• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | الثقافة الإعلامية   التاريخ والتراجم   فكر   إدارة واقتصاد   طب وعلوم ومعلوماتية   عالم الكتب   ثقافة عامة وأرشيف   تقارير وحوارات   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    حول مصنفات وآثار الإمام ابن جرير الطبري (10) الرد ...
    محمد تبركان
  •  
    تفيئة الاستشراق
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    الطعن في الأحاديث النبوية سندا ومتنا
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
  •  
    طرق فعالة للاستفادة من وسائل التواصل الاجتماعي
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    حول مصنفات وآثار الإمام ابن جرير الطبري (9) بسيط ...
    محمد تبركان
  •  
    تهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني طبعة دار البر ...
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    التحقيق في ملحمة الصديق (7) دلالات وعبر
    محمد صادق عبدالعال
  •  
    بين العبادة والعدالة: المفارقة البلاغية والتأثير ...
    عبد النور الرايس
  •  
    الثقة بالاستشراق
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    الطعن في شخصية النبي صلى الله عليه وسلم
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
  •  
    المجموع في شعر علماء هجر من القرن الثاني عشر إلى ...
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    المصحف المرتل بروايات أخر غير رواية حفص عن عاصم
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    موقف أبي موسى الأشعري مع جندي من جنوده
    الشيخ عبدالعزيز السلمان
  •  
    النقد العلمي
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    المصحف المرتل وفق رواية حفص عن عاصم الكوفي بصوت ...
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    الطعن في رسالة النبي صلى الله عليه وسلم
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
شبكة الألوكة / ثقافة ومعرفة / التاريخ والتراجم / تاريخ
علامة باركود

لماذا قتل هارون الرشيد جعفرا؟

د. سعيد إسماعيل صيني

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 10/10/2016 ميلادي - 8/1/1438 هجري

الزيارات: 259624

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

لماذا قتل هارون الرشيد جعفرا؟

"مقتطف من مسودة كتاب مناهج الأبحاث التاريخية"

 

هناك قصص عديدة حول هارون الرشيد، بصفته خليفةً عباسيًّا كان له دور كبير في عزة الدولة الإسلامية والمسلمين. ومن يحصر القصص التفصيلية التي تدور حول هذا الخليفة، في كتب التاريخ "الإسلامي" ويقارن بين ما هي إيجابية أو سلبية سيصل مؤكداً إلى السمة البارزة لهذه الشخصية التاريخية الهامة. فدعنا نستعرض هذه القصص لنصل إلى ما يمكن اعتباره الحَكَم الأول في مصداقية القصص الصغيرة، بعد استبعاد بهارات القصاصين والحكواتية التي تظهر في شكل تفاصيل تُشوِّه الواقع، أو مبالغات في التصوير أو تضخيم في الأرقام.

 

ما ورد عن هارون الرشيد:

ولد هارون الرشيد، في أحد الأقوال عام 146هـ، وفي قول آخر عام 150هـ، وتولى الخلافة عام 170هـ وعمره 22 عاما، وبقي خليفة 23 عاما إلى وفاته عام 192هـ، وفي قول 193هـ. ومات وعمره، في أحد الأقوال 43، وفي قول آخر 45، وفي قول ثالث 47 سنة. [1].

 

لقد قاد هارون الرشيد الحج وهو خليفة ثمان مرات، وقيل تسع. وقد لا نتصور مشقة الحج في تلك الأيام، ولاسيما من يأتي من بغداد إلى الحرمين راكبا، ليس في سيارة مكيفة أو طائرة. فالسفر كان قطعة من العذاب حقا، كما وصفه النبي صلى الله عليه وسلم.[2].

 

وكان هارون الرشيد يغزو أعداء الإسلام، مثل الروم، أو يرسل من يغزوهم لعداوتهم للمسلمين أو لمواقفهم المتقلبة.[3] وأرسله أبوه الهادي ليغزو الروم عام 165وهو دون العشرين من العمر، فنزل على الخليج، ثم خرج إلى قرم المصيصة ومسجدها، فقوى أهلها وبنى القصر الذي عند جسر أذنة على نهر سيحان.[4].

 

وفي عام 181هـ غزا هارون الرشيد الروم، وفيها أمر أن يكتب في صدر الرسائل التي يرسلها "الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، بعد الثناء على الله عز وجل. وفيها حج بالناس.[5].

 

ومن غزواته، بعد تولي الخلافة، غزوته للروم عام 190 للهجرة.[6] وخرج هارون، مرة، يريد الشأم فلما بلغه قًتلُ أحد عماله على منطقة ملاصقة لبلاد الروم، فمضى إلى الثغر، وأغزى هرثمة بن أعين بلاد الروم. وكان أمر ببناء طرطوس في سنة 171هـ، فأحكم بناءها وجعل لها خمسة أبواب، ووبنى حولها سبعة وثمانين برجا، ولها نهر عظيم يشق في وسطها، عليه القناطر المعقودة.[7].

 

ويقول إبراهيم بن الجنيد سمعت على بن عبد الله يقول: قال أبو معاوية الضرير حدثنا هارون الرشيد بهذا الحديث يعنى قول النبي صلى الله عليه وسلم وددت أني اقتل في سيبل الله ثم أحيا ثم اقتل، فبكى هارون حتى انتحب ثم قال: يا أبا معاوية، ترى لي أن أغزو؟ قلت يا أمير المؤمنين: مكانك في الإسلام أكبر ومقامك أعظم، ولكن ترسل الجيوش. قال أبو معاوية وما ذكرت النبي صلى الله عليه وسلم بين يديه قط إلا قال صلى الله على سيدي.[8].

وورد عند السيوطي أنه كان يصلي كل يوم مائة صلاة ويحب العلم والعلماء وكان يبكي عند وعظه.[9].

 

وروى ابن عساكر عن إبراهيم المهدي قال كنت يوما عند الرشيد فدعا طباخه فقال: أعندك في الطعام لحم جزور؟ قال: نعم ألوان منه. فقال: أحضره مع الطعام. فلما وضع بين يديه أخذ لقمة منه فوضعها في فيه، ثم علم أنها تكلفه مبلغا كبيرا من ميزانية الدولة، لأنه طلب لحم الجزور، قبل مدة طويلة، فلم يجدوا. فقرر وزيره جعفر أن يوفرها يوميا حتى يجده الخليفة إن طلبها، وبهذا كانت تكلفة تلك اللقمة هي أثمان الجزور المذبوحة يوميا لمدة طويلة، والتي لم يطلب منها شيئاً إلا ذلك اليوم. فلما أعلمه بذلك جعفر، بكى هارون الرشيد بكاء شديداً وأمر برفع السماط من بين يديه، وأقبل على نفسه يوبخها؛ ويقول هلكت والله يا هارون، وأمر بصدقات لفقراء الحرمين وبغداد تكفيرا عن ذلك.[10].

 

وكان هارون الرشيد ذا ثقافة عالية. يقول أبو عبد الله محمد بن العباس المصري سمعت هارون الرشيد يقول: طلبت أربعة فوجدتها في أربعة. طلبت الكفر فوجدته في الجهمية، وطلبت الكلام والشغب فوجدته في المعتزلة، وطلبت الكذب فوجدته عند الرافضة، وطلبت الحق فوجدته مع أصحاب الحديث.[11].

 

وقال المفضل بن محمد الضبي: وجّه إليّ الرشيد، فخرجت حتى صرت إليه، فسلمت. فأومأ إليّ. فجلست فقال لي: يا مفضل. قلت: لبيك يا أمير المؤمنين. قال كم اسما في "فسيكفيكهم"؟ قلت: ثلاثة أسماء يا أمير المؤمنين. قال: وما هي؟ قلت: الكاف لرسول الله صلى الله عليه وسلم، والهاء والميم وهي للكفار، والياء وهي لله عز وجل قال صدقت. هكذا أفادنا هذا الشيخ، يعني الكسائي. ثم التفت إلى ابنه محمد فقال له أفهمت يا محمد؟ قال: نعم. ثم التفت إليّ فقال: يا مفضل عندك مسألة تسألنا عنها بحضرة هذا الشيخ. قلت: نعم يا أمير المؤمنين. قال: وما هي؟ قلت: قول الفرزدق:

أخذنا بآفاق السماء عليكم *** لنا قمراها والنجوم الطوالع

 

قال هيهات أفادناها متقدما قبلك هذا الشيخ. "لنا قمراها يعني الشمس والقمر؛ كما قالوا سنة العمرين سنة أبي بكر وعمر. قلت فأزيد في السؤال. قال: زد قلت فلم استحسنوا هذا؟ قال: لأنه إذا اجتمع اسمان من جنس واحد؛ وكان أحدهما أخف على أفواه القائلين غلبوه وسموا به الآخر فلما كانت أيام عمر أكثر من أيام أبي بكر وفتوحه أكثر واسمه أخف غلبوه وسموا أبا بكر باسمه. وقال الله عز وجل ﴿ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ ﴾ [الزخرف: 38] وهو المشرق والمغرب. قلت: قد بقيت زيادة في المسألة. فالتفت إلى الكسائي فقال: يقال في هذا غير ما قلنا. قال: هذا أوفى ما قالوا، وتمام المعنى عند العرب. ثم التفت إليّ فقال: ما الذي بقي؟ قلت بقيت الغاية التي إليها أجرى الشاعر المفتخر في شعره. قال: وما هي؟ قلت: أراد بالشمس إبراهيم وبالقمر محمدا صلى الله عليه وسلم وبالنجوم الخلفاء الراشدين من آبائك الصالحين. قال: فاشرأب أمير المؤمنين، وقال: يا فضل بن الربيع احمل إليه مائة ألف درهم لقضاء دينه.[12].

 

وكان هارون الرشيد على علم بأهل العلم والصلاح. قال مصعب بن عبد الله، سمعت أبي يقول: قال لي أمير المؤمنين هارون الرشيد: دلني على رجل من أهل المدينة من قريش له فضل منقطع. قال قلت له: عمارة بن حمزة بن عبيد الله بن عبد الله ابن عمر بن الخطاب. قال: فأين أنت عن ابن عمك الزبير بن خبيب؟ قال قلت له: إنما سألتني عن الناس، ولو سألتني عن أسطوان من أساطين المسجد قلت لك: الزبير بن خبيب. وكان الرشيد يمنح العلماء المنح السخية، وكان يكرم أهل المدينة بالعطايا الكثيرة، وقد يلح على بعض المؤهلين قبول مهمة القضاء فيرفض العالم المهمة، فلا يعنفه أو يحقد عليه، بل، كان يمنحه الهدية التي يستحقها بعلمه.[13].

 

وسأل هارون الرشيد مالك بن أنس : كيف كانت منزلة أبي بكر وعمر، رحمة الله عليهما، من رسول الله ؟ فقال مالك : كقرب قبريهما من قبره بعد وفاته : فقال : شفيتني يا مالك، شفيتني يا مالك. [14].

 

ويقول مالك بن أنس شاورني هارون الرشيد في ثلاث:

1- في أن يعلق الموطأ في الكعبة ويحمل الناس على ما فيه.

2- وفي أن ينقض منبر النبي صلى الله عليه وسلم ويجعله من جوهر وذهب وفضة.

3- وفي أن يقدم نافع بن أبي نعيم إماما يصلي في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقلت: يا أمير المؤمنين. أما تعليق الموطأ في الكعبة فإن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم اختلفوا في الفروع، وتفرقوا في الآفاق، وكل عند نفسه مصيب. وأما نقض منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم واتخاذك إياه من جوهر وذهب وفضة فلا أرى أن تحرم الناس أثر النبي صلى الله عليه وسلم. وأما تقدمتك نافعا إماما يصلي بالناس في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن نافعا إمام في القراءة لا يؤمن أن تندر منه نادرة في المحراب فتحفظ عليه. قال وفقك الله يا أبا عبد الله [15].

 

ويقول الأصمعي: دخلت على الرشيد وهو يقلم أظفاره يوم الجمعة فقلت له في ذلك. فقال أخذ الأظفار يوم الخميس من السنة وبلغني أن أخذها يوم الجمعة ينفي الفقر فقلت يا أمير المؤمنين أو تخشى الفقر؟ فقال: يا أصمعي وهل أحد أخشى للفقر منى؟[16].

 

ويذكر حمزة الكسائي أن الرشيد كان يحرص على تربية أولاده، وإن كان معلمهم يشدد عليهم.[17] فمثلا، يأمر إسماعيل بن أبي ابن عياش أن يُحفِّظ المأمون أحاديث نبوية. فحفًّظه أكثر من أربعين حديثا في جلسة واحدة.[18].

 

وكان يكرم العلماء وأهل الصلاح ويستمع إلى نصحهم، بل ويطلبها منهم. كما كان يكرم القراء الجيدين، مثل سعيد العلاف.[19].

 

أنبأنا أبو عبد الرحمن الأشهلي قال سمعت محمد بن إسماعيل بن أبي فديك قال: كان عندنا رجل يكنى أبا نصر من جهينة ذاهب العقل في غير ما الناس فيه؛ لا يتكلم حتى يكلم. وكان يجلس مع أهل الصفة في آخر مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان إذا سئل عن شيء أجاب فيه جوابا حسنا مغربا.[20] ويقول محمد إسماعيل بن أبي فديك قدم علينا هارون الرشيد فأُخلي له المسجد فوقف على قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى منبره وفي موقف جبريل عليه السلام واعتنق إسطوانة النبوة، ثم قال قفوا بي على أهل الصفة. فلما أتاهم قال أبو نصر، عندما علم أنه هارون، أمير المؤمنين: "أيها الرجل إنه ليس بين عباد الله وأمة نبيه ورعيتك وبين الله خلق غيرك. وإن الله سائلك عنهم فأعدّ للمسألة جوابا؛ وقد قال عمر بن الخطاب لو ضاعت سخلة على شاطئ الفرات لخاف عمر أن يسأله الله عنها. فبكى هارون وقال يا أبا نصر: إن رعيتي غير رعية عمر ودهري غير دهر عمر. فقال له هذا والله غير مغن عنك فانظر لنفسك فإنك وعمر تسألان عما خولكما الله. فدعى هارون بصرة فيها ثلثمائة دينار فقال ادفعوها إلى أبي نصر. فقال أبو نصر ما أنا إلا رجل من أهل الصفة فادفعوها إلى فلان يفرقها عليهم.[21].

 

وكان حريصا على عدل عماله. ففي سنة 175 سار الرشيد إلى الري. وسبب ذلك أن الرشيد عندما استعمل علي بن عيسى بن ماهان على خراسان ظلم أهلها وأساء السيرة فيهم. فكتب كبراء أهلها وأشرافها إلى الرشيد يشكون سوء سيرته وظلمه واستخفافه بهم وأخذ أموالهم. وقيل للرشيد إن علي بن عيسى قد أجمع على الخلاف فسار إلى الري في طريقه إلى خراسان في جمادى الأولى ومعه ابناه عبد الله المأمون والقاسم ليتحقق من الأمر، وينصف أهلها.[22].

 

وذُكر أن يهوديا كانت له حاجة إلى هارون الرشيد فاختلف إلى بابه مرات فلم يتمكن من مقابلته. فوقف يوما على الباب فلما خرج هارون سعى ووقف بين يديه وقال: اتق الله يا أمير المؤمنين. فنزل هارون عن دابته وخر ساجدا لله. فلما رفع رأسه أمر بحاجته فقضيت له. فلما رجع قيل يا أمير المؤمنين نزلت عن دابتك بقول يهودي؟ قال: "لا، ولكن تذكرت قول الله تعالى ﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ ﴾ [البقرة: 206] وقال قتادة ذُكر لنا أن النبي صلى الله عليه وسلم إذا دعيتم إلى الله فأجيبوا وإذا سئلتم بالله فأعطوا فإن المؤمنين كانوا كذلك."[23].

 

ويقول مسيب بن سعيد دخلت على هارون الرشيد فقال عظني. فقلت يا أمير المؤمنين. إن الله عز وجل لم يرض لك أن يجعل أحدا فوقك، فلا ينبغي لأحد أن يكون أطوع له منك. قال لقد بالغت في الموعظة، وإن قصرت في الكلام [24].

 

ويقول أبو معاوية أكلت مع هارون الرشيد، أمير المؤمنين، طعاما يوما من الأيام فصب على يدي رجل لا اعرفه. فقال هارون الرشيد: يا أبا معاوية تدرى من يصب على يديك؟ قلت: لا. قال: أنا. قلت: أنت يا أمير المؤمنين؟ قال: نعم إجلالا للعلم. وقيل لما لقى هارون الرشيد فضيل بن عياض قال له الفضيل: يا حسن الوجه أنت المسئول عن هذه الأمة، حدثنا ليث عن مجاهد: وتقطعت بهم الأسباب، أي الوصل التي كانت بينهم في الدنيا. قال فجعل هارون يبكى ويشهق [25].

 

يقول الفضل بن الربيع حججت مع هارون الرشيد أمير المؤمنين فمررنا بالكوفة في طاق المحامل فإذا ببهلول المجنون قاعد يهذي، فقلت له اسكن فقد أقبل أمير المؤمنين. فسكت فلما جاء الهودج قال يا أمير المؤمنين حدثني أيمن بن نابل أن قدامة بن عبد الله العامري قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم بمنى على جمل وتحته رحل. فقلت يا أمير المؤمنين: إنه بهلول المجنون. قال: قد عرفته، وبلغني كلامه، قل يا بهلول. فقال: يا أمير المؤمنين، هب أنك ملكت العباد طرا ودان لك العباد فكان ماذا أليس مصيرك إلى قبر يحثو ترابك هذا وهذا. فقال: أجدت يا بهلول أفغيره؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين، من رزقه الله جمالا ومالا فعف في جماله وواسى في ماله كتب في ديوان الأبرار. فظن هارون أنه يريد شيئا قال فإنا قد أمرنا أن نقضي دينك. قال: لا تفعل يا أمير المؤمنين؛ لا تقض دينا بدين اردد الحق إلى أهله واقض دين نفسك من نفسك فإن نفسك هذه نفس واحدة، وإن هلكت والله ما انجبرت عليها: قال فإنا قد أمرنا أن نجري عليك. قال: لا تفعل يا أمير المؤمنين لا يعطيك وينساني. أجري علي الذي أجرى عليك. لا حاجة لي في إجرائك ومضى [26].

 

وهناك قصة حول شخصيتها خلاف، وهي قصة الشاب التي رواها أبو الفرج الأصبهاني. وتقول القصة الطريفة التي لا تخلو من المبالغة والصناعة أنه التقى بصبي اسمه أحمد السبتي، يعمل بالأجرة. ويقول أبو الفرج الأصفهاني، عندما ذهب في المرة الثانية ليستأجره، لم يجده فسأل عنه حتى توصل إليه، فوجده مريضا. ويستطرد فيقول: "فحملته إلى منزلي عند الظهر فلما أصبحت من الغد ناداني يا عبد الله. فقلت ما شأنك؟ قال: إذا احتضرت افتح صرة على كم جبتي. قال ففتحتها فإذا فيها خاتم عليه فص أحمر. فقال: إذا أنا مت ودفنتني فخذ هذا الخاتم ثم أدفعه إلى هارون أمير المؤمنين ... ومعها نصيحة شفوية لهارون الرشيد. ويقول الأصبهاني بو الفرج أبو   أذهبت إلى الرشيد، بعد وفاته، وسلمته الخاتم، وقلت: يا أمير المؤمنين إنه أوصاني إذا أوصلت إليك هذا الخاتم أن أقرئك سلام صاحب هذا الخاتم ويقول لك: ويحك لا تموتن على حالتك التي أنت فيها من النعيم. فإنك إن مت عليها ندمت. وسألني الرشيد أين دفنته؟ فجئت به إلى قبره فما زال ليلته يبكي إلى أن أصبح ويدير رأسه ولحيته على قبره يقول يا بني لقد نصحت أباك قال فجعلت أبكي لبكائه. وقيل أنه كان ابنا لزبيدة، ولكنه تزهد... وقيل أنه كان وزيرا لهارون، وليس ابنا. [27].

 

ورُوى أن شقيق البلخى دخل على هارون الرشيد فقال له أنت شقيق الزاهد؟ فقال له أما شقيق فنعم وأما الزاهد فيقال. فقال: له عظني. فقال له: إن الله تعالى أنزلك منزلة الصديق، وهو يطلب منك الصدق كما تطلبه منه ؛ وأنزلك منزلة الفاروق وهو يطلب منك الفرق بين الحق والباطل كما تطلبه منه؛ وأنزلك منزلة ذي النورين وهو يطلب منك الحياء والكرامة كما تطلبه منه؛ وانزلك منزلة علي بن أبي طالب وهو يطلب منك العلم كما تطلبه منه. ثم سكت. فقال له: زدني. قال: نعم إن لله دارا سماها جهنم وجعلك بوابا لها وأعطاك بيت مال المسلمين وسيفا قاطعا وسوطا موجعا...[28].

 

وقال الخراساني حججت مع أبي سنة حج الرشيد فإذا نحن بالرشيد وهو واقف حاسر حاف على الحصباء وقد رفع يديه وهو يرتعد ويبكي ويقول: يا رب أنت أنت وأنا أنا أنا العواد إلى الذنب وأنت العواد إلى المغفرة اغفر لي فقال لي يا بني انظر إلى جبار الأرض كيف يتضرع إلى جبار السماء[29].

 

وقال له ابن السماك يوما: إنك تموت وحدك، وتدخل القبر وحدك، وتبعث منه وحدك، فاحذر المقام بين يدي الله عز وجل والوقوف بين الجنة والنار حين يؤخذ بالظم، وتزل القدم، ويقع الندم .فلا توبة تقبل ولا عثرة تقال، ولا يقبل فداء بمال. فجعل الرشيد يبكي حتى علا صوته. فقال يحيى بن خالد له يا ابن السماك لقد شققت على أمير المؤمنين الليلة. فقام فخرج من عنده وهو يبكي [30].

 

وقال له الفضيل بن عياض في كلام كثير ليلة وعظه بمكة يا صبيح الوجه إنك مسؤول عن هؤلاء كلهم وقد قال تعالى وتقطعت بهم الأسباب قال حدثنا ليث عن مجاهد الوصلات التي كانت بينهم في الدنيا، فبكى حتى جعل يشهق.

 

وقال الفضيل استدعاني الرشيد يوما وقد زخرف منازله وأكثر الطعام والشراب واللذات فيها ثم استدعى أبا العتاهية فقال له صف لنا ما نحن فيه من العيش والنعيم فقال:

عش ما بدا لك سالما
في ظل شاهقة القصور
تسعى عليك بما اشتهيت
لدى الرواح إلى البكور
فاذا النفوس تقعقعت
عن ضيق حشرجة الصدور
فهناك تعلم موقنا
ما كنت إلا في غرور

 

قال فبكى الرشيد بكاء كثيرا شديدا. فقال له الفضل بن يحيى: دعاك أمير المؤمنين تسر فأحزنته. فقال له الرشيد: دعه، فإنه رآنا في عمى، فكره أن يزيدنا عمى. ومن وجه آخر، أن الرشيد قال لأبي العتاهية عظني بأبيات من الشعر، وأوجز. فقال:

لا تأمن الموت في طرف ولا نفس
ولو تمتعت بالحُجّاب والحرس
واعلم بأن سهام الموت صائبة
لكل مدرّع منها ومترِّس
ترجو النجاة ولم تسلك مسالكها
إن السفينة لا تجري على اليبس

 

قال فخرّ الرشيد مغشيا عليه وقد حبس الرشيد مرة أبا العتاهية وأرصد عليه من يأتيه بما يقول فكتب مرة على جدار الحبس:

أما والله إن الظلم شوم
وما زال المسئ هو الظلوم
إلى ديان يوم الدين نمضى
وعند الله تجتمع الخصوم

قال فاستدعاه واستعجله في حل ووهبه ألف دينار وأطلقه

وقال سفيان بن عيينة: دخلت على الرشيد فقال ما خبرك؟ فقلت:

بعين الله ما تخفي البيوت *** فقد طال التحمل والسكوت

فقال: يا فلان مائة ألف لابن عيينة تغنيه وتغنى عقبه، ولا تضر الرشيد شيئا.[31]

وقال الأصمعي كنت مع الرشيد في الحج فمررنا بواد فإذا على شفيره امرأة حسناء بيديها قصعة وهي تسأل بها وتقول:

طحطحتنا طحاطح الأعوام
ورمتنا حوادث الأيام
فأتيناكم نمد أكفا
نائلات لزادكم والطعام
فاطلبوا الأجر والمثوبة فينا
أيها الزائرون بيت الحرام
من رآني فقد رآنى ورحلى
فارحموا غربتي وذل مقامي

قال الأصمعي فذهبت إلى الرشيد فأخبرته بأمرها، فجاء بنفسه حتى وقف عليها فسمعها فرحمها وبكى وأمر مسرورا الخادم أن يملأ قصعتها ذهبا، فملأها حتى جعلت تفيض يمينا وشمالا[32].

 

وهنا يظهر الرشيد بمنتهى اللطف مع رفيق له زاهد، قبل توليه الخلافة. عن أبي عمران الجوني قال لما ولى هارون الرشيد الخلافة زاره العلماء فهنؤوه بما صار إليه من أمر الخلافة، ففتح بيوت الأموال وأقبل يجيزهم بالجوائز السنية. وكان قبل ذلك يجالس العلماء والزهاد وكان يظهر النسك والتقشف وكان مؤاخيا لسفيان بن سعيد بن المنذر الثوري، قديما. فهجره سفيان، بعد تولي الرشيد الخلافة، ولم يزره فاشتاق هارون إلى زيارته ليخلو به ويحدثه فلم يزره ولم يعبأ بموضعه ولا بما صار إليه. فاشتد ذلك على هارون فكتب إليه كتابا يقول فيه: بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله هارون الرشيد، أمير المؤمنين، إلى أخيه سفيان بن سعيد بن المنذر، أما بعد: يا أخي قد علمت أن الله تبارك وتعالى وآخى بين المؤمنين وجعل ذلك فيه وله. واعلم أني قد وآخيتك مواخاة لم أصرم بها حبلك ولم أقطع منها ودك وإني منطو لك على أفضل المحبة والإرادة، ولولا هذه القلادة التي قلدنيها الله لأتيتك ولو حبوا لما أجد لك في قلبي من المحبة. واعلم يا أبا عبد الله أنه ما بقي من إخواني وإخوانك أحد إلا وقد زارني وهنأني بما صرت إليه وقد فتحت بيوت الأموال وأعطيتهم من الجوائز السنية ما فرحت به نفسي وقرت به عيني. وإني استبطأتك فلم تأتني وقد كتبت لك كتابا شوقا مني إليك شديدا؛ وقد علمت يا أبا عبد الله ما جاء في فضل المؤمن وزيارته ومواصلته فإذا ورد عليك كتابي فالعجل العجل...[33].

 

وروى الخطيب البغدادي أن الرشيد كان يقول إنا من قوم عظمت رزيتهم وحسنت بعثتهم. ورثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وبقيت فينا خلافة الله. وبينما الرشيد يطوف يوما بالبيت إذ عرض له رجل فقال يا أمير المؤمنين إني أريد أن أكلمك بكلام فيه غلظة. فقال: لا؛ ولا نعمت عين، قد بعث الله من هو خير منك إلى من هو شر مني. فأمره أن يقول له قولا لينا. وعن شعيب بن حرب قال: رأيت الرشيد في طريق مكة فقلت في نفسي قد وجب عليك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فخوفتني زوجتي. فقالت: إنه الآن يضرب عنقك. فقلت: لا بد من ذلك؛ فناديته فقلت: يا هارون قد أتعبت الأمة والبهائم. فقال: خذوه فأدخلت عليه وهو جالس على كرسي فقال: ممن الرجل؟ فقلت: رجل من المسلمين. فقال: ثكلتك أمك؛ ممن أنت؟ فقلت: من الأنبار. فقال: ما حملك على أن دعوتني بإسمي؟ فخطر ببالي شيء لم يخطر قبل ذلك فقلت: أنا أدعو الله باسمه "يا الله" أفلا أدعوك باسمك؟ وهذا الله سبحانه قد دعا أحب خلقه إليه بأسمائهم: يا آدم، يا نوح، يا هود، يا صالح، يا إبراهيم، يا موسى، يا عيسى، يا محمد. وكنّى أبغض خلقه إليه، فقال ﴿ تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ ﴾ [المسد: 1]. فقال الرشيد أخرجوه أخرجوه.[34] ومن المعلوم أن هذه الطريقة تخالف أمر الله بالدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة، ولكن الإنصاف كان من صفات هارون الرشيد.

 

ويقول وكيع قال الرشيد لأبي بكر: يا أبا بكر ادن، فلم يزل يدنيه فلما قرب منه، قال وكيع تركته ووقفت حيث أسمع كلامه. فقال له الرشيد: يا أبا بكر. قد أدركت أيام بني أمية وأدركت أيامنا، فأينا كان أخيَر؟ قال وكيع فقلت: اللهم ثبت الشيخ. فقال: يا أمير المؤمنين أولئك كانوا أنفع الناس، وأنتم أقوم بالصلاة. فصرفه الرشيد، وأجازه بستة آلاف، وأجاز وكيع بثلاثة آلاف.[35].

 

وطلب الرشيد إحضار بعض القرشيين، حيث بلغه أنهم يحرضون على إزالة خلافته، وكان منهم الشافعي. يقول الشافعي: كنت من بين المجموعة أصغر سنا فجيء بنا إلى هارون الرشيد. قال ثم أُمر بنا فأدخلنا على هارون. فقال: يا معشر قريش ما حملكم على ما بلغنى عنكم؟ ولا تكثروا علىّ. قدموا منكم من يكلمنى عنه وعنكم. فقالوا قد قدمنا هذا، وأشاروا إلىّ، وتقدمت ويديّ مغلولة إلى عنقى. فلما نظر إلىّ صعد فى البصر، وصوبه ثم قال: يا معشر قريش ألم أجبر فقيركم وأكبر كبيركم، وأتفقد صغيركم، وألُمّ شعثكم، وأحسن اليكم، وأقسم العطاء فى كل موسم فيكم؟ وأنتم الآن تدعون الخوارج من آل علي لتحملوا علىّ أمة محمد بالسيف. فقلت: أصلح الله أمير المؤمنين، ووفقه لما يرضى به عنه. إن بنى على لا يرون قريشا إلا كعبيدهم، وأنتم تعرفون لقريش حق القرابة. فهل يصح دعوى مدع عند من يعقل أنه يرضى أن يتآمر عليه من يعده عبدا، ويترك أن يتآمر عليه من يراه ابن عمه ومثله فى نسبه؟ قال فسكت ساعة ثم قال: من أنت؟ قلت: أنا من ولد المطلب ابن عبد مناف. أنا محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع بن السائب بن عبيد بن عبد يزيد بن هاشم بن المطلب بن عبد مناف بن قصى. فقال الرشيد. أطلقوا عنه وعن الذين معه من قريش. قال الشافعى فحل وثاقى ووثاقهم وأمر لنا بخمسمائة دينار وأمر لى بخمسين دينارا، وأمر لى يحيى بن خالد بخمسين دينارا أخرى [36].

 

وقال ثمامة بن أشرس رفع محمد بن الليث رسالة إلى الرشيد يعظه فيها ويقول: إن يحيى بن خالد لا يغني عنك من الله شيئا وقد جعلته فيما بينك وبين الله فكيف أنت إذا وقفت بين يدي الله فسألك عما عملت في عباده وبلاده فقلت استكفيت يحيى أمور عبادك أتراك تحتج بحجة يرضاها؟ ومع هذا الكلام توبيخ وتقريع. فدعى الرشيد يحيى، وقد تقدم إليه خبر الرسالة، فقال: تعرف محمد بن الليث؟ قال: نعم قال فأي الرجال هو؟ قال: متهم على الإسلام. فأمر به فوضع في الحبس دهرا. فلما تنكر الرشيد للبرامكة ذكره فأمر بإخراجه فأحضر. فقال له بعد مخاطبة طويلة: يا محمد أتحبني؟ قال: لا. والله يا أمير المؤمنين. قال: تقول هذا؟ قال: نعم، وضعت رجلي في الأكبال، وحلت بيني وبين العيال بلا ذنب أتيت ولا حدث أحدثت، سوى قول حاسد يكيد الإسلام وأهله ويحب الإلحاد وأهله. فكيف أحبك؟ قال: صدقت؛ وأمر بإطلاقه، ثم قال يا محمد أتحبني؟ قال: لا، والله يا أمير المؤمنين، ولكن قد ذهب بما في قلبي. فأمر أن يعطى مائة ألف درهم فأحضرت، فقال: يا محمد أتحبني؟ قال: أما الآن فنعم، قد أنعمت عليّ وأحسنت إليّ. قال [هارون] انتقم الله ممن ظلمك، وأخذ لك بحقك ممن بعثني عليك [37].

 

وكان الخليفة هارون يكرم العلماء بعد وفاتهم. قدم عبد الملك بن محمد بن أبي بكر أبو طاهر الأنصاري المدني بغداد. فحدّث بها، وروى عنه سريج بن النعمان. وكان ثقة جليلا من أهل العلم والسنة والحديث، وولاه الرشيد القضاء بالجانب الشرقي من بغداد. فمكث أياما ثم مات فصلى عليه هارون، ودفنه في مقبرة العباسة بنت المهدي وقيل توفي في سنة ست وسبعين ومائة [38].

 

قصص سلبية حول هارون الرشيد:

قال أحمد بن يحيى المكي عن أبيه قال أرسل إليّ هارون الرشيد، فدخلت إليه وهو جالس على كرسي بتل دارا، فقال: يا يحيى غنني متى تلتقي الآلاف والعيس كلما تصعدن من واد هبطن إلى واد. فلم أزل أغنيه إياه، ويتناول قدحا إلى أن أمسى. فعددت عشر مرات استعاد فيها الصوت، وشرب عشرة أقداح، ثم أمر لي بعشرة آلاف درهم وأمرني بالإنصراف [39].

 

ومن القصص قصة الجارية المسماة بذات الخال لأنها كانت ذات خال على شفتها العليا. ولإبراهيم الموصلي وغيره فيها أشعار كثيرة. وكانت جارية لقرين المكي، مولى العباسة بنت المهدي. وكانت من أجمل النساء وأكملهن بلغ خبرها الرشيد فاشتراها بسبعين ألف درهم. فقال: فنهض إليها مسترضيا وأمر للعباس بألفي دينار، وغناه إبراهيم الموصلي وقال لها الرشيد يوما: أسألك عن شيء فإن صدقتني وإلا صدقني غيرك. قالت: أنا أصدقك. قال: هل كان بينك وبين إبراهيم الموصلي شيء قط وأنا أحلفه فيصدقني؟ فتلكأت ساعة ثم قالت: نعم مرة واحدة. فأبغضها. وقال يوما في مجلسه أيكم لا يبالي أن يكون كشخان حتى أهب له ذات الخال فبادر حمويه الوصيف فقال: أنا. فوهبها له ثم إنه اشتاق يوما بعد ذاك، فقال: يا حمويه ويحك أوهبنا لك الجارية على أن تسمع غناءها وحدك. فقال: يا أمير المؤمنين مر فيها بأمرك. قال: نحن غدا عندك. فمضى واستعد لذلك واستعار لها من الجوهريين بدنة وعقودا ثمنها اثنا عشر ألف دينار، وأخرجها للرشيد وهو عليها. فأنكره وقال: ويلك يا حمويه من أين لك هذا وما وليتك عملا تكسب فيه مثله ولا وصل إليك منى هذا القدر؟ فصدقه عن أمره، فبعث الرشيد إلى أصحاب الجوهر فأحضرهم واشترى الجوهر منهم ووهبه لها. ثم حلف أن لا تسأله في يومه حاجة إلا قضاها فسألته أن يولي حمويه الحرب والخراج بفارس سبع سنين. ففعل ذلك وكتب له عهده، وشرط على ولي العهد بعده أن يتممها له إن لم تتم في حياته [40].

 

قتل هارون الرشيد جعفرا عام 187 وحبس يحي وابنه الفضل إلى أن ماتا بالرقة. وقتل أنس بن أبي شيخ المتهم بالزندقة ويوالي البرامكة [41].

وينقل ابن كثير عن من سبقه من المؤرخين فيقول: قد كان جعفر يدخل على الرشيد بغير إذن حتى كان يدخل عليه وهو في الفراش مع حظاياه. وهذه وجاهة ومنزلة علية. وكان عنده من أحظى العشراء على الشراب المسكر. وكان أحب أهله إليه العباسة بنت المهدي وكان يحضرها معه وجعفر البرمكي حاضرا أيضا معه. فزوجه بها ليحل النظر إليها، واشترط عليه أن لا يطأها. وكان الرشيد ربما قام وتركهما وهما ثملان من الشراب فربما واقعها جعفر فحبلت منه فولدت ولدا وبعثته مع بعض جواريها إلى مكة وكان يربى بها.

 

ويقول الطبري، وقد كان الرشيد في اليوم الذى قتل جعفرا في آخره هو وإياه راكبين في الصيد في أوله وقد خلا به دون ولاة العهود. فلما كان وقت المغرب ودعه الرشيد وضمه إليه؛ وقال لولا أن الليلة ليلة خلوتي بالنساء ما فارقتك. فاذهب إلى منزلك واشرب واطرب وطب عيشا حتى تكون على مثل حالى، فأكون أنا وأنت في اللذة سواء. فقال والله يا أمير المؤمنين لا أشتهي ذلك إلا معك. فقال: لا. انصرف إلى منزلك. فانصرف عنه جعفر فما هو إلا أن ذهب من الليل بعضه حتى أوقع به من البأس والنكال ما تقدم ذكره. وكان ذلك ليلة السبت آخر ليلة من المحرم وقيل إنها أول ليلة من صفر في هذه السنة كان عمر جعفر إذ ذاك سبعا وثلاثين سنة [42].

 

ويضاف إلى ذلك قصة تزويج أخته العباسة صوريا لجعفر البرمكي، ليأنس بوجودهما معه في جلسات أنسه. وسيتم مناقشة هذه القصة بصفة مستقلة لخطورتها، ولبيان مصداقية ما يرد في كتب التاريخ.

 

وعند التأمل في القصص السابقة الإيجابية والسلبية، مع استبعاد المبالغات نجد 36 قصة غير مكررة في أكثر من عشرين مرجع، من بين 25 مرجعا، يغطي أخبار الرشيد إلى عام 911 للهجرة. وكلها تورد قصصا تؤكد أن من السمات الشخصية البارزة للخليفة العباسي هارون الرشيد ما يلي:

1- الخشية من الله والحرص على تقواه.

2- الحرص على التقرب إلى الله، بالحج وبالغزو وبالجود في أوجه الخير وبالتواصل مع العلماء والصالحين والحرص على الاستماع إلى نصائحهم، والتفقه في الدين، والحرص على حسن تربية أولاده.

3- وبالحكمة في التعامل مع الوشايات أو الشكاوى بين المقربين إليه.

 

ويقابل هذه السمة ست قصص تشير إلى أنه ممن يحيي مجالس الغناء ويعاقر الخمرة، ويفتقد الغيرة الفطرية والعقلية والشرعية بالنسبة لأخته العباسة. ولم يخل مرجعان منها من الإشارات التي تثبت خشية هارون الرشيد العظيمة من الله.

 

والسؤال من نصدق؟

القصص المتضافرة العديدة التي تؤكد خشية هارون الرشيد من الله خشية تفوق الخشية العادية التي نعرفها عند عامة الصالحين، وتصوره وفيا لمن يحسن إليه، وحريصا على كسب رضاء الله؟ أم المراجع المحدودة التي تقول بأنه يستبيح الخمر والغناء المختلط، ويفتقد الغيرة الفطرية والدينية على عرضه؟

وفي ظل السمة العامة لهارون الرشيد، وهي الخوف من الله والحرص على رضاه ومخالطة العلماء والصالحين، واعتزازه بنسبه الشريف وعروبته، وثقافته الدينية والدنيوية تبرز الأسئلة المنطقية والمبنية على الفطرة والعقل،، ومن أبرزها:

1- ما هي درجة احتمال انغماس هارون الرشيد في مجالس الغناء المختلط؟

2- ما هي درجة احتمال تعاطي هارون الرشيد الخمر والإدمان عليها؟

3- ما هي درجة احتمال افتقاد الخليفة العباسي إلى الغيرة الفطرية والعقلية والدينية على أخته العباسة؟

 

هارون الرشيد والبرامكة:

من مراجعة علاقة الخليفة العباسي بالبرامكة يجد الإنسان أن هارون الرشيد كان مكبلا من طفولته بالبرامكة. فيحيى أبوه من الرضاعة، والفضل وجعفر اخوته من الرضاعة. ولهذا كان سلوك يحيى يعكس نوعا من التسلط، ليس على الخليفة من الناحية الأدبية، ولكن تسلطا واقعيا على أسرته وبإصرار. ويؤكد ابن خلكان هذا النوع من السلطة، حيث يقول: بأن الرشيد فوض إلى يحيى أمور الخلافة وأزمّتِها، ولم يزل كذلك حتى كانت نكبة البرامكة.[43] ويثني المسعودي على البرامكة فيقول: للبرامكة أخبار حسان، وما كان منهم من الإفضال بالمعروف واصطناع المكارم، وغير ذلك من عجائب أخبارهم وسيرهم وما مدحتهم الشعراء به، ومراثيهم.[44].

 

الشخصيات الرئيسة من البرامكة:

وتتمثل الشخصيات الرئيسة التي ظهر سلطانها واضحا في حياة هارون الرشيد في يحيىى، وولديه الفضل وجعفر.

ويحيى بن خالد هو والد جعفر البرمكي، ضم إليه المهدي ولده الرشيد فرباه وأرضعته امرأته مع الفضل بن يحي. فلما ولى الرشيد عرف له حقه وكان يقول "قال أبي" قال أبي، وفوض إليه أمور الخلافة وأزمتها ولم يزل كذلك حتى نكبة البرامكة. وقيل أنه سأل الرشيد أن يعفيه من الولاية فأعفاه وأقام يحيى بمكة وفيها توفي. وقيل أنه مات في الحبس بعد مقتل ابنه جعفر، في الرقة، في العراق [45].

 

يقول المسعودي أن هارون الرشيد قتل جعفرا وخلّد أباه يحي في الحبس حتى مات عام 189هـ. والمشهور أن يحيى بن خالد توفى قبل ابنه الفضل. وكان كريما فصيحا ذا رأى سديد، ويظهر من أموره خير وصلاح. قال يوما لولده خذوا من كل شئ طرفا. فإن من جهل شيئا عاداه. وقال لأولاده اكتبوا أحسن ما تسمعون، واحفظوا أحسن ما تكتبون، وتحدثوا بأحسن ما تحفظون. وكان يقول لهم: إذا أقبلت الدنيا فأنفقوا منها، فإنها لا تبقى، وإذا أدبرت فأنفقوا منها، فإنها لا تبقى. وكان إذا سأله أحد، في الطريق وهو راكب، أقل ما يأمر له بمائتي درهم [46].

 

وعندما حج الرشيد بالناس عام 181، سأله يحى بن خالد أن يعفيه من الولاية فأعفاه وأقام يحي بمكة وفيها توفي.[47] ويعود ابن كثير فيقول في عام 182هـ رجع يحيى بن خالد البرمكي من مجاورته بمكة إلى بغداد [48].

ويحيى هو الذي عيّن ابنه جعفرا وزيرا لابنه من الرضاعة هارون الرشيد [49].

 

والفضل ابن خالد بن برمك أخو جعفر وأخوته كان هو والرشيد يتراضعان: أرضعت الخيزران فضلا، وأرضعت أمه هارون الرشيد [50].

 

قال ابن الجوزي بأن الفضل توفي في سنة 192هـ . أما ابن جرير فيقول في المحرم من عام 193هـ، أي أن وفاته كانت في نفس العام الذي توفي فيه هارون الرشيد [51].

 

ويقول ابن خلكان كان جعفر متمكنا عند الرشيد، غالبا على أمره، واصلا منه. وبلغ من علو المرتبة عنده ما لم يبلغه سواه. ولم يكن للرشيد صبر عنه. ثم تغيّر الرشيد عليه وعلى البرامكة كلهم، آخر الأمر ونكبهم وقتل. وكانت ولادة جعفر عام 150؛ وقتله عام 187، وعمره إذ ذاك سبعا وثلاثين سنة، أي تولى الوزارة وعمره حول العشرين عاما. وفي رواية المسعودي "قتل جعفر بن يحيى وهو ابن خمس وأربعين سنة، وقيل أقل من ذلك" [52].

 

ويبدو، واضحا، مما ورد عن البرامكة ى هارون الرشيد ووالده المهدي. وأتيحت لهم الفرصة للسيطرة الأدبية والفعلية على الخليفة هارون الرشيد منذ طفولته. كما أتيحت لهم الفرصة لكسب جاه عظيم وثروات عظيمة، أحسنوا استعمالها في كسب محبة الشعراء والأدباء لأنفسهم، وإن كانت على حساب ميزانية الدولة، وسمعة الخليفة.

 

وأما مسألة وصف جعفر بأنه كان يعاقر الخمرة فالمسالة تحتمل الصدق وقد لا تحتمله. فمعظم القصص مرتبطة بتهمة الخليفة الورع بالشرب. وهناك قصص حول تعاطي جعفر الخمر مستقلة، مثل حالته التي كان عليها عند قتله عبد الله بن الحسن، وعندما جاءه مسرور السياف لقتله بأمر الخليفة [53].

 

وعن نهاية البرامكة فيقول الطبري، ومن نقل عنه أن مسرورا الخادم هو الّذي نفذ حكم الرشيد فيه [54] وأما المسعودي فيقول أن ياسرا الخادم هو الذي نفذ فيه أمر الرشيد.[55] ثم تم سجن يحي ابن خالد البرمكي، وابنه الفضل.[56] وأرسل الرشيد من ليلته البرد بالاحتياط على البرامكة جميعهم ببغداد وغيرها ومن كان منهم بسبيل. فأخذوا كلهم عن آخرهم. فلم يفلت منهم أحد وحبس يحيى بن خالد في منزله وحبس الفضل بن يحيى في منزل آخر وأخذ جميع ما كانوا يملكونه من الدنيا. وبعث الرشيد برأس جعفر وجثته فنصب الرأس عند الجسر الأعلى، ونودي في بغداد بأن لا أمان للبرامكة ولا لمن آواهم، إلا محمد بن يحي بن خالد فإنه مستثنى منهم لنصحه للخليفة [57].

 

سبب نكبة البرامكة:

لقد كانت عملية قضاء الرشيد على سلطة البرامكة حركة خاطفة، ومفاجأة غير متوقعة. فما هي الأسباب؟ هناك إشارات واقعية، وأخرى تكهنات، أو قصص مخترعة في الأصل، ومن الأخيرة قصة جعفر والعباسة التي سيتم مناقشتها فيما يلحق. وعند استعراض الأسباب التي سجلها المؤرخون والمعلقون يمكن حصرها في الأسباب المباشرة وغير المباشرة التالية: [58].

 

أولاً: تسلط يحي على حرم الرشيد، إذ يقول المسعودي كانت زبيدةُ أم جعفر زوجُ الرشيد من الرشيد بالمنزلة التي لا يتقدمها أحد من نظرائها. وكان يحيى بن خالد لا يزال يتفقد أمر حرم الرشيد ويمنعهن من خدمة الخدم لهن، فشكت زبيدة إلى الرشيد، ولكن الرشيد أيده فازداد يحيى لها منعاً، وعليها في ذلك غلْظَة.

 

ثانياً: يقول الدكتور الجومرد في كتابه "هارون الرشيد" ج 2 ص 469 في بيان السبب الرئيسي للنكبة ما ملخصه: "أن الرشيد لم يكن غافلاً عن أعمال البرامكة التي توجب محاسبتهم، ولكنه أغمض عينيه فترة غير قصيرة عنهم؛ وفاء لخدماتهم، وحرصًا على صفاء الجو بينه وبينهم، وأملاً في أن يعودوا إلى رشدهم، ولكن أمر البرامكة تفاقم، وسلطانهم ظهر على سلطانه، والنعرة الفارسية والشعوبية تكالبت على قوميته، واستبد "يحيى بن خالد" بكل أمور الدولة، وتدخل "جعفر بن يحيى" في خاصة شؤونه، حتى أوقع بين وَلِيَّيْ عهده الأمين والمأمون، وغرس الحقد بينهما بما يهدد مستقبل الخلافة إذا تنازعا عليها، ومنع المال عن الرشيد بحجة المحافظة على أموال المسلمين، التي راح هو وجماعته يرتعون فيها بغير حساب. وبلغ الأمر إلى أن بات جعفر يحاسب الرشيد على تصرفاته، ولا يأبه إلى اعتراضاته، وقد كان الرشيد يعاني ضيقًا شديدًا من هذه التصرفات، ولكنه كان قوي الاحتمال، عظيم الصبر، واسع الحيلة، ومن أمهر الناس في التظاهر بالرضا وهو في أشد سورة غضبه، إذا اقتضى الأمر ذلك. ولهذا يؤكد الجومرد بأن السبب الحقيقي لنكبة البرامكة، هو سبب سياسي، يرجع إلى أنهم استغلوا نفوذهم واستأثروا بالسلطة في أيديهم، ويشير الجومرد أن الجهشياري ذكر أربع عشرة قضية عدَّدَها الرشيد ليحيى بن خالد في حينه، وكل واحدة منها تكفي عذرًا له في التخلص منهم، وإزاحتهم من طريقه. ويستشهد بقول ابن خلدون: وإنما نكب البرامكة ما كان من استبدادهم على الدولة، واحتجابهم أموال الجباية، حتى كان الرشيد يطلب اليسير من المال فلا يصل إليه، فغلبوه على أمره، وشاركوه في سلطانه، ولم يكن له معهم تصرف في أمور ملكه".

 

ثالثا: عيّن الرشيد الفضل بن يحيى سنة 178هــ واليًا على الجانب الشرقي للدولة باتخاذ "خراسان" مقرًّا لولايته، فكوَّن بها جيشًا عظيمًا من العجم، قوامه خمسمائة ألف جندي، دون أخذ رأي الرشيد وسماه "العباسية"، وجعل ولاء هذا الجيش للبرامكة وحدهم. ولما علم الرشيد بذلك الحدث الخطير، استقدم الفضل إلى بغداد من غير أن يعزله، فحضر إليها ومعه فرقة من هذا الجيش عددها عشرون ألف جندي مسلح من الأعاجم. وينقل الجومرد عن الجهشياري قولا لجعفر لأحد الأتباع، لأن الرشيد عاتبه في أمر "ووالله لئن كلفنا الرشيد بما لا نحب، ليكونَنَّ وبالاً عليه سريعًا".

 

رابعا: اتهم البعض البرامكة بالزندقة والمجوسية.

خامسا: تجاوز جعفر للسلطة المفوضة إليه. فكان يتجرأ أحيانا باتخاذ قرارات تخالف رغبة الخليفة. ففي مرة دفع الرشيد إلى جعفر يحيى بن عبد الله بن حسن كان من الثوار العلويين فحبسه، ثم دعى جعفر به، ليلة من الليالي، فسأله عن شيء من أمره. فأجابه إلى أن قال له اتق الله في أمري ولا تتعرض أن يكون خصمك غدا محمد صلى الله عليه وسلم. فو الله ما أحدثت حدثا ولا آويت محدثا. فرقّ له جعفر، وقال اذهب حيث شئت من بلاد الله. قال: وكيف أذهب ولا آمن أن أؤخذ بعد قليل فأرد إليك أو على غيرك. فوجّه إليه من أداه إلى مأمنه. وبلغ الخبر الفضل بن الربيع، من عين كانت له عليه من خاص خدمه، فدخل على الرشيد فأخبره. فأراه أنه لا يعبأ بخبره وقال: ما أنت وهذا؛ فلعل ذلك عن أمري.[59] وجاءه جعفر فدعا بالغداء فأكلا وجعل يلقمه ويحادثه إلى أن كان آخر ما كان بينهما أن قال: ما فعل يحيى بن عبد الله؟ قال: بحاله يا أمير المؤمنين في الحبس الضيق والأكبال الثقيلة. فقال: أتصدقني القول؟ فأحجم جعفر، وكان من أرق الخلق ذهنا وأصحهم فكرا، فهجس في نفسه أنه قد علم بشيء من أمره، فقال: لا. يا سيدي، ولكن أطلقته وعلمت أنه لا حياة به ولا مكروه عنده. قال: نِعم ما فعلت، ما عدوت ما كان في نفسي. فلما خرج أتبعه بصره حتى كاد يتوارى عن وجهه [60].

 

من الواضح أن الأسباب السابقة قوية لاستحقاق البرامكة تأديبا وكبحا لجماحهم، ولكن بالتأمل في السمة البارزة التي تم إثباتها، سابقا، لهارون الرشيد، وهو الخوف الشديد من الله، يتردد العاقل في أن يجعلها سببا لقتل جعفر ابن يحيى البرمكي. فالسؤال: ما هو السبب المنطقي الذي يتسق والسمة الغالبة على هارون الرشيد؟

 

السبب المرجح لقتل جعفر:

يؤخذ على جعفر البرمكي قتله عبد الله بن الحسن، وقيل، الحسن بن علي بن علي بن الحسين بن علي رضي الله عنهم. وكان عمر عبد الله 28، وقُتل دون أن يحصل منه خروج ولا أثر، وإنما كان القتل في الصحراء، قتله جعفر يوم النيروز في حال السكر. وصلى عليه هارون الرشيد، ودفن بمقبرة الخيزران ببغداد. وتقول الرواية المفصلة:[61] "أن هارون الرشيد دعا الحسن بن الحسن الأفطس إلى بغداد، قال: بلغني أنك تجمع الزيدية وتدعوهم إلى نفسك، فقال يا أمير المؤمنين ما أنا من هذه الطبقة، أنا شاب نشأت بالمدينة أتصيد بالبزاة والبواشيق في الصحاري، ما هممت بغير ذلك قط.

 

قال هارون الرشيد: صدقت لكني أنزلك داراً وأوكل بك رجلاً، ولا يحجب من يدخل عليك، وإن أردت أن تلعب بالطيور فافعل.

فقال هذا السيد: يا أمير المؤمنين نشدتك بالله في دمي، فوالله إن فعلت ذلك لذهب عقلي، فلم يقبل الرشيد ذلك وحبسه.

فأرسل المذكور إلى هارون الرشيد رقعة فيها كل كلام قبيح وكل شتم شنيع، فلما قرأها هارون طرحها، وقال: ضاق صدر هذا الفتى، فهو يتعرض لقتله، وما يحملني فعله وقوله على قتله.

 

ثم دعى جعفر بن يحيى بن خالد البرمكي وأمره أن يحوله إلى داره ويوسع عليه، ففعل جعفر ذلك، فلما كان يوم النيروز قدمه جعفر وضرب عنقه وغسل رأسه وجعله في منديل وأهداه إلى الرشيد مع الهدايا.

 

فلما نظر الرشيد إلى الرأس اقشعر جلده وقال: ويحك لم فعلت هذا؟ فقال: لما كتب إلى أمير المؤمنين من الكلام القبيح، فقال: ويحك قتلك إياه بغير إذني أعظم من فعله، ثم أمره بغسله وتكفينه، وصلى عليه ودفنه في مقابر قريش.

 

بعد ذلك بأيام قلائل تغيّر عنده أحوال آل برمك، وأمر بقتل جعفر بن يحيى، وقال لمسرور الخادم أن يقول له: يقول الرشيد أقتلك قصاصاً...

 

ويقول مسرور خادم الرشيد وسيافه: سمعت الرشيد يقول في الطواف اللهم إنك تعلم أن جعفر بن يحيى قد وجب عليه القتل، وأنا أستخيرك في قتله فخر لي. وعندما عاد هارون الرشيد إلى الأنبار بعث إلى جعفر بمسرور ليقتله.[62].

 

ولا عجب أن يتردد الخليفة هارون بين تطبيق القصاص على جعفر وبين تجنب النتيجة المحتملة لتطبيق الحد بسبب نفوذ البرامكة، فيستخير الله، ثم يعزم على تنفيذ القصاص. ومن دهائه وحكمته يحتاط للنتائج التي قد يخلفها القصاص، بسبب النفوذ الأدبي والفعلي للبرامكة، في دولته، وفي الناس، فيحبس يحيى والفضل...، وينتهز الفرصة لاسترداد أموال الدولة منهم. ولم يكن الرشيد ليعبأ بالدعايات المضادة، إن لم يعلن عن السبب، فهو إنما إنما يقوم بذلك خشية من رب العباد.

 

قصة جعفر والعباسة ومناقشتها:

تزوج العباسة محمد بن سليمان ابن على فمات عنها، ثم تزوجها إبراهيم بن صالح بن المنصور فمات عنها، ثم تزوجها محمد بن على بن داود فمات عنها، ثم أراد أن يخطبها عيسى بن جعفر فتحاماها لأن أبا نواس قال فيها:[63].

ألا قل لأمين الله
وابن القادة الساسه
إذا ما ناكث سرك
أن تفقده رأسه
فلا تقتله بالسيف
وزوجه بعباسه

 

فالعباسة كانت ذات حظ سيئ للغاية، أو أن من تزوجتهم كان حظهم سيئا. ولكن القصة التي سجلها الطبري في تاريخه تدعي أن هارون الرشيد اكتشف قصة العباسة في العام الذي سبق قتل جعفر البرمكي عام 187هـ. وبهذا يتضح أن الطبري سجل هذه القصة بعد ما يقارب السبعين عاما. فلا عجب أن يعتمد الطبري على الحكايات الشعبية، سواء في إيراد القصة أو إيراد تفاصيلها، مثل قطع جثة جعفر إلى جزئين، مما لا يتسق وورع الخليفة هارون الرشيد.

 

ومما يلفت الانتباه أن السامرائي المحقق لكتاب الوزراء والكُتّاب ينقل رواية عن الجهشياريّ توفي في 331هـ بأن عبيد الله بن يحيى بن خاقان سأل مسرورا الكبير في أيام المتوكل، وكان قد عمر إليها ومات فيها، عن سبب قتل الرشيد لجعفر وإيقاعه بالبرامكة. فقال : كأنك تريد ما تقوله العامة فيما ادعوه من أمر المرأة؟ فقلت: ما أردت غيره. فقال : "لا والله ما لشيء من هذا أصل ولكنه ملل موالينا وحسدهم".[64] فالجهشياري المعاصر للطبري توفي عام 310هـ بدلا من إيراد القصة، يورد دليلا على تكذيبها. وهذا مع أنه كان يميل إلى مدح أعوان الخلفاء، ومنهم البرامكة، وذلك لطبيعة موضوع كتابه. فعنوان كتابه هو "تاريخ الوزراء والكُتّاب".

 

رواية الطبري لقصة العباسة:

يقول الطبري [65] "حدثني أحمد بن زهير –أحسبه عن عمه زاهر بن حرب – أن سبب هلاك جعفر والبرامكة أن الرشيد كان لا يصبر عن جعفر وعن أخته عباسة بنت المهدي. وكان يحضرهما إذا جلس للشرب، وذلك بعد أن أعلم جعفرا قلة صبره عنه وعنها. وقال لجعفر أزوجكها ليحل لك النظر إليها إذا أحضرتها مجلسي. وتقدم إليه أن لا يمسها، ولا يكون منه شيء مما يكون للرجل إلى وزوجته. فزوجها منه على ذلك. فكان يحضرهما مجلسه إذا جلس للشرب، ثم يقوم عن مجلسه ويخليهما، فيثملان من الشراب، وهما شابان، فيقوم إليها جعفر فيجامعها، فحملت منه وولدت غلاما. فخافت على نفسها من الرشيد إن علم بذلك، فوجهت بالمولود مع حواضن له من مماليكها إلى مكة. فلم يزل الأمر مستور عن هارون، حتى وقع بين عباسة وبين بعض جواريها شر، فأنهت أمرها وأمر الصبي إلى الرشيد، وأخبرته بمكانه، ومع من هو من جواريها، وما معه من الحلي الذي كانت زينته به أمه. فلما حج هارون هذه الحجة أرسل إلى الموضع الذي كانت الجارية أخبرته أن الصبي به من يأتيه بالصبي وبمن معه من حواضنه. فلما أحضروا سأل اللواتي معهن الصبي، فأخبرنه بمثل القصة التي أخبرته بها الرافعة على عباسة، فأراد - فيما زعم - قتل الصبي، تهوّب من ذلك.

 

ويضيف الطبري، كان جعفر يتخذ للرشيد طعاما كلما حج بعسفان، فيقربه إذا انصرف شاخصا من مكة إلى العراق، فلما كان في هذا العام سنة 186هـ، اتخذ الطعام جعفر كما كان يتخذه هنالك، ثم استزاره فاعتل عليه الرشيد، ولم يحضر طعامه، ولم يزل جعفر معه حتى نزل منزله من الأنبار، فكان من أمره وأمر أبيه.

 

رواية المسعودي لقصة العباسة:

وأما المسعودي فبنزعته الشيعية، والحقد على الدولة العباسية، يستغل القصة لمدح جعفر والرفع من شأنه، في مقابل الحط من قدر الرشيد والعباسة، فيقول: "ذكر ذو معرفة بأخبار البرامكة أنه لما بلغ جعفر بن يحيى بن خالد بن برْمَك ويحيى بن خالد والفضل وغيرهم من آل برمك ما بلغوا من الملك، وتناهوا إليه من الرياسة، واستقامت لهم، الأمور، حتى قيل: أن أيامهم عرُوسٌ وسرور دائم لا يزول، "قال الرشيد لجعفر بن يحيى: ويْحك يا جعفر إنه ليس في الأرض طلعة أنا بها آنس، ولا إليها أميل، وأنا بها أشد استمتاعاً وأنساً مني برؤيتك وأن للعباسة أختي مني موقعاً ليس بدون ذلك، وقد نظرت في أمري معكما، فوجدتني لا أصبر عنك ولا عنها، ورأيتني ناقص الحظ والسرور منك يوم أكون معها، وكذاك حكمي منك في يوم كوني معك دونها، وقد رأيت شيئاً يجتمع لي به السرور، وتتكاثف لي به اللذة والأنس، فقال: وفقك اللّه يا أمير المؤمنين وعزم لك على الرشد في أمورك كلها قال الرشيد: قد زوجتكما تزويجاً تملك به مجالستها والنًظرَ إليها والاجتماع بها في مجلس أنا معكما فيه لا سوى ذلك. فزوجه الرشيد بعد امتناع كان من جعفر إليه في ذلك، وأشهد له منْ حضره من خدمه وخاصة مواليه. وأخذ الرشيد عليه عهد اللّه ومواثيقه وغليظ أيمانه أنه لا يخلو بها، ولا يجلس معها، ولا يظله وأياها سَقفُ بيتٍ إلا وأمير المؤمنين الرشيد ثالثهما. فحلف له جعفر على ذلك، ورضي به، وألزمه نفسه. وكانوا يجتمعون على هذه الحالة التي وصفناها وجعفر في ذلك صارف بصره عنها، مزورٌّ بوجهه هيبة لأمير المؤمنين، ووفاء بعهده وأيمانه ومواثيقه على ما وافقه الرشيد عليه وعَلقَتْه العباسة، وأضمرت الاحتيال عليه وكتبت إليه رقعة، فردَ رسولها وشتمه وتهدده، وعادت فعاد لمثل ذلك، فلما استحكم اليأس عليها قصدت لأمه، ولم تكن بالحازمة، فاستمالتها بالهدايا من نفيس الجواهر والألطاف، وما أشبه ذلك من كثرة المال وألطاف الملوك، حتى إذا ظنّت أنها لها في الطاعة كالأمةِ، وفي النصيحة والإشفاق كالوالدة، ألقت إليها طرَفأ من الأمر الذي تريده، وأعلمتها ما لها في ذلك من حميد العاقبة، وما لإبنها من الفخر والشرف بمصاهرة أمير المؤمنين. وأوهمتها أن هذا الأمر إذا وقع كان به أمان لها ولولدها من زوال النعمة وسقوط مرتبته، فاستجابت لها أم جعفر، ووعدتها بأعمال الحيلة في ذلك، وأنها تلطف لها حتى تجمع بينهما. فأقبلت على جعفر يوماً فقالت له: يا بنيَ، قد وصفت لي وصيفة في بعض القصور من تربية الملوك قد بلغت من الأدب والمعرفة والظرفِ والحلاوة مع الجمال الرائع والقدِّ البارع والخصال المحمودة ما لم يرَ مثله، وقد عزمت على اشترائها لك، وقد قرب الأمر بيني وبين مالكها، فاستقبل جعفر كلامها بالقبول، وعلقت بذلك قلبه، وتطلعت إليها نفسه، وجعلت تمطله، حتى اشتد شوقه، وقويت شهوته. وهو في ذلك يلح عليها بالتحريك والإقتضاء، فلما علمت أنه قد عجز عن الصبر واشتد به القلق قالت له: أنا مُهدِيتها إليك ليلة كذا وكذا.

 

وبعثتْ إلى العباسة فأعلمتها بذلك، فتأهبَتْ بمثل ما تتأهب به مثلها وسارت إليها في تلك الليلة، وانصرف جعفر في تلك الليلة من عند الرشيد، وقد بقيَ في نفسه من الشراب فضلة لما قد عزم عليه، فدخل منزله، وسأل عن الجارية، فأُخبر بمكانها، فأدخلت على فتى سكران لم يكن بصورتها عالماً، ولا على خلْقها واقفاً، فقام إليها فواقعها. فلما قضى حاجته منها قالت له: كيف رأيت حيل بنات الملوك؟ قال: وأي بنات الملوك تعنين؟ وهو يرى أنها منِ بعض بنات الروم. فقالت له: أنا مولاتك العباسة بنت المهدي. فوثب فزعاً قد زال عنه سكره ورجع إليه عقله، فأقبل على أمه وقال: لقد بعْتِنِي بالثمن الرخيص، وحملتني على المركب الوَعرِ، فانظري ما يؤول إليه حالي. وانصرفت العباسة مشتملة منه على حَملٍ، ثم ولدت غلاماً، فوكلت به خادماً من خدمها يقال له رياش وحاضنة تسمى برة، فلما خافت ظهور الخبر وانتشاره وجّهت الصبيَّ والخادم والحاضنة إلى مكة، وأمرتهما بتربيته. وطالت مدة جعفر، وغلب هو وأبوه وأخوته على أمر المملكة، وكانت زبيدةُ أم جعفر زوجُ الرشيد من الرشيد بالمنزلة التي لا يتقدمها أحد من نظرائها، وكان يحيى بن خالد لا يزال يتفقد أمر حرم الرشيد ويمنعهن من خدمة الخدم، فشكت زبيدة إلى الرشيد. فقال ليحيى بن خالد: يا أبت، ما بال أم جعفر تشكوك؟ فقال: يا أمير المؤمنين، أمتّهم أنا في حرمك وتدبير قصرك عندك، فقال: لا واللّه، لا تقبل قولها، قال الرشيد: فلست أعاودك، فازداد يحيى لها منعاً، وعليها في ذلك غلْظَة، وكان يأمر بقَفل أبواب الحرم بالليل، ويمضي بالمفاتيح إلى منزله. فبلغ ذلك من أم جعفر كل مبلغ، فدخلت ذات يوم على الرشيد فقالت: يا أمير المؤمنين، ما يحمل يحيى على ما لا يزال يفعله من منعه إياي من خدمي ووضعه إياي في غير موضعي، فقال لها الرشيد: يحيى عندي غير متهم في حرمي، فقالت: إن كان كذلك لحفظ ابنه مما ارتكبه، فقال: وما ذاك؟ فخبرَته بالخبر وقصت عليه قصة العباسة مع جعفر، فسقط في يده، وقال لها: هل لك على ذلك من دليل أو شاهد؟ قالت: وأي دليل أدل من الولد؟ قال: وأين الولد؟ قالت: قد كان ههنا، فلما خافت ظهور أمره وجَّهته إلى مكة، فقال لها: أفيعلم هذا أحد غيرك؟ قالت: ما في قصرك جارية إلا وقد علمت به، فأمسكَ عن ذلك، وطوَى عليه كشْحاً، وأظهر أنه يريد الحج. فخرج هو وجعفر بن يحيي، وكتبت العباسة إلى الخادم والحاضنة أن يخرجا بالصبي إلى اليمن [66].

 

ومن ظريف التأليف والتلفيق خروج قوم يزعمون أنهم من سلالة جعفر بن يحيى بن خالد البرمكي من ذرية الولد الذي جاء من العباسة اخت الرشيد [67].

 

وهناك ملاحظات وتساؤلات على القصة، تؤكد في مجموعها أنها قصة اختلقها حكواتي يقوم بوظيفة التسلية في المقاهي،[68] سجلها الطبري في تاريخه. ثم استغلها بعض الحاقدين على الدولة العباسية، مثل المسعودي، وشحنها بالتحيز الشيعي المتطرف وبالعنصرية الفارسية، ورددها، عن غفلة، كثير من المؤرخين المسلمين. ومن التساؤلات التي تثيرها القصة:

أولاً - هل كانت زبيدة التي ترفض تسلط يحي البرمكي عليها غافلة عن القصة التي لا تخبر بها الخليفة إلا بعد سنوات، ولا سيما أن رواية المسعودي تقول بأنها قالت"ما في قصرك جارية إلا وقد علمت به؟"؛ و هل هي مغفلة لهذه الدرجة، حيث لم تثر الموضوع من قًبلُ والصراع المبطن بينها وبين البرامكة الثلاث موجودة، منذ أن أصبح زوجها الخليفة، وذلك إضافة إلى تسلط يحيى عليها بإصرار؟

 

ثانياً - هل كان الرشيد مغفلا وجاهلا ليبرر بعقد نكاح صوري الاجتماع المحرم بين أخته التي يغير عليها ويحترمها بأجنبي؟ ولاسيما أن جلسة اللذة والأنس في القصة هي جلسة معاقرة لأم الخبائث؟

 

ثالثاً - هل يمكن أن يخفى على الخليفة حمل أخته وهو -حسب القصة- لا يصبر من مسامرتها؟

 

رابعاً - ما هي درجة احتمال افتقاد هارون الرشيد للغيرة الفطرية، والعقلية والدينية، حتى يجمع أخته الشريفة العربية العباسة بجعفر، في مجلس شراب، وقد يتركهما فاقدي الوعي ثملان، حسب رواية الطبري؟

 

خامساً - هل يرضى أي إنسان طبيعي، أن يوصم بهذه الصفة؟ وهل يجيز كبار العلماء تسخير عقد النكاح الصوري لإباحة الجلسات المشحونة بالمحرمات؟

 

سادساً - ينقل الأباصيري عن الجومرد تساؤله: كيف يصح القول بأن الرشيد كان لا يصبر عن مجالسة أخته العباسة بحضور رجل غريب عنها، وإن أصبح زوجها؟! هذا مع الرشيد كان من أشد الناس غيرة على نساء أسرته. وكان يغضب إذا سمع جارية من جواري أخته "عَلِيَّة" تُغني بشيء من شعرها أمام أحد من الناس. وكان الأصمعي يضع - كمه على رأس "مواسة"" بنت الرشيد وهي طفلة صغيرة، ويُقَبِّل كمه؛ خوفًا من غَيْرة أبيها وبطشه.

 

وأخيراً - ولعله السؤال الذي يحسم الأمر في القصة هو: إذا علمنا بأن العباسة توفيت عام 182هـ؛ بل، هناك ما يشير إلى أنها ماتت قبل هذا التاريخ، وذلك لأن هارون الرشيد، تكريما لأحد قضاته من أهل العلم، صلى عليه، ودفنه في مقبرة العباسة بنت المهدي عام 178هـ.[69] وإذا تأكد لنا بأن الوشاية وقعت عام 186هـ، حسب رواية الطبري والمسعودي، فإن سؤالين كبيرين يبرزان: [70]

الأول - ما هو احتمال حصول خصومة بين ميتة منذ أربع سنوات أو أكثر وبعض الأحياء؟ فرواية الطبري تقول: بأن القصة بقيت مخفية عن الخليفة "حتى وقع بين عباسة وبين بعض جواريها شر، فأنهت أمرها وأمر الصبي إلى الرشيد"؟

 

الثاني - ما هو احتمال أن تأمر العباسة، الميتة قبل أربع سنوات أو أكثر، أحد الأحياء ليأخذ الصبي المزعوم من مكة إلى اليمن، عندما علم هارون الرشيد بالقصة وأراد الذهاب إلى مكة للحج ليتأكد- حسب رواية المسعودي؟

 

لتحميل المادة نصيا إضغط هنا



[1] بن جابر، أنساب ج4: 373؛ بن خياط ج1: 460 ؛ وفي رواية مات 192؛ المعارف جزء 1: 381- 382؛ السيوطي، تاريخ الخلفاء ص 237.

[2] ابن خياط، ج1: 447- 458، وأضاف المسعودي عام 176 للهجرة ج2: 213.

[3] تاريخ اليعقوبي جزء 2 صفحة 426.

[4] البلاذري، فتوح البلدان جزء 1 صفحة 172.

[5] ابن كثير، البداية ج10: 177.

[6] المعارف جزء 1: 382.

[7] اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي جزء 2 صفحة 410 .

[8] تاريخ بغداد جزء 14 صفحة 7، الغزالي، إحياء ج2 8.

[9] السيوطي ص 227-238.

[10] ابن كثير، البداية ج10: 216.

[11] شرف أصحاب الحديث ج1: 55.

[12] اطبري، تاريخ ج5: 24.

[13] جمهرة نسب قريش وأخبارها جزء 1 صفحة 107، 132؛ وتاريخ بغداد جزء 8 صفحة 466؛ البلدان جزء 1 صفحة 83؛

[14] الشريعة جزء 5 صفحة 2370.

[15] حلية الأولياء جزء 6 صفحة 332.

[16] ابن كثير، البداية ج10: 216.

[17] الأخبار الطوال جزء 1 صفحة 563-56.

[18] الجهشياري ص 166.

[19] المعارف جزء 1 صفحة 533

[20] المنتظم جزء 10 صفحة 9

[21] المنتظم ج10: 9- 10.

[22] الكامل في التاريخ جزء 5 صفحة 338.

[23] تفسير السمرقندي جزء 1 صفحة 163.

[24] شعب الإيمان جزء 6 صفحة 39.

[25] تاريخ بغداد جزء 14 صفحة 8.

[26] الشافعي، تاريخ مدينة دمشق ج5: 408.

[27] صفة الصفوة جزء 2 صفحة 310- 318.

[28] فضائح الباطنية جزء 1 صفحة 213.

[29] فضائح الباطنية جزء 1 صفحة 218.

[30] البداية والنهاية جزء 10 صفحة 217-218.

[31] ابن كثير، البداية ج10: 217.

[32] ابن كثير، البداية ج10: 218.

[33] احياء علوم الدين جزء 2 صفحة 353.

[34] تاريخ بغداد جزء 9 صفحة 239- 240، ابن كثير، البداية ج10: 217.

[35] تاريخ بغداد جزء 14 صفحة 375.

[36] الإنتقاء في فضائل الثلاثة الأئمة الفقهاء جزء 1 صفحة 95-97.

[37] المنتظم جزء 9 صفحة 127.

[38] المنتظم جزء 9 صفحة 36- 37.

[39] الأغاني جزء 6 صفحة 194- 195.

[40] الوافي بالوفيات جزء 13 صفحة 263 264.

[41] المعارف جزء 1: 382.

[42] الطبري ج2: 1823؛ ابن كثير، البداية ج10: 189- 191؛.

[43] ابن خلكان، وفيات الأعيان ج1: ص333- 334، وانظر الأباصيري، في الألوكة.

[44] مروج الذهب ج2: 22.

[45] ابن كثير، البداية ج10: 177، ابن قتيبة، المعارف ج1: 382.

[46] المسعودي، مروج ج2: 21؛ ابن كثير، البداية ج10: 204.

[47] ابن كثير، البداية ج10: 177.

[48] ابن كثير، البداية ج10: 179.

[49] الطبري، تاريخ الطبري ج 3: 537.

[50] ابن كثير، البداية والنهاية ج10: 210.

[51] ابن كثير، البداية ج10: 212.

[52] المسعودي، مروج ج2: 21.

[53] البيهقي، لباب الأنساب ج1: 29؛ ابن كثير، البداية ج10: 190.

[54] الطبري، تاريخ، الكرمي ج2: 1822.

[55] المسعودي مروج الذهب ج2: 18.

[56] الطبري، تاريخ، الكرمي ج2: 1822.

[57] الطبري، تاريخ، الكرمي ج2: 1822؛ ابن كثير، البداية ج10: 190.

[58] المسعودي، مروج الذهب ج2: 15- 18؛ نقلا عن الأباصيري، الجهشياري، طبعة دار الكتب العلمية ص211.

[59] من حكمة الرشيد أو دهائه أنه، في الغالب، كان يدافع عن المتهم من خواصه حتى تثبت التهمة، وذلك منعا لنمو الوشاية الكاذبة.

[60] الحلف "بحياتي" تبدو سوقية، ولا تليق بمثل هارون الرشيد، ومن الشاهد على قول الرشيد "قتلني الله بسيف الهدى على عمل الضلالة، إن لم أقتلك". فهو مستبعد.

[61] البيهقي، لباب الأنساب ج1: 29، 44.

[62] ابن الجوزي، المنتظم جزء 9 صفحة 133.

[63] الأصفهاني، ملحق الأغاني أخبار أبي نواس ج1: 199؛ ابن العمراني، الإنباء، تحقيق السامرائي ج1: 269.

[64] ابن العمراني، الإنباء في تاريخ الخلفاء ج1: 268؛ وانظر الجهشياري ص 164.

[65] الطبري، تاريخ الطبري ، جمع الكرمي ج2: 1821-1822.

[66] المسعودي، مروج الذهب ج2: 15- 18.

[67] ابن كثير، البداية ج14: 172.

[68] ابن العمراني، الإنباء في تاريخ الخلفاء، تحقيق السامرائي ج1 285.

[69] بن سعد، الطبقات ج1: 464-465؛ البغدادي، تاريخ ج10: 408؛ ابن الجوزي، المنتظم ج9: 37.

[70] ابن خلكان، الوافي بالوفيات ج 16: 383، السامرائي المعلق على الإنباء لابن العمراني.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • نموذج من خطب الخليفة العباسي عبدالله بن هارون الرشيد
  • هارون الرشيد ونكبة البرامكة
  • وصية هارون الرشيد لخلف الأحمر مؤدب ولده الأمين

مختارات من الشبكة

  • لماذا لا أدري لكن لماذا؟(استشارة - الاستشارات)
  • فتح مدينة هرقلة (شوال 190هـ)(مقالة - موقع د. محمد منير الجنباز)
  • ظاهرة قتل الأزواج والزوجات: أسبابها، والوقاية منها(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • رسالة إمام دار الهجرة مالك بن أنس إلى الخليفة هارون الرشيد (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • مخطوطة رسالة إمام أهل المدينة مالك بن أنس إلى الخليفة هارون الرشيد وإلى يحيى البرمكي(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • لمـاذا؟!(مقالة - موقع الدكتور وليد قصاب)
  • قراءة في كتاب عبدالسلام هارون: قطوف أدبية (4)(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • وقفة بين جيلين: سابق بالخيرات وظالم لنفسه (1)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير آية: (فطوعت له نفسه قتل أخيه فقتله فأصبح من الخاسرين)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • القتل رحمة، أو القتل بدافع الشفقة بين الإسلام والغرب(مقالة - آفاق الشريعة)

 


تعليقات الزوار
2- شكر
الحمداني - العراق 04-11-2021 12:48 PM

شكر للموضوع الغالي الثمين

1- تعقيب
علي عبد الهادي - العراق 04-01-2021 04:07 AM

جزاكم الله خيرا على هذا المقال وللأسف الكثير من تاريخنا تشوه بفعل بعض الأعاجم والحاقدين على الإسلام،
ملاحظة : الطبري من عادته إيراد كل شاردة وواردة بغض النظر عن مصداقيتها لكن من يتتبع منهجه يجده أنه يختار بين الأقوال وعلينا مراجعة اختياره أو تلميحه عن القصة فلا أظن أنه يؤيدها.

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 0:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب