• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | الثقافة الإعلامية   التاريخ والتراجم   فكر   إدارة واقتصاد   طب وعلوم ومعلوماتية   عالم الكتب   ثقافة عامة وأرشيف   تقارير وحوارات   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    العلم والمعرفة في الإسلام: واجب ديني وأثر حضاري
    محمد أبو عطية
  •  
    حول مصنفات وآثار الإمام ابن جرير الطبري (10) الرد ...
    محمد تبركان
  •  
    تفيئة الاستشراق
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    الطعن في الأحاديث النبوية سندا ومتنا
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
  •  
    طرق فعالة للاستفادة من وسائل التواصل الاجتماعي
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    حول مصنفات وآثار الإمام ابن جرير الطبري (9) بسيط ...
    محمد تبركان
  •  
    تهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني طبعة دار البر ...
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    التحقيق في ملحمة الصديق (7) دلالات وعبر
    محمد صادق عبدالعال
  •  
    بين العبادة والعدالة: المفارقة البلاغية والتأثير ...
    عبد النور الرايس
  •  
    الثقة بالاستشراق
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    الطعن في شخصية النبي صلى الله عليه وسلم
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
  •  
    المجموع في شعر علماء هجر من القرن الثاني عشر إلى ...
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    المصحف المرتل بروايات أخر غير رواية حفص عن عاصم
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    موقف أبي موسى الأشعري مع جندي من جنوده
    الشيخ عبدالعزيز السلمان
  •  
    النقد العلمي
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    المصحف المرتل وفق رواية حفص عن عاصم الكوفي بصوت ...
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
شبكة الألوكة / ثقافة ومعرفة / التاريخ والتراجم / سير وتراجم / سير وتراجم وأعلام
علامة باركود

مالك بن طوق: الأمير الجواد صاحب الرحبة

مالك بن طوق: الأمير الجواد صاحب الرحبة
أ. أحمد عبدالحافظ محمد


تاريخ الإضافة: 19/1/2017 ميلادي - 20/4/1438 هجري

الزيارات: 14513

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

مالك بن طوق

الأمير الجواد صاحب الرحبة

 

مالك بن طوق التغلِبي، المشهور بأمير عرب الشام، واحد من أشهر الأمراء والولاة في العصر العباسي الأول، وباني مدينة الرحبة في الجزيرة الفراتية، وكانت له منزلةٌ كبيرة من لدن الرشيد إلى المتوكل على الله، وهو من مشاهير الأمراء الفرسان الأجواد.


أصل نسبه وبيته:

هو أمير عرب الشام أبو كلثوم مالك بن طوق بن مالك بن عتاب التغلِبي، لا نعرف سنة مولده على التحديد، ولكن يبدو أنه وُلد في النصف الثاني من القرن الثاني الهجري/ الثامن الميلادي، يعود مالك بن طوق في نسبه إلى قبيلة تغلِب، التي يعود نسبها إلى وائل بن قاسط بن هنب بن أقصى بن دعمي بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان، ولقبيلة تغلِب شهرة وكثرة؛ فقد كانوا أصحاب حروث ومواشٍ، فضلًا عن أنهم كانوا ملاحين، فكانت تجارة السفن تدرُّ عليهم المال، وتجلب لهم السلطان، ومن شعرائهم في الجاهلية عمرو بن كلثوم الشاعر المشهور، الذي يقول في معلقته إشارة هامة عن ذلك إذ يقول:

ملأنا البَرَّ حتى ضاق عنَّا ♦♦♦ وظَهْرَ البحر نملؤُه سَفينَا


وكانت تغلِب من أكبر القبائل عُدة وعددًا، واعتنقت النصرانية؛ لاتصالها بالروم، وقد وقفت قبيلة تغلِب إلى جانب الجيش العربي الإسلامي عند فتح الموصل وتكريت، كما كان لأبناء هذه القبيلة دورٌ بارز في أحداث التاريخ العربي الإسلامي اللاحق.

 

وقال ابن سعيد الأندلسي في كتاب "نشوة الطرب في تاريخ جاهلية العرب" عن عمرو بن كلثوم: "وفي ولده نباهة في الإسلام، منهم: مالك بن طوق صاحب الرحبة"، ولما أورده الإمام الذهبي قال في حقه: "الأمير، أحد الأشراف والفرسان، والأجواد الأعيان، مدحه أبو تمام الطائي، وغيره، وهو الذي بنى مدينة الرحبة على الفرات، وَلِيَ إمرة دمشق للواثق، ثم للمتوكل...كان في رمضانَ ينادي مناديه على باب الخضراء دار الإمارة بعد المغرب: الإفطار رحمكم الله، الإفطار رحمكم الله، والأبواب مفتحة، وكان مشهورًا بالسخاء".

 

وقد حظيت أسرة مالك بن طوق بمكانة مهمة في العصر العباسي الأول، وبرز منهم رجالٌ كانوا من ذوي الكفاءة الإدارية والعسكرية؛ فوالده طوق بن مالك كان له دور في قتال الخوارج؛ ففي سنة 191هـ/ 806م كلفه الخليفة هارون الرشيد بقتال أحد زعماء الخوارج في تلك الحِقبة التاريخية، وهو ثروان بن سيف بناحية حولايا، وقد تنقل الأخير في السواد، فتوجه إليه طوق بن مالك، فهزمه وجرحه وقتل أصحابه، ويبدو أن طوق بن مالك كان يتقلَّد أحد المناصب العسكرية والإدارية في زمن الخليفة المأمون، ثم عزل عنه.

 

منزلته لدى الخلفاء العباسيين:

أشارت المصادر التاريخية إلى أن مالك بن طوق كان أحدَ قُوَّاد الخليفة هارون الرشيد (170 - 193هـ/ 786 - 809م)، ولم تُشِرْ إلى المهام التي أسندت إليه، أو الأعمال التي أنجزها عندما كان في منصبه، ويبدو من خلال ما وصلنا من أشعار الشاعرين الكبيرين أبي تمام والبحتري التي مدحا فيها مالك بن طوق أن الأخير كان له عدد من الوقائع العسكرية، وانتصر فيها.

 

ولايته على الموصل:

أما ولايةُ مالك بن طوق على الموصل، فقد اتسمت المعلومات عنه بنُدرتها، وعلى الرغم من أن المصادر التاريخية أشارت إلى ولايته لأكثر من مدينة، مثل الموصل ودمشق والأردن، فإن تلك المصادر لم تزوِّدْنا بمعلومات عن ماهية الأعمال التي قام بها طوق بن مالك خلال فترة ولايته على تلك المدن، مثل سياسته الإدارية، وأعماله الاقتصادية أو العمرانية..إلخ.

 

ومن ذلك على سبيل المثال: الأزدي (صاحب تاريخ الموصل)، اقتصر على ذكر السنوات الثلاث المتتالية التي كان فيها مالك واليًا على الموصل، وذكر اسم الخليفة الذي ولاه إياها، فقال في أحداث سنة 214هـ/ 829م: ومِن ولاة الموصل للمأمون مالك بن طوق، وقال في موضع آخر في نفس السنة: وعلى صلاة الموصل وحربها مالك بن طوق؛ أي إن مالك بن طوق أصبح مسؤولًا عن السلطة الإدارية والعسكرية في هذه المدينة، وفي أحداث سنة 215هـ/ 830م نلاحظ أن الأزدي لم يكن متأكدًا مما إذا كان مالك بن طوق واليًا على الموصل أم غيره، وكذلك الحال في سنة 216هـ/ 831م ذكر أن الوالي على الموصل وأعمالها إما مالك بن طوق أو صاحب بن صالح.

 

ولايته على دمشق:

ولم تقتصر ولاية مالك بن طوق على الموصل، بل تولى إمرةَ دمشق والأردن والأهواز، وذلك في عهد الخليفة الواثق بالله العباسي (227 - 232هـ/ 841 - 847م)، ثم الخليفة المتوكل على الله (232 - 247هـ/ 847 - 861م)، قال ابن عساكر: "وَلِيَ إمرة دمشق والأردن في ولاية الواثق، ثم في ولاية المتوكل، وقدم عليه أبو تمام وامتدحه بدمشق...وفي سنة 232هـ وَلِيَ مالك بن طوق دمشق، وفيها مات الواثق بالله ووَلِيَ المتوكل الخلافة ومالك بن طوق التغلبي أميرٌ على جندي دمشق والأردن فأقره المتوكل عليه مدة ثم عزله".

 

كرمه وجوده:

وتميَّز مالك بن طوق بكرمه الكبير ونبله، وكان من الفرسان الأجواد، وكان له - كما ذكرت المصادر التاريخية - لُبٌّ، ووقار وحشمة، كما أشارت المصادر إلى أعمال البر والخير التي كان يقوم بها؛ فقد كان مالك بن طوق أحدَ أجواد العرب وممدوحيهم، ومن الأسخياء المشهورين، قال ابن عساكر: "وكان إذا جاء شهر رمضان نادى منادي مالك بن طوق بدمشق كل يوم على باب الخضراء بعد صلاة المغرب - وكانت دار الإمارة في الخضراء في ذلك الزمان -: الإفطار رحمكم الله، والأبواب مفتحة، فكل مَن شاء دخل بلا إذن، وأكل، لا يُمنَع أحد من ذلك".

 

قال ابن عساكر: "وتُوفِّي ابن لمالك بن طوق وهو بدمشق فدفنه في وطأة الأعراب خارج باب الصغير، فلما رجع من المقابر أمر بنصب الموائد، فقال له نوح بن عمرو بن حوي السكسكي: أيها الأمير، ليس هذا وقت أكل، هذا وقت مصيبة، فقال مالك بن طوق: المصيبة نجزع لها ما لم تقع، فإذا وقعت لم يكن لها إلا الصبر عليها، فأكل وأكل الناس".

 

وقد وصف عددٌ من الشعراء الكبار أمثال أبي تمام والبحتري كرم هذا الوالي، ومما قاله البحتري في مدحه:

يا نعمةَ الله دُومي في بني جُشَمِ
بمالكِ الْملِكِ المحمودِ مِن جُشَمِ
وأنتِ يا تغلِبُ الغلباءُ فافتخري
فقد حلَلْتِ على الهاماتِ والقِمَم
إن الأميرَ (ابن طَوْقٍ) (مالكًا) شرفٌ
كساكِه اللهُ بين العُرْب والعجَمِ
سيفٌ إمامُ الهدى ما هزَّ قائمه
إلا أقام به مَن كان لم يقُمِ

 

حِلمُه:

رُوي أن الشاعر أبا شبل مدح مالك بن طوق، وقدَّر أن يعطيه ألف درهم، فبعث إليه بصرة مختومة فيها مائة دينار، فظن أنها دراهم، فردها إليه وكتب معها:

فليتَ الذي جادَتْ به كفُّ مالكٍ
ومالِكَ مَدْسوسانِ في اسْتِ امِّ مالكِ
وكان إلى يومِ القيامة في اسْتِها
فأيسرُ مفقودٍ وأيسرُ هالكِ

 

وكان مالك يومئذ أميرًا على الأهواز، فلما قرأ الرقعة أمَر بإحضاره، فأُحضِر، وقال: ما هذا؟ ظلمتَنا واعتديتَ علينا! فقال: قدرت عندك ألف درهم فوصلتني بمائة درهم، فقال: افتحها، ففتحها فإذا فيها مائة دينار، فقال: أقِلْني أيها الأمير، فقال: قد أقلتُك ولك كل ما تحب أبدًا ما بقيت وقصدتَني.

 

موقفه مع أبي تمام الشاعر:

قال أبو تمام حبيب بن أوس الطائي: وقفتُ على باب مالك بن طوق الرحبي أشهرًا، فلم أصل إليه، ولم يعلم بمكاني، فلما أردتُ الانصراف قلت للحاجب: أتأذن لي عليه أم أنصرف؟ فقال: أما الإذن فلا سبيل إليه، قلت: فإيصال رقعة؟ قال: ولا يمكن هذا، ولكن هو خارج اليوم إلى بستانه، فاكتُبِ الرقعة وارمِ بها، في موضع أرانيه الحاجب، فكتب:

لعَمْري لئن حجبَتْني العَبِي
دُ عنك فلن تحجبَ القافيهْ
سأرمي بها مِن وراء الجدا
رِ شَنْعاءَ تأتيك بالدَّاهيهْ
تُصِمُّ السَّميعَ، وتُعْمي البصير
ومِن بعدِها تسأَلُ العافيهْ

 

فكتبتُ بها ورميت في المكان الذي أرانيه، فوقعت بين يديه، فأخذها، ونظر فيها، وقال: عليَّ بصاحب الرقعة، فخرج الخدم، فقالوا: مَن صاحب الرقعة؟ قلت: أنا، فأُدخلت عليه، فقال لي: أنت صاحب الرقعة؟ فقلتُ: نعم، فاستنشدها، فأنشدته، فلما بلغت: ومِن بعدها تسأل العافية، قال: لا، بل نسأل العافية مِن قبلها، ثم قال: حاجتك، فأنشدتُ أقول:

ماذا أقولُ إذا انصرَفْتُ وقيل لي
ماذا أصَبْتَ مِن الجَوَادِ المُفْضِلِ
إن قلتُ أغناني كذبتُ وإن أقُلْ
ضَنَّ الجَوَادُ بمالِه لم يَجْمُلِ
فاختَرْ لنفسِكَ ما أقولُ فإنَّني
لا بد أُخبِرُهم وإن لم أُسأَلِ

 

فقال: إذًا - والله - لا أختار إلا أحسنها، كم أقمت ببابي؟ قلت: أربعة أشهر، قال: تعطى بعدد أيامه ألوفًا، فقبضت مائة وعشرين ألف درهم.

 

ورُوي أنه لما صُرف مالك بن طوق عن دمشق خرج إلى المسجد، وجلس في القبة التي في وسط جامع دمشق، ودعا بالذين لهم عليه الديون، وكان عليه لتجار أهل دمشق ثلاثون ألف دينار، فقال لهم ولجميع الناس: إني دخلت دمشق ومعي أموال كثيرة، وهو ذا أخرج عنها وعليَّ ثلاثون ألف دينار، دَيْن لحقني في بلدكم؛ لأني صرفت هذا المال كله في الناس في بلدكم على الغني والفقير، ثم قال للدائنين: مَن شاء منكم أن يقيم في موضعه وأنفذ إليه ماله فعل، ومن شاء أن يخرج معي أكرمته، ووفيته حقه، وينصرف شاكرًا إن شاء الله.

قال: فوفى لهم بما قال.

 

مِن شِعره:

وكان مالك بن طوق مع جوده وحِلمه شاعرًا، ومن ذلك أنه أصابته بدمشق علة فأنشد:

وليس مِن الرزيَّةِ فَقْدُ مالٍ
ولا شاةٍ تموتُ ولا بعيرُ
ولكنَّ الرزيَّة فَقْدُ شخصٍ
يموتُ لموتِه ناسٌ كثيرُ

 

مِن مواقفِه:

روى ابن عساكر: أن سهل بن بشر بن مالك بن الأخطل التغلِبي، وكان نصرانيًّا، دخل على مالك بن طوق وفي عنقه صليب، فقال له مالك بن طوق: مَن أنت؟ فانتسب له وعرَّفه أنه من ولد الأخطل الشاعر التغلِبي، وأنه ابن عم الأمير، فقال له مالك بن طوق: صدقت، أنت ابن عمي، واللحم والدم واحد، ولكن ما تَقدَّم من الكفر فلا تعتقدوه؛ فقد جاء الحق وزهق الباطل، وأمر بأثواب فأُحضرت، فألبَسه إياها، وأمر بجائزة فدُفعت إليه، ولم يفارقه حتى أسلم وضمن له أن يجمع ولد جده فيأخذهم بالإسلام، ففعل وأسلموا كلهم بين يدي مالك بن طوق - رحمه الله.

 

بناء مدينة الرحبة:

واشتهر مالك بن طوق أيضًا ببناء مدينة الرحبة، التي تسمى: (رحبة مالك بن طوق)، وهي تبعُدُ عن مدينة دير الزور (45) كيلو مترًا شرقًا، ولم يبقَ اليوم منها إلا أطلال قلعتها، التي تهدم جزء من سورها، قال ياقوت الحموي عن موقعها: "بينها وبين دمشق ثمانية أيام، ومن حلب خمسة أيام، وإلى بغداد مائة فرسخ، وإلى الرَّقة نيف وعشرون فرسخًا، وهي بين الرقة وبغداد على شاطئ الفرات أسفل من قرقيسيا، قال البلاذري: لم يكن لها أثر قديم، إنما أحدثها مالك بن طوق بن عتَّاب التغلِبي في خلافة المأمون"، وقال الحميري: "هي مدينة في شرقي الفرات، حصينة عامرة، عليها سور تراب، ولها أسواق وعمارات، وكثير من التمر".

 

وسبب بناء مدينة الرحبة: أن أميرَ المؤمنين هارون الرشيد ركب على حراقة مع ندمائه في الفرات ومعهم مالك بن طوق، فلما اقترب من الدواليب قال: يا أمير المؤمنين، لو خرجت إلى الشط لنجوز هذه الدواليب، قال: أحسبك تخاف هذه؟ قال: الله يكفي أمير المؤمنين كل محظور، قال الرشيد: قد تطيرتُ بقولك، ثم صعد إلى الشط، فلما بلغت الحراقة إلى الدواليب دارت دورة ثم انقلبت بما فيها، فتعجب الرشيد من ذلك، وسجد شكرًا لله تعالى وتصدَّق بأموال كثيرة، وقال لمالك: وجبَتْ لك علينا حاجة فسَلْ ما تحب، قال: يعطيني أمير المؤمنين هنا أرضًا أبنيها فتنسب إليَّ، قال: قد فعلنا وساعدناك بالأموال والرجال، فعمرها وسكنها.

 

ويروى أنه لما عمرها واستوثقت أموره فيها وتحول الناس فيها، أنفَذ إليه هارون الرشيد يطلب منه مالًا، فتعلل ودافع ومانع وتحصن وجمع الجيوش، وطالت الوقائع بينه وبين عسكر الرشيد، إلى أن ظفر به صاحب الرشيد وحمله مكبلًا، فمكث في السجن عشرة أيام، ثم أمر بإحضاره في جمعٍ من الرؤساء وأرباب الدولة، فقبَّل الأرض ولم ينطق، فعجب الرشيد من صمته وغاظه ذلك وأمَر بضرب عنقه، وبسط النطع، وجرد السيف، وقدم مالك، فقال الوزير: يا مالكُ، تكلم؛ فإن أمير المؤمنين يسمع كلامك، فرفع رأسه وقال: يا أمير المؤمنين، أخرست عن الكلام دهشة، وقد أدهشت عن السلام والتحية، فأما إذ إذن أمير المؤمنين فإني أقول: السلام على أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته، الحمد لله الذي خلق الإنسان من سلالة من طين، يا أمير المؤمنين جبر الله بك صدع الدِّين، ولمَّ بك شعث الأمة، وأخمد بك شهاب الباطل، وأوضح بك سبيل الحق، إن الذنوب تخرس الألسنة الفصيحة، وتصدع الأفئدة، وايم الله لقد عظمت الجريمة، وانقطعت الحُجة، ولم يبقَ إلا عفوُك أو انتقامك، ثم أنشأ يقول بعدما التفت يمينًا وشمالًا:

أرى الموتَ بين النطع والسيف كامنًا
يُلاحظني مِن حيث ما أتلفَّتُ
وأكبرُ ظني أنك اليومَ قاتلي
وأيُّ امرئ مما قضى اللهُ يُفْلِتُ؟
يَعِزُّ على الأوسِ بن تَغْلِبَ وقفةٌ
يُهَزُّ عليَّ السيفُ فيها وأسكُتُ
وأيُّ امرئٍ يُدْلي بعذرٍ وحجَّة
وسيفُ المنايا بين عينيه مُصْلَتُ
وما بِيَ مِن خوف أموتُ وإنني
لأعلمُ أن الموتَ شيءٌ مؤقَّتُ
ولكنَّ خوفي صِبْيةٌ قد تركتُهم
وأكبادُهم مِن حسرةٍ تتفتَّتُ
كأني أراهُمْ حين أُنْعَى إليهمُ
وقد خمَشوا تلك الوجوهَ وصوَّتُوا
فإن عشتُ عاشوا آمنينَ بغِبطةٍ
أذُودُ الرَّدى عنهم، وإن مِتُّ موَّتوا
فكم قائلٍ: لا يُبعِدُ اللهُ دارَه
وآخرَ جذلانَ يُسَرُّ ويشْمَتُ

 

فبكى هارون الرشيد وقال: لقد سكَتَّ على همة، وتكلمت على حِلم وحكمة، وقد عفوتُ لك عن الصبوة، ووهبتك للصبية، فارجِعْ إلى ولدك ولا تعاود، فقال: سمعًا وطاعة، وانصرف.

 

وقد كانت رحبة مالك بن طوق أو مدينة الرحبة منذ القرن الثالث الهجري إحدى أهم مدن الجزيرة الفراتية الشامية، تخرَّج في مدارسها الفقهية والعلمية علماءُ كبار في الفقه والطب والفلك والعلوم التطبيقية، ولا تزال مكتباتٌ في العالم تحتفظ بمخطوطاتهم، ومنهم العالم الكبير صاعد بن الحسن، الذي سبق عصره بمئات السنين حين اخترع رجلًا آليًّا، وقلمَ حبر، ورافعة حجارة ثقيلة، وكتب في الطب والفلسفة، عرفته مدارس ألمانيا قبل مدارس العرب والمسلمين، كما كانت رحبة مالك بن طوق رافدًا متجددًا يتخرج فيه العشرات من العلماء للحواضر الإسلامية آنذاك في القاهرة ودمشق.

 

نذكر من أعلام الرحبة: صاعد بن الحسن بن صاعد الرحبي (توفي نحو 475هـ/ 1082م)، أحد المخترعين الإسلاميين المشهورين، اخترع قلمَ حبر وآلةً لحمل الأحجار الثقيلة اسمها "الميجان"، ويعد صاعد أول عالم في العالم يخترع رجلًا آليًّا، ومنهم الشيخ الحكيم والإمام وطبيب العيون المعروف بالكحال يوسف بن حيدرة بن الحسن الرحبي، مِن أكابر أطباء العيون زمن صلاح الدين الأيوبي، الإمام شرف الدين بن يوسف الرحبي وأخوه جمال الدين، وهما من كبار علماء الفقه والطب في العصر الأيوبي، ومنهم الفقيه أبو عبدالله بن المتقنة الرحبي، وأبو عبدالله محمد بن علي بن محمد بن الحسن الرحبي من علماء وفقهاء المذهب الشافعي، وكان يطلق عليه ابن "المُتَفَنِّنَة".

 

وفاته:

وبعد هذه الحياة العظيمة في الإمارة، والكريمة في الجود والحِلم، مات مالك بن طوق في شهر ربيع الأول سنة 260هـ/ 873م بمدينته الرحبة، فرحمه الله رحمة واسعة.

 

المصادر والمراجع:

• ابن عساكر: تاريخ دمشق، المحقق: عمرو بن غرامة العمروي، الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، عام النشر: 1415هـ/ 1995م.

• ياقوت الحموي: معجم البلدان، الناشر: دار صادر، بيروت، الطبعة: الثانية، 1995م.

• ابن شاكر الكتبي: فوات الوَفَيَات، المحقق: إحسان عباس، الناشر: دار صادر - بيروت، الطبعة: الأولى، ج3، 1974م.

• الذهبي: تاريخ الإسلام، المحقق: عمر عبدالسلام التدمري، الناشر: دار الكتاب العربي، بيروت، الطبعة: الثانية، 1413هـ/ 1993م.

• النويري: نهاية الأرب في فنون الأدب، الناشر: دار الكتب والوثائق القومية، القاهرة، الطبعة: الأولى، 1423هـ.

• الزِّرِكْلي: الأعلام، الناشر: دار العلم للملايين، الطبعة: الخامسة عشرة، مايو، 2002م.

• هدى ياسين يوسف: والي الموصل مالك بن طوق التغلِبي، مركز دراسات الموصل.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


مختارات من الشبكة

  • معاني أسماء الله الحسنى: {العظيم، الملك، المالك، المليك، مالك الملك}(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير: (قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء ...)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مخطوطة موطأ مالك (الجزء الأول)(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • إمام دار الهجرة مالك بن أنس(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • مخطوطة موطأ الإمام مالك برواية القعنبي(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • أعمام الإمام مالك رحمه الله(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • متشابه الأسماء: أنس بن مالك(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • { قل اللهم مالك الملك }(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مالك الملك(مادة مرئية - مكتبة الألوكة)
  • تأملات في قوله تعالى: { قل اللهم مالك الملك }(مقالة - موقع د. أمين بن عبدالله الشقاوي)

 


تعليقات الزوار
1- شكر و تقدير
أسامة محمد عبد الرحمن - الجزائر 14-10-2018 02:48 PM

بسم الله الرحمن الرحيم
أما بعد فخالص الشكر و التقدير للاستاذ أحمد على هذه النسبة التي استوفت خصال هذه الشخصية الفذة.... كما أود تقديم إضافة هي أن النبوغ ظل يسري في ذرية الأمير مالك بن طوق ... فقد نبغ منهم الفقيه المالكي القاضي عبد الوهاب بن نصر البغدادي

فهو أبو محمد عبد الوهاب بن علي بن نصر بن أحمد بن حسين بن هارون بن الامير الجواد مالك بن طوق التغلبي.

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 16:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب