• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات   بحوث ودراسات   كتب   صوتيات   أخبار   نور البيان   سلسلة الفتح الرباني   سلسلة علم بالقلم   وسائل تعليمية   الأنشطة التعليمية  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    تدريب على التشديد بالكسر مع المد بالياء
    عرب القرآن
  •  
    التشديد بالكسر مع المد بالياء
    عرب القرآن
  •  
    تدريبات على الشدة مع التنوين بالفتح
    عرب القرآن
  •  
    التشديد مع التنوين بالفتح
    عرب القرآن
  •  
    تعليم المد اللازم للأطفال
    عرب القرآن
  •  
    تدريبات على التشديد بالضم مع المد بالواو
    عرب القرآن
  •  
    التشديد بالضم مع المد بالواو
    عرب القرآن
  •  
    تعليم الحرف المشدد مع الفتحة للأطفال
    عرب القرآن
  •  
    الضمة والشدة
    عرب القرآن
  •  
    التشديد مع الكسر
    عرب القرآن
  •  
    تعليم التشديد مع الفتح
    عرب القرآن
  •  
    تعليم السكون للأطفال
    عرب القرآن
  •  
    تعليم التنوين بالضم للأطفال
    عرب القرآن
  •  
    شرح التنوين بالكسر
    عرب القرآن
  •  
    تعليم التنوين للأطفال
    عرب القرآن
  •  
    تعليم المد المتصل للأطفال
    عرب القرآن
شبكة الألوكة / المواقع الشخصية / مواقع المشايخ والعلماء / أ. د. عبدالحليم عويس / مقالات
علامة باركود

التكافل الاجتماعي والأخوة الإسلامية

التكافل الاجتماعي والأخوة الإسلامية
أ. د. عبدالحليم عويس

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 27/7/2013 ميلادي - 19/9/1434 هجري

الزيارات: 29441

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

التكافل الاجتماعي والأخوة الإسلامية


• إذا كان التأمين الاجتماعي أمرًا تتولاه الدولة والمؤسسات الخاصة، ويتطلَّب مساهمةَ المستفيد باشتراكات يؤديها؛ حتى تُمنح له مزايا التأمين الاجتماعي متى توافرت فيه شروط استحقاقها، وإذا كان الضمان الاجتماعي يُقصَد به التزام الدولة نحو مُواطِنيها، وهو لا يتطلَّب تحصيلَ اشتراكات مُقدَّمًا، وتلتزم الدولة بتقديم المساعدة للمحتاجين في الحالات المُوجِبة لتقديمها؛ كمرض، أو عجز، أو شيخوخة، متى لم يكن لهم دخل أو مَورِد رِزق يوفِّر لهم حدَّ الكفاية[1] - إذا كان هذا هو مفهوم التأمين الاجتماعي والضمان الاجتماعي، فإن التكافل الاجتماعي قد حقَّقه الإسلام بين أفراد الأمة جميعًا، مِن شبكة مِن الالتزامات والقيَم الشرعية والأخلاقية.

 

• وتأتي (الأُخوَّة الإسلامية) أساسًا تقوم عليه كلُّ صور التكافل والتراحم بين المسلمين، وهي تجسيد لقوله - تعالى - في وصف المؤمنين: ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ [الحجرات: 10]، ﴿ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ﴾ [الفتح: 29].

 

فعندما هاجر الرسول - عليه الصلاة والسلام - إلى المدينة كانت المؤاخاة بين المسلمين مِن أُولى الركائز التي اعتمد عليها في بنائه لمجتمع المسلمين، وقال لأصحابه من المهاجرين والأنصار: ((تآخوا في الله أخَوينِ أخوينِ))، فكان هذا التآخي، بما انبثق عنه مِن ترابط وتكافل اجتماعي وإيثار نادِر في تاريخ البشريَّة كله، كان هذا التآخي "تجربةً رائدة" في تاريخ العدل الاجتماعي، ضرَب فيه الرسول - عليه الصلاة والسلام - مثلاً على مرونة الإسلام وانفتاحه - في الظروف المناسبة - على أشدِّ صور العلاقات الاجتماعية مساواةً وعدلاً[2]، وقد بلَغ مِن تأكيد الرسول - عليه الصلاة والسلام - على المؤاخاة أن كان ميراث الأنصاريِّ يؤول بعد وفاته لأخيه المهاجر، بدلاً مِن ذَوي رحمه مِن الإخوة أو الأبناء والنساء، واستمرَّ الحال على ذلك حتى موقعة بدر، التي حَظي فيها المسلمون بمَقادير لا بأس بها مِن الغنائم والأموال، فأنزل الله تعالى: ﴿ وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ ﴾ [الأنفال: 75]، فعاد التوارُث سيرته الأولى[3].

 

• ولا نظنُّ مجتمعًا مِن هذه المجتمعات التي تتشدَّق بالعدالة الاجتماعية - تحت شعار الاشتراكية أو غيرها - تحلم بالوصول إلى شيء مِن هذه الصور، التي صوَّرها القرآن أصدق تصوير بقوله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ تَبَوَّؤوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ﴾ [الحشر: 9].

 

إن الأخوَّة بين المسلمين مِن أعظم المبادئ التي ارتكز عليها التكافلُ الاجتماعي في الإسلام، بَيْدَ أن هذه الأخوة التي تجسَّدتْ عمليًّا في المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار كأول صورة تطبيقية لها، هذه الأخوة للأسف الشديد لم تحظَ مِن المؤرِّخين بالاهتمام الكافي، مع أنها مِن أبرز الظواهر التي تُخرِسُ الدعاةَ المزيَّفين للعدالة الاشتراكية في العصر الحديث، وتكشف بجلاء عن مدى عظمة النظرة الإسلامية لعلاج المسألة الاجتماعية.

 

• وجدير بالتنويه هنا أن هذه الأخوَّة ممتدة بين المسلمين إلى يوم القيامة، ولئن كانت قد توقَّفت كأساس للتوارث، فإنها لم تتوقف كمبدأ إنساني اجتماعي أساسي في حياة الجماعة الإسلامية؛ لأن محمدًا - عليه الصلاة والسلام - لم يُقرِّرها لمُجرَّد إيجاد وسيلة لمُعاونة المهاجرين المُحتاجين؛ وإنما قرَّرها ليؤكد للجماعة الإسلامية مبدأ الأخوة في العقيدة والهدف والمثل الأعلى بين أهل الجماعة الواحدة.

 

ولو أن كل جماعة إسلامية حرصت على تطبيق مبدأ المؤاخاة وربط أفرادها اثنين اثنينِ بروابط أخوَّة قلبية وإنسانية مثالية، لكان لذلك أثرُه البعيد في تطور العلاقات الإنسانية في داخل الجماعات الإسلامية، ولكانت هذه الروابط الروحية بين الناس قد أصبحَت عواملَ قوة دائمة تُعين الجماعةَ الإسلامية على الشباب والسير إلى الأمام[4]، فضلاً عن حفظها لكيان المجتمع كأقوى ما يكون ترابطًا وتعاونًا وحبًّا، ولا سيما في بلاد الغربة؛ حيث يكون المسلمون أقلية.

 

إن الأخوة الإسلامية - بتركيز شديد - هي: التطبيق العقَدي والشرعي والأخلاقي للتكافُل الاجتماعي الإسلامي العام، وهي فرض كفاية على الجميع، وفرض عين على الأقربين مكانًا ورحمًا وصِلةً بالمُحتاجين؛ يقول صاحب "كشاف القناع": "دفْع الضرر عن المسلمين مِن فروض الكفاية، وهي ما قصد حصولها مِن غير شخص معيَّن، فإن لم يوجد إلا واحد، تعيَّن كسَترِ العاري، وإشباع الجائع، وفكِّ الأسرى على القادرين من المسلمين، إن عجز بيت المال عن ذلك، أو تعذر الأخذ منه"[5].

 

وعلى أساس هذه الأخوة الإسلامية التي تتأرجح بين فرض الكفاية والعين، انطلق المجتمع الإسلامي وتجاوَزَ كثيرًا مِن العقبات المعنوية والمادية، وبدون عودة هذه الأخوة - على النحو الإيجابي الفاعل الذي يَتجاوز الحواجز العِرقية والوطنية والاجتماعية - لن تقوم للمسلمين قائمة، ولا سيما حين يكونون أقليات، سواء كانوا أقلية كبيرة؛ مثل الأقلية الإسلامية في الهند، أو أقليات صغيرة؛ كتلك الأقليات المُنتشِرة في أوروبا وأمريكا وإفريقيا وغيرها، ففي كل الحالات لن تستطيع الأقليات الإسلامية أن تواجه الضغوط الاجتماعيةَ والثقافية المضادة للهُوية الإسلامية إلا بالمناخ الذي تُحقِّقه الأخوة الإسلامية، التي وفَّرت شروطَ الانطلاق والسيادة للمجتمع الإسلامي الأول وسط ظروف أعتى من الظروف التي تحيط بالأقليات الإسلامية اليوم، وما زالت قادرة على قيادة المسلمين اليوم أكثريات وأقليات التكافل الاجتماعي.

 

وروح الإسلام - على طبيعة هذا الدين التي لا تقف عند التشريعات والتوجيهات - روح واضحة قوية، لا يملك الإنسان نفسَه مِن التأثُّر بها، والاستغراق في جوها، هذه الروح هي التي ترسم الأفقَ الأعلى الذي يتطلب الإسلامُ مِن مُعتنِقيه أن يتطلعوا إليه، وأن يُحاولوا بلوغه، ليس بتنفيذ الفرائض والتكاليف فحسب، بل بالتطوع الذاتي لِما هو فوق الفرائض والتكاليف، وهذا الأفق عسير المُرتقى، والأعسر منه الثباتُ عليه؛ لأن نوازع الحياة البشرية، وضغط الضرورات الإنسانية، لا يُطوِّعان للأكثَرين مِن الناس أن يَرتقوا لهذا الأفق العالي، ولا أن يَصبروا عليه طويلاً إن ارتقوا إليه في فورة من فورات الشوق والتطلُّع، فلهذا الأفق تكاليفُه العسيرة، وهى تكاليف في النفس والمال، وفي الشعور والسلوك[6].

 

• ولقد كان لتلك الروح التي أشرنا إليها أثرٌ في الواقع الإسلامي التاريخي، فاستحال الإسلام - وهو عقيدة وفكر - إلى شخصيات ووقائعَ، ولم يعد نظريات مجرَّدة، ولا مجموعة إرشادات ومواعظَ، ولا مُثلاً وأخيلة؛ إنما عاد نماذجَ إنسانيةً تعيش، ووقائع عملية تتحقق، وسلوكًا وتصرفات تُشاهَد بالعين، وتُسمَع بالأذن، وتَترك أثرَها في واقع الحياة، وفي أطوار التاريخ، فكأنما كان روحًا يَتلبس بهذه الشخوص فيُحوِّلها، ويَصوغها صياغة جديدة، ويُنشئها نشأة أخرى، وهذه التي يسميها هذا الكتاب: "روح الإسلام"، هي في رأينا مزيج مِن الحبِّ والرحمة يُعالج به المسلم القضايا التشريعية، وهذا المزيج يجعل المسلم يحاول السمو إلى أفضل الصور عند تطبيقه للشريعة، وهذا المزيج يجعل المسلم - أيضًا - يجاهد في سبيل الوصول إلى ما يُمكن أن نسميه الأفق المثالي للتطبيق.

 

• ولقد تكوَّن هذا المزيج أو هذه الروح بتأثير الروح القرآنية العامة، التي تحثُّ المسلمين على الحب والإيثار والتضحية واللِّين، والتي تجسَّدت في أقوال الرسول وأفعاله أيضًا، ورآها المسلمون قرآنًا يَمشي على الأرض، فحاولوا أن يُقلِّدوها؛ لأن الوحي أمَرَهم أن يكون لهم في رسول الله أُسوة حسَنة؛ يقول الله تعالى: ﴿ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ ﴾ [النحل: 89]، ويقول تعالى: ﴿ وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الإسراء: 82]، ﴿ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ ﴾ [الأعراف: 157]، ويقول: ﴿ يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا ﴾ [النساء: 28]، ويقول: ﴿ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ﴾ [البقرة: 185].

 

وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((يَسِّروا ولا تُعسِّروا، وبشِّروا ولا تُنفِّروا))[7].

 

لقد تميَّز الإسلام بالمزج الشديد بين العدل والحب والرحمة، فإذا كانت الزكاة "عدلاً"، فإن المجتمع لا يستغني عن الحب والرحمة، فليس بالزكاة وحدها - مهما بلغ سموُّها - تقوم الحياةُ المادية، بل في الأموال حقوق غير الزكاة، وليس بالحق أو العدل وحده تقوم الحياة الإنسانية، بل لا بد معهما مِن الحب والرحمة اللذَين يرتفع بهما الإنسان فوق القوانين ليَقترب مِن روح القوانين، وفوق العدل ليكون إنسانًا ربانيًّا رحيمًا جديرًا برحمة الله، وجديرًا بأن يكون تلميذًا وتابعًا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي قال الله له: ﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ ﴾ [آل عمران: 159]، وقال: ﴿ لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [التوبة: 128].

 

وقد نجَح الصحابة والتابعون وكثيرون في التاريخ الإسلامي في أن يكونوا نماذجَ حيةً لهذه الروح الإسلامية العالمية.

 

فهذا أبو بكر - رضي الله عنه - كان له يوم أسلَمَ أربعون ألف درهم مدَّخرَة مِن ربح تجارته، وقد ربح الكثير مِن التجارة بعد إسلامه، فلما هاجر إلى المدينة مع صاحبه - صلى الله عليه وسلم - لم يكن قد بقي له مِن كل مدَّخره سوى خمسة آلاف درهم؛ لقد أنفق ماله المدَّخر في افتداء الضعفاء مِن الموالي المسلمين الذين كانوا يذوقون العذاب ألوانًا مِن سادتهم الكفار، كما أنفقه في برِّ الفقراء والمُعوِزين.

 

وهذا عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - وإنه لرجل فقير - يُصيب أرضًا بخيبر فَيجيء رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم – فيقول: لم أصب مالاً قطُّ أنفسَ عِندي منه، فما تأمر به؟ فيُجيبه الرسول - صلى الله عليه وسلم -: ((إن شئت حبست أصلها وتصدَّقتَ بها))، فيجعلها عمر وقفًا على الفقراء وأولي القربى، وفي الرقاب، وفي سبيل الله والضعيف، لا جناح على من وَلِيَها أن يأكل منها بالمعروف، ويُطعم صديقًا غير متمول فيها، ويخرج بذلك من أعز ماله؛ تصديقًا لقول الله: ﴿ لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ﴾ [آل عمران: 92].

 

• وهذا عثمان - رضي الله عنه - قبل الخلافة تَرِد عيرٌ له مِن الشام في وقت نزل فيه البرح بالمسلمين مِن الجدب، فإذا هي ألف بعير موسوقة بُرًّا وزيتًا وزبيبًا، فيجيئه التجار يقولون: بعْنا مِن هذا الذي وصل إليك، فإنك تعلم ضرورة الناس، فيقول: حبًّا وكرامة، كم تُربحوني على شرائي؟ فيجيبون: الدرهم درهمَين، فيقول: أُعطيتُ أكثر مِن هذا، فيقولون: يا أبا عمرو، ما بقي في المدينة تجار غيرنا، وما سبَقَنا إليك أحدٌ، فمن الذي أعطاك؟! فيجيب: إن الله أعطاني بكل درهم عشرة، أعندكم زيادة؟ فيقولون: لا، فيُشهد الله على أن تكون هذه العير وما حملتْ صدقةً لله على المساكين والفقراء من المسلمين.

 

وهذا علي - رضي الله عنه - وأهل بيته يتصدَّقون بثلاثة أرغفة مِن سويق كانت لهم، على مسكين ويتيم وأسير، ثم يَبتون على الطوى، وقد شبع المسكين واليتيم والأسير[8].

 

ولم تكن الرحمة الإسلامية للمسلمين فقط، فالمبادئ لا تتجزَّأ، والمنهج الإسلامي يَعتمد العدل المُطلَق والرحمة المُطلَقة، اللهم إلا إذا فُرض عليه أن يكون قويًّا شديدًا؛ كما هو الحال في حالات الحروب التي اخترعتْ لها البشرية صورًا من الظلم الاجتماعي والإبادة الجماعية، التي لا تَعرف الرحمة ولا العدل.

 

أما الإسلام، فحتى في هذه الحالة الاستثنائية التي توجب الأخذَ بكل ألوان الشدة، وإلا فقَدَ الإنسانُ دينَه الذي يدافع عنه، وأرضَه التي يدافع عنها، وحياتَه الشخصية، لكن الإسلام حتى في هذه الحالة - بكل ملابساتها - التزم العدلَ والرحمة، فاستثنى غير المُحارِبين، ووضع آدابًا للحرب، ونهى عن الغدر والاغتيال والتعذيب، ونهى عن قتل المرأة، والصبيِّ، والشيخ الهَرِم، والعجَزة، والمُنقطِعين للعبادة - مهما كان دينهم - والمُنقطِعين للعلم، والطبقات المدنية غير المُحارِبة، كما أنه لم يسمح بقتل الأطباء والمُمرِّضين، وقد أوصى رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - المُجاهدين بقوله: ((لا تقتلوا شيخًا فانيًا، ولا طفلاً، ولا امرأة، ولا تغلُّوا، وضمُّوا غنائمكم، وأصلحوا، وأحسنوا؛ إن الله يحب المحسنين))، ويقول - عليه الصلاة والسلام - لخالد بن الوليد: ((لا تقتل ذرية، ولا عسيفًا؛ أي: عاملاً))، وأوصى أبو بكر - رضي الله عنه - أسامةَ بن زيد - رضي الله عنه - حينما بعثَه إلى الروم بقوله: "لا تخونوا، ولا تعقُّوا نخلاً ولا تحرقوه، ولا تقطعوا شجرة مُثمِرة، ولا تذبحوا بقرةً ولا شاة ولا بعيرًا، وسوف تمرُّون بأقوام قد فرَّغوا أنفسهم في الصوامع، فدعوهم وما فرَّغوا أنفسهم له"[9].

 

فالرحمة نسيج التعاليم الإسلامية كلِّها، لكنها الرحمة الإيجابية، وليست الرحمة العاجزة السلبية، كما أنه الحب الحقيقي الذي يراه الناس ويعملون به دينًا وأخلاقًا، وليس الحب النظري الذي لا رصيد له في الواقع، والذي يلوك كلمة "المحبة" وهو يتآمر على العالم، ويكيل بكيلين، ويعمل لذاته، ويَفرض على الضعفاء الاتفاقات التي تحفظ عليهم فقرَهم وضعفهم، وتزيد الغنيَّ القوي شراسةً وترفًا!



[1] د. محمد شوقي العنبري: الإسلام والضمان الاجتماعي، (ص:30، 31)، ط3، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1990.

[2] د. عماد الدين خليل: دراسة في السيرة، (ص: 152).

[3] د. عماد الدين خليل: دراسة في السيرة، (ص: 152).

[4] د. حسن مؤنس، عالم الإسلام، (ص: 139)، دار المعارف، مصر.

[5] كشاف القناع (1: 651)، وانظر: د. محمد الصادق عفيفي: المجتمع الإسلامي وحقوق الإنسان (ص: 91)، سلسلة دعوة الحق، مكة المكرمة 1407هـ.

[6] سيد قطب: العدالة الاجتماعية في الإسلام، (ص: 163) دار الشروق القاهرة، 1395هـ.

[7] متفق عليه.

[8] العدالة الاجتماعية في الإسلام، (ص: 198، 197).

[9] انظر: عبدالله غوشة: الدولة الإسلامية دولة إنسانية (ص: 78)، طبع عمان 1391 هـ.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • الاقتصاد الإسلامي بين الملكية والتكافل الاجتماعي
  • التكافل الاجتماعي
  • إطار التكافل الاجتماعي الإسلامي
  • مصطلح التكافل الاجتماعي في الإسلام
  • التكافل الاجتماعي ( أهمية التكافل المعنوي )
  • صور التكافل الاجتماعي في الإسلام
  • نظام المواريث والتكافل الاجتماعي
  • التكافل الاجتماعي وأساسيات الحياة
  • الأخوة الإسلامية
  • العطاء والتكافل الاجتماعي

مختارات من الشبكة

  • الإسلام والتكافل بين الأجيال(مقالة - آفاق الشريعة)
  • القسمات الحضارية للتكافل الاجتماعي الإسلامي(مقالة - موقع أ. د. عبدالحليم عويس)
  • التكافل الاجتماعي يقضى على المذاهب الهدامة (س/ج)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • التكافل الاجتماعي(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الزكاة أهم موارد التكافل الاجتماعي(محاضرة - مكتبة الألوكة)
  • مفهوم ونطاق التكافل الاجتماعي(كتاب - موقع الشيخ الدكتور عبدالرحمن بن معلا اللويحق)
  • التكافل الاجتماعي(مقالة - آفاق الشريعة)
  • كنوز التكافل الاجتماعي(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • التكافل الاجتماعي(مقالة - آفاق الشريعة)
  • القرآن يعظم التراحم والتكافل الاجتماعي(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 0:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب