• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | الثقافة الإعلامية   التاريخ والتراجم   فكر   إدارة واقتصاد   طب وعلوم ومعلوماتية   عالم الكتب   ثقافة عامة وأرشيف   تقارير وحوارات   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    منهج التعارف بين الأمم
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    الإسلام يدعو لحرية التملك
    الشيخ ندا أبو أحمد
  •  
    آثار مدارس الاستشراق على الفكر العربي والإسلامي
    بشير شعيب
  •  
    إدارة المشاريع المعقدة في الموارد البشرية: ...
    بدر شاشا
  •  
    الاستشراق والقرآنيون
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
  •  
    نبذة في التاريخ الإسلامي للأطفال
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    عقيدة التوحيد، وعمل شياطين الشرك
    أ. د. فؤاد محمد موسى
  •  
    الفلسفة الاقتصادية للاستخلاف في منظور الاقتصاد ...
    د. عبدالله محمد قادر جبرائيل
  •  
    منهج شياطين الإنس في الشرك
    أ. د. فؤاد محمد موسى
  •  
    سيناء الأرض المباركة
    د. حسام العيسوي سنيد
  •  
    استراتيجيات المغرب في الماء والطاقة والفلاحة ...
    بدر شاشا
  •  
    طب الأمراض التنفسية في السنة النبوية
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    الاستشراق والمعتزلة
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
  •  
    زبدة البيان بتلخيص وتشجير أركان الإيمان لأحمد ...
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    مفهوم الصداقة في العصر الرقمي بين القرب الافتراضي ...
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    الخنساء قبل الإسلام وبعده
    الشيخ محمد جميل زينو
شبكة الألوكة / ثقافة ومعرفة / فكر
علامة باركود

منهج استثمار الخطاب الشرعي

منهج استثمار الخطاب الشرعي
هشام الهواري

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 5/9/2020 ميلادي - 17/1/1442 هجري

الزيارات: 7602

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

منهج استثمار الخطاب الشرعي


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين؛ أما بعد:

لقد أنزل الله سبحانه وتعالى القرآن الكريم بلسان عربي مبين؛ قال المولى عز وجل: ﴿ وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ * نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ ﴾ [الشعراء: 192 - 195]، وجعله قرآنًا عربيًّا غير ذي عوج؛ فقال الله تعالى: ﴿ وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ * قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ﴾ [الزمر: 27، 28]، فكانت سلامة النص من العوج في الدلالة والالتواء في المعنى من خصائص حفظ البيان، ومن لوازم حفظ نص القرآن الكريم.

 

وكونُ القرآن إنما أنزل بلسان عربي مبين يعني - فيما يعني - أنه يُفهم من خلال معهود العرب في الخطاب وإبانتهم، وتُحدَّد معانيه من خلال دلالات الألفاظ التي تعاهد عليها العرب في استعمالاتهم، أو من خلال مفهوم العرب لدلالات الألفاظ؛ لذلك قال ابن تيمية رحمه الله: "اللغة العربية من الدين، ومعرفتها فرضٌ واجب، فإنَّ فَهمَ الكتاب والسنة فرض، ولا يُفهَم إلا بفهم اللغة العربية، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب"[1].

 

وقال الإمام الشافعي: "فعلى كل مسلم أن يتعلم من لسان العرب ما بلغه جهده، حتى يشهد به أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا عبده ورسوله، ويتلو به كتاب الله، وينطق بالذكر فيما افتُرض عليه من التكبير، وأُمر به من التسبيح والتشهد وغير ذلك"[2].

 

وقد وضح رحمه الله في رسالته الأصولية كون القرآن عربيًا، وبنى عليه أمران:

"أحدهما: أنه يجب على كل مسلم أن يتعرف قدرًا من اللغة العربية، يصحح به دينه، فيستحفظ من القرآن الكريم قدرًا، يستطيع قراءته وفهمه، فلا قراءة من غير فهم.

 

ثانيهما: أنه لا يجوز أن يتصدى لتعرف معانيه مَن لا يعرف اللسان العربـــي بدقائقه وأساليبه، فلا بد أن يعرف ألفاظ العموم ومدى دلالتها، والألفاظ الخاصة ومواضعها بجوار الألفاظ العامة، والألفاظ المجملة والمشتركة والمفصلة[3]، وهكذا؛ حتى يتعرف كيف يستخرج الأحكام الفقهية من الكتاب الكريم "[4]، وقال الإمام الشافعي: "لأنه لا يعلم من إيضاح جمل علم الكتاب أحدٌ جهِلَ سَعَةَ لسان العرب، وكثرة وجوهه، وجماع معانيه وتفرقها، ومن عَلِمه انتفت عنه الشبهة التي دخلت على مَن جهل لسانها"[5].

 

وقد اتفق علماء الأصول على ضرورة أن يكون المجتهد على علمٍ باللغة العربية؛ لأن القرآن الذي نزل بهذه الشريعة عربيٌّ، ولأن السنة التي هي بيانه جاءت بلسان عربي.

 

يقول الإمام الشاطبي رحمة الله عليه: "الاجتهاد إذا تعلَّق بالاستنباط من النصوص، فلا بد من العلم بالعربية[6] ... إذا افترضنا مبتدئًا في فَهم العربية فهو مبتدئ في فهم الشريعة، أو متوسطًا في العربية فهو متوسط في فهم الشريعة، والمتوسط لم يبلغ درجة النهاية، فإذا انتهى إلى درجة الغاية في العربية، كان كذلك في الشريعة"[7].

 

وتجدر الإشارة هنا إلى "أن المباحث الأصولية اللغوية ليست من نوع علوم اللغة أو النحو العادية، فقد دقَّق الأصوليون نظرهم في فَهم أشياءَ من كلام العرب لم يتوصل إليها اللغويون أو النحاة، إن كلام العرب متسع وطرق البحث فيه متشعبة، فكُتُبُ اللغة تضبط الألفاظ والمعاني الظاهرة، دون المعاني الدقيقة التي يتوصل إليها الأصولي باستقراءٍ يزيد على استقراء اللغوي، فهناك إذًا دقائق لا يتعرض لها اللغوي، ولا تقتضيها صناعة النحو، ولكن يتوصل إليها الأصولي باستقراء خاصٍّ وأدلة خاصة"[8].

 

ولما كانت الغاية التي يستهدفها الأصولي هي معرفة كيفية اقتباس الأحكام من النصوص الشرعية وطرق استثمارها، بات الواجب العلمي يفرض المعرفة بهذا الخطاب إجمالًا من حيث مضمونه وموضوعه ... وفق معهود العرب في الاستعمال، فلا أحد يستطيع أن ينازع في أنها على الأقل تشكل لبنة أولى من لبنات عملية الفهم؛ إذ يتحدد مضمون الخطاب وموضوعه الذي يتحدث عنه، فيكون المجتهد على بصيرة من أمره بناء على سلامة الفهم؛ إذ هو على الأقل حدد مفهوم الحكم والغاية منه.

 

"فإنه لما كانت الأحكام الشرعية والقضايا الفقهية وسائلَ مقاصد المكلفين، ومناطَ مصالح الدنيا والدين، وأجلَّ العلوم قدرًا، وأعلاها شرفًا وذكرًا؛ لِما يتعلق بها من مصالح العباد، في المعاش والمعاد - كانت أَوْلَى بالالتفات إليها، وأجدر بالاعتماد عليها.

 

وحيث كان لا سبيل إلى استثمارها، دون النظر في مالكها، ولا مطمع في اقتناصها من غير التفات إلى مداركها، كان من اللازمات والقضايا الواجبات البحثُ في أغوارها، والكشف عن أسرارها، والإحاطة بمعانيها والمعرفة بمبانيها؛ حتى تذلَّل طرق الاستثمار، وينقاد جموح غامض الأفكار"[9].

 

فنصوص القرآن الكريم والسنة النبوية هي التي يقوم عليها كلُّ استنباط في الشريعة الإسلامية، وعلمُ أصول الفقه رسم المناهج لطرق الاستنباط من هذه النصوص.

 

ففي هذا العلم الجليل - علم أصول الفقه - الذي يعد من أهم العلوم التي أنتجتها الحضارة الإسلامية؛ حيث ظهر الابتكار جليًّا عند علماء المسلمين، وتداخل في تركيبه النقل مع العقل، والرأي مع الشرع؛ كما قال الإمام الغزالي في مقدمة كتابه المستصفى: "وأشرف العلوم ما ازدوج فيه العقل والسمع، واصطحب فيه الرأي والشرع، وعلم أصول الفقه من هذا القبيل؛ فإنه يأخذ من صفو الشرع والعقل سواء السبيل، فلا هو تصرف بمحض العقول الذي لا يتلقاه الشرع بالقبول، ولا هو مبنيٌّ على محض التقليد الذي لا يشهد له العقل بالتأييد والتسديد"[10]، فهو فلسفة العلوم الإسلامية، وعليه تدور أحكام الشرع ومعاني الكتاب والسنة؛ قــال الإمام الأسنوي: "فإن علم أصول الفقه عظم نفعه وقدره، وعلا شرفه وفخره؛ إذ هو مثار الأحكام الشرعية، ومنار الفتاوى الفرعية التي بها صلاح المكلفين معاشًا ومعادًا، ثم إنه العمدة في الاجتهاد، وأهم ما يتوقف عليه من المراد"[11].

 

ولما كانت الغاية المتوخَّاة من هذا العلم الجليل إمدادَ المجتهدين بقواعد الاستنباط وقوانينه، فإن الحاجة إليه تشتد في الوقت الحاضر؛ حيث الاتجاه العام إلى إعادة النظر في التراث الفقهي وتقويمه، وإلى اجتهاد فقهي جديد، جامع بين الأصالة والمرونة؛ لمواجهة متطلبات العصر ومشكلاته، ولن يتحقق هذا إلا إذا اتخذ الاجتهاد مسارًا صحيحًا، مبنيًّا على أُسسٍ سليمة ودعائمَ متينةٍ من المعرفة التامة بالعلوم الشرعية واللغوية، والتي يأتي هذا العلم في مقدمتها، أما مجرد معرفة النصوص أو استظهارها، فليس مؤهِّلًا للاجتهاد، أو مخولًا لاستنباط الأحكام.

 

ولا شكَّ أن أول الخُطا في طريق المعرفة الصحيحة الفهمُ السليم، من هنا تتأكد أهمية الاجتهاد بصفته وسيلة للفهم السليم في دائرة النص الشرعي والحمل عليه، وأداةً لاستنباط الحكم الشرعي عند عدم وجود النص.

 

ونظرًا لوظيفة الاجتهاد الخطيرة؛ فقد وُضعت أُسسه في أثناء فترة الوحي المباركة، وتولَّى الرسول الكريم عليه أفصل الصلاة وأتم التسليم رسمَ منهجه، وتوضيح معالمه قولًا وعملًا وتقريرًا، واستمرت مسيرة الفقه وحركة الاجتهاد تنمو وتتطور، يقودها علماء أفذاذ بذلوا غاية وسعهم في تأصيل هذه الحركة؛ حتى تُعصم من الانحراف، فبلغوا بها مستوًى علميًّا راقيًا يعبِّر عن نضج فكري عميق، ويبرهن على مدى الآفاق التي فتحتها الدراسات التشريعية في الإسلام.

 

وهكذا يتبين أن مهمة المجتهد في التعامل مع الخطاب الشرعي ليست قاصرة على فهمه وتفسيره واستنباط الأحكام منه، انطلاقًا من منطوقه أو من مفهومه، ووضع قواعد لغوية أو شرعية يرسم بها لدراسة المسار الذي يجب أن يسلكه للوقوف على مراد الشارع منه - بل إن هذه ليست إلا خطوة أولى تليها خطوة أخرى، ربما كانت أكثر أهمية؛ وهي تطبيق هذه الأحكام المطلقة على تصرفات الناس التي تصدر عنهم في واقعهم الاجتماعي أقوالًا وأفعالًا، ما دام "كل دليل شرعي مبني على مقدمتين؛ إحداهما: راجعة إلى تحقيق مناط الحكم[12]، والأخرى: ترجع إلى نفس الحكم الشرعي"[13].

 

وإذا كان الشمول والخلود من أبرز خصائص الشريعة الإسلامية، فإن تحقيقه واستمراره منوط بالاجتهاد في استنباط الأحكام واستثمارها؛ وذلك لأن النصوص متناهية ومحددة، وقضايا البشر ووقائعهم غير متناهية ولا محددة، فكان الاجتهاد هو السبيل إلى فهم تلك النصــوص؛ لتظلَّ تمدُّنا بالأحكام لكل الوقائع والمستجدات، وهذا ما سار عليه فقهنا الإسلامي في استنباطه للأحكام، وبذلك أمدَّ الحياة بحلوله الشرعية التي استوعبت كل قضايا الشعوب والمجتمعات، في كافة الأقطار التي فتحها الإسلام، وظل عطاؤه في نماء وازدياد يوم أن كان رائده الاجتهاد.

 

إن مسألة تناهي النصوص تعتبر من أبرز القضايا التشريعية التي اكتسبت الحيز الأوسع في كتب أصول الفقه بشكل مثير، والمضمون العام لهذه المسألة أن النصوص متناهية، والأحداث والوقائع غير متناهية، وإنما هي في تزايد مستمر وتجدد دائم.

 

وهذه المسألة ظلَّت مرتبطة بشكل كبير بقضية استثمار الخطاب الشرعي، وضرورة الاجتهاد والتجديد لمواكبة تغيرات الزمان والمكان، والمستجدات والطوارئ التي تحدث في حياة الناس.

 

فهذا الإقرار بتناهي النص دون تناهي الأحداث ووقائع الناس[14]، جعل الأصوليين يُلِحُّون على ضرورة الاجتهاد، واستثمار طاقات النص التشريعية؛ حتى يساير هذا النص كافة المستجدات التي تطرأ في الواقع، وذلك عن طريق القياس والمصالح المرسلة والاستحسان ... أو عن طريق القواعد الكلية العامة للشريعة الإسلامية.

 

يقول الحجوي الثعالبي: "فإن أصول الفقه وإن اكتملت في الزمن النبوي، ففروعها لم تتم بعدُ، ولا انتهاءَ لها أبدًا ما دامت الحوادث، ولما كان استيعاب جميع الفروع الفقهية وأعيان الوقائع الجزئية، والإحاطة بجميع أحكامها، وإنزال شريعة بذلك، لا يسعه ديوانٌ، ولا تطيقه حافظة الإنسان، مع جواز وقوعه عقلًا - لطف الله بنا فأنزل العمومات؛ لتُستنبط منها المسائل الخاصة بالاندراج، وأنزل المسائل الخاصة؛ ليُقاس عليها ما يماثلها في علة الحكم أو يشبهها، ووكل إلى نبيِّه تدريبَ الأمة على الاجتهاد والاستنبـــاط؛ ليحصل لهم ثواب الاجتهاد الذي جعله من أفضل العبـــادات، ودليل كمال النفس، وتحصيـــل ثمرة الفهم والعقل الذي أكرم الله به الإنســـان"[15].

 

"فالاجتهاد والاستثمار هما اللذان يمنحان للنص الشرعي صفة الحياة الدائمة، ويجعله متمكِّنًا من تلبية حاجيات المجتمعات المتطورة، فهو في الحقيقة دليل خلود الشريعة الإسلامية وعموميتها واتساع أفقها، وبه يتميز التشريع الإسلامي عن باقي الشرائع الوضعية الأخرى"[16].

 

ويأتي القياس الفقهي في صدارة الأدلة الشرعية التي اعتمدها جمهور علماء أصول الفقه؛ لغايةِ جَعْلِ النص المتناهي يغطي وقائع الناس غير المتناهية؛ "فقد رُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((أنه قال لمعاذ بن جبل وأبي موسى الأشعري رضي الله عنهما، وقد أنفذهمـا إلى اليمن: بمَ تقضيـــان؟ فقالا: إن لم نجد الحكم في الكتاب ولا في السنة، قِسْنا الأمر بالأمر، فما كان أقرب إلى الحق عملنا به)) صرحوا بالعمل بالقياس[17]، والنبي صلى الله عليه وسلم أقرهما عليه؛ فكان حجة، وأيضًا ما روي عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال لأبي موسى الأشعري: ((اقضِ بالكتاب والسنة إذا وجدتهما، فإذا لم تجدِ الحكم فيهما، اجتهد رأيك))"[18].

 

فالحوادث والوقائع متجددة ومستمرة، والنصوص الشرعية محدودة، ولا بد من إيجاد حكم شرعي لكل فعل من أفعال المكلفين؛ ولهذا أُبيح القياس والاجتهاد لهذه الضرورة.

 

يقول الإمام الشاطبي: "فَلِأن الوقائع في الوجود لا تنحصر، فلا يصح دخولها تحت الأدلة المنحصرة؛ ولذلك احتيج إلى فتح باب الاجتهاد من القياس وغيره، فلا بد من حدوث وقائع لا تكون منصوصًا على حكمها، ولا يوجد للأولين فيها اجتهاد، وعند ذلك، فإما أن يُترك الناس فيها مع أهوائهم، أو يُنظر فيها بغير اجتهاد شرعي، وهو أيضًا اتباع للهوى، وذلك كله فساد، فلا يكون بدٌّ من التوقف لا إلى غاية، وهو معنى تعطيل التكليف لزومًا، وهو مؤدٍّ إلى تكليف ما لا يطاق، فإذًا لا بد من الاجتهاد في كل زمان؛ لأن الوقائع المفروضة لا تختص بزمان دون زمان"[19].

 

وإذا كان الإحساس بأبعاد ومعطيات هذه القضية بشكل جامع ومشترك بين جميع علماء أصول الفقه، فإن المناهج المخصصة للاستثمار والموضوعة للاجتهاد لم تكن موحدة ومتجانسة، وإنما اختلفت هذه المناهج تبعًا لتعدد المدارس الأصولية، واختلاف الأزمان والبيئات، وتغير مقتضياتٍ يستدعيها الواقع؛ فيُحتاج إلى حلٍّ يمثل بذاته تطورًا وانتقالًا من مرحلة إلى مرحلة أخرى يفرضها الواقع؛ لأن كل تطور في العلم إنما هو ترجمة لتطور في المجتمع.



[1] أحمد بن تيمية، اقتضاء الصراط المستقيم، تحقيق: ناصر بن عبدالكريم العقل، ج: 2، ص: 207.

[2] محمد بن إدريس الشافعي، الرسالة، تحقيق: أحمد محمد شاكر، مطبعة مصطفى البابي الحلبي، الطبعة الأولى، 1357هـ - 1938م، ص: 48.

[3] قال الإمام الشافعي: "فإنما خاطب الله بكتابه العربَ بلسانها على ما تعرف من معانيها، وكان مما تعرف من معانيها اتساعَ لسانها، وأن فطرته أن يخاطب بالشيء منه عامًّا ظاهرا يُراد به العام الظاهر، ويُستغنَى بأول هذا منه عن آخره، وعامًّا ظاهرًا يُراد به العام ويدخله الخاص، فيستدل على هذا ببعض ما خوطب به فيه، وعامًّا ظاهرًا يُراد به الخاص، وظاهرًا يُعرف في سياقه أنه يُراد به غير ظاهره، فكل هذا موجودٌ علمه في أول الكلام أو وسطه أو آخره"؛ [الرسالة، (ص: 52)].

[4] محمد أبو زهرة، أصول الفقه، دار الفكر العربي، ص: 90، بتصرف.

[5] الإمام الشافعي، الرسالة، ص: 50.

[6] الإمام الشاطبي، الموافقات، تحقيق: عبدالله دراز، ج: 4، ص: 162.

[7] المصدر نفسه، ص: 115.

[8] علي سامي النشار، مناهج البحث عند مفكري الإسلام واكتشاف المنهج العلمي في العالم الإسلامي، دار النهضة العربية، بيروت، لبنان، 1404ه - 1984م، ص: 91.

[9] علي بن محمد الآمدي، الإحكام في أصول الأحكام، تحقيق: عبدالرزاق عفيفي، ج: 1، ص: 3، 4.

[10] أبو حامد الغزالي، المستصفى من علم الأصول، تحقيق: أحمد زكي حماد، ج: 1، ص: 4.

[11] عبدالرحيم بن الحسن الأسنوي، التمهيد من تخريج الفروع على الأصول، تحقيق: محمد حسن هيتو، مؤسسة الرسالة، بيروت، لبنان، 1401ه - 1981م، ص: 48.

[12] "تحقيق المناط هو تحقيق العلة المتفق عليها في الفرع؛ أي: إقامة الدليل على وجودها فيه، كما إذا اتفقا على أن العلة في الربا هي القوت، ثم يختلفان في وجودها في التِّين حتى يكون ربويًّا"، وهذا لا يلزمه أن تكون العلة فيه ثبتت بالنص أو الإجماع، بل بأي طريق من الطرق التسعة تثبت، كما أنه لا يندرج فيما يسمى قياسًا، بل هو مجرد تطبيق الكلي على الجزئي ... "تحقيق المناط عند الأصوليين أن يقع الاتفاق على كلية وصف بنصٍّ أو إجماع، فيجتهد الناظر في وجوده في صورة النزاع التي خفي فيها وجود العلة، كتحقيق أن النباش سارق، فالوصف - وهو السرقة - عُلم أنه مناط الحكم، وبقي النظر في تحقيق وجوده في هذه الصورة؛ قال الغزالي: "وهذا النوع من الاجتهاد لا خلاف فيه بين الأمة"، وأما في اصطلاح أبي إسحاق: فتحقيق المناط هو مقدمة نظرية تعيِّن محل الحكم الثابت بمدركه الشرعي، لتنزيل المقدمة النقلية عليه.

فهو آخر مراحل الاجتهاد إذًا، ذلك أن وظيفة تنزيل الأحكام على مجالها هي آخر ما يقوم به المجتهد بعد تناول النصوص الشرعية بالفهم والاستنباط، فيكون التنزيل أو تعيين مجال الأحكام هو تحقيق المناط؛ [فريد الأنصاري، المصطلح الأصولي عند الإمام الشاطبي، ص: 360].

[13] أبو إسحاق الشاطبي، الموافقات في أصول الشريعة، ج: 4، ص: 103.

[14] قال الشهرستاني: "وبالجملة نعلم قطعًا ويقينًا أن الحوادث والوقائع في العبادات والتصرفات، مما لا يقبل الحصر والعد، ونعلم قطعًا أنه لم يرد في كل حادثة نصٌّ، ولا يتصور ذلك أيضًا، والنصوص إذا كانت متناهية والوقائع غير متناهية، وما لا يتناهى لا يضبطه ما يتناهى - عُلم قطعًا أن الاجتهاد والقياس واجب الاعتبار؛ حتى يكون بصدد كل حادثة اجتهاد"؛ [الملل والنحل، (ص: 205)].

[15] الحجوي الثعالبي، الفكر السامي في تاريخ الفقه الإسلامي، هذا الكتاب ابتُدئ طبعه بمنطقة إدارة المعارف بالرباط عام 1340، وكمل بمطبعة البلدية بفاس في ربيع عام 1345، ج: 1، ص: 120.

[16] يوسف القرضاوي، الاجتهاد في الشريعة الإسلامية، ص: 27.

[17] ومن أمثلة اجتهادات النبي صلى الله عليه وسلم التي تنص على أنه عليه الصلاة والسلام قد استعمل القياس ما يلي:

((أن امرأة جاءته وقالت: يا رسول الله، إن أمي قد ماتت وعليها صومُ نذرٍ، أفأصوم عنها؟ فقال: أفرأيتِ لو كان على أمِّك دَيْنٌ فقضيتِهِ، أكان يجزئ عنها؟ قالت: نعم، قال: فَدَيْنُ الله أحق أن يُقضى))؛ [مسند الإمام أحمد، (1/ 362)].

[18] مصطفى عبدالرازق، تمهيد لتاريخ الفلسفة الإسلامية، تقديم: محمد حليم عبدالوهاب، دار الكتب المصرية، القاهرة، ج: 1، ص: 216، وانظر: الإحكام في أصول الأحكام، للآمدي، ج: 4، ص: 37، والمعتمد، لأبي الحسين البصري، ج: 2، ص: 222.

[19] الإمام الشاطبي، الموافقات، ج: 4، ص: 9.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • اللغة العربية آلية ضرورية لفهم الخطاب الشرعي
  • الرجل والمرأة وصيغ الخطاب الشرعي

مختارات من الشبكة

  • مدلول المنهج والتواصل والحوار اللغوي والاصطلاحي(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أولويات التربية "عقيدة التوحيد"(مقالة - موقع أ. د. فؤاد محمد موسى)
  • سيد المناهج (المنهج الوصفي)(مقالة - حضارة الكلمة)
  • لا إله إلا الله: منهج حياة (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الوجيز في مناهج المحدثين للكتابة والتدوين (1)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • ما هو منهج الفصحى؟(مقالة - حضارة الكلمة)
  • شرح كتاب المنهج التأصيلي لدراسة التفسير التحليلي (المحاضرة العاشرة: أضواء على المنهج العقدي في وصايا لقمان)(مادة مرئية - موقع الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي)
  • شرح كتاب المنهج التأصيلي لدراسة التفسير التحليلي (المحاضرة السادسة: تابع منهج الإمام الطبري في التفسير)(مادة مرئية - موقع الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي)
  • شرح كتاب المنهج التأصيلي لدراسة التفسير التحليلي (المحاضرة الثانية: التعريف بالمنهج التأصيلي لدراسة التفسير التحليلي)(مادة مرئية - موقع الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي)
  • مناهج المحدثين العظماء (منهج الإمام البخاري رحمه الله)(مادة مرئية - موقع موقع الأستاذ الدكتور سعد بن عبدالله الحميد)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • ختام ناجح للمسابقة الإسلامية السنوية للطلاب في ألبانيا
  • ندوة تثقيفية في مدينة تيرانا تجهز الحجاج لأداء مناسك الحج
  • مسجد كندي يقترب من نيل الاعتراف به موقعا تراثيا في أوتاوا
  • دفعة جديدة من خريجي برامج الدراسات الإسلامية في أستراليا
  • حجاج القرم يستعدون لرحلتهم المقدسة بندوة تثقيفية شاملة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 23/11/1446هـ - الساعة: 18:47
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب