• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | الثقافة الإعلامية   التاريخ والتراجم   فكر   إدارة واقتصاد   طب وعلوم ومعلوماتية   عالم الكتب   ثقافة عامة وأرشيف   تقارير وحوارات   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    زبدة البيان بتلخيص وتشجير أركان الإيمان لأحمد ...
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    مفهوم الصداقة في العصر الرقمي بين القرب الافتراضي ...
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    الخنساء قبل الإسلام وبعده
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    العلم والمعرفة في الإسلام: واجب ديني وأثر حضاري
    محمد أبو عطية
  •  
    حول مصنفات وآثار الإمام ابن جرير الطبري (10) الرد ...
    محمد تبركان
  •  
    تفيئة الاستشراق
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    الطعن في الأحاديث النبوية سندا ومتنا
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
  •  
    طرق فعالة للاستفادة من وسائل التواصل الاجتماعي
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    حول مصنفات وآثار الإمام ابن جرير الطبري (9) بسيط ...
    محمد تبركان
  •  
    تهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني طبعة دار البر ...
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    التحقيق في ملحمة الصديق (7) دلالات وعبر
    محمد صادق عبدالعال
  •  
    بين العبادة والعدالة: المفارقة البلاغية والتأثير ...
    عبد النور الرايس
  •  
    الثقة بالاستشراق
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    الطعن في شخصية النبي صلى الله عليه وسلم
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
  •  
    المجموع في شعر علماء هجر من القرن الثاني عشر إلى ...
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    المصحف المرتل بروايات أخر غير رواية حفص عن عاصم
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
شبكة الألوكة / ثقافة ومعرفة / روافد / موضوعات تاريخية
علامة باركود

بيزنطة وفارس (3/4)

د. عمر يحيى محمد

المصدر: مجلة الدرعية: السنة الثامنة، العدد الثاني والثلاثون، ذو الحجة 1426هـ - يناير 2006م
مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 2/3/2010 ميلادي - 16/3/1431 هجري

الزيارات: 15163

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

بيزنطة وفارس
قراءة جديدة لآخر جولات الصراع بين القوتين العظميين في العصور الوسطى


الاجتياح الفارسي لأراضي الإمبراطورية البيزنطية قبل وخلال عهد الإمبراطور هرقل:
اتَّخذ الملك الفارسي كسرى الثاني (590 - 628م)[1] من مقتل الإمبراطور موريس (582 - 602م) صديقه وصهره على يد فوكاس (602 - 610م)، مُبرِّرًا لاستئناف القتال مع البيزنطيين، خاصةً وأن أحد أبناء موريس - وهو ثيودسيوس - نجا منَ القتْل، والْتَجَأ إلى كسرى مُستجيرًا به، وطالبًا مساعدتَه، فأجاره ووعده بالمساعدة، ويقال: إن كسرى حزن حزنًا شديدًا على موريس، وبكا ولَبِسَ السواد، وأمر كبار رجاله بارتداء السواد كذلك، وشرح لرجاله الدور الكبير الذي قام به الإمبراطور موريس في نصرته ومساعدته، ومدِّه بجيشٍ بيزنطيٍّ عندما ثار عليه بهرام شوبين[2].

ولعل تلك المساعدةَ التي سبق أن قدَّمها موريس لكسرى، كانت هي السببَ في الاستجابة لاستجارة ابن الإمبراطور موريس، وهذا فضلاً عن أن هناك أسبابًا أخرى دفعتِ الملكَ كسرى لاتِّخاذ هذا الموقف، من بينها: ذلك التاريخُ الطويل من العداء المستحكم بين الفرس والبيزنطيين، والصراع الأزلي بينهما، والرغبة في استعادة السيطرة على طريق تجارة الحرير، الذي كانت مقاليده في يد البيزنطيين، ثم تسوية الخلاف الذي كان ناشبًا حول بعض المناطق الحدودية بين الدولتين[3].

وتَذكُر بعض الروايات أن كسرى حاول في البداية اتِّباعَ الدبلوماسية مع البيزنطيين، على أمل أن يخلعوا فوكاس، ويسلِّموا العرش إلى ثيودسيوس بن موريس؛ ولذلك أرسل رسولاً من لدنه، غير أن البيزنطيين قبضوا على الرسول، وأرسلوه مُقيدًا بالأغلال إلى بلاده، وعندما عَلِمَ كسرى بذلك قرَّر مهاجمة الأراضي البيزنطية[4]؛ غير أن هذه الرواية بعيدة عن الواقع إذا أخذنا في الاعتبار ظروفَ الإمبراطورية في بداية حكم فوكاس، والاضطراب الذي سادها، واحتياجه إلى السلام، إلا أن ما عُرِفَ عن فوكاس من دمويَّة وعنف قد يدفع إلى تصديقها.

جهز كسرى جيشَه، واختار لقيادته رجلاً شجاعًا فظًّا، يُدعَى رومزان Romizan، وأوصاه باتِّباع العُنف مع البيزنطيين، وسماه شهرباراز Sahrbaraz[5]، وهذا القائد هو الذي سيقود معظم المجهود الحربي الفارسي في المعارك القادمة، ابتداءً من سنة (603م).
 
خرج شهرباراز مع ثيودسيوس - بن موريس - على رأس الجيش الفارسي، حتى وصلا إلى قرب مدينة دارا[6] Dara؛ انتظارًا لوصول كسرى الذي قرَّر أن يُشارك في الحملات، والذي وصل بعد أيام؛ حيث قرَّر تقسيم جيشه إلى قسمَيْن، فأبقى القسم الأول لحصار دارا، وسار بالقسم الثاني إلى الرها، وقبل وصول كسرى إلى الرها كان القائد البيزنطي نارسيس Narses الذي تولَّى أمر منطقة ميسوبوتاميا Mesoptamie (بلاد الرافدين)، قد أعلن تمرُّده على الإمبراطور فوكاس، ودخل بجيشه مدينة الرها واستولى عليها، أرسل إليه فوكاس جيشًا بقيادة جيرمان Germain الذي نجح في استعادة الرها وأخرج نارسيس منها، وأرسله إلى القسطنطينية[7]، ولكن كسرى كان بالمرصاد لهذا الجيش البيزنطي، فقد استطاع الاستيلاء على مدينة الرها، ثم عاد إلى دارا التي استسلمتْ بعد حصارٍ طويلٍ، ثم أخذ في توجيه ضربات قوية للبيزنطيين في أرْمِينِيَة، وشنَّ عليها هجماتٍ مُتعدِّدة استمرَّت قرابة خمس سنوات، أسفرت عن وقوع الجزء الأكبر من أرمينية البيزنطية في يد الفرس[8].

تواصلت الهجمات الفارسية على الأراضي البيزنطية، بينما كانت بيزنطة غارقة في مُشكلاتها وصراعاتها الداخلية؛ حيث قام شهرباراز سنة (606م) بمُهاجَمة بلاد ما بين النهرين، وحاصَرَ آمد (ديار بكر)، واكتَسَح في العام التالي سوريا وفِلَسْطين[9].
 
كما بدأ الفُرس يزحفون شمالاً إلى ولايات آسيا الصغرى، واجتاحوا قيصرية، حتى وصلوا سنة (608م) إلى خلقيدونية التي تشرف على البوسفور بالقرب من القسطنطينية؛ حيث أصبح أهلها يشهدون القرى المحترقة على الشاطئ الآسيوي، ولم يستطع الإمبراطور القابع في القسطنطينية أن يفعلَ شيئًا، وعندما زاد عليه الضغط الشعبي حرَّك جيشًا، مُنِيَ بهزيمة منكرة[10].

على أن التغيُّرات التي حصلتْ في بيزنطة لم تُوقِف الهجمات الفارسية على الأراضي البيزنطية، فبالرغم مِن أن مَلِك الفرس ادَّعى أن هجومَه هذا كان لِمُعاقبة قتَلَة صديقه الإمبراطور البيزنطي موريس، إلا أنه لم يجدْ في مقتل فوكاس، وتولِّي هِرَقل الحكمَ[11] سببًا كافيًا لإيقاف تقدُّم جيوشه.

وقد شعر الإمبراطور هرَقل بعدم قدرته على مواجهة التحدِّي الفارسي، خاصةً وأنه كان يفتقد إلى الجيش، وخزائنُه خاوية، وما زالت أموره السياسية والإدارية تحتاج إلى تنظيم؛ فرأى اللجوء إلى الوسائل الدبلوماسية، بأن يطلب الصلح، فأرسل رسلاً بهدايا عظيمة وخطابات إلى كسرى؛ بحثًا عن السلام، ويُعلِمه أن فوكاس الذي قتَلَ صديقَه موريس قد قُتِل، وحاول امتداحَ ملك الفرس وإطراءَه؛ رغبةً منه في كسْب رضاه واستمالته، ولكن كسرى رفض هذا العرض، وهدَّد بإخضاع الإمبراطورية كلها؛ بل وذهب إلى أكثر من ذلك حين استولى على الهدايا وقتل الرسل[12].

ركَّزت خطة الفرس في هذه الحقبة على انتزاع الجناح الشرقي من الإمبراطورية البيزنطية، مُستغلَّةً الظروفَ السيئة التي تعرفها عن بيزنطة، ومستفيدة كذلك من الظروف الجديدة التي يفرزها مسلسلُ التراجع البيزنطي، فبادر القائد الفارسي شهرباراز بالتقدم نحو أنطاكية[13]، التي كانت من أكبر وأجلِّ المدن البيزنطية في أعالي بلاد الشام، وأكثرها حصانة، ولكنها سقطتْ في يده، وقتل بطريركها، وأخذ الفرس عددًا كبيرًا من الأسرى، ثم واصلوا تقدُّمهم حيث استولوا على أفاميه وحمص، والتي أسقطوها سنة (611م) [14].

وقد أراد كسرى توسيع هُجُومه على الأراضي البيزنطية؛ تحسُّبًا لوصول الإمبراطور الجديد، واستباقًا لأي جهود يُمكن أن يقوم بها؛ لذلك نجده يستدعي قائدًا آخر، هو شاهين (Sahin)، ويأمره بالمسير نحو الغرب بهدف تغطية جيش شهرباراز الذي سار جنوبًا نحو فِلَسْطين، وليمنع الهجوم عليه من قليقية، وليفتح جبهة جديدة ضد البيزنطيين، ونجح شاهين في الاستيلاء على قيصرية عاصمة إقليم قبادوقيا المهم[15].

وفي نهاية عام (612م) كان الفرس قد حقَّقوا انتصاراتٍ مهمة باستيلائهم على الجزء الأكبر من سوريا؛ مما جعل البيزنطيين يفقدون اتصالهم البَري بولاياتهم في فِلَسْطين ومصر وإفريقيَّة.

بدأ الإمبراطور هرقل في التحرُّك إزاء هذا الوضْع الجديد المتدهور في الجانب البيزنطي، فقرر استدعاء القائد فلبيكوس Philippicus صهر الإمبراطور السابق موريس، والذي كان له سابقُ خبرة في تولِّي الجيوش البيزنطية، وكان قد ارتدى ثياب الرهبان، وترك خدمة الجيش ليخدم في الكنيسة، واستطاع الإمبراطور هرقل إقناعَه بتولِّي الجيش الذي قرَّر إرساله لمحاولة استرداد سوريا[16].

أما الفرس، فقد واصلوا التقدُّم؛ حيث استولى شاهين على مدينة أرزن الروم Theodosioupolis وملطية، والتقتِ القوات الفارسية في إقليم بسيدي Pisidie الواقع في جنوب آسيا الصغرى، بينما قاد الإمبراطور هرقل، وابن عمه نيكتاس، وأخوه ثيودور جيشًا آخر خاض معاركَ داميةً أمام أبواب أنطاكية عام (613م)، إلا أنهم أصيبوا بهزيمة فادحة، وأصبح الطريق مفتوحًا أمام الفرس للاستيلاء على باقي سوريا وفلسطين، حيث نجح شهرباراز في الاستيلاء على دمشق عام (613م) ودخل فلسطين، واستولى على جميع المدن الساحلية دون مقاومة[17].

وتابَعَ شهرباراز مسيرَه تجاه بيت المقدس، التي كان لها وضعها الخاص عند النصارى؛ فإضافةً إلى قداستها ومكانتها الدينية، فقد تجمَّعت فيها ثروات ضخمة أثارتْ دائمًا شهيَّةَ الفرس، ثم إن سقوطها كان ذا معنى إستراتيجي كبير، وأثر نفسي وعقدي مدمِّر على الإمبراطورية البيزنطية[18].

ويَذكُر بعض المؤرخين أن الفرس أرادوا الاستيلاء على المدينة سلمًا؛ حتى يتمتَّعوا بخيراتها؛ حيث أرسل شهرباراز سنة (614م) من مقرِّه في قَيْسَارِيَةَ إلى أهل بيت المقدس يدْعوهم إلى الاستسلام والتسليم، على أن ينعموا بالسلام والرخاء، وخضع أهلُ المدينة واستسلموا بعد أن قدَّموا هدايا كثيرةً للقائد الفارسي وللأمراء الفرس، وغادر شهرباراز المدينة بعد أن وضع فيها حاميةً لحراستها[19].

وبعد عدة شهور وثب أهلُ المدينة وشبابُها على الحامية الفارسية وقتلوهم، ثم أغلقوا باب المدينة، وحدث قتال بين النصارى واليهود، أباد فيها النصارى أعدادًا من اليهود الذين كانوا يقفون إلى جانب الفرس[20].

عاد شهرباراز وشرع في حصار مدينة بيت المقدس، بعد أن فشلتْ خطة الاستيلاء السلمي عليها، ونصب آلاته ومعداته وأقام المنجنيق، وبدأ الحصار، وخلال فترة الحصار التي استمرتْ عشرين يومًا ضرب المدينة دون هوادة، وبالرغم من البسالة التي أبداها أهل المدينة، إلا أن الفرس استطاعوا حفر سراديبَ أسفلَ الأسوار، ودعموها بالخشب وأشعلوها بالنيران، فانهارت الأسوار، ودخل الفرس المدينة[21].

وخلال ثلاثة أيام أباد الفُرس عددًا كبيرًا من أبناء المدينة، ولم يَتَوَرَّعوا عن قتْل كلِّ مَن يلقوه من أهل المدينة بِحِقْدٍ شديدٍ، ثم أشعلوا فيها النار، وعملوا على تخريب الكنائس، وأشعلوا النار في كنيسة القيامة وسلَبُوها كنوزها، وقدِّر عدد القتلى بما يتراوح بين 57 - 90 ألفًا، وقدر عدد الأسرى بـ 35 ألفًا[22]، كما أسروا بطريرك المدينة "زكريا"، وأجبروا عددًا من رجال الدين على الإدلاء بمكان صليب الصلبوت، وهو أثمن المقدسات النصرانية[23]، وجمعوا الأموال والمجوهرات والأسرى، وأرسلوها إلى الملك كسرى.

وكان لسقوط مدينة بيت المقدس بهذا الشكل،
وبهذا العنف الذي رافقه، أثرُه الكبير على الإمبراطورية البيزنطية؛ بل على النصارى بشكْلٍ عامٍّ، فبهذا السقوط أنْزَل الفُرسُ بالإمبراطورية هزيمةً كبيرة، ولطمةً قاسية، وعمَّ القسطنطينيةَ شعورٌ عميقٌ بالأسى والحزن، كما تسبَّب ذلك في إضعاف هيبة الإمبراطورية بشكل لم يَسبق أن فعلتْه كلُّ الهزائم السابقة[24].

وبالاستيلاء على القدس، استكمل الفرس استيلاءَهم على سوريا، وبدَؤُوا يَتَحَرَّكون لموقعٍ آخرَ من أراضي الإمبراطورية البيزنطية؛ ليطبقوا عليها، ويعرِّضوها لمزيد من الهزائم.

كانت نقطتهم التالية هي مصرَ، أهم الأراضي الإمبراطورية من الناحية الاقتصادية والإستراتيجية؛ حيث انطلقتْ جيوشُهم ابتداءً من سنة (616م) عبر غزة والصحراء؛ حيث استولوا على العريش (رينوقولورا Rhinokulura)، ثم على الفرما وممفيس في طريقهم إلى بابليون، ثم ساروا إلى الإسكندرية[25].

وبعد حصار طويل، استطاعوا الاستيلاء على الإسكندرية عن طريق الخيانة، وكان أنْ عاملوا أهلها بقسوة وعنف؛ حيث يذكر سايروس ابن المقفع في تاريخه عن بطاركة الإسكندرية أن الوالي الفارسي أمَرَ كلَّ رجلٍ في مدينة الإسكندرية، ممن تتراوح أعمارهم بين 18 - 50 عامًا أن يخرجوا؛ ليتسلم كلٌّ منهم عشرين دينارًا، وعندما اجتمعوا، كتب أسماءهم وهم يظنون أنهم سيأخذون العطية التي وعدهم بها، ولكن عند خروجهم جميعًا أمَرَ جيشه أن يحيط بهم ويقتلهم جميعًا بالسيف، وبلغ عددهم ثمانية آلاف رجل[26].

وأحدث الاستيلاءُ على مصر أثرًا بالغًا في عالَم ذلك العصرِ، فقد عادتْ مصر إلى السيطرة الفارسية بعد مُدَّة تزيد على التسعة القرون، وكان ملوك الفرس الساسانيون يطمعون دائمًا إلى أن يمدُّوا حدودهم إلى ما كانت عليه فارس أيام إمبراطورية الإخمينيين[27]، وقد اعتبروا ذلك انتصارًا وفخرًا كبيرًا، كما أنَّ خسارة الإمبراطورية البيزنطية كانتْ كبيرة؛ فقد كانت مصر ذات أهمية إستراتيجية في البحر المتوسط، ومخزن غلال الإمبراطورية، وبضياعِها توقفتْ إمداداتُ القمح المصري؛ مما كان له أبلغ الأثر في زيادة الأزمة الاقتصادية الطاحنة في بيزنطية[28].

وفي الوقت نفسه الذي سقطت فيه مصر في يد الفرس، كان جيش فارسي آخر يتقدَّم في آسيا الصغرى، وينجح في عام (616م) في الوصول إلى كريسبوليس Chrysoupoiles (سكوتاري حاليًّا)، ويقيم معسكره في خلقدونية التي تقع على بحر مرمرة بالقرب من البسفور في مواجهة العاصمة البيزنطية، والتي أصبحت على مرمى النظر من المعسكر الفارسي[29].

كان وصول الفُرس إلى هذه النقطة المهمة، ونقلهم للصراع إلى مشارف العاصمة البيزنطية، رسالةً تحمل كلَّ معاني التهديد للإمبراطورية البيزنطية ولإمبراطورها، وقد عاش شعب بيزنطة أيامًا مرعبة وهم يتوقَّعون الهجومَ الفارسي عليهم، خاصة وأن آثار حرائقهم وتدميرهم بدَتْ واضحةً على الشاطئ المجاور، لقد أصبحتِ الإمبراطورية البيزنطية قاب قوسَيْن أو أدنى منَ الانهيار؛ فولاياتُها الغنية في الشام وفِلَسْطين ومصر وآسيا الصغرى، قد استُبيحتْ للفرس، والآفارُ والصقالبة يهاجمونها من الغرب، والأزمة الداخلية فيها طاحنة، وما زال حكمُ هرَقل في الداخل يعاني من الاضطراب والصراع، بالرغم من مرور عدة سنوات على تسلُّمه العرش.

بدأ الإمبراطور هرقل يشعر بالضِّيق والمَلَل والرُّعْب، وأخَذَ يُفَكِّر في البحث عن وسائلَ تُنقذه وتنقذ عاصمتَه، حتى ليقال: إنه فكر في مغادرتها إلى شمال إفريقيا؛ حتى يستطيع أن يُكوِّن جيشًا يستعين به في استرداد أراضيه، وإنقاذ كرامة الإمبراطورية[30].

وقبل أن يفعل ذلك فكَّر في اتخاذ الدبلوماسية، وطلب عقد لقاء مع القائد الفارسي شاهين؛ حيث زوَّده بالهدايا، وطلب منه عقد معاهدة سلام مع الفرس[31].

وانتهت المفاوَضات بأن يقوم وفدٌ بيزنطي بحمْل رسالة إلى الملك كسرى؛ للتفاوُض معه حول عقد معاهدة سلام.

أعد البيزنطيون سفارةً، تكوَّنَت من البطريق أوليمبيوس Olympius، ووالي المدينة ليونتيوس Leontius، والقس أناستاسيوس Anstasius، وسنيكلوس Syncellus  قَيِّم كنيسة القدِّيسة صوفيا والمسؤول عنها، وقد حملتِ السفارة معها خطابًا إلى كسرى من رجال السناتو[32].

وسرعان ما انقلب شاهين على السفارة البيزنطية، فبعد أن عبَرتِ السفارة الأراضيَ البيزنطية، أصدر أوامره بتقييدهم بالسلاسل، وأرسلهم إلى كسرى مقيدين، حيث أساء كسرى معاملتَهم[33].

وكان كسرى ينتظر من شاهين أن يرسل إليه هرقل مقيدًا بالسلاسل، بدلاً من تقديم فروض الطاعة والاحترام إليه، وإجراء مفاوضات باسم الملك، فوبَّخه ثم أصدر أوامره إلى جنوده المعسكرين في خلقيدونية لمهاجمة العاصمة البيزنطية، وكانوا قد جهزوا في سنة (619م) عددًا كبيرًا من السفن؛ استعدادًا لمهاجَمة بيزنطة، وقد دارتْ معركة بين الطرفَيْن، هُزم فيها الفرس وولَّوُا الأدبار، بعد أن تكبَّدوا آلاف القتلى ودمِّرتْ سفنهم[34].

وتعود أسباب هذه الهزيمة إلى أن الفرس لم يكونوا بحَّارة، أو مُدرَّبين على القتال البحري، على أن نتيجة هذه المعركة البحرية، فتحت آفاقًا جديدة في الصراع بين الدولتين.
 
ـــــــــــــــــــــ
[1] كسرى الثاني أبرويز، ابن هرمز، وحفيد كسرى أنوشروان، وعرف بأبرويز؛ لأنه بلغ من النصر والظفر، وجمع المال والكنوز، ما لم يتهيَّأ لملكٍ، لذلك سُمِّي أبرويز، ومعناها بالعربية: المظفر.
[2] سبق وأن استعرضنا تفاصيل هذه المساعدة، وأهدافها، وما أدَّت إليه.
[3] Camb, med. Hist, vol.2, p.284.
[4] ليلى عبدالجواد إسماعيل، "الدولة البيزنطية في عهد الإمبراطور هرقل"، مرجع سابق، ص14.
[5] شهرباراز بالفارسية تعني: خنزير الملك، وكان الخنزير رمزًا للقوة والرجولة في فارس؛ انظر: آرثر كريستنس، مرجع سابق، ص127.
[6] دارا: مدينة حصينة بناها الإمبراطور أنستاسيوس (491 - 518م) لحماية الحدود البيزنطية من هجمات الفرس، وكانت أيضًا محطة تجارية مهمة، وكانت تُسمَّى مدينة أنستاسيوس.
[7] Osrogorsky, Op.cit, P.92.
[8]  Camb, med. Hist, vol.2, p.285.
[9] Vasiliev, Op.cit, vol.1, P.213.
[10] موس، "ميلاد العصور الوسطى"، مرجع سابق، ص230.
[11] تولَّى هرقل عرش الإمبراطورية البيزنطية في الخامس من أكتوبر عام (610م)، بعد أن قتل فوكاس، وتم إعلانه إمبراطورًا في كنيسة أيا صوفيا: Theophanes, Op.cit, P.429.
[12] Vasiliev, Op.cit, vol.1, P.198.
[13] المعروف أن أنطاكية تكتسب أهميةً خاصة لدى النصارى؛ فهي أول مدينة تقام بها كنيسة نصرانية، وكانت تتمتَّع بحصانةٍ طبيعيةٍ وأسوار منيعة، ولكنها سقطت هذه المرة بسهولة؛ لأن هناك موجة من الاضطرابات والشغب شغل المدينةَ، وقادَهُ اليهود في بداية حكم هرقل؛ انظر: أسد رستم، "كنيسة مدينة الله أنطاكية العظمى"، بيروت، المكتبة البوليسية، 1988، ج1، ص154.
[14] أسد رستم، "الروم"، ج1، ص223.
[15] Theophanes, Op.cit, P.430.
[16] أسد رستم، مرجع سابق، ج2، ص224.
[17] Camb, med. Hist, vol.2, p.289.
[18] Theophanes, Op.cit, P.431.
[19] ليلى عبدالجواد، مرجع سابق، ص214 نقلاً عن سيبوس sebeos الذي كتب تاريخ هرقل Histoire d' Heraclius, P.68
[20] Vasiliev, Op.cit, vol.1. P.198.
[21] د. محمود سعيد عمران، "معالم تاريخ الإمبراطورية البيزنطية"، بيروت، دار النهضة العربية، 1981م، ص71.
[22] أسد رستم، مرجع سابق، ج1، ص224.
[23] يعتقد النصارى أن صليب الصلبوت هو الخشبة التي قُتل وصُلب عليها المسيح، وعليها قطرات من دمائه، وكان محفوظًا داخل صناديق عديدة في جبل الزيتون بالقدس، ويعتبرونه من أثمن ذخائرهم ومقدساتهم الدينية، والحقيقةُ أن المسيح - عليه السلام - لم يُقتل ولم يُصلَب؛ بل رفَعَهُ الله؛ لقوله - تعالى -: {بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا} [النساء: 158].
[24] الباز العريني، مرجع سابق، ص118.
[25] بتلر، "فتح العرب لمصر"، مرجع سابق، ص53.
[26] سايروس ابن المقفع، "تاريخ بطاركة الإسكندرية، سلسلة التراث العربي المسيحي"، القاهرة، مطبعة دار العالم العربي، 1987م، ص221.
ويبدو أن ذلك مبالغة كبيرة من رجل دين نصراني، وهي مبالغات تعوَّدت عليها مصادر تاريخ العصور الوسطى؛ إذ لا يعقل أن يتم قتلُ مثل هذا العدد من الرجال في مدينة واحدة، وبهذه الطريقة.
[27] طه باقر، مرجع سابق، ص51.
[28] محمود سعيد عمران، مرجع سابق، ص71.
[29] Ostrogorsky, Op.cit, P.86.
[30] د. عمر كمال توفيق، "تاريخ الدولة البيزنطية"، الإسكندرية، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1977م، ص91.
[31] تختلف المصادر في ذِكر من الذي طلب عقد اللقاء؛ فبعضُها يذكر أنه هرقل، والبعض الآخر يذكر أن شاهين هو الذي طلب عقد لقاء مع الإمبراطور، وقدم له فروض الطاعة؛ لتوضيح هذا الخلاف. انظر: ليلى عبدالجواد، مرجع سابق، ص227.
[32] اختلف المُؤرِّخون في السبب الذي جعل السناتو (مجلس الشيوخ) وليس الإمبراطور يكتب الرسالة؛ فيرى البعض أن السبب هو أن السناتو كانت له اليد الطولى على هرقل وعلى الحكم في بيزنطة، وأن هرقل كان مشغولاً مع المعارضين له، ومنهم من يرى أن كسرى لم يكن ليعترفَ بهرقل، وأنه سبق وأن نفى الاعترافَ بشرعية خلفاء موريس، وهناك مَن يرى أن السناتو قد حمل على عاتقه مهمة إنقاذ العاصمة البيزنطية، كما أن سيطرة السناتو كانت بارزة في بداية حكم هرقل، خاصةً وأنهم هم الذين استدعوه وبايعوه على العرش بعد سقوط فوكاس.
عن هذه التبريرات انظر: Finaly, History of Greece, Oxford, 1877, vol.1. P.343.
[33] Ostrogorsky, Op.Cit, p.87.
[34] Camb, med. Hist, vol.2, p.285.




 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • بيزنطة وفارس (1/4)
  • بيزنطة وفارس (2/4)
  • بيزنطة وفارس (4/4)

مختارات من الشبكة

  • الحديث: قد هممت أن أنهى عن الغيلة، فنظرت في الروم وفارس(مقالة - موقع الشيخ عبد القادر شيبة الحمد)
  • أبو الدرداء رضي الله عنه: حكيم الأمة وسيد القراء وجامع القرآن وفارس من طراز خاص(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • رحل فارس الدعوة.. الشيخ أحمد الفارس(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • محمود محمد شاكر .. شيخ العربية وفارس الفصحى(مقالة - موقع د. حيدر الغدير)
  • الحروب الصليبية من فرسان الإسبتارية إلى دولة فرسان مالطا وبلاك ووتر(مقالة - ملفات خاصة)
  • الرأي العام(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • تفسير: (الم * غلبت الروم * في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • وفاة الشيخ الداعية أحمد بن عبدالله الفارس -رحمه الله-(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • پندار درست در فهم توحید و یکتاپرستی نسخه فارسی (فارسي - PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • السير الحثيث في جمع علم فرسان الحديث (PDF)(كتاب - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 13/11/1446هـ - الساعة: 23:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب