• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | الثقافة الإعلامية   التاريخ والتراجم   فكر   إدارة واقتصاد   طب وعلوم ومعلوماتية   عالم الكتب   ثقافة عامة وأرشيف   تقارير وحوارات   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    حول مصنفات وآثار الإمام ابن جرير الطبري (10) الرد ...
    محمد تبركان
  •  
    تفيئة الاستشراق
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    الطعن في الأحاديث النبوية سندا ومتنا
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
  •  
    طرق فعالة للاستفادة من وسائل التواصل الاجتماعي
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    حول مصنفات وآثار الإمام ابن جرير الطبري (9) بسيط ...
    محمد تبركان
  •  
    تهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني طبعة دار البر ...
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    التحقيق في ملحمة الصديق (7) دلالات وعبر
    محمد صادق عبدالعال
  •  
    بين العبادة والعدالة: المفارقة البلاغية والتأثير ...
    عبد النور الرايس
  •  
    الثقة بالاستشراق
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    الطعن في شخصية النبي صلى الله عليه وسلم
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
  •  
    المجموع في شعر علماء هجر من القرن الثاني عشر إلى ...
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    المصحف المرتل بروايات أخر غير رواية حفص عن عاصم
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    موقف أبي موسى الأشعري مع جندي من جنوده
    الشيخ عبدالعزيز السلمان
  •  
    النقد العلمي
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    المصحف المرتل وفق رواية حفص عن عاصم الكوفي بصوت ...
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    الطعن في رسالة النبي صلى الله عليه وسلم
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
شبكة الألوكة / ثقافة ومعرفة / التاريخ والتراجم / سير وتراجم
علامة باركود

مكانة ابن خويز منداد العلمية - عرض ونقد

محمد جالو

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 22/2/2018 ميلادي - 6/6/1439 هجري

الزيارات: 35391

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

مكانة ابن خويز منداد العلمية - عرض ونقد[1]

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

تعتبر كتب التراجم من أهم المصادر التي تزوِّد الباحث بالمعلومات المتعلقة بالشخصيات العلمية التي حظيت بها الأمة الإسلامية على مر العصور، فبواسطة كتب التراجم يُعرف فضل الرجل، وتوجهُه العقدي ومذهبُه الفقهي الذي ينتمي إليه، ومكانتُه العلمية والعصرُ الذي عاش فيه، والمصنفاتُ التي صنَّفها وترَكها للأجيال اللاحقة...

 

وغالباً ما يركن الباحث إلى ما يقرره العلماء في حق من ترجموا لهم، وتطمئن إليه نفسه، ويجعل ذلك أمرا مسلّما غير قابل للنقاش البتة؛ خصوصا إذا كان العالم الذي تعرَّض لترجمة تلك الشخصية العلمية معروفا بالرسوخ في العلم والدقة في النقل.

 

قرأت قبل سنوات في ترتيب المدارك للعلامة المالكي القاضي عياض رحمه الله ترجمة الإمام ابن خويز منداد البصري المالكي رحمه الله فخرجت من ذلك مقتنعا أن الإمام ابن خويز منداد لم يكن بالجيد النظر، ولا بالقوي الفقه...، أضف إلى ذلك أن القاضي عياضا دعم قوله بما نقله عن الإمام الباجي أنه لم يسمع لابن خويز منداد في علماء العراق بذكر.

 

كنت كذلك حتى وقعتْ يدي على رسالتين علميتين، إحداهما تتعلق بآرائه الأصولية للدكتور عبد العزيز صبحي، وهي رسالة مقدمة لنيل درجة العالمية الماجستير في جامعة أم القرى في البلد الأمين، والأخرى كانت متعلقة بتاريخ الخلاف العالي عند المالكية لنيل دكتوراه الدولة في دار الحديث الحسنية بعنوان: المستوعب لتاريخ الخلاف العالي ومناهجه عند المالكية.

 

قرأت الجزء المختص بترجمة ابن خويز منداد في الرسالة الأولى، وتلوت القسم المتعلق بمالكية العراق وطبقاتهم وجهودهم في خدمة المذهب المالكي من أطروحة الدكتور محمد العلَمي، الأمر الذي جعلني أغيّر اقتناعي الذي لم أناقشه يوما، ولا تكلفت بالبحث عنه قط وذلك لجلالة القاضيين أبي الوليد الباجي وعياض ووزنهما في المذهب المالكي، كما حفّزني ذلك أيضا على البحث عن شخصية هذا الإمام في كتب التراجم وغيرها من كتب أهل العلم، والمقارنة بين ذلك وبين ما قرره العلامة القاضي عياض في كتابه ترتيب المدارك.

 

وسيكون تناول هذا البحيث على النحو الآتي:

المبحث الأول: ترجمة موجزة للإمام ابن خويز منداد.

المبحث الثاني: مكانة الإمام ابن خويز منداد العلمية في كتب التراجم.

المبحث الثالث: مكانة الإمام ابن خويز منداد العلمية في غير كتب التراجم.

المبحث الرابع: نقد الأقوال الواردة في مكانته العلمية.

 

المبحث الأول: ترجمة موجزة للإمام ابن خويز منداد.

هو أبو عبد الله محمَّد بن أحمد بن علي بن خويز منداد الإِمام العالم المتكلم الفقيه الأصولي تفقه بالأبهري، يروي عن أبي داسة، وأبي الحسن التمار، والمصيصي، له كتاب كبير في الخلاف، وكتاب في أصول الفقه، وفي أحكام القرآن[2].

 

وقد اختلف المترجمون له حول ضبط اسمه إلى عشرة أقوال[3]، كما اختلفوا في كنيته، وقد تباينت آراؤهم أيضا حول اسم جده إلى أقوال أرجحها أن اسمه عليُّ، وهو الذي مال إليه القاضي عياض وابن فرحون رحمهما الله، وجنح إليه أيضا الدكتور عبد العزيز صبحي[4].

 

لم تذكر المصادر التي تعرضت لترجمة الإمام ابن خويز منداد سنة ولادته، ولا سنة وفاته على وجه التحديد، وإنما اتفقت على أنه رحمه الله عاش في القرن الرابع الهجري، وقد ترجم له الإمام الذهبي وأرخ وفاته في سنة 390ه-[5].

 

المبحث الثاني: مكانة الإمام ابن خويز منداد العلمية في كتب التراجم.

إن الناظر في كتب التراجم يجد أن للإمام ابن خويز منداد مكانةً علميةً في الجملة، وقد ذكره الشيرازي في طبقاته والشيخ محمد مخلوف في شجرته على سبيل المدح والثناء، إلا أنه لم يسلم من نقد الناقدين؛ فإن كثيرا من المترجمين له وصفُوه بأنه لم يكن بالجيد النظر ولا بالقوي الفقه، وأن عنده شواذاً عن مالك، واختياراتٍ وتأويلاتٍ خالف فيها المذهب المالكي.

 

1- قال القاضي أبو الوليد الباجي رحمه الله في ابن خويز منداد: ((إني لم أسمع له في علماء العراق بذكر))[6].

 

2- وقد وصفه القاضي عياض رحمه الله بأنه لم يكن بالجيد النظر، ولا بالقوي الفقه، وأن عنده شواذا عن مالك، واختيارات وتأويلات لم يرجع عليها حذاق المذهب[7].

 

3- نقل الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى طعن الإمام ابن عبد البر في ابن خويز منداد في لسان الميزان دون بيان وجه الطعن فيه[8].

 

وسأكتفي بهذه النقولات الثلاثة في بيان أن العلماء طعنوا في الإمام ابن خويز منداد رحمه الله، كما عابوا عليه شذوذه، واختياراته وتأويلاته المخالفة لأصول المذهب المالكي.

 

ولقائل أن يقول لماذا اكتفى الباحث بنقل بعض أقوال من طعن في ابن خويز منداد وأهمل ذكر كثير ممن تكلم فيه؟

 

يجاب عن هذا التساؤل: بأن الباحث لم يقصِّر في نقل أقوال العلماء في ذلك، وإنما ضرب صفحا عن بقيتها؛ لأن أغلبها يكاد يكون نقلا حرفيا عن القاضي عياض على سبيل الرضا والتأييد لما قرره في ترتيب المدارك حول ابن خويز منداد، فإن كثيرا من العلماء الذين جاءوا بعد القاضي عياض إذا ترجموا للإمام ابن خويز منداد يكتفون بنقل قوله كما ذكره في ترتيب المدارك إلا قليلين، منهم: الذهبي والشيخ محمد مخلوف فإنهما لم ينقلا قول القاضي عياض نقلا حرفيا حين ترجما له، أما الذهبي فقد صدَّر ترجمته لابن خويز منداد بأنه من كبار المالكية العراقيين، ثم أشار إلى أن له اختيارات خالف فيها المذهب المالكي دون أن يجاري القاضي عياضا في وصفه برداءة النظر والضعف في الفقه، وقد نحا الشيخ مخلوف منحى الذهبي تقريبا حيث إنه اكتفى بذكر ما يتعلق بمدح ابن خويز منداد وضرب صفحا عن الباقي[9].

 

ويمكن أن يستخلص من هذا النقل عن العلماء رحمهم الله ما يأتي:

• أن الإمام ابن خويز منداد ليست له مكانة علمية معتبرة في أهم كتب تراجم المالكية؛ فإنه ذو نظر ضعيف وصاحب فقه لين، كما نقله العلامة القاضي عياض في كتابه ترتيب المدارك، وتبعه عليه بعض العلماء؛ كابن فرحون رحمه الله في الديباج المذهب.

 

• أن كتاب ترتيب المدارك للقاضي عياض رحمه الله يكاد يكون مصدرَ كلِّ من طعن ابن خويز منداد رحمه الله في فقهه واجتهاده، ولا يحتاج الباحث للتأكد من ذلك إلى عناء؛ فالنقل الحرفي الذي ينقله مَن جاء بعد القاضي عياض مِن كتابه دليل على ذلك.

 

المبحث الثالث: مكانة الإمام ابن خويز منداد العلمية في غير كتب التراجم.

بعد أن تبينتْ مكانة الإمام ابن خويز منداد في كتب التراجم في المبحث السابق، سأتناول في هذا المبحث أقوال العلماء في ابن خويز منداد خارج كتب التراجم.

 

• قال الإمام القرطبي رحمه الله:

(وقد قال ابن خويز منداد من علمائنا: إن المرأة إذا كانت جميلة وخيف من وجهها وكفيها الفتنة فعليها ستر ذلك...)[10].

 

• لقبه العلامة البناني المالكي ب: شيخ الإسلام[11].

 

• عدّه أبو الخطاب ابنُ دحية من علماء الفقه والنظر، لما كان في معرض سرد الأقوال الواردة في خبر الواحد هل يفيد العلم أولا؟[12].

 

وسأكتفي بهذه النقولات الثلاثة لبيان صورة الإمام ابن خويز منداد بعيدا عن كتب التراجم، فصورته في غيرها من حيث الجملة أكثر مناسبة لمقامه، حيث يظهر فيها بألقاب علمية رفيعة القدر أطلقها عليه علماء كبار أيضا يعرفون وزن هذه الكلمات التي أطلقوها عليه.

 

وحتى لا يظن القارئ بأن صورة الإمام ابن خويز منداد بيضاء ناصعة في غير كتب التراجم، تجب الإشارة في هذا المقام إلى أن الإمام أبا محمد ابن حزم رحمه الله طعن فيه، ووصفه بالسخف والجهل كعادته مع العلماء حين يناقشهم في مسألة خلافية سائغة[13].

 

المبحث الرابع: نقد الأقوال الواردة في مكانته العلمية.

عُرف في المباحث السابقة من هو الإمام ابن خويز منداد البصري، كما تم عرض أهم الأقوال الواردة في مكانته العلمية، وسأتطرق في هذا المبحث إلى نقد تلك الأقوال ومناقشة ما يحتاج من ذلك إلى مناقشة.

 

قبل الشروع في نقد الأقوال الواردة في حق الإمام ابن خويز منداد، أودُّ أن أنبه إلى أنني لن أركز على الأقوال الواردة في الثناء عليه ووصفِه بأنه عالم، وكبيرٌ من كبار مالكية العراق، فإن مؤلفاته التي وُصف بعضها بأنه كبير تؤهِّله لأن يُحلَّى بتلك الألقاب، بخلاف الطعن في فقهه واجتهاده ورميه بالشذوذ، مع كثرة ورود اسمه في بطون كتب الفقه المقارن عموما، وكتب المذهب المالكي خصوصا، واعتبار تقريراته أحيانا في كتب المالكية؛ فإن ذلك يلفت نظر الباحث ويدفعه إلى تتبع هذا القول لمعرفة مدى مطابقته للواقع من عدمها.

 

وسأذكر ما ورد في انتقاده قولا قولا، ثم أتبعه بالمناقشة:

رأي الإمام القاضي أبي الوليد الباجي ومناقشته:

مما انتقِد على ابن خويز منداد أن القاضي عياضاً نقل عن الباجي أنه غير معروف في علماء المالكية العراقيين.

 

انتقد القاضي عياض رحمه الله القولَ بأن الإمام ابن خويز منداد من المجهولين، حيث بين أنه رحمه الله بلغ من الشهرة وكثرة التصانيف ما يبعده من عدِّه في زمرة المالكية غير المعروفين، وبين أن الشيرازي ذكره في طبقاته، وأن القاضي عبد الوهاب يحكي عنه[14].

 

وقد حمل بعض الباحثين قول الإمام أبي الوليد الباجي في ابن خويز منداد على أنه خرج مخرج الاستغراب من غمط الناس حقَّه مع جلالة قدره، وكونه من كبار مالكية العراق[15].

 

إلا أن هذا الحمل في رأيي غير متجه؛ لأن القاضي عياضاً رحمه الله نقل عن القاضي أبي الوليد الباجي رحمه الله وصفه عالمين آخرين بأنهما مجهولين وهما القزويني والأبهري، مع أنهما ليسا بمجهولين عند المالكية، الأمر الذي يبعد حمل قول القاضي أبي الوليد الباجي في ابن خويز منداد على أنه خرج مخرج الاستغراب.

 

وأحسن ما يمكن أن يعتذر لأبي الوليد الباجي في عدِّه ابنَ خويز منداد من المجهولين هو ما ذهب إليه القاضي عياض رحمه الله، حيث ذكر أن القاضي أبا الوليد الباجي لم يكن من المعتنين بهذا الباب[16].

 

وعلى التسليم بعدم سماع القاضي أبي الوليد الباجي بابن خويز منداد فإن ذلك لا يضره، ولا ينقص من قدره وجلالته[17]، فكتبه وآراؤه في التفسير والفقه والأصول مستفيضة متداولة في كتب العلماء.

 

رأي العلامة القاضي عياض ومناقشته:

تكمن أهمية رأي القاضي عياض في ابن خويز منداد في أنه رأيُ لقي قبولا عند كثير من علماء التراجم الذين جاؤوا بعده؛ فإن كثيرا من المترجمين لا بن خويز منداد ينقلون عن القاضي عياض نقلا حرفيا دون مناقشة لرأيه، بل حتى الذين لم يتابعوه في وصفه ابنَ خويز منداد بالضعف في الفقه ورداءة النظر، اكتفوا فقط بعدم مجاراته في ذلك دون التصريح بنقده.

 

ويمكن إجمال قول القاضي عياض رحمه الله في ابن خويز منداد في أمرين:

• الأول: رداءة النظر والضعف في الفقه.

• الثاني: الشذوذ عن مذهب مالك.

 

رداءة النظر والضعف في الفقه:

هكذا طعن القاضي عياض رحمه الله تعالى في فكر ابن خويز بن منداد وفقهه بناءً على مسائل خالف فيها مشهور المذهب المالكي[18]، وتبعه عليه كثير من المترجمين للإمام ابن خويز منداد رحمه الله.

 

ولمناقشة هذا القول فلا بد من استعراض بعض المسائل التي بنى عليها القاضي عياض رأيه في الإمام ابن خويز منداد.

 

من المسائل التي بنى عليها القاضي عياض رأيه في ابن خويز منداد رحمهما الله تعالى ما يأتي:

مسألة: ارتفاع الحدث بالتيمم:

هذه المسألة من المسائل التي الخلاف فيها قوي جدا، وتتلخص الأقوال الواردة فيها على النحو الآتي:

القول الأول: إن التيمم مبيح للعبادة، وليس رافعا للحدث، وهو مذهب جمهور العلماء[19].

 

القول الثاني: إن التيمم رافع للحدث رفعا كليا، فلا ينقضه وجود الماء، وهو قول أبي سلمة والشعبي[20].

 

القول الثالث: إن التيمم رافع للحدث رفعا مؤقتا، فينتقض بالقدرة على استعمال الماء، وهو قول الحنفية، وداود، وابن سيرين، والحسن...[21].

 

هذا ملخص الأقوال الواردة في المسألة، وقول الإمام ابن خويز منداد رحمه الله تعالى لا يخرج عن القولين الثاني والثالث.

 

ويستنتج مما سبق سرده أن وصف ابن خويز منداد برداءة النظر والضعف في الفقه لا يتجه أبدا؛ لأنه لم يخرج في المسألة عن قول معتبر حتى يستحق هذا الوصف.

 

مسألة: خبر الواحد هل يفيد العلم أولا؟

هذه المسألة اختلف فيها الفقهاء على ثلاثة أقوال:

القول الأول: إن خبر الآحاد يفيد الظن مطلقاً، وهو قول الجمهور[22].

 

القول الثاني: إن خبر الآحاد يفيد العلم إذا كان صحيحاً، وهو رواية عن الإمام أحمد رحمه الله، وقول داود وحسين الكرابيسي، وابن خويز منداد[23].

 

القول الثالث: إن خبر الآحاد يفيد العلم إذا احتفت به قرينة، وهو قول كثير من المحققين؛ كالإمام الغزالي، وابن القيم، وابن حجر رحم الله الجميع[24].

 

وقول الإمام ابن خويز منداد في المسألة كما رأيت لم يخرج هذه المرة أيضا عن الأقوال التي تحكى فيها، فوصفه برداءة النظر بناء عليه غير سديد البتة في رأيي ما دام اختياره مبنيا على الدليل.

 

وقد توصل الدكتور عبد العزيز صبحي إلى أن الإمام ابن خويز منداد رحمه الله تعالى يوافق جمهور الأصوليين في أكثر المسائل الأصولية، وأن المسائل التي خالف فيها الجمهور وافقه في كل مسألة منها بعض الأصوليين[25].

 

فإذا كان القاضي عياض يعتبر خلاف ابن خويز منداد لمشهور المذهب المالكي ضعفا في الفقه والاجتهاد، فإن الإمام السيوطي يعد ذلك من شأن المجتهدين[26].

 

ويعتبر الدكتور محمد العلمي ابن خويز منداد من كبار خلافيي مالكية العراق وأصولييهم، ومن عظماء النظار الخلافيين وأئمة الحجاج المذهبي، بل ذهب إلى أبعد من ذلك حيث عدّه عمدة في النقل الأصولي للمذهب المالكي[27].

 

وينبغي الإشارة هنا إلى أن هنالك ثلاث أطروحات حول الإمام ابن خويز منداد رحمه الله تعالى:

الأولى: آراؤه في الأصول، للدكتور عبد العزيز صبحي في جامعة أم القرى.

الثانية: أقواله في التفسير، لسمية السلطان في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.

الثالثة: تفسير ابن خويز منداد، للدكتور عبد القادر محجوبي في ظهر المهراز بفاس.

 

فإن الباحثين الثلاثة توصلوا في أطروحاتهم إلى أن الإمام ابن خويز منداد رحمه الله تعالى إمام جليل في الفنون الثلاثة التي صنف فيها، ويؤيد ما ذهبوا إليه أن مؤلفاته كانت مصدرا مهمّاً للذين جاءوا بعده؛ فإن كتابه في أصول الفقه كان من مصادر العلامة الزركشي في كتابه بحر المحيط، وقد ذكر أنه رجع إليه بالواسطة[28]، أما كتابه أحكام القرآن فقد كان مصدرا للإمام القرطبي في تفسيره، والسيوطي في كتابه الإتقان في علوم القرآن[29]، كذلك فإن الإمام ابن بشير صاحب التنبيه جعل من مصادر مصنفه (التنبيه) كتابي ابن خويز منداد في التفسير والفقه، ذكره الدكتور محمد بلحسان في تحقيقه لكتاب التنبيه قسم العبادات[30].

 

ومما سبق نقله يتضح أن الإمام ابن خويز منداد كان ذا شخصية علمية متمتعة بحرية الفكر والشجاعة العلمية، واختيار ما تراه راجحا في المسائل التي تطْرقها دون التفات إلى موافقة مذهبه الذي ينتمي إليه أو مخالفته، ولذا صدق الإمام السيوطي رحمه الله حين وصف هذا المسلك الذي سلكه ابن خويز منداد بأنه مسلك المجتهدين.

 

الشذوذ عن مذهب مالك:

مما طُعِن به الإمام ابن خويز منداد رحمه الله تعالى أن عنده شواذا عن الإمام مالك رحمه الله تعالى؛ ما جعل القاضي عياض رحمه الله تعالى يصفه بأنه لم يكن بالجيد النظر ولا بالقوي الفقه، ثم سرد المسائل التي سبق ذكر بعضها للتدليل على ذلك.

 

ويمكن أن يناقش هذا القول: بأن هذا الشذوذ شذوذ مقيد[31]، وبعبارة أخرى فهو شذوذ مذهبي لا يعدو أن تكون مخالفةٌ لمشهور المذهب الذي ينتمي إليه المخالف، وليس شذوذا مطلقا لم يقل به أحد من علماء الأمة، بل قد يكون هذا القول المحكوم عليه بالشذوذ داخل مذهبٍ ما رأيا راجحا في مذاهب أخرى.

ويمكن أن يمثل لذلك بمسألة ارتفاع الحدث بالتيمم.

 

فالمشهور عند المالكية أن التيمم مبيح للعبادة لا رافع، والشاذ أنه رافع للحدث، وهذا هو مذهب السادة الحنفية وبعض الأئمة كما سبق نقله، وقول الإمام ابن خويز منداد.

 

والمسألة كما رأيتَ اجتهادية، كما أن الشذوذ في مثلها نسبي، علاوة على ذلك أن هذا النوع من الشذوذ كثير في المدراس الفقهية الحية، فلم يسلم مذهب من المذاهب المعتبرة من عالمٍ يشذ عن مشهور المذهب الذي ينتسب إليه.

 

ومما تقدم تقريره يتبين للباحث أن الإمام ابن خويز منداد لا يستحق أن يوصف برداءة النظر والضعف في الفقه؛ لأنه خالف مشهور المذهب المالكي، فلو كان كل من خالف مشهور مذهبه ينعت بضعف النظر في الفقه لما بقي للمذاهب فقيه قوي أو مجتهد جيد النظر، والأَوْلى في مثل هذه المسائل أن يقال بأنه شذ عن أصول المذهب ويقتصر على ذلك دون وسمه ما يوهم انتقاص قدره ومكانته العلمية.

 

طعن الإمام أبي عمر ابن عبد البر في ابن خويز منداد:

نقل الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى طعن الإمام ابن عبد البر رحمه الله في ابن خويز منداد دون أن يبين وجه الطعن ويفسره حتى يعلم، وقد دفعني هذا النقل عن ابن عبد البر إلى البحث عن ذلك في كتبه: الاستذكار والتمهيد والكافي، إلا أني لم أعثر على ما قاله الحافظ ابن حجر رحمه الله، اللهم إلا أمورا لا تعدو أن تكون نقاشا لبعض آرائه الفقهية التي اختارها في المذهب المالكي، والحق أن مثل هذه المناقشة العلمية أمر طبيعي يفعله المحققون مع أي أحد في كتب الخلاف العالي. وقد توصل الدكتور عبد العزيز صبحي بعد الوقوف على بعض أقوال ابن عبد البر في ابن خويز منداد إلى النتيجة نفسِها التي سبق ذكرها[32].

 

الخاتمة:

يمكن تلخيص ما سبق التطرق إليه في هذا البحيث في النقاط التالية:

• أن الإمام ابن خويز منداد رحمه الله تعالى عاش في القرن الرابع الهجري.

 

• أن الإمام ابن خويز منداد من كبار المالكية العراقين الذين لهم دور كبير في خدمة المذهب المالكي كما ذهب إليه كثير من العلماء الذين ترجموا له، أو الباحثين الذين تعرضوا لدراسة آرائه في التفسير والفقه وأصوله.

 

• أن اعتبار الإمام ابن خويز منداد رحمه الله شخصية غير ذي بال في الفقه وأصوله لا يخلو من مبالغة، كما لا يعدو ذلك أن يكون وجهة نظر قابل للنقاش العلمي.

 

• أن مؤلفاته التي خلَّفها كانت مصدراً مهما للعلماء في مصنفاتهم داخل المذهب المالكي وخارجه.

 

• أن الشذوذ الذي رُمي به الإمام ابن خويز في كثير من المسائل يعد من الشذوذ المذهبي الذي قد يكون راجحا في بقية المذاهب.

 

وصلى الله على نبينا محمد الأمين، وعلى آله الطيبين، وصحبانه الغر الميامين.



[1] محمد جالو، سنغالي الجنسية، مرحلة الدكتوراه: قسم الفقه، الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة.

[2] انظر: الديباج المذهب، لابن فرحون (1/ 229)، شجرة النور الزكية لمخلوف (1/ 154).

[3] انظر: آراء ابن خويز منداد الأصولية، لصبحي (ص: 40-44).

[4] انظر: ترتيب المدارك، لعياض (7/ 77)، الديباج المذهب، لابن فرحون (1/ 229)، آراء ابن خويز منداد الأصولية، لصبحي (ص:34 - 39).

[5] انظر: تاريخ الإسلام، للذهبي (8/ 679)، المستوعب لتاريخ الخلاف العالي ومناهجه عند المالكية، للعَلَمي (1/ 283).

[6] انظر: ترتيب المدارك، للقاضي عياض (7/ 78).

[7] المصدر السابق.

[8] انظر: لسان الميزان، لابن حجر (5/ 292)، آراء ابن خويز منداد الأصولية (ص:58).

[9] انظر: تاريخ الإسلام، للذهبي (8/ 680)، شجرة النور الزكية لمخلوف (1/ 154).

[10] انظر: الجامع لأحكام القرآن، للقرطبي (12/ 229).

[11] انظر: حاشية البناني على شرح المحَّلى (1/ 254)، الآراء الأصولية لابن خويز منداد، لصبحي (ص:53).

[12] انظر: الابتهاج في أحاديث المعراج، لابن دحية (ص:78).

[13] انظر: الفصل في الملل والنحل، لابن حزم (1/ 71).

[14] انظر: ترتيب المدارك، للقاضي عياض (1/ 21).

[15] انظر: آراء ابن خويز منداد، لصبحي (ص:59).

[16] ترتيب المدارك، للقاضي عياض (1/ 21).

[17] انظر: آراء ابن خويز منداد الأصولية، لصبحي (ص:59).

[18] انظر: الفكر السامي، للحجوي (ص:468).

[19] انظر: بداية المجتهد، لابن رشد تحقيق الزاحم (ص: 445).

[20] المصدر السابق (ص:446).

[21] انظر: بداية المجتهد، لابن رشد تحقيق الزاحم (ص: 445).

[22] انظر: تحقيق الرغبة، للخضير (ص:54).

[23] المصدر السابق (ص:54)، الابتهاج في أحاديث المعراج، لابن دحية (ص:78).

[24] تحقيق الرغبة، للخضير (ص:55).

[25] انظر: آراء ابن خويز منداد الأصولية، لصبحي (ص: 60).

[26] انظر: كتاب الرد على من أخلد إلى الأرض (ص:99).

[27] انظر: المستوعب لتاريخ الخلاف العالي، للعلمي (1/ 284).

[28] انظر: البحر المحيط، للزركشي (1/ 15).

[29] انظر: الإتقان في علوم القرآن، للسيوطي (1/ 33).

[30] انظر: مقدمة تحقيق كتاب التنبيه لابن بشير، لبلحسان (1/ 189).

[31] انظر: بحوث في الفقه المالكي، لقطب الريسوني (ص:160).

[32] انظر: آراء ابن خويز منداد الأصولية (ص: 58 - 59).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • صدر حديثاً (تفسير ابن خويز منداد المالكي) جمعه ودرسه: الدكتور عبدالقادر محجوبي

مختارات من الشبكة

  • مكانة النبي صلى الله عليه وسلم ومكانة أتباعه في شعر الشاعر الدكتور عبدالرحمن العشماوي(مقالة - حضارة الكلمة)
  • من سلسلة أحاديث رمضان حديث: يا معشر قريش، احفظوني في أصحابي وأبنائهم وأبناء أبنائهم(مقالة - ملفات خاصة)
  • ابن النجار وابنه تقي الدين ابن النجار(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • ابن بطة الأب وابن بطة الابن(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • من تراجم المنشئين: الخوارزمي - ابن العميد - ابن عبد ربه - ابن المعتز - الجاحظ - الحسن بن وهب(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • الأثبات في مخطوطات الأئمة: شيخ الإسلام ابن تيمية والعلامة ابن القيم والحافظ ابن رجب (PDF)(كتاب - موقع د. علي بن عبدالعزيز الشبل)
  • الأثبات في مخطوطات الأئمة: شيخ الإسلام ابن تيمية والعلامة ابن القيم والحافظ ابن رجب (WORD)(كتاب - موقع د. علي بن عبدالعزيز الشبل)
  • علو مكانة الصحابة وفضائلهم في تفسير ابن كثير (WORD)(كتاب - آفاق الشريعة)
  • تفسير القرآن العظيم ( لابن كثير ) مكانته وأهميته(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مكانة الإمام البخاري العلمية وشهادة العلماء له(مقالة - ثقافة ومعرفة)

 


تعليقات الزوار
2- شكر
أحمد سعيد - السنغال 20-09-2020 10:32 AM

مقال قيم
جزاك الله خيرا أخي الكريم

1- شكر
عبدربه الطالبي - Morocco 14-09-2020 03:38 AM

بارك الله فيكم، حقيقة هذا الطرح يغني عن مؤلفات.. طرح بديع أفادني كثيرا فجزاكم الله خيرا

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 0:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب