• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات   بحوث ودراسات   إبهاج المسلم بشرح صحيح مسلم   الدر الثمين   سلسلة 10 أحكام مختصرة   فوائد شرح الأربعين   كتب   صوتيات   مواد مترجمة  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    10 مسائل مهمة ومختصرة في: شهر الله المحرم
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    10 مسائل مهمة ومختصرة في الأضحية (PDF)
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    10 مسائل مهمة ومختصرة في 10 ذي الحجة (PDF)
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    الدعاء لمن أتى بصدقة
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    حديث: صدقة لم يأكل منها
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    حديث: هو لها صدقة، ولنا هدية
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    باب: (ترك استعمال آل النبي على الصدقة)
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    حديث: «كخ كخ، ارم بها، أما علمت أنا لا نأكل ...
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    شرح حديث: سيخرج في آخر الزمان قوم أحداث الأسنان ...
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    التعريف بالخوارج وصفاتهم
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    حديث: ألا تأمنوني؟ وأنا أمين من في السماء
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    إعطاء المؤلفة قلوبهم على الإسلام وتصبر من قوي ...
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    إعطاء المؤلفة قلوبهم على الإسلام وتصبر من قوي ...
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    إعطاء المؤلفة قلوبهم من الزكاة
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    باب: (إعطاء من سأل بفحش وغلظة) (2)
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    باب: (إعطاء من سأل بفحش وغلظة) (1)
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
شبكة الألوكة / المواقع الشخصية / مواقع المشايخ والعلماء / الشيخ الدكتور عبدالرحمن بن معلا اللويحق / محاضرات علمية مكتوبة
علامة باركود

فقه النوازل عند ابن سعدي رحمه الله

الشيخ الدكتور عبدالرحمن بن معلا اللويحق

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 18/10/2015 ميلادي - 4/1/1437 هجري

الزيارات: 18890

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

فقه النوازل عند ابن سعدي

- رحمه الله -


الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.

 

أما بعد:

فإن للدين سمة هي الشمول، وللحياة سمة هي التغير، وبين السمتين ترابط هذا بيانه:

إن شمول الدين وتغير الحياة في المقابل يقتضيان أن يكون الحكم في الأمور الثابتة - غير القابلة للتغير والتحول - ثابتاً لا يتحول، ولذلك فإن العبادات ثابتة مهما طال الزمان.

 

فالصفة التي تصلي بها يصلي بها المسلم قبل مئات السنين، ولذلك جاء النص واضحاً محدداً، وجاء كلام العلماء في ضوئه.

 

ولكن المعاملات مثلاً يختلف أمرها، فأسلوب تجارتك يختلف كثيراً عن أسلوب بيع السابقين، فاقتضى ذلك أن تكون النصوص في المعاملات في صورة مبادئ وأحكام عامة تنطبق عليها جزئيات كثيرة.

 

واعتبر ذلك بحديث ( نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الغرر ) فالغرر ألوان منها: في ذات المعقود عليه، ومنها: ما يتعلق بالزمان والمكان، وصيغة العقد وغير ذلك.

 

وصورة تطبيقاته لا تنتهي، بل تمتد بامتداد الحياة.

 

ووجه آخر: إن الوسائل تختلف باختلاف الزمان والمكان.

 

ولربما تغيرت صورة العمل بتغير الوسيلة وكل أولئك لا يمكن أن يستند فيه إلى نص في حالة معينة، وإنما هو اجتهاد الفقيه، المبني على نصوص الشريعة وقواعدها.

 

والوقائع منها ما حكمه بين صريح في نصوص الشريعة، ولكن جهل الناس يفضي إلى اضطرابهم، وعدم فقههم للأمر.

 

فتراهم يحرمون ما أحل الله لهم تشديداً على أنفسهم.

 

هذه مقدمات أردت أن أبين بها لغير المختص ألواناً من المستجدات التي تقع وأنها وإن جدت إلا أن نصوص الشريعة تشملها.

 

ولو أردنا أن نعبر عن المستجدات والنوازل بلفظ علمي لقلنا إنها: المسائل التي استجدت في حياة الناس مما ليس له نظير في المسائل، أو المسائل التي تغير موجب الحكم عليها، أو اللتي تغير اسمها عما كان من قبل، أو المركبة من جملة معاملات كانت في القديم.

 

ولقد أظهرت فتاوى الشيخ وآراؤه الفقهية منهجه العلمي الرصين وقدرته المتميزة في معالجتها وأضع ذلك في معالم [1].

♦ ♦ ♦

 

المعلم الأول: الموازنة بين النصوص والمقاصد:

فلا شك أن الأصل في الاستدلال على الأحكام كتاب ناطق.

 

يقول الشافعي - رحمه الله -: ( ليس لأحد أبداً أن يقول في شيء حل أو حرم إلا من جهة العلم، وجهة العلم الخبر في الكتاب أو السنة أو الإجماع أو القياس ) [الرسالة:39].

 

وهذا لا بد أن تراعى مع ذلك كليات الشريعة ومقاصدها.

 

والغريب أن من الناس من أغرق في النظر إلى الجزئيات وبحثها وأغفل كليات الشريعة، فكأنه الناظر من ثقب الباب وينكر رؤية من لا يراه.

 

وفي الناس من حكم في المسألة المقاصد والكليات والقواعد تحكيم الغافل عما ورد فيها من النصوص الحاكمة.

 

وغفل هؤلاء عن الاستجابة لحكم الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - وجهلوا أن المقاصد والكليات إنما أخذت من آحاد الأحكام.

 

فقد عرفنا أن الشريعة تريد حفظ العرض فحققت ذلك بأحكام من جملتها - مثلاً - فرض الحجاب.

 

فلا يقال مثلاً أن المقصود هو تحقيق العفة، وسلامة العرض ويمكن أن نحقق ذلك بغير أن تتحجب المرأة المسلمة.

 

وبكل حال فإن للشيخ منهجه الرصين في ذلك انظر مثلاً في فتواه على سؤال هل يسوغ البناء على أصوات البواريد والمدافع ونحوها في الإخبار بدخول الشهر فقال: ( الأمر المهم الذي يراد إعلانه و إشاعته والإخبار به على وجه العموم، يسلك فيه كل طريق يحصل به هذا المقصود، فتارة ينادى فيه على وجه التصريح به أو الإجمال، وتارة يعبر عنه بالأصوات التي لها سريان ونفوذ إلى المحال البعيدة، وتارة بغير ذلك مما يحصل به هذا المقصود.

 

ولم يزل هذا دأب الناس قديماً وحديثاً على هذا مجتمعون، وبالعمل به في الأمور الدينية والدنيوية متفقون، وقد أقرهم الشارع عليه، بل وردت أصول من شرعه تدل عليه، فكل ما دل على الحق والصدق والخبر الصحيح مما فيه صلاح دين العبد، فإن الشارع يقبله ويأمر به ويحث عليه، فالشارع لا يرد خبراً صحيحاً بأي طريق وصل، ولا ينفي حقاً بأي طريق دلالة ظهر، خصوصاً إذا استفاض ذلك الخبر واحتفت به القرائن المتنوعة.

 

فاستمسك بهذا الأصل الكبير فإنه نافع في مسائل كثيرة، ويمكن أن تطبق عليه كثيرا من الجزئيات والأنواع والأفراد الواقعة والتي ستقع ولا يقصر فهمك عنه فيفوتك علم كثير.

 

وربما ظننت أن كثيراً من الأشياء التي لا تجد لها تصريحا في كلام الشارع بدع لا يعتمد عليها ولا يعول في الأمور عليها، فتخالف الشرع والعقل والفطرة، بل لا تتمكن من العمل إلا بسلوك ذلك الأصل الشرعي.

 

فإذا فهمت هذا الأصل، فقد علم وتقرر أن أهل البلد الذين يجرون على الأحكام الشرعية في صومهم فطرهم وعباداتهم وعندهم قاض شرعي، متى ثبت عندهم بالطريق الشرعي ثبوت صيام رمضان أو وجوب الفطر منه، لم يدر عن هذه الطريق التي ثبت فيها الحكم الشرعي إلا من مباشرها، من قاض ومن اطلع على حكمه وعنايته، والباقي من أهل القطر، بل من أهل البلد، إنما يصل إليهم الخبر بما يثبت به الخبر من إشاعة وقالة يتناقلونها فيما بينهم، أو نداء يتنادون به أو يرمون ببواريد أو مدافع ليصل الخبر إلى القريب والبعيد، فهذا عمل متصل في قرون هذه الأمة معمول به من غير نكير من أحد ) [الأجوبة النافعة:321 - 322]

 

ثم قوله: ( يؤيد هذا أن من قواعد الشريعة: أن ملا يتم الواجب إلا به فهو واجب، ومالا يحصل تمام الشيء إلا به فهو من الشيء، ومتى ثبتت هذه الأحكام الشرعية عند أولياء الأمر وجب عليهم أن يبثوها على الناس بحسب قدرتهم ويخبروا بها الناس ليصوموا ويفطروا )[ الأجوبة النافعة: 324].

 

وقوله: ( ومما يدل على ذلك: أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أكبر واجبات الدين، وذلك نوعان:

إما وعظ للمعرضين والمعارضين.

وإما تعليم وإرشاد للجاهلين.

 

وهذا النوع قسمان:

إما تعليم لما جهله الناس من الأمور الشرعية الأصولية والفرعية.

وإما أخبار بما ثبتت به الأحكام الشرعية.

 

وفائدة هذا القسم تنفيذ الحكم الشرعي وحصول العمل به، فكل خبر عن الحكم الشرعي الذي قد عرف الناس حكمه ولم يعلموا عن ثبوته فهو داخل في هذا النوع ) [الأجوبة النافعة:326 - 327]

 

وكان رحمه الله على صعيد التأليف حريصاً على هذا المجال يقول - رحمه الله: ( ولي مدة طويلة وأنا أجمع مجموعاً لشيخ الإسلام ابن تيمية وهو القواعد، وذلك إذ قد عرفت عناية الشيخ - رحمه الله - في القواعد والأصول والضوابط، فكنت أتتبع كتبه كلها منذ وقت، فكلما مر علي قاعدة أو أصل أو ضابط أكتبه بعبارته من غير تغيير.

 

وقد يسر الله تمامه في هذه الأيام، وبلغ قريب كتابه الخلاصة أو يزيد، لعل الله أن ييسر نقله والظاهر أنه يصير أنفس مجموع لأهل العلم والتحصيل؛ لأن فيه قواعد أصولية في أصول الدين وفي أصول الفقه، وفي أصول الأحكام، وفي أصول الأخلاق، وفي أصل الرد على المبطلين.

 

وكل أصل مر عليَّ في كتب شيخ الإسلام أثبته بحسب الاجتهاد، وكملته بتكميل من الأصول التي في كتب ابن القيم لم يذكرها الشيخ، فبلغ الجميع ما يزيد على ألف ما بين أصل وقاعدة وضابط.

 

ولكنه - كم ذكرت لك - فائدته العظيمة لأهل العلم والتحصيل، أما جمهور الناس فربما كان غيره أنفع لهم منه ) [الأجوبة النافعة:273-274].

 

المعلم الثاني: الموازنة بين المصالح والمفاسد:

فذوو الرسوخ من أهل العلم يقدرون كل عمل بقدره في الشريعة، ويعرفون سنة الله في خلقه بتفاوت الأعمال حسناً وقبحاً بحسب تفاوت مراتبها صلاحاً وفساداً. [انظر: ابن تيمية: الفتاوى:33 /233].

 

ويعلمون أنه على رتب المصالح تترتب الفضائل في الدنيا والأجور في العقبى، وعلى رتب المفاسد تترتب الصغائر والكبائر وعقوبات الدنيا والآخرة[ العز بن عبد السلام: قواعد الأحكام:1 /24]

 

والشيخ رحمه الله له منهجه الجاري على سنن أهل العلم في ذلك، وله كلام كثير في ذلك، وتطبيقات عديدة، لكني أذكر هنا كلاماً له - رحمه الله - في التعليق على كتاب صدر لأحد العلماء، وفيه الفتوى بمسألة مخالفة لما عليه الناس في ذلك الزمان.

 

يقول - رحمه الله -:( فأنت إذا وازنت بين استدلال صاحب الرسالة واستدلال الجمهور رأيتها متقاربة إن لم تقل: تكاد أدلته ترجح.

 

ولكن الكلام في المناظرة والمذاكرة و والتعلم التعليم له حال، وهو النظر إلى الأدلة والترجيح بقطع النظر عن الأمور الأخر.

 

والكلام في الفتوى كما تراعى فيه الترجيح فيراعى أيضاً فيه حالة الوقت وعمل الناس ومراعاة المصالح والمفاسد.

 

فلو أن صاحب الرسالة لم يفت وينشر فتواه التي رجحها واعتقدها لكان أولى فيما يظهر لي، وذلك لأنه حصل فيها ضجة كبيرة لم تسفر إلا عن نوع اعتراضات كثيرة، وأمور تقع في القلوب وخوض العالم وغير العالم، ومخالفة الرأي العام في الفتوى، وكون فتواه مع ذلك - فيما يظهر - لا يكون لها عمل إلا في أفراد من الناس.

 

فالفتوى يتعين على المفتي أن يراعي فيها جميع النواحي، فكم توقف كثير من أهل العلم عن الإفتاء فيما يعتقدون لأغراض من جنس ما ذكرته ) [الأجوبة النافعة:334-335].

 

ومن اعتباره للمصالح قوله في إجابة على سؤال: هل يجوز شق بطن الميتة لإخراج الحمل الحي.

 

يقول:( يجوز للمصلحة، وعدم المفسدة، وذلك لا يعد مثلة، ولقد سئلت عن امرأة ماتت وفي بطنها ولد حي، هل يشق بطنها ويخرج، أم لا؟


فأجبت: قد علم ما قاله الأصحاب رحمهم الله، وهو أنهم قالوا: فإن ماتت حامل وفي بطنها ولد حي، حرم شق بطنها، وأخرجه النساء بالمعالجات وإدخال اليد على الجنين ممن ترجى حياته، فإن تعذر، لم تدفن حتى يموت ما في بطنها، وإن خرج بعضه حيا، شق للباقي، فهذا كلام الفقهاء بناء على أن ذلك مثلة بالميتة، والأصل تحريم التمثيل بالميت، إلا إذا عارض ذلك مصلحة قوية متحققة، يعني إذا خرج بعضه حيا، فإنه يشق للباقي، لما فيه من مصلحة المولود، ولما يترتب على عدم الشق في هذه الحالة من مفسدة موته، والحي يراعى أكثر مما يراعى الميت، لكن في هذه الأوقات الأخيرة حين ترقى فن الجراحة، صار شق البطن أو شيء من البدن لا يعد مثلة، فيفعلونه بالأحياء برضاهم ورغبتهم بالمعالجات المتنوعة، فيغلب على الظن أن الفقهاء لو شاهدوا هذه الحال، لحكموا بجواز شق بطن الحامل بمولود حي وإخراجه، وخصوصا إذا انتهى الحمل، وعلم أو غلب على الظن سلامة المولود، وتعليلهم بالمثلة يدل على هذا، ومما يدل على جواز شق البطن وإخراج الجنين الحي أنه إذا تعارضت المصالح والمفاسد، قدم أعلى المصلحتين، وارتكب أهون المفسدتين وذلك أن سلامة البطن من الشق مصلحة، وسلامة الولد ووجوده حيا مصلحة أكبر وأيضا فشق البطن مفسدة، وترك المولود الحي يختنق في بطنها حتى يموت مفسدة أكبر، فصار الشق أهون المفسدتين، ثم نعود فنقول: الشق في هذه الأوقات صار لا يعتبره الناس معلة ولا مفسدة، فلم يبق شيء يعارض إخراجه بالكلية، والله أعلم )[ الفتاوى السعدية:183-184]

 

المعلم الثالث: حسن التصور للمسائل حتى لو كانت جديدة:

ولا أجد أبلغ من كلام الشيخ نفسه- رحمه الله- في الإجابة عن سؤال هل يجوز أخذ جزء من جسد الإنسان وتركيبه في إنسان آخر مضطر إليه برضى من أخذ منه؟

 

قال -رحمه الله-:( جميع المسائل التي تحدث في كل وقت، سواء حدثت أجناسها أو أفرادها، يجب أن تتصور قبل كل شيء، فإذا عرفت حقيقتها، وشخصت صفاتها، وتصورها الإنسان تصورا تاما بذاتها ومقدماتها ونتائجها، طبقت على نصوص الشرع وأصوله الكلية، فإن الشرع يحل جميع المشكلات، مشكلات الجماعات والأفراد، ويحل المسائل الكلية والجزئية، يحلها حلا مرضيا للعقول الصحيحة، والفطر المستقيمة، ويشترط أن ينظر فيه البصير من جميع نواحيه وجوانبه الواقعية والشرعية، فنحن في هذه المسألة قبل كل شيء نقف على الحياد حتى يتضح لنا اتضاحاً تاماً للجزم بأحد القولين، فنقول: من الناس من يقول: هذه الأشياء لا تجوز، لأن الأصل أن الإنسان ليس له التصرف في بدنه بإتلاف أو قطع شيء منه أو التمثيل به، لأنه أمانة عنده لله، ولهذا قال تعالى: ﴿ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ﴾ [البقرة: 195] والمسلم على المسلم حرام، دمه، وماله وعرضه.

 

أما المال، فإنه يباح بإباحة صاحبه، وبالأسباب التي جعلها الشارع وسيلة لإباحة التملكات.

 

وأما الدم، فلا يباح بوجه من الوجوه، ولو أباحه صاحبه لغيره، سواء كان نفسا أو عضوا أو دما أو غيره، إلا على وجه القصاص بشروطه أو في الحالة التي أباحها الشارع، وهي أمور معروفة ليس منها هذا المسئول عنه.

 

ثم إن ما زعموه من المصالح للغير معارض بالمضرة اللاحقة لمن قطع منه ذلك الجزء، فكم من إنسان تلف أو مرض بهذا العمل، ويؤيد هذا قول الفقهاء: من ماتت وهي حامل بحمل حي، لم يحل شق بطنها لإخراجه ولو غلب على الظن أو لو تيقنا خروجه حيا، إلا إذا خرج بعضه حيا، فيشق للباقي، فإذا كان هذا في الميتة، فكيف حال الحي؟ فالمؤمن بدنه محترم حيا وميتا، ويؤخذ هذا أيضا أن الدم نجس خبيث، وكل نجس خبيث، لا يحل التداوي به، مع ما يخشى عند أخذ دم الإنسان من هلاك أو مرض، فهذا من حجج هذا القول.

 

ومن الناس من يقول: لا بأس بذلك، لأننا إذا طبقنا هذه المسألة على الأصل العظيم المحيط الشرعي، صارت من أوائل ما يدخل فيه، وأن ذلك مباح، بل ربما يكون مستحبا، وذلك أن الأصل إذا تعارضت المصالح والمفاسد، والمنافع والمضار، فإن رجحت المفاسد وتكافأت، منع منه، وصار درء المفاسد في هذه الحال أولى من جلب المصالح، وإن رجحت المصالح والمنافع على المفاسد والمضار، اتبع المصالح الراجحة، وهذه المذكورات مصالحها عظيمة معروفة، ومضارها إذا قدرت، فهي جزئية يسيرة منغمرة في المصالح المتنوعة.

 

ويؤيد هذا أن حجة القول الأول، وهي أن الأصل أن بدن الإنسان محترم لا يباح بالإباحة، متى اعتبرنا فيه هذا الأصل، فإنه يباح كثير من ذلك للمصلحة الكثيرة المنغمرة في المفسدة بفقد ذلك العضو أو التمثيل به، فإنه يباح لمن وقعت فيه الأكلة التي يخشى أن ترعى بقية بدنه، يجوز قطع العضو المتآكل لسلامة الباقي، وكذلك يجوز قطع الضلع التي لا خطر في قطعها، ويجوز التمثيل في البدن لشق البطن أو غيره، للتمكن من علاج المرض، ويجوز قلع الضرس ونحوه عند التألم الكثير، وأمور كثيرة من هذا النوع أبيحت لما يترتب عليها من حصول مصلحة، أو دفع مضرة.

 

وأيضا فإن كثيرا من هذه الأمور المسئول عنها، يترتب عليها المصالح من دون ضرر يحدث، فما كان كذلك، فإن الشارع لا يحرمه، وقد نبه الله تعالى على هذا الأصل في عدة مواضع من كتابه، ومنه قوله عن الخمر والميسر: ﴿ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا ﴾ [البقرة: 219] فمفهوم الآية أن ما كانت منافعه ومصالحه أكثر من مفاسده وإثمه، فإن الله لا يحرمه، ولا يمنعه، وأيضا فإن مهرة الأطباء المعتبرين متى قرروا تقريرا متفقا عليه، أنه لا ضرر على المأخوذ من جسده ذلك الجزء، وعرفنا ما يحصل من ذلك من مصلحة الغير، كانت مصلحة محضة خالية من المفسدة، وإن كان كثير من أهل العلم يجوزون، بل يستحسنون إيثار الإنسان غيره على نفسه بطعام أو شراب هو أحق به منه ولو تضمن ذلك تلفه أو مرضه ونحو ذلك، فكيف بالإيثار بجزء من بدنه لنفع أخيه النفع العظيم من غير خطر تلف، بل ولا مرض، وربما كان في ذلك نفع له إذا كان المؤثر قريبا أو صديقا خاصا، أو صاحب حق كبير، أو أخذ عليه نفعا دنيويا ينفعه، أو ينفع من بعده.

 

ويؤيد هذا أن كثيرا من الفتاوى تتغير بتغير الأزمان والأحوال والتطورات، وخصوصا الأمور التي ترجع إلى المنافع والمضار. ومن المعلوم أن ترقي الطب الحديث، له أثره الأكبر في هذه الأمور، كما هو معلوم مشاهد، والشارع أخبر بأنه ما من داء إلا وله شفاء، وأمر بالتداوي، خصوصا وعموما، فإذا تعين الدواء وحصول المنفعة بأخذ جزء من هذا، ووضعه في الآخر من غير ضرر يلحق المأخوذ منه، فهو داخل فيما أباحه الشارع، وإن كان قبل ذلك وقبل ارتقاء الطب فيه ضرر أو خطر، فيراعى كل وقت بحسبه، ولهذا نجيب عن كلام أهل العلم القائلين بأن الأصل في أجزاء الآدمي تحريم أخذها، وتحريم التمثيل بها، فيقال: هذا يوم كان ذلك خطرا أو ضررا، أو ربما أدى إلى الهلاك، وذلك أيضا في الحالة التي ينتهك فيها بدن الآدمي وتنتهك حرمته، فأما في هذا الوقت، فالأمران مفقودان: الضرر مفقود، وانتهاك الحرمة مفقود، فإن الإنسان قد رضي كل الرضى بذلك، واختاره مطمئنا مختارا، لا ضرر عليه، ولا يسقط شيء من حرمته، والشارع إنما أمر باحترام الآدمي تشريفا له وتكريما والحالة الحاضرة غير الحالة الغابرة.

 

ونحن إنما أجزنا ذلك إذا كان المتولي طبيبا ماهرا، وقد وجدت تجارب عديدة للنفع وعدم الضرر، فبهذا يزول المحذور.

 

ومما يؤيد ذلك ما قاله غير واحد من أهل العلم، منهم شيخ الإسلام ابن تيمية، وابن القيم: إنه إذا أشكل عليك شيء، هل هو حلال، أو حرام، أو مأمور به، أو منهي عنه؟ فانظر إلى أسبابه الموجبة، وآثاره ونتائجه الحاصلة، فإذا كانت منافع ومصالح وخيرات وثمراتها طيبة، كان من قسم المباح أو المأمور به، إذا كان بالعكس، كانت بعكس ذلك، طبق هذه المسألة على هذا الأصل، وانظر أسبابها وثمراتها، تجدها أسبابا لا محذور فيها، وثمراتها خير الثمرات، وإذا قال الأولون: أما ثمرتها، فنحن نوافق عليها، ولا يمكننا إلا الاعتراف بها، ولكن الأسباب محرمة كما ذكرنا في أن الأصل في أجزاء الآدمي التحريم، وأن استعمال الدم استعمال للدواء الخبيث، فقد أجبنا عن ذلك بأن العلة في تحريم الأجزاء إقامة حرمة الآدمي ودفع الانتهاك الفظيع، وهذا مفقود هنا، وأما الدم، فليس عنه جواب، إلا أن نقول: إن مفسدته تنغمر في مصالحه الكثيرة، وأيضا ربما ندعي أن هذا الدم الذي ينقل من بدن إلى آخر، ليس من جنس الدم الخارج الخبيث المطلوب اجتنابه والبعد عنه، وإنما هذا الدم هو روح الإنسان وقوته وغذاؤه، فهو بمنزلة الأجزاء أو دونها، ولم يخرجه الإنسان رغبة عنه، وإنما هو إيثار لغيره، وبذل من قوته لقوة غيره، وبهذا يخف خبثه في ذاته وتلطفه في آثاره الحميدة، ولهذا حرم الله الدم المسفوح، وجعله خبيثا، فيدل على أن الدماء في اللحم والعروق وفي معدنها قبل بروزها ليست محكوما عليها بالتحريم والخبث.

 

فقال الأولون: هذا من الدم المسفوح، فإنه لا فرق بين استخراجه بسكين أو إبرة أو غيرها، أو ينجرح الجسد من نفسه، فيخرج الدم، فكل ذلك دم مسفوح محرم خبيث، فكيف تجيزونه ولا فرق بين سفحه لقتل الإنسان أو الحيوان، أو سفحه لأكل، أو سفحه للتداوي به؟

 

فمن فرق بين هذه الأمور فعليه الدليل.

 

فقال هؤلاء المجيزون: هب أنا عجزنا عن الجواب عن حل الدم المذكور، فقد ذكرنا لكم عن أصول الشريعة ومصالحها ما يدل على إباحة أخذ جزء من أجزاء الإنسان لإصلاح غيره إذا لم يكن فيه ضرر، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ( المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا ) و( مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كالجسد الواحد ).

 

فعموم هذا يدل على هذه المسألة، وأن ذلك جائز. فإذا قلتم: إن هذا في التوادد والتراحم والتعاطف كما ذكره النبي - صلى الله عليه وسلم- لا في وصل أعضائه بأعضائه. قلنا: إذا لم يكن ضرر، ولأخيه فيه نفع، فما الذي يخرجه من هذا؟ وهل هذا إلا فرد من أفراده، كما أنه داخل في الإيثار، وإذا كان من أعظم خصال العبد الحميدة مدافعته عن نفس أخيه وماله ولو حصل عليه ضرر في بدنه أو ماله، فهذه المسألة من باب أولى وأحرى، وكذلك من فضائله تحصيل مصالح أخيه وإن طالت المشقة، وعظمت الشقة، فهذه كذلك وأولى.

 

ونهاية الأمر أن هذا الضرر غير موجود في هذا الزمن، فحيث انتقلت الحال إلى ضدها، وزال الضرر والخطر، فلم لا يجوز؟!

 

ويختلف الحكم فيه لاختلاف العلة، ويلاحظ أيضا في هذه الأوقات التسهيل، ومجاراة الأحوال، إذا لم تخالف نصا شرعيا، لأن أكثر الناس لا يستفتون ولا يبالون، وكثير ممن يستفتي إذا أفتي بخلاف رغبته وهواه، تركه ولم يلتزمه، فالتسهيل عند تكافؤ الأقوال، يحفف الشر، ويوجب أن يتماسك الناس بعض التماسك، لضعف الإيمان، وعدم الرغبة في الخير، كما يلاحظ أيضا أن العرف عند الناس أن الدين الإسلامي لا يقف حاجزا دون المصالح الخالصة أو الراجحة، بل يجاري الأحوال والأزمان، ويتتبع المنافع والمصالح الكلية والجزئية، فإن الملحدين يموهون على الجهال، أن الدين الإسلامي لا يصلح لمجاراة الأحوال والتطورات الحديثة، وهم في ذلك مفترون، فإن الدين الإسلامي به الصلاح المطلق من كل وجه الكلي والجزئي، وهو حلال لكل مشكلة خاصة أو عامة وغير قاصر من جميع الوجوه ) [الفتاوى السعدية:184- 189].

 

ولقد قال - رحمه الله- لتلميذه الشيخ عبد الله بن عقيل - حفظه الله-:( ولقد سرني ما شرحت من اعتنائك في القضايا في فهم الواقع والحال التي تقع عليها الدعاوى، ثم إذا تصورتها حسب القدرة، نزلتها على الواجب، وهو الحكم الشرعي، فبهذه الأمور يتم القضاء.

 

فتمام الأول: معرفة أحوال أهل بلدك، ومعرفة الأشخاص ومراتبهم في الخير، والشر، ومعرفة قرائن الأحوال المحتفة في القضايا المعينة، ولذلك كان سعي القاضي في البحث عن أحوال الناس والماجريات لهذا القصد، من العبادات في حقه إذا كان مضطراً إليها.

 

وتمام الثاني: المعرفة التامة بالأمور الشرعية الكلية وتحقيقها وتحققها وإطباقها على القضايا، وتمام هذا معرفة الأمور الكلية في القضاء، البينة على المدعي واليمين على من أنكر، وعند معارضات الأمور تقديم الأصول والظواهر والقرائن والمرجحات، ثم معرفة الأحكام الشرعية، حكماً حكماً على وجه التفصيل تحريراً وتصويراً واستدلالاً، فإذا جعل الإنسان همه الكلي والجزئي في ذلك واستعان الله وأخلص العمل، أعانه الله ويسر له كل عسير ) [الأجوبة النافعة:65-66]

 

المعلم الرابع:الجمع بين الغيرة على الحق والرحمة للخلق:

فهو لم يلزم الناس بالحق قاطعاً النظر عن أحوالهم، ولم يجعل نظره في أحوالهم وضعفهم سبباً في أن يجعلهم متفلتين من أحكام الله.

 

فهو عند بيان الحق - رحمه الله- تراه صريحاً واضحاً وضوح الشمس.

 

وقد أفتى بفتوى طويلة مفصلة في تحريم الدخان فقال- رحمه الله-: ( أما الدخان شربه والاتجار به والإعانة على ذلك فهو حرام لا يحل لمسلم تعاطيه شربا واستعمالا واتجارا، وعلى من كان يتعاطاه أن يتوب إلى الله توبة نصوحا، كما يجب عليه أن يتوب من جميع الذنوب، وذلك أنه داخل في عموم النصوص الدالة على التحريم، داخل في لفظها العام وفي معناها، وذلك لمضاره الدينية والبدنية والمالية التي يكفي بعضها في الحكم بتحريمه، فكيف إذا اجتمعت.

 

أما مضاره الدينية ودلالة النصوص على منعه وتحريمه فمن وجوه كثيرة.

 

منها قوله تعالى: ﴿ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ ﴾ [الأعراف: 157]. وقوله تعالى: ﴿ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ﴾ [البقرة: 195]. وقوله: ﴿ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا ﴾ [النساء: 29].

 

فهذه الآيات وما أشبهها حرم الله بها كل خبيث أو ضار، فكل ما يستخبث أو يضر فإنه لا يحل، والخبث والضرر يعرف بآثاره وما يترتب عليه من المفاسد، فهذا الدخان له مفاسد وأضرار كثيرة محسوسة كل أحد يعرفها، وأهله من أعرف الناس بها، ولكن إراداتهم ضعيفة، ونفوسهم تغلبهم مع شعورهم بالضرر.

 

وقد قال العلماء: يحرم كل طعام وشراب فيه مضرة. ومن مضاره الدينية أنه يثقل على العبد العبادات والقيام بالمأمورات خصوصا الصيام، وما كره العبد للخير فإنه شر وكذلك يدعو إلى مخالطة الأراذل ويزهد في مجالس الأخيار كما هو مشاهد، وهذا من أعظم النقائص أن يكون العبد مؤالفاً للأشرار متباعداً عن الأخيار، ويترتب على ذلك العداوة لأهل الخير والبغض لهم، والقدح فيهم والزهد في طريقهم، ومتى ابتلي به الصغار والشباب سقطوا بالمرة ودخلوا في مداخل قبيحة، وكان ذلك عنوانا على سقوط أخلاقهم فهو باب لشرور كثيرة فضلا عن ضرره الذاتي.

 

وأما أضراره البدنية فكثيرة جداً، فإنه يوهي القوة ويضعفها ويضعف البصر وله سريان ونفوذ في البدن والعروق فيوهن القوى ويمنع الانتفاع الكلي بالغذاء، ومتى اجتمع الأمران اشتد الخطر وعظم البلاء، ومنها إضعاف القلب واضطراب الأعصاب وفقد شهية الطعام.

 

ومنها السعال والنزلات الشديدة التي ربما أدت إلى الاختناق وضيق التنفس، فكم له من قتيل أو مشرف على الهلاك، وقد قرر غير واحد من الأطباء المعتبرين أن لشرب الدخان الأثر الأكبر في الأمراض الصدرية، وهي السل وتوابعه، وله أثر محسوس في مرض السرطان، وهذه من أخطر الأمراض وأصعبها.

 

فيا عجباً لعاقل حريص على حفظ صحته وهو مقيم على شربه مع مشاهدة هذه الأضرار أو بعضها، فكم تلف بسببه خلق كثير، وكم تعرض منهم لأكثر من ذلك، وكم قويت بسببه الأمراض البسيطة حتى عظمت وعز على الأطباء دواؤها، وكم أسرع بصاحبه إلى الانحطاط السريع من قوته وصحته.

 

ومن العجب أن كثيرا من الناس يتقيدون بإرشادات الأطباء في الأمور التي هي دون ذلك بكثير، فكيف يتهاونون بهذا الأمر الخطير، ذلك لغلبة الهوى واستيلاء النفس على إرادة الإنسان وضعف إرادته عن مقاومتها وتقديم العادات على ما تعلم مضرته. ولا تستغرب حالة كثير من الأطباء الذين يدخنون وهم يعترفون بلسان حالهم أو لسان مقالهم بمضرته الطبية، فإن العادات تسيطر على عقل صاحبها وعلى إرادته، ويشعر كثيرا أو أحيانا بالمضرة وهو مقيم على ما يضره.

 

( وهذه المضار التي أشرنا إليها إشارة مع ما فيه تسويد الفم والشفتين والأسنان وسرعة بلائها وتحطمها وتآكلها بالسوس وانهيار الفم والبلعوم ومداخل الطعام والشراب حتى يجعلها كاللحم المنهار المحترق تتألم مما لا يتألم منه ).

 

وكثير من أمراض الالتهابات ناشئة عنه ومن تتبع مضاره وجدها أكثر مما ذكرنا.

 

وأما مضاره المالية فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن إضاعة المال، وأي إضاعة أبلغ من حرقه في هذا الدخان الذي لا يسمن ولا يغني من جوع، ولا نفع فيه بوجه من الوجوه، حتى إن كثيرا من المنهمكين فيه يغرمون الأموال الكثيرة وربما تركوا ما يجب عليهم من النفقات الواجبة، وهذا انحراف عظيم، وضرر جسيم فصرف المال في الأمور التي لا نفع فيها منهي عنه، فكيف بصرفه بشيء محقق ضرره.

 

ولما كان الدخان بهذه المثابة مضر بالدين والبدن والمال، كانت التجارة فيه محرمة، وتجارته بائرة غير رابحة، وقد شاهد الناس أن كل متجر فيه وإن استدرج ونما ماله في وقت ما فإنه يبتلى بالقلة في آخر أمره ويكون عواقبه وخيمة.

 

ثم إن النجديين ولله الحمد جميع علمائهم متفقون على تحريمه ومنعه، والعوام تبع للعلماء فلا يسوغ ولا يحل للعوام أن يتبعوا الهوى ويتأولوا ويتعللوا أنه يوجد من علماء الأمصار من يحلله ولا يحرمه، فإن هذا التأويل من العوام لا يحل باتفاق العلماء، فإن العوام تبع لعلمائهم ليسوا مستقلين وليس لهم أن يخرجوا عن أقوال علمائهم وهذا واجبهم كما قال تعالى: ﴿ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [النحل: 43].

 

وما نظير هذا التأويل الفاسد الجاري على ألسنة بعض العوام اتباعا للهوى لا اتباعا للحق والهدى إلا كما لو قال بعضهم يوجد بعض علماء الأمصار لا يوجبون الطمأنينة في الصلاة فلا تنكروا علينا إذ اتبعناهم، أو يوجد من يبيح ربا الفضل فلنا أن نتبعهم، أو يوجد من لا يحرم أكل ذوات المخالب من الطير فلنا أن نتبعهم ولو فتح هذا الباب فتح على الناس شر كبير وصار سببا لانحلال العوام عن دينهم وكل أحد يعرف أن تتبع مثل هذه الأقوال - المخالفة لما دلت عليه الأدلة الشرعية ولما عليه أهل العلم - من الأمور التي لا تحل ولا تجوز.

 

والميزان الحقيقي هو: ما دلت عليه أصول الشرع وقواعده وقد دلت على تحريم الدخان لما يترتب عليه من المفاسد والمضار المتنوعة وكل أمر فيه ضرر على العبد في دينه أو بدنه أو ماله من غير نفع فهو محرم: فكيف إذا تنوعت المفاسد وتجمعت، أليس من المتعين شرعا وعقلا وطبا تركه والتحذير منه ونصيحة من يقبل النصيحة؟ فالواجب على من نصح نفسه وصار لها عنده قدر وقيمة أن يتوب إلى الله عن شربه ويعزم عزما جازما مقرونا بالاستعانة بالله لا تردد فيه ولا ضعف عزيمة، فإن من فعل ذلك أعانه الله على تركه وهون عليه ذلك.

 

ومما يهون عليه الأمران يعرف من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه، وكما أن ثواب الطاعة الشاقة أعظم مما لا مشقة فيه، فكذلك ثواب تارك معصية إذا شق عليه الأمر وصعب أعظم أجرا وأعظم ثوابا فمن وفقه الله وأعانه على ترك الدخان فإنه يجد المشقة في أول الأمر ثم لا يزال يسلو شيئا فشيئا حتى يتم الله نعمته عليه فيغتبط بفضل الله عليه وحفظه وإعانته وينصح إخوانه بما ينصح به نفسه والتوفيق بيد الله، ومن علم الله من قلبه صدق النية في طلب ما عنده بفعل المأمورات وترك المحظورات يسره لليسرى وجنبه العسرى وسهل له طرق الخير كلها، فنسأل الله أن يأخذ بنواصينا إلى الخير وأن يحفظنا من الشر إنه جواد كريم رءوف رحيم ) [الفتاوى السعدية:552-555].

 

وهو في تعامله مع المدخنين لم يكن عنيفاً غليظاً، بل يتلطف بهم رجاء تركهم لهذا العمل الذي قال عنه: ( حرام لا يحل لمسلم تعاطيه شرباً واستعمالاً واتجاراً، وعلى من كان يتعاطاه أن يتوب إلى الله توبة نصوحاً ).

♦ ♦ ♦

 

وفي الجملة فملامح منهج الشيخ في تعامله مع المستجدات والنوازل أوسع من أن يحصر الكلام فيه بوقت كهذا.

 

وأدعو طلبة العلم لقراءة فتاوى الشيخ ورسائله الموجهة لبعض تلاميذه.

وأحسب أن من قرأها سيكتسب فقهاً من فقه العلم. وفقه النفس، وفقه القول يستقيم به.

أسأل الله أن يعظم للشيخ الأجر والثواب، وأن يلحقنا به في الصالحين.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.



[1] استفدت في ذكر هذه المعالم من رسالة فضيلة الدكتور: خالد بن عبد الله المزيني: الفتيا المعاصرة ص711 وما بعدها، وهي رسالة نال بها درجة الدكتوراه بتميز.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • حول فقه النوازل

مختارات من الشبكة

  • فقه النوازل عند ابن سعدي رحمه الله - ندوة الشيخ ابن عقيل(مادة مرئية - موقع الشيخ الدكتور عبدالرحمن بن معلا اللويحق)
  • شرح صفوة أصول الفقه لابن سعدي(محاضرة - موقع الشيخ عبدالله بن حمود الفريح)
  • صفوة أصول الفقه المنتخبة من مختصر التحرير لابن سعدي(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • صفوة أصول الفقه المنتخبة من مختصر التحرير لابن سعدي(كتاب - موقع الشيخ عبدالله بن عبدالعزيز بن عقيل العقيل)
  • شرح توحيد الأنبياء من نونية ابن القيم لابن سعدي(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • شرح تحفة أهل الطلب في اختصار قواعد ابن رجب لإبن سعدي(محاضرة - موقع الشيخ عبدالمحسن بن عبدالله الزامل)
  • معالم من السياسة الشرعية عند العلامة ابن سعدي رحمه الله (PDF)(كتاب - موقع د. صغير بن محمد الصغير)
  • الفوائد المستنبطة من القصص القرآنية من تفسير الشيخ ابن سعدي رحمه الله (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • معالم في ترجمة ابن سعدي رحمه الله(مقالة - موقع الشيخ الدكتور عبدالرحمن بن معلا اللويحق)
  • شرح كتاب الصيام لابن سعدي(مادة مرئية - موقع موقع الأستاذ الدكتور سعد بن عبدالله الحميد)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 16:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب