• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات   بحوث ودراسات   كتب   صوتيات   أخبار   نور البيان   سلسلة الفتح الرباني   سلسلة علم بالقلم   وسائل تعليمية   الأنشطة التعليمية  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    تدريب على التشديد بالكسر مع المد بالياء
    عرب القرآن
  •  
    التشديد بالكسر مع المد بالياء
    عرب القرآن
  •  
    تدريبات على الشدة مع التنوين بالفتح
    عرب القرآن
  •  
    التشديد مع التنوين بالفتح
    عرب القرآن
  •  
    تعليم المد اللازم للأطفال
    عرب القرآن
  •  
    تدريبات على التشديد بالضم مع المد بالواو
    عرب القرآن
  •  
    التشديد بالضم مع المد بالواو
    عرب القرآن
  •  
    تعليم الحرف المشدد مع الفتحة للأطفال
    عرب القرآن
  •  
    الضمة والشدة
    عرب القرآن
  •  
    التشديد مع الكسر
    عرب القرآن
  •  
    تعليم التشديد مع الفتح
    عرب القرآن
  •  
    تعليم السكون للأطفال
    عرب القرآن
  •  
    تعليم التنوين بالضم للأطفال
    عرب القرآن
  •  
    شرح التنوين بالكسر
    عرب القرآن
  •  
    تعليم التنوين للأطفال
    عرب القرآن
  •  
    تعليم المد المتصل للأطفال
    عرب القرآن
شبكة الألوكة / المواقع الشخصية / مواقع المشايخ والعلماء / الشيخ عبدالله بن حمود الفريح / بحوث ودراسات
علامة باركود

تيسير رب العباد إلى شرح لمعة الاعتقاد (3)

الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 28/10/2009 ميلادي - 9/11/1430 هجري

الزيارات: 14261

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

4- قال المصنف - رحمه الله -:

"قالَ الإمامُ أبو عبدالله محمد بن إدريس الشَّافعي - رضي الله عنه -: "آمنتُ بالله، وبما جاءَ عَن الله، على مُرادِ الله، وآمنتُ برسولِ الله، وبما جاءَ عَن رسولِ الله، على مُرادِ رسولِ الله".
5- وعلى هذا دَرَجَ السَّلَفُ وأَئِمَّةُ الخَلَف - رحمهم الله - كُلُّهُمْ مُتَّفِقُونَ على الإقْرارِ، والإمْرارِ، والإثْباتِ لما وَرَدَ مِن الصِّفاتِ في كتابِ الله، وسُنَّة رسوله، مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لتأْوِيلِهِ".

 

 

الشرح

ثانيًا: قول الإمام الشافعي:
• الإمام الشافعي: إمام السنة هو محمد بن إدريس الشافعي المُطَّلبي القرشي، وُلد بغزه سنة 150هـ، ونشأ بمكة، وأخذ العلم عن الإمام مالك بالمدينة، وهو شيخٌ للإمام أحمد في الفقه، وزار بَغْدَادَ وتُوُفِّي بمصر سنة 204 هـ، قال الإمام أحمد: "ما أحد ممن بيده محبرة أو ورق إلا وللشافعي في رقبته منَّة".
• قول الإمام الشافعي الذي أورده المصنف يَتَضَمَّن أمْرَيْن:
1- الإيمان بالله تعالى، وبما جاء عن الله في كتابه، على ما أراده الله تعالى، من غير نقص، ولا زيادة، ولا تحريف.
2- الإيمان برسول الله- صلى الله عليه وسلم - وبما جاء عنه، على ما أراده رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من غير نقْصٍ، ولا زيادة، ولا تَحْريف.
 
وما قاله الشافعيُّ - رحمه الله - كلامٌ عظيم، مَن يقرأه يظن أنه كلام مُجملٌ، ولكنه ليس كذلك.
معناه: أننا نُؤمن بما جاء عن الله تعالى، فيما عَلِمنا معناه وما لا نعلمه على مُراد الله، وعلى مراد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما لا نعلمه نسأل عنه أهْل العلم؛ حتى يُبَيِّنُوا لنا معناه؛ فنعتقده على مُراد الله، وعلى مُراد رسوله - صلى الله عليه وسلم - وفي هذا تمامُ الامتثالِ، وكمال التسليم لِما أُمِرْنا به، من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكْييف ولا تمثيل.
 
لماذا جاء المصنِّف بقول الشافعي على وجه الخصوص؟
لأن عصر المصنِّف عصر الأشاعرة، وكانوا في الفقه ينْتَسِبون للمذهب الشافعي، لكنهم خالَفوه في الأصول والعقائد، واعتَقَدُوا ما يعتقده أبو الحسن الأشعري، ثم إن أبا الحسن الأشعري رجع عن مذْهب الأشاعرة إلى المعتقد الصحيح في مذهب أهل السنة، وجاء المصنف ابنُ قُدامة بكلام الشافعي؛ ليقول: لماذا لَم تعتقدوا ما اعتقد إمامُكم الذي تتَّبِعُونه وتقتدون به؟
 
فقال الأشاعرة: إنَّ كلام الشافعي كلامٌ مجمَل، وهذا يدلُّ على أنه لَم يفهم المعنى وتَوَقَّفَ فيه.
والجواب عليه أن نقول: بل كلام الشافعي وإن كان ظاهره الإجمال، لكن المتأمِّل فيه يجده قَصَدَ الإيمان بالمعنى الحق الذي أراده الله، وأراده رسوله - صلى الله عليه وسلم - من غَيْر تأويل للنُّصوص - كما تفْعل الأشاعرة - ومن غَيْر تمثيل، ولا تكييف، ولا تعطيل، فلا زيادة ولا نقْص، كما أراد الله، وأراد رسوله - صلى الله عليه وسلم.
 
ثم بيَّن المصنِّفُ أنَّ هذا هو ما درج عليه السلَف، ومَن تبعهم من أئمة الخلَف في نُصُوص الصِّفات؛ حيث اعتقدوها بالإقرار بها، وأثبتوها، وأَمَرُّوها كما جاءتْ عن الله - تعالى - وكما جاءتْ عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من غير تأويل لها، ومن غير تكييف، ولا تمثيل، ولا تعطيل.
 Ÿ  Ÿ  Ÿ
 
 

 

الترغيب بالسنة والتحذير من البدعة وأهلها

4- قال المصنف - رحمه الله -:
"وقد أُمِرْنا بالاقْتِفَاءِ لآثارِهِمْ، والاهتداءِ بمنارِهِم، وحُذِّرْنا المحْدَثات، وأُخْبِرْنا أنَّها مِنَ الضَّلالات؛ فقال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: ((عَلَيْكُم بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاء الرّاشِدِينَ المَهْدِيِّينَ مِنْ بَعْدِي، عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأمُور، فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكلَّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ)).

 

 

الشرح

تعريف السُّنَّة:
السُّنَّة لغةً: الطريقة.
واصطلاحًا: ما عَلَيْه النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابُه من عقيدة أو عمل.
 
حكم اتباع السُّنَّة:
حكم اتِّباع الطريقة التي كان عليها النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه، واجبٌ على كل مسلم، ويدل على ذلك قوله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا}[1].
 
ما ذكره المصنِّف، وهو حديث العرباض بن سارية، وقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((عليكم بسُنَّتي، وسنة الخلفاء الراشدين المهديِّين من بعدي، تَمَسَّكوا بها، وعَضُّوا عليها بالنواجِذ))[2].
 
وضد السنة البدْعة، وهي المقْصُودة في قول المصنف في هذه العقيدة الموجزة، فهو يريد التحذير من أهْل الضلال، وعقيدتهم المُبْتَدعة.
 
والكلام على البدعة والتحذير منها ومن أهلها من عِدَّةِ وُجُوه:
أوَّلاً: تعريف البدْعة:
البدعة في اللغة مأخوذة من البدع، وهو الإنشاء، والاختراع على غير مثال سابق، ومنه قوله تعالى: {بَدِيعُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ}[3]؛ أي: مخترعها على غَيْر مثالٍ سابق، فالبدعة: هي الشيء المستحدَث[4].
واصطلاحًا: هناك عدة تعاريف عند أهْل العلم للبِدْعة، وأوضحها تعريفان: هي التعبُّد لله بما لَم يشرعه الله، أو هي: ما أُحْدِثَ في الدِّين على خلاف ما كان عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - وخلفاؤه الراشدون؛ من عقيدة، أو عمل.
 
ويدلُّ على هذَيْن التعريفَيْن قولُه تعالى: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّه}[5]، وحديث العرباض بن سارية: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((عليكم بسُنتي، وسنة الخلفاء الراشدين المهديِّين من بعدي، تَمَسَّكوا بها، وعَضُّوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومُحدثات الأمور؛ فإنَّ كلَّ مُحدثة بدْعة))[6].
 
ولا يدخل في البدَع ما كان حديثًا، وليس من أمْرِ الدِّين، بل من أمور العادات، وإن كانت في اللغة هي أمورٌ مبتدعة؛ لأنها أشياء جديدة لَم يكنْ عليها النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا خلفاؤه الراشدون؛ كالسيارات، والطائرات التي يركبها الناسُ اليومَ، ونحوها من المخترعات الحديثة، فلا تدخل في البدَع المذمومة والمقصودة في هذا الباب؛ لأنَّها ليست من أمر الدين والشرع.
 
وعليه؛ فإنَّ الابتداع على قسمَيْن:
1- ابتداع في العادات: كابتداع المُخْتَرَعَات الحديثة، وهذا مباحٌ؛ لأنَّ الأصل في العادات الإباحة، بل ربما يكون مطلوبًا.
2- ابتداع في الدين: وهذا مُحَرَّمٌ؛ لأنَّ الأصل فيه التوقيف، وهذا النوع هو المقصود في هذا الباب.
 
ثانيًا: حكم البدْعة: 
كلُّ بدعة في الدِّين فهي مُحَرَّمةٌ وضلالة؛ ولذلك قال ابن قُدامة في هذه العقيدة: "وحُذِّرنا من المحدثات، وأُخْبِرنا أنها من الضلالات"، واستدل بحديث العرباض، وقد تقدَّم، ويدل على ذلك:
1- قوله تعالى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا}[7].
2- حديث العرباض بن سارية المتقدِّم، وفيه: ((فإنَّ كُلَّ محدثةٍ بدْعة، وكل بدعة ضلالة)).
3- حديث عائشة مرفوعًا: ((مَنْ أحْدث في أَمْرِنا هذا ما ليس منه، فهو رد))[8]، ولمسلم: ((مَن عمل عملاً ليس عليه أَمْرنا، فهو رد)).
 
وتحريم البدعة يتفاوَت بحسب نوعية البدعة:
• فمِنَ البِدَع ما هو كفرٌ: كالطواف على القبور؛ تَقَرُّبًا إلى أصحابها، وتقديم الذبائح، والنذُور لها، ودعاء أصحابها.
• ومنها ما هو وسيله إلى الشرك: كالبناء على القُبُور. 
• ومنها ما هو فِسْق اعتقادي: كبِدَع الخوارج، والمرجئة، والقدرية، في أقوالهم واعتقاداتهم المخالفة لأدلة الشرع. 
• ومنها ما هو معصية: كبِدْعة القيام في الشمس صائمًا، والتعبُّد بالخصاء؛ لقطع شهوة الجِماع.
 
ثالثًا: البدعة في الدين على نوعَيْن:
النوع الأول: بدعة في الاعتقادات: 
وهذا النوع هو الذي قصده ابن قدامة في كلامِه؛ لأن الكلام في باب الاعتقاد، ومثال هذه البدعة: مقالات الجهمية، والمعتزلة، والرافضة، وغيرها من الفِرَق الضالَّة، تأويلاً، وتحريفًا، وتعطيلاً، وتكييفًا، وشركًا، وكل ما استحدثوه مِن أقوال في باب العقائد مما لَم يكنْ عليه السلَف الصالح - رحمهم الله.
 
النوع الثاني: بدعة في العبادات: 
وهو التعبُّد لله بعبادة لَم يشرعها، ولهذا أنواع:
الأول: ما يكون في أصل العبادة؛ كأن يُحدِث عبادة ليس لها أصْل في الشرع؛ مثال ذلك: صلاة أو صيام غير مشروعين، أو أعيادًا غير مشروعة؛ كأعياد الموالد، وغيرها.
الثاني: ما يكون في الزيادة على العبادة المشروعة؛ مثال ذلك: التعبُّد لله بزيادة ركْعة خامسة في صلاة الظهر أو العصر.
الثالث: ما يكون في صفة أداء العبادة؛ كأن يؤديها على صفة غير مشروعة؛ مثال ذلك: أداء الأذكار المشروعة بأصوات جماعية مطربة.
الرابع: ما يكون بتخصيص وقتٍ للعبادة المشروعة لَم يَخصه الشرْع؛ مثال ذلك: تخصيص يوم النِّصف من شعبان بصيام، وليلته بقيام، فنقول: هذا التخْصيص يحتاج إلى دليل.
 
ويدل على هذَيْن النوعَيْن - بدع الاعتقادات والعبادات - حديثُ عائشة - رضي الله عنها -: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((مَن أحْدَثَ في أمرنا هذا ما ليس منه، فهو ردٌّ))[9]، ولفظ الحديث عامٌّ، يدخل فيه كل مَن أحدث في الدِّين من عقائد وعبادات، وفي لفظ مسلم: ((مَن عمل عملاً ليس عليه أَمْرنا، فهو رد))، وهذا خاصٌّ بالعمل، وهو العبادات، وفيه ردٌّ على مَن يقول: إنَّ البدَع فقط في العقائد.
 
رابعًا: كلُّ بدْعة ضلالة:
ذهب البعض إلى تقسيم البدعة إلى: بدعة حسنة، وبدعة سيئة، والصواب في هذه المسألة؛ كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((كل بدعة ضلالة))، ولا يوجد بدعة حسنة؛ لأنَّ مَن يَقُول بهذا القول سيقول: ليس كل بدعة ضلالة، والقول ما قاله النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث العرباض بن سارية، الذي أورده المصنف؛ فإنَّ كلَّ محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
 
قال ابنُ رجب: قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((كل بدعة ضلالة)): مِن جوامع الكَلِمِ، لا يخرج عنه شيء، وهو أصلٌ عظيمٌ من أصول الدين، وهو شبيه بقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((مَنْ أحْدَثَ في أَمْرنا هذا ما ليس منه، فهو رد))، فكلُّ مَن أحْدث شيئًا ونسبه إلى الدين، ولَم يَكُنْ له أصْل مِنَ الدين يرجع إليه، فهو ضلالة، والدِّين برِيءٌ منه[10].
 Ÿ  Ÿ  Ÿ
 
 
 

7- قال المصنِّف - رحمه الله -:
"وقالَ عبدالله بنُ مسعودٍ - رضي الله عنه -: "اتَّبِعُوا ولا تَبْتَدِعُوا؛ فَقَدْ كُفِيتُمْ".
لو وضعنا أقوالَ السَّلَف في المتْن متتابعةً أفضل؛ فينقل هنا قول عمر بن عبدالعزيز، وقول الأوزاعي فقط، ويترك الآذرمي في موضعه.
8- "وقالَ عمر بن عبدالعزيز - رضي الله عنه - كلامًا معناه: قِفْ حيثُ وَقَفَ القومُ، فَإِنَّهُم عَنْ عِلْمٍ وَقَفُوا، وبِبَصَر نافِذٍ كفوا، ولهم على كَشْفِها كانوا أَقْوَى، وبالفَضْل لوْ كانَ فيها أَحْرَى، فَلَئِنْ قُلْتُم: حَدَثَ بَعْدَهُم، فَمَا أَحْدَثَه إلا مَنْ خَالَفَ هَدْيَهُمْ، وَرَغِبَ عَنْ سُنَّتِهِمْ، ولقَدْ وَصَفُوا مِنْهُ ما يَشْفِي، وتَكَلَّمُوا مِنْه بما يَكْفي، فَما فَوْقَهُم مُحَسِّرٌ، وما دونهم مُقَصِّرُ، لَقَدْ قَصُرَ عَنْهُم قَوْمٌ فَجَفَوا، وَتَجاوَزَهُمْ آخَرُون فَغَلَوا، وإِنَّهُمْ فِيما بَيْنَ ذَلِكَ لَعَلَى هُدًى مستقيمٍ".
9- "وقالَ الإمامُ أبو عمرو الأوزاعيُّ - رضي الله عنه -: عليك بآثارِ مَنْ سَلَفَ وإنْ رَفَضَكَ الناسُ، وإيّاك وآراء الرِّجالِ وإنْ زَخْرَفُوه لَكَ بالقوْلِ".

 

الشرح

خامسًا: ما ذكره المصَنِّف من أقوال السلَف في ذم البدعة:
• قول ابن مسعود - رضي الله عنه -: "اتبعوا ولا تبْتدعوا؛ فقد كفيتم"، وهذا الأثرُ رواه عن ابن مسعود ثلاثةٌ من التابعين، أصحُّها ما أخرجه أبو خيثمة في "العلم" (54) من طريق العلاء، عن حماد، عن إبراهيم النخعي، وصحَّح إسنادَه الألباني، وأثر ابن مسعود تضمن أمرَيْن:
• الحث على التمسُّك بالسنة؛ وذلك بالتزام آثار النبي - صلى الله عليه وسلم - وخلفائه الراشدين، من غير زيادة ولا نقصان، وذلك في قوله - رضي الله عنه -: "اتَّبعوا".
 
2- التحذير منَ الابتداع في الدِّين، فقد كُفِينا بكتاب الله تعالى، وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - وقد قال الله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِينًا}[11]، وكفانا من قبلنا من الصحابة، ومن تبعهم من السلَف حَمْل الشريعة وبيانها، وذلك في قوله - رضي الله عنه -: "ولا تبتدعوا؛ فقد كُفِيْتُم".
 
قول عمر بن عبدالعزيز - رحمه الله -:
هو أميرُ المؤمنين الخليفة الراشد، اشتهرتْ خلافته بأنها خلافةٌ راشدة عادلة؛ فاشتهر بالعدْل - رحمه الله - وُلِدَ سنة 63هـ، وتوفِّي سنة 101 هـ في الشام، وكانت ولادتُه ونشأته في الشام.
 
وقوله - رحمه الله - تضمَّن عدَّة أمور: 
1- اتباع ما كان عليه القوم؛ ويعني بهم السلَف الصالح من الصحابة والتابعين؛ وذلك لأنهم أخذوا هذا الدين من المبعوث بهذا الدين، نبيِّنا - صلى الله عليه وسلم - واتباع ما كان عليه القومُ يكون بأمرَيْن:
الأول: الوُقُوف عند ما وقفوا عليه من أمْر الدين؛ عقيدةً كان أو عملاً؛ لأنهم لم يقفوا عند ذلك إلا بعلْمٍ من كتاب الله - عزَّ وجلَّ - وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - فهم أعْلَمُ الأمة، فهم أحْرَى الأمة بالفَضْل والعلم، وأصفاها عقولاً، مُسْتنيرةٌ أفهامُهم بكتاب الله، وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم.
الثاني: الكَف عما كفُّوا عنه وسكتوا، فالذي خاض فيه المتأخِّرُون لَم يَكُن عند السلَف - رحمهم الله - ففي عهْد الصحابة - رضي الله عنهم - وعهد التابعين - رحمهم الله - لَم يحدثْ خلاف في الاعتقاد؛ كالخوض في الصفات تحريفًا وتعطيلاً، وتمثيلاً وتكييفًا، فكل ذلك لَم يخوضوا فيه، وإنما بدأ الخوضُ والاختلافُ في الاعتقاد في أواخر عهد التابعين - رحمهم الله - فظهرتْ ضلالاتُ الخوارج، ثم المعتزلة، ثم انتشرتْ في الأمة، فما كفَّ عنه السلَف لا بد أن نكفَّ عنه؛ لأنهم كفوا عن ذلك ببصرٍ نافذ؛ أي: ثاقب، وليس لأنها لم تحدث عندهم، فهم كانوا يعلَمُون من سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - أنها ستكون فتنٌ، وأمورٌ محدثةٌ مختلفة؛ فقد قال لهم النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((فإنه من يَعِشْ منكم فسيرى اختلافًا كثيرًا، فعليكم بسنتي، وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي))... الحديث، وقد تقَدَّم.
2- أن ما حدث بعد السلف من بدَع وضلالات كان بسبب البُعد عن نَهْجهم، ومخالفة هديهم؛ لأنهم - رحمهم الله - وصفوا من الدين ما يشفي القلب المريض الذي وردت عليه الشبهات، وتكلموا بما جاء به الدين ما يكفي لكل من كان له عقل، وقلْب حي.
3- أن من الناس مَن فرَّط وقصَّر في اتباع نَهْج السلَف، فكان جافيًا بعيدًا عنهم، ومَن تَجاوز وأفْرط في نَهْجهم فكان غاليًا، وطريقهم - رحمهم الله - بيِّنٌ على صراط مستقيم، بين الغلُوِّ والتقصير، لا إفراط ولا تفريط، فمن كان دونهم فهو مقصِّرٌ، ومَن أراد أن يكون فوقهم وأفضل منهم فهو محسِّر؛ أي: منقطع، يرجع بلا شيء؛ لأنه لا أفضل من هديهم.
 
هذا ما تضمَّنه كلام الخليفة عمر بن عبدالعزيز - رحمه الله.
 
وهذه الكلمات منهجٌ قويمٌ لكلِّ مسلم، وعلى هذا المنهج سار الأئمة - رحمهم الله.
 
قول الأوزاعي - رحمه الله -:
هو أبو عمرو عبدالرحمن بن عمرو الأوزاعي، من قبيلة الأوزاع، ولد في بَعْلَبَكَّ، وهو من كبار الفقهاء وأئمة التابعين، إمام الشام في الفقه والزهد، وتُوفِّي - رحمه الله - في بيروت سنة (157 هـ).
 
وقوله - رحمه الله - الذي أورده المصنِّف تضمَّن أمرَيْن:
1- التمَسُّك والسَّيْر على طريقة السلَف من الصحابة والتابعين - رحمهم الله - لأنها هي طريق الحق المبني على الكتاب والسنة، التي لا بد لكل مسلم التزامها، وإن أبعده الناس واجتنبوه.
2- التحذير من آراء الرجال التي لم تستند إلى الكتاب والسنة، وإن زخرفوها، وحسَّنوها، وأيَّدوها بحُجَج وأقوال باطلة، فهي مرْدودةٌ عليهم في الدنيا والآخرة، ولطالما زيَّن أهلُ الضلالات اليوم؛ كالمُتَصَوِّفة، والرافضة، وأهل التعطيل والتحريف، أقوالهم، وظنوا أنهم على طريق النجاة، ودعوا غيرهم لضلالاتهم، ويحسبون أنهم على شيء، وما هم كذلك - والله المستعان.
 Ÿ  Ÿ  Ÿ
 

 

10- قال المصنف - رحمه الله -:
"وقالَ محمد بن عبد الرحمن الآذرمي لرَجُلٍ تكَلَّمَ ببدْعَةٍ، وَدَعَا الناسَ إليها: هَلْ عَلِمَهَا رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكْرٍ، وعمرُ، وعثمانُ، وعليٌّ، أوْ لَم يعلَموها؟ قال: لَم يعلَموها، قال: فَشَيْءٌ لَم يعلَمْه هؤلاء، أَعَلِمْتَهُ أنتَ؟! قال الرَّجلُ: فإنِّي أقولُ قدْ علِمُوها، قال: أَفَوَسِعَهُمْ ألا يتَكَلَّمُوا به، ولا يدْعُوا الناسَ إليه، أمْ لَم يَسَعْهُمْ؟ قال: بَلْ وَسِعهم، قال: فَشَيْءٌ وَسِعَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وخلفاءَه، لا يَسَعُكَ أنتَ؟! فانْقَطَعَ الرَّجلُ، فقال الخليفةُ، وكان حاضِرًا: لا وَسَّعَ اللهُ على مَنْ لَم يَسَعْهُ ما وَسِعَهُم".

 

 

الشرح

قول الآذرمي - رحمه الله -:
هو أبو عبدالرحمن عبدالله بن محمد بن إسحاق الآذرمي، بالذال هكذا، لا الدال - كما يوجد في بعض النُّسَخ - فأكثر النسخ بالذال (الآذَرْمِي) نسبة إلى (آذَرْم)؛ كما ذكر السمعاني في "الأنساب"[12]، وظن أنها من قرى "أذنة" بلدة من الثغر منها الآذرمي.
 
والذي ناظَرَه فيما نقله المصنف هو أحمد بن أبي دُؤاد، القاضي البغدادي الجهمي عدو الإمام أحمد بن حنبل، كان داعية للقول بخلْق القران، كانت له حظوة ومنزلة عند الخليفة المأمون، ثم المعتصم، أبناء الرشيد، ثم الواثق بن المعتصم، الذي رجع عن فتنة القول بخلق القرآن في آخر حياته، كان يقول ابن أبي دؤاد للخليفة: "دعني أقتل هذا الضالَّ المضلَّ"، يقصد الإمام أحمد - على حدِّ زعمه.
 
 
والخليفة الذي حضر المناظرة هو الواثق بالله من خلفاء الدولة العباسية في العراق، كان يقول بخلق القرآن، وسَجَنَ جماعةً من الناس بسبب ذلك، ويظهر أنه تاب عن ذلك كما في ظاهر القصة التي نقلها المصنف، والبدعة التي كان الآذَرْمِي وابن أبي دُؤاد يتناظران فيها، هي بدعة القول بخلق القرآن، وهي محنةٌ عظيمةٌ، على رأس من امتُحِنَ فيها الإمامُ أحمد بن حنبل، فتبيَّن من خلال ما تقدَّم محاور المناظرة الأربعة:
(المناظِر: الآذَرْمي، وضده: ابن أبي دؤاد، والخليفة: هو الواثق بالله، والبدعة: هي القول بخلْق القُرآن).
 
وهذه المناظرة ذكرها المصنِّف - رحمه الله - في كتابه "التَّوَّابين"؛ بعنوان (توبة الواثق بالله وابنه المهتدي بالله)[13].
 
هذه المناظرة التي أوردها المصنف للآذَرْمي - رحمه الله - مناظرةٌ أفحم فيها المبتدع ابن أبي دؤاد، وألجمه إلجامًا، وهكذا ينبغي لمن يناظر أهل الباطل أن يفْحِمهم بالرجوع إلى المرْجع الحقيقي، والمنهج القويم، هدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وخلفائه الراشدين، وهذا ما فعله الآذَرْمي مع ابن أبي دؤاد؛ حيث قارن بين ما عنده وبين ما عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وخلفائه الراشدين في هذه الفتنة والبدعة التي دعا لها الناس؛ لأن هدْيهم هو الطريق المستقيم، والمنهل الصافي، ومَن جاء بغير ما جاؤوا به من أمر الدين فقد ابتدع؛ ولذا قال الخليفة الواثق بالله في آخر المناظرة: "لا وسَّع الله على مَن لم يسعه ما وسعهم"؛ أي: ما وسع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وخلفاءَه الراشدين.
 Ÿ  Ÿ  Ÿ
 

 

11- قال المصنف - رحمه الله -:
"وهكذا مَنْ لَم يَسَعْهُ ما وَسِعَ رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وأصحابَه، والتَّابعين لَهُم بإحسان، والأئمة مِنْ بَعْدِهِم، والرّاسِخين في العِلْم، مِنْ تِلاوَةِ آيات الصِّفاتِ، وقِراءَةِ أخْبارِها، وإِمْرارها كما جاءَت، فلا وَسَّعَ اللهُ عليه".

 
وهكذا قال ابن قدامة فيمن خاض في آيات الصفات، وقال فيها ببعض الضلالات: لا وسَّع الله على مَن لَم يسعه ما وسع رسول الله، وأصحابه، والتابعين لهم بإحسان، والأئمة من بعدهم، والراسخين في العلم، في قراءة أخبار آيات الصفات وإمرارها كما جاءت.
 
هذه المناظرة التي أوردها المصنف، ذكرها غيرُ واحدٍ بأوسع مما ذكر ابنُ قدامة في هذه العقيدة، فقد ذكرها الذهبي في "سِيَر أعلام النبَلاء" عند ترجمة الإمام أحمد بن حنبل[14]، وتقدَّم أن ابن قُدامة ذكرها في كتابه "التوابين"، وذكرها الخطيب البغدادي في "تاريخه"[15]، ولما في هذه القصَّة من إلجام لأهل البدع، وظهور الحق وأهله؛ نذكرها برواية الخطيب البغدادي لها؛ قال - رحمه الله -: عن الخليفة المهتدي بالله أنه قال: "ما زلتُ أقول: إن القرآن مخلوق صدرًا من أيام الواثق، حتى أقدم أحمد بن أبي دؤاد علينا، شيخًا من أهل الشام من أهل أذنة، فأدخل الشيخ على الواثق مُقيدًا، وهو جميل الوجه، تامُّ القامة، حسن الشيبة، فرأيت الواثق قد استحيا منه، ورقَّ له، فما زال يُدْنِيه ويُقَرِّبُه؛ حتى قرب منه، فسلم الشيخ فأحسن، ودعا فأبلغ وأوجز.
فقال له الواثق: اجلس، فجلس، وقال له: "يا شيخ، ناظِر ابن أبي دؤاد على ما يناظرك عليه".
فقال الشيخ: يا أمير المؤمنين، ابن أبي دؤاد يصبو ويضعف عن المناظرة.
 
فغضب الواثق، وعاد مكان الرقة له غضبًا عليه، وقال: أبو عبدالله بن أبي دؤاد يصبو ويضعف عن مناظرتك أنت؟!
فقال الشيخ: هوِّن عليك يا أمير المؤمنين ما بك، وائذن في مناظرته.
 
فقال الواثق: ما دعوتك إلا للمناظرة.
فقال الشيخ: يا أمير المؤمنين، إن رأيت أن تحفظ علي وعليه ما نقول.
قال: أفعل.
 
فقال الشيخ: يا أحمد، أخبرني عن مقالتك هذه، هي مقالة واجبة داخلة في عقد الدين، فلا يكون الدين كاملاً حتى يقال فيه بما قلتَ؟
قال: نعم.
 
قال الشيخ: يا أحمد، أخبرني عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين بعثه الله إلى عباده، هل ستر رسولُ الله شيئًا مما أمره الله به في أمر دينهم؟
فقال: لا.
 
فقال الشيخ: فدعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الأمة إلى مقالتك هذه؟
فسكت ابن أبي دؤاد، فقال الشيخ: تكلَّم، فسكتَ، فالتفتَ الشيخُ إلى الواثق، فقال: يا أمير المؤمنين واحدة؟
 
فقال الواثق: واحدة.
فقال الشيخ: يا أحمد، أخْبِرْني عن الله - عز وجل - حين أنزل القرآنَ على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِينًا}[16]، كان الله - تعالى - الصادق في إكماله دينه، أو أنت الصادق في نقصانه؛ حتى يُقال فيه بمقالتك هذه؟
فسكت ابن أبي دؤاد، فقال الشيخ: أجِب يا أحمد، فلم يُجِبْ، فقال الشيخ: يا أمير المؤمنين، اثنتان؟ فقال الواثق: نعم، اثنتان.
 
قال الشيخ: يا أحمد، أخبرني عن مقالتك هذه، أَعَلِمَها رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - أم جهلها؟
قال ابن أبي دؤاد: علمها.
قال: فدعا الناس إليها؟
فسكت، قال الشيخ: يا أمير المؤمنين، ثلاث؟ فقال الواثق: ثلاث.
 
فقال الشيخ: يا أحمد، فاتَّسع لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن علمها وأمسك عنها كما زعمت، ولم يطالبْ أمته بها؟
قال: نعم.
 
قال الشيخ: واتَّسع لأبي بكر الصديق، وعمر بن الخطاب، وعثمان، وعلي - رضي الله عنهم؟
قال ابن أبي دؤاد: نعم.
فأعْرَض الشيخُ عنه، وأقبل على الواثق، فقال: يا أمير المؤمنين، قد قدمتُ القولَ أن أحمد يصبو ويضعف عن المناظَرة، يا أمير المؤمنين، إن لَم يتسع لك من الإمساك عن هذه المقالة ما زعم هذا أنه اتَّسع لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولأبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، فلا وسَّع الله على مَن لم يتسع له ما اتسع لهم - أو قال: فلا وسع الله عليك.
 
فقال الواثق: نعم، إنْ لَم يتسع لنا من الإمساك عن هذه المقالة ما اتَّسع لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، فلا وسَّع الله علينا، اقطعوا قيد الشيخ، فلما قطع القيد ضرب الشيخ بيده إلى القيد حتى يأخذه، فجاذبه الحدَّاد عليه.
فقال الواثق: دع الشيخ يأخذه، فأخذه فوضعه في كمِّه.
فقال له الواثق: يا شيخ، لِمَ جاذبت الحداد عليه؟
قال: لأني نويتُ أن أتقدَّم إلى من أوصي إليه إذا أنا متُّ أن يجعلَهُ بيني وبين كفني، حتى أخاصم به هذا الظالِم عند الله يوم القيامة، وأقول: يا رب، سَلْ عبدَك هذا لِمَ قيَّدني وروَّع أهلي، وولدي، وإخواني، بلا حق أوجب ذلك عليَّ، وبكى الشيخ، فبكى الواثق، وبكينا.
 
ثم سأله الواثق أن يجعله في حِلٍّ وسعة مما ناله، فقال له الشيخ: والله - يا أمير المؤمنين - لقد جعلتُك في حلٍّ وسعة من أول يوم؛ إكرامًا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ كنتَ رجلاً من أهله.
فقال الواثق: لي إليك حاجة؟
فقال الشيخ: إن كانت ممكنة فعلتُ.
 
فقال له الواثق: تقيم قِبَلَنا؛ فننتفع بك، وينتفع بك فتيانُنا.
فقال الشيخ: يا أمير المؤمنين، إن ردَّك إياي إلى الموضع الذي أخرجني عنه هذا الظالم أنفع لك من مقامي عليك، وأخبرك بما في ذلك أصير إلى أهلي وولدي، فأكُف دعاءهم عليك، فقد خلَّفتهم على ذلك.
فقال له الواثق: فتقبل منا صلة تستعين بها على دَهْرِك؟
 
قال: يا أمير المؤمنين، لا يحلُّ لي؛ أنا عنها غني، وذو مرة سوي.
فقال: سل حاجة.
 
قال: أتقضيها يا أمير المؤمنين؟
قال: نعم.
قال: تأذن أن يخلَّى لي السبيل الساعة إلى الثغر؟
قال: قد أذنتُ لك، فسلَّم عليه وخرج.
 
قال صالح بن علي: قال المهتدي بالله: فرجعتُ عن هذه المقالة، وأظنُّ أن الواثق قد كان رجع عنها منذ ذلك الوقت"[17].
 
الشيخ/ عبدالله بن حمود الفريح
 
ــــــــــــــــــــــ
[1] [الأحزاب: 21].
[2] رواه الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح، ورواه ابن ماجه، والدارمي.
[3] [البقرة: 117].
[4] انظر: "لسان العرب" مادة: (بدع)، وانظر: "الحوادث والبدع"؛ للطرطوشي (ص 20).
[5] [الشورى: 21].
[6] رواه الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح، ورواه ابن ماجه، والدارمي.
[7] [النساء: 115].
[8] متفق عليه.
[9] متفق عليه.
[10] انظر "جامع العلوم والحكم"، 1/ 266.
[11] [المائدة: 3].
[12] "الأنساب" 1: 62.
[13] انظر تحقيق الشيخ: أشرف عبدالمقصود على "لمعة الاعتقاد"، ص (45 - 47)؛ حيث نقل منَ المراجع ما يدلُّ على أبعاد المناظَرة.
[14] انظر: "سير أعلام النبلاء" (11/ 312 - 316).
[15] "تاريخ بغداد" (10/ 74 - 79)، طبعة دار الغرب الإسلامي؛ بتحقيق: بشار عواد.
[16] [المائدة: 3].
[17] انظر: "تاريخ بغداد"، 10/ 74 - 79.




 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • تيسير رب العباد إلى شرح لمعة الاعتقاد (1)
  • تيسير رب العباد إلى شرح لمعة الاعتقاد (2)
  • تيسير رب العباد إلى شرح لمعة الاعتقاد (4)
  • تيسير رب العباد إلى شرح لمعة الاعتقاد (5)
  • تيسير رب العباد إلى شرح لمعة الاعتقاد (6)
  • تيسير رب العباد إلى شرح لمعة الاعتقاد (7)
  • تيسير رب العباد إلى شرح لمعة الاعتقاد (8)
  • تيسير رب العباد إلى شرح لمعة الاعتقاد (9)
  • تيسير رب العباد إلى شرح لمعة الاعتقاد (10)
  • تيسير رب العباد إلى شرح لمعة الاعتقاد (11)
  • تيسير رب العباد إلى شرح لمعة الاعتقاد (12)
  • تيسير رب العباد إلى شرح لمعة الاعتقاد (13)
  • تيسير رب العباد إلى شرح لمعة الاعتقاد (14)
  • تيسير رب العباد إلى شرح لمعة الاعتقاد (16)
  • تيسير رب العباد إلى شرح لمعة الاعتقاد (17)
  • تيسير رب العباد إلى شرح لمعة الاعتقاد (18)
  • تيسير رب العباد إلى شرح لمعة الاعتقاد (19)
  • تيسير رب العباد إلى شرح لمعة الاعتقاد (20)
  • تيسير رب العباد إلى شرح لمعة الاعتقاد (21)
  • تيسير رب العباد إلى شرح لمعة الاعتقاد (22)

مختارات من الشبكة

  • تيسير رب العباد شرح لمعة الاعتقاد(كتاب - موقع الشيخ عبدالله بن حمود الفريح)
  • تيسير رب العباد إلى شرح لمعة الاعتقاد (15)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير: (قال هذا رحمة من ربي فإذا جاء وعد ربي جعله دكاء وكان وعد ربي حقا)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير آية: (ربنا إننا سمعنا مناديا ينادي للإيمان أن آمنوا بربكم فآمنا ربنا فاغفر لنا ذنوبنا ...)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الدين يسر (خطبة)(مقالة - موقع د. محمود بن أحمد الدوسري)
  • مخطوطة تتمة الكلام في قرب العبد من ربه وقرب الرب من عبده(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • مخطوطة فائدة في معنى قرب العبد من ربه وقرب الرب من عبده(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • الرب جل جلاله(مقالة - آفاق الشريعة)
  • إظهار التفسير الصواب وتبرئة الحواريين من الشك في قدرة ربهم في قولهم: {هل يستطيع ربك....}(مقالة - آفاق الشريعة)
  • نعم الرب ربك يا إبراهيم(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 0:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب