• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | الثقافة الإعلامية   التاريخ والتراجم   فكر   إدارة واقتصاد   طب وعلوم ومعلوماتية   عالم الكتب   ثقافة عامة وأرشيف   تقارير وحوارات   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    الاستشراق والقرآنيون
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
  •  
    نبذة في التاريخ الإسلامي للأطفال
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    عقيدة التوحيد، وعمل شياطين الشرك
    أ. د. فؤاد محمد موسى
  •  
    الفلسفة الاقتصادية للاستخلاف في منظور الاقتصاد ...
    د. عبدالله محمد قادر جبرائيل
  •  
    منهج شياطين الإنس في الشرك
    أ. د. فؤاد محمد موسى
  •  
    سيناء الأرض المباركة
    د. حسام العيسوي سنيد
  •  
    استراتيجيات المغرب في الماء والطاقة والفلاحة ...
    بدر شاشا
  •  
    طب الأمراض التنفسية في السنة النبوية
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    الاستشراق والمعتزلة
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
  •  
    زبدة البيان بتلخيص وتشجير أركان الإيمان لأحمد ...
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    مفهوم الصداقة في العصر الرقمي بين القرب الافتراضي ...
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    الخنساء قبل الإسلام وبعده
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    العلم والمعرفة في الإسلام: واجب ديني وأثر حضاري
    محمد أبو عطية
  •  
    حول مصنفات وآثار الإمام ابن جرير الطبري (10) الرد ...
    محمد تبركان
  •  
    تفيئة الاستشراق
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    الطعن في الأحاديث النبوية سندا ومتنا
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
شبكة الألوكة / ثقافة ومعرفة / التاريخ والتراجم / سير وتراجم / سير وتراجم وأعلام
علامة باركود

أيام الحافظ ابن حجر العسقلاني في بلاد الشام (2)

محمد بن عبدالله السريِّع

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 14/6/2017 ميلادي - 19/9/1438 هجري

الزيارات: 11612

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

أيام الحافظ ابن حجر العسقلاني في بلاد الشام (2)

 

(تعتمد هذه السلسلة الوثائقية على جمع المعلومات المتعلقة من المصادر التاريخية المختلفة، واستخراج معلوماتٍ متعلقةٍ جديدةٍ عبر التنقيب في الوثائق الأصلية، ثم تأليف ذلك في سياقةٍ سرديَّة، مدعَّمةٍ بالصور والبيانات، ومختومةٍ بعزو كل شمعلومةٍ إلى مصدرها)


(2)

مائة يوم في دمشق


آخر العَشر الوسطى من شهر رمضان المبارك، 802هـ. الجوُّ في دمشق يميل إلى الدفء عقب شتاءٍ بارد. تمدُّ دمشق يديها لضيوفها كلَّ يوم، لكنها اليومَ تفتح أحضانَها أيضًا، وصل الرَّكبُ المصري.

 

اتَّجه ابن حجر مباشرةً إلى دار صاحبه الأثير، صدر الدين علي بن محمد الأدمي، الذي عُيِّن نائبًا من نُوَّاب قاضي قضاة الحنفية قبل شهرٍ ونصف الشهر فقط، وكانت بينه وبين ابن حجر مودَّةٌ وأُلفة منذ زمن.

راسَلَه ابنُ حجر قبل خمس سنواتٍ من اليوم بقوله:

نَسِيمُكمْ يُنعِشُني والدُّجى
طال فمَن لي بمجيء الصَّباح
ويا صِباح الوجه فارَقتُكُمْ
فَشِبْتُ هَمًّا إذ فَقَدتُ الصِّباح

 

ثم اقترح عليه، يُذكي المنافسة، ويستخرج الإبداع، أن ينظم بيتين على هذا النمط، مما يُقرأ على قافيتين ووزنين من كلمة واحدة، ففعل، وجاء جوابُه إلى ابن حجر بواسطة، ثم لما لقيه أخذه منه مباشرةً:

يا مُتْهمي بالصَّبر كُن مُنجِدِي
ولا تُطِل رفضي فإني عليل
أنتَ خليلي فبِحَقِّ الهوى
كُن لِشُجُوني راحمًا يا خليل

 

لم يكد ابن حجر يستقرُّ في مُقامه الدمشقي، حتى امتضى قلمَه، واستلَّ كُرَّاسًا من أوراقه، وكتب على ركن ورقته الأولى: «كان دخولنا دمشق: 19 رمضان، سنة 802».

 

ثم كتب في ظهر الورقة نفسِها الوثيقةَ التالية:

 

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿ رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا ﴾ [الكهف: 10]

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا رسول الله. أما بعد: فالمسؤول من إحسان السَّادة المشايخ إجازة صاحبة هذا الاستدعاء: زين خاتون بنت كاتبه أحمد بن علي بن محمد بن حجر، وأبيها، وأمها أُنس بنت عبدالكريم بن أحمد بن عبدالعزيز اللخمي، وفوز بنت محمد بن عمر بن عبدالعزيز الخروبي، وعز الدين محمد بن الشيخ نجم الدين محمد بن علي بن محمد بن عقيل البالسي، وشعبان بن محمد بن محمد بن محمد بن حجر، وأم حبيبة بنت الشيخ شمس الدين محمد بن علي ابن البيطار، وأبيها، وفاطمة بنت علي بن أحمد بن علي بن يسير البالسي، وعائشة بنت أبي بكر بن أحمد بن الهليس، وأبيها، وصالح بن شيخ الإسلام أبي حفص بن أبي الفتح البلقيني، ومحمد بن علاء الدين علي بن الشيخ محمد الألواحي الحلبي، وعبدالصمد بن الشيخ شمس الدين محمد بن محمد بن أبي بكر الزركشي، وأبيه، ومحمد بن شهاب الدين أحمد بن ناصر الدين محمد بن يوسف العقبي، وأبيه، وأحمد بن عبدالقادر بن محمد بن طريف النشاوي، وأبيه، وأحمد بن الشيخ يعقوب بن أحمد بن عبدالمنعم الأطفيحي، وأبيه، وفخر الدين عثمان بن إبراهيم البرماوي، وشهاب الدين أحمد بن محمد بن الصلاح، وأخيه علي، ومحمد بن أبي المعالي يلبغا السالمي، وأبيه، ومن عاصرهم من آبائهم وأمهاتهم وإخوانهم وأخواتهم وأقاربهم حال كتابة هذا الاستدعاء في يوم السبت، العشرين من شهر رمضان، سنة اثنتين وثمانمائة، بدمشق المحروسة، حماها الله تعالى، وسائر بلاد الإسلام، آمين».

 

هكذا، جعل ابنتَه الرضيعةَ هي «صاحبة هذا الاستدعاء»، وهكذا سمَّاه: «استدعاء زين خاتون»، و«إجازة زين خاتون»، وهكذا كان الأبُ الشابُّ أحرصَ ما يكون على تنشئةِ ابنته هذه التنشئة، وإلحاقِها بكبار شيوخ الوقت ما دام ذلك بالإمكان. لم ينسَ ابنُ حجر أن يُدرج زوجتَه، وابنةَ أخته، فوز بنت محمد الخروبي، ورفيقَه وقريبَه شعبان، وبعضَ أصحابه، وجماعةً يبدو أنهم أوصوه بالاستجازة لهم ولأولادهم وهم يودِّعونه قبل شهرٍ من الآن، هناك في القاهرة.

 

أرَّخ ابنُ حجر استدعاءَه بيوم السبت، العشرين من رمضان، مع أن ذلك السبت كان يوافق التاسعَ عشر هنا في دمشق، ولعله كان لقُرب وصوله لم يضبط دخولَ الشهر فيها، وهذا قد يفيد أن تأريخَه لدخولهم دمشق هو الآخرُ متأخرٌ يومًا واحدًا.

 

يحتاج ابنُ حجر الآن أن يُمضيَ هذا الاستدعاءَ إلى مشايخ دمشق، ليكتبوا عليه إجازاتِهم، ولكنَّه مشغولٌ بما جاء لأجله، قراءة الحديث وسماعه وكتابته، إلا أن ثمة خبيرًا يقوم بهذه المهمة خيرَ قيام، الصديق الأعز خليل بن محمد الأقفهسي، كان هنا مُقيمًا في دمشق منذ أن رجع مع الحجاج الشاميين من حج عام 800هـ. استقبل خليلٌ صحبَهُ بالوُدِّ والترحاب والغبطة الغامرة، ثم أخذ كُراس «استدعاء زين خاتون»، وانطلق يطوف به بيوتَ دمشق ومساجدَها. تنقَّل هذا الاستدعاء خلال الأسابيع التالية في أيدي خليل الأقفهسي، وابن حجر نفسِه، وصاحبيه: التقي الفاسي، وحسن بن علي الإسعردي، وقدَّموه إلى الشيوخ، وكتبوا إجازاتِ مَن لم يستطع كتابتها منهم.

أولى الإجازات في «استدعاء زين خاتون»، بخط خليل الأقفهسي: مكتبة آيا صوفيا، 3139 (ق87أ)

 

شرع ابن حجر في السَّماع بجِدٍّ قلَّ نظيره، بل عُدِم ربما، وظهر فضلُه لشيوخ دمشق وغوطتها وضواحيها، فاغتبطوا به، وانبسطوا إليه، حتى إن بعضَهم كان متعسِّرًا في التحديث، لا يُقبِل على أيِّ أحد، ولا يُسمِع أيَّ كتاب، فلما جاءه هذا الشابُّ المحصِّل القويّ، حدَّثه بما لم يحدِّث به غيرَه، وربما جلس له أكثرَ النهار.

 

وقد أكثَرَ ابنُ حجر من الرواية جدًّا، وحصَّل بالسَّماع ما لا يُحصَى من الكتب الأصول الكبيرة، والأجزاء والمصنَّفات الصغيرة، وكتب بخط يده، في فترةٍ وجيزة، ما بين 8 إلى 10 مجلدات، تعليقاتٍ، وفوائدَ، وأجزاءً، وتتماتٍ تصلح للإضافة في مشاريع مصنَّفاته التي تجري كتابتُها على قدمٍ وساق، وألَّف ترتيبًا لكتاب «الأحاديث المختارة»، للضياء المقدسي، على الأطراف، جاء في مجلدٍ ضخم، في حينِ كان يَسمعُ الكتابَ على الشيخة المسندة فاطمة بنت محمد ابن المنجا التنوخي.

 

كان منقطعًا غايةَ الانقطاع إلى العلم وأهله، ولم يكن يجتمع بالقضاة والرؤساء والوجهاء، مع احتياجهم إلى مجالستِه، واغتباطهم برؤيتِه، فلهؤلاء وقتٌ آخر، وقد فات ما يكفي من الشيوخ الكبار، وهذا وقت الإدراك واللحاق. لقد كان أكبرُ همَّتِه المطالعة، والقراءة، والسَّماع، والعبادة، والتصنيف، والإفادة، ولم يكن يُخلي لحظةً من أوقاته عن شيءٍ من ذلك، حتى في حال أكله وركوبه وتنقُّلاته، كما شهد بذلك مرافقوه.

 

يبدأ ابنُ حجر مشوارَ السَّماع بالتعرُّف على مرويَّات الشيخ، ثم يتصفَّحها متفحِّصًا، ويأخذ في الانتقاء منها، فيختار الأجزاء النادرة، والأسانيد العالية، وربما حضر بعضَ مجالس السَّماع وهو ينتقي وينتخب ويكتب، ويتكفَّل التقيُّ الفاسي، أو خليل الأقفهسي، أو غيرُهما، بالقراءة على الشيخ. لم تكن الكتابةُ تمنع ابنَ حجر عن فهم ما يسمعه من علمٍ وحديث، بل ربما كان وهو يكتب أحضَرَ بالًا وأصفى ذهنًا في بعض الأوقات، كما صرَّح هو بنفسِه. بعد المجلس، يعود ابنُ حجر إلى أوراقه ودفاتره، فيسجل في «ثبته» الخاص معلوماتِ السَّماع تفصيلًا، على ما جرت عادةُ محدِّثي زمانه ومَن قبلهم به، ويضبط طباق السماع، ويحرِّر ما يحتاج إلى تحرير.

 

قرأ ابنُ حجر بنفسِه في هذه الأيام شيئًا كثيرًا، وكانت قراءتُه سريعةً حسنة.

اتَّفق له ذلك المجلس الشهير، حيث اجتمع يومًا، بعد صلاة الظهر، بمسجد الصالحية العتيق، خمسةٌ من مُسنِدي دمشق ومشايخها: أبو بكر بن إبراهيم بن العز الفرائضي، وعبدالله بن محمد المقدسي، وعلي بن أحمد المرداوي، وعمر بن محمد البالسي، ومحمد بن محمد بن منيع، استفتح ابنُ حجر المجلسَ بحكاية أسانيدهم إلى «المعجم الصغير»، للطبراني، ثم انطلق يقرأ قرابة 1200 حديث، بأسانيدها ومتونها، فما حانت صلاةُ العصر إلا وقد أتى على آخره.

عُدَّ هذا المجلس من عيون المجالس العلمية، ونوَّه به أهلُ التراجم، ومؤرخو العلماء، بل كان فخرًا لابن حجر نفسِه، حيث قال صاحبه التقيُّ الفاسي، متحدثًا عنه: «قرأ المعجم الصغير للطبراني بمجلسٍ واحدٍ بصالحية دمشق»، فكتب ابنُ حجر على الحاشية: «تحدثًا بنعمة الله: بين الظهر والعصر».

 

 

اليوم 37 من أيام ابن حجر في الشام، الأحد، السادس والعشرون من شوال: يقرأ ابن حجر جزءًا من حديث أبي بكر الأنباري، ويسمع القراءةَ صحبُه: التقي الفاسي، وخليل الأقفهسي، وقريبه شعبان، ثم يُثبت السماع بخطه.

سماع جزء من حديث الأنباري: المكتبة الظاهرية، مجاميع العمرية، المجموع 94 (ق205ب)

 

«الحمد لله. سمع جميع هذا الجزء على الشيخ المسند الأصيل عماد الدين أبي بكر بن إبراهيم بن العز محمد بن العز إبراهيم بن عبدالله بن الشيخ أبي عمر، بحضوره لبعضه أصلًا فيه في الثالثة، وإجازته لباقيه من إسحاق -إن لم يكن سماعًا-، بقراءة أحمد بن علي بن محمد بن محمد بن علي بن حجر -وذا خطه-: ابنُ ابنِ عمه: شعبان بن محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن حجر، والحافظ ناصر الدين محمد بن عبدالرحمن بن محمد بن أحمد بن القاضي تقي الدين سليمان، وابنه أحمد، ومحمد بن محمد بن أحمد السكرداني أبوه -سبط شيخنا عمر البالسي-، والفضلاء: صلاح الدين خليل بن محمد بن محمد الأقفهسي، وتقي الدين محمد بن أحمد بن علي الفاسي، وعز الدين عبدالسلام بن داود بن عثمان المقدسي. وصح وثبت في يوم الأحد، سادس عِشْري شوال، سنة اثنتين وثمانمائة، بالمسجد العتيق بسفح قاسيون، وأجاز. والحمد لله كثيرًا، وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي، وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا، وحسبنا الله تعالى.

وبسماع شيخنا المسمع له كله على ابن أبي التائب، وزينب بنت الكمال -نقلًا مُقابِلَه-، بسنديهما. ألحقه كاتب الطبقة، وأُخِّر سهوًا».

ولاحقًا، ينقل ابنُ حجر هذه السماعات في ثبته، ثم يُترجمها منه في «معجم شيوخه» (1/ 518)، فيقول في تعداد ما قرأه على شيخه أبي بكر بن إبراهيم بن العز: «والمنتقى الكبير من حديث أبي بكر بن أبي الهيثم الأنباري، بسماعه للمنتقى الصغير منه، وعِدَّتُه أحد عشر حديثًا، على الحجار وإسحاق الآمدي، وإجازته منهما -إن لم يكن سماعًا- لباقيه...، وبسماع شيخنا للجزء كله، وعِدَّته ستة وثلاثون حديثًا، من عبدالله بن الحسين ابن أبي التائب، وزينب بنت الكمال...».

 

في وقتٍ آخر، يعود ابنُ حجر إلى ذلك «المنتقى الصغير»، فيقرؤه، وأجزاءً أخرى، على الشيخ المُسنِد الكبير محمد بن محمد ابن قوام البالسي، الذي كان يومئذٍ في الحادية والثمانين من عُمره، وقد حصل له في سمعه ثُقل، حتى اضطرَّ ابنُ حجر أن يقرأ عليه الأحاديثَ كلمةً كلمة، بصوتٍ مرتفعٍ كالأذان، وكان يتحقَّق من سماعه للقراءة بصلاته على النبي صلى الله عليه وسلم تارة، وترضّيه على الصحابة تارة، وبنحو ذلك. لم يلبث هذا الشيخ أن توفي في شعبان من السنة التالية.

 

قبل أن تنتشر شائعات تيمورلنك، خطَّط ابن حجر أن يزور حلب، فثَمَّ مدينةٌ نابضةٌ بالعلم والعلماء، وهناك الشيخ المُسنِد عمر بن أيدغمش النصيبي الكبير، خاتمة المُسنِدين الحلبيين. يبدو أن ابن حجر أَخبَرَ بعضَ أصحابه الدمشقيين بهذه الفكرة، ففاجؤوه بخبر وفاة ابن أيدغمش قديمًا، قبل ما يقارب سنةً كاملةً من الآن. فترَ عزمُه كثيرًا، ثم دهمت الناسَ أخبارُ تيمورلنك، ولم يبقَ له في دمشق مقامٌ طويل.

إلا أن ابنَ حجر لم يشأ أن يعود إلى القاهرة هكذا، خاليَ الوفاض من شيوخ حلب، عَلِم أن شيخًا دمشقيًّا أمينًا سيغادرها إلى حلب هذه الأيام، هو شمس الدين محمد بن محمد بن يوسف الصرخدي، حمَّله استدعاءَ إجازة، وطلب منه أن يدفعه إلى الشيوخ الحلبيين هناك. دخل الصرخدي حلب في شهر ذي الحجة، وأدَّى أمانته التي حُمِّلَها، ثم بعث «استدعاء الصرخدي» إلى صاحبه ابن حجر، الذي أثبت منه عدَّةَ إجازاتٍ في تراجم شيوخه.

 

اليوم 72، الأحد، الثاني من ذي الحجة: ينتشر خبر وفاة الشيخ المحدِّث كمال الدين أحمد بن علي بن محمد الحنفي، المعروف بابن عبدالحق، كان يبلغ سبعين سنة، وقد تحمَّل كثيرًا من المرويات عن الحافظين المزي، والبرزالي، وغيرهما، إلا أن كبر سنِّه جعله، فيما يبدو، عَسِرًا ضَجِرًا، لكنَّ ابنَ حجر استطاع أن يسمع منه خلال الشهرين الماضيين ما فيه الكفاية، وأخذ منه إذنًا شفهيًّا برواية مروياته، كما أخذ منه إجازةً مكتوبةً لابنته زين خاتون ومن معها في ذلك الاستدعاء.

إجازة ابن عبدالحق في استدعاء زين خاتون: مكتبة آيا صوفيا، 3139 (ق87ب)

 

اليوم 79، الأحد، يوم عرفة: يقرأ ابن حجر جزءًا من حديث ابن أبي حاتم، برواية القصار، وأحاديثَ ملحقةً به، على الشيخ المُسنِد أحمد بن داود بن إبراهيم القطان، ويحضر المجلسَ ابنُ ابنِ عمه شعبان، وخادمُه موفق الحبشي، ثم يُثبت ابنُ حجر السَّماع.

سماع جزء حديث القصار عن ابن أبي حاتم: المكتبة الظاهرية، مجاميع العمرية، المجموع 41 (ق111ب)


«قرأته عليه، فسمعه الإمام ناصر الدين محمد بن عبدالرحمن المقدسي، ومعه ولده أحمد، وابنُ ابنِ عمي: شعبان بن محمد بن محمد بن محمد بن حجر، وموفق الحبشي -فتاي-، والفقيه عز الدين عبدالسلام بن داود بن عثمان المقدسي. وصحَّ في يوم عرفة، سنة اثنتين وثمانمائة، بالمسجد العتيق، وأجاز. كتبه أحمد بن علي بن محمد بن حجر، لطف الله به، حامدًا».

 

لا بد أن يلفتَ النظرَ هذا الرجلُ الذي وصفه ابنُ حجر هنا بالإمام، فقد كان معه قبل شهر ونصف أيضًا، في سماع «جزء الأنباري»، ووصفه يومئذٍ بالحافظ. ذلك هو المحدث المتقن ناصر الدين ابن زريق، الذي قال ابنُ حجر: إنه «لم يرَ في دمشق من يستحقُّ اسمَ الحافظ غيره»، واغتبط بأنه رافقه في السماع كثيرًا، وأفاده في الشيوخ والأجزاء. مضت أشهرٌ يسيرةٌ بعد هذا التاريخ، ودخل تيمورلنك دمشق، فأُسِرَ أحمد، ولدُ ابن زريق الصغير، الذي كان يصحبه في المجالس والسَّماعات، فما زال ابنُ زريق يتضاءل، ويعتلّ، وتخور قُواه، حتى أسلم روحَه إلى بارئها قبل أن تُتِمَّ السنةُ دورَتها.

 

اليوم 100، الأحد، الأول من محرم، 803هـ: ينطلق ركب محدِّثي مصر الشباب، مغادرين دمشق، يعرِّجون على نابلس، والقدس، والخليل، فيسمعون في كلٍّ منها من شيوخ فلسطين وشيخاتها، لكنهم لا يطيلون المكث، ويدخلون القاهرة في نهاية الشهر نفسِه.

 

 

المصادر:

• الجوُّ في دمشق يميل إلى الدفء أواخر رمضان 802هـ: تاريخ ابن حجي (1/ 431).

• نزل ابن حجر على صدر الدين ابن الأدمي، وكانت بينهما مودة: المجمع المؤسس (3/ 193)، الجواهر والدرر (1/ 160).

• عُيِّن ابن الأدمي نائبًا لقاضي قضاة الحنفية قبل شهر ونصف: كان ذلك في أوائل شهر شعبان: تاريخ ابن حجي (1/ 421)، السلوك (6/ 26).

• اقترح ابن حجر النظم على ابن الأدمي: إنباء الغمر (3/ 28)، الجواهر والدرر (2/ 777).

• «كان دخولنا دمشق: 19 رمضان، سنة 802»: هذا التأريخ، الذي مصدرُه خطُّ ابن حجر نفسِه، أدقُّ، دون شك، من تأريخ السخاوي له -في الجواهر والدرر (1/ 160)- بالحادي والعشرين من رمضان.

• السبت الذي كتب فيه ابن حجر «استدعاء زين خاتون» كان يوافق تاسع عشر رمضان في دمشق: كان دخول رمضان في دمشق يوم الثلاثاء: تاريخ ابن حجي (1/ 427).

• كان خليل الأقفهسي مقيمًا في دمشق منذ أن رجع مع الحجاج الشاميين من حج عام 800هـ: العقد الثمين (4/ 51)، الضوء اللامع (3/ 202).

• ظهر فضل ابن حجر لشيوخ دمشق، فاغتبطوا به: ذيل التقييد (1/ 354)، الجواهر والدرر (1/ 171).

• كان بعض الشيوخ عسرًا في التحديث، لكنه انبسط لابن حجر: المجمع المؤسس (1/ 480)، الجواهر والدرر (1/ 172).

• حصَّل ابن حجر في الشام بالسماع ما لا يحصى، وكتب شيئًا كثيرًا، وصنَّف «المختارة» على الأطراف: ذيل التقييد (1/ 354)، عنوان الزمان، البقاعي (1/ 122)، الجواهر والدرر (1/ 160).

• كان منقطعًا إلى العلم وأهله، لا يجتمع بالرؤساء والوجهاء: إنباء الغمر (3/ 33)، الجواهر والدرر (1/ 170).

• كان ابن حجر يشتغل بالانتخاب، ويتكفل الفاسي والأقفهسي بالقراءة: العقد الثمين (4/ 51)، ذيل التقييد (1/ 353).

• لم تكن الكتابة تمنع ابن حجر عن فهم ما يسمعه: الجواهر والدرر (1/ 169).

• يسجل ابن حجر في «ثبته» معلومات السماع: عنوان الزمان (1/ 122). تنبيه: وقع في المطبوع: «وكتابة بينة»، وهو تصحيف.

• مجلس قراءة «المعجم الصغير» بين الظهر والعصر: المجمع المؤسس (2/ 324)، المعجم المفهرس (ص192)، لحظ الألحاظ (ص214)، الجواهر والدرر (1/ 163).

• كتب ابن حجر على حاشية كلام الفاسي: «تحدثًا بنعمة الله: بين الظهر والعصر»: ذيل التقييد (1/ 355)، فهرس الفهارس، الكتاني (2/ 1048).

• قراءة ابن حجر على محمد بن محمد ابن قوام البالسي: المجمع المؤسس (2/ 440).

• خطَّط ابن حجر أن يزور حلب للسماع من عمر بن أيدغمش قبل علمه بوفاته: إنباء الغمر (2/ 78)، الجواهر والدرر (1/ 176)، الضوء اللامع (6/ 75).

• استدعاء الصرخدي: المجمع المؤسس (1/ 254، 2/ 365، 577، 579)، الضوء اللامع (1/ 308).

• الصرخدي شيخ دمشقي أمين: نسبه ابن حجر دمشقيًّا، ويدل على أمانته عنده اعتمادُه عليه في الاستدعاء. ولم يتبين للسخاوي نَسَبُه وحالُه، واستظهر أنه «من طلبة الحديث»، واحتمل أن يكون رجلًا ترجمه في موضع آخر: الضوء اللامع (10/ 35، 10).

• وفاة أحمد بن علي ابن عبدالحق، وسماعات ابن حجر منه: ذيل التقييد (1/ 350)، المجمع المؤسس (1/ 380)، إنباء الغمر (2/ 115).

• ناصر الدين ابن زريق: المجمع المؤسس (3/ 319)، إنباء الغمر (2/ 187).

• يعرجون على نابلس، والقدس، والخليل: العقد الثمين (2/ 49)، ذيل التقييد (1/ 354)، الجواهر والدرر (1/ 156، 157، 160).

• يدخلون القاهرة نهاية محرم 803هـ: العقد الثمين (2/ 49).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • أيام الحافظ ابن حجر العسقلاني في بلاد الشام (1)

مختارات من الشبكة

  • أيام الله المعظمة: يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق(مقالة - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)
  • أيام التشريق أيام ذكر لله (خطبة)(مقالة - ملفات خاصة)
  • يوم عرفة يوم من أيام الله (خطبة)(مقالة - ملفات خاصة)
  • يوم من أيام الله عزوجل (خصوصية يوم عرفة)(مادة مرئية - موقع د. علي بن عبدالعزيز الشبل)
  • يوم من أيام الله عزوجل (تحقيق الدعوة يوم عرفة)(مادة مرئية - موقع د. علي بن عبدالعزيز الشبل)
  • يوم من أيام الله عزوجل (أنه يوم الدعاء)(مادة مرئية - موقع د. علي بن عبدالعزيز الشبل)
  • أيام الأضحى والنحر أيام تضحية وفداء وذكر (خطبة عيد الأضحى 1439هـ)(مقالة - ملفات خاصة)
  • أيام التشريق.. أيام ذكر الله(مقالة - ملفات خاصة)
  • أفضل أيام الدنيا أيام العشر من ذي الحجة(محاضرة - ملفات خاصة)
  • جزء في عمل اليوم والليلة لابن حجر العسقلاني (PDF)(كتاب - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • دفعة جديدة من خريجي برامج الدراسات الإسلامية في أستراليا
  • حجاج القرم يستعدون لرحلتهم المقدسة بندوة تثقيفية شاملة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 21/11/1446هـ - الساعة: 10:16
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب