• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | الثقافة الإعلامية   التاريخ والتراجم   فكر   إدارة واقتصاد   طب وعلوم ومعلوماتية   عالم الكتب   ثقافة عامة وأرشيف   تقارير وحوارات   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    العلم والمعرفة في الإسلام: واجب ديني وأثر حضاري
    محمد أبو عطية
  •  
    حول مصنفات وآثار الإمام ابن جرير الطبري (10) الرد ...
    محمد تبركان
  •  
    تفيئة الاستشراق
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    الطعن في الأحاديث النبوية سندا ومتنا
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
  •  
    طرق فعالة للاستفادة من وسائل التواصل الاجتماعي
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    حول مصنفات وآثار الإمام ابن جرير الطبري (9) بسيط ...
    محمد تبركان
  •  
    تهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني طبعة دار البر ...
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    التحقيق في ملحمة الصديق (7) دلالات وعبر
    محمد صادق عبدالعال
  •  
    بين العبادة والعدالة: المفارقة البلاغية والتأثير ...
    عبد النور الرايس
  •  
    الثقة بالاستشراق
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    الطعن في شخصية النبي صلى الله عليه وسلم
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
  •  
    المجموع في شعر علماء هجر من القرن الثاني عشر إلى ...
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    المصحف المرتل بروايات أخر غير رواية حفص عن عاصم
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    موقف أبي موسى الأشعري مع جندي من جنوده
    الشيخ عبدالعزيز السلمان
  •  
    النقد العلمي
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    المصحف المرتل وفق رواية حفص عن عاصم الكوفي بصوت ...
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
شبكة الألوكة / ثقافة ومعرفة / فكر
علامة باركود

كون النبي محمد صلى الله عليه وسلم المثل الأعلى (نموذج أخلاقي/ فلسفي)

كون النبي محمد صلى الله عليه وسلم المثل الأعلى (نموذج أخلاقي/ فلسفي)
وليد بن عبدالعظيم آل سنو

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 27/8/2017 ميلادي - 4/12/1438 هجري

الزيارات: 19754

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

كون النبي محمد صلى الله عليه وسلم المثل الأعلى

(نموذج أخلاقي/ فلسفي)


دراسة علم الأخلاق والفلسفة، ودراسات النفس والسيكولوجية، والعلوم الإنسانية، وحتى العلوم التجريبية أو التطبيقية - وقفت كلُّها حائرةً حول اختيار شخصية واحدة تاريخية تصلح لأن تكون قدوةً في جميع مراحل الحياة.

ولأن المعايير تختلف، وكذلك الإنجازات والعبقريات، فيجب علينا معرفةُ ما هي الأسس الأخلاقية؟ وهل هي متعالية ومتعلقة بقيم ومعايير خارجية، أم منغرسة في صميم الوجود الإنساني؟!

 

فمن تعاريف الأخلاق أنها تعني مجموع قواعد الفعل والقِيم التي تَعمل معاييرَ داخلَ مجتمعٍ ما، أو هي نظرية الغايات المرتبطة بالفعل الإنساني... وبناءً على ذلك فلن تجد فردًا واحدًا يتمثَّل هذه المعايير والأسس؛ لأن "المعايير الأخلاقية إنما هي عناصر من الوعي الأخلاقي مترسخ في الوعي الاجتماعي، والوعي الفردي أيضًا"[1].

 

وليس في وسع الأخلاقي ولا الفيلسوف أن يرسم مثلًا أعلى دقيقًا يوافق كل إنسان وكل أُمَّة؛ فالمثل الذي يتَّفِق مع غرائز إنسان ودرجة عقله من الرقي والبيئة التي تحيط به، ربما لا يوافق الآخر، وكل ما يستطيع فعله الأخلاقي والفيلسوف رسم صورة عامة اقتصر في رسمها على ما يوافق سواد الناس[2].

 

ومن منطلق أن النبيَّ محمد صلى الله عليه وسلم شخصية عالمية، وليست محليةً متعلِّقةً بحبِّنا له فقط، دارت حوله دراساتٌ شتى غربية مقارنة إياه ببقية الأنبياء السابقين وعظماء الرجال، لا مِن منطلق شرعي، ولكن من منطلق تجريدي نفسي/ علمي... وهي ما نطلق عليه دراسات مجرَّدة محايدة[3]، فقد اختارته هذه الدراسات شخصيةً فريدة، ومَثَلًا أعلى للإنسانية، ومن خلال دراسة سيرة النبي صلى الله عليه وسلم نعرف - نحن أتباعَه - معنى الكمال الإنساني، وتوقفنا على الخُلُق العظيم، ولا سيما أن معرفة الكمال متعة، والتَّخلُّق به جمال وإثراء للمثالية، والإنسان بطبعه يتطلَّع إلى المَثَل الأعلى، ويحرِص على بلوغ الكمال؛ لذلك كانت سيرته صلى الله عليه وسلم هي المعنى الفعلي لمكارم الأخلاق، وأخلاقه أسمى ما يتمنى البشر.

 

ولكن يظلُّ البحث عن المثل الأعلى بحثًا أخلاقيًّا فلسفيًّا يستدعي العقل، ويَستفز المنطق والوجدان في آنٍ ... فجَعْل المثل الأعلى مستقرًّا تمامًا في بوتقةِ فرد واحد، أمرٌ غير منطقي؛ لأنه يستحيل عقلًا؛ إذ الكمال المطلق لله وحده، فلا بد أن يكون هو المثل الأعلى سبحانه، ولأن ذلك محال شرعًا؛ لأنه يصعب الاقتداء به نموذجًا أخلاقيًّا شرعيًّا، أو حتى فلسفيًّا... فكان لا بد للكمال المطلق (الله) أن يخلق إنسانًا يكن هو المثل الأعلى لنا في كل شيء، دون الوصول إلى الكمال المطلق (العصمة)، فقوله سبحانه: ﴿ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾ [الروم: 27]؛ أي: الوصف الأعلى من كل الوجوه.

 

قال ابن القيم في كتابه الصواعق المرسلة: "يستحيل أن يشترك في المثَل الأعلى اثنان؛ لأنهما إن تكافئا لم يكن أحدُهما أعلى من الآخَر، وإن لم يتكافئا فالموصوف بالمثل الأعلى أحدهما وحده، يستحيل أن يكون لمن له المثل الأعلى مثلٌ أو نظيرٌ.

وكلام السلف في تفسير المثل الأعلى غيرُ مخالِف لما ذكره علماءُ اللغة من معنى المثل؛ فإن الله تعالى هو الإله المتفرِّد بصفات الكمال المستحق لأن يُعبد وحده لا شريك له، فكونه الإله الحق يتضمَّن اتصافه بصفات الكمال، واستحقاقه أعظمَ الحقوق، كما يقتضي أنه ليس كمِثْله شيء.

 

ونطرح الآن هذه الأسئلة:

من هو مثلك الأعلى؟ وهل مثلك الأعلى الآن هو الشخص نفسه الذي كنت تتخذه قدوة في صغرك، أو في مراحل عمرك السابقة؟

هل نضوجك واتصالك بالمجتمع، واتساع نظرك في الحياة، وكِبر عقله وتغيُّر ميولك وانتماءاتك، هي التي ستحدِّد على أساسها مثلك الأعلى الآن؟ أم أنك في كل مرحلة من مراحل حياتك تختلف اختياراتك مع نمو شخصيتك، واكتمال المدارك ووضوحها في فكرك، ومراحل نمو عقلك؟

 

وهل خروجك إلى معترك الحياة وتلك التجارب التي مرَّت وتُمر بك في عملك، وتبادل الأخذ والعطاء مع الناس، قادرة على أن تحدِّد غايتك في الحياة، وتوضح مثلك الأعلى؟

ومن هو الإنسان الكامل الذي تسعى لأن تتمثَّله يومًا ما وللأبد؟ وهل ستستمر في البحث حتى يكمل وتتم أجزاؤه في مُخيلتك؟

 

يقول الأستاذ أحمد أمين: "تختلف المثل العُليا عند الناس اختلافًا يكاد يكون بعدد رؤوسهم... والإنسان الواحد يختلف مثله من حين لآخر، والأمَّة الواحدة تختلف مثلها كلما تدرَّجت في معارج الرُّقي، وليست الصعوبةُ أن يجدَ الإنسان أو الأمة مثلًا أعلى؛ فالمُثُل كثيرة لا عداد لها، وإنما الصعوبة اختيارُ أحسنها وأنسبها!

 

ويكاد يكون لكل إنسان مَثَلٌ أعلى، ولكن لا يشعُر به مَن أين أتاه، وسبب ذلك أن المَثَل يتكوَّن مع الإنسان في نشأته، ويَنمو بنموِّه، فلم يكن شيئًا جديدًا منفصلًا عنه حتى يَشعر به، ويعرف متى أتاه، ومَن أين جاءه"[4].

ومن تمام المَثَل الأعلى أن يحوز الفضائلَ كلَّها، والفضيلة هي جماع الخُلُق الطيِّب، وقد جمع أفلاطون أصولَ الفضائل في أربعةٍ: الحكمةِ والشجاعة والعفةِ والعدل.

 

وقال سقراط: لا فضيلة إلا المعرفة.

والناظر في هذه الأقوال يدرك أن النبي صلى الله عليه وسلم قد جمع تلك الفضائل كلَّها... ولذلك كان طلبُه الوحيدُ المباشر لنفسه من الله هو: ﴿ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا ﴾ [طه: 114]؛ لأن العلم أُسُس وقواعد تُبنى عليها المعرفة، وكذلك للأخلاق ارتكاز على المعرفة.

 

وعند تأمُّل حياةِ النبيِّ محمد صلى الله عليه وسلم نجد أن أخلاقياتِه ثابتةٌ ناتجة عن تأصيل حقيقيٍّ لها، لا أنه عاش وهمًا أخلاقيًّا مصطنعًا، وهو الذي ينجم عنه ابتداع القيم الأخلاقية؛ كأميَّة بن أبي الصلت على سبيل المثال في تشوُّفه للرسالة؛ يقول الإمام أبو محمد بن حزم رحمه الله: "منفعة العلم في استعمال الفضائل عظيمة، وهو أنه يُعلِّم حُسنَ الفضائل فيأتيها - ولو في النُّدرة - ويُعلِّم قبح الرذائل فيَجتنبها - ولو في النُّدرة - ويُسمع الثناءَ الحسن، فيرغب في مثله، والثناء الرديء فينفر منه، فعلى هذه المقدِّمات يجب أن يكون للعلم حصةٌ في كل فضيلة، وللجهل حصة في كل رذيلة"[5].

 

والمَثَل الأعلى يجب أن يكون طهورًا في ذاته؛ لذلك كانت الرسالة طهورًا في ذاتها، وكلمة (طهورًا)؛ أي: كامل الخلق ... وكما أن هناك ربطًا مباشرًا بين الماء الطهور وإحياء الأرض الميتة واستمرار الحياة، نجد أن هناك ربطًا مباشرًا بين الرسول والرسالة والروح التي بها استمرارية حياة القلوب، ولذلك كان الوصول إلى مثل أعلى أخلاقي معين من خلال اتباع جميع الفضائل الأخلاقية الأساسية، وجعلها في بوتقة واحدة؛ كي تصل بالفرد إلى المثال الأخلاقي السامي - يتطلب معرفة مَن هو الإنسان الفريد الذي يُحتذى به، وهذا هو معنى أن يطوِّر الإنسان المبدأ الرباني في نفسه (أصل الفطرة والخلقة)؛ يقول البروفسور ألكسندر تيتارينكو: "قدرة المرء على أن يكون دائمًا على حقيقته باتباع صوت الضمير الداخلي - ثابتٌ اجتماعي داخلي يفرض على الإنسان واجبات ضرورية"[6].

فالإنسان - كائنًا طبيعيًّا - هو الذي يضع المعايير المنظِّمة لسلوكه بفضل ملكة العقل التي حباها الله إياه.

 

وللمَثَل الأعلى تأثير في النفوس، فهو دائم الشخوص أمام نظر الإنسان؛ يجذبه نحوه ويدعوه لأن يحقِّقه، وإن أعمال الإنسان وطريقته في الحياة تدلُّ على مَثَله الأعلى - من هو - وكل المؤثِّرات في الأخلاق من بيئة ومنزل وتعليمٍ، إنما تصلح الإنسان بواسطة إصلاح المثل الأعلى، أما المؤثِّر الوحيد مباشرة فهو ذلك "المثل"، ومن تمام المثل الأعلى أن يكون أكمل وأتمَّ وأفضل أحواله العبودية...

 

والعقل وحده غيرُ قادر على إدراك المَثَل الأعلى إلا إذا كانت هناك تجربة حيَّة عاشها أو سمع عنها... ويصعب تفهُّم هذا الأمر دون رسالةٍ أو وحي، وبغير ذلك يحتاج الإنسان الذي يبحث عن المَثَل الأعلى أن يقوم بعملية "فرز لِبِنْية الوعي الأخلاقي المشتركة بين أبناء مختلف العهود والمجتمعات، (وهذا في حكم المحال)... ولكن لا غنى له عن تجريد[7] بنية الوعي الأخلاقي العامة، وإلا فإن الأخلاق تنقسم إلى مراحلَ لا رابطة بينها، واستحال فَهْم تطوُّر الأخلاق بوصفها ظاهرة من طراز واحد تتعاقب وتستمرُّ رغم تبدُّل الأشكال الأصيلة نوعيًّا، ولكن لا يُمكن فرز هذه البنية المشتركة إلا بالاعتماد على تحليل أنظمة الأخلاق ذات المضمون التاريخي"[8].

 

ونحن إذا تأمَّلنا هذا المضمون التاريخي للأشخاص، نجد إشاراتٍ وملامحَ كثيرةً لهذا المثل الأعلى، مقترنة كلها بالرسالة والرسول، والذي يتدبَّر في اسم محمد الوارد في القرآن دومًا تجده مقترنًا بالرسالة، وإني أعتقد - والله أعلم - أن سبب ذلك أن الرسالة الخاتمة كاملة كمالًا مطلقًا، وطاهرة مطهَّرة؛ لأنها من الله الكامل المطلق، فكان لا بد أن يكون حامل الرسالة محمد صلى الله عليه وسلم شخصًا معصومًا مطلقًا، وهذا هو المثل الأعلى؛ قال تعالى: ﴿ وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ ﴾ [آل عمران: 144]، وقال تعالى: ﴿ مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 40]، وقال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ ﴾ [محمد: 2]، وقال تعالى: ﴿ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ ﴾ [الفتح: 29].

 

والذي يؤمن بأن محمدًا رسول الله، يحب هذا المثل الأعلى للأنبياء، بل للإنسانية جمعاء، ومن حُبِّه له اقتفاءُ أثرِه، والتأسِّي به وبخُلُقه، وبذاك نحقِّق سعادةَ الدنيا والآخرة، وهو الهدف من الوجود في هذه الحياة... وسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم هي المثل الأعلى للإنسان الكامل في جميع الجوانب.

 

يقول الأستاذ أحمد أمين: "إنا نرى الحيوانات تعيش على نمطٍ واحد، ليست في رقيٍّ مستمرٍّ، فكان النحل يبني خلاياه على أشكال سداسية كما يَبنيها الآن، أما الإنسان فدائم الرقي، هو اليوم غيره في القرن الماضي، بل غيره بالأمس، لأن أمامه - مثلًا أعلى - يَجدُّ في الوصول إليه، وكلما قرب منه سبقه المثل.

ويجب أن يكون لكلِّ إنسان مثلًا أعلى يسعى لتحقيقه ويوجِّه أعمالَه للوصول إليه؛ لأن الإنسان تحيط به قوى مختلفة - شهوات تتجاذبه، وصعوبات تعترضه، ومؤثِّرات متباينة - فإن لم يحدِّد غرضَه، ويعيِّن مثله الأعلى تقاسمتْه هذه القوى، واضطربت مسالكه.

 

وكل الذي نستطيع أن نقوله: إنه ينبغي أن يكون المثل الأعلى للشخص صورةً كاملةً تمثِّل خير إنسان يستطيع الشخص أن يكونه في كل شأن من شؤون حياته، ففي عمله مثله أن يكون أحسن ما يستطيع مِن جِدٍّ وأمانة وإتقان ومهارة، وفي سياسته لنفسه مثله أن يكون ضابطًا لنفسه، يعمل بإرشاد عقله، وفي معاملته للناس مثله أن يعاملهم كما يحبُّ أن يُعامَل، وأن يحب الخير لهم كما يحبُّه لنفسه"[9].

 

ولا بد أن ندرك أن جذور الأزمة الأخلاقية الموجودة لدى عامة الناس، إنما منشؤها افتقاد المثل الأعلى في حياتنا، أو تغيبه من الوعي بقصد أو دون قصد، فالنزعة الأخلاقية تدين الانفعالات والأهواء الإنسانية، في حين أن مسعى الإتيقا[10] هو بلوغ الكمال الإنسانيِّ، علمًا بأن هذا الأخير ليس مثالًا مجرَّدًا ومتعاليًا على الفرد؛ لأن الأخلاق عبارة عن مبادئ للتطوُّر الداخلي يحقِّق الفرد بواسطتها وجوده...

 

"فإن القيم الأخلاقية تقوم بدور أدلة للسلوك في المجتمع، فهي تلك النيران الإشارية التي تتيح للإنسان أن يتصرَّف بالنحو الواجب في الأحوال اليومية المتكرِّرة، وحين تتصادم القيم متطلبة في الوقت نفسِه من الفرد تصرُّفات متضادَّة، يَنشَب نزاعٌ أخلاقي، وفي هذه الحال يتحمَّل المرءُ المسؤوليةَ عن اختياره الأخلاقي"[11].

 

يقول البروفسور ألكسندر تيتارينكو: "ومغزى القيم الأخلاقيَّة يتلخَّص في توجيه الإنسان إلى إدراك الله"[12]، "وكما أن المثل عرضة للكمال والاتساع، كذلك هو عرضة للنقص والضيق... وفي ضيق المثل خطر عظيم؛ فالمثل هو الذي يبعث في الإنسان رُوح العمل، ويزيد في نشاطه وقوته، وهو الذي يصحِّح حُكْمه على الأشياء، فالإنسان عادة عند الحكم على شيء أو نقده، يقيسه بمثله، ثم يحكم بالخطأ أو الصواب، وبالخير أو الشرِّ، فإذا تحدَّد المثل وضاق، قلَّ نشاطه وساء حكمُه، وعلى العكس من ذلك إذا ترقَّى مثله[13]؛ لذلك كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم هو المعصوم، وهو المثل الأعلى الذي يجب الأخذ عنه والاقتداء به؛ لأنه في مُجمل الأمر غيرُ قابل للنقص والضيق، وحاشاه.



[1] علم الأخلاق، البروفسور/ ألكسندر تيتارينكو، دار التقدم - موسكو، ط1/ 1990م، ص ص167.

[2] كتاب الأخلاق، أحمد أمين، وزارة الثقافة والرياضة، قطر (كتاب مجلة الدوحة، عدد - 75، أغسطس 2017م)، ص76.

[3] من ضمن هذه الأبحاث والكتب: كتاب الخالدون المائة: تأليف مايكل هارت، وهو عبارة عن قائمة احتوت على أسماء مائة شخص رتَّبهم الكاتب حسب معايير معينة بمدى تأثيرهم في التاريخ، وجاء على رأس القائمة اسم النبي محمد، واسما النبيين عيسى وموسى، كما ضمت أسماء مؤسسي الديانات، ومبتكري أبرز الاختراعات التي غيَّرت مسار التاريخ؛ مثل: مخترع الطائرة أو آلة الطباعة، وأيضًا قادة الفكر وغيرهم.

[4] كتاب الأخلاق، أحمد أمين، مصدر سابق: ص 75 - 77، بتصرف.

[5] الأخلاق والسير؛ للإمام أبي محمد علي بن أحمد بن حزم، تحقيق: إيفا رياض، طبعة دار ابن حزم، بيروت، ط1/ 2000م، علق عليه عبدالحق التركماني، ص92 - 93.

[6] علم الأخلاق، تيتارينكو، مصدر سابق: ص 141.

[7] التجريد: هو فحص مُتناهي الدِّقَّة لاستخراج معلومات مهمَّة ومُفيدة.

[8] علم الأخلاق، مصدر سابق: ص167، بتصرف طفيف وزيادة.

[9] كتاب الأخلاق، مصدر سابق: ص 74 - 76، بتصرف.

[10] الاتيقا هي: جملة القواعد المحدَّدة والمؤطرة للسلوك الإنساني، وتهتم بسعادة الإنسان وكيفية بلوغها، كما تُعنى بالجانب النظري من الأخلاق؛ مثل: طرق التفكير في العادات والسلوكيات الخيِّرة التي يجب تصريفها لجعل العالم قابلًا للتعايش بين الناس.

[11] علم الأخلاق، تيتارينكو، مصدر سابق: ص 160.

[12] علم الأخلاق، تيتارينكو، مصدر سابق: ص464.

[13] كتاب الأخلاق، مصدر سابق: ص 77 - 78.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • وإنك لعلى خلق عظيم (1)
  • السيرة من خلال {وإنك لعلى خلق عظيم} (قصيدة)
  • وإنك لعلى خلق عظيم ( خطبة )
  • إنا كفيناك المستهزئين (خطبة)

مختارات من الشبكة

  • الملحد ودعوى أن قوانين الكون قد أنشأت الكون(مقالة - آفاق الشريعة)
  • اختصاص النبي صلى الله عليه وسلم بكونه خاتم النبيين(مقالة - آفاق الشريعة)
  • علاقة النبي صلى الله عليه وسلم بالكون(مادة مرئية - مكتبة الألوكة)
  • كون النبي صلى الله عليه وسلم أميا(مقالة - ملفات خاصة)
  • فتق الرتق(مقالة - موقع د. حسني حمدان الدسوقي حمامة)
  • الدلائل العلمية .. آيات في الكون عند النبي(مقالة - ملفات خاصة)
  • النبي معلما (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الوجيز في نشأة الكون ونهايته بين النظريات العلمية والقرآن (1)(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • مفاتح التأريخ الكوني في القرآن(مقالة - موقع د. حسني حمدان الدسوقي حمامة)
  • هل لهذا الكون من خالق؟(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 16:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب