• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات   بحوث ودراسات   إبهاج المسلم بشرح صحيح مسلم   الدر الثمين   سلسلة 10 أحكام مختصرة   فوائد شرح الأربعين   كتب   صوتيات   مواد مترجمة  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    10 مسائل مهمة ومختصرة في: شهر الله المحرم
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    10 مسائل مهمة ومختصرة في الأضحية (PDF)
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    10 مسائل مهمة ومختصرة في 10 ذي الحجة (PDF)
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    الدعاء لمن أتى بصدقة
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    حديث: صدقة لم يأكل منها
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    حديث: هو لها صدقة، ولنا هدية
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    باب: (ترك استعمال آل النبي على الصدقة)
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    حديث: «كخ كخ، ارم بها، أما علمت أنا لا نأكل ...
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    شرح حديث: سيخرج في آخر الزمان قوم أحداث الأسنان ...
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    التعريف بالخوارج وصفاتهم
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    حديث: ألا تأمنوني؟ وأنا أمين من في السماء
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    إعطاء المؤلفة قلوبهم على الإسلام وتصبر من قوي ...
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    إعطاء المؤلفة قلوبهم على الإسلام وتصبر من قوي ...
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    إعطاء المؤلفة قلوبهم من الزكاة
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    باب: (إعطاء من سأل بفحش وغلظة) (2)
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    باب: (إعطاء من سأل بفحش وغلظة) (1)
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
شبكة الألوكة / المواقع الشخصية / مواقع المشايخ والعلماء / أ. د. علي أبو البصل / مقالات
علامة باركود

لزوم الوقف في الفقه الإسلامي

لزوم الوقف في الفقه الإسلامي
أ. د. علي أبو البصل

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 27/12/2015 ميلادي - 15/3/1437 هجري

الزيارات: 52522

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

لزوم الوقف في الفقه الإسلامي

 

أولاً: تصوير المسألة:

الوقف والتحبيس والتسبيل بمعنى واحد، وحقيقته شرعًا: حبس مال يُمكن الانتفاع به مع بقاء عينه، على مصرف مباح موجود، ويُجمع على وقوف، وأوقاف.


وهو من خصائص أهل الإسلام، وقربة من القُرَب الموجبة لعظيم الثواب؛ لما فيه من تحبيس الأصل أو الرقبة وتسبيل المنفعة أو الفوائد والثِّمار.


والوقف من عقود التبرُّعات المالية، وليس من عقود المعاوَضات، وهل هذا التبرع يمنع البيع والهبة والميراث بمجرَّد اللفظ - كالعتق - لأن الوقف يحصل به، أو لا يلزم إلا بالقبض، وإخراج الواقف الوقف من يده إلى غيره، أو لا يلزم أصلاً؛ لأنه من عقود التبرعات المالية؛ كالهبة؛ بحيث يملك الواقف الرجوع عنه، وهبتَه، وبيعَه، ويَنتقِل للورثة بعد موته؟[1]

 

ثانيًا: تَحرير محل النزاع:

1- اتفق الفقهاء على لزوم الوقف في الحالات التالية[2]:

أ- أن يكون الوقف مسجدًا أو أرضًا يُقام عليها مسجد، فإنَّ الوقف يُصبح لازمًا، ولا يَجوز الرجوع فيه، ويلزم مؤبدًا بالإجماع.


ب- أن يَخرج الوقف مخرج الوصية، بأن يضاف إلى ما بعد الموت، بأن قال: إذا مت فقد جعلت داري أو أرضي وقفًا على كذا، أو قال: هو وقف في حياتي، صدقة بعد موتي، وفي هذه الحال يصبح الوقف لازمًا، وتنطبق عليه أحكام الوصية، إذا مات الواقف مصرًّا على وصيته.


جـ- أن يحكم الحاكم بلزوم الوقف؛ لأن حكمه صادف محل الاجتهاد، وأفضى اجتهاده إليه، وقضاء القاضي في موضع الاجتهاد، بما أفضى إليه اجتهاده جائز وملزم، ويرفع الخلاف في المسألة، كما في سائر المُجتَهَدات المُختلَف فيها.


د- أن يلزم الواقف نفسه بنفسه تجاه الله تعالى؛ بشرط صحيح في قسيمة عقد الوقف، كأن يقول: وقفي هذا لا يُباع ولا يوهب ولا يورث، كما فعل عمر بن الخطاب رضي الله عنه في وقفه في حضرَة النبي صلى الله عليه وسلم، وبهذا يُصبح الوقف لازمًا، بشرط الواقف؛ لأنه شرط معتبر شرعًا؛ عملاً بالقاعدة الشرعية: "شرط الواقف كنصِّ الشارع".


2- اختلف الفقهاء في لزوم الوقف، وقطع التصرف في أصل الوقف، وخروج الوقف من ملكيَّة الواقف في غير الحالات الآنفة الذكر، وبهذا انحصر الخلاف بين الفقهاء.


منشأ الخلاف في لزوم الوقف:

يرجع الخلاف بين الفقهاء في لزوم الوقف إلى الأسباب التالية:

أ- الخلاف في تكييف الوقف وتصوره؛ لأنه لم يرد مفصلاً في القرآن الكريم[3]، وخاصة أن فكرة الشخصية الحكمية أو المعنوية، لم تكن واضحة في أذهان الفقهاء، فيما مضى من الزمان، حتى تنقل ملكية الوقف من الواقف إلى الجهة الموقوف عليها، والتي أصبح الآن لها شخصية حكمية مُعتبَرة، وذمة مالية مستقلة؛ لأن لزوم الوقف يرتبط بموضوع نقل ملكية المال الموقوف من الواقف، ولكن إلى أين؟! لأنه لا يجوز تسييب المال شرعًا، وهذا الإشكال حلَّ الآن بفكرة الشخصية الحكمية أو الاعتبارية أو المعنوية، وهي شخصية مستقلة عن الأفراد، ولها ذمة مالية مُستقلَّة كذلك.


ب- تعارض الأدلة الواردة في لزوم الوقف، وكيفية الجمع والتوفيق بينها، وفي هذا تختلف أنظار العلماء.


جـ- الأدلة الواردة في لزوم الوقف، أدلة ظنيَّة، يتطرَّق إليها الاحتمال، وتتَّسع للرأي والرأي الآخر، وفيها مجال واسع للاجتهاد بالرأي.


رابعًا: آراء الفقهاء في لزوم الوقف:

اختلف الفقهاء في لزوم الوقف إلى فريقَين:

الأول: يرى أن الوقف عندما يصدر عن الواقف، يكون لازمًا، وملزمًا له منذ صدوره، فلا يجوز له الرجوع عنه، ولا هِبَتُه، ولا بَيعه، كما لا ينتقل للورثة بعد موته، وينسب هذا الرأي إلى جماهير العلماء، ومنهم المالكية والشافعية والحنابلة والزيدية والظاهرية، وجماهير الحنفية[4]، واستدلوا على ذلك بما يلي:

أ- عن ابن عمر رضي الله عنهما أن عمر بن الخطاب، أصاب أرضًا بخيبر، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم يستأمره فيها، فقال: يا رسول الله، إني أصبتُ أرضًا بخيبر، لم أصبْ مالاً قط أنفس عندي منه، فما تأمر به؟ قال: إن شئتَ حبست أصلها، وتصدَّقت بها، قال: فتصدق بها عمر، أنه لا يباع ولا يوهب ولا يورث، وتصدق بها في الفقراء، وفي القربى، وفي الرقاب، وفي سبيل الله، وابن السبيل، والضيف، ولا جناح على من وليها، أن يأكل منها بالمعروف، ويطعم غير متموِّل"، قال فحدثت به ابن سيرين فقال: "غير متأثل مالاً"[5].

 

وجه الاستدلال بالحديث:

يدلُّ الحديث صراحةً على لزوم الوقف، يُستفاد ذلك من قوله صلى الله عليه وسلم: ((لا يُباع ولا يوهب ولا يورث))، وهذه الكلمات فسَّرت معنى التحبيس الوارد في الحديث؛ وهو: قطع الأصل عن التصرف، والتصدُّق بالمنفعة على جهة برٍّ لا تنقطع، ويُستفاد من الحديث أيضًا الأحكام التالية:

1- فضل الصدقة الجارية.


2- صحة شروط الواقف واتباعه فيها.


3- لا يشترط تعيين المصرف لفظًا.


4- الوقف لا يكون إلا فيما له أصل يدوم الانتفاع به، فلا يصح وقف ما لا يدوم الانتفاع به كالطعام.


5- لا يَكفي في الوقف لفظ الصدقة، سواء قال: تصدَّقتُ بكذا، أو جعلتُه صدقة، حتى يضيف إليها شيئًا آخر؛ لتردُّد الصدقة، بين أن تكون تمليك الرقبة، أو وقف المنفَعة، فإذا أضاف إليها ما يُميِّز أحد المحتملين صحَّ، بخلاف ما لو قال: حبستُ أو وقفت، فإنه صريح في ذلك.


6- جواز الوقف على الأغنياء؛ لأن ذوي القربى، والضيف لم يقيَّد بالحاجة، وهو الأصح عند الشافعية.


7- للواقف أن يشترط لنفسه جزءًا من ريع الموقوف؛ لأن عمر رضي الله عنه شرَط لمن وليَ وقفَه، أن يأكل منه بالمعروف[6]، كما يدلُّ على أن ناظر الوقف له الأجر من ريع الوقف بالمعروف.


ب- عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا مات الإنسان، انقطع عنه عمله إلا من ثلاث؛ صدقة جارية، وعِلم ينتفع به، وولد صالح يدعو له))[7].

قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح.


وجه الاستدلال بالحديث:

يفيد الحديث بوضوح لزوم الوقف؛ لأن الصدقة الجارية هي الوقف كما فسَّرها العلماء، وجريان الصدقة يدلُّ على اللزوم؛ إذ لو كان غير لازم لكانت صدقةً مُنقطعةً غير جارية، والحديث وصفَها بعدم الانقطاع، وهذا يفيد الاستمرارية والتأبيد إلى قيام الساعة[8].


جـ- عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل سبعة حيطان له بالمدينة صدقة على بني عبدالمطلب[9].


وجه الاستدلال بالسنَّة الفعلية:

يدل فعل الرسول صلى الله عليه وسلم على جواز الوقف؛ لأنه ليس أدلَّ على الجواز من الوقوع، وعلى لزومه أيضًا؛ لأنه لم يثبت أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد رجع عن وقفه هذا.


د- أوقف عثمان بن عفان رضي الله عنه بئر رومة، فصار بعد الوقف دلوُه فيها كدلاء المسلمين؛ استجابةً لدعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَن يَشتري بئر رومة، فيجعل فيها دلوَه مع دلاء المسلمين، بخيرٍ له منها في الجنة))[10].

 

وجه الاستدلال بهذا الأثر:

يدل هذا الأثر على لزوم الوقف؛ لأن أثر الوقف قد ترتب عليه فور صدوره، وأصبح عثمان رضي الله عنه بعد الوقف فردًا من أفراد المسلمين، ودلوه مع دلاء المسلمين، ولا فرق بينه وبينهم، ولو لم يكن وقف عثمان رضي الله عنه لازمًا؛ لما ترتَّب عليه هذا الأثر.


هـ- إجماع الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين إجماعًا عمليًّا، ولم يثبت أن أحدًا من الصحابة رجع عن وقفه أو نقضه، فكان ذلك إجماعًا على اللزوم والتأبيد، ومنهم: فاطمة بنت الرسول صلى الله عليه وسلم؛ تصدَّقت بمالها على بني هاشم وبني المطلب، وعليٌّ تصدَّق عليهم، وأدخل معهم غيرهم، وزَيد بن ثابت حبَس دارَه بالبَقيع، وتصدَّق أبو بكر بداره بمكة، وتصدق سعد بن أبي وقاص بداره بالمدينة، وبداره بمصر، وغيرهم من الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين، قال جابر بن عبدالله: لم يكن أحد من الصحابة له مقدرة إلا وقَف وقفًا، وكتبوا في ذلك كتبًا، ومنعوا فيها من البيع والهِبة، وأوقافهم مشهورة بالحرمين بشروطها وأحوالها[11].

 

والفريق الثاني:

يرى أن الوقف لا يكون لازمًا، إلا في حالات ثلاث، أشرنا إليها سابقًا، وينسب هذا الرأي إلى الإمام أبي حنيفة وزفر من الحنفية، وهو قول للحنابلة، واستدلوا على ذلك، بما يلي:

1- أنبأ عبدالله بن لهيعة عمَّن سمع عكرمة يحدث عن ابن عباس، أنه قال: لما نزلت الفرائض في سورة النساء، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا حبس بعد سورة النساء)).


وعن عمرو بن خالد، حدثنا ابن لهيعة عن أخيه عيسى بن لهيعة عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا حبْسَ عن فرائض الله))[12].

 

وجه الاستدلال بالحديث:

يدلُّ الحديث بوضوح على أن الوقف غير لازم؛ لأن لزوم الوقف يترتَّب عليه حبس عن فرائض الله تعالى، ومنع الورثة من الوصول إلى حقوقهم المشروعة بآيات المواريث الواردة في سورة النساء؛ وهذا المنع لا يجوز شرعًا بنص الحديث، وما يؤدي إليه وهو اللزوم يكون باطلاً بالبداهة، ولهذا يكون الوقف غير لازم؛ لأن القول بلزومه يؤدي إلى هذا المآل الممنوع شرعًا، والنظر في مآلات الأفعال معتبر مقصود شرعًا، والوقف حبس عن فرائض الله تعالى، فكان منفيًّا شرعًا[13].


2- روى أبو بكر بن حزم، عن عبدالله بن زيد بن عبدربه أنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم حائطي هذا صدقة، وهو إلى الله ورسوله، فجاء أبواه، فقالا: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم كان قوام عيشِنا، فرده رسول الله إليهما، ثم ماتا، فورثهما ابنهما بعد[14].

 

وجه الاستدلال بالحديث:

يدلُّ الحديث بوضوح على عدم لزوم الوقف؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم رد الوقف، وأعاد الحائط إليهما، ولو كان الوقف لازمًا، لما ردَّه صلى الله عليه وسلم؛ والرجوع في الوقف، وإرثه من قبل الورثة دليل عدم لزومه.

 

3- عن ابن شهاب الزهري عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: "لولا أني ذكرت صدقتي لرسول الله صلى الله عليه وسلم لرددتها"[15].

 

وجه الاستِدلال بهذا الأثر:

يدلُّ الحديث بوضوح أن عمر رضي الله عنه أراد أن يرجع في وقفه، وأن الذي منعه من الرجوع، كونه ذكره للنبي صلى الله عليه وسلم فكَرِهَ أن يُفارقه على أمر ثم يخالفه إلى غيره، وهذا دليل واضح على عدم لزوم الوقف ابتداء[16].

 

4- عن عطاء بن السائب، عن شريح، قال: "لا حبس عن فرائض الله"[17]، وهو يشمَل بعُمومه الوقف؛ لأنَّ النَّكرة في سياق النفي تعم، وهذا دليل على عدم لزوم الوقف.

 

وأما المعقول:

فإن القول بلزوم الوقف يؤدِّي إلى قطع التصرف في العين الموقوفة، بزوال الملك عن الواقف، لا إلى واقف، وهذه هي السائبة المنهي عنها شرعًا، فلزوم الوقف غير مشروع؛ لأنه يؤدي إلى هذا المآل المحرم، كما أن للواقف ولاية خاصة في تعيين النظَّار والقوام، وعزلهم، وتوزيع الغلَّة على شرطِه، وأساس هذه الولاية ملكه الثابت، وإذا ثبت بقاء الملك في الموقوف انتفى لزوم الوقف؛ للتلازم، وكانت له حرية التصرف فيه، وحرية التصرف تنافي اللزوم[18].

 

خامسًا: المناقشة والتَّرجيح:

1- مناقشة أدلة القائلين بلزوم الوقف:

قال المانعون للزوم الوقف: إنَّ الأدلة التي استند إليها جماهير العلماء في لزوم الوقف يتطرَّق إليها الاحتمالات التالية:

أ- احتمال النَّسخ؛ لأن الأدلة جاءت قبل نزول آيات المواريث، فتكون منسوخة بآيات المواريث، وحديث ابن عباس.


ب- يحتمل أن تكون الأدلة في الوقف المُضاف لما بعد الموت؛ ولهذا يأخذ الوقف أحكام الوصية.


جـ- قد يكون الوقف لازمًا بناءً على شرط الواقف ورغبته، وهذا أمر متَّفق عليه؛ لأن شرط الواقف كنصِّ الشارع؛ وقول عُمر رضي الله عنه لا يُباع ولا يوهب ولا يورث، شرَط شرطه على نفسه، فألزم نفسه بنفسه تجاه الله تعالى.


وبما أن هذه الأدلة يتطرق إليها الاحتمال يَسقط الاستدلال بها في محلِّ النزاع، ويثبت الأصل وهو عدم لزوم الوقف؛ عملاً بحديث ابن عباس والأدلة الأخرى، والتي تُفيد صراحةً عدم لزوم الوقف[19].

 

2- مناقشة أدلة القائلين بعدم لزوم الوقف:

أ- حديث ابن عباس حديثٌ ضعيف؛ لأنه قد ورد في سنده ابن لهعية، وهو مطعون فيه، ولا يحتج بمثله؛ ولهذا يكون الحديث عند المحدثين ضعيفًا[20]، والحديث الضعيف عند الفقهاء لا يقوى على معارضة حديث وقف عمر بن الخطاب رضي الله عنه؛ لأنه حديث صحيح ورَد في كتب الصحاح[21]؛ قال الترمذي: "العمل على هذا الحديث عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم، لا نعلم بين أحد من المتقدِّمين منهم في ذلك اختلافًا في إجازة وقف الأرضين وغير ذلك"[22].


وعلى فرض القول بصحة الحديث، فهو حديث عام، خصَّصته السنَّة بأحاديث صحيحة؛ كحديث وقف عمر رضي الله عنه والتخصيص نوع مِن التوفيق، والجمع بين الدليلين خير من إهمالهما، أو إهمال أحدهما.


ب- حديث أبي بكر بن حزم، حديث مُرسَل؛ لأنَّ أبا بكر لم يُدرِك عبدالله بن زيد، والانقطاع في السند يؤدِّي إلى ضعف الحديث؛ لأن الحديث الصحيح يشترط فيه أن يكون متَّصل السند، والحديث الضعيف لا يصحُّ الاحتجاج به، ولا يقوى على معارضة الأدلة الصحيحة، وعلى فرض القول بصحة الحديث فإنَّ الحديث وارد في الصدقة المُنقطعة، وكأنه تصدق به صدقة تطوع، وجعل مصرفها إلى اختيار الرسول صلى الله عليه وسلم فتصدَّق بها رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبويه"[23].


جـ- الاستدلال بالأثر المرويِّ عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه استدلال غير صحيح؛ لأن الأثر ضعيف ولا يحتج به عند المحدِّثين؛ لوجود انقطاع في السند، ووجه الانقطاع أن الأثر رواه الزهري عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، والزهريُّ لم يُدرك عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وهذا يعني أن الحديث منقطع؛ لأنه أسقط الراوي الذي يَصل الزهريَّ بعمر بن الخطاب رضي الله عنه؛ ولهذا لا يصحُّ الاحتجاج بهذا الأثر؛ لأنه لا يقوى على معارضة الأدلة الصحيحة، ومنها حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه الوارد في كتب الصحاح[24].


د- أما القول بأن القول بلزوم الوقف، يؤدِّي إلى تسييب المال، وهذا لا يجوز شرعًا، فهذا غير صحيح؛ لأن الوقف ينتقل مِن ملكيَّة الواقف إلى ملكية الجهة الموقوف عليها، وهي جهة معنوية، ولها ذمة مالية مستقلة عن الأفراد، والأفراد ينتفعون بثمار الوقف، وهذا ما استقر عليه الاجتهاد في هذا العصر، والذي عبَّر عنه الفقهاء قديمًا بقولهم: حبس الوقف على حكم ملك الله، يقول ابن حزم: "وهذِه وساوس؛ لأن الحبس، ليس إخراجًا إلى غير مالك، بل إلى أجل المالكين، وهو الله تعالى؛ كعتق العبد"[25].


3- التَّرجيح:

يترجَّح لدينا رأي جماهير العلماء[26]، للأسباب التالية:

أ- يَستنِد رأي جماهير العلماء الذي يقضي بلزوم الوقف إلى أدلة صحيحة، وإجماع عملي من قبل الصحابة رضوان الله عليهم، وقد استمر ذلك بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ولم يُنكِر أحد ذلك إلى يومِنا هذا.


ب- ضعف أدلة القائلين بعدم اللزوم.


جـ- الاحتمالات التي أورَدَها المانعون على أدلة جماهير العلماء، لا تَستند إلى دليل، والاحتمال الناشئ من غير دليل لا يُعمل به ولا يلتفت إليه.


د- الجمع بين الأدلة أولى من إهمال أحدها، ورأي جماهير العلماء يؤدي إلى الجمع بين الأدلة والتوفيق بينها، ويحفظ الأوقاف كمَصالح مُعتبَرة شرعًا من العبث، ويؤدي إلى دوامها واستقرارها.



[1] ابن جزي: القوانين الفقهية (ص: 243)، وأحمد الدردير: الشرح الصغير (4 / 97)، والقرافي: الذخيرة (6 / 301)، والشربيني: مغني المحتاج (2 / 376)، والرملي: نهاية المحتاج (5 / 358)، وابن قدامة: المغني (8 / 186)، والشوكاني: السيل الجرار (3 / 314).

[2] الكاساني: البدائع (6 / 218)، والقرافي: الذخيرة (6 / 322)، والأستاذ مصطفى الزرقا: أحكام الأوقاف (ص: 21) وما بعدها.

[3] د. فتحي الدريني: الفقه المقارن (ص: 378).

[4] القرافي: الذخيرة (6 / 301)، والرملي: نهاية المحتاج (5 / 358)، وابن قدامة: المغني (8 / 186)، وأحمد المرتضى: البحر الزخار (5 / 148)، والكاساني: البدائع (6 / 186)، والكمال ابن الهمام: فتح القدير (5 / 37) وما بعدها، وابن عابدين: رد المحتار على الدر المختار (4 / 338) وما بعدها، وابن حزم: المحلى (9 / 175) وما بعدها.

[5] ابن حجر العسقلاني: فتح الباري شرح صحيح البخاري (7 / 325).

[6] ابن حجر العسقلاني: فتح الباري شرح صحيح البخاري (7 / 325).

[7] ابن العربي: عارضة الأحوذي بشرح صحيح الترمذي (6 / 143).

[8] محمد عليش: منح الجليل شرح مختصر سيدي خليل (8 / 108) وما بعدها.

[9] البيهقي: السنن الكبرى (6 / 160).

[10] البيهقي: السنن الكبرى (6 / 166).

[11] البيهقي: السنن الكبرى (6 / 161)، والقرافي: الذخيرة (6 / 323)، والشوكاني: السيل الجرار (3 / 314).

[12] البيهقي، السنن الكبرى، (6 / 162، 163).

[13] الكاساني: البدائع (6 / 219).

[14] البيهقي، السنن الكبرى (6 / 163).

[15] ابن حجر العسقلاني، فتح الباري شرح صحيح البخاري (7 / 324)، والشوكاني: نَيل الأوطار (6 / 127)، وابن حزم: المحلى (9 / 181).

[16] ابن حجر العسقلاني: فتح الباري شرح صحيح البخاري (7 / 324).

[17] البيهقي، السنن الكبرى (6 / 162)، وابن حزم: المحلى (9 / 181).

[18] د. فتحي الدريني: الفقه المقارن (ص: 417).

[19] الكاساني: البدائع (6 / 218) وما بعدها، والشوكاني: نَيل الأوطار (6 / 127) وما بعدها.

[20] البيهقي: السنن الكبرى (6 / 163).

[21] أحمد بن محمد الخلال: كتاب الوقوف (1 / 204) وما بعدها.

[22] ابن العربي: عارضة الأحوذي بشرح صحيح الترمذي (6 / 144)، والقرافي: الذخيرة (6 / 322) وما بعدها، وابن حزم: المحلى (9 / 177).

[23] البيهقي: السنن الكبرى (6 / 163).

[24] ابن حجر العسقلاني: فتح الباري شرح صحيح البخاري (7 / 324).

[25] ابن حزم: المحلى (9 / 178).

[26] الشوكاني: السيل الجرار (3 / 314).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • دراسة الوقف في الإسلام وأهميته
  • أركان الوقف وشروطه وخصائصه
  • نماذج من الوقف الاستثماري الديني
  • جوانب من تطور تاريخ الوقف في مصر
  • من الأدلة على مشروعية الوقف
  • الرجوع في الهبة في الفقه الإسلامي
  • بيع أو استبدال الوقف غير المنقول إذا تعطلت منافعه

مختارات من الشبكة

  • من مائدة الحديث: الحث على لزوم تقوى الله عز وجل(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تقوية القلب على لزوم الحق (خطبة)(مقالة - موقع الشيخ إبراهيم بن محمد الحقيل)
  • لزوم السنة (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أهل السنة والجماعة - المحاضرة الأولى (أهمية العقيدة ووجوب لزوم جماعة المسلمين وأئمتهم)(مادة مرئية - موقع الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي)
  • لزوم حكم الشرع(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أعظم الكرامة لزوم الاستقامة (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • من أقوال السلف في لزوم المرأة لبيتها وضوابط خروجها(مقالة - آفاق الشريعة)
  • فضل لزوم المسجد والجلوس فيه(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الحث على لزوم منهج السلف الصالح في طريق الدعوة، والحذر من المناهج البدعية المخالفة (خطبة)(مقالة - موقع د. صغير بن محمد الصغير)
  • وجوب لزوم مذهب السلف وهم الفرقة الناجية المنصورة(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 12/11/1446هـ - الساعة: 18:29
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب