يسوق للعباد أمثلة وإن اختلفت مداولةً لكنها تفضي لكرمه في اللطف بعباده ﴿ وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً ﴾ [الأنعام: 61] سبحانه وتعالى!

 

وفي هذا البيان درس لمن أراد التفكر، فسواء كان اغترابك بظلم جبرًا أو اختيارًا، فثمَّة مشيئة ربانية لا يطَّلِع عليها إلا ذو الفراسة. وإن كان يعقوب قد ابتلاه الله سلفًا بأخٍ واحدٍ لا يبره، فها هو سوف يلاقي عشرة يكيدون لصغيريه كيدًا، فسبحان من هذا ملكه وتلك إرادته!

 

التحقيق الخامس الأفعال المضارعة والأمر:

درج استخدامنا للأفعال المضارعة على نحو الاستمرارية، وأَن الفعل ما زال قائمًا بالأمر (لا تقصص- فيكيدوا) نهي ونتيجة، في قضية التحذير والإشفاق عليه، ثم ما يلبث يعقوب عليه السلام أن يُثلج صدر الصغير يوسف بعدما حذَّره وأنذره مما يخشى وقوعه، ومراعاة لسِنِّ يوسف الغَضِّ، وأَن الصغار لهم حبائل من الأمل معقودة بحبال السماء، فيفتح له يعقوب سِجِلًّا للتشريفات والتكريمات الإلهية لفرع شريف من نسل خليل الرحمن إبراهيم عليهم وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام فيقول: ﴿ وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴾ [يوسف: 6]، وقوله: ﴿ وَكَذَلِكَ ﴾: صرَّفها "أبو البقاء عبدالله بن الحسين بن عبدلله العكبري في كتابه "إملاء ما منَّ به الرحمن من وجوه الإعراب والقراءات في جميع القرآن"/ راجعه وعلق عليه/ نجيب الماجدي، بأن الكاف في موضع نصب ونعت لمصدر محذوف تقديره: أي اجتباء! أي أعظم اجتباء[2].

 

فانظر للأفعال كيف تتصاعد وتتسامى وبخاصة الفعل المضارع القائم (يَجْتَبِيكَ – وَيُعَلِّمُكَ- وَيُتِمُّ) لتصل لذروة مراده سبحانه بأن يذكره بأنك يا يوسف سوف تُجتبى وتُبتلى وتتعلم لتصبح كامل الأهلية الدينية والدنيوية كأبويك إبراهيم وإسحاق، وكأن يعقوب عليه السلام يضع قاعدة للتعلم القويم بين الطالب ومن يؤدبه، وهنا تحقيق رائع بعد استخدام أفعال المضارعة والأمر، فنبيُّ الله يعقوب ذكر ليوسف في سجل التشريفات النبوية إسحاق وإبراهيم ولم يذكر نفسه، وهو حلقة الوصل بين الجد والحفيد؛ لكنه آثر أن يذكر له نبي الله إبراهيم تعظيمًا وتشريفًا بنبيٍّ قال الله في شأنه: ﴿ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ [النحل: 120]، وما زلنا بقضية الأفعال، ففي الأولى التي ساقها القرآن الكريم على لسان نبيه يعقوب عليه السلام من أمر وتبشير واستشراف لمستقبل طيب دليل على أن الحَدث وشيك الوقوع، لا يحجبه غير مشيئة الله المؤجلة، وفي الثانية تصوير لمشهدية المؤامرة وأفعال مضارعة لا تنبئ عن ضالعين ذوي خبرة في الشر؛ لكنهم مندفعون بجهالية الفكر.

 

التحقيق السادس: ﴿لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ﴾ [يوسف: 8]، المبتدأ والخبر ولام الابتداء وكأنها لام الجحود!

 

﴿ لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ * إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ * اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ ﴾ [يوسف: 7 - 9] تلك هي حيثيات المؤامرة.

 

(إذ) اسم ظرفي في محل نصب مفعول به لفعل محذوف تقديره (اذكر)، وقالوا: فعل ماضٍ لكون الأمر يؤرقهم من زمن وهم الآن على حافة الانتقام ووضع حد لهذا الأمر. وفي تفسير الجلالين الآية الثامنة "يضع إخوة يوسف العشرة الحجة على تبرير التخلص من يوسف الصغير بقولهم: ﴿ لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ ﴾ وقد صرفها الجلالين على أَن ﴿ لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ ﴾ مبتدأ و﴿ أَحَبُّ ﴾ خبر اسم تفضيل"[3].

 

• والقضية كلها تنطلق من هذا الموضع أن أخوة يوسف قد أجمعوا على أن يوسف وبنيامين أخويهما من الأب أَحبٌّ لنبي الله يعقوب منهم وهم عُصْبَةٌ بإقرارهم؛ مما جعلهم يعتبرون ذلك ضلالًا كبيرًا من الوالد الذي ينظر بعين الرحمة والعطف أكثر إلى يوسف وبنيامين الصغيرين اليتيمين!

 

• وهنا تحقيق واجب الانتباه إليه، فمن يتابع عن تحرٍّ وتدقيق في أكناف المؤامرة يجد أن أخوة يوسف قالوا في بداية وطرح مبررات الانتقام إن يوسف وأخاه- والقصد بنيامين- أحبُّ إلى أبينا، ثم حينما حثَّ بعضُهم بعضًا على التخلص مما يؤرقهم قالوا: ﴿ اقْتُلُوا يُوسُفَ ﴾، ولم يذكروا بنيامين، وكأن الجمع بين ابني راحيل كان سببًا لإقناع أنفسهم بانصراف يعقوب عنهم وإن كان يوسف هو المقصود والمرصود، ويعد هذا القول منهم أول إرهاص تحقيق لبُشْريات أبيه يعقوب بالابتلاء والاجتباء، والله تعالى أعلى وأعلم.

 

• ومفردة الضلال نَعت بها أخوةُ يوسفَ الأسباطُ أباهم في أكثر من موضع في السورة، ففي الأولى القول في تأويل قوله تعالى: ﴿ إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ ﴾ قال أبو جعفر: "يقول تعالى ذكره: لقد كان في يوسف وإخوته آيات لمن سأل عن شأنهم حين قال إخوة يوسف: ﴿ لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ ﴾ من أُمِّه ﴿ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ ﴾، يقولون: ونحن جماعة ذوُو عدد، أحد عشر رجلًا ﴿ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾"؛ (تفسير الطبري، سورة يوسف، الآية: 8).

 

وفي الثانية لما قال لهم أبوهم: إن يوسف ما زال على قيد الحياة ﴿ قَالُوا تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلَالِكَ الْقَدِيمِ ﴾ [يوسف: 95]، وفي تفسير الطبري أيضًا: "حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: ﴿ قَالُوا تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلَالِكَ الْقَدِيمِ ﴾؛ أي: من حب يوسف لا تنساه ولا تسلاه. قالوا لوالدهم كلمةً غليظةً، لم يكن ينبغي لهم أن يقولوها لوالدهم، ولا لنبيِّ الله صلى الله عليه وسلم"؛ (تفسير الطبري، سورة يوسف، الآية: 95)[4].

 

• ومفردة الضلال في العربية متعددة المعارف والمذاهب، أشدها قسوة ضلال الاعتقاد وظلمة الصراط المسلوك بعيدًا عن أمر الله، فمن معانيها الغياب والهلاك والباطل والنسيان، والعدول عن الطريق المستقيم، ولعل الأخيرة هي ما ذهب إليها فكر أخوة يوسف المحدود، أما في الثانية وبعد مرور ردح من الزمن طويل، وظنهم أن يوسف قد هَلك أو تاه في مجاهل النسيان، فيقصدون بها النسيان والغياب، وذِكْرُ صفة القديم تأكيدٌ على مراد تعبيرهم القاسي، والله تعالى أعلى وأعلم.

 

• ومن عظمة القصص القرآني وسُمُوِّه أنه في تلك الآيات المعدودات قد جمع لنا المشهد العام لما تُكِنُّه صدور عشرة كواكب هم أسباط بني إسرائيل وأخوة يوسف وبنيامين لأبيهما، والمبررات الواهية والحجج الفارغة الخالية من البرهان الصادق، والواقعة في بِئار الظلمة والظلم في إيثار نبي الله يعقوب ليوسف وقد شهدوا على أنفسهم بقولهم: ﴿ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ ﴾، ثم أظهر لنا المولى العظيم تدرُّجات المؤامرة بعد تداعياتها غير المنصفة بقولهم في بادئ الاجتماع: "اقتلوا – اطرحوه – لا تقتلوه – وألقوه – ثم انتهاءً بتهوين الجُرم وإقناع أنفسهم وإخماد ضمائرهم من حمى التأنيب والتأديب بفرضهم النتائج المرجوة ﴿ يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ ﴾ [يوسف: 9]، ويدلُّنا القرآن على الشروع الجاد في تنفيذ المؤامرة بالتعقيب في قولهم: ﴿ قَالُوا يَاأَبَانَا مَا لَكَ لَا تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ * أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾ [يوسف: 11، 12].

 

وهنا وقفة استرعت انتباه "العلَّامة الشعراوي رحمه الله" في خواطره الطيبة حيث قال: "ولأنهم أبناء نبي، وحفدة أنبياء، فالمكر في صدورهم محدود بحدود الغيظ مما يزعمون من تفضيل ليوسف، ومثَّل رحمه الله تدرج المؤامرة على عكس ما ينتهجه الأشرار من سائر البشر، فالكاره المدبر لمكيدة يبدأ بالأصغر ويجرُّه شيطانه للأكبر جرمًا، لكن سرد القرآن من مؤامرة أخوة يوسف هو البدء بالأكبر وهو القتل ثم الانتهاء بعد أخذ ورد ودفع وصد ﴿ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ ﴾ [يوسف: 9]، وأخوة يوسف جميعًا شخوص أولية وأساسية في بنيان القصة القرآنية فلم ينتهِ دورهم بمجرد العودة ليعقوب يبكون بحجة أن الذئب أكله! بل واكب القرآن العظيم سيرهم وتحركاتهم، ودلَّل على أنهم لم يجدوا حيلة أو ادعاء من شأنه أن يصدق يعقوب بأنهم أبرياء من مؤامرة الإطاحة بيوسف الصغير، فقالوا في محاجتهم يعقوب نفس ما حذَّرهم منه من أن يأكله الذئب، وذلك لسببين، والله بكل شيء عليم:

• الأول أن هؤلاء سوف يصبح منهم فيما بعد أنبياء ومن ذراريهم رسلًا من بني إسرائيل، فلم يستطع الشيطان أن يدلهم على طوية أو فكرة شيطانية تشين من نسل النبوة حتى ينتهوا بها عند يعقوب النبي ليُصدِّقهم.

 

• والثانية أن لهفتهم على العودة بما ينهي الأمر لم تجعلهم يفكرون في كذبة غير التي حَذَّرهم منها أبوهم، ولا أجد ثمَّة تعارض بين الاجتهادين، فقول الإمام الشعراوي باختلاف طبائع الأنبياء عن البشر حتى حين يخطئون ليعزز القول بأن الله لم يَهْدِهم لكذبة تخالف ما جاءوا به أباهم عشاءً يبكون، والله تعالى أعلى وأعلم.

 

• ولقد ذهبت تفاسير الأعلام في شأن قوله: ﴿ لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ ﴾ [يوسف: 7] مذاهب بلاغية وبيانية تواكب بنية العمل القصصي العظيم. "قوله تعالى: ﴿ آيَاتٌ ﴾ تقرأ على الجمع؛ لأن كل خصلة مما جرى آية، وتقرأ على الإفراد؛ لأن جميعها يجري مجرى الشيء الواحد، وقيل: وضع الواحد موضع الجمع"[5].

 

ونبي الله يوسف ليس له من أخ شقيق غير "بنيامين" الذي يصغره، وبميلاده ماتت أمهما "راحيل" كما ذكرت كتب التاريخ، فالأسباط هم: "رأوبين، وشمعون، ولاوي، ويهوذا، ويساكر، وزبولون، وهؤلاء من "ليا"، ويوسف وبنيامين من "راحيل"، ودان ونفتالي من "بلهة" جارية "راحيل"، وجاد وأشير من "زلفة" جارية "ليل"، وقد ولدوا جميعًا في فدان آرام إلا بنيامين، فإنه ولد في أرض كنعان؛ (البداية والنهاية 1- 195) قصص الأنبياء/ تأليف محمد جاد المولى وآخرين/ دار الجيل بيروت/ ط/13/ ص/ 71)[6].

 

• وهنا لفتة سريعة أن غالب الكتب ذكرت أن من حاول منعهم من قتل يوسف أو إلقاء حجر عليه وهو بالبئر هو "يهوذا" الأخ الأكبر لهم وليس "لاوي" على أرجح الأقوال كما جاء في تفسير الجلالين (قال قائل منهم: "لا تقتلو يوسف" وهو يهوذا)؛ (194)، و(كتاب قَصص القرآن لمحمد أحمد جاد المولى وآخرين، ص 73). "قال يهوذا- وكان من أشدهم رأيًا، وأرجحهم حلمًا-: نحن أبناء يعقوب الرسول وأحفاد إبراهيم الخليل، ولنا عقل ودين، والقتل لا يقره العقل ويأباه الدين، ويوسف غلام بريء لم يجنِ إثمًا ولم يرتكب جرمًا..."[7].

 

• ويعقوب الوالد حائر ما بين أسباطه وصغيريه اللذين فقدا الأم ولم يعد لهما غير صدر يعقوب العافي ليحول ويدفع عنهما كل ضرر أو إحساس بنقص الرعاية والعناية! فيتوافد عليه الأبناء يخفضون له جناح الذل من الرحمة رجاء أن يوافقهم الرأي في خروج يوسف معهم، ويستجدون منه الموافقة على مرافقته ليرتع ويلعب كما يزعمون. وقد ألقوا على أبيهم لائمة عدم الثقة بهم بقولهم: ﴿ قَالُوا يَاأَبَانَا مَا لَكَ لَا تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ ﴾ [يوسف: 11]، ثم إلحاق هذا اللوم العائلي بطلب ﴿ أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾ [يوسف: 12] وفي الطلب واللوم تحريك لمشاعر الوالد ليتم لهم ما يرجونه وما يدبرون له.

 

• لكن فراسة المؤمن الذي يرى بنور الله قد جعلته يفضي لهم: ﴿ قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ وَأَخَافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ ﴾ [يوسف: 13]، منبهًا إياهم لوقوع كارثة من شأنها ضياع يوسف أو هلاكه؛ لكنهم قد جهزوا منطق الحجة ودليل الحفاظ على صغيرهم يوسف بقولهم استنكارًا: ﴿ قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ وَأَخَافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ ﴾ [يوسف: 13].

 

• وكأننا بتلك الآيات حين نقرؤها نستشعر ونتصور المشهد ويعقوب عليه السلام قد وافق الأبناء لرجائهم كابحًا في صدره خيول المخاوف والهواجس وعاديات الفراق المتوقع، ونازعات الأمل من عودة يوسف سالمًا دون إضرار متمنيًا أن تذوب تلك السدة بين يوسف وأخوته في صحراء كنعان القائظ حرها ببرد وسلام وهو معهم؛ آملًا في عطف الأخوة وإشفاقهم من أن ينال أخاهم يوسف أذى لكن هيهات، فالنيَّة مبيَّتة والأخوة قد تأبطوا شرًّا، والله المستعان على ما يصفون!

 

وكأننا بذلك الشاعر قد صادف حال يعقوب حين حذَّر بنيه وهو يقول:

لا تُتبع النفسَ الهوى
ودع التعرُّض للمحن
إبليس حيٌّ لم يمت
والعين باب للفتن

(منقول).

 

وما حذَّر منه يعقوب وقع، وما أكله الذئب ولا فتك به، فثيابه لم تنبش، والدم الكذب لم يشفع لهم مع البكاء، وقول ربنا عز وجل: ﴿ وَجَاءُوا أَبَاهُمْ عِشَاءً يَبْكُونَ ﴾ [يوسف: 16]، ولنسأل أنفسنا سؤالًا:

التحقيق السابع:

• لمَ لمْ يقل القرآن: "وَجَاءوا أَبَاهُمْ عِشَاء يتباكون" بدلًا عن ﴿ يَبْكُونَ ﴾؟ وهي حال جملة فعلية، فالعقل يفرض أن المخطئ عن عَمد قد يدعي البكاء فيتباكى، أو يستجدي البكاء وإسبال الدمع رجاء تصديقه، والإفلات من عين لائمة توبخه أو تدينه فنقول- والله تعالى أعلى وأعلم-: إن إخوة يوسف وعلى رأسهم "يهوذا" قد أحزنهم ما فعلوا، وحين قصدوا عريش أبيهم بدون يوسف كانوا قد توقعوا ردة فعله، وحال قلبه الأسيف على فقدان يوسف، فكان البكاء حقيقًا وليس مصطنعًا؛ والدليل أيضًا بعد أن قصوا على أبيهم هلاك يوسف وهم يبكون ﴿ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ ﴾ [يوسف: 18]، وإن نصيحة أبيهم في مَعرض الطلب بإنفاذه معهم ﴿ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي ﴾ [يوسف: 13] توكيد بالاختصاص وضمير المتكلم ذاته.. فأخوة يوسف لم يريدوا ليعقوب أي أذى أو حزن لكنهم قد استنتجوا ناتج ما فعلوه عليه وعاقبة فعلتهم النكراء على صدر الوالد والنبي، والله أعلى وأعلم.

 

التحقيق الثامن ﴿ وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ﴾ [البلد: 3]:

• ها هي الأقدار حالت بين بطلي القصة، وألقت بسهام القطع والبين بعد الوصال، فما أشد وجع الفراق! إذا كان ذلك الحب سجية وفطرة لا محدثة أو صنيعة ساعة؛ إذ أقسم المولي عز وجل بالوالد وما ولد! دلالة من تلك السجايا، فيوسف الآن قد فَقد الجميع الأم والأب والأخوة، وإن اختلف هيئات البعد، ويا ليته في مأمن من غوائل الدهر أو غدرات الصحراء، إنه الآن في جُبٍّ وبئر، فمن له سوى مولاه يكفله ويرعاه، وفي الوقت ذاته قلب يعقوب النبي ينضح جُل ما فيه من دمع وبكاء على فقده، وإن مساورة الشك بصدره من مكر الأخوة في إقصائه له أشد وأعتى على نبيِّ الله يعقوب، وهنا لنا وقفة أراد الله أن تمر على أفئدة المؤمنين من عباده قبل الأسماع، فقد تعتريك المِحن لأقصى صورها، وأشنع تقلُّباتها، لكن القلوب المؤمنة موقنة تمام اليقين أنها كلما ضاقت أوشكت على الانفراج، وسبحان الله فقد أصاب الشافعي مواضع الحكمة حين قال:

ضاقَتْ ولما استحكَمَتْ حلقاتُها
فُرِجَتْ وكنْتُ أظنُّها لا تُفرَج

• ولم يصرح القرآن الكريم بشيء عن نزول جبريل عليه السلام أو أي ملك ليوسف أو شيء عن القميص الذي ألبسه إياه وهو إرث جده إبراهيم عليه الصلاة والسلام، ولا كيف جيء ليوسف به! وكأن الله يريد بمن يقرأ أو يستمع للآيات أن يستشعر عاقبة الصبر والتقى، ويتحَسَّس تلك النواتج المشرقة دعمًا ليوسف عليه السلام، ولقد قالها القرآن نفسه على لسان يوسف الصديق حين منَّ الله عليه وجمع بينه وبين أخيه بنيامين ﴿ إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [يوسف: 90].

 

• وفي كتاب قصص الأنبياء فيما يخص تلك المحنة الأولى لنبي الله يوسف عليه السلام وهو بالبئر يعاني الوحدة والخوف "أن ألله قد أوحى إليه أن تجَمَّل بالصبر واعتصم بالعزاء؛ فإني جاعل لك من كل ضيق مخرجًا، ومن همك فرجًا، وإني مظهرك على أخوتك ولكن بعد حين![8].

 

وكأن الشاعر لحال الطمأنينة ليوسف الصغير يقول له:

وإذا العناية راقبتك عيونُها
نم فالمخاوف كلهُنَّ أمان

• ومن الجدير ذكره فيما يخص كرامات الوحي بصوره الربانية؛ فقابيل لما طغت سخيمة الكراهية على قلبه سوَّدت وجهه، فقتل أخاه هابيل حسدًا وغلًّا لم يشأ الله عز وجل أن يوليه كرامة من تلك الكرامات بوحي أو نداء أو إلهام إنما بعث له غرابَيْنِ يقتتلان ليعلمانه كيف يواري سوأة أخيه، وسبحان الله العظيم!

 

• وهنا تذكرة بكل شبيهة وغائبة عن الأخلاد، وحاضرة حين التذكير بقرينة لها؛ فمحنة يوسف الصديق في غيابات الجُبِّ أو السجن كمحمد صلى الله عليه وسلم وصاحبه الصديق في الغار، ويونس في بطن الحوت، وموسى في التابوت، والخليل إبراهيم في نار النمرود، أو الذبيح إسماعيل عليه السلام تحت شفرة سكين الخليل المبتلى في فلذة كبده عليهم جميعًا أفضل الصلاة وأتم التسليم،كلها ابتلاءات ومعارض للفتن والأشد بلاءً فيها ضيق المكان وشموله إما على ظلمة وقَفر، أو نيران عظيمة اللهب، أو مخاوف الجب من حيات وهوام تتعطَّش لدماء غضة أو لبطن حوت في قعر الماء، ورغم تلك الابتلاءات على تنوِّعها واختلاف كل واحدة عن الأخرى في مادة الابتلاء وسبب البلاء ومسالك النجاة أو الإنجاء لكنها جميعًا صادفت قلوبًا لها عيون ترى ما لا يراه الناظرون إن هم ظنوا مجرد الظن أنهم هالكون وإنا الله على نصرهم لقدير، فسبحانه القائل: ﴿ إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ ﴾ [غافر: 51].

 

• ويوسف كباقي أصفياء الله وأنقيائه لم يزغ قلبه عن يقين النجاة والإنجاء على الرغم من تفَرُّده بالبلاء، فهو ما زال غلامًا لم يشاطر الأكابر المناصب، أو ينازع الإخوة في ميراث أو مودة، فضلًا عن أنَّ القائمين على المؤامرة ذوات دم وآصرة أرحام؛ وإن الملتاع بمؤامرة الفراق والد للمظلوم والظالمين، فهو بلاء مزدوج متشعب الألم، فسبحان من يبتلي أصفياءه بما يدهش الخَلْق ممن يتفكرون كيف تكون النجاة مع الجزاء الأوفى؛ وما على يوسف ويعقوب الآن سوى الصبر والرضا بما اختصهما به الله من بلاء، وأوقع في سويداء قلبيهما من نقع الفراق ومرارة التباعد! وسبحان من هذا مراده!

وترى النائبات كأنها فِتنٌ
وفي جوفها اللطف والكرم

وللمقال بقية بإذن الله تعالى.



[1] قصص القرآن/ تأليف محمد جاد المولى وآخرين/ دار الجيل بيروت / ط/13/ ص 66.

[2] إملاء ما منَّ به الرحمن من وجوه الإعراب والقراءات في جميع القرآن/ أبو البقاء عبدالله بن الحسين بن عبدالله العكبري/ راجعه وعلق عليه نجيب الماجدي.

[3] تفسير الإمامين الجلالين: جلال الدين السيوطي، وجلال الدين المحلي/ حققه ونسقه/ الشيخ محمد الصادق القمحاوي بالأزهر الشريف/ مطبعة الأنوار المحمدية ص 194.

[4] تفسير الطبري، سورة يوسف، الآية: 95، موقع تقني.

[5] إملاء ما منَّ به الرحمن من وجوه الإعراب والقراءات في جميع القرآن/ أبو البقاء عبدالله بن الحسين بن عبدالله العكبري/ راجعه وعلق عليه/نجيب الماجدي/ المكتبة العصرية/ ص 302، إعراب سورة يوسف.

[6] البداية والنهاية (1- 195) / قصص القرآن/ تأليف محمد جاد المولى وآخرين/ دار الجيل بيروت/ ط13/ ص 71).

[7] قصص القرآن/ تأليف محمد جاد المولى وآخرين/ دار الجيل بيروت/ ط 13/ ص 73.

[8] قصص القرآن/ تأليف محمد جاد المولى وآخرين/ دار الجيل بيروت/ ط 13/ ص 77.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • التحقيق في ملحمة الصديق (1) دلالات وعبر
  • التحقيق في ملحمة الصديق (3) دلالات وعبر
  • التحقيق في ملحمة الصديق (4) دلالات وعبر
  • التحقيق في ملحمة الصديق (5) دلالات وعبر
  • التحقيق في ملحمة الصديق (6) دلالات وعبر
  • التحقيق في ملحمة الصديق (7) دلالات وعبر

مختارات من الشبكة

  • حاجة كتاب (غاية النهاية) لابن الجزري للتحقيق ، وحاجة التحقيق للتنسيق(مقالة - موقع الشيخ الدكتور عبدالرحمن بن معاضة الشهري)
  • التحقيقات التي حظي بها كتاب البرهان للإمام الزركشي(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • التحقيق في تبرئة العلامة السيوطي من كتاب (الروض الأنيق في فضائل الصديق)(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • مخطوطة التحقيق(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • كيف تشتري كتابا محققا؟ وكيف تميز بين تحقيق وآخر إذا تعددت تحقيقات النص؟(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • إسهامات المستشرقين في نشر التراث العربي الإسلامي: دراسة تحليلية ونماذج من التحقيق والنشر والترجمة (PDF)(كتاب - موقع د. علي بن إبراهيم النملة)
  • إسهامات المستشرقين في نشر التراث العربي الإسلامي: دراسة تحليلية ونماذج من التحقيق والنشر والترجمة (PDF)(كتاب - موقع د. علي بن إبراهيم النملة)
  • التحقيق في المسائل الخلافية وليس الخلاف حجة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مخطوطة التحقيق في أحاديث التعليق(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • حقيقة المخطوط المعنون بـ "حاصل التحقيق" المنسوب إلى مجهول(مقالة - ثقافة ومعرفة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 18/11/1446هـ - الساعة: 8:24
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب