حسان الهند السيد غلام علي آزاد البلغرامي رحمه الله

حسان الهند

السيد غلام علي آزاد البلغرامي رحمه الله [1]

الشعر العربي في الهند له تاريخ عتيق، ولشعرائها في تَحسينه وتطويره دورٌ كبير.

أنجبَت أرض الهند الشعراءَ الذين صوَّروا ما في ضمائرهم ومشاعرهم من الانطباعات والأفكار بالمعاني المبتكرة والأوزانِ الجميلة، وشعراء الهند يتميَّزون بدَورهم الفعَّال ومساهمتهم الملحوظة في الأدب العربي، أعطاهم الله قدرةً عظيمة وموهبة فائقة، سهَّلوا بها سبلًا مستنيرة للأجيال القادمة.

وكان السيد مولانا غلام علي آزاد البلغرامي في مقدِّمتهم، أقرع الأسماعَ بألحان عذبة خلال أشعاره الناضِجة، التي قلَّ أن يوجد لها نظير وأن يشابهها شبيه.

واعترافًا بما قدَّم الشاعر إلى المدائح النبويَّة؛ يُلقَّب الشاعر غلام علي آزاد البلغرامي بــ حسان الهند.

حياته الشخصية:

ولد العلَّامة السيد غلام علي آزاد الحسيني الواسطي البلغرامي رحمه الله بقرية بلغرام (Balgram) بولاية أترابراديش الشمالية (North U.P) بالهند عام 1116هـ، في الخامس والعشرين من شهر صفر يوم الأحد، الموافق 29/ 07/ 1704م، وكان رحمه الله حسينيًّا نسبًا؛ لأنه ينتهي إلى الحسين بن علي رضي الله عنه.

نشأ الشاعر في جوٍّ يحفل بالدِّين والعلم والأدب؛ حيث كانت أسرته أسرةً علميَّة مباركة؛ لأن أكثر العلماء المشهورين ببلغرام ينتمون إلى أسرة الشاعر؛ مثل جده وخاله وابن عمه، ولا شك أنَّ هذه البيئة العلمية لعبت دورًا بارزًا في تكوين شخصيَّته الفذَّة، وصياغة قدرته الفائقة، وتنقيح ملكاته الناضجة.

وتلقَّى الشاعر رحمه الله الفنونَ العلمية من أمجد العلماء؛ حيث أخذ اللغةَ والحديث، والسِّير والمنطق، وإجازة سند الحديث المسلسل بالأوليَّة عن جدِّه لأمِّه السيد عبدالجليل البلغرامي، وأخذ العروض والقافية ونواحي الشِّعر من خاله محيي الدين بن عبدالجليل البلغرامي، والسيد طفيل محمد الأترولي، والشيخ لطف الله الحسيني رحمهم الله.

فاضت روح هذا الشاعر الإسلامي إلى ربِّها راضيةً مرضيةً في 21/ ذي القعدة سنة 1200هـ - المطابق 15/ سبتمبر 1786م.

وإذا استعرضنا ما تركه آزاد من المؤلَّفات، وجدناه بارعًا في كلِّ ما يتحلَّى به المرء من علمٍ وفن، فقد كان شاعرًا عظيمًا، كما كان عالمًا متضلعًا في الفنون الإسلاميَّة الرائجة في زمانه، ولكن براعته عظيمة في فنِّ الرجال والسير، حتى لا يماثله أحد في عصره؛ لأنه قد بذل عنايةً فائقة لتطوير هذا الفن في شبه القارَّة الهنديَّة، ولا نجد أحدًا قبله اعتنى بتدوين أحوال العلماء الشعراء العظماء مثل ما فعله آزاد البلغرامي.

وقد ألَّف في السير والتراجم كتاب يد بيضاء، وخزانة عامرة[2]، وروضة الأولياء[3]، ومآثر الكرام[4]، وخلد الشاعر البلغرامي رحمه الله كتابه الشهير في هذا المجال، وهو سبحة المرجان في آثار هندوستان؛ وهذا الكتاب الأخير يَحتوي على أحوال أشهَر العلماء والأدباء في الهند منذ بدايةِ الإسلام إلى عصره؛ بل إن كتابيه: مآثر الكرام، وسبحة المرجان، يستحقَّان أن يُسمَّيَا بموسوعتي طبقات العلماء في الهند.

المدائح النبوية لحسان الهند:

لقد قرض البلغرامي رحمه الله الشعرَ في أغراض متنوعة؛ من المدح والحبِّ، والغزل والوصف والرثاء، ولكن الغزل والمدح يسُودان معظم دواوينه، ويعترف بذلك الشاعر بنفسه في مجموعته الشعرية (السبعة السيارة)؛ حيث يقول في مقدمتها: إنِّي نظمتُ سبعة دواوين في اللسان العربي، وسمَّيتُها بالسبعة السيارة، أكثرها في التغزل، وتوَّجتُ رأس كل ديوان بمَدح النَّبي صلى الله عليه وسلم تيمنًا.

المؤلَّفات الشعرية للشاعر غلام علي البلغرامي:

1- السبعة السيارة؛ هذه مجموعة دواوينه السبعة الأولى، وأكثر قصائد هذه الدَّواوين في الغزل، إلَّا أن الشاعر بدأ كلَّ ديوان بقصيدة أو قصائد في المديح النَّبوي لحصول البركة.

2- دواوين آزاد (الثامن والتاسع والعاشر)؛ هذه مجموعة دواوين للشاعر التي رتَّبها بين سنة 1198هـ - و1199هـ.

3- أوج الصبا في مدح المصطفى؛ هذه المجموعة للقصائد النبوية التي وردَت في دواوينه، وأفرد هذه القصائد النبويَّة وجمعها في مجموعة مستقلَّة في سنة 1197هـ.

4- القصيدة الهمزية؛ وهذه أيضًا قصائد في نَعت المصطفى صلى الله عليه وسلم، ونظمها الشاعر في المدينة المنورة سنة 1151هـ.

5- ديوانان لآزاد؛ هذان الديوانان بعثَهما آزاد إلى المدينة المنورة، وأنشدَت أشعارهما أمام الروضة الشريفة، وكلاهما يَشتملان على ثلاثة آلاف بيت، وأرسلها الشاعر إلى المدينة كي تُقرأ عند الروضة الخضراء.

6- مرآة الجمال؛ وهذه القصيدة يصِف فيها الشاعر الأعضاءَ الإنسانية وحسنها وجمالها من الرَّأس إلى القدم، وخص وصف كل واحد منها ببيتَين، وصف خمسين عضوًا، واحدًا تلو الآخر في 105 أبيات.

7- مظهر البركات؛ هذه مجموعة قصائد آزاد في وَزن المزدوجة، وهي وزن من أوزان الشعر الفارسي ينظم فيها الشعراء الحكايات والواقعات.

وقد برعَت شاعريَّة البلغرامي في المديح النبوي، ويمكن لنا بعد دراسة بعض قصائده المدحيَّة أن نتعرَّف على مدى ما بلغه من رِفعة وعلوٍّ في ابتكار المعاني البديعة في مَدح النَّبي صلى الله عليه وسلم.

والطريق الذي يسلك الشاعر في المدح يتميَّز بالكلمات النادرة والمعاني الجزلة؛ حيث لا يشابهه أحَد، ولكثرة ما أتى به الشَّاعر من المدائح النبوية ولوفرَته ولجودته؛ لُقِّب بحسَّان الهند، نسبة مباركة إلى حسَّان بن ثابت الأنصاري رضي الله عنه، شاعر الرسول صلى الله عليه وسلم.

وفي مدح المصطفى يقول الشاعر البلغرامي:

من أيِّ ناحية مجيئك يا صبا إن جئت من وادي العتيقِ فمرحبا أنا يا نسيمُ على نوالك شاكرٌ شرَّفتني متفضلًا من مجتبى طي الطَّريق على العليل مشقَّة فجنحت حيث أتيت نحوي مُتعبا أحييتني كرمًا بنفحة وردة بسمت فأخجلتِ الوميض الأشنبا[5]

وأسلوب هذا الشَّاعِر الإسلامي الفذ متميز؛ حيث إنَّه أدخل إلى الشِّعر العربي الهندي قوالب الشعر وبحوره، والمحسنات والبدائع الكلاميَّة من الأدب الفارسي والهندي والسانسكريتي، ولا يوجد أحَد يماثله في جودة الشعر ولا في وفرته من الشُّعراء الهنود الذين جاؤوا قبله والذين أتَوا بعده.

فإنَّه حري لأن يُعدَّ أعظم الشعراء وأشهرهم باللغة العربيَّة في الهند، كما أنه يَستحق هذا اللَّقب المبارك؛ وهو حسان الهند.

المصادر والمراجع:

♦ إدريس أحمد: الأدب العربي في شبه القارة الهندية، الطبعة الأولى 1998م.

♦ الفاروقي ويران محيي الدين: الشعر العربي في كيرلا مبدؤه وتطوره، الطبعة الثالثة 2003م.

♦ الفاروقي جمال الدين: أعلام الأدب العربي في الهند، مكتبة الهدى كالكوت 2008م.

♦ اللكنوي السيد عبدالحي الحسني: نزهة الخواطر = الإعلام بمن في تاريخ الهند من الأعلام، دار ابن حزم، دمشق.

♦ اللغة العربية وآدابها: المجددي محمد، والفاروقي محمد إسماعيل.

♦ الندوي، أبو الحسن علي: المسلمون في الهند، المجمع العلمي الإسلامي، لكنو 1998م.

Save