• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات   بحوث ودراسات   كتب   صوتيات   أخبار   نور البيان   سلسلة الفتح الرباني   سلسلة علم بالقلم   وسائل تعليمية   الأنشطة التعليمية  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    تدريب على التشديد بالكسر مع المد بالياء
    عرب القرآن
  •  
    التشديد بالكسر مع المد بالياء
    عرب القرآن
  •  
    تدريبات على الشدة مع التنوين بالفتح
    عرب القرآن
  •  
    التشديد مع التنوين بالفتح
    عرب القرآن
  •  
    تعليم المد اللازم للأطفال
    عرب القرآن
  •  
    تدريبات على التشديد بالضم مع المد بالواو
    عرب القرآن
  •  
    التشديد بالضم مع المد بالواو
    عرب القرآن
  •  
    تعليم الحرف المشدد مع الفتحة للأطفال
    عرب القرآن
  •  
    الضمة والشدة
    عرب القرآن
  •  
    التشديد مع الكسر
    عرب القرآن
  •  
    تعليم التشديد مع الفتح
    عرب القرآن
  •  
    تعليم السكون للأطفال
    عرب القرآن
  •  
    تعليم التنوين بالضم للأطفال
    عرب القرآن
  •  
    شرح التنوين بالكسر
    عرب القرآن
  •  
    تعليم التنوين للأطفال
    عرب القرآن
  •  
    تعليم المد المتصل للأطفال
    عرب القرآن
شبكة الألوكة / المواقع الشخصية / مواقع المشايخ والعلماء / الشيخ عبدالله بن حمود الفريح / بحوث ودراسات
علامة باركود

تيسير رب العباد إلى شرح لمعة الاعتقاد (2)

الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 22/10/2009 ميلادي - 3/11/1430 هجري

الزيارات: 13342

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

بيانُ طريقةِ السلف في صفات الله تعالى

 

2- قال المصنِّف - رحمه الله -:
"مَوْصوفٌ بما وصفَ به نفسَهُ في كتابِهِ العظيم، وعلى لسانِ نَبِيِّهِ الكريم، وكلُّ ما جاءَ في القرآنِ، أو صَحَّ عنِ المصطفى - عليه السلامُ - منْ صفاتِ الرحمنِ وَجَبَ الإيمانُ بِه، وتَلَقّيه بالتَّسْليمِ والقَبُول، وتَرْكِ التَّعَرُّضِ لَهُ بالرَّدِّ والتَّأْويل، والتَّشْبِيهِ والتَّمْثِيل، وما أَشْكَل مِنْ ذلك وَجَبَ إثْباتُه لفْظًا، وتَرْكُ التَّعَرُّضِ لِمعْناه، ونرُدُّ عِلْمَه إلى قائله، ونجعلُ عُهْدَته على ناقِلِه، اتِّباعًا لطريقِ الرَّاسِخِين في العِلْم، الذين أثْنَى اللهُ علَيْهِم في كتابِهِ المُبين بقوله - سبحانه وتعالى -: {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا}
[1]، وقال في ذَمِّ مُبْتَغِي التَّأْوِيلِ لمتشابه تَنْزِيله: {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ}[2]، فَجَعَلَ ابْتِغَاءَ التَّأْويلِ علامَة الزَّيْغِ، وقَرَنَهُ بابْتِغَاءِ الفِتْنَةِ في الذَّمِّ، ثم حَجَبَهُمْ عمَّا أَمَّلُوه، وقَطَعَ أَطْمَاعَهُمْ عمَّا قَصَدُوه، بقوله تعالى: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ}[3].

 

 

الشرح

الكلام على طريقةِ السَّلَف في صفات الله تعالى - كما أوضح المصنِّف - من عِدَّةِ وجوه:
1- طريقتهم فيما وصَف الله به نفْسه في كتابه، أو على لسان رسولِه - صلى الله عليه وسلم -:
1- يصفون ويُثبِتون ما وصَف الله به نفْسه في كتابِه العظيم، وعلى لسان نبيِّه الكريم، فلا يصفونه بما لم يَرِد، ولا يردُّون ما ورد من صفاته في الكتاب والسنة، بل يثبتون ما ورد من الصفات في الكتاب والسنة، من غير زيادة ولا نقصان، وتقدم بيان ذلك في القاعدة السادسة من قواعد الصفات.
2- يؤمنون بها إيمانًا واجبًا مع تَلَقِّيها بالتسليم، وهو الانقياد لها، وبالقبول. 
3- يتركون التَّعرُّض لها بالرد؛ كالتعطيل والتأويل، والتشبيه والتمثيل والتكييف، فالسلف في إثباتهم لصفات الله تعالى يجتنبون أربعة أمور:
الأول: الرد؛ كتعطيلها بإنكارها وتكذيبها.
 
التعطيل لغةً: الخُلُوّ والفراغ؛ قال تعالى: {وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ}[4]؛ أي: خَلَتْ، وهَجَرَها أهلُها، وفي الشرع: إنكار ما يجب لله تعالى من الأسماء والصفات، وذلك بنَفْي دلالة نُصُوص الكتاب والسنة على المراد بها، وهذا الإنكار إما أن يكون كليًّا؛ كتعطيل الجهمية، فهم يُنكرون جميع أسماء الله تعالى وصفاته، وإما أن يكون جزئيًّا؛ كتعطيل الأشعرية، الذين لم يثبتوا من الصفات إلا سبع صفات، دلَّ عليها العقل، وهي مجموعة في قول الناظم:
حَيٌّ عَلِيمٌ قَدِيرٌ  وَالكَلاَمُ  لَهُ        إِرَادَةٌ وَكَذَاكَ السَّمْعُ وَالبَصَرُ
وأهْلُ السُّنة والجماعة بعيدون عن هذا المسلك الضالِّ؛ فهم يُثبِتُون ولا يُعَطِّلون ما أثْبَتَهُ الله لنفْسِه في كتابه، أو على لسان رسوله - صلى الله عليه وسلم - من أسماء وصفات.
 
الثاني: التأويل: 
التأويل: في اللغة: الرجوع.
والمراد به هنا: تغْيير معنى نصوص الكتاب والسنة من المعنى الحق الذي دلَّتْ عليه، والذي هو إثبات الأسماء الحسنى والصفات العلى إلى معنى آخر لَم يُرِدْه الله تعالى ورسوله - صلى الله عليه وسلم - كما يفعل الجهمية والأشاعرة.
مثال ذلك: تأويل الاستواء في قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}[5]، فيقولون: استوى بمعنى: استولَى.
مثال آخر: تأويل صفة اليدين في قوله تعالى: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ}[6]، فيقولون: اليدان: النعمة، أو القدرة، أو النعمة والقدرة، وأهل السنة والجماعة بعيدون عن هذا المسلك الضالِّ، فهم يُثبتون الأسماء والصفات لله تعالى، كما يليق به وبعظمته من دون تأويل. 
 
 
فائدتان:
الفائدة الأولى: بعضُ العلماء يُعَبِّر بلفظ (التحريف) بدلاً عن (التأويل)، والتعبير بلفظ (التحريف) أفضل من التعبير بلفظ (التأويل)؛ لعدة أمور:
أولاً: لأن هذا هو تعبير القرآن؛ قال تعالى: {مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِه}[7]، والتعبير بما عبَّر القرآن أَوْلَى.
ثانيًا: لأن التعبير بالتحريف أدلُّ على الحال، وأبلغ في إظهار المعنى، فالنفْس حينما تسمع لفظ (التحريف) تعرف أنه لفظٌ لا يقبل صوابًا، بل جَانَبَه، بخلاف التأويل، ومَن خالَفَ طريق السلَف فالأفضل أن نطلقَ عليه: مُحَرِّفًا.
ثالثًا: لأن التأويل ليس مذمومًا كله - كما سيأتي بيانه - بل الأصلُ في إطلاق السلَف أنه ليس مذمومًا، بخلاف التحْريف فهو مذمومٌ كلُّه[8].
 
تبيَّن مما تقَدَّم أنَّ التعبير بلفْظ التحريف أفضل، والتحريف نوعان:
1- تحريفٌ لفظي: وهو تبديل اللفْظ بلفظ آخر؛ كقول بني إسرائيل: (حِنْطَة)، بدل (حِطَّة).
2- تحريف معنوي: وهو تغيير معاني نُصُوص الكتاب والسنة إلى معنى لَم يُرِدْه الله تعالى، ولا رسوله - صلى الله عليه وسلم - وهو التأويل الفاسد - كما تقدَّم - كتأويل صفة الاستواء بالاستيلاء، وصفة اليدين بالنِّعمة أو القُدرة.
 
الفائدة الثانية: لفْظ (التأويل) يُطلق على ثلاثة معان:
الأول: الحقيقة التي يؤول إليها الشيء؛ أي: المَآل والمرْجع والعاقبة في المستقبل:
مثال ذلك: الرُّؤيا حقيقتها ستَؤُول إلى شيء في المستقبل؛ كما أخْبَر الله عن يُوسُف - عليه السلام - أنه قال: {وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ}[9].
مثال آخر: اليوم الآخر حقيقته ستؤول إلى أحداثٍ ستَقَعُ فيه؛ كما قال تعالى: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ}[10].
 
الثاني: بمعنى التفسير:
مثال ذلك: قولك: تأويل هذه الآية كذا وكذا؛ أي: تفسيرها، والمتتبِّع لـ"تفسير ابن جرير الطبري" يجده كثيرًا ما يقول: القول في تأويل قول الله تعالى؛ أي: تفسيرها، ومنه دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - لابن عباس: ((اللهم فقِّهْهُ في الدِّين، وعلِّمه التأويل))؛ أي: التفسير[11]، وهذان المعنيان صحيحان مشْهوران عن السلَف الصالح؛ بِخِلاف المعنى الثالث، فهو مُتَأَخِّر.
 
الثالث: صرْف اللفظ عن ظاهِره إلى معنى يُخالف الظاهِر، وهذا التأويلُ هو الذي وُجد مُؤَخَّرًا، فهو اصطلاحٌ متأخِّرٌ عند المتكلِّمين وغيرهم، وهو على نوعين: تأويل صحيح، وفاسد:
فالصحيح: هو ما دل الدليل على أنه لا يُراد به ظاهر اللفظ؛ مثاله: قوله تعالى: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيم}[12]؛ أي: إذا أردت أن تقرأ القرآن.
مثال آخر: قوله تعالى: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ}[13]، تأويله بمعية العلْم والإحاطة، كما دلَّت عليه أدلَّة أُخرى.
 
والفاسد: هو ما لَم يدل عليه دليلٌ يصرفه عن ظاهر اللفظ، مثال ذلك: تأويل الاستواء بالاستيلاء، واليدَيْن بالنِّعمة والقدرة، وهذا هو مراد المُصَنِّف، وهذا هو التأويل المذْموم، وما تقدَّم قبلُ فهو تأويل صحيح، ومن هنا يَتَبَيَّن أنَّ التعبير بلفْظ التحريف أفْضل من التعبير بلفْظ التأويل.
 
وأيضًا يُقال في التأويل الفاسد: هو أحد نوعي التعطيل؛ فإنَّ للتعطيل نوعَيْن:
الأول: تعطيل كَذِبٍ وجحد، وهو الذي تقدَّم.
والثاني: تعطيلُ تأويلٍ؛ لأنَّ مَن أثبت أنَّ الله - عزَّ وجلَّ - على عرشه استوى، لكن قال: معناه استولَى، فهذا تعطيلُ تأويلٍ؛ لأنه بتأويله أنْكَر الاستواءَ الحقيقيَّ كما يليق به - سبحانه.
الثالث: التمثيل والتَّشْبيه:
المثيل في اللغة: هو النِّدُّ والنَّظير.
وفي الشرْع: هو مساواة - أي: مماثلة - غير الله بالله بصفاته أو ذاته؛ مثال ذلك: أن يساوي سمعَ الله بسمعِ المخلوق، فيقول: لله سمعٌ كسمعِ المخلوق، وله يدان كَيَدَي المخلوق، ونحو ذلك مما يُنَزَّهُ الله عنه، تعالى الله عن ذلك عُلُوًّا كبيرًا.
 
وأهل السنة والجماعة يُثْبِتُون صفات الله تعالى، كما أثبتها لنفسه في كتابه، أو على لسان رسوله - صلى الله عليه وسلم - على الوجْه اللائق الأكْمل، من غير تَمْثيل بخلْقِه، فهم بعيدون عن هذا المسْلك الضالِّ؛ قال الله عن نفسه: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِير}[14].
 
فائدة: يُفَرِّقُ بعضُهم بين التمثيل والتشبيه، بأنَّ التمثيل: هو المماثلة من كلِّ وجهٍ على الإطلاق، والتشبيه: هو المشابَهة في أكثر الصِّفات لا كلها، ومن أهل العلم من يجعلهما بمعنى واحد، وأن التمثيل منه ما هو كُلِّي: وهي المماثلة من كلِّ وجه، ومنه ما هو تمثيل جزئي: وهو في بعض الصفات دون البعض الآخر - الذي هو التشبيه - ولا مشاحة في الاصطلاح ما دام المعنى واحدًا.
 
فإن قيل: أيهما أفضل: التعبير بالتمثيل، أم التعبير بالتشبيه؟
 
الأفضل هو التعبير بالتمثيل؛ لسَبَبَيْن:
1- لأنَّ هذا هو لفْظ القرآن؛ قال تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِير}[15]، ولم يَرِد في القرآن نفْي التشبيه، والتعبير باللَّفْظ الذي ورد في القرآن أَوْلَى.
2- أن المُعَطِّلة يسمون مَن يُثبت الصفات مُشَبِّهة - وأهل السنة والجماعة يثبتون صفات الله تعالى الوارِدة على الوَجْه اللائق به - سبحانه - فإن قُلت: من غير تشبيه، فَهِمَ المعطلةُ أن المراد: من غير إثبات صفة، ولذلك إقرارًا للمعتقد الصحيح الذي ينفي عن أهل الضلال معنى غير مراد، فإن التعبير بلفظ التمثيل أفضلُ من التعبير بالتشبيه[16].
 
الرابع: التكييف:
التكييف لغةً: مِن كَيَّفَ يُكَيِّف تكييفًا، إذا حكى الكيفية، وهي كُنْهُ الشيء.
وفي الشرْع: حكاية كيفية ما لا يعلمه إلا الله تعالى من المعاني؛ مثال ذلك: تكييف بعض صفات الأفعال الخاصة به - سبحانه - كأن يقول في قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}[17]: كيفية استوائه على عرشه كَكَيْفِيَّة استواء الإنسان على الكرسي، أو ككيفية استوائه على السرير، تعالى اللهُ عن ذلك عُلُوًّا كبيرًا.
 
وأهل السنة والجماعة بَعِيدُون عن هذا المسلك الضَّالِّ؛ فهم يُثْبِتُون صفات الله تعالى كما أثْبَتَهَا لنفسه في كتابه، أو على لسان رسوله، كما يليق به - سبحانه - من غير تكييفٍ؛ لأنَّ تكييف صفاته من القَوْل على الله بلا علْم؛ لأنه مما استأْثَر الله بعِلْمه، والله - عزَّ وجلَّ - يقول: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُون}[18].
 
وسيأتي الكلام على صفة الاستواء، وكلامُ الإمام مالك المشهورُ لِمَن سألَه عن الكيفية، ويَتَبَيَّن مما تقَدَّم أن أهل السنة والجماعة يُثبتون ما أثبته الله لنفْسه في كتابه، أو على لسان رسوله - صلى الله عليه وسلم - من غير تعطيلٍ ولا تحريفٍ، ومن غير تمثيلٍ ولا تكييفٍ.
 
طريقة السَّلَف في المتشابه من نصوص الكتاب والسنة:
النصوص في الكتاب والسنة تنْقسم إلى قسْمَيْن:
نصوص مُحْكَمَة، ونصوص متشابهة، ويدل على ذلك قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ}[19]، فالنصوص المُحْكَمَة: هي الواضحة في معناها، التي لا إشْكال فيها.
 
والمتشابِهة: هي النُّصوص التي لَم يتَّضِح معناها؛ لقُصُورٍ في فَهْم قارئها، أو نقْصٍ في علمه، أو تقصيرٍ في طلب معناها، فالتشابُه فيها تشابهٌ نسبي، يَعرِض لبعض الناس دون البعض الآخر، هذا هو الراجح - والله أعلم في معناها - وليس المرادُ أن في معاني القرآن ما هو مُتشابه على جميع الأمة، فهذا القول قولُ أهْل البدَع، ويدل على ذلك:
1- قول ابن عباس في قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ}[20]، قال ابن عباس - رضي الله عنهما -: "أنا منَ الراسخين في العلْم، الذين يعلمون تأويله"؛ أي: تأويل هذا المتشابه، وكذا قال مثل قول ابن عباس مجموعةٌ من السلف؛ كمُجاهد، والربيع بن أنس، ومحمد بن جعفر بن الزبير، ونقلوا عن ابن عباس قولَه السابق.
2- إجماعُ السلَف؛ فإنهم فسَّروا جميعَ القرآن بما فيه المتشابه، ومن ذلك:
— قول أبي عبدالرحمن السُّلَمِي: حدَّثنا الذين كانوا يقرئوننا القرآن: عثمان بن عفان، وعبدالله بن مسعود، وغيرهما، أنهم كانوا إذا تعلَّمُوا منَ النبي - صلى الله عليه وسلم - عشر آيات لَم يُجاوزوها؛ حتى يتَعَلَّمُوا ما فيها من العلْم والعمَل؛ قالوا: فتعَلَّمْنا القرآنَ، والعلْم والعمَل جميعًا.
— وقول مجاهد: عرضْتُ المصحف على ابن عباس من فاتحته إلى خاتمته، أوقِفُه عند كل آية، وأسأله عنها.  
3- أن الله - عزَّ وجلَّ - أنْزَل القرآن بلسانٍ عربيٍّ مُبين، وما كان كذلك فلا يُمكن أن يستغلقَ على جميع الأمة، بل يستغلق على مَن قَصُرَ فهمُه عن بعض معانيه.
4- أنَّ الله - عزَّ وجلَّ - أخْبَر أنَّ القرآن بيان وهدى، وشفاء ونور، ولم يَسْتَثْنِ منه شيئًا عن هذا الوصف، ولا يُمكن انطباقُ هذا الوَصْفِ على شيءٍ لا يُفهَمُ معناه.
 
قال شيخُ الإسلام ابن تيميَّة: "والمقصود هنا أنَّه لا يجوز أن يكونَ الله أنْزل كلامًا لا معنى له، ولا يجوز أن يكون الرسول - صلى الله عليه وسلم - وجميع الأمة لا يعلمون معناه، كما يقول ذلك مَن يقوله مِنَ المتأخِّرين، وهذا القولُ يجب القَطْع بأنه خَطأ".
 
وقيل: إنَّ التشابُه المقصود به حقيقة ما أخْبَر الله به عن نفسه من الصفات التي لا يعلم كيفيتها إلا الله تعالى؛ فالله - عزَّ وجلَّ - أخبرنا أنه (حي، عليم، قدير، سميع)، ونحو ذلك، نعلم معانيها، لكننا لا نعلم كيفية الصفات، فهي مما استأثر الله بعلمه، وهذا التشابُه ليس نسبيًّا، بل حقيقيًّا لا يعلمه إلا الله، وبهذا يُفَسِّر المعنى في الوقف على قوله تعالى: {إِلَّا اللَّهُ} من قوله تعالى: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ}[21]؛ أي: كيفيَّته، وهذا أرْجح الأقوال - والله أعلم - أنَّ التشابُه في القرآن نوعان:
1- تشابهٌ نسبيٌّ: فيكون مُشتبهًا على بعض الناس دون غيرهم؛ لقُصُور في فَهمهم، أو نقْص في علمهم، أو تقصيرٍ في طلَبهم.
2- تشابه حقيقي: وهو ما لا يعلمه إلا الله؛ كَكَيفيَّة الصفات، وهذا متشابه على جميع الأمة، لا يعلم تأويله إلا الله.
 
وهل في آيات الصِّفات ما هو متشابه في معناه؟
لا يوجد في آيات الصفات ما يشتبه معناه ويخفى على جميع الأمة، وآيات الصِّفات الواردة في الكتاب والسنة على نوعَيْن:
1- آيات واضحات، لا تخفى في معناها على جميع الناس.
2- آيات مشكِلة، قد تَخْفى على بعضِ الناسِ دون بعضِهم الآخر، فلا شكَّ أنَّ لها معنى، والناسُ فيها على طريقَتَيْن: 
أولاً: طريقة السلف فيها رد الذي ظاهره الخفاء إلى المُحْكَم من آيات الله تعالى، فُيفسَّر به ويزول الخفاء، فهم يؤمنون بها لفظًا ومعنًى.
ثانيًا: طريقة أهل الزَّيْغِ يتَّبِعون المتشابه من آيات الصفات وينشرونها؛ لسببين:
1- صد الناس عن الدين، والتلبيس عليهم، وتشكيكهم في دينهم؛ ابتغاء الفتنة.
2- تفسير هذه الآيات على مرادهم، فيُؤَوِّلونها ابتغاء تأويله؛ قال تعالى: {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ}[22]. 
مثال ذلك: قول الله - عزَّ وجلَّ -: {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ}[23]،أهْلُ الزَّيْغ يقولون: إنَّ الله - عزَّ وجلَّ - مختلِطٌ بخلقه، ويقولون في قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا صلَّى أحدُكم فلا يبصق قِبَل وجهه؛ فإن الله قِبَل وجهه))، قالوا: إن الله أمامنا في الجدار، تعالى الله عما يقولون عُلُوًّا كبيرًا.
 
وأما السلَف والراسخون في العلم يَرُدُّون ذلك إلى المُحْكَم من آيات الله تعالى فيفسِّرونها به؛ فيردونها إلى النصوص الكثيرة التي تثبت عُلُوَّ الله تعالى؛ كقوله تعالى: {وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ}[24]، وقوله: {يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ}[25]، وقوله: {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِير}[26]، وقوله: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُه}[27]، وقوله: {تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَة}[28]، وغيرها منَ الأدلة التي تُثْبت عُلُو الله تعالى، والتي تَزِيد على ثلاثة آلاف دليل، وسيأتي الحديث عن هذه الصِّفة قريبًا.
 
إشكال: هناك مَن يقف على قوْل الله تعالى: {إِلَّا اللَّهُ} في قوله: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ}[29]، وهو وقْفٌ صحيحٌ، عليه جمهورُ السَّلَفِ، وعليه فيكون ظاهرُ الآية أن هناك ألفاظًا لا يعلم معناها وتأويلَها إلا الله، وهذا يتناقض مع ما سبق بيانه؟
والجواب: أنها على هذا الوقف يكون المعنى لا يعلم كيفيَّتَها وما تؤول إليه إلا الله - عزَّ وجلَّ - كما هو مذهبُ أهل السنة والجماعة في كيفيَّة صفات الله تعالى، وأن هذا مما استأثر الله بعلمه، وأما معنى الصفات فهو معلومٌ ومفهومٌ - كما تقدَّم بيانُه - لكن على مُراد الله - عزَّ وجلَّ - ومراد رسوله - صلى الله عليه وسلم.
 
وأما القولُ بأننا نُؤمن بألفاظها دون إيمان بمعانيها؛ لأن الله استأثر بعلمها، استدلالاً بالوقف السابق، فهذا قولُ أهل البدع، وأما الوقف على قوله: {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} في قوله: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ}[30]، فإن هذا الوقفَ قال به بعضُ السلَف، فيكون المعنى على هذا الوقف: أنه لا يعلم معناها إلا الله - عزَّ وجلَّ - والراسخون في العلم، وعليه يُحمَلُ قولُ ابن عباس - رضي الله عنهما -: "أنا من الراسخين في العلْم، الذين يعلمون تأويله"، وقول غيره من السلَف[31].
 
يجب الحذرُ من الذين يتَّبعون ما تشابه منه:
عن عائشة - رضي الله عنها - قالتْ: "تلا رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ}[32]، قالت: سمعْتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((إذا رأيتم الذين يُجادلون فيه - وفي لفظ: في آيات الله - فهم الذين عنى الله، فاحذروهم))[33]، وفي رواية: ((إذا رأيتم الذين يتَّبعون ما تشابه منه، فأولئك الذين سمى الله، فاحذروهم)).
 
وفي هذا الحديث بيان أخذ الحَذَر من الذين يتَّبِعُون المتشابه من الآيات، ويجادلون فيها على غير مُرادها، ويُفْهم منه الحث على العمَل بالمحكم، والإيمان بالمتشابه، ورد المتشابه إلى المحكم.
 
فائدة: القرآن محكم كلُّه، ومتشابه كله، ومنه محكم ومنه متشابه:
1-محكم كله؛ لقول الله تعالى: {الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِير}[34]؛ أي: إنه في غاية الإتقان والإحكام؛ فهو واضحٌ بيِّن.
2- متشابهٌ كله؛ لقول الله تعالى: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا}[35]؛ أي: يُشْبُه بعضه بعضًا في الإتقان والإحكام، فهذا أمرٌ وهذا أمرٌ، وهذا نَهْي وهذا نهي، وهذا خبرٌ وهذا خبر، وهكذا يشبه بعضه بعضًا، وهذان النوعان في معناهما يختلفان عن النوْع الثالث. 
3- منه محكم ومنه متشابه؛ لقَوْل الله تعالى: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ}[36]، وهذا تقدَّم الحديثُ عنه، وأن القرآن منه المحكم: وهو الواضح الجليُّ، ومنه المتشابه: وهو الذي في دلالته خفاء، يَخْفى على بعض الأمة دون بعضها الآخر.
 
فائدة أخرى: مما انتُقِد على الإمام ابن قدامة في هذه العقيدة المختصرة قوله في المقطع السابق: "وما أشكَل مِنْ ذلك - أي: من آيات الصفات - وَجَبَ إثْباتُه لفْظًا، وتَرْك التعرُّض لِمَعْناه"،والصَّوابُ أن يُقال: وجَب الإيمان به لفظًا ومعنى، وإذا جهلنا المعنى فإنَّنا نُؤمن به على مُراد الله - جلَّ وعلا - أو على مُراد رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - كما سيأتي من كلام الشافعي: "آمَنْتُ بالله وبما جاء عن الله على مُراد الله، وآمَنْتُ برسول الله وبما جاء به رسول الله على مُراد رسول الله".
 
وأما القولُ بأنا نؤمن به لفظًا مُجَرَّدًا عن المعنى، فهو قَوْل أهلِ البِدَع الذين يُثبتون اللفظ، ويسْكُتُون عن المعنى؛ لأن المعنى يختلف ويتشابه - على حدِّ زَعْمِهم - وهذا مذهب المُفَوِّضة من أهْلِ التجهيل وغيرهم، الذين يُثبتون اللفظ فقط دون أي معنى فيجهلونه.
 
وهم شرُّ المذاهب، ولا شك أن ابن قُدامة - رحمه الله - لَم يُرِد هذا أبدًا، وتشْهَد له مصنَّفاته الأخرى، فقد أوضحتُ ما يعتقدُ، ومِن أعظمها كتابه: "ذم التأويل"؛ الذي ردَّ به على المُفَوِّضة من أهْل التأويل، وعليه فإن مقصده في هذه العبارة: "وترك التَّعَرُّض لمعناه"؛ أي: ترْك التعرُّض لمعنى التأويل في الصِّفات والتكييف، مع الإيمان بالمعنى الحق الذي أرادَهُ الله ورسوله؛ كقول الإمام أحمد - وسيأتي -: "وما أشبه هذه الأحاديث نؤمن بها، ونصدق بها، لا كيف، ولا معنى"؛ أي: ولا معنى متأوَّل.
Ÿ  Ÿ  Ÿ

 

 

كلام أئمَّة السلَف في الصِّفات

3- قال المصنِّف - رحمه الله -:
"قالَ الإمامُ أبو عبداللهِ أحمدُ بنُ محمد بن حنبل - رضي الله عنه - في قولِ النَّبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إنَّ اللهَ ينزِلُ إلى سماءِ الدُّنْيَا))، و((إنَّ الله يُرى في القيامَةِ))، وما أشبه هذه الأحاديثَ، قال: نؤمِنُ بها، ونُصَدِّقُ بها، لا كَيْف، ولا مَعْنَى، ولا نَرُدُّ شيئًا منْها، ونَعْلَمُ أنَّ ما جاءَ به الرَّسولُ حقٌّ، ولا نَرُدُّ على رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ولا نَصِفُ اللهَ بأكْثَر مما وَصَفَ بِهِ نفسَهُ، بِلاَ حَدٍّ ولا غايَةٍ؛ {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ}
[37]، ونقولُ كما قالَ، ونَصِفُهُ بما وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ، لا نَتَعَدَّى ذلك، ولا يَبْلُغُهُ وصفُ الواصِفِينَ، نُؤْمِنُ بالقرآنِ كُلِّهِ، مُحْكَمِه ومُتَشَابِهِه، ولا نُزِيلُ عَنْهُ صفةً مِنْ صفاتِه لشَنَاعَةٍ شُنِّعَتْ، ولا نَتَعَدَّى القرآنَ والحديث، ولا نَعْلَمُ كيفَ كُنْه ذلك إلاَّ بتصديقِ الرَّسولِ - صلى الله عليه وسلم - وتَثْبِيت القرآن".

 

 

الشرح

أولًا: قول الإمام أحمد:
الإمام أحمد: إمام أهل السنة، هو أبو عبدالله أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني، وُلِدَ في بغداد عام (164هـ)، وتُوفِّي سنة (241هـ)، توفِّي أبوه وهو صغير، وحضنه جده حنبل؛ ولذلك اشتهر بجده، فُتِن وعُذِّب في فتنة القول بخلق القرآن، ولكنه صمد وثبت في وجْه القائلين بذلك، حتى نصره الله؛ فكان ميزانًا للناس، وقائدًا لهم إلى الحق، قال علي بن المديني: "لقد عصم الله الأمة زمن الردة بأبي بكر الصديق، وزمن المحنة بأحمد بن حنبل".
 
قول الإمام أحمد الذي أورده المصَنِّف يَتَضَمَّن عدَّة أُمُور: 
1- وُجُوب الإيمان بصفات الله تعالى، والتصديق بها كما جاءت، وأن له نزولاً يليق بجلاله، وأنه يُرى - سبحانه.
2- ترْك التعرُّضِ لصفات الله تعالى بما لا يليق، مما وقع به أهلُ الضلال؛ كالتكييف، وكالتأويل بمعانٍ باطلة؛ ولذلك قال - رحمة الله -: "لا كيف، ولا معنى"، وكالتعطيل؛ ولذلك قال: "ولا نرد شيئًا منها". 
3- ألاَّ يوصَف الله تعالى إلا بما وصف به نفسه في كتابه، أو على لسان رسوله، فالمرجع في ذلك الكتاب والحديث، لا نخرج عما جاء بهما من غير تعدٍّ ولا زيادة. 
4- وجوب الإيمان بالقرآن كله؛ محكمه - وهو ما ظهر لنا معناه واتَّضَح – ومتشابهه - وهو ما خفي علينا معناه وأشكَل - فنَرُدُّ المتشابه إلى المحكم؛ ليتَّضِح، وإنْ لَم يَتَّضِح نؤمن به لفظًا؛ وعلى المعنى الذي أراده الله تعالى، أو أراده رسوله - صلى الله عليه وسلم.
 
في كلام الإمام أحمد إشْكالان، وهذا مما انتُقِدَ على ابن قدامة؛ حيث لَم يُوَضِّح المراد:
الأول: قوله: "بلا كيف ولا معنى": حقيقة هذا القول هو ما اشتهر عن أهْل البدَع، فهو مذهب المُفَوِّضة من أهل التجهيل، الذين يُثْبِتُون ألفاظ الصفات بلا معاني، فيُفَوِّضُون المعنى والكيفيَّة لله تعالى، وتقدَّم أن ألفاظ الصفات لها معانٍ لا بُدَّ من الإيمان بها، وأن طريق المسلم فيما أشكَل عليه وخفي على نَحْوَيْن:
أ- أن يردَّ المشكِل والمتشابه إلى المحكم؛ ليتَّضِح له المعنى.
ب- إذا لَم يتَّضِح له المعنى آمَن بها على المعنى الذي أراده الله تعالى، أو أراده رسوله - صلى الله عليه وسلم - حتى يسألَ فيه أهلَ العلم؛ فيُوَضِّحُوا له المعنى الحقّ الذي تضمَّنه هذا المُتشابه، وسيأتي كلامُ الشافعي.
 
وتقدَّم أنه لا يُمكن أن تكونَ معاني القرآن خافيةً على جميع الأمة، وتقدَّم بيانُه بالأدلة، وكلام الإمام أحمد لا شكَّ أنه بعيد كل البُعْد عن كلام المفوِّضة، ولو تشابهت العبارات، فمَن تَتَبَّعَ كلامه - رحمه الله - في غير هذا الموضع عرَف مقصده في هذه العبارة، وهو الرد على طائفتَيْن: 
الأولى: المُشَبِّهة المُجَسِّمَة، رد عليهم بقوله: "بلا كيف"، فلا نُكَيِّف صفات الله تعالى، فهذا مما استأثر الله بعلْمه، فلا يعلم كيفية استوائه ونزوله ومجيئه وغيره من الصفات إلا هو - سبحانه.
الثانية: المعَطِّلة، ردَّ عليهم بقوله: "ولا معنى"؛ أي: ولا معنى باطل؛ لأنَّ كلَّ مَن أوَّل صفةً إلى غير معناها الحقيقي فقد عَطَّل المعنى الحقيقي، فمَن يقول في صفة اليدَيْن: المراد بهما النِّعمة والقدرة، وفي الاستواء الاستيلاء، وفي الغضب الانتقام، ونحوها، فقد عطَّل وُرُود المعنى الحقيقي لها.
 
فلا بُدَّ مِن تَنْزيل كلام الأئمة على العقيدة الصحيحة؛ لأنهم هم الذين نافحوا عنها؛ حتى لا يستشكل عليه ما نقلوه، فما جاء مُجْمَلاً من كلامِهم في موضعٍ يكون مُفَصَّلاً في موضع آخر؛ وعليه فلا بُدَّ لطالب العلم من الاهتمام بعقيدة أهل السنة والجماعة؛ ليفهمَ كلام الأئمة.
 
الإشكال الثاني: قوله: "بلا حَدٍّ ولا غاية":
قوله - رحمه الله -: "بلا حَدٍّ"؛ أي: بلا نهاية، وهذه العبارات لَم تظهر في كلام السلف، إلاَّ بعد أن وجد من الفِرَق الضالة مَن يَخُوض في صفات الله - سبحانه - فقوله: "بلا حد ولا غاية"؛ أي: إنَّ صفاته ليس لها مُنْتَهى، فعلمه ليس له مُنْتَهى، كما أنَّ كلامه ليس له منتهى؛ قال تعالى: {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ}[38]، فهنا الإمام أحمد نفَى الحدَّ فقال: "بلا حد"، يقصد به المعنى السابق.
 
وجاء إثبات الحد في قول عبدالله بن المبارك حينما سُئِلَ: نُثْبِتُ أن الله تعالى على العرش استوى؟ قال: "نعم، نثبت أن الله على العرش استوى، قال السائل: بحدٍّ؟ قال: بحدٍّ"[39]، وفي هذا أراد ابن المبارك وغيرُه من السلف بإثباتهم الحد الرَّدَّ على مَن قال بالحلولية؛ حيث قال بعض أهل الضلال: ليس لله حدٌّ في عظمته، فهو في كل مكان؛ لأنه لا منتهى لعظمته، فهو يشمل حتى مخلوقاته، فليس هناك فارق بين الخالق والمخلوق - تعالى الله عما يقولون - فقال السلف ومنهم ابن المبارك: "بِحدٍّ"؛ من أجل أن يثبتوا أن الله بائنٌ عن خلقه، فقالوا: له حَدٌّ، لا يعلمه إلا هو؛ من أجل أن يفصلوا بين الخالق وخلقه، ويردُّوا على مَن أنكر علوَّ الله تعالى واستواءَه على عرشه، ومن قال: إنه مختلط بخلقه.
 
ومنَ السلَف مَن قال: "بلا حد"؛ أي: إننا لا نثبت هذه الصفة، ولا نتكلم بها؛ لأنها لَم ترِدْ في كتاب الله ولا سنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - فلا نثبت من الصفات إلا ما ورَد، ونقف عند هذا، فنقول: بلا حدٍّ، وهذا مَحْمَلٌ آخر عليه كلام الإمام أحمد، وهذا هو الصواب أن نقف عند ما لَم يردْ فيه نصٌّ، وإذا ناقشنا المبتدعَ أو السائل، نقول له: ما هو قصدك في عبارة: "بلا حد"، ثم نجيب عليه بحسب المعنى الذي يقول، فالسلَف اختلفتْ عباراتهم في النفي والإثبات عند قوله: "بلا حدٍّ" تَبَعًا لاعتقاد المخالف.
 
وهنا همسةٌ لطالب العلم: وهي أنه لا بد أن يفهم كلام السلف، وقبلَ ذلك لا بد أن يفهم معتقد أهل السنة والجماعة؛ لئلا تلتبسَ عليه عبارات الأئمة، ولكي ينزلها في منزلها الصحيح، فربما استدل أهل الضلال بعبارات بعض السلف؛ كقول الإمام أحمد: "بلا كيف، ولا معنى"، وقوله: "بلا حد"، وقول ابن قدامة: "وما أشكَل من ذلك وجب إثباته لفظًا، وترك التعرُّض لمعناه"؛ ليبرر ويُعَضِّد اعتقادَه الضالّ، دون الرجوع إلى مقْصد الإمام في قوله، ويجعل ذلك دليلاً له، وهذا مُشَاهَدٌ إلى يومِنا هذا، ففي بعض الكتابات مَن يستدلُّ ببعض كلام أئمة السلَف، وينزله في غير موضعه، وعلى غير حقيقته؛ ليلبسَ على البعض في مسائل العقيدة، وإذا فَهِمَ طالب العلم المنهج والاعتقاد الحق اسْتَطَاع أن يجيبَ عما ورد عن بعض أئمَّة السلَف من ألفاظ ربما خالف ظاهرها المعتقد.
 
الشيخ/ عبدالله بن حمود الفريح
 
ـــــــــــــــــــــــ
[1] [آل عمران: 7].
[2] [آل عمران: 7].
[3] [آل عمران: 7].
[4] [الحج: 45].
[5] [طه: 5]. 
[6] [المائدة: 64].
[7] [النساء: 46].
[8] انظر: "شرح الواسطية"؛ لشيخنا: ابن عثيمين، ص (69).
[9] [يوسف: 100].
[10] [الأعراف: 53]. 
[11] الحديث رواه البخاري، ومسلم.
[12] [النحل: 98].
[13] [الحديد: 4].
[14] [الشورى: 11].
[15]  [الشورى: 11]. 
[16] انظر: "فتاوى العقيدة"؛ لشيخنا ابن عثيمين (30).
[17] [طه: 5].
[18] [الأعراف: 33].
[19] [آل عمران: 7].
[20] [آل عمران: 7].
[21] [آل عمران: 7].
[22] [آل عمران: 7].
[23] [الزخرف: 84].
[24] [سبأ: 23].
[25] [النحل: 50].
[26] [الأنعام: 18].
[27] [فاطر: 10].
[28] [المعارج: 4].
[29] [آل عمران: 7].
[30] [آل عمران: 7].
[31] انظر: "العقيدة التدمُريَّة"؛ لشيخ الإسلام ابن تيميَّة، القاعدة الخامسة ص (90).
[32] [آل عمران: 7].
[33] متفق عليه.
[34] [هود: 1].
[35] [الزمر: 23].
[36] [آل عمران: 7].
[37] [الشورى: 11].
[38] [لقمان: 27].
[39] رواه البيهقي في: "الأسماء والصفات"، ص(427).




 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • تيسير رب العباد إلى شرح لمعة الاعتقاد (1)
  • تيسير رب العباد إلى شرح لمعة الاعتقاد (3)
  • تيسير رب العباد إلى شرح لمعة الاعتقاد (4)
  • تيسير رب العباد إلى شرح لمعة الاعتقاد (5)
  • تيسير رب العباد إلى شرح لمعة الاعتقاد (6)
  • تيسير رب العباد إلى شرح لمعة الاعتقاد (7)
  • تيسير رب العباد إلى شرح لمعة الاعتقاد (8)
  • تيسير رب العباد إلى شرح لمعة الاعتقاد (9)
  • تيسير رب العباد إلى شرح لمعة الاعتقاد (10)
  • تيسير رب العباد إلى شرح لمعة الاعتقاد (11)
  • تيسير رب العباد إلى شرح لمعة الاعتقاد (12)
  • تيسير رب العباد إلى شرح لمعة الاعتقاد (13)
  • تيسير رب العباد إلى شرح لمعة الاعتقاد (14)
  • تيسير رب العباد إلى شرح لمعة الاعتقاد (16)
  • تيسير رب العباد إلى شرح لمعة الاعتقاد (17)
  • تيسير رب العباد إلى شرح لمعة الاعتقاد (18)
  • تيسير رب العباد إلى شرح لمعة الاعتقاد (19)
  • تيسير رب العباد إلى شرح لمعة الاعتقاد (20)
  • تيسير رب العباد إلى شرح لمعة الاعتقاد (21)
  • تيسير رب العباد إلى شرح لمعة الاعتقاد (22)

مختارات من الشبكة

  • تيسير رب العباد شرح لمعة الاعتقاد(كتاب - موقع الشيخ عبدالله بن حمود الفريح)
  • تيسير رب العباد إلى شرح لمعة الاعتقاد (15)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الدين يسر (خطبة)(مقالة - موقع د. محمود بن أحمد الدوسري)
  • تيسير الخبير البصير في ذكر أسانيد العبد الفقير وحيد بن عبد السلام بالي (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • خطبة في تيسير الله المعايش لعباده(مقالة - آفاق الشريعة)
  • اختصار تيسير العزيز الحميد في شرح كتاب التوحيد لمحمد طه(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • تيسير المقاصد شرح نظم الفرائد للعلامة حسن بن عمار الشرنبلالي(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تيسير العسر بشرح ناظمة الزهر (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • مخطوطة التيسير شرح الجامع الصغير (ج1) (النسخة 4)(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • مخطوطة التيسير شرح الجامع الصغير (ج2)(مخطوط - مكتبة الألوكة)

 


تعليقات الزوار
2- شكر ودعاء
محمد أمين - مصر 28-10-2009 06:32 AM
بارك الله فيك ونفع بك
1- شكر وثناء
عبدالرحمن - السعودية 22-10-2009 03:03 PM
شكرا لكم ياموقعنا المبارك على هذه الإطروحات المباركة , والافادات المتينة , وشكرا للشيخ عبدالله حمود الفريح هذه الفوائد وهذه الشروحات المبسطة والمتينة والغزيرة فلقد تابعت شرحه في الفقه كتاب الزكاة وكذلك في العقيدة هنا فوجدته شرحا مناسبا فرحت به حقيقة وأطالبه بمزيد من هذه الشروحات المرتبة .
1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 9/11/1446هـ - الساعة: 17:29
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب