• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات   بحوث ودراسات   كتب   صوتيات   أخبار   نور البيان   سلسلة الفتح الرباني   سلسلة علم بالقلم   وسائل تعليمية   الأنشطة التعليمية  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    تدريب على التشديد بالكسر مع المد بالياء
    عرب القرآن
  •  
    التشديد بالكسر مع المد بالياء
    عرب القرآن
  •  
    تدريبات على الشدة مع التنوين بالفتح
    عرب القرآن
  •  
    التشديد مع التنوين بالفتح
    عرب القرآن
  •  
    تعليم المد اللازم للأطفال
    عرب القرآن
  •  
    تدريبات على التشديد بالضم مع المد بالواو
    عرب القرآن
  •  
    التشديد بالضم مع المد بالواو
    عرب القرآن
  •  
    تعليم الحرف المشدد مع الفتحة للأطفال
    عرب القرآن
  •  
    الضمة والشدة
    عرب القرآن
  •  
    التشديد مع الكسر
    عرب القرآن
  •  
    تعليم التشديد مع الفتح
    عرب القرآن
  •  
    تعليم السكون للأطفال
    عرب القرآن
  •  
    تعليم التنوين بالضم للأطفال
    عرب القرآن
  •  
    شرح التنوين بالكسر
    عرب القرآن
  •  
    تعليم التنوين للأطفال
    عرب القرآن
  •  
    تعليم المد المتصل للأطفال
    عرب القرآن
شبكة الألوكة / المواقع الشخصية / مواقع المشايخ والعلماء / الشيخ عبدالله بن حمود الفريح / بحوث ودراسات
علامة باركود

كتاب الزكاة (6/8)

الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 2/9/2009 ميلادي - 12/9/1430 هجري

الزيارات: 28041

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

كتاب الزكاة (6/8)

 

باب زكاة الفطر

فيه اثنتا عشرة مسألة:

زكاة الفطر: هي الصَّدقة التي يُخرجها المسلم عن نفسه أو عن غيرِه في نهاية شهر رمضان، وهي صاع من قوت أهل البلد يَجب دفعه لطائفة مخصوصة، كما سيأتي بيانُه.

وسميت زكاة فطر، قيل: من باب إضافتها إلى سببِها وهو الفطر من رمضان، وقيل غير ذلك.

 

المسألة الأولى: حكم زكاة الفِطْر والحكمة منها:

زكاة الفطر واجبة بإجماع العلماء، ونقل الإجْماع ابن المنذر في كتاب "الإجماع" (ص 49).

ويدل على وجوبِها: حديث ابنِ عُمَر - رضي الله عنْه - قال: "فرض رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - زكاة الفِطْر، صاعًا من تمر...."؛ والحديث متَّفق عليه.

والحِكْمة من زكاة الفِطْر جاءت في حديث ابن عباس - رضِي الله عنْه - قال: "فرضَ رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - زكاة الفِطْر طُهرةً للصَّائم من اللَّغو والرَّفث، وطُمعةً للمَساكين"؛ رواه أبو داود والنَّسائي وابنُ ماجه، وحسَّنه النَّووي في "المجموع" (6/ 126).

 

وفي الحديث حكمتان عظيمتان:

الأولى: تتعلَّق بالفرْد وهو الصَّائم، فتطهِّره من اللَّغو والرَّفَث، وما حصل منه من خلل وتقصير أثناءَ صيامِه، وتقدَّم أنَّ زكاة الفِطْر هي زكاةٌ للبدن.

الثَّانية: تتعلَّق بالمُجتمع، وهِي إطعام للمساكين ولا شكَّ أنَّ في هذا تعاطُفًا ومحبَّة بين المسلمين.

 

المسألة الثَّانية: على مَن تجِب زكاة الفِطْر؟

المذهب - وهو القول الرَّاجح والله أعلم -: أنَّ زكاة الفِطْر تَجِب بشرْطين:

الأوَّل: الإسلام.

فنُخْرِج مَن لم يكن مسلمًا، كاليهودي والنصراني والوثني وغيرهم.

 

ويدل على ذلك:

1- حديث ابن عمر - رضِي الله عنْه -: "فرض رسول الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم - زكاة الفطر، صاعًا من تَمرٍ أو صاعًا من شَعيرٍ على الذَّكَر والأنثى، والحرِّ والعبدِ، والكبيرِ والصَّغير من المسلمين"؛ متَّفق عليه.

2- تقدَّم أنَّ من حِكَمِ زكاة الفِطْر أنَّ فيها تطهيرًا للعبْد من النَّقص والخلل، والكافِر ليس أهلاً للتَّطهير حتى يُسْلِمَ فيُطَهِّرهُ الإسلام.

 

الثَّاني: أن يملك ليلةَ العيد صاعًا زائدًا على قوتِه وقوت عياله وحوائجِه الأصليَّة، والمقْصود أن يكون غنيًّا، وضابط الغِنَى أن يكون عنده صاعٌ زائد عن قوته في يومه وليلتِه وقوت من يَمون من عياله، والقوت: هو ما يكفي البدن ويقوم به من الطَّعام، وزائدًا أيضًا عن حوائجه الأصليَّة.

 

والتَّعليل: لأنَّه بذلك يكون غنيًّا فيواسي غيره، فلو كان عندَه ما يأكلُه من القوت ليلة العيد ويومه له ولعياله، وعنده حوائجه الأصلية - كالفرُش والأواني والكهرباء والماء ونحوها - وزاد عنده مالٌ وجب عليه أن يخرج به زكاة الفطر.

 

وقوْل الفقهاء: حوائجه الأصليَّة، يدلُّ على أنَّه لو لَم يكن عنده إلاَّ قوته وقوت عياله ومتاع ليْس من حاجاته الأصلية، وجب عليْه أن يَبيع المتاع ليشتريَ بقيمته زكاة الفِطْر، وكذلك لو أنَّ عنده قوته وقوت عياله ومالاً زائدًا، وعليه نقْص في حوائجه الأصليَّة كالكهرباء ليسدِّد فاتورته مثلاً، وهذا المال الزَّائد إمَّا أن يشتري به ما يخرج به زكاة الفِطْر، وإمَّا أن يسدِّد به حاجتَه الأصلية فإنَّه يبدأ بحاجته الأصلية.

 

المسألة الثالثة: هل يمنع الدَّين زكاة الفطر؟

مثال ذلك: رجُلٌ عنده خمسة ريالات قيمة صاع وهذه الخمسة زائدةٌ عن قوته وقوت عياله وحوائجه الأصلية، ويطلبه شخص بخمسة ريالات فهل يمنع هذا الدَّين زكاة الفطر؟

المذهب: أنَّ الدَّين لا يمنع زكاة الفطر إلاَّ إذا طالبه صاحبُ الدَّين.

وعلَّلوا: بأنَّ هناك فرقًا بين زكاة المال التي يؤثِّر عليها الدَّين، وبين زكاة الفطر فلا يؤثِّر عليها الدَّين؛ لأنَّ زكاة المال تتعلَّق بالمال وزكاة الفِطْر تتعلَّق بالبدن فهي تتعلَّق بالذِّمَّة.

 

والأظهر - والله أعلم -: أنَّه إذا طولب بهذا الدَّين قبل غروب الشَّمس ليلة العيد فإنَّه يسدِّد الدَّين وتسقط عنه زكاة الفطر؛ لعدم قدرته، أمَّا إذا طولب بعد غروب الشَّمس فيجب أن يخرج زكاة الفِطْر؛ لأنَّه أدْركه وقت وجوب زكاة الفطر وهو غروب الشمس ليلة العيد وهو مقتدر.

 

المسألة الرَّابعة: يُخرج المسلم زكاةَ الفطر عن نفسه وعن الَّذين يلزمه إخراجها عنهم:

المذهب: أنَّه يَجب على المسلم أن يخرج زكاة الفطر عن نفسِه وعن مَنْ يمونه؛ أي: تلزمه نفقته من الأولاد والزَّوجة والأبويْن وكل مَن يمونه، فلو قُدِّر أنَّه تولَّى تربية أحد أو النفقة عليْه فإنَّها تلزمه فطرته، حتَّى لو تولَّى نفقةَ شخْصٍ في شهر رمضان كأن ينزل به ضيف من أوَّل شهر رمضان حتَّى آخره وجبت عليه زكاة الفطر عنه، إذًا كل مَن يمون أحدًا وجبت عليه زكاة فطره.

 

واستدلُّوا:

1- بحديث ابن عمر - رضي الله عنه - أنَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: "أدُّوا زكاة الفِطْر عمَّن تمونون"؛ رواه الدَّارقطني والبيهقي.

2- عن نافع مولى ابن عمر قال: "فكان ابن عمر يعطي عن الصَّغير والكبير حتَّى إن كان يعطي عن بنيَّ"؛ رواه البخاري، ورواه البيْهقي بلفظ: "كان يُخرج زكاة الفِطْر عن كل مَملوكٍ له في أرْضِه وعن كلِّ إنسانٍ يَعُوله مِن صغيرٍ أو كبير".

 

وقالوا: إن عجَز المسلم عن أداء زكاة بعض من يَمونه بدأ بنفسِه فأخرجها عن نفسه، ثمَّ يخرجها عن امرأتِه ثمَّ رقيقِه، ثمَّ أمِّه، ثمَّ أبيه، ثمَّ ولده، ثمَّ الأقرب من ورثتِه، فيُخْرِجها بِهذا التَّرتيب في الأولويَّة، فلو كان لا يَملك إلاَّ أربعة آصُع أخْرَج الصَّاع الأوَّل عن نفسه؛ لحديث جابر عند مسلمٍ أنَّ النَّبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((ابدأ بنفسِك فتصدَّق عليْها))، ويُخرج الصَّاع الثَّاني عن زوجتِه؛ وتقْديم الزَّوجة على الوالدَين لأنَّ الإنْفاق على الزَّوجة إنفاق معاوضة، عوضًا عن الاستمتاع، واجب في الإعسار والإيسار، وأمَّا النَّفقة على الوالدَين فهِي نفقة تبرُّع تَجب في الإيسار دون الإعسار، ويُخرج الصَّاع الثَّالث عن رقيقِه؛ لأنَّ نفقته تجب في الإعسار والإيسار أيضًا، ويُخْرِج الصَّاع الرَّابع عن أمِّه لأنَّها مقدَّمة في البرِّ على الأب، فإن كان عنده صاع خامس أخرجه عن أبيه، فإن كان عنده صاع سادس أخرجه عن ولدِه، فإن كان عنده أكثر من ولد أقْرع بينهم أيّهم يأخُذ الصَّاع، وإن كان عنده ما يكفيهم أخرج عن كل واحد صاعًا، هذه خلاصة قول المذهب.

 

وقالوا: إن المرأة الناشز لا يجب على زوجها إخراج زكاة فطرِها، والمرأة النَّاشز هي التي تعصي زوْجَها فيما وجب عليْها طاعةٌ فيه، ولا تُحْسن معاشرته فترتفِع عليه وتعصيه، والقول الثَّاني: أنَّ كلَّ مسلم يجب عليْه إخراج زكاة فطرِه بنفسه مادام قادرًا، فالرَّجل تجب عليه بنفسه، وعلى الزَّوجة بنفسها، وعلى الأبناء القادرين بأنفسهم، وعلى كل شخص بنفسه.

 

ويدل على ذلك:

عموم حديث ابن عمر - رضي الله عنه -: "فرض رسولُ الله زكاةَ الفِطْر صاعًا من تمر أو صاعًا من شعيرٍ على الذَّكر والأنثى، والحر والعبد، والكبير والصَّغير من المسلمين".

وهذا القَول هو الرَّاجح - والله أعلم - من حيث الوجوب، ولو تبرَّع ربُّ البيت أن يُخْرِجها عن الجميع فإنَّ هذا جائز، ولكن لا يجب عليه كما تقدَّم، ويستثنى من ذلك اثنان:

الأوَّل: الرَّقيق، فإنَّ زكاة فطره تجب على سيِّده، ويدل على ذلك: حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أنَّ رسول الله قال: ((ليس في العبد صدقةٌ إلاَّ صدقة الفطر))؛ رواه مسلم.

الثاني: الأولاد الصِّغار، والأولاد الصغار لا يخلو حالهم من حالين:

الحال الأولى: أن يكون لهم أموال فتجِب زكاة الفطر في أموالهم، الحال الثانية: ألا يكون لهم أموال فتجب على وليِّهم زكاة فطرهم فيخرجها عنهم؛ لورود ذلك عن الصَّحابة كابن عمر كما تقدَّم.

 

وأمَّا ما استدلَّ به المذهب: ((أدُّوا الفطرة عمَّن تمونون))، فحديث ضعيف؛ قال عنه البيهقي (4/161): "إسناده غير قوي".

 

فائدة: لو كان العبد لأكثر من شخصٍ هم شركاء فيه فالصَّاع واجبٌ على الشُّركاء بحسب ملكهم.

مثال ذلك: شخْصان اشتريا عبدًا بتسعة آلاف ريال، دفع الأوَّل ستَّة آلاف ريال، ودفع الثَّاني ثلاثة آلاف ريال، فإنَّ زكاة الفِطْر عن العبد تَجِب على الأوَّل ثُلُثي الصَّاع وعلى الثاني الثلث المتبقي.

فائدة أخرى: يستحبُّ إخراج زكاة الفطر عن الجنين، والجنين هو الحمل في بطن أمِّه، وهذا قول المذهب، واستدلُّوا بأنَّ عثمان بن عفَّان - رضي الله عنْه - "كان يعطي صدقة الفطر عن الجنين"؛ رواه ابن أبي شيبة، وهذا الأثر ضعيف لأنَّه من رواية حمَّاد الطويل عن عثمان، وحمَّاد لم يدْرِك عثمان، وضعَّفه الألباني في "الإرواء" (3/ 331).

 

وظاهر كلام صاحب "الزاد" أنَّه يُسنُّ إخراجها عن الجنين سواءٌ نفخت فيه الروح أو لم تنفخ فيه الروح، والصَّواب أنَّه لو قيل بالسنِّية لكانت في حق مَن نُفِخَت فيه الرُّوح دون غيره؛ لأنَّه حينئذٍ يحكم بأنَّه إنسان.

 

المسألة الخامسة: لو أخرج من تلزم غيرَه فطرتُه فإنَّها تُجزئ عنه وإن لم يأذن، وهذا قول المذهب:

مثال ذلك: الزَّوجة تجب زكاة فطرها على زوجها - وهذا على قول المذهب - قالوا: لو أنَّ الزَّوجة أخرجت زكاة فطرها عن نفسِها من غير إذن زوجها، فإنَّها تجزئ عنها، وكذلك الابن لو أخْرَج زكاة الفِطْر عن نفسِه من غير إذن أبيه فإنَّها تجزئ، وتقدَّم أنَّ القول الرَّاجح - والله أعلم - أنَّ الزَّوجة تَجب زكاة فِطْرها عن نفسِها وكذلك الابن المقتدر.

 

ويُبْنَى على هذه مسألة: لو أَخْرج شخصٌ عن آخر لا تلزمه زكاة فطره من غير إذنِه، فهل تجزئه؟

مثال ذلك: زيد أخرج عن عمرو زكاة فِطْرِه ولم يستأذنْه، مع أنَّ زيدًا لا تلزمه زكاة فطرة عمرو.

 

المذهب: أنَّها لا تُجْزِئه حتَّى لو رضي المُخْرَج عنه وأذِن له.

وعلَّلوا ذلك: بأنَّ الَّذي أخرج الزَّكاة ليس مخاطبًا بإخراج زكاةِ غيرِه، فلا تلزمه ولا تجزئ لو أخرجها عنه.

 

والقول الثاني: أنَّها تجزئ إذا رضي الذي أُخرجت عنه، وهو عمرو في المثال السابق.

 

وهذه المسألة مبنيَّة على خلاف في مسألة (التصرُّف الفُضولي) أي التصرُّف للغير بغير إذْنِه، هل يبطل هذا التصرُّف مطلقًا أو لا يبطل إذا أذِن ورضي الغير.

والقول الرَّاجح - والله أعلم -: أنَّه لا يبطل إذا أذِن ورضي الغير، وبناءً عليْه فإنَّ الأظهر - والله أعلم - هو القول الثاني وأنَّ زكاة الفطر تجزئ إذا رضي مَن أخرجت عنه.

 

ويدل على ذلك:

ما رواه البخاري من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - في قصَّة حفظ زكاة رمضان، قال أبو هريرة - رضي الله عنه -: "وكلني رسول الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم - بِحِفْظ زكاة رمضان فأتاني آتٍ فَجَعَل يَحْثُو من الطَّعام فأخذتُه، فقلت: لأرفعنَّك إلى رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: إني محتاج وعليَّ عيال ولي حاجة شديدة، قال: فخلَّيت عنه"، الحديث، حتَّى فعل ذلك مع أبي هريرة - رضي الله عنه - ثلاث مرَّات، وأبو هريْرة - رضي الله عنه - يخلي سبيله، والنبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - في كلِّ مرَّة يقول له: ((ما فعل أسيرُك البارحة؟ أما إنَّه كذَبَك وسيعود))، وأخْبَره النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - أنَّ ذلك الأسير هو الشَّيطان.

 

ووجْه الدلالة:

أنَّ أبا هريرة - رضي الله عنه - حينما جاء الشَّيطان وسرق من زكاة الفطْر أجازه ورضي النَّبي - صلى الله عليه وسلم - بتصرُّف أبي هريرة - رضي الله عنه - مع أنَّ المأخوذ منه زكاة، وأبو هريرة لم يستأذن النَّبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - بل تصرَّف من عند نفسه فأجازه النبي - صلى الله عليه وسلم - مع أنَّ أبا هريرة - رضي الله عنه - ليس من مهمَّته التصرُّف؛ لأنه وكيل في الحفظ لا وكيل في التصرف.

 

المسألة السادسة: وقت وجوب زكاة الفطر:

المذهب: أنَّ زكاة الفِطْر تَجبُ بِغُروب الشَّمس ليلة عيد الفِطْر، وهذا القول هو الأظْهر وهو قول جُمهور العلماء، خلافًا للأحناف الذين قالوا: تَجب بطلوع الفجر الثَّاني من يوم العيد.

 

ويدل على وجوبها بغروب الشَّمس ليلة العيد ما يلي:

1- حديث ابن عمر - رضي الله عنه -: "فرض رسول الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم - زكاة الفِطْر من رمضان ..."؛ متَّفق عليه.

ووجه الدلالة: أنَّه أضاف الزَّكاة إلى الفِطْر من رمضان، وأوَّل فطر من جَميع شهر رمضان يكون بغروب الشَّمس ليلة العيد فوجب أن يتعلَّق به حكم الوجوب.

2- حديث ابن عبَّاس - رضِي الله عنْه - مرفوعًا: "فرض رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - زكاة الفطر طُهْرةً للصَّائم من اللَّغو والرَّفث...."؛ والحديث رواه أبو داود وابن ماجه وصحَّحه الحاكم.

 

ووجه الدلالة:

أنَّ زكاة الفطر من الحِكَم الَّتي شرعت من أجلها: تطْهير الصَّائم ممَّا حصل له أثناء صيامه من لغو ورفث، وهذا يكون عند تمام الصَّوم وتَمام الصَّوم يكون بغروب الشَّمس ليلة العيد.

 

وبناءً على هذه المسألة:

مَنْ أسلم بعد غروب الشَّمس ليلة العيد فلا فطرة عليه، وكذلك مَنْ ملك عبدًا بعد غروب الشَّمس ليلة العيد لا فطرة عليه، وكذلك من وُلِدَ له وَلَدٌ بعد غروب الشَّمس لا فطرة عليه، فكل هؤلاءِ لا يلزم وليَّهم إخراجُ زكاة الفطر عنهم.

 

والتعليل: لأنَّهم وقت وجوب زكاة الفِطْر لم يكونوا من أهلها.

وكذلك على قوْل المذْهب: لو تزوَّج امرأةً بأن عقد عليْها بعد غروب الشَّمس لا يلزم الزَّوج إخراج زكاة الفطر عن زوجته بل تُخْرِجها هي بنفسها، وتقدَّم القول الرَّاجح وأنَّها تخرجها عن نفسِها مطلقًا.

 

المسألة السابعة: لمن أراد إخراج زكاة الفطر ثلاثة أوقات:

الوقت الأول: وقت جواز، وهو قبل العيد بيوم أو يومين.

ودليله: حديث ابن عمر - رضي الله عنه - وفيه: "وكان ابن عمر يعطيها الذين يقبلونَها، وكانوا يعطون قبل الفطر بيوم أو يومين"؛ رواه البخاري.

 

الوقْت الثَّاني: وقت استِحْباب: وهو قبل الخروج لصلاة العيد.

ودليله: حديث ابن عمر - رضِي الله عنْه - أنَّ النَّبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - "أمر أن تؤدَّى قبل خروج النَّاس إلى الصلاة"؛ متَّفق عليْه.

 

والوقت الثَّالث: وقت نَهْي: وهو بعد صلاة العيد.

فالمذهب: أنَّ إخراجها بعد صلاة العيد مكروه، وأنَّ إخْراجها بعد غروب الشَّمس يوم العيد محرَّم.

 

واستدلُّوا:

بحديث ابن عمر - رضِي الله عنه - وفيه: "أغْنوهم عن الطَّواف في هذا اليوم"؛ رواه ابن عدي والدَّارقطني.

 

ووجه الدلالة:

أنَّ النَّبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - أمر بزكاة الفطر إغناءً للمساكين في أن يطْلبوا الطَّعام في يوم العيد فيكون عندهم ما يكون عند النَّاس من الطَّعام، ومَن دفعها بعد صلاة العيد فقد أغناهم عن الطَّواف فيه؛ لأنَّ يوم العيد ينتهي بغروب الشَّمس، وقالوا بالكراهة لأنَّ دفْعَها قبل الصَّلاة أعظم في إغْنائِهم من دفعها بعد الصَّلاة.

 

ونوقش هذا الاستدلال: بأنَّ الحديث ضعيف لأنَّ في سنده أبا معشر المدني، والحديث ضعَّفه ابن حجر في "بلوغ المرام" وضعَّفه غير واحد من أهْلِ العلم.

 

والقول الثاني: أنَّ إخراجها بعد صلاة العيد محرَّم، وهذا القولُ هو الرَّاجح والله أعلم.

 

ويدل على ذلك:

1- حديث ابن عباس - رضي الله عنه - مرْفوعًا وفيه: ((مَن أدَّاها قبل الصَّلاة فهي زكاة مقبولة، ومَن أدَّاها بعد الصَّلاة فهي صدقة من الصَّدقات" رواه أبو داود وابنُ ماجه وصحَّحه الحاكم، وقوله ((فهي صدقة من الصدقات)) نصٌّ على أنَّها ليستْ زكاة فطر مقبولة، وإنَّما هي صدقة من عامَّة الصَّدقات فلا تُقْبل زكاة فطر.

2- حديث ابن عمر - رضي الله عنه - أنَّ النَّبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - "أمر أن تؤدَّى قبل خروج النَّاس إلى الصَّلاة"؛ متفق عليه.

ووجه الدلالة: أنَّه إذا أدَّاها بعد الصَّلاة فقد خالف أمر النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - والأمر يقتضي الوجوب ومخالفته تقتضي التَّحريم.

3- أنَّ في أدائها بعد الصَّلاة تأخيرًا للعبادة عن وقتها.

 

من أخَّر زكاة الفطر عن وقتها لا يخلو من حالين:

الحال الأولى: أن يؤخِّرها من غير عذر، فلا شكَّ أنَّه يأْثَم، ولكن لو أخرجها هل تعتبر زكاة فطر؟

المذهب: أنَّها تكون منه زكاة فطر وهو قول أكثر أهل العلم.

 

والقول الثَّاني: أنَّها لا تكون زكاة فطر، بل هي صدقةٌ من الصَّدقات، وهو اختِيار شيْخ الإسلام وتلميذه ابن القيم، وهو الأظْهر والله أعلم، فلا يأخذ ثواب زكاة الفطر بل ثواب الصَّدقة.

 

قال ابن القيم في "زاد المعاد" (2/ 22): "وهذا هو الصَّواب وكان شيخنا يقوِّي ذلك وينصرُه".

 

ويدلُّ على ذلك:

حديث ابن عبَّاس - رضِي الله عنه - المتقدِّم، وفيه: "ومَن أدَّاها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات".

 

الحال الثانية: أن يكون تأخيرُه لها بعُذْر كأن لا يجد أحدًا يعطيه زكاة الفطْر حتى خرج وقتها، أو كأن يضيع مالُه ولا يجده إلى بعد الوقت، أو كأن يوكل شخصًا في إخراج زكاة الفِطْر ثمَّ يتبيَّن له أنَّ وكيله لم يخرجها، وهذا من أكثر الأعْذار حدوثًا، أو كأن ينسى هو إخراجها، أو ينسى وكيلُه إخراجها، ونحو ذلك من الأعذار فهذا لا شك أنَّه يخرجها ولو بعد وقتها ولا إثم عليه، وهي زكاة فطر لأنَّه معذور بتأخيره.

 

المسألة الثامنة: ما القدر الواجب إخراجه في زكاة الفطر؟

يجب إخراج صاع واحد عن كلِّ شخص، وهذا باتِّفاق أهل العلم كما نقل ذلك ابنُ هبيرة في "الإفصاح" (1/ 221).

 

ويدل على ذلك:

حديث ابن عمر - رضي الله عنه -: "فرَض رسولُ الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم - زكاة الفطر، صاعًا من تمر أو صاعًا من شعير على الذكر والأنثى، والحر والعبد، والكبير والصغير من المسلمين"، وتقدم أن الصاع يساوي كيلوين وأربعين غرامًا، والمعتبر في ذلك وزن البر الجيد.

 

 اختلف أهل العلم في البُرِّ هل يجزئ فيه نصف الصَّاع؟

القول الأوَّل: أنَّه يُجزئ فيه نصف صاع، وهو قول أبي حنيفة واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية.

 

واستدلُّوا:

بحديث أبي سعيد - رضي الله عنه -وفيه أنَّ معاوية خطب النَّاس فقال: "إني أرى مُدَّين من سمراء الشَّام تعدل صاعًا من التمر"، فأخذ الناس بذلك؛ متفق عليه.

 

ووجه الدلالة:

أنَّ الصَّاع فيه أربعة أمداد، ونصفه يعادل مُدَّين، ومعاوية قال ذلك في جَمع من الصَّحابة وأخذ النَّاس باجتهاده.

 

والقول الثاني: أنَّه لا يجزئ في البر إلا صاعٌ مثل سائر الأطعِمة، فلا بدَّ من صاع، وبهذا قال جمهور العلماء، وهو اختِيار الشيخين ابن باز - في فتاوى نور على الدرب حلقة (29) السؤال (12) - وابن عثيمين في "الممتع" (6/ 181).

 

واستدلوا:

بحديث أبي سعيد - رضي الله عنه - السَّابق، قال: "كنَّا نخرج إذا كان فينا رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - زكاة الفطر عن كلِّ صغير وكبير، حر أو مملوك، صاعًا من طعام أو صاعًا من أقط أو صاعًا من شعير، أو صاعًا من تمر أو صاعًا من زبيب، حتَّى قدم معاوية بن أبي سفيان...."؛ متَّفق عليه.

 

ووجه الدلالة:

أنَّ أبا سعيد ذكر المقدار الذي كانوا يُخرجونه على عهد النَّبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - فقال: "صاعًا من طعام" فذكر الصَّاع مجملاً في أيِّ طعام، ثم ذكر الصَّاع مفصَّلاً في الأصناف الأرْبعة المذْكورة في الحديث، والبر يدخل في عموم الطعام.

 

وأمَّا الاستدلال باجتهاد معاوية فقد أنكر ذلك أبو سعيد في آخر الحديث، وقال: "فأمَّا أنا فلا أزال أُخْرِجه كما كنت أخرجه أبدًا ما عشت"، وإذا اختلفتْ وتعارضتْ أقوال الصَّحابة لم يكن قول بعضهم أوْلى من بعض ويُنظر إلى دليل آخر، وبالنَّظر في أقوال النَّبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - في زكاة الفطر فقد بيَّن النَّبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - مقدار الطعام وأنَّه صاع، ويدخُل في عموم الطَّعام البُر.

 

وهذا القول هو الأرْجح والأحْوط، والله أعلم.

 

المسألة التاسعة: ما هي الأصناف التي يجوز إخراج زكاة الفطر منها؟

جاء في السنَّة بيان الأصناف التي تخرج في زكاة الفِطْر، وهي:

الأقط والشَّعير والتَّمر والزَّبيب كما في حديث أبي سعيد المتفق عليه ويضاف إليها البُّر كما في حديث أبي سعيد أيضًا، فهذه الأصناف الخمسة جاءت بها السنَّة.

 

وذكر صاحب الزَّاد أنه يجوز إخراج الدَّقيق والسويق من البر والشعير، أمَّا الدقيق فهو الحَب إذا طُحن ويسمِّيه البعض طحينًا، ولكن لا بدَّ من مراعاة أنَّ الحبَّ إذا طُحن تتفرَّق أجزاؤه، وعليْه إذا دُفع الدقيق فالمعْتَبر وزنه حينما كان حبًّا، فإذا دفع دقيقًا فإنَّه يزيد في الصاع قليلاً مكان ما تطاير منه بعد الطَّحن، وأمَّا السويق فهو الحب المحموس، وذلك بأن يحمس على النَّار ثمَّ يطحن ثم يُلت بالماء فيُقدَّم طعامًا، وكذلك يزاد في وزن السَّويق لتفرُّق أجزائه بعد الطَّحن.

 

اختلف أهل العلم هل يجوز إخراج زكاة الفطر من غير هذه الأصناف الخمسة التي في حديث أبي سعيد - رضي الله عنه -؟

القول الأوَّل: أنَّه لا يخرج زكاة الفطر إلاَّ فيما ورد فيه النَّص.

والقول الثاني: أنه لا يخرج إلاَّ ما ورد فيه النص إلاَّ إذا عُدمت هذه الأصناف الخمسة فإنَّه يخرج من كل حبٍّ أو تمر يقتات، وهذا قول المذهب.

والقول الثَّالث: أنَّه يجزئ كلّ طعام يعتبر قوتًا عند النَّاس حتَّى مع وجود الأصناف الخمسة، فيجزئ مثلاً: الفول والعدس والأرز واللَّحم واللَّبن وغيرها ممَّا يصلح قوتًا عند النَّاس، وهذا قول أكثر العلماء وهو الأظْهر والله أعلم.

 

والتَّعليل: لأنَّ زكاة الفطر شرعت مواساة للفقراء كسائر الصَّدقات فهي "طعمة للمساكين" كما في حديث ابن عباس، وإنَّما فرض النَّبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - هذه الأصناف الَّتي في الحديث لأنَّها كانت قوتَ أهل المدينة، قال شيخ الإسلام في "مجموع الفتاوى" (25/ 68): "يخرج ما يقتاتُه، وإن لم يكن من هذه الأصناف، وهو قول أكثر العلماء كالشَّافعي وغيره، وهو أصحُّ الأقوال فإنَّ الأصل في الصدقات أنَّها تجب على وجه المواساة للفقراء، كما قال تعالى {مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ} [المائدة: 89]، والنَّبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - فرض زكاة الفطر صاعًا من تمر أو صاعًا من شعير لأنَّ هذا كان قوت أهل المدينة، ولو كان هذا ليس قوتَهم بل يقتاتون غيره لم يكلِّفْهم أن يخرجوا مما لا يقتاتونه".

 

وقال ابن القيم في "إعلام الموقعين" (3/ 12): "وهذه - أي الأصناف الخمسة - كانت غالب أقواتهم بالمدينة، فأمَّا أهل بلد أو محلَّة قوتهم غير ذلك فإنَّما عليهم صاع من قوتِهم، فإن كان قوتُهم غير الحبوب كاللَّبن واللَّحم والسَّمك أخرجوا فطرتَهم من قوتهم كائنًا ما كان، هذا قول جمهور العُلماء، وهو الصَّواب الَّذي لا يقال بغيره؛ إذ المقصود سدُّ خلَّة المساكين يوم العيد ومواساتهم من جِنْس ما يقتات أهل بلدِهم".

 

المسألة العاشرة: لا يخرج في زكاة الفطر المعيبَ من الطَّعام:

وذلك كأن يخرج طعامًا قديمًا قد تغيَّر طعمه أو مبلولاً أو مسوِّسًا أو فيه دود ونحو ذلك من الآفات، فإن هذا لا يجزئ؛ لقولِه تعالى: {وَلاَ تَيَمَّمُواْ الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُم بِآخِذِيهِ إِلاَّ أَن تُغْمِضُواْ فِيهِ} [البقرة: 267]، ولأنَّ نفع الفقير يقِلُّ مع المعيب وقد ينعدم.

 

فائدة: المذهب أنَّه لا يجزئ الخبز في زكاة الفِطْر.

وعلَّلوا ذلك: بأنَّه لا يكال ولا يقتات.

 

والقول الثاني: أنَّه يُجْزِئ إذا كان قوتًا ويمكن أن يكال إذا يبِس، وهذا القول هو الأظهر.

والتعليل: لأنَّ العبرة كونه قوتًا للبلد فإذا كان قوتًا لهم شُرِعتْ فيه المواساة وطعمة المساكين.

 

المسألة الحادية عشرة: هل يجوز إخراج زكاة الفطر نقودًا؟

اختلفَ أهلُ العلم في هذه المسألة على قولين:

القول الأوَّل: أنَّه يجوز إخراج زكاة الفطر قيمة، وهذا قول الأحْناف وروي هذا القول عن عمر بن عبدالعزيز والحسن البصري[1].

 

واستدلوا:

1- بِحديثِ ابن عمر - رضِي الله عنْه - الَّذي تقدَّم، وفيه: ((أغنوهم عن الطَّواف في هذا اليوم))، وقالوا: إنَّ إخراج القيمة في زكاة الفطر إغناء للمساكين عن السُّؤال يوم العيد، وتقدَّم أنَّ الحديث ضعيف لأنَّ في سنده أبا معشر نجيح السندي المدني.

2- قالوا: إنَّ حاجة الفقير إلى المال أكثر من حاجته إلى الطَّعام.

 

القول الثَّاني: أنَّه لا بدَّ من إخراجها طعامًا، وهذا هو قول جُمهور العلماء، وهو الأظْهر والله أعلم.

 

ويدلُّ على ذلك:

1- حديث أبي سعيد - رضي الله عنه - وحديث ابن عمر في زكاة الفِطْر، وقد تقدَّما.

وفيهما أنَّ النَّبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - فرض زكاة الفِطْر صاعًا من طعام، فعيَّنها بذلك، وإخراجها نقودًا مخالفةٌ لأمر النَّبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم.

2- أنَّ إخراجها قيمةً مُخالفةٌ لعمل الصحابة - رضوان الله عليهم - حيث كانوا يُخرجونَها صاعًا من طعام.

3- أنَّ في إخراج زكاة الفِطْر قيمة إبدال لِحالها من كونِها شعيرةً من شعائر الإسلام الظَّاهرة إلى كونِها شعيرة خفيَّة[2].

5- أنَّ النُّقود كانت موجودة على عهد النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - ومع ذلك أمر بإخراج الطَّعام، فلو كان دفع النقود جائزًا، لأمر به النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - لأنَّ فيه سعة الاختِيار للمسكين إن شاء اشترى به طعامًا وإن شاء اشترى به شيئًا آخر، ومع ذلك لم يأمُر النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -، وحبُّ الإنسان للمال أمر قد فُطِر عليه وأمر معلوم منذ عهد النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - وزمن التَّشريع إلى وقتنا اليوم، والنصوص دالة على ذلك، ومع ذلك لم يأمر النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - بدفْع المال عوضًا عن الطَّعام في زكاة الفِطْر.

 

واختار هذا القولَ الشيخ ابن باز - في فتاوى نور على الدرب الحلقة (417) السؤال (12) - وشيخنا ابن عثيمين في فتاواه (18/ 265).

 

المسألة الثانية عشرة: يَجوز أن يعطي زكاة الفِطْر لواحد:

فيجوز أن يعطي الجماعةَ من النَّاس زكاة فِطْرِهم لواحدٍ ممَّن يستحقُّ زكاة الفِطْر، وكذلك يَجوز لِمَنْ أراد أن يخرج زكاة الفِطْر عن نفسه صاعًا أن يفرِّقَه بين اثنين أو ثلاثة ممَّن يستحقُّون زكاة الفطر، وهذا قول المذْهب وهو الرَّاجح، والله أعْلم.

والدليل: عدم الدَّليل على المنْع، والواجب أن يخرج المسلم صاعًا وقد فعل سواء فرَّقه أو أعطاه لواحد، ولكن إن فرقه ينبغي أن يُنَبِّه الفقير أنَّه بعض صاع حتَّى لا يخرجه الفقير عن نفسه فيما بعد وهو أقلُّ من صاع.

 

ونَختم هذا الباب بهذه التنابيه:

التنبيه الأول: اختُلِفَ في زكاة الفطر هل تعطى لأصناف الزَّكاة الثَّمانية فتعطى المؤلَّفة قلوبُهم والعاملين عليها وبقيَّة الأصناف، أو أنَّها تصرف للفقراء فقط؟ على قولين:

المذهب: أنَّها تصرف في أصناف الزَّكاة الثَّمانية.

 

القول الثاني: أنَّها تصرف للفقراء ومَن يحتاج إليها، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية والشَّيخ ابن عثيمين في "الممتع" (6/ 184) وفي مجالس شهر رمضان (صـ140).

 

قال شيخ الإسلام في "مجموع الفتاوى" (25/ 73): "ولهذا أوجبها الله طعامًا، كما أوْجب الكفَّارة طعامًا، وعلى هذا القول فلا يُجزئ إطعامها إلاَّ لمن يستحق الكفَّارة، وهم الآخذون لحاجة أنفسهم فلا يعْطَى منها في المؤلَّفة قلوبهم ولا الرِّقاب ولا غير ذلك، وهذا القول أقوى في الدليل".

 

التنبيه الثاني: يجوز دفع زكاة الفطر لجمعيَّات البر المصرَّح بها من الدَّولة، وتُعتبر هذه الجمعيَّات نائبة عن الدَّولة والدَّولة نائبة عن الفقراء، وعليْه؛ فإذا وصلت زكاة الفِطْر إلى جمعيَّة البر في وقتها أجزأتْ وبرِئَت الذمَّة ولو لم تصْرِفْها الجمعيَّة للفقراء إلاَّ بعد العيد لمصلحة يرونَها في التأخير[3].

 

التنبيه الثَّالث: الصَّاع الموجود اليوم زائد على النبويِّ بالخمس وخمس الخمس، فهل يكره إخراج الزكاة به أو لا يكْره وتكون الزيادة صدقة؟ قيل: بالكراهة، لأنَّها عبادة مقدَّرة بقدر معيَّن، واختار الشَّيخ ابن عثيمين أنَّها لا تكره لأنَّها عبادة يغلب فيها جانب التموُّل والإطْعام فإذا زاد فلا بأس، لكن الزيادة لا تكون صدقة إلاَّ إذا نواها صدقة[4].

 

الشيخ/ عبدالله بن حمود الفريح

ـــــــــــــــــ
[1] انظر المغني: 4/ 295.
[2] انظر معالم السنن للخطابي: 2/ 219.
[3] انظر الممتع: (6/ 175).
[4] انظر الممتع (6/ 178).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • كتاب الزكاة (1/8)
  • كتاب الزكاة (2/8)
  • كتاب الزكاة (3/8)
  • كتاب الزكاة (4/8)
  • كتاب الزكاة (5/8)
  • زكاة في شهر البركة
  • كتاب الزكاة (7/8)
  • الزكاة.. وجوبها وأحكامها
  • كتاب الزكاة (8/8)
  • مع الهارب من الزكاة
  • الزكاة: حكم وأحكام

مختارات من الشبكة

  • تسهيل المسالك بشرح كتاب المناسك: شرح كتاب المناسك من كتاب زاد المستقنع (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • هذا كتابي فليرني أحدكم كتابه(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مخطوطة الأصول في النحو(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • شرح كتاب الصيام من كتاب العمدة في الأحكام للحافظ عبد الغني المقدسي (600 هـ) (PDF)(كتاب - ملفات خاصة)
  • كتاب: النظرية الجمالية في العروض عند المعري ـــ دراسة حجاجية في كتاب "الصاهل والشاحج" للناقدة نعيمة الواجيدي(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • إتحاف العباد بشرح كتاب الزاد: شرح كتاب الصلاة إلى باب الأذان والإقامة من زاد المستقنع (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • قضاء الأرب من كتاب زهير بن حرب: شرح كتاب العلم لأبي خيثمة (الجزء الثاني) (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • قضاء الأرب من كتاب زهير بن حرب: شرح كتاب العلم لأبي خيثمة (الجزء الأول) (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • إجماعات ابن حزم في كتابه (مراتب الإجماع) في كتابي: (الشهادات والدعاوى)(رسالة علمية - مكتبة الألوكة)
  • إجماعات ابن حزم في كتابه (مراتب الإجماع) في كتاب: (الصلاة) جمعا ودراسة(رسالة علمية - مكتبة الألوكة)

 


تعليقات الزوار
1- وفقكم الله
الحسن الكانوني - إسبانيا 12-07-2015 06:55 PM

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وجزاكم الله خير الجزاء على هذا البحث الطيب المبارك الذي كنا في أمس الحاجة إليه.
وبارك الله فيكم وفي علمكم ونفع بكم

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 0:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب