• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات   بحوث ودراسات   كتب   صوتيات   أخبار   نور البيان   سلسلة الفتح الرباني   سلسلة علم بالقلم   وسائل تعليمية   الأنشطة التعليمية  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    تدريب على التشديد بالكسر مع المد بالياء
    عرب القرآن
  •  
    التشديد بالكسر مع المد بالياء
    عرب القرآن
  •  
    تدريبات على الشدة مع التنوين بالفتح
    عرب القرآن
  •  
    التشديد مع التنوين بالفتح
    عرب القرآن
  •  
    تعليم المد اللازم للأطفال
    عرب القرآن
  •  
    تدريبات على التشديد بالضم مع المد بالواو
    عرب القرآن
  •  
    التشديد بالضم مع المد بالواو
    عرب القرآن
  •  
    تعليم الحرف المشدد مع الفتحة للأطفال
    عرب القرآن
  •  
    الضمة والشدة
    عرب القرآن
  •  
    التشديد مع الكسر
    عرب القرآن
  •  
    تعليم التشديد مع الفتح
    عرب القرآن
  •  
    تعليم السكون للأطفال
    عرب القرآن
  •  
    تعليم التنوين بالضم للأطفال
    عرب القرآن
  •  
    شرح التنوين بالكسر
    عرب القرآن
  •  
    تعليم التنوين للأطفال
    عرب القرآن
  •  
    تعليم المد المتصل للأطفال
    عرب القرآن
شبكة الألوكة / المواقع الشخصية / مواقع المشايخ والعلماء / الشيخ عبدالله بن حمود الفريح / بحوث ودراسات
علامة باركود

كتاب الزكاة (8/8)

الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 17/9/2009 ميلادي - 27/9/1430 هجري

الزيارات: 38010

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

كتاب الزكاة (8/8)
باب أهل الزكاة

 
 فيه ثماني مسائل:
المسألة الأولى: أهل الزكاة ثمانية:
جاء ذكر هؤلاء الثمانية في قوله - تعالى -: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ} [التوبة: 60].
 
وقوله - تعالى -: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء...} الآية أسلوب حصر، ومعنى الحصر عند الأصوليِّين: إثبات الحكم فيمن ذكر، ونفيه عمَّا عداه، وعليه فلا يجوز صرف الزَّكاة في غير الأصناف الثمانية، وهذا بإجماع العُلماء ولم يُخالف في ذلك إلا الحسن البصري - رحمه الله - فأجازها في وجوه الخير كلها، مستدلاً بالصنف السابع "في سبيل الله"، فقال: إنَّ هذا يدخل في وجوه البر كلها، وسيأتي أنَّ المقصود بهذا المجاهدون في سبيل الله، فالصَّواب أنَّه لا يجوز صرف الزكاة إلا في الأصناف الثمانية، فلا يجوز صرفها في المساجد، أو شق الطرق، وبناء الجسور، أو طباعة المصاحف وغيرها من وجوه البر ولو عظمت، ما دام أنَّها ليست من الأصناف الثمانية.
 
الأصناف الثمانية هم:
الأول: الفقراء.
الثاني: المساكين.
 
وتحت هذين الصنفين فوائد وأحكام:
أولاً: الفقير والمسكين صنفان في باب الزَّكاة، على خلاف فهم غالب الناس، فأكثر الناس على أنَّ المسكين والفقير شيء واحد، وكذلك في الأبواب الأخرى إذا أطلق لفظ المسكين وحْدَه، دَخَلَ معه الفقير، والعكس كذلك، فهما إذا افترقا في اللفظ، اجتمعا في المعنى، وإذا اجتمعا في اللفظ، افترقا في المعنى.
 
ثانيًا: الفقير أشد حاجة من المسكين، ولذلك ابتدأ الله - عزَّ وجلَّ - بالفقير قبل المسكين، وهذا لأهميته على المسكين، فالفقير: هو من لا يَجد شيئًا، أو يجد بعضَ كفايته دون نصفها، والمسكين: هو من يجد أكثر كفايته أو نصفها. والغني: هو من وجد كفايته كاملة، فهذا قد استغنى عمَّا في أيدي الناس.
 
مثال ذلك: لو أن رجلاً موظفًا يتقاضى كل شهر (500) ريال، فإن دخله السنوي يكون ستة آلاف ريال.
- فإن كان مقدار ما ينفقه في السنة على نفسه وأهله عشرين ألفًا، فهذا يسمى فقيرًا؛ لأنه يجد أقل من نصف كفايته.
- وإن كان مقدار ما ينفقه في السنة عشرة آلاف، فهذا يسمى مسكينًا؛ لأنه يجد أكثر من نصف كفايته.
- وإن كان مقدار ما ينفقه في السنة اثني عشر ألفًا، فهذا يُسمَّى مسكينًا؛ لأنَّه يجد نصف كفايته.
- وإن كان مقدار ما ينفقه في السنة ثلاثة عشر ألفًا، فهذا يسمى فقيرًا؛ لأنَّه لا يجد إلا أقل من نصف كفايته.
- وإن كان مقدار ما ينفقه في السنة ستة آلاف كأن لا ينفق إلاَّ على نفسه، وليس لديه التزامات أخرى، فهذا يسمى غنيًّا.
 
ثالثًا: تقدير الكفاية:
- المعتبر في تقدير الكفاية هو العُرف، فقد يكون الإنسان في زمنٍ ترتفع فيه الأسعار، ولا شَكَّ أنَّ الكفاية ترتفع تبعًا لها، فيقدر ما عليه كفايته الآن.
- والكفاية ليس المقصود بها كفايته فقط، وإنَّما يدخل معه كفاية من يمونه إن كان يمون أحدًا، فقد يتقاضى الإنسان راتبًا جيِّدًا فيما لو أنفق على نفسه فقط، ولكنَّه مع نفقته لمن يمونه يكون مسكينًا أو فقيرًا، وليس المعتبر في الكفاية الأكل والشرب والسُّكْنَى والكسوة فقط، بل يشملُ الأشياء الأخرى التي تدعوه الحاجة لها، كالزَّواج أو الكتب؛ لكونه طالب علم يحتاج إليها[1].
- يرتفع الفقر والمسكنة إذا كان عند الإنسان ما يرفعهما، كأن يكون عنده وظيفة تدخل عليه مالاً فيه كفايته، أو عنده من ينفق عليه من أب أو ابن أو زوج وغيرهم ما يصل إلى كفايته، أو كأن تكون عنده أعيانٌ لو باعها وجد بها كفايته، ولكن هذه الأعيان لا تكون من حاجاته الأصليَّة كمسكنه وسيارته، فهذه لا يبيعها، أو كأن يكون قادرًا على التكسب، وتهيأ له ما يتكسب منه ونحو ذلك من الأشياء التي ترفع عنه ذلك.
- من كان قادرًا على التكسُّب، وليسَ عنده مال، وترك التكسب؛ تفرغًا لطلب العلم، فهذا يُعطى من الزَّكاة لنفقته؛ لأنَّ طلب العلم نوع من الجهاد في سبيل الله، ولأنَّه يفعل ما فيه مصلحة للمسلمين، بخلاف من أراد التفرُّغ للعبادة، وهو قادر على التكسب، فلا يعطى من الزكاة؛ لأن العبادة نفعها قاصر غير متعدٍّ كالعلم[2].
- يعطى الفقير والمسكين ما يُسدُّ به كفايتهما من النَّفقات الشرعية والحوائج الأصلية لمدة سنة على القول الصحيح، مثال ذلك: فقير أو مسكين يدخل عليه من وظيفته سنويًّا عشرة آلاف ريال، وكفايته في السنة عشرون ألفًا، فهذا يُعطى من الزَّكاة عشرة آلاف ريال تُضاف لما عنده من المال، فإذا لم يكُن له وظيفة، أو مال، أو أي دخل، يُعطى كفايته كاملة لمدة عام.
النفقات الشرعية مثل: الطعام والشراب واللباس والسكن، ويدخل فيه مهر الزواج.
والحوائج الأصلية مثل: الفرش، والآلات الكهربِيَّة، وأواني الطبخ، ونحوها.
 
تبيَّن مما تقدم أن المستحق للزكاة إذا كان فقيرًا أو مسكينًا هو أحد ثلاثة:
أولاً: مَنْ لا مال له ولا كسب أصلاً.
ثانيًا: مَنْ له مال أو كسب، ولكنَّه لا يبلغ نصف كفايته وكفاية أسرته.
ثالثًا: مَنْ له مال أو كسب يبلغ نصف كفايته وكفاية أسرته أو أكثر، لكنَّه لا يبلغ تمام الكفاية[3].
 
فإذا كان مما تقدَّم صرفت له الزكاة، أمَّا إذا وجد كفايته، فهو غني في باب الزكاة؛ لأنَّه استغنى عن الناس؛ فتحرم عليه الزَّكاة حينئذ؛ لأنَّه ليس محتاجًا، فهو قد استغنى بما عنده،.
 
ويدل على ذلك: حديث قبيصة بن مخارق - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له: ((إنَّ المسألة لا تحل إلا لأحد ثلاثة: ... رجل أصابته جائحة اجتاحت ماله، فحلَّت له المسألة حتَّى يصيب قوامًا من عيش أو سدادًا من عيش))؛ رواه مسلم؛ أي: حتى يصيب كفايته. 
قال الخطابي: "قال مالك والشافعي: لا حدَّ للغنى معلوم، وإنَّما يعتبر حال الإنسان بوسعه وطاقته، فإذا اكتفى بما عنده، حرمت عليه الصدقة، وإذا احتاج حلَّت له"[4].
 
الثالث: العاملون عليها:
ومن الفوائد والأحكام تحت هذا الصنف:
أولاً: العاملون عليها: هم الذين يبعثهم ولي الأمر للزَّكاة؛ لجبايتها أو لحفظها أو لقسمتها، ويدخل معهم مَنْ لا يتم العمل إلاَّ بهم، كالكتبة والحاسبين والوزَّانين والكيَّالين، وكل من احتيج إليه لدخولهم في مسمى العاملين.
فجباتها: هم السُّعاة الذين يأخذون الزكاة من أهلها، وحفاظها: هم الذين يقومون بحفظها بعد جبايتها.
وقاسموها: هم من يقسمها في أهلها.
 
ثانيًا: مقدار ما يأخذه العامل من الزَّكاة:
المذهب وهو الصواب: أنه يُعطَى العامل من الزكاة على قدر أُجْرته كاملة - خلافًا لمن قال: يعطى الأقل من أجرته - فإن كانت أجرته ألفين أُعْطِيَ من الزكاة ألفين وهكذا.
 
ثالثًا: العامل على الزكاة لا بُدَّ أن يكون مبعوثًا من ولي الأمر، أو من يقوم مقامه من الدوائر الحكومية، أمَّا غيره فلا يسمى عاملاً عليها، فلو جاء تاجر، وأعطى رجلاً زكاته؛ ليوزعها في مصارفها، فلا يُعطى هذا الرجل من الزكاة؛ لأنه لا يسمى من العاملين عليها، بل يعطيه أجرته من غير الزكاة؛ لأنَّ العامل على الزكاة لا بُدَّ أن يبعثه ولي الأمر كما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يبعث السعاة لجمع الزكاة ولا يُعتد بغيرهم.
 
رابعًا: العاملون على الزكاة يأخذون الزَّكاة ولو كانوا أغنياء، فلا يشترط أن يكونوا محتاجين، لأنَّهم أُعطُوا من الزكاة بنص القرآن؛ لكونهم عاملين على الزكاة لا لفقرهم وحاجتهم.
 
الرابع: المؤلفة قلوبهم:
وتحت هذا الصنف فوائد وأحكام:
أولاً: المؤلفة قلوبهم: جمع مؤلَّف، وهم الذين يُطلب تأليف قلوبهم لأجل الإسلام وهم على قسمين:
القسم الأول: مؤلفة قلوبهم من المسلمين.
القسم الثاني: مؤلفة قلوبهم من الكفار.
 
 المؤلفة قلوبهم من الكفار على قسمين:
1 - من يُعطى لرجاء إسلامه، (ولا بد من قرائن تدل على رجاء إسلامه).
2 - من يُعطى لكف شره، ولو لم يُرجَ إسلامه.
 
- والمؤلفة قلوبهم من المسلمين يدخل فيه ما كان فيه منفعة للإسلام وأهله، وهم على صور منها:
1 - من يُعطى رجاء قوة إيمانه، وذلك كأن يكون حديث عهد بكفر، فيعطى ليقوى إيمانه، أو كأن يكون مسلمًا من قبل، لكنه ضعيف الإيمان فيُعطى.
2 - مَنْ يُعطى من المسلمين؛ ليُسْلِمَ نظراؤه أي أمثاله؛ كما أُعطي عَدِيُّ بن حاتم بعدما أسلم وحَسُنَ إسلامه؛ وذلك ليتألف من هو على شاكلته، والذي أعطاه هو أبو بكر الصديق - رضي الله عنه.
3 - مَنْ يُعطى من المسلمين؛ لأنَّهم في حدود بلاد الأعداء، ويعطون لما يرجى من دفاعهم عمن وراءهم من المسلمين إذا هاجمهم العدو.
4 - مَنْ يُعطى من المسلمين؛ لأن له نفوذًا وتأثيرًا يستطيع معها أن يجمع الزَّكاة ويأخذها ممن يمنعها، فيستعان بمن لهم نفوذ بدلاً عن القتال؛ لأنَّه به يرتكب أخف الضررين، فيعطى هؤلاء الذين يجمعون الزكاة تأليفًا لقلوبهم.
 
ومن الأدلة على إعطاء المؤلفة قلوبهم من الزكاة:
1 - حديث أنس - رضي الله عنه - وفيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أعطى أناسًا من قريش؛ لأنَّهم حديثو عهد بالكفر، فأراد النبي - صلى الله عليه وسلم - تأليف قلوبهم وتقوية إيمانهم فأعطاهم، فقال الأنصار: "يغفر الله لرسوله يُعطي قريشًا، ويتركنا وسيوفنا تقطر من دمائهم، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((فإني أعطي رجالاً حديثي عهد بكفر أتألفهم))". 
2 - حديث سعيد بن المُسيِّب عن صفوان بن أمية قال: "أعطاني رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يوم حُنين، وإنَّه لأبغض الناس إليَّ، فما زال يعطيني حتَّى إنه لأحب الناس إلي"[5]. 
وكان صفوان بن أمية يوم حنين مشركًا، فأعطاه النبي - صلى الله عليه وسلم - تأليفًا لقلبه رجاء إسلامه.
3 - حديث أنس - رضي الله عنه - وفيه "وكان - أي: النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يسأل شيئًا على الإسلام إلا أعطاه، فسأله رجل فأعطاه أشياء كثيرًا بين جبلين، فرجع إلى قومه، فقال: يا قوم، أسلموا فإنَّ محمدًا يعطي عطاء من لا يخشى الفاقة"؛ رواه أحمد، وفي هذا الحديث دليل أيضًا على إعطاء النبي - صلى الله عليه وسلم - من يرجو إسلامه.
4 - حديث عمرو بن تغلب أن رسول الله أتي بمال أو سبي، فقسمه فأعطى رجالاً وترك رجالاً، فبلغه أن الذين ترك عتبوا، فحمد الله، ثم أثنى عليه، ثم قال: ((أما بعد؛ فوالله، إني لأعطي الرجل وأدع الرجل، والذي أدع أحبُّ إلي من الذي أعطي، ولكني أعطي أقوامًا؛ لما أرى في قلوبهم من الجزع والهلع))؛ رواه البخاري.
5 - حديث أبي سعيد - رضي الله عنه - أن عليًّا بعث إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بِذُهَيْبَة في تربتها من اليمن، فقسمها بين أربعة نفر: الأقرع بن حابس، وعيينة بن بدر، وعلقمة بن علاثة، وزيد الخير، وفي الحديث قال: ((أتألفهم))؛ والحديث متفق عليه، وفي السنة أحاديث كثيرة غير ما تقدم.
 
ثانيًا: هل يشترط فيمن يراد تأليف قلبه أن يكون سيدًا مطاعًا في قومه؟
المذهب: أنه يشترط فلا يعطى رجاء إسلامه أو لدفع شره إن كافرًا، أو لتقوية إيمان المسلم إلا إذا كان سيدًا مطاعًا في قومه واستدلوا:
1 - بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنَّما كان يعطي الكبراء والوجهاء في عشائرهم.
2 - قالوا: من لم يكُن من السَّادة المطاعين في قومهم لا يضر المسلمين عدم إسلامهم أو ضعف إيمانِهم، أو كان كافرًا ظاهرًا شره للمسلمين وليس له منعة فهذا قد يحبس أو يقام عليه الحد ويكف شره.
والقول الثاني: أنه لا يشترط كونه سيدًا مطاعًا إلا مَنْ يعطى؛ لاتقاء شره وعداوته للمسلمين، فإنه يشترط أن يكون سيدًا مطاعًا؛ لأن غيره نستطيع ردَّ شره بالضرب أو الحبس أو إقامة الحدِّ، ولا حاجة في أن نؤلِّف قلبه مع الاستطاعة عليه، أما من رُجي إسلامه أو قوة إيمانه، فإنه يُعطى ولو لم يكن سيدًا مطاعًا، وهو اختيار شيخنا ابن عثيمين في "الممتع" (6/227).
ويدل على ذلك: حديث سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - أنه قال: يا رسول الله، أعط فلانًا فإنه مؤمن، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - ((أَوَمسلم؟)) أقولها ثلاثًا، ويرددها عليَّ ثلاثًا: ((أو مسلم؟))، ثم قال: ((إني لأعطي الرجل وغيره أحب إلي منه؛ مخافة أن يكبه الله في النار))؛ متفق عليه.
 
ثالثًا: اخْتُلِف هل لا زال باقيًا سهم المؤلفة قلوبهم أو أنه انقطع بعد النبي - صلى الله عليه وسلم؟
 
القول الأول: أنَّه انقطع بعزِّ الإسلام وظهوره.
وعللوا ذلك:
1 - بأن إعطاء المؤلفة قلوبهم انقطع؛ لظهور المسلمين، وقوة شوكتهم، ولا حاجة للتأليف، والحكم يزول بزوال علته.
2 - أن الصحابة لم يعطوا المؤلفة قلوبهم، ومن ذلك أنه في عهد عمر وعثمان - رضي الله عنهما - تُرِكَ سهمُ المؤلفة قلوبهم.
 
والقول الثاني: أن سهمهم باقٍ لم ينقطع، وهذا قول المذهب، وبه قال جمهور العلماء.
واستدلوا:
1 - بأن آية المصارف وهي قوله - تعالى -: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ} [التوبة: 60] - هي من آخر ما نزل.
2 - عموم الأحاديث التي في السنة، وتقدم بعض منها، وفيها تأليف النبي - صلى الله عليه وسلم - لبعضهم، ولا دليل على نسخ هذا الحكم، وهذا القول هو الرَّاجح والله أعلم. 
وأمَّا أن الصحابة كعمر وعثمان - رضي الله عنهم - لم يعطوا المؤلفة قلوبهم، فلعدم الحاجة إلى التأليف.
 
الخامس: وفي الرقاب
وتحت هذا الصنف فوائد وأحكام:
أولاً: الرقاب: جمع رقبة وهي العنق، والمراد هنا: فك الإنسان من الرق أو الأسر.
 
ثانيًا: الرقاب تشمل صنفين: العبيد والمكَاتَبين.
والمكاتَب: هو العبد الذي اشترى نفسه من سيده، ولفظه مأخوذ من الكتابة؛ لأن العقد يقع فيه الكتابة بين السيد والعبد، بأنْ يدفع العبد لسيده مالاً، وفي الغالب يكون على أقساط، فإذا بلغ السِّعر الذي اتفقا عليه - عَتَقَ العبد، فالمكاتَب يُعطى من الزكاة ما يَعْتِقُ به نفسه.
مثال ذلك: اشترى عبدٌ نفسه من سيده بعشرة آلاف على عشرة أشهر في كل شهر ألف، فإن كان بَقِيَ له سبعة أشهر - أي: سبعة آلاف - أُعطي هذا المكَاتب سبعة آلاف ليعتق نفسه.
وكذلك العبيد الذين ليسوا مكاتَبِين، فإنهم يُعتقون من الزكاة.
مثال ذلك: عبدٌ لا يعتقه سيده إلا بعشرة آلاف، فيُعطى من الزكاة ما يعتق بها رقبته أو يعطى سيده، فيعطى عشرة آلاف، لا سيما إذا كان عند سيد يؤذيه.
والعبيد والمكاتبون يدخلون في عموم قول الله - تعالى -: {وَفِي الرِّقَابِ}.
 
ثالثًا: أضاف بعضُ أهل العلم - وهو قول المذهب - صنفًا ثالثًا يدخل في عموم {وَفِي الرِّقَابِ}، وهو فكاك الأسير، وهو الأظهر، والله أعلم وذلك لسببين:
1 - لأنَّ في ذلك فك رقبة من الأسر، وإذا جاز فك العبد من رِقِّ العبودية، ففك بدن الأسير أولى؛ لأنَّه أشد منه محنة وابتلاء، وربَّما يتعرض للقتل.
2 - أن في فكاك أسره دفعًا لحاجته وهذا يشابه دفع حاجة الفقير.
 
إذًا يدخل تحت قوله - تعالى -: {وَفِي الرِّقَابِ} ثلاثة: العبد، والمكاتب، والأسير.
 
رابعًا: لو أن رجلاً عنده عبدٌ وعليه زكاة، وأراد أنْ يعتقَ العبد مكان إخراج الزكاة، فإن هذا لا يُجزئ على الصحيح وهو قول المذهب.
والتعليل: لأنَّه في هذه الحالة تكون بمنزلة إسقاط الدَّين، بدلاً عن الزكاة، كأن يكون على الإنسان دين عند شخص فقير، فيسقط الدَّين عنه ويحسبه من الزكاة، وهذا لا يجوز وحُكِيَ الإجماع على ذلك كما سيأتي.
 
فائدة: قال الشيخ ابن عثيمين: "وكذلك الغريق إذا لم يجد من يخرجه إلاَّ بمال، فالظاهر أننا نعطيه من الزكاة؛ لأنَّه يشبه الأسير؛ لأن المسألة عند أهل العلم لا تختص بالأرقاء، فالظاهر أنَّها تشمل كلَّ ما فيه إنجاء"[6].
 
السادس: الغارمون:
وتحت هذا الصنف فوائد وأحكام:
أولاً: الغُرْمُ في اللغة: اللزوم، والغارم: من لحقه الغرم، وهو الإلزام بالمال وشبهه.
 
ثانيًا: الغارم ينقسم قسمين:
1 - غارم لإصلاح ذات البَيْن، فهذا يُعطى من الزَّكاة مقدار غرمه، ولو كان غنيًّا.
2 - غارم لنفسه، فهذا يُعطى من الزكاة مقدار غرمه إذا لم يستطع الوفاء.
 
الأول: الغارم لإصلاح ذات البين:
كأن يقع بين جماعة تشاجر في دماء وأموال، ويَحتاج الإصلاح بينهم إلى تحمُّل مال، فيتوسط رجل بالصلح بينهم، ويلتزم في ذمته مالاً؛ ليطفئ نار العداوة، فهذا يسمى غارمًا لإصلاح ذات البين، فهذا يُعطى من الزَّكاة مقدار ما غرمه.
 
والغارم لإصلاح ذات البين له صور:
الأولى: أن يتحمل في ذمَّته مقدار ما يصلح بين الطائفتين، فهذا يعطى من الزكاة.
الثانية: أن يستدين مالاً، ويدفعه للمتخاصمين، فهذا يعطى من الزكاة.
الثالثة: أن يكون ذا مال فيسد من ماله ما يصلح به بين الطائفتين، ففيه خلاف:
قيل: لا يعطى؛ لأنه لا يسمى غارمًا، فهو قد سدد من ماله.
وقيل: لا يعطى إلا إذا نوى الرُّجوع على أهل الزكاة فيعطى، أمَّا إن لم ينو الرجوع عليهم أو نوى التبرُّع، فلا يعطى؛ لأنه متبرع وشيء أخرجه لله لا يجوز له الرجوع فيه، واختاره ابن عثيمين[7].
 
الثاني: الغارم لنفسه:
كمن اقترض مالاً لأجل نفقة أو زواج، أو علاج، أو بناء مَسكن، أو شراء ما يحتاج إليه وعائلته من آلات وأوان وفرش ونحوها، أو أتلف شيئًا لغيره خطأ، أو نزلت به جائحة اجتاحت ماله، فلحقه ديون ونحو ذلك، فهذا يعطى من الزَّكاة ما يسد به غرمه بشرطين:
الشرط الأول: أن يكونَ بحاجة إلى أن يقضي دَيْنه؛ أي: ليس قادرًا على سداده بنقود عنده، أو مرتَّب، أو عروض تِجارة، أو عقار زائد، أو أشياء زائدة يستطيع بيعها وسداد دينه، ولذا عبَّر صاحب الزاد لهذا الشرط بقوله: "أو لنفسه مع الفقر"، ومعنى الفقر هنا العجز عن الوفاء، فهذا هو الذي يُعطى من الزكاة.
الشرط الثاني: أن يكون دينه في أمر مُباحٍ أو في محرم تاب منه، "وأشار إلى هذا صاحب الروض"، أمَّا من استدان في محرم لم يتُب منه، فلا يعطى من الزكاة؛ لأنَّ في ذلك إعانة على معصية كمن يستدين في قمار أو خمر أو آلات لهو أو ربا أو في أمر أسرف فيه ولم يتب منه؛ لأن الإسراف محرم.
 
فمن حقَّق هذين الشرطين، فهو الذي يعطى من الزكاة.
 
ثالثًا: هل يُقضى دَينُ الميت من الزكاة؟
القول الأول: أنه يُقضى دين الميت من الزَّكاة، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية في "الفتاوى"، (25/80).
واستدلوا: بعموم الآية؛ حيث قال تعالى: {وَالْغَارِمِينَ}، وهذا يشمل كل غارم حيًّا كان أو ميتًا.
 
والقول الثاني: أنه لا يُقضى عن الميت من الزَّكاة، وهذا قول المذهب واختاره شيخنا ابن عثيمين.
لعدة وجوه:
الأول: أنَّ الظاهر من إعطاء الغارم أن يزال عنه ذل الدين، والميت ليس كذلك.
والثاني: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان لا يَقضي ديونَ الأموات من الزكاة، فكان يُؤتى بالميت وعليه دين، فيسأل: هل ترك وفاء؟ فإن لم يترك لم يصلِّ عليه، وإن قالوا له وفاء صلَّى عليه، والحديث متفق عليه، حتَّى فتح الله عليه الفتوح، فكان يقضي الديون من الفيء.
والثالث: أنه لو فُتِح هذا الباب، لعُطِّل قضاء الديون عن كثير من الأحياء؛ لأن الناس يعطفون على الأموات.
والرابع: أن الميت لا يسمى غارمًا؛ لأن ذمته خربت بموته[8].
 
رابعًا: إسقاط الدين عن المعسر، واحتساب ذلك من الزكاة لا يجزئ بلا نزاع.
- قال شيخ الإسلام في "مجموع الفتاوى"، (25/84): "وأمَّا إسقاط الدين على المعسر، فلا يجزئ عن زكاة العين بلا نزاع".
مثال ذلك: رجل عليه دَيْنٌ وهو فقير لا يستطيع السَّداد يسمى معسرًا، كأن يكون عليه خمسمائة ريال، والدَّائن له زكاته خمسمائة ريال، فقال: أريد أنْ أسقط دينك، وأحسبه من الزكاة، فأنت مستحق للزكاة، ولي دين عندك، فاحتسبه من الزكاة، فإن هذا لا يجزئ لسببين:
الأول: أن الزكاة أخذ للمال من صاحبه وإعطائه لمن يستحقه، ففي الزكاة أخذ وإيتاء؛ قال تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ} [التوبة: 103]، وقال تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: 43]، وهذه الصورة ليست كذلك.
الثاني: أن الغالب فيمن يسقط الدين من زكاته يكون قد أيس من حصول حقِّه، وهو بذلك أثرى ماله الذي عنده؛ حيثُ لم يأخذْ منه شيئًا لزكاته، وسلم من دفع الزكاة.
 
خامسًا: إن كان الغارم لنفسه حريصًا على سداد دَيْنه وثقة، أعطي الزكاة بيده، وإن كان يُخشى أن يضيعها، فلا يسد بها دينه، فلا يعطى، وإنَّما يُعطى غريمه[9].
 
السابع: وفي سبيل الله:
وتحت هذا الصنف فوائد وأحكام:
أولاً: أصل السبيل: الطريق، وسبيل الله: هو الطريق الموصل إلى مرضاته، وهو يشمل جميع الأعمال الصالحة، ثم غلب إطلاقه على الجهاد.
وقوله - تعالى -: {وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ} في آية أصناف الزَّكاة المراد به الجهاد في سبيل الله، وهذا قول جماهير العلماء منهم الأئمة الأربعة.
وقيل: المراد به وجوه الخير كلها، وهو قول الحسن البصري - رحمه الله.
وبهذا القول يكون شاملاً لبناء المساجد، وإصلاح الطرق، وبناء المدارس، وطبع الكتب، وكل عمل يقرب إلى الله - جل وعلا - وهذا القول مرجوح، والصحيح أن المقصود في الآية الجهاد في سبيل الله وهو القتال؛ لإعلاء كلمة الله.
والتعليل: لأنَّه لو فسر بوجوه الخير، لم يكن لحصر الزَّكاة بالأصناف الثمانية في الآية فائدة، فالله - عزَّ وجل - يقول: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ} الآية، وهذا الأسلوب هو أسلوب الحصر بـ(إنَّما)، والتفسير بأن في (سبيل الله) عام في كل وجوه الخير، يُلغي فائدة الحصر، فالصواب أنَّ المراد بها: الجهاد في سبيل الله.
 
ثانيًا: اخْتُلِف فيمن يصرف سهم (وفي سبيل الله):
فالمذهب: أن المراد بهم الغُزاة المتطوعة الذين ليس لهم ديوان؛ (أي: ليس لهم راتب)، فعلى قول المذهب لا تصرف الزكاة في شراء الأسلحة والآلات ونحوها.
والقول الثاني: أنها تصرف في الجهاد في سبيل وما يتعلق به من رواتب الجند، وشراء الأسلحة والآلات التي تستعمل في الحرب، وكل ما يعين على الجهاد في سبيل وهذا القول هو الأظهر والله أعلم.
ويدل على ذلك عموم قول الله - تعالى -: {فِي سَبِيلِ}، وكل من وضع المال في الجهاد في سبيل الله دخل في عموم الآية، سواء صرفت في رواتب للمجاهدين، أم سلاح أم آلات ونحوها؛ لأنه قال: {في سبيل الله}، و(في) تدل على الظرفية لا على التمليك، حتى نقول: إنَّها للمجاهدين فقط، بل كل ما يحتاجونه أيضًا في مصلحة الجهاد، والمذهب اشترطوا في المجاهدين أن يكونوا لا رواتب لهم، أمَّا مَنْ تصرف لهم رواتب من بيت مال المسلمين، فلا يُعْطَون من الزكاة، وهو الأظهر لكن إن كان المال الذي يأتيهم من بيت مال المسلمين لا يكفيهم، فإنَّهم يُعطون من الزكاة.
 
ثالثًا: المجاهدون في سبيل الله يعطون من الزكاة، ولو كانوا أغنياء، وهو قول المذهب أيضًا، بل هو قول جمهور العلماء؛ لأنَّ المجاهد إنَّما يأخذ الزكاة لمصلحة المسلمين لا لمصلحة نفسه، والقاعدة: "إنَّ كل من أخذ لمصلحة المسلمين من أصناف الزكاة، جاز له أن يأخذ الزكاة ولو كان غنيًّا"، مثل العامل على الصدقة، والغارم لإصلاح ذات البين.
 
الثامن: ابن السبيل:
وتحت هذا الصنف فوائد وأحكام:
أولاً: السبيل هو الطريق، وابن السبيل هو المسافر، وسمي بذلك لملازمته الطريق، فكأنه ابنًا لها، والمسافر الذي انقطع به السفر يُعطى من الزكاة ما يوصله إلى بلده، ولو كان غنيًّا في بلده؛ لأن المال الذي في بلده لا قُدرة له عليه، فوجوده كعدمه فهو منقطع عن ذلك المال.
 
ثانيًا: المنشئ للسفر من بلده وانقطع فيها لا يعطى من الزكاة وهو قول المذهب أيضًا.
والتعليل: لأنَّ المراد بابن السبيل هو مَن لازم الطريق، ثم انقطع وهذا لم يلازم الطريق فليس ابنًا لها.
وعليه فلو أنَّ إنسانًا في بلده، واحتاج للسفر، وليس معه مال، فإنه لا يعطى من الزكاة بوصفه ابن السبيل؛ لأنه ليس كذلك، ولكن لو كان سفره لضرورة كعلاج ونحوه، وليس عنده مال، فإنه يُعطى من الزكاة؛ لكونه فقيرًا لا لأنه ابن السبيل، فهو أعطي لعلَّة أخرى.
 
ثالثًا: ابن السبيل يُعطى من الزَّكاة ما يكمل به سفره، ويقضي مقصوده، ويرجع لأهله، وهو قول المذهب أيضًا.
مثال ذلك: رجل خرج من جدة إلى الرِّياض لحاجة له في الرياض، وأثناء طريقه انقطع وليس معه مال، فإنه يُعطى من الزكاة ما يوصله إلى الرياض، ويقضي مقصوده، ويعود إلى جدة.
 
رابعًا: ابن السبيل إذا كان لديه ما يتمكَّن معه من الحُصُول على المال، فلا يسمى منقطعًا، وعليه فلا يجوز أن يأخذ من الزَّكاة، كأن تضيع أو تسرق أمواله، وهو في بلدة أخرى، ولكن معه كبطاقات الصراف ونحوها مما يستطيع معها الحصول على المال، فهذا لا يدخل في مسمى ابن السبيل؛ لأنه لا يُعد منقطعًا.
 
المسألة الثانية: من كان ذا عيال أخذ ما يكفيهم:
أي: إنَّ المستحق للزكاة إن كان له عيال، والمقصود بالعيال مَنْ يعولهم من زوجات وأولاد وإخوة، فإن كان ذا عيال، فإنَّه يأخذ من الزكاة ما يكفيه، ويكفي عياله وبه قال المذهب.
مثال ذلك: فقير ذو عائلة كبيرة، ويَحتاج هو لنفسه في السنة عشرة آلاف ريال، لكن مع عائلته يحتاج مائة ألف ريال، فهذا يُعطى مائة ألف ريال، ما يكفيه ويكفى عائلته لسنة كاملة، وهو قول جمهور العلماء.
 
المسألة الثالثة: يجوز صرف الزكاة لصنف واحد من الأصناف الثمانية:
وفي المسألة خلاف:
فالقول الأول: أنه لا بُدَّ من تعميم الأصناف الثمانية، فمن كانت زكاته ثمانمائة ريال مثلاً، أَعْطى كل صنف مائة ريال.
واستدلوا بعموم الآية: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا...} [التوبة: 60]، وقالوا: إنَّ الآية فيها إضافة الصدقات للأصناف الثمانية بلام التمليك، وذُكِرُوا بالواو التي تدل على الاشتراك، كما لو قلت: هذا المال لزيد وعمرو ومحمد وسالم، فإنَّك لن تعطي المال لواحد منهم؛ لأنَّ اللفظ يدل على اشتراكهم في ذلك.
 
والقول الثاني: أنه يجوز صرف الزكاة لصنف واحد، وهو قول المذهب وبه قال جمهور العلماء، وهو الأظهر والله أعلم.
ويدل على ذلك:
1- قول الله - تعالى -: {وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاء فَهُوَ خَيْرٌ لُّكُمْ} [البقرة: 271].
2- حديث معاذ - رضي الله عنه - وفيه قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((أعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم))؛ متفق عليه. 
ووجه الدلالة: أنَّه لم يذكر في الدليلين السابقين إلا صنفًا واحدًا هو الفقراء، فدلَّ على جواز صرفها لصنف واحد، وأنَّ هذا هو المراد بالآية التي فيها أصناف الزَّكاة الثمانية، لا التعميم على جميع الأصناف.
ويكفي أن يُعْطِيَ رجلاً واحدًا من الصنف، فيُعْطِي زكاته فقيرًا واحدًا، ولا يلزم مجموعة فقراء.
 
المسألة الرابعة: يسن أن يدفع الزكاة إلى أقاربه الذين لا تلزمه نفقتهم.
فإذا كان القريب كالعمِّ والخال والعمة والخالة مستحقًا للزكاة، فإن السنة أن تدفع إليه الزكاة لا إلى غيره، وبهذا قال المذهب أيضًا.
ويدل على ذلك: حديث سلمان بن عامر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((الصدقة على المسكين صدقة، وعلى ذي الرَّحم ثنتان صدقة وصلة))؛ رواه أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجه، وقال الترمذي: حسن، ويشترط ألا يكون هذا القريب ممن تلزمك نفقته، فإن كان ممن يلزمك الإنفاق عليهم، لم تجزئ دفع الزكاة إليهم.
والتعليل: لأنَّه إذا دفع إليهم الزكاة، اغتنوا بها فسقطت عنهم النَّفقة، فالزكاة واجبة والنفقة واجبة، وبهذه الحال قام الواجب الأول مقام الواجب الثاني، وهذا لا يجزئ والقاعدة في هذا: "أنَّه لا يجوز للإنسان أن يسقط بزكاته أو بكفارته واجبًا عليه"، وهذه قاعدة مفيدة.
 
مثال الزكاة: رجل عليه زكاة مقدارها ألف ريال وهو غني، وله أخ فقير تلزمه نفقته، فلا يجوز له أن يعطي أخاه من الزكاة؛ لأنَّه بذلك يُسقِط واجبًا عليه وهي النفقة.
مثال الكفَّارة: رجل عليه كفَّارة إطعام عشرة مساكين، ونزل عنده فقراء عددهم عشرة وهم أضياف عنده، والضيف يَجب إكرامه بغدائه وعشائه يومه وليلته، فلا يجوز له أن يطعمهم بنية الكفارة؛ لأنه بذلك يُسقِط واجبًا عليه وهو حق الضيافة لهم.
 
فائدة: الأب إذا كان فقيرًا والابن عاجزًا عن النفقة على أبيه، يجوز للابن أن يُعْطِيَ زكاته لأبيه.
والتعليل: لأنَّه بإعطائه الزكاة لم يسقط واجبًا عليه، فهو عاجز عن النفقة أصلاً، فبدلاً من أن تذهب هذه الزكاة للبعيد، ويبقى الأب محتاجًا، يعطيها أباه، ويدفع حاجة أبيه، وهو بهذا لم يسقط بزكاته واجبًا[10].
 
المسألة الخامسة: الذين لا يجوز دفع الزكاة لهم.
ذكر صاحب الزَّاد أصنافًا لا يجوز دفع الزكاة إليهم، بمعنى أنَّه لا يجوز إعطاؤهم الزكاة على قول المذهب وهم:
أولاً: الهاشمي.
والمراد به من كان من نسل هاشم بن عبدالمطلب، وهو الجد الثاني للنبي - صلى الله عليه وسلم - فهؤلاء يقال لهم: آل محمد تحرم الزكاة عليهم.
 
ويدل على ذلك: 
1- حديث المطلب بن ربيعة قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إنَّ الصدقة لا تنبغي لآل محمد، إنَّما هي من أوساخ الناس))، وفي رواية: قال: ((إنَّ هذه الصدقات إنَّما هي أوساخ الناس، وإنَّها لا تحل لمحمد ولا لآل محمد))[11].
 
2- حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: "أخذ الحسن بن علي تمرة من تمر الصدقة، فجعلها في فيه، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((كخ كخ))؛ ليطرحها، ثم قال: ((أَمَا شَعَرْتَ أنَّا لاَ نأكل الصدقة))"؛ متفق عليه، قال ابن هبيرة في "الإفصاح"، (1/230): "واتَّفقوا على أنَّ الصدقة المفروضة حرامٌ على بني هاشم، وهم خمسة بطون: آل العباس، وآل علي، وآل جعفر، وآل عقيل، وولد الحارث بن عبدالمطلب".
 
فائدة: معنى قوله: ((إنَّما هي أوساخ الناس))؛ أي: إنَّ الزَّكاة تطهير لأصحابه، والطهور يتَّسخ بما يطهره، والله - عز وجل - يقول: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ} [التوبة: 103]، تبيَّن مما سبق أنَّ الهاشمي لا يَجوز له أنْ يأخذَ من الزكاة، وهذا باتِّفاق العُلماء كما تقدم، سواء كان هذا الهاشمي فقيرًا، أم مجاهدًا، أم مؤلفًا، أم مسكينًا، أم غارمًا – استثنى أهل العلم فيما لو مُنِع الهاشمي من الخمس، أو لم يوجد خمس، كما هو الحال في زماننا، فإنه يُعطى الهاشمي إذا كان فقيرًا من الزَّكاة؛ دفعًا للضرورة التي هو فيها، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية[12]، وهذا القول هو الأظهر والله أعلم.
 
والخمس: المراد به الغنائم تقسم خمسة أسهم: أربعة أسهم للغانمين، والسهم الخامس هو الخمس يقسم خمسة أسهم: الأول: لله ورسوله يكون في مصالح المسلمين وهو ما يعرف بالفيء أو بيت المال، والثاني: لذي القربى وهم قرابة النبي - صلى الله عليه وسلم - وهم بنو هاشم وبنو المطلب، والثالث: لليتامى، والرابع: للمساكين، والخامس: لابن السبيل.
 
فائدة: جمهور العُلماء على جواز أخْذِ الهاشمي من صدقة التطوع، وهو اختيار شيخنا ابن عثيمين في "الممتع"، (6/254).
والتعليل: لأنَّ صدقة التطوُّع كمال، وليست أوساخ الناس، إلاَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - فإنَّها لا تحل له فهو لا يأكل الصدقة واجبة كانت أو تطوعًا.
 
ثانيًا: المطَّلبي؛ أي: إنَّ بني المطلب لا تَحِلُّ لهم الزكاة أيضًا، وبنو المطلب ينتسبون إلى المطلب، وهو أخو هاشم وأبوهما عبدمناف وله أربعة أولاد: هاشم، والمطلب، ونوفل، وعبدشمس، فالمذهب: أنه لا يجوز دفع الزكاة للمطلبي.
 
واستدلوا:
1- بحديث جبير بن مطعم أن عثمان بن عفان (وهو من بني عبدشمس)، وجبير بن مطعم (وهو من بني نوفل) قالا: يا رسول الله، أعطيت بني المطلب وتركتنا ونحن وهم منك بمنزلة واحدة، قال: ((إنَّما بنو المطلب وبنو هاشم شيء واحد))[13].
فالنبي - صلى الله عليه وسلم - أعطى بني المطلب من الخمس، فقالوا له ذلك القول، فكما أن بني هاشم وبني المطلب استووا في أحقيتهم للخمس، فكذلك يستوون في منعهم من الزَّكاة.
نوقش هذا الاستدلال بأنَّ بني المطلب استحقوا الخمس؛ لأنَّهم ناصروا النبي - صلى الله عليه وسلم - فاستحقاقهم للخمس من أجل النُّصرة، لا من أجل القرابة، فلا يدخلون تحت (آل محمد)؛ لأنَّه لو كان من أجل القرابة لأُعطي من الخمس بنو نوفل وبنو عبدشمس، والنصرة لا تقتضي حرمانهم من الزكاة.
 
والقول الثاني: إنَّهم لا يمنعون من الزَّكاة، وهو الراوية المشهورة في المذهب، وهذا القول هو الراجح والله أعلم.
والتعليل: لأنَّ بني المطلب ليسوا من آل محمد - صلى الله عليه وسلم - فلا يمنعون من الزَّكاة، ولعموم الآية في مصارف الزَّكاة، ويدخل فيها بنو المطلب، وأمَّا تشريكهم في الخمس، فلأنَّهم ناصروا النبي - صلى الله عليه وسلم - لا لقرابتهم كما تقدم.
 
فائدة: بناء على ما سبق فأبناء عبدمناف على ثلاثة أقسام:
1- لا تدفع لهم الزكاة، ويستحقون من خُمْس الخَمْس وهم بنو هاشم الذين هم آل النبي - صلى الله عليه وسلم.
2 - تدفع لهم الزكاة على القول الراجح، ويستحقون من خمس الخمس وهم بنو المطلب.
3 - تدفع لهم الزكاة، ولا يستحقون من خمس الخمس وهم بنو نوفل وبنو عبدشمس.
 
- ما الحكم في مواليهما؟
موالي بني هاشم وبني المطلب: هم العبيد الذين أعتقتهم بنو هاشم وبنو المطلب.
فالمذهب: أنَّ مواليهما يَمنعون من الزَّكاة.
واستدلوا: بحديث أبي رافع، وهو مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أراد أن يخرج مع عامل الصدقة ليأخذ منها، فنهاه النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال: ((إن مولى القوم منهم))[14].
 
والقول الثاني: إنَّ موالي بني هاشم يمنعون لحديث أبي رافع، وأما موالي بني المطلب فلا يمنعون؛ لأنَّه كما أنه يجوز لبني المطلب أخذ الزكاة على القول الراجح، فكذلك مواليهم من باب أولى، وهذا القول هو الأظهر والله أعلم، وهو المشهور من المذهب.
 
ثالثًا: الفقيرة تحت غنِيٍّ منفق:
لا يجوز للفقيرة أن تأخذ من الزكاة إذا كانت تحت غني منفق كزوج أو أب أو أي قريب؛ لأنَّه يَجب عليه أن ينفق عليها.
والتعليل: لأنَّها إذا كانت تحت غنِيٍّ منفق، فهي مستغنية بما ينفقه الغني عليها، فلا بُدَّ من شرطين لمنع الزكاة عنها:
1- أن تكون تحت غني، فلو كانت تحت فقير، أعطيت من الزكاة.
2 - أن يكون هذا الغني منفقًا، فلو كانت تحت غني ممسك؛ أي: بخيل، فإنَّها تُعْطَى من الزكاة؛ لأنَّها لم تستغن بمن تحتها، فهي لا زالت فقيرة تدخل تحت عموم قوله - تعالى -: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ...} [التوبة: 60].
 
رابعًا: الأصل والفرع:
أي: لا يجوز للإنسان أنْ يدفع الزَّكاة لأصله وهم الآباء والأمهات وإن عَلَوْا، ولا يجوز أن يدفع الزكاة لفرعه وهم الأبناء والبنات وإن نزلوا وهذا قول المذهب؛ وعليه فلا يجوز أن يدفع الزكاة لأبيه أو أمه أو أجداده وإن عَلَوا، وكذلك لا يجوز أن يدفع الزكاة لابنه أو بنته وأبنائهما وإن نزلوا.
وعللوا ذلك بأنَّ الأصل والفرع تجب النَّفقة عليهما بكل حال إذا كانوا فقراء وهو غني، فلا يعطيهم من الزكاة؛ لأنَّ دفع الزكاة إليهم تسقط واجبًا وهو النفقة، وبهذه الحال تكون فائدة الزَّكاة تعود إليه؛ لأنَّه بها وفَّر على نفسه حق النفقة.
 
فالمذهب: أنَّه لا يجوز دفع الزكاة إلى الأصل أو الفرع مطلقًا.
 
والأظهر والله أعلم: أن في المسألة تفصيلاً، وأن الأصول والفروع ينقسمون قسمين:
القسم الأول: مَنْ تلزمه نفقتهم، وهم على حالين:
الحال الأولى: أن يكون قادرًا على النَّفقة عليهم، فهؤلاء لا يجوزُ دفع الزَّكاة إليهم بإجماع العلماء[15].
والتعليل: لأنَّه بدفعه الزكاة لهم يسقط واجبًا عليه وهو النفقة عليهم.
الحال الثانية: أن يكون عاجزًا عن النَّفقة عليهم، فالأظهر - والله أعلم - جوازُ دفع الزكاة لهم.
والتعليل: لأنَّه بدفع الزكاة لهم لم يسقط واجبًا عليه كالنفقة، ولأنه لا دليل على عدم جواز دفع الزكاة إليهم.
 
مثال ذلك: رجل يتسلَّم راتبًا قدره ثلاثة آلاف لا يكفي إلا له ولأولاده، ولا يستطيع النفقة على أبيه، فهو إنْ أخرج زكاة ماله للبعيد، لم يستفد أبوه شيئًا، ويبقى معدومًا لا نفقةَ ولا زكاة، فله أن يُعطي أباه الزكاة؛ لأنَّه لم يسقط حقًّا واجبًا بدفعه الزكاة إليه، أمَّا إن كان قادرًا على النفقة على أبيه، فلا يجوز له أن يدفع الزكاة لأبيه بإجماع العلماء؛ قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "الاختيارات"، (ص104): "ويَجوز صرف الزكاة إلى الوالدين وإن علوا، وإلى الولد وإن سفل إذا كانوا فقراء وهو عاجز عن نفقتهم؛ لوجود المقتضى السالم عن المعارض المقاوم، وهو أحد القولين في مذهب أحمد".
 
والقسم الثاني: مَنْ لا تلزمه نفقتهم.
وذلك كأنْ يكون غير وارث له كابن البنت أو لأن ماله لا يتَّسع لنفقته.
فالمذهب: كما تقدم يرون عدم جواز دفع الزكاة لهم.
والأظهر والله أعلم: جواز دفع الزكاة لهم.
والتعليل: كما تقدم؛ لأنَّه بذلك لم يسقط واجبًا عليه كالنفقة، ولا دليل على عدم جواز دفع الزكاة إليه، بل دفع الزكاة إليهم أفضل لحديث سلمان بن عامر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((الصدقة على المسكين صدقة، وعلى ذي الرحم ثنتان صدقة وصلة))؛ رواه أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجه، وقال الترمذي: "حسن".
والحديث عام يدخل فيه الصدقة الواجبة والمستحبة، خلافًا للمذهب الذي حملوه على الصدقة المستحبة.
 
مسألة: لو كان الأصل أو الفرع مستغنيًا بالنفقة كأن يكون ابنٌ ينفق عليه أبوه أو أب ينفق عليه ابنه، ففي هذه الحالة كما تقدم لا يجوز للابن أن يدفع لأبيه الزَّكاة؛ لأنه يسقط واجب النفقة، ولكن لو كان على الأب دَيْن لا يستطيع سداده، فهو يسمى غارمًا لنفسه، فهل يجوز للابن أن يؤدي دَيْن أبيه من الزكاة؟
الصواب: أنه يجوز له ذلك.
والتعليل: لأنَّه لا يجب على الابن سدادُ دَيْنِ الأب، فهو بدفعه الزكاة لم يسقط واجبًا عليه، وكذلك العكس يجوز للأب سداد دَيْنِ ابنه من الزكاة إن كان مستحقًّا؛ لأن سدادَ الدين لا يجب عليه، فهو لم يسقط واجبًا عليه بدفعه للزكاة، وتقدم أن القاعدة في ذلك "أنَّ الإنسانَ لا يجوز له أن يسقط بزكاته أو كفارته واجبًا عليه".
 - قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "مجموع الفتاوى"، (25/92): "إذا كان على الولد دَيْن ولا وفاء له، جاز له أن يأخذ من زكاة أبيه في أظهر القولين في مذهب أحمد وغيره".
 
خامسًا: العبد:
فالعبد لا تدفع الزكاة إليه.
والتعليل:
1 - لأنه هو وماله لسيده، فلو أُعطي مالاً لم يملكه، وإنَّما يذهب لسيده.
2 - ولأنه تجب نفقته على سيده، فهو غني بغنى سيده.
 
- يُستثى من ذلك المُكاتَب، فإنَّه يُعْطَى من الزَّكاة كما تقدم لدخوله في عموم قوله - تعالى -: {وَفِي الرِّقَابِ} [التوبة: 60]، واستثنى بعض العلماء إذا كان العبد من العاملين عليها، فإنَّه يعطى من الزكاة على عمالته؛ لأنَّه كالأجير في ذلك.
 
سادسًا: الزوج:
لا يصح للزوجة أن تدفع زكاتها لزوجها، وهذا قول المذهب، وهو قول جمهور العلماء.
وعلَّلوا ذلك: بقوة الصلة بينهما، فهو يشبه الفرع والأصل.
والقول الثاني: أنَّه يجوز للزوجة أن تدفع زكاتها لزوجها ما دام مستحقًّا، وهذا القول رواية عن الإمام أحمد وهو الأظهر والله أعلم.
 
والتعليل:
1 - لأنَّ نفقة الزوج ليست واجبة على الزوجة، فهي لم تسقط واجبًا عليها بدفعها الزكاة لزوجها.
2 - لعدم الدليل على منع دفع الزكاة للزوج، وما دام فقيرًا، فالأصل أنه يدخل في عموم الآية: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ} [التوبة: 60].
3 - حديث زينب امرأة ابن مسعود؛ حيث قالت: "يا نبي الله، إنَّك أمرت بالصدقة، وكان عندي حلي، فأردت أن أتصدق به، فزعم ابن مسعود أنَّه هو وولده أحقُّ من تصدقت عليهم، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((صَدَقَ ابن مسعود، زوجك وولدك أحقُّ من تصدقت به عليهم))؛ متفق عليه، وهذا لفظ البخاري، وفي لفظ مسلم: ((لهما أجران: أجر القرابة، وأجر الصدقة)). 
ونوقش هذا الاستدلال: بأنه يحمل على صدقة التطوُّع وعلى هذا حمله المذهب.
 
ونوقشت هذه المناقشة: بأنَّه جاء في بعض الرِّوايات أنَّها قالت: "أتجزئ عني؟"، والإجزاء إنَّما يكون في الواجب، وأيضًا حينما سألت زينب لم يستفصل عن الصَّدقة التي تسأل عنها، هل هي واجبة أو مستحبة؟ فيبقى الحديث على عمومه يَحتمل الواجب والمستحب والقاعدة: "أنَّ ترك الاستفصال ينزل منزلة العموم"، وأيضًا لو حملنا هذا الحديث على الصدقة المستحبة، فلا دليلَ يَمنع من إعطاء الزوجة زكاتها لزوجها، فالأصل جواز ذلك لدخوله في عموم الفقراء.
 
تنبيه: ذكر أصحاب المذهب علةً أخرى لعدم جواز إعطاء الزوجة زوجها الزَّكاة، وهي أنَّها ستنتفع من الزَّكاة لو أعطتها لزوجها؛ لأنَّ الزوج سينفق على زوجته، ومن ذلك ما أخذه من الزكاة، وهذه العِلَّة علة وجيهة لها حظ من النظر؛ لأنَّ الإنسان لا يرجو بزكاته نفع نفسه، وعليه نقول: إنَّ الزوجة تعطي زوجَهَا الزَّكاة بشرط ألا تنتفع منه بهذه الزَّكاة، أو تسقط واجبًا، كأن تكون غنية وزوجها فقير وأبناؤها فقراء، فيجب عليها أنْ تنفقَ على أبنائها، أمَّا إذا أعطت الزَّوج؛ ليسدِّد ديونه أو يشتري ما يخصه كثوب ونحوه، أو لينفقها على أبناء من زوجته الأخرى، أو غيره مما لا تنتفع به، أو تسقط واجبًا، فلا بأس[16].
 
فائدة: أما إعطاء الزوج زوجته زكاته، كأن تكون الزوجة فقيرة.
فالمذهب: أنه لا يجوز.
وعلَّلوا ذلك:
1- بقوة الصلة بينهما، وهذا يشبه الفرع والأصل.
2- أن إعطاء الزَّوج زوجته زكاته يسقط حقًّا واجبًا على الزوج وهو النفقة.
 
والأظهر - والله أعلم -: أنه يجوز للزوج أن يعطي زوجته زكاته، بشرط ألا يُسقِط الحق الواجب عليه وهو النفقة، كأن يعطيها؛ لتسدد دينها، فسداد الدين لا يجب على الزوج، فهو لم يسقط حقًّا واجبًا عليه، أو يعطيها لتنفق على أولادها من زوج آخر، فلا بأس؛ لأنَّه لا يجب على الزَّوج أن ينفقَ عليهم، أمَّا إذا أعطاها لملبسها، أو لطعامها ونحوهما، فلا يجوز؛ لأنَّ هذه نفقة واجبة عليه لا يجزئ أن يجعل الزكاة مقامها.
المسألة السادسة: من تهاون في زكاته، فأعطاها من ظنه غير أهل لها، ثم تبيَّن له عكسه.
 
مثال ذلك: رجل أعطى زكاته رجلاً يظنه غنيًّا، ثم بعد ذلك تبيَّن له أنه فقير، فهل تجزئ زكاته؟
المذهب وهو الأظهر - والله أعلم -: أنَّها لا تجزئه زكاته.
والتعليل: لأنه دفع زكاته وهو يعتقد أنه وضعها في غير موضعها، فهو لم يؤدِّ العبادة على وجهها المطلوب، وحاله حال المتلاعب المتساهل؛ لأنه أعطى زكاته وهو يظنه غير أهل لهذه الزكاة.
 - وما حكم عكس هذه المسألة بأنْ يعطيها من يظنه أهلاً للزكاة، ثم تبيَّن له أنه ليس أهلاً لها.
 
مثال ذلك: رجل أعطى زكاته رجلاً آخر ادَّعى أنه ابن سبيل، كأن يأتيه، فيقول: انقطعت في سفري؛ بسبب سرقة نقودي ونحو ذلك، فأعطاه زكاته، ثم تبيَّن له بعد ذلك أنه ليس ابن سبيل، فهل تجزئه زكاته؟
المذهب: أنَّها لا تجزئه إلاَّ لغني ظنه فقيرًا، فعلى هذا القول لو وضعها في أي صورة من الصور ظنًّا منه أنَّه أهل للزكاة، ثم تبيَّن له خلاف ذلك، لم تجزئه زكاته، فيخرج غيرها إلا في صورة واحدة، فإنَّها تجزئه فيما لو أعطاها مَنْ يظنه فقيرًا، ثم تبيَّن له أنه غني فقالوا تجزئه.
وعللوا ذلك: بأنه لا يخفى حال من يستحق الزَّكاة في الغالب، وأمَّا استثناء صورة الغني، فلأن الفقر يخفى أمره في الغالب، ولحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - وسيأتي قريبًا.
والقول الثاني: أنَّها تجزئه مطلقًا إن كان ذلك بعد الاجتهاد والتحرِّي، وهذا القول هو الأظهر - والله أعلم - وهو اختيار شيخنا ابن عثيمين[17].
 
أمثله ذلك:
- رجلٌ أعطى رجلاً يظنه غارمًا، فبان أنَّه غير غارم، وكان ذلك بعد التحرِّي، فإنَّها تجزئه.
- رجلُ أعطى رجلاً يظنه ابن سبيل، فبان أنَّه غير ابن سبيل، فإنَّها تجزئه بعد التحري. 
- رجلٌ أعطى رجلاً يظنه فقيرًا، فبان أنَّه غني، فإنَّها تجزئه بعد التحري. 
- رجلٌ أعطى رجلاً يظنه حرًّا مستحقًّا، فبان أنَّه عبد، فإنَّها تجزئه بعد التحرِّي. 
- رجلٌ أعطى رجلاً يظنه مسلمًا، فبان كافرًا، فإنَّها تجزئه بعد التحرِّي، وغير ذلك من الصور، فإنَّها تجزئه إذا كان ذلك بعد التحري.
 
ويدل على ذلك:
1- عموم قول الله - تعالى -: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: 16]، وهو بتحريه واجتهاده اتقى الله ما استطاع.
2- حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((قال رجل: لأتصدقن بصدقة، فخرج بصدقته، فوضعها في يد سارق، فأصبحوا يتحدثون تُصدِّق على سارق فقال: اللهم لك الحمد، لأتصدقن بصدقة، فخرج بصدقته فوضعها في يد زانية، فأصبحوا يتحدثون: تُصدِّق الليلة على زانية، فقال: اللهم لك الحمد، لأتصدقن بصدقة، فخرج بصدقته فوضعها في يد غني، فأصبحوا يتحدثون تُصدِّق على غني، فقال: اللهم لك الحمد، على سارق، وعلى زانية، وعلى غني، فأُتِيَ فقيل له: أمَّا صدقتك على سارق، فلعله أن يستعفَّ عن سرقته، وأمَّا الزانية فلعلها أن تستعفَّ عن زناها، وأمَّا الغني فلعله يعتبر، فينفق مما أعطاه الله))؛ متفق عليه.
ووجه الدلالة: أن صدقته على الغني وهو حين أعطاه يظنه فقيرًا، قُبلت عند الله تعالى.
 
المسألة الثامنة: صدقة التطوع:
لما ذكر صاحب الزَّاد الصدقة الواجبة، سواء في المال كالزكاة أم في البدن كزكاة الفطر، ختم كتاب الزكاة بما يجبر ما يحصل في الصدقة الواجبة من خلل، وهي صدقة التطوع.
 
- صدقة التطوع مستحبة:
والفقهاء منهم من يفرق بين المستحب وهو ما ثَبَتَ بالاجتهاد والقياس وبين المسنون وهو ما ثبت بالنص، ومنهم من يجعل المراد واحدًا كالحنابلة، فصدقة التطوع مسنونة، والأدلَّة من الكتاب والسنة على ذلك وفي بيان فضلها كثيرة منها:
1 - من الكتاب قوله - تعالى -: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 35].
- قوله - تعالى -: {مَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [البقرة: 261].
- وقوله - تعالى -: {إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ} [الحديد: 18]، والآيات كثيرة.
 
2 - من السنة: حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((ما تصدق أحد بصدقة من طيب - ولا يقبل الله إلا الطيب - إلاَّ أخذها الرحمن بيمينه - وإن كان تمرة - فتربو في كفِّ الرحمن حتى تكون أعظم من الجبل، كما يُربي أحدُكم فَلُوَّه أو فصيله))؛ متفق عليه.
قال ابن حجر: "الصدقة نتاج العمل، وأحوج ما يكون النِّتاج إلى التربية إذا كان فطيمًا، فإذا أحسن العناية به، انتهى إلى حدِّ الكَمَال، وكذلك عمل ابن آدم - لا سيما الصدقة - فإنَّ العبدَ إذا تصدق من كسب طيب لا يزال نظر الله إليها يكسبها نعت الكمال، حتى تنتهي بالتضعيف إلى نصابٍ تقع المناسبة بينه وبين ما قدم، نسبة ما بين التمرة والجبل"[18].
- حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -: "قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((قال الله - عز وجل -: يا ابنَ آدم، أَنْفِق أُنْفِق عليك))"؛ متفق عليه.
- حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((ما نقصت صدقة من مال))[19]. 
والأحاديث في فضلها والحث عليها كثيرة ليس هذا موطن بسطها.
 
- صدقة التطوع لها وقتان:
الوقت الأول: وقت مطلق في جميع الأزمنة والأمكنة والأحوال، والأحاديث في فضل الصدقة والحث عليها مطلقة وهي كثيرة.
الوقت الثاني: وقت مقيَّدٌ وتتأكد في:
1 - المكان الفاضل: كمكَّة والمدينة.
والتعليل: لشرف المكان وهو الحرم.
2 - الزَّمان الفاضل: كرمضان، وعشر ذي الحجة.
 
ويدل على ذلك: حديث ابن عباس - رضي الله عنه - قال: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أجود الناس، وكان أجودَ ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل..."؛ الحديث متفق عليه، وحديث ابن عبَّاس - رضي الله عنه - قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((ما من أيامٍ العملُ الصالح فيهنَّ أحب إلى الله من هذه الأيام العَشْرِ، قالوا: ولا الجهاد في سبيل الله، فقال: ولا الجهاد في سبيل الله إلاَّ رجلٌ خرج بنفسه وماله ولم يرجع من ذلك بشيء))؛ رواه البخاري.
 
1 - الأحوال الفاضلة: كشدة الحاجة كأيام البرد وأيام الجوع (المجاعات).
ويدل على ذلك قوله - تعالى -: {أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ} [البلد: 14]، قال الشيخ السعدي: "أي: مجاعة شديدة، بأن يطعم وقت الحاجة، أشد الناس حاجة"[20].
ففي هذه المواضع الثلاثة تتأكد الصَّدقة، وما تقدم من أمثلة المواضع ليس هذا حصرها، وإنَّما هناك أزمان تتأكد فيها الصدقة، كوقتِ كسوف الشمس وخسوف القمر؛ لحديث عائشة مرفوعًا: ((إنَّ الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا يخسفان لموت أحد، ولا لحياته، فإذا رأيتم ذلك، فادعوا وكبروا وتصدقوا وصلوا))؛ رواه البخاري.
 
وهناك أحوال تتأكد فيها غير شدة حاجة كحال الغزو؛ قال تعالى: {فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلاًّ وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا} [النساء: 95]، وكحال الصحة والسعة؛ لأنَّ الإنسان حال الضيق والمرض والاضطرار يتصدق، وأمَّا حال السعة والصحة، فدواعي الصدقة أقل، وحب المال يطغى، جاء في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أنَّ رجلاً أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال يا رسولَ الله، أيُّ الصدقة أعظم؟ قال: ((أن تصدق وأنت صحيح شحيح تخشى الفقر وتأمل الغنى))؛ متفق عليه. 
والأمثلة كثيرة وليس هذا موضع بسطها.
 
فائدة نفسية: قال شيخنا ابن عثيمين في "الممتع"، (6/269): "مسألة: إذا تعارض شرف المكان وشرف الأحوال، فأيهما يقدم؟".
الجواب: يقدم شرف الأحوال؛ لأنَّ الصدقة إنَّما شرعت لدفع الحاجة، فالفضل فيها باعتبار الحاجات يتعلق بنفس العبادة، وقد سبق قاعدة مُفيدة في هذا الباب، وهي: "أن الفضل إذا كان يتعلق بذات العبادة، كانت مراعاته أَوْلَى من الفضل الذي يتعلق بزمانها أو مكانها" اهـ.
 
- يسن أن يتصدق بالفاضل عن كفاية من يمونه.
أي: إنَّه إذا أراد أن يتصدق الإنسانُ، فإنَّه يتصدق بالزَّائد عن نفقته ونفقة من يمونهم، وعليه فإنَّه يبدأ بسد كفايته وكفاية من يمونهم ثم يتصدق، وهذه العبارة جاء بها صاحبُ الزاد؛ ليبيِّن أن المتصدق لا يقدم صدقته على نفقة من يمون.
ويدُلُّ على ذلك: حديث حكيم بن حزام أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((اليد العُليا خير من اليد السُّفلى، وابدأ بمن تعول، وخير الصَّدقة عن ظهر غنى))؛ متفق عليه.
ووجه الدلالة: أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قدَّم من تجب له النفقة وهم من يعولهم على الصدقة المستحبة؛ لأنَّ الواجب مقدم على المسنون، وبين النبي - صلى الله عليه وسلم - أنَّ خير الصدقة عن ظهر غنى؛ أي: ما فضل من غناه.
 
- وما الحكم لو قدَّم الصدقة على النفقة؛ أي: إنَّه تصدق بما ينقص النفقة؟
من تصدق وترك من يمونه بلا نفقة أو نقص نفقتهم، فإنَّه يأثم بذلك.
ويدُلُّ على ذلك: حديث عبدالله بن عمرو بن العاص أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((كفى بالمرء إثمًا أنْ يضيع مَن يقوت))؛ رواه مسلم، ومن يقوت؛ أي: من يلزمه قوتهم، ويأثم؛ لأنَّه فرط في واجب، وهو إنقاصه من نفقة من يلزمه نفقتهم، ولا شَكَّ أن هذا من قلَّة الفقه أن يقدم التطوع، ويفرط في الواجب.
 
- وهل يجوز للإنسان أنْ يتصدَّق بكامل ماله؟ 
اختلف أهل في حكم التصدق بجميع المال:
أولاً: باتفاق الأئمة الأربعة أنَّه لا يجوز أن يتصدق بجميع ماله، ويترك مَن تجب عليه أنْ ينفق عليهم كأهله ومن يَمونه؛ لأنَّ نفقتهم واجبة عليه، فلا يقدَّم النفل على الفرض، ولما رواه مسلم أن النبي  - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((كفى بالمرء إثمًا أن يحبس عمن يملك قوته))، ولغيره من الأدلة الدَّالة على وجوب النفقة وإثم من ضيع هذا الواجب.
ثانيًا: ما زاد على نفقة مَن تجب عليه نفقتهم، فجمهور العُلماء أنَّ إمساكَ ما تحتاج إليه من المال أَوْلى من إخراج ماله كله في الصدقة إلاَّ بشرطين:
1- أن يكون ذا مكسب في المستقبل يرجوه.
2- أن يكون واثقًا من نفسه يحسن التوكُّل، والصبر على الفقر، والتعفف عن المسألة، فإذا توفَّر الشرطان:
قيل: باستحباب الصَّدقة بجميع المال، وهذا هو القول المصحح عند الشافعية، وظاهر كلام الموفق في المغني.
وقيل: بجواز ذلك، وهو المفهوم من مذهب المالكية والشافعية[21].
 
- تبيَّن مما تقدم: أن من أراد أنْ يتصدق بجميع ماله الزَّائد عن نفقة من تجب عليه نفقته لا يمنع بشرطين تقدم ذكرها، واختاره شيخنا ابن عثيمين[22]، واختاره الشيخ ابن جبرين[23].
ويدل على ذلك: 
1- ثناء الله - عزَّ وجلَّ - على الأنصار بإيثارهم؛ حيث قال تعالى: {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} [الحشر: 9].
2- حديث عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - في قصة تصدُّق أبي بكر بجميع ماله، وقال حينما سأله النبي  - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((ما تركت لأهلك؟))، فقال: "تركت لهم الله ورسوله"، والحديث رواه أبو داود (1678)، والترمذي (3675)، وقال: حديث حسن صحيح.
3- حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - في قصة الرجل الأنصاري الذي أخذ ضيف النبي  - صلَّى الله عليه وسلَّم - لبيته حينما قال: ((من يُضيف هذا؟))، فأخذه الأنصاري، وليس عنده من الطعام إلا طعامه ولأهله وصبيانه، فنوَّمت امرأته صبيانها وأكل الضيف، ولم يأكلا، فقال النبي  - صلَّى الله عليه وسلَّم - بعد ذلك: ((إن الله عجب من صنيعكما بضيفكما البارحة))، والحديث رواه البخاري (3798)، ومسلم (2054).
4- حديث كعب بن مالك - رضي الله عنه - في قصة الثلاثة الذين خُلِّفوا، قال كعب - رضي الله عنه -: قلت: يا رسول الله، إنَّ من توبتي أن أنخلعَ من مالي صدقة إلى الله ورسوله، فقال رسول الله: ((أمسك عليك بعض مالك، فهو خير لك))[24].
 
وظاهر هذه الأدلة أنَّهم لم يتركوا شيئًا لأهاليهم، والجواب عن ذلك أنَّ أبا بكر الصديق - رضي الله عنه - والأنصار - رضي الله عنهم - في الآية تحقق فيهم الشَّرطان السابقان، فعندهم من التوكُّل والصبر الشيء العظيم، وأيضًا كانوا يؤملون نفقتهم في المستقبل؛ حيثُ كانوا يشتغلون فيبيعون ويشترون، وأمَّا الأنصاري فالضيافة عليه واجبة[25].
 
قال الشوكاني: "إنَّ التصدق بجميع المال يختلف باختلاف الأحوال، فمن كان قويًّا على ذلك يعلم من نفسه الصبر لم يُمنع، وعليه يتنزل فعل أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - وإيثار الأنصار على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة، ومن لم يكن كذلك فلا، وعليه يتنزل ((لا صدقة إلا عن ظهر غنًى))، وفي لفظ ((أفضل الصدقة ما كان عن ظهر غنًى))[26].
 
تم بحمد الله الانتهاء من شرح كتاب الزَّكاة، ويليه كتاب الصيام، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.

ملاحظة:
سيتم نشر جميع حلقات هذه السّلسلة بإذن الله تعالى في ملف واحد بقسم المكتبة بعد الانتهاء من نشر جميع حلقاته بقسم الدراسات.

 

الشيخ/ عبدالله بن حمود الفريح

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] انظر: "الممتع"، 6/221. 
[2] انظر: "الممتع"، 6/223، 222. 
[3] انظر: "فقه الزكاة"، للقرضاوي، 2/544. 
[4] انظر: "معالم السنن"، 2/227. 
[5] رواه مسلم. 
[6] انظر: "الممتع"، 6/231. 
[7] "الممتع"، 6/233. 
[8] انظر: "الممتع"، 6/236.
[9] انظر: "الممتع"، 6/235.
[10] انظر: "الممتع"، 6/250. 
[11] رواه مسلم. 
[12] انظر: "الاختيارات"، ص104.
[13] رواه البخاري.
[14] رواه أحمد وأبو داود والتِّرمذي والنسائي.
[15] انظر: "المغني"، 4/98.
[16] انظر: "الممتع"، 6/262، 261.
[17] انظر: "الممتع"، 6/265.
[18] انظر: "الفتح"، 3/328.
[19] رواه مسلم.
[20] انظر: تفسيره.
[21] انظر: الخلاف السابق في "الموسوعة الفقهية"، 26/339. 
[22] انظر: "الممتع"، 6/ 273.
[23] انظر: فتوى رقم: (5852).
[24] رواه البخاري (2552)، ومسلم (4973).
[25] انظر: "الممتع"، 6/ 272.
[26] انظر: "نيل الأوطار"، للشوكاني، 8/ 288.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • كتاب الزكاة (1/8)
  • كتاب الزكاة (2/8)
  • كتاب الزكاة (3/8)
  • كتاب الزكاة (4/8)
  • كتاب الزكاة (5/8)
  • كتاب الزكاة (6/8)
  • كتاب الزكاة (7/8)
  • مع الهارب من الزكاة
  • الزكاة: حكم وأحكام
  • كتاب الزكاة

مختارات من الشبكة

  • تسهيل المسالك بشرح كتاب المناسك: شرح كتاب المناسك من كتاب زاد المستقنع (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • تخريج الأحاديث والآثار الواردة في كتاب المغني للموفق ابن قدامة المقدسي من بداية مسألة التكفين في القميص والمئزر واللفافة من كتاب الجنائز إلى نهاية باب زكاة الزروع والثمار من كتاب الزكاة(رسالة علمية - مكتبة الألوكة)
  • هذا كتابي فليرني أحدكم كتابه(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مخطوطة الأصول في النحو(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • شرح كتاب الصيام من كتاب العمدة في الأحكام للحافظ عبد الغني المقدسي (600 هـ) (PDF)(كتاب - ملفات خاصة)
  • كتاب: النظرية الجمالية في العروض عند المعري ـــ دراسة حجاجية في كتاب "الصاهل والشاحج" للناقدة نعيمة الواجيدي(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • إتحاف العباد بشرح كتاب الزاد: شرح كتاب الصلاة إلى باب الأذان والإقامة من زاد المستقنع (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • قضاء الأرب من كتاب زهير بن حرب: شرح كتاب العلم لأبي خيثمة (الجزء الثاني) (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • قضاء الأرب من كتاب زهير بن حرب: شرح كتاب العلم لأبي خيثمة (الجزء الأول) (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • إجماعات ابن حزم في كتابه (مراتب الإجماع) في كتابي: (الشهادات والدعاوى)(رسالة علمية - مكتبة الألوكة)

 


تعليقات الزوار
2- أهل الزكاة
زبيدة خيرالله - المملكة العربية السعودية 15-10-2011 09:08 PM

تعليل
عدم جواز صرف الزكاة لغير الأصناف الثمانية

وجزاك الله خيرا وزاد في علمك

1- السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تلميذة الشيخ - السعودية 10-10-2009 04:43 PM
بارك الله في شيخي ونفع الله به وبعلمه ولا حرمه الله الأجر
1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 0:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب