• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات   بحوث ودراسات   كتب   صوتيات   أخبار   نور البيان   سلسلة الفتح الرباني   سلسلة علم بالقلم   وسائل تعليمية   الأنشطة التعليمية  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    تدريب على التشديد بالكسر مع المد بالياء
    عرب القرآن
  •  
    التشديد بالكسر مع المد بالياء
    عرب القرآن
  •  
    تدريبات على الشدة مع التنوين بالفتح
    عرب القرآن
  •  
    التشديد مع التنوين بالفتح
    عرب القرآن
  •  
    تعليم المد اللازم للأطفال
    عرب القرآن
  •  
    تدريبات على التشديد بالضم مع المد بالواو
    عرب القرآن
  •  
    التشديد بالضم مع المد بالواو
    عرب القرآن
  •  
    تعليم الحرف المشدد مع الفتحة للأطفال
    عرب القرآن
  •  
    الضمة والشدة
    عرب القرآن
  •  
    التشديد مع الكسر
    عرب القرآن
  •  
    تعليم التشديد مع الفتح
    عرب القرآن
  •  
    تعليم السكون للأطفال
    عرب القرآن
  •  
    تعليم التنوين بالضم للأطفال
    عرب القرآن
  •  
    شرح التنوين بالكسر
    عرب القرآن
  •  
    تعليم التنوين للأطفال
    عرب القرآن
  •  
    تعليم المد المتصل للأطفال
    عرب القرآن
شبكة الألوكة / المواقع الشخصية / مواقع المشايخ والعلماء / الشيخ إبراهيم بن محمد الحقيل / خطب منبرية
علامة باركود

من أسباب الخذلان (7)

الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل

المصدر: ألقيت بتاريخ: 21/6/1431هـ
مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 19/6/2010 ميلادي - 7/7/1431 هجري

الزيارات: 33935

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

من أسباب الخذلان (7)

ضعف رابطة الإيمان

 

الحمد لله ذي العزِّ والجبروت والكبرياء والعظمة، نصر المؤمنين وهم أذلَّة، ودحر الكافرين وهم أعزة؛ ﴿ وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ ﴾ [آل عمران: 123]، نَحمده كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سُلطانه، وأشهد أنْ لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له، من كان معه فلن يُخذَل، ومن نصره فلن يُهزَم، ومن وَكَله إلى نفسه، أحاط به الخِذلان من كلِّ جانب؛ ﴿ إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ المُؤْمِنُونَ ﴾ [آل عمران: 160]، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله، دعا إلى الهُدى ودين الحق، ونصح لأُمَّته وأرشدَها، وبيَّن لنا أسبابَ النصر والعز؛ لنأتِيَها، وأسباب الذُّلِّ والخِذْلانِ؛ لنجتنبها، صلَّى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين.

 

أمَّا بعد:

فاتقوا الله عبادَ الله وأطيعوه، وأقيموا له دينكم، وأسلموا له وجوهَكم؛ ﴿ بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [البقرة: 112].

 

أيها الناس:

جاء الإسلام بتكريس الأُخُوَّة في الدين، وتعزيز الوَلاء للمُؤمنين، والحثِّ على الاجتماع والأُلْفة، والتحذير من الاختلاف والفُرقة، وفَتَحَ كلَّ الوسائلِ المؤدية إلى تَحقيق الأُخُوَّة، وسَدَّ كل الذرائع المؤدية إلى انفصامها.

 

ومَن يستقرأ النصوصَ في ذلك، يَعْجَب من ترسيخ الشريعة للأُخُوة الإيمانية، وإخضاع كل رابطة سواها لها، حتى يكاد هذا المبدأ العظيم في الإسلام أنْ يقتحمَ كلَّ مجال منه، ويلج كل باب من أبواب الشريعة، ومَن تأمَّل ذلك، علمَ موقع الأُخُوة من دين الإسلام، وأهميتها في الشريعة الغراء، وأدرك ما يُؤدي إليه تَحقيقها من رفعة الأمة وعزِّها، وما ينتج عن التفريط فيها من انحطاط الأمة وذُلِّها.

 

إنَّنا لو أردنا أنْ نَستعرضَ نصوصَ الإخوة في الدين، فلا يكاد يوجد باب من أبواب الفقه إلا وفيه أحكام تكرس هذا المعنى العظيم:

ففي باب الأدب: ((الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لاَ يَظْلِمُهُ ولا يَخْذُلُهُ ولا يَحْقِرُهُ... بِحَسْبِ امْرِئٍ من الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أخاه المسلم)).

وفي أدب المجلس: "نهى النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم أَنْ يُقِيمَ الرَّجُلُ أَخَاهُ من مَقْعَدِهِ وَيَجْلِسَ فيه".

وفي الاصطفاف للعبادة: ((وَسُدُّوا الْخَلَلَ، وَلِينُوا بِأَيْدِي إِخْوَانِكُمْ)).

 

وفي الحقوق: ((خَمْسٌ تَجِبُ لِلْمُسْلِمِ على أَخِيهِ: رَدُّ السَّلامِ، وَتَشْمِيتُ الْعَاطِسِ، وَإِجَابَةُ الدَّعْوَةِ، وَعِيَادَةُ الْمَرِيضِ، وَاتِّبَاعُ الْجَنَائِزِ)).

وفي أبواب المعاملات بين الناس: ((الْمُؤْمِنُ أَخُو الْمُؤْمِنِ، فلا يَحِلُّ لِلْمُؤْمِنِ أن يَبْتَاعَ على بَيْعِ أَخيه، ولا يَخْطُبَ على خِطْبَةِ أَخِيهِ حتى يَذَرَ)).

 

وفي باب القصاص والجنايات: ﴿ فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ﴾ [البقرة: 178].

وفي باب الدُّعاء: ﴿ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ ﴾ [الحشر: 10]، ((وما من عَبْدٍ مُسْلِمٍ يَدْعُو لِأَخِيهِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ، إلا قال الْمَلَكُ: وَلَكَ بِمِثْلٍ)).

وفي باب الرِّق يكون الأرقَّاء المملوكون للمسلم إخوانًا له إن آمنوا: ((إِخْوَانُكُمْ خَوَلُكُمْ، جَعَلَهُمْ الله تَحْتَ أَيْدِيكُمْ)).

 

وفي البذل والمساعدة: ((وَمَنْ كان في حَاجَةِ أَخِيهِ، كان الله في حَاجَتِهِ))، وكذلك: ((تَبَسُّمُكَ في وَجْهِ أَخِيكَ لك صَدَقَةٌ... وَإِفْرَاغُكَ من دَلْوِكَ في دَلْوِ أَخِيكَ لك صَدَقَةٌ)).

وفي المظالم والقضاء: ((فَمَنْ قَطَعْتُ له من حَقِّ أَخِيهِ شيئًا، فلا يَأْخُذْهُ فَإِنَّمَا أَقْطَعُ له بِهِ قِطْعَةً من النَّارِ)).

وفي باب الخصومة: ((ولا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلاثة أيَّام)).

 

وفي حفظ غيبته وعرضه: ﴿ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ ﴾ [الحجرات: 12]، وفي حرمة عِرْضِه: ((وَضَعَ الله الْحَرَجَ، إلا من اقْتَرَضَ من عِرْضِ أَخِيهِ شيئًا، فَذَاكَ الذي حَرِجَ)).

وفي الدفاع عنه: ((من رَدَّ عن عِرْضِ أَخِيهِ، رَدَّ الله عن وَجْهِهِ النَّارَ يوم الْقِيَامة)).

وفي باب النُّصرة: ((انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أو مَظْلُومًا))، وفي حديث آخر: ((كُلُّ مُسْلِمٍ على مُسْلِمٍ مُحَرَّمٌ، أَخَوَانِ نَصِيرَانِ...)).

أي: أخَوان يتَناصَران ويتَعاضَدان.

 

والمسلم البعيدُ الذي مات في أرضٍ غَريبة ليس فيها مُؤمن سواه له حقٌّ على المسلمين تُوجبه أُخُوةُ الإيمان، ولو كان بينه وبينهم ما بين المشرِقَين، وذلك: أَنَّ النبيَّ خَرَجَ بِهِمْ، فقال: ((صَلُّوا على أَخٍ لَكُمْ مَاتَ بِغَيْرِ أَرْضِكُمْ)).

يعني: النجاشي رضي الله تعالى عنه.

 

ولا يرمي المسلم أخاه بما يقطعُ مُوجبَ الأخوة إلاَّ ببيِّنة، وإلا عاد ما رماه به عليه؛ ((إذا قال الرَّجُلُ لِأَخِيهِ: يا كَافِرُ، فَقَدْ بَاءَ بِهِ أَحَدُهُمَا)).

والكافر يستحقُّ الأخوة إذا دخل حظيرة الإيمان؛ ﴿ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ ﴾ [التوبة: 11].

 

وعشرات أخرى من النُّصوص سوى هذه مَبثوثة في أبواب الشريعة، تاجُها ورأسها حصرُ الأُخُوَّة في الإيمان؛ ﴿ إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ﴾ [الحجرات: 10]، ومساواة المؤمن أخاه المؤمن بنفسه في قاعدة عامَّة جامعة تشمل كلَّ شيء: ((وَالَّذِي نَفْسِي بيده، لاَ يُؤْمِنُ عَبْدٌ حتى يُحِبَّ لِأَخِيهِ ما يُحِبُّ لِنَفْسِهِ)).

 

ما أعظم إخوةَ الإيمان حين يضعُ المؤمنُ أخاه موضع نفسه، فيُحب له ما يُحب لها، ويكره له ما يكره لها، وإقامة الأخ في الإيمان مَقام النفس جاء في موضعين من القرآن الكريم؛ ﴿ وَلاَ تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ ﴾ [الحجرات: 11]؛ أي: إخوانكم، والموضع الثاني: ﴿ لَوْلاَ إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ المُؤْمِنُونَ وَالمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ ﴾ [النور: 12].

 

وكل أُخُوة في الدنيا، فهي مقطوعةٌ يومَ القيامة؛ ﴿ يَوْمَ يَفِرُّ المَرْءُ مِنْ أَخِيهِ ﴾ [عبس: 34]، إلاَّ أخوة الإيمان، فيبقى نفعُها في الآخرة؛ ﴿ الأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا المُتَّقِينَ ﴾ [الزُّخرف: 67].

 

وقال النبي صلَّى الله عليه وسلَّم: ((ما مُجادلة أحدِكم في الحقِّ يكون له في الدُّنيا بأشدَّ مُجادلة من المؤمنين لربِّهم في إخوانهم الذين أُدخلوا النار، قال: يقولون: ربَّنا، إخوانُنا كانوا يصلون معنا ويصومون معنا، ويحجون معنا، فأدخلتهم النار! قال: فيقول: اذهبوا فأخرجوا مَن عرفتم منهم)).

 

وكافأ النبي صلَّى الله عليه وسلَّم أبا بكر على مواقفه معه بأعظمِ مكافأة، وهي تقدمه على غيره في أُخُوَّة الإسلام: ((وَلَوْ كنت مُتَّخِذًا خَلِيلاً من أُمَّتِي لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ وَلَكِنْ أُخُوَّةُ الْإِسْلَامِ وَمَوَدَّتُهُ)).

 

وأول عمل عام قام به النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم بعد هِجْرته هو مُؤاخاته بين الصحابة رضي الله عنهم حتى توارثوا إلى أنْ نُسِخ التوارُث، وبَقِيَت الأخوة، وورد في هذه المؤاخاة جمعٌ من الأحاديث، تطرب لها القلوب، وتَدْمَع منها العيون.

 

لقد أسست الشريعةُ الربانية المجتمعَ المسلم على أساسٍ متين، وشيدته بناءً محكمًا مُتراصًّا لا يُمكن اختراقه ولا اقتحامه، فضلاً عن صدعه وهدمه، وهو ما بينه النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم بقوله: ((المؤمنُ للمؤمن كالبنيان يشدُّ بعضه بعضًا وشبك بين أصابعه))، وفي حديث آخر: ((مَثَلُ المؤمنين في توادِّهم وتراحُمِهم وتعاطفهم مَثَل الجسد إذا اشتكى منه عضوٌ، تَدَاعى له سائر الجسد بالسهر والحُمَّى))، وفي رواية: ((المسلمون كرجل واحد، إِنِ اشتكى عينه، اشتكى كلُّه، وإن اشتكى رأسُه، اشتكى كله))، وتكون قوة هذا البنيان على قَدْرِ ما يُحقِّقه المؤمنون من لوازم الأخوة وتفصيلاتها المبثوثة في الشريعة.

 

ولما كان الصحابة رضي الله عنهم قد حقَّقوا الأُخُوة كلها أو أكثرها، وأدُّوا لوازمها وحقوقها، عَجَز المشركون العرب بقوتهم عن كسرهم وهم قِلَّة، وعجز اليهود بدهائهم ومكرهم ودسائسهم عن اختراق ذلك المجتمع الرباني الإيماني، وعجز المنافقون وهم مندسون في داخل الصف عن تصديعه وتفريق المسلمين.

 

اجتمعوا على الإيمان، وتنافسوا في تحقيق كماله، ووضعوا كلَّ ما يَملكون فداءً لهذا الإيمان، وبذلوه في سبيل تحقيق رابطة الأُخُوة، حين قاسم الأنصار إخوانَهم المهاجرين أموالَهم ودورهم ومزارعهم... فلا عجب وهم كذلك أنْ لا تقفَ قوة أمامهم، ولا تُجدي دسيسة أو شائعة في أوساطهم.

 

قارِنُوا كمالَ الأُخُوة عندهم بأنانية كثيرٍ من المسلمين اليومَ؛ لتعلموا أنَّ مِن أهمِّ أسباب الذل والهوان والهزيمة والخِذْلان - ضعفَ رابطة الأخوة بين المؤمنين؛ حتى إنَّه لَيبيعُ بعضهم بعضًا بعَرَضٍ من الدنيا قليل، ويَكيد بعضُهم لبعضٍ في سبيل مصالِحَ خاصَّة، فأذلهم أهلُ الكتاب وأهانوهم، واخترقهم المنافقون وفرَّقوهم، وجرعهم مَن ضُرِبت عليهمُ الذِّلَّة من يهود ألوانَ الذُّل والهوان، ولا يَملكون إلا استجداءَ أعدائهم، والذل في مَجالسهم؛ لعلَّهم يعطفون عليهم، فيخففون الأذى عن إخوانهم، فإنَّا لله وإنا إليه راجعون، ولا حولَ ولا قوة إلا بالله العزيز الحكيم؛ ﴿ وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴾ [الأنفال: 46]، بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم...

 

الخطبة الثانية

الحمدُ لله حمدًا طيبًا كثيرًا مباركًا فيه كما يُحب ربنا ويرضى، وأشهد أنْ لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلَّى الله وسلَّم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه، ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين.

 

أما بعد:

فاتقوا الله تعالى وأطيعوه؛ ﴿ وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 281].

 

أيها المسلمون:

لا شيءَ أشدُّ وطأةً على النفسِ من الظُّلم، ويكون أعظمَ مضاضةً حين يشارك في الظلم مَن تربطهم بالمظلوم رابطة العرق واللُّغة، ويشتد ذلك على المظلوم حين يرى إخوانه في الدين يَخذلونه في مَظلمته، ويتخلَّوْنَ عنه في مِحنته، وهو أحوجُ ما يكون إلى عونِهم ونُصرتهم... هذا هو وَقع الظلم على النفس إذا كان فردًا، أو أفرادًا، وكانت المظلمة في جحد حقٍّ، أو نَهب مال، أو نحو ذلك.

 

فبالله عليكم، ما وَقْع الظُّلم على المظلومين إن كان حصارًا مُحكمًا من فوق الأرض ومن تحتها، وتجويعًا مميتًا للجميع، والقتل صبرًا لأمة تبلغ الملايين بأطفالها ونسائها وعجائزها وشيبها ومرضاها وزمناها؟ أمة من إخواننا تشهدُ شَهادة الحق، وتُصلِّي صلاتَنا، وتستقبل قبلتَنا، وفي الأرض على دينها أكثرُ من مليار، ومن عرقها ولغتها ثُلُث مليار، ولا يستطيعون تَخفيف الظلمِ عنها، ولا فَكَّ الحصار المفروض عليها، ولا نَجدتَها بطعامٍ يُقيم الأَوَد، ولا بحليب يُسكِت ضَغْوَ صبية يَبكون إلى الموت، ولا بِدَواءٍ لمرضى يصلون ليلَهم بنهارهم من شِدَّة الألم إلى أنْ يُفارقوا الحياة.

 

أيُّ خِذْلانٍ أصاب أمَّةَ الحقِّ؟! وكان ذلُّها وهوانها على أحقر الأمم وأحطها، على من ﴿ ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا ﴾ [آل عمران: 112]، يستنجد السياسيُّون بالضمير العالمي، وما أهلك إخوانهم إلاَّ الضميرُ العالمي، ويَلوذون بالمجالسِ الأُممية الطاغوتيَّة، وما أوصلهم إلى ما هُم فيه إلاَّ قراراتُها، ويستصرخون الدول الكبرى، وهي التي زرعت دولةَ صِهْيَون في أرضهم، وتعاهدتْها بالمال والسلاح؛ لتمتصَّ دماء المسلمين، وتَهتك حرماتِهم، وتطوعهم لمشاريعها وطموحات مَن يقفون خلفها.

 

وتالله، ما بلغت أمةُ الحق هذا المبلغَ من الذل والهوان، إلاَّ لَمَّا تعلَّق كثيرٌ من أفرادِها بغير الله - تعالى - وفرطوا في اتِّباع الحق الذي أنزله، واتَّخذوا المنافقين بطانةً لهم من دون المؤمنين، وأطاعوا الكُفَّار والمنافقين، ورَكنوا إلى الذين ظلموا، وانساقوا خلفَ الدُّنيا وملذَّاتِها، فتنافسوها واختلفوا عليها، وتَفرَّقوا لأجلها، وكل أولئك فَصْمٌ لعُرى الرابطة الإيمانية فيهم، فما عاد الأخ يأبَه بأخيه، ولا يَعنيه أمرُه، ولا يتألم لألمه، لقد صُمَّت الآذان عن سماع الاستغاثات المتكرِّرة، وعميت الأبصارُ عن مناظر المحاصرين وهم يَموتون من الجوع والأمراض، وقَسَتِ القلوبُ أنْ تُحركَها مناظر صبية يَتضاغَوْن من الجوع، وأرامل يبكين العائلَ، ويَشتكين قلةَ ذات اليد، ومرضى يئنُّون من آلام الجراح والأمراض، قلوب جعلتها المادية والأنانية كالحجارةِ أو أشَدَّ قسوة.

 

إنَّ الأخوة الإيمانية لما ضَعُفَت، انتشرت الأنانيةُ والنفعية، فكان في أُمَّة العرب مَن يبيع أخاه، بل يبيع أباه وأمه ورعيته؛ لأَجْلِ مصلحته، وما سلط أولئك الخونة على الناس؛ ليسودوهم إلا بذنوبِ العباد، والله يُسلط الظالم على الظالم.

 

وقد ((دخلت امرأةٌ النارَ في هِرَّة ربطتها، فلم تطعمها، ولم تدعها تأكل من خَشَاشِ الأرض))، فكم سيدخل النار بأُمَّةٍ كاملة حُوصِرَت وجُوِّعت حتى الموت، وهي تشهد شهادة الحق؟!

((وبينما كلبٌ يُطِيفُ بِرَكِيَّةٍ كاد يقتلُه العطش إذ رَأَتْه بَغِيٌّ من بغايا بني إسرائيل، فنزعت مُوقَها فسقته، فغُفِرَ لَها به)).

 

ولَمَّا حُوصِر بنو هاشم في الشِّعب، هجر النومَ بعضُ أشراف قريش وكُرمائها وهم على الشِّرك، وسعوا في نقض صحيفة الظُّلم والحصار إلى أن نقضوها، فسجلَ التاريخُ منقبتهم هذه، ولا تزال الأجيالُ تذكُرُها إلى يومنا.

 

وقافلة الإغاثة المباركة التي اعتدى اليهودُ على أفرادِها بالقتل والجرح والأَسْر هي مَحمدة لأهلها، وتُخفف من عار البشرية الذي لَحِقَ بها؛ جرَّاء مشاركتهم في جريمة الحصار والتجويع أو سكوتهم عنها، وقد قام أصحابُ القافلة بأمر عظيم لكسر الحصار الظالم عَجَزَ عنه كثير من الناس، ولن ينسى التاريخُ تضحيتهم أبدًا، ونرجو للقَتْلى من المؤمنين في القافلة منازلَ الشهداء، ونسأله أن يفكَّ أَسْرَاهم أجمعين، وأن يَشفي جرحاهم، وأن يكسر حصارَ اليهود، وأن يربط على قلوب إخواننا المحاصرين، وأن يَمُدَّهم بعونه، وأنْ يلطف بأطفالِهم ونسائهم ومَرضاهم وضعفائهم، وأنْ يرزقهم من حيث لا يَحتسبون.

 

ونسأله سبحانه أن يُخفف عنا وعن المسلمين، وأنْ يغفرَ لنا تقصيرَنا، وأنْ لا يؤاخذَنا بما فعل الظالمون منَّا، وأن يصلح أحوالَنا وأحوال المسلمين، إنَّه سميع مجيب.

 

اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد...





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • من أسباب الخذلان (1)
  • من أسباب الخذلان (2)
  • من أسباب الخذلان (3)
  • من أسباب الخذلان (4)
  • من أسباب الخذلان (5)
  • من أسباب الخذلان (6)

مختارات من الشبكة

  • التهاون بالعصيان سبب الخذلان(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة: من أسباب التوفيق والخذلان(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الأسباب والمسببات(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أسباب التخفيف في التكاليف الشرعية(مقالة - موقع أ. د. علي أبو البصل)
  • أسباب الإعاقة البصرية(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • صدقة السر سبب من أسباب حب الله لك(مقالة - آفاق الشريعة)
  • صدقة السر سبب من أسباب رضى الله عنك(مقالة - آفاق الشريعة)
  • صلة الرحم سبب عظيم من أسباب الرزق(محاضرة - مكتبة الألوكة)
  • قيام الليل سبب من أسباب دخول الجنة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • من فضل بناء المساجد: بناء المساجد سبب من أسباب دخول الجنة(مقالة - آفاق الشريعة)

 


تعليقات الزوار
1- تأكيدا لقضية فك حصار غزة
أبو محمد عبد الفتاح آدم المقدشي - الصومال 23-06-2010 06:56 PM

والله إن هذا لعار لا تغسله البحار مهما امتدت وإنه لا ينسى التاريخ أبدا هذا الجرم العظيم قال تعالى {قال علمها عند ربي في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى }
ولما هاجمت إخواننا بنوا إسرائيل وقصفت البيوت على أهاليها وجربت عليهم أسلحتهم الفتاكة الجديدة ولتقلل أعدادهم وقتلت الشباب والآباء بل والأطفال ويتمت العيال وأرملت النساء جلسنا نتفرج واجمين
ولما حاصرتها وأوقعتها في حبس كبير وجوعتهم وأمرضتهم وقتلتهم جلسنا أيضا نتفرج وكأنه أمر لا يعنينا بل اشترك على إحكام هذا الحصار الآثم هذا مع اليهود دول عربية ضد إخوانهم العرب كما هو معلوم ولم يحرك أحد ساكنا ولا كان حتى مظاهرات المساكين, بل وحدث أن تتبعوا آثارهم وتحركاتهم وسدوا أنفاقهم إظهارا للإخلاص ولطاعة بني إسرائيل !!! يا للعجب ولما تحركت هذه القافلة وحدث ما حدث هب الناس كالرجل الواحد كل يدلي بدلوه في أمر هذه القافلة, ماذا حدث؟!! وكاننا قمنا من نوم عميق وأفقنا من سباتنا أو عدنا وعاد وعينا من غيبوبة طويلة ميئوسة منها أم كنا مخدرين إلى أمد بعيد من مخدرات خطيرة يا ترى ؟ ! ما الأمر يا عجبي!!! لا أدري!
يا حسرة على العباد
{ ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون * ليوم عظيم* يوم يقوم الناس لرب العالمين} [ المطففين:5,4,3]
فيا ليت شعري ماذا عسى أن نجيب إذا سألنا ربنا يوم القيامة لماذا خذلتم إخوانكم لأعدائكم ليقتلوه وليحاصروه وليبيدوه وليذلوه؟!
هل كان ينقصكم العدد وأنتم أمة مليار؟ وهل كانت تنقصكم الأموال , ألم أمدكم بأموال وبنين ومن جميع صنوفه ومن أصفره وأبيضه؟ ألم تكونوا أمة محمد وخير أمة أخرجت للناس؟!!
ألم تروا من كتابي العزيز ومن سنة نبيكم وجوب نصرة المؤمنين المظلومين ؟ ألم ألم.....إلخ
االلهم إني أبرأ إليك مما صنع هؤلاء من بني جلدتي وأشتكي إليك مما يصنعه هؤلاء إخوان القردة والخنازير , وأسلك أن تبرم لأمتك أمر رشد تعز فيه أهل طاعتك وتذل به أهل معصيتك وتقيم علم الجهاد حتى ننصر إخواننا وننتصر على أعدائنا وحينئذ يشفي الله صدور قوم مؤمنين ويذل ويقمع أهل الكفر والفساد والعناد.
{وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون} [ الشعراء: ]

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 9/11/1446هـ - الساعة: 17:29
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب