• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات   بحوث ودراسات   كتب   صوتيات   أخبار   نور البيان   سلسلة الفتح الرباني   سلسلة علم بالقلم   وسائل تعليمية   الأنشطة التعليمية  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    تدريب على التشديد بالكسر مع المد بالياء
    عرب القرآن
  •  
    التشديد بالكسر مع المد بالياء
    عرب القرآن
  •  
    تدريبات على الشدة مع التنوين بالفتح
    عرب القرآن
  •  
    التشديد مع التنوين بالفتح
    عرب القرآن
  •  
    تعليم المد اللازم للأطفال
    عرب القرآن
  •  
    تدريبات على التشديد بالضم مع المد بالواو
    عرب القرآن
  •  
    التشديد بالضم مع المد بالواو
    عرب القرآن
  •  
    تعليم الحرف المشدد مع الفتحة للأطفال
    عرب القرآن
  •  
    الضمة والشدة
    عرب القرآن
  •  
    التشديد مع الكسر
    عرب القرآن
  •  
    تعليم التشديد مع الفتح
    عرب القرآن
  •  
    تعليم السكون للأطفال
    عرب القرآن
  •  
    تعليم التنوين بالضم للأطفال
    عرب القرآن
  •  
    شرح التنوين بالكسر
    عرب القرآن
  •  
    تعليم التنوين للأطفال
    عرب القرآن
  •  
    تعليم المد المتصل للأطفال
    عرب القرآن
شبكة الألوكة / المواقع الشخصية / مواقع المشايخ والعلماء / د. محمد منير الجنباز / مقالات
علامة باركود

حجة الوداع

حجة الوداع
د. محمد منير الجنباز

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 8/7/2024 ميلادي - 1/1/1446 هجري

الزيارات: 1326

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

حَجَّة الوداع


الحج هو الركن الخامس من أركان الإسلام، وقد بدأ الحج منذ أذَّن إبراهيم عليه السلام بأمر من الله تعالى يدعو الناس إلى الحج: ﴿ وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ * لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ ﴾ [الحج: 27، 28]، غير أن الحج قد دخله - بعد زوال الحنيفية دين إبراهيم وإسماعيل - كثير من الانحرافات والعادات الجاهلية، فبقي من الحج اسمه، واخترع الحمس من أهل مكة لهم أعمالًا متميزة عن غيرهم؛ كالوقوف بمزدلفة لا بعرفات؛ لأن مزدلفة داخل الحرم وعرفات خارجه، فكانوا يقولون: نحن أهل الله في بلدته وقطان بيته، وخالفهم فيها النبي صلى الله عليه وسلم قبل الإسلام في ذلك متبعًا الحنيفية، ثم أكد الإسلام على وقوق الجميع بعرفات: ﴿ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ * ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [البقرة: 198، 199]، وكان للنساء ملابس خاصة بهن للطواف، فإذا لم يجدن هذه الملابس طُفْن عراة، وهذا منتهى الخروج عن شريعة الحج التي فرضها الله، ولما فتح النبي صلى الله عليه وسلم مكة في رمضان سنة ثمان للهجرة عاد إلى المدينة في ذي القعدة ولم يحج هذا العام، وفي العام التالي كلف النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر بأن يحج بالناس، وأرسل في إثره علي بن أبي طالب لينادي بسورة "براءة": ﴿ بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ * وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ * فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [التوبة: 1 - 5]، وتسمى الآية الخامسة آية السيف، ونادى بها علي رضي الله عنه، وسمعها كل من حضر الموسم، كما نادى ألا يحج بعد هذا العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان، وذلك تمهيد لحج النبي صلى الله عليه وسلم في العام القادم، فكان لا بد من إبعاد المشركين عن المسجد الحرام؛ لكي يتبين الناس الحج المشروع، فلا تختلط عادات الجاهلية مع التشريع الإسلامي، وبما أن الحج عبادة عملية تحتاج إلى المعرفة والإتقان، فإن حج النبي صلى الله عليه وسلم سيكون البيان العملي لهذه العبادة؛ لذلك لما حج في العام القادم - حجة الوداع - كان يقول للناس: ((خذوا عني مناسككم))، وهكذا جاء العام العاشر وتجهز النبي صلى الله عليه وسلم للحج، وحج معه أكثر من مائة ألف، فشرع بالحج من الميقات في ذي الحليفة؛ حيث أحرم من هناك، وحدد مواقيت الإحرام للجهات الأخرى، فكانت الجحفة للقادمين من جهة البحر، ويلملم ميقات أهل اليمن، وذات عرق ميقات أهل العراق، وقرن المنازل ميقات أهل نجد مع إمكانية المحاذاة لمن قدم من طريق بين ميقاتين، وفي الحديث الذي أخرجه البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم "وقَّت لأهل المدينة ذا الحليفة، ولأهل الشام الجحفة - وزاد الترمذي ومصر - ولأهل نجد قرن المنازل، ولأهل اليمن يلملم، هن لهن ولكل آتٍ أتى عليهن من غيرهم ممن أراد الحج والعمرة، فمن كان دون ذلك فمن حيث أنشأ حتى أهل مكة من مكة"، وعلَّم النبي صلى الله عليه وسلم الناس الإحرام والإهلال بالحج مفردًا أو متمتعًا أو قارنًا، وما يلزم كل نوع من الهدي، وبعد الوصول إلى مكة، علمهم أعمال الحج من طواف بالبيت، وسعي بين الصفا والمروة، ثم مرورًا بمنى، والنفرة إلى عرفات فجر التاسع من ذي الحجة والوقوف بعرفة والصلاة فيها، والخطبة، والنفرة بعد الغروب إلى مزدلفة، والمبيت فيها، ثم العودة إلى منى ورمي الجمار والحلق أو التقصير ونحر الهدي، ثم طواف الإفاضة والمبيت بمنى أيام التشريق لرمي الجمار، ثم طواف الوداع؛ قال الله تعالى: ﴿ الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ ﴾ [البقرة: 197]، لقد كانت هذه الحجة درسًا عمليًّا للمسلمين، أخذوا مناسكهم كاملة عن النبي صلى الله عليه وسلم بنظام معين وترتيب لا خلل فيه، وعلى المسلمين مراعاته، خصوصًا في الأعمال التي لا يصح الحج إلا بها؛ كالوقوف بعرفات، وطواف الإفاضة، والسعي، وهناك مجال للاجتهاد يستنبط من فعل النبي صلى الله عليه وسلم؛ حيث سئل النبي صلى الله عليه وسلم من قِبل أشخاص قالوا: نحرت قبل أن أحلق، قال: ((افعل ولا حرج))، ومن قال: نحرت قبل أن أرمي، قال: ((افعل ولا حرج))، ثم يؤخذ من فعله في نزوله في الأبطح وعدم مزاحمة دور مكة وفي مبيته بمنى وعدم إقامته بمكة أمور لعلها تفيد في التخفيف عن المسلمين في هذه الأيام التي ازداد فيها عدد الحجاج بشكل ملحوظ مما أدى إلى وقوع اختناقات وحوادث زحام مؤسفة تحتاج إلى حلول تيسيرية لا تخرج عن إطار الشرع وأحكام الحج.

 

قد يقول قائل: لماذا الحج بهذه الطريقة وتجشم التعب وصرف المال؟

فالجواب: أن الله تعالى أراد أن يكون له بيت عزة في الأرض له قدسيته واحترامه يضبط به وحدة التوجه واجتماع أمة الإسلام فلا تذهب قلوبهم شتى، وهذا المكان أعلى الله شأنه وجعل أرضه حرمًا تصان فيه الحياة للإنسان والحيوان والنبات - مع استثناء الفواسق الخمس - وهذه الخصوصية للحرم تؤكد على المسلمين إجلالها ووضعها في المكانة الأسمى وتعميق حبها؛ لأن الله خالقنا أحبها وطهَّرها واختار إقامة بيته فيها، وما علينا إلا أن نحب مَن أحب الله: ﴿ وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ ﴾ [البقرة: 125]، فهي أحب البقاع إليه سبحانه، ولكن هذا الحب منا ليس حب عبادة وإشراك شيء مع الخالق، وإنما حب احترام ومزيد عبادة لله فيها؛ لِما للعبادات فيها من مضاعفة الحسنات، وحب افتداء ودفاع عنها فيما لو قصدها مُغِير كافر وحاقد، والحج نقلة بين الغيبي والحسي، فإذا كان الإيمان بالله تعالى غيبيًّا فقد أرانا الله تعالى من دلائل قدرته في هذه الدنيا نعمه المحسوسة، وقربنا إليه بما أحب واختار من بقاع، فإذا طفنا بالبيت فلله، ولأمر الله، وإذا سعينا ووقفنا بعرفات فكذلك، وقوف ارتقاء بالنفس والتخلص من أدران المادة وتعلقها بالخالق المبدع في هذه الأرض القدسية التي يشعر فيها المرء بروحانية فريدة ورهافة نفس تشف صفاءً فريدًا من عوالق الكدرة وشوائب الآثام: ﴿ ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ ﴾ [الحج: 30]، ﴿ إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ * فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ ﴾ [آل عمران: 96، 97]؛ فالحج فرضٌ على المستطيع، والاستطاعة تعني المقدرة المالية والبدنية، ويدخل فيها أيضًا أمن الطريق، فإذا توفر المال فعلى المسلم أن يبادر إلى أداء الحج، وأما صحة البدن فإن السقيم والعاجز وذا العاهة بإمكانهم إذا كانوا أغنياءَ توكيل من يحج عنهم، لقد قدس الله زمن موسى عليه السلام واديَ طوًى، وبيت المقدس في زمن داود وما بعده، وقد سبق كلَّ هؤلاء المسجد الحرام والكعبة فيه، وهذا التقديس فيه فوائد قد لا يدركها كثير من الناس، ففائدتها للمسلمين تعبدية في أداء الصلوات وفي أداء الحج والعمرة، وبالنسبة لغير المسلمين لبقية العالم إن من الخير للأرض أن يكون فيها لله مكان مقدس جعله من أفضل البقاع، وبهذا يكون للأرض أمان من الغضب الرباني المزلزل، فإذا كانت تشهد إنذارات هنا وهناك فإنها على وجه العموم آمنة لهذه البقع المقدسة فيها، والحظ الأوفر لساكني هذه الأماكن.

 

وإذا استعرضنا العباداتِ العملية نخلص إلى الآتي:

• الصلاة عبادة يشترك فيها كل المسلمين ذكورًا وإناثًا، الغني منهم والفقير، والسليم والمريض، ولا يعفى منها أحد إلا بعذر حدده الشرع، وهو المرأة الحائض أو النفساء والمجنون وفاقد الوعي إذا لم يُفِقْ، ويمكن القول: إن الصلاة عبادة تُطلَب من جميع المسلمين بلا استثناء؛ لذلك كانت من الأهمية بمكان، فمن ضيعها كان لما سواها أضيع، فكل المسلمين قادرون على أدائها.

 

• الزكاة عبادة مالية اختص بأدائها الأغنياء الذين يملكون نصابها، وهي تؤخذ من الأغنياء لترد على الفقراء.

 

• الصوم عبادة بدنية في شهر رمضان، وتعني الامتناع عن الطعام والشراب والجماع في نهار رمضان من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، ويعفى المريض والمسافر والحائض والنفساء وفاقد العقل والوعي، لكن على هؤلاء القضاء إذا زال العذر، وهذه العبادة يشترك فيها كل الناس، ما عدا المريض مرضًا لا يرجى بُرْؤه، والمجنون وفاقد الوعي إذا لم يُفِيقا.

 

• الحج عبادة بدنية مالية تفرض على المسلم المستطيع مرة في العمر، ولها فوائد كثيرة تجعل المسلم حركيًّا نشيطًا، يسافر سفر طاعة فلا يركن في مكانه دون أن يتحرك: ﴿ قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾ [يونس: 101]، وفي أداء الحج يجتمع المسلم بإخوانه من أقطار شتى، يتعارفون ويتدارسون قضايا أمتهم وما يحتاجون إليه من عون ورأي ومشورة، فنعمت السياحة الحج، فيه تُشَد الرحال إلى المسجد الحرام، وبإمكانهم المتابعة لزيارة المسجد النبوي والمسجد الأقصى ليتحقق لهم ثواب زيارة المساجد الثلاثة وفق حديث: ((لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، والمسجد النبوي، والمسجد الأقصى))، وفي هذه الانطلاقة يعتاد المسلم السفر وبذل الجهد والتعرف على القِبلة المعظمة التي يتجه إليها في الصلاة، فسيتذكر الخلف خطوات السلف، كما يتعرف على معالم الدولة الإسلامية الأولى، فينشد في عالم العزة والتفوق الحضاري الباهر ﴿ لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ ﴾ [الحج: 28]، وبعد حج النبي صلى الله عليه وسلم حجة الوداع في العام العاشر الهجري ونزلت عليه آخر آية تخبر باكتمال التشريع الإسلامي: ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ﴾ [المائدة: 3]، وعاش النبي صلى الله عليه وسلم بعد حجة الوداع ثلاثة أشهر، ثم انتقل إلى الرفيق الأعلى بعد أن بلغ الرسالة وأدى الأمانة، فجزاه الله خيرًا عن أمة الإسلام، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.

 

بقي قبل أن أختم القصص القُرْآني أن أجيب عن أمرين:

الأول: هل هناك سبع أرَضين؟

الثاني: هل في هذه الأرَضين حياة؟

 

الجواب: نعم هناك سبع أرَضين؛ وذلك بنص القُرْآن الكريم: ﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا ﴾ [الطلاق: 12]، ولكن أين هي؟ قول للمفسرين بأنها الكواكب السيارة: الأرض والقمر وعطارد والزهرة والمريخ والمشتري وزحل، وكانت هذه الكواكب هي التي يعرفها الفلَكيون القدماء، وهي التي يعرفها العرب؛ لإمكانية رؤيتها بالعين دون واسطة، والقُرْآن الكريم نوَّع في الخطاب، فتارة جعله سهلًا في متناول مدارك الناس جميعًا، وتارة أعلى شأن الخطاب فلا يدرك المعنى إلا كبار العلماء، وتارة توسط في الخطاب فيدركه المتعلمون ويغيب فهمه عن الأدنى معرفة وثقافة، وتارة اختص الله نفسه بعلم فكان من باب التحدي للعقول وحثها على بذل الجهد للاجتهاد، وهذا قليل، كما في حروف بدايات السور ﴿ الم ﴾ - ﴿ كهيعص ﴾..."، وذكر الله ذلك في سورة آل عمران: ﴿ هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [آل عمران: 7]، وفسَّر علماء آخرون الأرَضين السبعة بطبقات الأرض: "القشرة الأرضية الخارجية والسيما والسيال إلى أن يصلوا إلى النواة، فهي مطبقة بعضها فوق بعض كما هي السموات طبقًا؛ لقوله تعالى: ﴿ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا ﴾ [الملك: 3]، ولكن هذا الاحتمال بعيد، فالرأي الأول أكثر قبولًا، وأما ما ورد في الآية السابقة: ﴿ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ ﴾ [الطلاق: 12]، فهذا يعود إلى السموات، ما بين سماء وسماء، وبينهن وبين الأرض؛ لقوله تعالى: ﴿ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ﴾ [السجدة: 5]، فلم يكن الأمر إلا للأرض وليس للأرَضين، أما أن يكون قد عنى بالأرَضين السبع الكواكب السيارة فهذا أقرب إلى فهم العرب الذين عرفوا أنها توائم الأرض من حيث تلقي ضوء الشمس وعكسه كالمرآة، وذلك بسبب ما يرونه من الخسوف والكسوف والاختلاف البين عن الشمس وأشعتها، وإذا ملنا مع هذه الفكرة يبقى السؤال: هل من أحياء على هذه الكواكب أو في غيرها من هذا الكون الفسيح؟ ذكر الشوكاني صاحب تفسير "الفتح القدير" قال قتادة: في كل أرض من أرضه وسماء من سمائه خَلْق من خَلْقه وأمر من أمره وقضاء من قضائه، ونقل عن ابن عباس قوله: "سبع أرَضين، في كل أرض نبي كنبيكم، وآدم كآدم، ونوح كنوح، وإبراهيم كإبراهيم، وعيسى كعيسى"، قال البيهقي: هذا إسناده صحيح، وهو شاذ بمرة، لا أعلم لأبي الضحى عليه متابعًا.

 

وهناك أحاديثُ واهية ومنكرة فيها خلط كثير حول هذا الأمر، وسأبرهن من القُرْآن الكريم بما يفيد أن الحياة هي على الأرض التي نعيش فوقها فقط؛ قال الله تعالى: ﴿ تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ ﴾ [الإسراء: 44]؛ فتسبيح مَن في السموات معروف؛ لأن فيها الملائكة، كما في حديث المعراج وأحاديث كثيرة، وكذلك سكنى عدد من الأنبياء في هذه السموات مع الملائكة، أما الأرض فذكَرها الله بالإفراد؛ لعدم وجود أحياء في بقية الأرَضين الأخرى، ولو كان فيها أحد مما ورد في حديث ابن عباس - وهو لم يقله بالطبع وإنما دسوا اسمه كذبًا كما تفترى أحاديث باطلة على النبي صلى الله عليه وسلم - ونلاحظ أن كلمة مَن وهي اسم موصول للعاقل أنه قصد باستعمالها العقلاء من ملائكة وإنس، ولو كانت (ما)، لشملت كل مخلوق عاقل وغير عاقل، كما ورد في آيات أخرى: ﴿ يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [الحشر: 24]، لكن في هذه الآية استعملت (من) لقصد العاقل، فلما خص العقلاء بالتسبيح، وهم ملائكة السموات، والإنسان على هذه الأرض، أتى على ذكر بقية المخلوقات في تتمة الآية: ﴿ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا ﴾ [الإسراء: 44]؛ وذلك لإعلامنا أن الحياة على أرض واحدة من الأرضين السبعة، وحتى لا يظن ظان أنه لا يسبح الله إلا العاقل فقط أتبعها بأن كل شيء يسبحه، وكذلك في سورة يونس: ﴿ أَلَا إِنَّ لِلَّهِ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ ﴾ [يونس: 66]، فعندما أراد (العقلاء) جمع السموات لوجود الملائكة، وأفرد (الأرض) لوجود الإنسان عليها فقط، ولو كان الإنسان موجودًا في بقية الأرَضين لقال: (من في السموات ومن في الأرضين)، هذا هو الدليل الأول، أما الدليل الثاني ففي قوله تعالى: ﴿ قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ * وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ * ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ * فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ﴾ [فصلت: 9 - 12]، وهنا ذكر الله تعالى الأرض بالإفراد، وأنه خلق جبالها وما فيها من أرض ونبات وحيوان وإنسان في أربعة أيام، وخلق السموات السبع وما فيها في يومين، فلماذا قدر للأرض هذه الزيادة في خلقها عن السموات السبع؛ ذلك ليشعرنا أن الأرض فيها من الخلق الكثير المتغير والمتبدل الذي يفوق خلق السموات؛ فالأرض حالة متغيرة باستمرار على مدى اللحظة والثانية، فيها موت وحياة وولادة لكل كائناتها، فأخذت الوقت الأطول من السموات التي لا يوجد فيها مثل هذه المتغيرات، فالملائكة أحياء لا يموتون ولا يتوالدون أو يتكاثرون، طعامهم وشرابهم التهليل والتسبيح، فالمتغيرات في السموات ليست كالمتغيرات على الأرض، أحياء كثيرة متنوعة وأعمال تحصى على الناس، فيها الخير وفيها الشر، وحركة حياة لجميع الكائنات لا تهدأ، فالإنسان الواحد - على سبيل المثال - له سِجل في كل حركاته وسكناته ولا يطوى إلا بنازلة الموت به، وقس على ذلك البشر وما على الأرض من أحياء دقيقة وجليلة، كلها أعطاها الله قوانينها التي تحيا بها مع قيومية لله عليها، فلا تأخذه في متابعتها سِنَة ولا نوم، إحاطة تامة بكل شيء، ولو كان في الأجرام السماوية الأخرى أحياء - كما هو على الأرض - لاحتاجت مدة خلق كل واحدة منها كما احتاجت الأرض، ولكن هذا العلوي كله بما فيه مع سمواته السبع قدر الله خَلْقه في يومين، فحركته الحياتية وتغيراتها لا تتشابه مع مداومة متغيرات الأرض، فالملائكة وهم أحياء السماء لا يموتون إلا بعد موت الخليقة كافة، فلا يبقى إلا الواحد الأحد الذي يقول: "لمن الملك اليوم؟ فلا يجيب أحد، ويجيب المولى نفسه فيقول: لله الواحد القهار"، فتقسيم خَلْق السموات والأرض على ما قدره الله - وهذا ما أخبر به الله، ولو شاء بقدرته لكانت كلها موجودة بكلمة كن - يعني إعطاء الأرض زمنًا أكثر بمرتين من زمن خلق السموات السبع، كما أن الأيام المقصودة لا يعلم طول مدتها بحسب أيامنا إلا الله تعالى، ولكن هذه إشارات ربانية يفهمها من وفقه الله لفهمها ليعمل عقله، وإذا قيل: إن لم يكن على بقية الأرضين حياة مشابهة لأرضنا فما الحكمة من خلقها؟ فالجواب أن الحكمة قائمة؛ لأن بين الكون كله رابطًا من نوع ما، وما توازن الأرض ودقة دورانها إلا بوجود علاقة بين مكونات الكون كلها بعضها مع بعض، وإن كنا لم نصل بعدُ لهذا التحديد.

 

وعليه، فما يثار في هذه الأيام من وجود مخلوقات وحياة في أماكن في الكون كله خيال ولن يصدقه الواقع، وإن من الفتنة وتغيير الحقائق من غير علم أن تكثر الأفلام عن مخلوقات الكون الآدمية، وأن هناك من هو أرقى من إنسان الأرض ويعمل على غزونا والوصول إلينا وتدمير حضارتنا، فالإنسان على هذه الأرض هو المستخلف لا سواه، وهو - كما نشاهد من الحياة - بإمكانه أن يكون عنصرَ خيرٍ وبناء، أو عنصر شر وهدم وتخريب.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • حجة الوداع مخالفة المشركين
  • خطبة حجة الوداع
  • حجة الوداع
  • حديث: تمتع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع بالعمرة إلى الحج
  • خاتم النبيين (43) حجة الوداع
  • حجة الوداع (خطبة)

مختارات من الشبكة

  • شرح قاعدة: البينة حجة متعدية والإقرار حجة قاصرة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مخطوطة الحجة في سرقات ابن حجة(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • حجة الوداع: ميثاق تربوي عالمي (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • من دروس حجة الوداع وفضل يوم عرفة(محاضرة - ملفات خاصة)
  • دروس من حجة الوداع(محاضرة - مكتبة الألوكة)
  • حجة الوداع من صحيح مسلم مع صفة حج رسول الله صلى الله عليه وسلم (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • دروس من حجة الوداع(محاضرة - مكتبة الألوكة)
  • شرح حديث ابن عمر: "كنا نتحدث عن حجة الوداع"(مقالة - آفاق الشريعة)
  • حديث: يعودني عام حجة الوداع من وجع اشتد بي(مقالة - موقع الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك)
  • مخطوطة حجة الوداع(مخطوط - مكتبة الألوكة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 9/11/1446هـ - الساعة: 17:29
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب