شؤون بحثية وشجون تراثية (3)

شؤون بحثية وشجون تراثية (3)

1-خطأ في نسبة قول:

جاء في "الأعلام" للزركلي في ترجمة الأديب يحيى بن أحمد بن عمر بن يوسف، الشَّرَف التنوخي الحموي الأصل، الكركي القاهري الشافعي، المعروف بابن العطّار (ت: 853هـ):

"وقال السخاوي: رثيتُه بقصيدة فائية هي في ديواني".

وعزا "إلى الضوء اللامع" (10 - 217 - 221).

والصوابُ أن هذا القول للبقاعي نقله السخاوي عنه، ولم يكن السخاوي شاعرًا.

♦ ♦ ♦ ♦

2-مساعدة التلميذ للأستاذ:

مِنْ أعلام القرن الثامن الشيخ شمس الدين الأصبهاني (ت: ٧٤٩)، وكان يحظى بتقدير كبير من الشيخ ابن تيمية.

ومن تلاميذه: الشيخ محمود البلغاري.

وقد عدّد (الأصبهاني) في إجازتهِ لتلميذه البلغاري هذا الكتبَ التي قرأها عليه مِنْ مؤلفاته، ثم قال:

(وأصلحتُ كثيرًا مِنْ مباحثِ هذه الكتب بمساعدتهِ...).

وهذه الإجازة جديرة بالدراسة والنشر.

♦ ♦ ♦ ♦

3-الاستدراك على النفس:

من اللطائف أنْ يَستدرك المؤلِّفُ على نفسه، ومن ذلك ما فعله العلامة ابن طولون الحنفي (ت:953هـ) فإنَّ له كتاباً سمّاهُ (المستدرك) عزاه إلى نفسه في كتابه "الفلك المشحون في أحوال محمد بن طولون"، وقال عنه:

"أشرت فيه إلى ما وضعتُه في كلِّ مؤلَّف لي، ثم اطلعتُ على ما يقتضي تغييرَه، أو تقييدَه، أو تتميمَه. كتبتُ منه قطعة صالحة، مثل أني أفردتُ المسائلَ التي يجبُ على الشافعي فيها تقليدُ أبي حنيفة، تبعتُ فيها الأكملَ وغيرَه، ثم رأيتُ مُصنَّفاً لابن العز الحنفي في الردِّ على ذلك".

♦ ♦ ♦ ♦

4-العلماء والمرأة:

هذا جانبٌ غامضٌ، ولا سيما في حياة العلماء، علماء الشريعة واللغة.

ولابد من القول: إنَّ المعلومات في هذا الجانب شحيحة، يتطلبُ البحثُ والتنقيبُ عنها صبرًا وجلدًا، وطولَ وقتٍ، وذلك لأنَّ المؤرِّخين لم يقفوا عنده، وإنما اهتموا بحياة العالم مِنْ حيثُ علمه، وتعليمه، وآثاره وهكذا، ولكن لا نعدم في أثناء كتب السير والتراجم مِنْ لفتاتٍ ولمحاتٍ، وأخبارٍ متفرقةٍ، وإشاراتٍ مبثوثةٍ هنا وهناك، وقد جمعتُ مِنْ ذلك كتابًا مُستطرفًا، هو الوجهُ الآخرُ للعلماء العُزّاب.

♦ ♦ ♦ ♦

5- وهم للمناوي:

ذكَرَ الأستاذ الدكتور ذنون العامري في ص (خ) مِنْ تقديمه لكتاب "مرآة المرؤات" للثعالبي: "كتابَ المرؤة عن عمر بن الخطاب لمحمد بن عمران البغدادي المرزبان (ت:384)".

واعتمدَ في ذكرِ هذا الكتاب على المُناوي في كتابه "فيض القدير شرح الجامع الصغير".

وأقولُ: قد سها المناوي في تعيين المرزبان الذي نقل السيوطيُّ في "الجامع الصغير" مِنْ كتابه ثلاثة أحاديث، فإنَّ المرزبان –الذي هو مصدرُ السيوطي- هو أبو بكر محمد بن خلف (انظر الجامع -مع الفيض- 3/ 64 و227).

والذي ذكره المُناوي يكنى بأبي عبدالله، وليس له كتابٌ في المرؤة.

ثم إنَّ الأحاديث الثلاثة التي أوردها السيوطيُّ من كتاب "المرؤة" موجودة في كتاب "المرؤة" لأبي بكر محمد بن خلف.

وتحديد "المرؤة" عن عمر بن الخطاب فيه نظرٌ؛ فالكتاب ليس كله عن عمر، وانما روى السيوطيُّ عنه الحديثَ المنقول في (3/ 64) لا غير.

هذا، وقد تحرَّف كتابُ "المرؤة" على المُناوي فقال في "فيض القدير" (3/ 229) وفي "التيسير" (1/ 443): "في معجمه".

والصواب: "في المرؤة".

والله تعالى أعلم.

♦ ♦ ♦ ♦

6-طول العمر:

يقولُ ستيرن -رئيس بعثة نيوهويزونز (New Horizons mission)، التي انطلقتْ في رحلتها التاريخية إلى بلوتو خلال العام 2015م-:

"أكثر الأشياء التي أتحمَّس لتحقيقِها هي تمديدُ الحياة، لأنه عندما يتمكن البشرُ من العيش لضعفي العُمر الحالي، أو ثلاثة أضعافه، فقد يتمكنون مِنْ تغيير مجتمعِنا بشتى الطرق".

وأشار إلى الطرق التي يغيّرُ فيها تمديدُ الحياة تفكيرنا وأسلوبَ عيشنا قائلاً:

"إنها تجعلُنا مهتمين بالبيئة؛ لأننا سنعيش فيها مدة أطول.

وسيزيدُ اهتمامُنا بالمستقبل.

وسنتجهُ إلى العمل معًا.

أعتقدُ أنَّ لإطالة العمر تأثيرًا على جميع تلك الأمور، لذلك فهي أكثر فروع العلم إثارة للاهتمام".

أقول: وفي السُّنة أحاديث ذكرَتْ ما يطوِّل العمر، وللعلماء مؤلفاتٌ في ذلك ومناقشتهِ، وهو موضوعٌ جميلٌ، تحسنُ العنايةُ به مجدَّدًا، ومن ذلك استقصاء ما ورد فيه في الكتابِ والسُّنةِ.

♦ ♦ ♦ ♦

7-قتله الحزنُ على المسلمين:

قال الحافظ الذهبي في ترجمة عطاء السلمي:

"عطاء السلمي المشهور مِنْ كبار الخائفين بالبصرة، معاصر لسليمان التيمي، أدرك زمان أنس بن مالك، وسمع من الحسن، وجعفر بن زيد، وعبدالله بن غالب.

وعنه بشر بن منصور، وصالح المري، وعبدالواحد بن زياد وغيرهم حكايات.

وقال شداد بن علي: حدثنا عبدالواحد بن زياد قال: دخلنا على عطاء السلمي وهو في الموت فرآني أتنفّس، فقال: مالكَ؟ قلت: مِنْ أجلك. قال: وددتُ أنَّ نفسي بقيتْ بين لهاتي وحنجرتي تتردَّد إلى يوم القيامة مخافةَ أنْ تخرجَ إلى النار.

وذكر خليد بن دعلج قال: كنّا عند عطاء السلمي فقيل له: إنَّ عبدالله بن علي قتل أربع مئة من أهل دمشق على دم واحد. فقال: هاه متنفسًا، ثم خرَّ ميتًا. رواها صالح بن أبي ضرار عن الوليد بن مسلم عنه. انتهى.

قلتُ: لم يُسند شيئًا، قال ابنُ عدي: هذا يعدُّ من زهاد أهل البصرة، وله كلامٌ دقيقٌ في الزهد"[1].

وحقُّ هذا وأمثاله أن تُجمَعَ أسماؤُهم وأخبارُهم، رحمهم الله.

♦ ♦ ♦ ♦

8-يراجِعُ كتابَهُ بعد موته!

قال محققُ كتاب "كشف المغطى في تبيين الصلاة الوسطى" للحافظ الدمياطي (613-705هـ) عن (النسخة المخطوطة) التي أخرجَ الكتابَ عنها ص9[2]:

"كُتِبتْ سنة (879هـ). ومِنْ توفيقِ الله لنا أنَّ النسخة التي اعتمدناها جاءتنا بعد أنْ راجعها المُصنِّفُ، وأضافَ إليها الكثيرَ في صورة حواشي وتعليقات".

أقول:

كيف يُراجِعُ الدمياطي المُتوفى سنة (705) النسخةَ التي كُتبتْ سنة (879)، أي بعد وفاته بـ (174) سنة؟!

وما الفرق بين الحواشي والتعليقات؟

وإذا رجعنا إلى الأنموذج الذي نشره -المحققُ- من المخطوطة –وهي بخط محمد بن أحمد القرشي اليونيني- انكشفَ الأمرُ إذ نجد: (حـ بخط المُصنِّف رحمه الله)، وهذا يعني وجودَ حواشٍ في الأصل -وهو نسخةٌ منقولةٌ من نسخةٍ قرئتْ على المُصنف- وقد نقلها اليونيني المذكورُ إلى نسختهِ مترحِّمًا على المُصنِّف.

♦ ♦ ♦ ♦

9-جناية الوراقين:

للورّاقين فضلٌ، ولبعضهم جنايةٌ، وأضرب مثالًا على ذلك بمحمد بن محمد أبي الفتح الحريري:

قال السخاوي: "تعاطى التجارةَ في الكتب، وصار ذا براعةٍ تامَّةٍ في معرفتِها، وخِبرةٍ زائدةٍ بخطوط العلماء والـمُصنِّفين؛ بحيث إنَّه يشتري الكتابَ بالثَّمن اليسير ممَّن لا يعلمُهُ ثمَّ يكتبُ عليه بخطِّه: إنَّه خط فلان فيروج، وقد يكون ذلك غلطًا لمشابهته له، بل وربما يتعمَّدُ لأنَّه لم يكن بعمدةٍ، حتى إنَّه ربَّما يقع له الكتابُ المخرومُ فيوالي بين أوراقه أو كراريسه بكلامٍ يزيدُه مِنْ عنده أو بتكرير تِلك الكلمة بحيث يتوهَّمه الواقفُ عليه قبل التأمُّلِ تامًّا، وقد يكون الخرمُ مِنْ آخرِ الكتابِ فيُلْحق ما يُوهِم به تمامَه"[3].

وأنا مهتمٌ بتتبُّع هذه الجنايات.

♦ ♦ ♦ ♦

10-فتاوى ابن مالك:

جاء في الجزء الرابع من "الفلك المشحون" للسيوطي (مخطوط):

"ضابط:

لا يجيء الحالُ من المضاف إليه، ويُستثنى مسائل:

الأولى: أن يعمل فيه المضاف، نحو: ﴿ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا ﴾ [يونس: 4].

الثانية: أن يكون جزؤه، نحو: ﴿ وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا ﴾ [الحجر: 47].

الثالثة: أن يكون مثل جزئه، كقوله: ﴿ ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا ﴾ [النحل: 123].

والمسألتان الأخيرتان استثناهما ابنُ مالك. وقال أبو حيان: لم يَسبق المصنِّفَ إلى ذكرهما أحدٌ. انتهى.

قلت [القائل السيوطي]: قد رأيتُهما بعد الفحص الشديد في "فتاوى ابن مالك" نقلاً عن الأخفش، فله سلف أيّ سلف، فاستفده".

أقول: ولم أجدْ هاتين المسألتين في الكتاب المطبوع باسم "فتاوى في العربية لابن مالك"[4]، وهذا يفتح الباب مجددًا للنظر في حقيقة هذا الكتاب وعنوانه، وقد ذكر المحققُ أن النسخة الخطية التي اعتمدها لم يُكتبْ عليها عنوان، فهو عنوان اجتهادي[5].