• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | الثقافة الإعلامية   التاريخ والتراجم   فكر   إدارة واقتصاد   طب وعلوم ومعلوماتية   عالم الكتب   ثقافة عامة وأرشيف   تقارير وحوارات   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    الفلسفة الاقتصادية للاستخلاف في منظور الاقتصاد ...
    د. عبدالله محمد قادر جبرائيل
  •  
    منهج شياطين الإنس في الشرك
    أ. د. فؤاد محمد موسى
  •  
    سيناء الأرض المباركة
    د. حسام العيسوي سنيد
  •  
    استراتيجيات المغرب في الماء والطاقة والفلاحة ...
    بدر شاشا
  •  
    طب الأمراض التنفسية في السنة النبوية
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    الاستشراق والمعتزلة
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
  •  
    زبدة البيان بتلخيص وتشجير أركان الإيمان لأحمد ...
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    مفهوم الصداقة في العصر الرقمي بين القرب الافتراضي ...
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    الخنساء قبل الإسلام وبعده
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    العلم والمعرفة في الإسلام: واجب ديني وأثر حضاري
    محمد أبو عطية
  •  
    حول مصنفات وآثار الإمام ابن جرير الطبري (10) الرد ...
    محمد تبركان
  •  
    تفيئة الاستشراق
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    الطعن في الأحاديث النبوية سندا ومتنا
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
  •  
    طرق فعالة للاستفادة من وسائل التواصل الاجتماعي
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    حول مصنفات وآثار الإمام ابن جرير الطبري (9) بسيط ...
    محمد تبركان
  •  
    تهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني طبعة دار البر ...
    محمود ثروت أبو الفضل
شبكة الألوكة / ثقافة ومعرفة / التاريخ والتراجم / سير وتراجم / سير وتراجم وأعلام
علامة باركود

الرافعي بعيون تلميذه محمود شاكر

فضل محمد الحميدان

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 28/4/2018 ميلادي - 12/8/1439 هجري

الزيارات: 16799

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الرَّافعي

بعيون تلميذِهِ محمود شاكر[1]

 

إنَّ قراءةَ الرافعي اﻹنسان تأخذُنا إلى ثقافة بناها هو لنا وفق معاييرَ أخلاقيةٍ عميقة عمقَ ولادتها، ولذلك فهو حينَ يُلقي الكلمةَ لا يلقيها إلا وقد مرّت على الرافعي المؤرّخ، والرافعي الفيلسوف، والرافعي البلاغي المتفنن، والرافعي المربي واﻹنسان...

 

ولو درسنا تاريخ تلك الكلمةِ في قاموسه النّفسي دراسةَ التاريخ والفلسفة والبلاغة اللغوية والإنسانية العالية = لخلصْنا إلى منهجِ الحياة التي تَرسم فيه الفكرة، عند الرافعي، مثاليتها، منطلقةً من معالم واقعها التي هي فيه!

 

والرافعيُّ رجلٌ مكتملُ المعاني، لا تمنعُه صفاتُه السماوية، من غلائلِ المروءة، وشمائلِ الطّهر = أن يختلطَ بالناس، ويرتادَ مجالس اﻷدب، ويتسمّعَ في كلِّ الحواري لقصص اﻵلام، فيصوغَها، وينفثُ فيها من روح الجمال، ليجعلَها قطعًا نادرةً من الحسن والبيان، فينعم بها قارئوها!

 

والشيخُ محمود شاكر رجلٌ عرفَ الرّافعي معرفةً غيرَ التي عرفها النّاس، عرفه بقلبه، وجانسه بمادّة الرّوح، وشاركه قصّةَ الآلام التي ألمّتْ بجيلٍ كثير، لذلك فإنّكَ حين تقرأ الرافعي بعيون محمود شاكر فإنّك إنّما تقرؤه بعيون الرافعي ذاتها.

 

وإني لسْتُ أقرأُ - حينَ أقرأ كلماتِ الشيخ العلامَةِ محمود شــاكر – إلا كلاماً علويّاً، كأنّما صُنِع على عينٍ منَ السّحرِ، لا يُعرَفُ لهُ سرٌّ، فيُتَكَشَّفُ بهِ، للناظرِ الفاحصِ، دواخِلُهُ، ومعنَى القوةِ المسْتِكنّةِ المُتَلَبِّثةِ أنْحاءَهُ.

 

فيْهِ منَ وجوهِ الجمالِ: لغةً، وسبكاً، وتَدْبيجاً = ما يغْنيكَ عنْ موضُوعِهِ، ولهُ منْ عُمْقِ الفكْر، ودقّةِ المسلكِ، فكرَةً، ومذهبَ علمٍ = ما يُسليكَ عنْ جمالياتِهِ، كيفَ إذاً! والحسْنُ قدْ مدّ أطرافَهُ في حديثِهِ منْ كلّ جهاتِهِ!

 

ولكمْ أنْ تنْظرُوا صورةً منْ هذا السّحر الحلالِ، وهوَ كثيرٌ، في كلامِهِ عنْ أثَرِ منْ يقومونَ للرّجالِ، منَ الخيرِ الباقِي، منْ مترجِميهم وعرّابِيهم، ومحمّد سعيد العريان واحدٌ منْ هذا النّفرِ الكريمِ الذين قدّموا لقرّاءِ الرّافعيّ معانِي ما كانوا لِيبلغُوا طرفاً منها دونَ عملهِ الجليلِ معَ سيرةِ أميرِ البيانِ وآثارِهِ الباذِخَة.

 

ولكم أن تتابعوا هذا المعنى اللطيفَ فيما يقولُهُ العلامة محمود شاكر:

" ولو قدْ يَسّرَ اللهُ لكلِّ شاعرٍ أو كاتبٍ أو عالمٍ = صديقاً وَفِيّاً ينْقُلُهُ إلى النّاسِ أحاديثَ وأخباراً وأعمالاً – كمَا يسَّرَ للرّافِعيِّ – لمَا أضلّتِ العربيّةُ مجْدَ أدبائِها وعُلَمائِها، ولمَا تفَلَتَ منْ أدبِها عِلْمُ أسرارِ الأساليبِ، وعلمُ وجوهُ المعانِي التي تعتلِجُ في النّفوسِ، وتَرْتَكضُ في القلوبِ، حتّى يُؤْذَنَ لها أنْ تكونَ أدباً يُصطَفَى، وعِلماً يُتَوارَث، وفنّاً يتَبَلَجُ على سَوادِ الحياةِ، فَتُسْفرَ عنْ مكنُوناتِها متَكشِّفةً بارزَةً، تَتأنَّقُ للنّفسِ حتّى تستَويَ بمعانِيها وأسرارِها على أسبابِ الفرحِ ودواعي السُّرورِ، ومَـا قبلُ ومَـا بعْدُ" [2].

 

على أنّي قرأت الرافعي بعيون تلميذه العريان، ثمّ قرأته بعيون تلميذه شاكر، فما وجدتُ بين مرأى الثاني والأول، على جلالة النّاظرَين، إلا كما أجدُ الفرقَ بين النّظر للشيء من سماء، والنّظر إليه من أرض، ولك أن تجعل قلبكَ في حروف شاكر لتتلمسَ إحساسي هذا الذي أنقله لك ههنا؛ انظرْهُ فيما قالَه العلامةُ فخْرُ الكنانةِ في أديبِ العربيّة وريحانَتِها:

" لمْ أعاشرْهٌ طويلاً حتّى أقولَ: إنّي أعِي للنّاسِ خبَرَهُ، وأعرفُ عنْهُ ومن أمرِهِ ما لا يعرفُ غيري، كلا، لستُ أدعي ما ليسَ عندِي، ولكنّي كنتُ أبداً معهُ بحبّي وصَداقَتي، وكانَ هو أبداً يَحوطُنِي بروحِهِ في أنفاسِ حنانِهِ وحبّهِ!

 

كنّا روحينِ تناظرتَا من بعيدٍ، وتناسمَتَا من قريبٍ، فعرَفْتُهُ وعرَفَني، كانَ بيننا سرٌّ جامعٌ لا أدري كيفَ أصِفُهُ؟ ولكنْ كانَ منْ يعرِفُني ويَعرِفُهُ يَجِدُ آثارَهُ، ويرَى من بعضِ بيناتهِ ما لا أحبُّ أنْ أحدّثَ بهِ!.

 

ومعَ ذلكَ فأنا أقَصِّرُ في حقّهِ ما لمْ يُقَصِّرْ أحدٌ ممّنْ توجبُ عليهِ الصداقةُ بعضَ واجباتِها، ولم يَكُنْ ذلكَ، لأنّي لا أريدُ، بل لأنّي لا أستطيعُ ولا أطيقُ، فما زلتُ كلما ذكرتُ الرّافعيَّ – وقدْ مضَتْ سنواتٌ – أجدُ لذعةَ حزْنٍ في قلبي تُرْسلُ آلامَها في كلِّ سابِحَةٍ منْ دمي! [3]".

رحمَهما اللهُ رحمةً يجمَعُهما، وإيّانا، بَها، في جنّاتٍ النّعيم.

 

ولكَ، أيها القارىء المحبّ، أن تقرأ ما كتبَه العلامة محمود شاكر في موضع ثانٍ لتلامسَ هذا المعنى الذي ما زال في ترفُّعٍ وسموٍّ، يقول:

"عَرَفتُ الرّافعيَّ معرفةَ الرأي أولَ ما عَرفْتُهُ، ثمَّ عَرَفْتُهُ معرفَةَ الصّحبةِ فيما بعدُ، وعرَضْتُ هذا على ذاكَ فيما بيني وبينَ نفسي فلمْ أجدْ إلا خيراً ممّا كنْتُ أرَى[4]، وتبّدتْ لي إنسانيّةُ هذا الرّجلِ كأنّها نغمَةٌ تُجاوبُ أختَها في ذلكَ الأديبِ الكاتِبِ الشّاعر، وظفرتُ بحبيبٍ يحبّني وأحبهُ؛ لأنَّ القلبَ هو الذي كانَ يعملُ بيني وبينهُ، وكانَ في أدبِهِ مسُّ هذا القلبِ؛ فمِنْ هنا كنتُ أتلقّى كلامَهُ فأفْهَمهُ عنه ما يكادُ يَخْفَى على مَنْ هوَ أمثلُ منّي بالأدبِ،وأقومُ على العلمِ، وأَبْصَرُ بمواضعِ الرّأي"[5].

للهِ أنتما أيّها الجبلان، وعليكما رحمَتُه! ما كانَ أقربَكما إلى القلبِ!

 

وبعد أيّها القارىءُ الكريم...

إنّ منْ أمْعَنَ النّظرَ في الرّافِعيِّ إمْعانَ المؤَرّخِ، ليَكْتُبَ تارِيخَهُ بلحمٍ ودمٍ وروحٍ، ثمَّ زادَ إمْعانَهَ، وتأَمّلَ، على هدُوءٍ وتَفَكُّرٍ = وجدَ معنًى سماويّاً تحْتَ كلِّ كلمَةٍ باحَ بها قلمُهُ على بياضِ صفحاتِ كتابَتِهِ، فهيَ تجدُ مكانَها في الرّوحِ قبلَ أنْ تمُرَّ على مصفاةِ العقلِ الأدِبيّ، وكأنّي بهذا المَعنى السّماويِّ فيها = إنّما هوَ سرُّ الإخلاصِ المخبوءِ في نجوَاهُ مع النّفسِ المُنْشئةِ، حينَ تتَخيّل، وتختارُ وتكتُبُ.

 

وأجِدُني أتَبَصّرُ أسرَارَ هذا الفنِّ الرّافعيِّ في هذه العلاقِةِ المكينَةِ لرُوحِهِ المُبْدِعَةِ في أرضِها، معَ أصْلها في سَمائها، فتأخذُ كلماتُهُ، بهذهِ العلاقةِ، صفةً عجائِبيّةً، تجعلُ فيها القدرِةَ على اختراقِ الحواسِّ البشريّةِ كلِّها، منْ جهاتِها كلِّها، لتصنعَ أنحاءَها معنى السّحرِ، وفِعْلَ الخمرِ.

 

وللنّاظرِ النّاقدِ أنْ يجدَ صورةَ ما ذكَرْتُهُ ههنا، فهوَ، إنْ أرادَ أنْ يُبْكِي، جاءتْ كلماتُهُ في حروفٍ تَبكي، وتُوقِظُ معنى الدّمْعِ في النّفسِ الإنسانيّةِ، فأبكتْ وثوّرتْ، وهو، إنْ أرادَ أنْ يضحِكَ، جاءتْ معانيْهِ في حروفٍ تَبسِمُ وتغمِزُ، فترسُمَ البسماتِ على وجوهِ الحَزَانى المكلومينَ، وتعيدُ الضّحكاتِ لقلوبِ الآيسينَ المهمومينَ.

 

سرُّ الرّافِعيِّ، أيّها القارىء الحبيبُ، سرُّ محفوفٌ بالوقَارِ، مسْكونٌ بالهيبةِ والجَلالِ؛ ذلكَ أنّهُ مُنْتَزَعٌ منْ روحِ النّظمِ البيانيِّ المُعجِز، فكأنّهُ قبسٌ منْ نورٍ، منْ نورِ الذّكرِ الحكيمِ، ولنا معَ هذا السرِّ مشاهدُ وكلامُ طويلٌ!

 

وأتْرُكُكُم، مع بعضِ هذا السّرّ الرافِعيِّ، في كلامِ حِبّهِ، ريحَانَةِ الكنانِةِ أبي فهْرٍ، رحمَهما اللهُ تَعَالى، يقولُ:

" وهُنا سرُّ الرّافِعيّ كلُّهُ، سرُّهُ في فِكرِهِ، وسرُّهُ في علْمِهِ، وسرُّهُ في بيانِهِ، وسرُّهُ في فنّهِ، وذاكَ هو سرُّ المؤمِنِ إذا ارتَفَعتْ عنْ قلبِهِ الحُجُبُ، وسَقَطَتْ عنْ عينِهِ الغَشاوَةُ، وارْتَفعَ بهِ الإيمَانُ عنْ أشياءِ الأرضِ إلى أشْياءِ السّماءِ، فلا تجِدُ الدّنْيا منْهُ ما يَحُدُّهُ أو يُطْغيهِ أو يُلْفِتُهُ، فهوَ بصيرَةٌ تنْفُذُ، وإخلاصٌ يجلُو، وجمالٌ يُحِبُّ، وهذا هوَ سرُّ الأسلوبِ الذي انْفردَ بهِ الرّافِعيُّ"[6].

 

ما زلت كلما قرأتُ كلماتِ العلامةِ محمود شاكر في شيخنا الرّافعيّ قراءةَ النّفسِ تحوطنِي بالسّكينةِ، وتغمُرنِي بالحبّ، وتفيضُ عليّ بألقِ الوفاءِ!

ثمَّ إنّي أقرؤها قراءةَ التّاريخِ فتُعيدُنِي إلى ذلكَ الزّمنِ الجميلِ قبلَ أنْ تُكَدّرَه الدّلاءُ، ويكثُرُ فيهِ الأدعياءُ، ويقلُّ فيهِ الأصفياءُ الصّرحاءُ!

 

تأمّلْ كلماتِ الشّيخِ شاكر في حِبّهِ الرّافعيّ وهو يودّعه لتعلمَ دقائقَ هذا الوفاء المتصل بالسماء صدقًا وجلالةً وكمالًا، يقول رحمه الله تعالى:

" لَقدْ ذهبتَ إلى ربّكَ راضياً مرضيّاً فَرِحاً بلقائِهِ، مؤمناً بمَا زيّنَ في قلبِكَ منَ الإيمانِ، وبَقِيتُ أنا لأبْحَثَ عنْ أحبائي بعدَكَ،... لأفقدَ لذّةَ المعرفَةِ التي يفيضُ فيضُها منَ الصّداقَةِ والحُبّ!

 

....، لأتلدَّدَ هاهُنا وهاهُنا، حائراً، أنْظُرُ بِمَنْ أَثِقُ،...لأجدَ حرّةَ القلبِ، وكَمَدَ الرّوحِ، وألمَ الفكرِ منْ حبّي وصداقَتِي،..لأسيرَ في أوديَةٍ منَ الأحزانِ بعيدةً: أمشي وحدي، وأبكي وحدِي، وأتأَلَّمُ وحدِي... لا أجِدُ منْ أنْفُضُ إليهِ سرَّ أحزانِي"[7].

 

إنَّ الكلام عن الرافعي لا ينتهي، ولن ينتهي، فإنَّ فيه معنًى ظاهرًا من روح الخلود، وسيبقى أثرًا ضخمًا في ضمير هذه اﻷمة: حراسةً لهذه العربية الشريفة، وذودًا عنها، وتبصُّرًا بها.

 

وتعالَ معي أيّها القارىء الذي ينشدُ سمات العالم الحقيقي لتقرأه في قول العلامة محمود شاكر:

"رحمةُ الله عليه، لقد شارك اﻷوائلَ عقولَهم بفكره، ونزع إليهم بحنينه، وفلجَ أهلَ عصره بالبيان حين استعجمت قلوبهم، وارتضختْ عربيتهم لكنة غير عربية، ثم صار إلى أن أصبح ميراثًا نتوارثُهُ، وأدبًا نتدارسُهُ، وحنانًا نأوي إليه، رحمة الله عليه"[8].

 

تمرُّ بكَ كلماتُ الشيخ محمود شاكر سهامًا تحمل في قناتها النّور، وتسمع في مرورها عند أذنك حكمةَ التاريخ، وتراها، إذا أصابتْ منك مكانَها، أحيتْ فيكَ معاني الحياة من جهاتك كلها؛ فأنت، بسرّ ما حملته لك، تُبصرُ الناس في معبد الزمن إبصارَ الحكيم، وتفهمُ معها دورةَ اﻷيَّام على علم، وإدراك، وفقه.

لله هما الشيخان الرافعي وشاكرٌ وعليهما رحمته!

 

ولي في نهاية هذه الكلمة أنْ أتركَ بين أيديكم كلام العلامة محمود شاكر وهو يودّع أستاذه:

" وقد فرغ الرافعيُّ -رحمه الله -من أمر النّاس إلى خاصّة نفسه، ولكنَّ الناس لا يفرغون من أمر موتاهم، ولو فرغوا لكان التاريخُ أكفانًا تُطوى على الرمم، لا أثوابًا تلقى على الميت لتنشره مرة أخرى، حديثًا يُؤْثَرُ، وخبرًا يُروى، وعملًا يُتَمَثَّلُ، وكأنْ قد كان بعد إذْ لم يكن).

 

وخاتمة...

ذاك يوم الخميس، أوَّل أيام كانون الثاني (يناير )، لعام 1880 م = وهذا يوم الاثنين أوَّل أيام كانون الثاني (يناير) لعام 2018م.

مئةٌ وثمانيةٌ وثلاثون عامًا مرَّت على ولادة تاريخٍ لن يموتَ في ضمير أمّة العرب؛ ذلك أنَّ هذا التاريخَ بعضٌ من النورِ الذي أحيا به اللهُ حسنَ العربية وبيانَها، وعظمتَها وجلالَها، على قلب رجل، هدَّهُ اللهُ من رجل.

 

رجلٌ إن كُتب في التاريخ فهو كاتبٌ في الحبّ، وإن مشى مدادُ قلمه في الإعجاز البلاغي؛ فكأنما يعلّمُ الناس الحبَّ، وإن بلَّغَ آياتِ روحه في كلماته؛ فكأنّما يبلُغُ بالناس مقامَ العارفين بمعنى الحبّ، وسحر الحبّ.

 

هذا هو أبو السامي مصطقى صادق الرّافعي قد خلدَ في قلب حِبِّهِ وتلميذه أبي فهر محمود محمّد شاكر كما خلد في قلوب أبناء العروبة، خلدَ بفيضٍ من هذا الكمالِ الذي سعى له في كل نفس من أنفاسه، وحبَّره في كلِّ حرف من حروفه!

 

ها هو الرافعيُّ يحيا بيننا ﻷنه يستحقُّ الحياة؛ فمن كتب لتكونَ كلمةُ الله هي العليا؛ فكيف به يموت!

باقٍ أنت، يا أبا السَّامي، فينا، لحنًا سماويًّا خالدًا؛ ننعم بصدقه، ونسمو، للعلياء، بنبض حدائِهِ الفريد العزيز.



[1]فضل محمّد الحميدان: ماجستير في النحو والصرف جامعة دمشق 2011م، وماجستير في اللسانيات والمعجمية 2017م، والمقال أعلاه من كتابه: (من وحي الرّافعي) وهو تحتَ الطّباعة.

[2] منْ مقدّمةِ كتابِ (حياةُ الرّافِعي) لمحمّد سعيد العريان، ط 3، 1955 / ص 4-5/

[3] من مقالتهِ: نجْوى الرّافعي، الرّسالة 358، مايو 1940، ص 824-826، وهي في جمهرة مقالاته 1/ 170-171).

[4] - كأنّي بهذا المعنى جليًّا في قول البارودي وهو يمتدح الرّافعي:

لمُصْطَفَى صَادِقٍ فِي الشِّعْرِ مَنزِلَةٌ
أمْسَى يُعَاديْهِ فِيْها مَنْ يُصَافِيْه
صَاغَ القَرِيضَ بِإتْقَانٍ فَلَو تُلِيَتْ
صُدُورُهُ عُلِمَتْ مِنْهُ قَوَافِيْهِ
مُهَذَّبُ الطَّبْعِ مَأْمُونُ الضَّميْر إذَا
بَلَوْتَهُ كَانَ بَادِيْهِ كَخَافِيْهِ
حَازَ الكَمَالَ فَلَمْ يَحْتَجْ لِمَنْقَبَةٍ
فَلَسْتَ تَنْعَتُهُ إلّا بِمَا فِيْهِ

[5] كلمةُ الشيخُ محمود شاكر من مقدّمته لكتابِ سعيد العريان" حياةُ الرّافعي 1938م.

[6] كلامُ أبي فهرٍ من مقالتِهِ " وحي القلم " المقتطف، المجلد 90، فبراير 1937، ص 253، وهو في جمهرةِ مقالاتهِ 2/704- 705.

[7] من مقالتهِ: نجْوى الرّافعي، الرّسالة 358، مايو 1940، ص 824-826، وهي في جمهرة مقالاته 1/ 167).

[8] ‫كلام الشيخ العلامة من كلمته في تصدير كتاب حياة الرافعي، وهي في مجموع مقالاته 2/1223.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • الوعي الموحد في كتابات الرافعي
  • هل حقا كان خط الرافعي رديئا؟
  • مرافقة الأستاذ لتلميذه
  • محمود شاكر (شيخ العربية) (1)
  • محمود شاكر (شيخ العربية) (4)

مختارات من الشبكة

  • عين ثالثة لم يفصح عنها الإمام الشافعي(مقالة - آفاق الشريعة)
  • العين حق: قصة إصابة سهل بن حنيف بالعين (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • احذروا العين فإن العين حق(مقالة - آفاق الشريعة)
  • لطائف لغوية في قوله تعالى: {والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن}(مقالة - حضارة الكلمة)
  • مخطوطة عيون الموارد السلسة من عيون الأسانيد المسلسلة (النسخة 3)(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • مخطوطة عيون الموارد السلسلة من عيون المسانيد المسلسلة (النسخة 2)(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • تفسير آية: (وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين ...)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مخطوطة عيون الموارد السلسلة من عيون المسانيد المسلسلة(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • العين بالعين ( قصيدة )(مقالة - حضارة الكلمة)
  • طفلي لا يضع عينه في عيني(استشارة - الاستشارات)

 


تعليقات الزوار
1- من أروع ما قرأت
محمد سيف الدين - مصر 17-12-2024 07:41 PM

شكرا جزيلا أستاذنا الحبيب فضل الحميدان
حقيقة هذا المقال من أروع ما قرأت عن الرافعي بارك الله فيك وزادك رفعة وعلما

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 18/11/1446هـ - الساعة: 8:24
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب