• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات   بحوث ودراسات   إبهاج المسلم بشرح صحيح مسلم   الدر الثمين   سلسلة 10 أحكام مختصرة   فوائد شرح الأربعين   كتب   صوتيات   مواد مترجمة  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    10 مسائل مهمة ومختصرة في: شهر الله المحرم
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    10 مسائل مهمة ومختصرة في الأضحية (PDF)
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    10 مسائل مهمة ومختصرة في 10 ذي الحجة (PDF)
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    الدعاء لمن أتى بصدقة
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    حديث: صدقة لم يأكل منها
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    حديث: هو لها صدقة، ولنا هدية
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    باب: (ترك استعمال آل النبي على الصدقة)
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    حديث: «كخ كخ، ارم بها، أما علمت أنا لا نأكل ...
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    شرح حديث: سيخرج في آخر الزمان قوم أحداث الأسنان ...
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    التعريف بالخوارج وصفاتهم
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    حديث: ألا تأمنوني؟ وأنا أمين من في السماء
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    إعطاء المؤلفة قلوبهم على الإسلام وتصبر من قوي ...
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    إعطاء المؤلفة قلوبهم على الإسلام وتصبر من قوي ...
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    إعطاء المؤلفة قلوبهم من الزكاة
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    باب: (إعطاء من سأل بفحش وغلظة) (2)
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    باب: (إعطاء من سأل بفحش وغلظة) (1)
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
شبكة الألوكة / المواقع الشخصية / مواقع المشايخ والعلماء / الشيخ عبدالرحمن بن محمد الدوسري / تفسير القرآن العظيم
علامة باركود

تفسير سورة البقرة .. الآية (284)

تفسير سورة البقرة .. الآية (284)
الشيخ عبدالرحمن بن محمد الدوسري

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 5/8/2014 ميلادي - 8/10/1435 هجري

الزيارات: 35275

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

تفسير سورة البقرة .. الآية (284)


قال تعالى: ﴿ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [284].


هذه الآية الكريمة لها معان جليلة القدر، فيها بعض مهمات التوحيد والجزاء شاء الله أن يختم بها وأخواتها سورة البقرة، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنها أنزلت عليه من كنز تحت العرش [1]، كما ورد أن الله أعطاه ما تضمنته من السؤال الذي هو محض ضراعة الأبرار، ومن لاحظ نظم القرآن وجد لها ارتباطاً قوياً بآيتي الدين، ووجد فيها تأكيداً لإحاطة علمه سبحانه بكل شيء.


فأول معانيها: تقرير علمه المحيط بكل شيء، لأن من كان مالكاً لكل شيء وله جميع الكائنات العلوية والسفلية فهو عليم بها وبما يحدث عليها، وهذا كقوله: ﴿ أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ﴾ [الملك: 14].


وثاني معانيها: استغناؤه عن الولد، فإن الذي له ملك السماوات والأرض وما بينهما لا يحتاج إلى ولد، فلهذا شنع أعظم التشنيع على القائلين بأن له ولداً وفي هذه الجملة من هذه الآية رد على القائلين بذلك وعلى القائلين بالشركة في الملك أو الربوية فلله الملك جميعه ﴿ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ ﴾ [فاطر: 13]، ﴿ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ ﴾ [سبأ: 22].


فهو الملك الوحيد لذلك جميعاً، فليس هناك إله خير وإله شر، ولا إله نور وإله ظلمة، كما يزعمه المجوس والمانوية، بل هو الإله الواحد القهار، وهو الغني سبحانه عن أن يكون له نسب من خلقه أو بنات كما يزعمه المشركون الذين جعلوا بينه وبين الجنة نسباً وجعلوا الملائكة بنات الرحمن.


وقد شنع الله عليهم في رده في سور النحل والصافات والزخرف، وأوضح أنهم: ﴿ وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ مَا يَكْرَهُونَ وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنَى لَا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ ﴾. كما في الآية [62] من سورة النحل، وفي الآيات: ﴿ فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَنَاتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ * أَمْ خَلَقْنَا الْمَلَائِكَةَ إِنَاثًا وَهُمْ شَاهِدُونَ * أَلَا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ * وَلَدَ اللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ * أَصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ﴾ [الصافات: 149- 154]. وفي الآيات من سورة الزخرف: ﴿ وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَكَفُورٌ مُبِينٌ * أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ وَأَصْفَاكُمْ بِالْبَنِينَ * وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مَثَلًا ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ * أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ * وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ ﴾ [الزخرف: 15- 19].


والله الذي له ما في السماوات وما في الأرض كيف يختار ما يستقبحه المشركون من خلقه؟ لهذا كرر وأعاد الرد عليهم في تلك السور.


وقد سلك مسلك التنويع في هذه السور ليقرر أن له المثل الأعلى في كل شيء.


رابعها: إخباره سبحانه عن علمه بخبايا النفوس ومحاسبته عليها، فكأنه سبحانه يقول: إنه يعلم ما تكنه نفس الدائن والمدين والكاتب والشاهد فما يضمره الدائن من استعمال العسف بالمدين حتى يبيع الرهن بثمن زهيد، وما يضمره المدين من اللعب على الدائن بالمماطلة ودعوى الإفلاس التي يطول بها أجل الدين، وما يفعله الكاتب من كتابة كلمات مجملة أو تعبير ناقص لا يضبط الحق لصاحبه عن مكر وسوء نية، وما يضمره الشهود أو بعضهم من كتمان الشهادة للإضرار بصاحب الحق ونفع المدين عن سوء قصد ونحو ذلك، فالله يحاسب عليه ولا يهمل منه شيئاً، وإن كل من تظاهر بالأمانة مع انطواء نفسه على ضدها إيهاماً للناس وتغليطاً ليأكل الأموال أو يضيع الحقوق فمكنون نفسه ظاهر عند الله ويحاسبه عليه، وقد ورد عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه، ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله))[2].


خامسها: قوله سبحانه: ﴿ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ ﴾ يعني الأشياء الثابتة في أنفسكم وهي منشأ صدور أعمالكم، وليس هذا خاصاً في الأمور الاقتصادية كما ذكرت بعض أمثالها، وإنما هو عام في الأمور السياسية والاجتماعية كالحقد والحسد وألفة المنكر التي تدعو إلى السكوت عليه، فإن السكوت عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أمر فظيع يستنزل غضب الله ونقمته على الأمة، وليس هو مجرد اتفاق للسكوت، وإنما هو باعتبار سببه في النفس وهو ألفة المنكر والأنس به فضلاً عن الاطمئنان إليه.


فإن للإنسان عملاً اختيارياً في نفسه هو الذي يحاسب عليه، وأما الخواطر والهواجس التي تأتي بغير إرادة الإنسان ولا يكون له فيها عمل فإنه لا يحاسب عليها حتى يمضي معها ويسترسل فيها، وحينئذ تكون عملاً يجازى عليه لأنه سايرها ولم يطردها بذكر الله والاستعاذة من الشيطان، فكسب القلب وعمله مما دل عليه الكتاب والسنة والإجماع، ومما يثبت الجزاء عليه سواء ظهر أثره على الجوارح أو لم يظهر.


فمثلاً: الحسد أوله خواطر في القلب ثم تتجسم إلى غبطة ثم يؤول أمرها إلى تمني زوال نعمة المحسود أو السعي في إزالتها لما يلتهب في القلب من نار الحسد، فهو يحاسب على هذه الأعمال القلبية وإن لم تتحرك بها الجارح، وكذلك الخواطر في المنكرات إذا تجسمت حتى يستحسنها صاحب القلب وإن لم يفعلها، لأن ذلك يدعوه إلى السكوت عن الإنكار، وهو ذنب عظيم وقع فيه بنو إسرائيل، لأن فظاعة المنكرات زالت من قلوبهم بالإنس بها من أول الأمر، ولا يدخل في هذا الوساوس التي لا تتمكن من قلب صاحبها فإن الوسوسة معفو عنها وكذلك الخواطر السابحة التي لم تتمكن في القلب، فإن الآية نص فيما هو ثابت بالنفس ومتمكن منها حتى يكون كالسجايا والملكات والعزائم القوية التي يترتب عليها العمل بأثرها فيها إذا انبعثت الجوارح وتركت مجاهدة النفس، وليست هذه الآية منسوخة كما زعمه بعض المولعين بالنسخ بل حكمها ثابت.


سادسها: إبداء ما في النفس هو إظهاره بالقول أو العمل، وأما إخفاؤه فهو ضد ذلك من كونه مكتوماً في الصدور، ولكن الإبداء والإخفاء سواء في اطلاع الله لكونه ﴿ وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى ﴾ [طه: 7]، ﴿ يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ ﴾ [غافر: 19].


فالمدار في مرضاة الله على تزكية النفس وطهارة السريرة لا على مجرد العمل.


سابعها: قوله سبحانه: ﴿ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ ﴾ معناه أنه بما له من الملك المطلق يغفر لمن يشاء مغفرته، ويعذب من يشاء عذابه، وليست مشيئته كمشيئته البشر مبنية على المحاباة والهوى لكونها عاطفية، فالله سبحانه يتنزه بمشيئته عن مشيئة خلقه، إذ مشيئته مبنية على الرحمة والعدل والحكمة وكمال العلم في الحال والاستقبال، فقد يعذب من يعلم أنه لو قدر على تنفيذ ما أخفاه في سريرته لنفذه، وقد يعاقب من يتحسر على عدم تحصيل ما أخفاه واستقر في نفسه من ملكة الشر، فمشيئة الله للعقوبة والمغفرة دارجة حسب علمه المحيط وحكمه العادل، وليست جزافاً، كما يتصوره الجهال الذين يمنون أنفسهم بالمغفرة مع إصرارهم وإقامتهم على أوزارها.


فما أبعد موقفهم من موقف صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم عند نزول هذه الآية، ونكتفي من الرد على هؤلاء الجهال بإحالتهم على قراءة الآية السادسة من سورة (المؤمن) كيف قيد الله فيها استغفار الملائكة للمؤمنين بقيود عظيمة، فليقرءوها وليتدبروها ليطردوا عنهم غرور الشيطان، فإن قوله سبحانه: ﴿ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ ﴾ يحمل من الإنذار والتخويف ما لا يحمل من الأمل عند العارفين.


ثامنها: أخرج الإمام أحمد ومسلم وأبو داود في ناسخه وغيرهم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: لما نزلت على رسول الله صلى الله: ﴿ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ ﴾. اشتد ذلك على الصحابة، فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم جثوا على الركب فقالوا: يا رسول اله كلفنا من الأعمال ما نطيق الصلاة والصوم والجهاد والصدقة. وقد أنزل الله هذه الآية ولا نطيقها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أتريدون أن تقولوا كما قال أهل الكتاب من قبلكم سمعنا وعصينا؟ بل قولوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير فلما اقترأها القوم وذلت بها ألسنتهم أنزل الله في أثرها ﴿ آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ ﴾ الآية)). فلما فعلوا ذلك نسخها الله فأنزل: ﴿ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ﴾ إلى آخر الآية[3]. ووردت أحاديث أخرى في ذلك.


وهذا يدل على كمال علم الصحابة وشدة خوفهم من الله ومن كان بالله أعرف كان منه أخوف فقد خشوا أن الله يحاسبهم على الوساوس والخطرات التي لم تستقر في النفوس وتكون عملاً، وهذا شيء لا يطاق فطمأنهم الله بقوله: ﴿ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ﴾ وليس في ذلك ما يعتبر نسخاً لعدة وجوه:

أحدها: أنه ليس في جميع الروايات أن النبي صرح بأن هذه الآية منسوخة وإنما غاية الأمر أن بعض الصحابة فهم نسخها، والروايات عنهم مختلفة، والقول بالنسخ ممنوع، ولا يصح من عدة وجوه:

أحدها: أن قول ﴿ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ ﴾ خبر والأخبار لا تنسخ كما هو مقرر في علم الأصول.


ثانيها: أن عمل القلب وكسبه مما دل الكتاب والسنة والإجماع على اعتباره وثبوته والجزاء عليه، سواء ظهر أثره على الجوارح أم لم يظهر، وهو ما دلت عليه الآية وغيرها من الآيات، كقوله تعالى: ﴿ وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا ﴾ [الإسراء: 36]، وقوله: ﴿ لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 225]، وقوله: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ ﴾ [النور: 19]. والحب من أعمال القلب الثابتة في النفس.


فالقول بنسخ هذه الآية إبطال للشريعة ونسخ للدين كله أو بإثبات لكونه ديناً جثمانياً مادياً ليس للأرواح والقلوب منه نصيب، فقوله تعالى: ﴿ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ ﴾ معناه ما ثبت واستقر في أنفسكم كما قدمناه يدخل فيه الكفر والأخلاق الراسخة والصفات الثابتة في القلب من الحب والبغض لغير الله وعلى خلاف مراده ومن الحب والبغض في الجور وكتمان الشهادة وقصد السوء وفساد النية أو سوء القصد وخبث السريرة.


وهذه الأعمال والصفات القلبية هي الأصل في الشقاوة وعليها مدار الحساب والجزاء، ولولا أن للأعمال البدنية آثاراً في النفس تزكيها أو تدسيها لما عاقب عليها في الآخرة أحداً، ولكن جعل أثره في النفس هو متعلق الجزاء وبهذا يتحقق عدم نسخ هذه الآية بعمومها، وإذا لم تنسخ كانت الآية بعدها مخصصة لعمومها ومخرجة منه الخواطر السانحة والوساوس العارضة، وحديث النفس الذي لا يصل إلى درجة القصد الثابت والتصميم والعزم الأكيد هذا ما تخوفه الصحابة، فجاءهم تطمين الله سبحانه بعدم تكليفهم ما لا يطاق، وبقول رسوله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تتكلم أو تعمل به))[4].


ثالثها: أن للعقول في النسخ وأسبابه أن يشرع حكم يوافق مصلحة المكلفين، ثم يأتي زمن أو تطرأ حال يكون ذلك الحكم مخالفاً للمصلحة، وكون ما في النفس يحاسب عليه الله هو من الحقائق الثابتة التي لا تختلف باختلاف الأزمنة والأحوال، فأصبح دعوى النسخ باطلاً.


رابعها: أن تكليف ما ليس في وسع الإنسان وطاقته محال لمنافاة الحكمة الإلهية والرحمة الربانية البالغة، فهو لم يقع أصلاً حتى يصح دعوى نسخه.


خامسها: أن الخواطر والوساوس العارضة وحديث النفس الذي لا يصل درجة القصد الثابت والعزم الأكيد لا يدخل في مفهوم هذه الآية لمن تمعنها وتدبرها كما قاله المحققون، لأنها وساوس وخواطر غير ثابتة ولا مستقرة في النفس. وقوله سبحانه: ﴿ فِي أَنْفُسِكُمْ ﴾ يفيد ما ثبت واستقر في النفوس من الحب والبغض الذي يحرك الجوارح ونحوهما من أعمال القلب وما فهمه بعض الصحابة رضي الله عنهم من دخول الخواطر والوساوس وأحاديث النفس فهم لشدة خوفهم من الله وقوة احتياطهم في حفظ إيمانهم وتزكية نفوسهم وطهارة قلوبهم، فأخبرهم مولاهم سبحانه بأنه لا يكلف نفساً إلا وسعها ولا يؤاخذهم إلا على ما كلفهم به من تزكية نفوسهم ومجاهدتها في الله حسب طاقتهم.


سادسها: ذكر النسخ في الحديث لا يعلم هل هو من قول الراوي أو من فهم الصحابي وكثيراً ما تروى الأحاديث بالمعنى على أن الرواية ليست من النص المرفوع، وكذلك رأي الصحابي ليس بحجة عند الجمهور خصوصاً إذا خالف النص، فلا يعتد بقول الراوي ولا الصحابي في دعوى النسخ مع ما تقدم من الدلائل القاطعة على عدم وقوعه بتاتاً، وأنه لا مجال له في معنى الآية وأن الذي يجري على الظواهر يعتبر ما بعدها تخصيصاً لها، لأنه يرفع بعضها لا كلها إن صح دخول الخطرات والوساوس العارضة في الموضوع.


ولكن المولعين بالتكثير من النسخ في القرآن على خلاف الحق والصواب يجعلون المخصص ناسخاً حتى ولو كان من السنة، كقضية حكم الوصية وغيرها. والأمر في هذه الآية أوضح مما يتصورون، ذلك أن النفوس في اعتقادها وملكاتها وإراداتها وعزائمها وتقهقرها موازيناً دقيقة يعرف بها يوم الدين رجحان الحق على الباطل والخير على الشر، كما عبر الله عنها بقوله في الآية [47] من سورة الأنبياء: ﴿ وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ ﴾ [الأنبياء: 47].


وموازين الحق سبحانه أدق من موازين البشر التي يزنون بها الأعيان أو يقيسون بها درجة الحرارة والبرودة ولهذا نجد الله سبحانه دائماً يربط تشريعاته بالتقوى ويخللها ويختمها بالوعد والوعيد ليربط قلوب عباده بذلك الرباط الوثيق المؤلف من الخوف والرجاء.



[1] أخرجه الإمام أحمد: [5/383]، والنسائي بالكبرى: [8022]، والحاكم بمستدركه: [1/750]، عن حذيفة رضي الله عنه، وفي الباب عن علي، وأبي ذر وغيرهما رضي الله عنه أجمعين.

[2] أخرجه البخاري، كتاب الاستقراض، باب: من أخذ أموال الناس يريد أداءها أو إتلافها، [2387].

[3] أخرجه مسلم: [125]، وغيره.

[4] أخرجه البخاري، كتاب: الطلاق: [5269]، وغيره.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • تفسير سورة البقرة .. الآيات (278 - 281)
  • تفسير سورة البقرة .. الآية (283)
  • تفسير خواتيم سورة البقرة

مختارات من الشبكة

  • تفسير سور المفصَّل ( 10 ) تفسير الآيتين من سورة الفاتحة ﴿ مالك يوم الدين - إياك نعبد وإياك نستعين ﴾(مادة مرئية - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)
  • تفسير سور المفصَّل ( 9 ) تفسير الآيتين من سورة الفاتحة ﴿ الحمد لله رب العالمين - الرحمن الرحيم ﴾(مادة مرئية - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)
  • تفسير سور المفصل 212 - سورة الأعلى ج 1 - مقدمة لتفسير السورة(مادة مرئية - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)
  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (135 - 152) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (102 - 134) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (65 - 101) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (1 - 40) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (40 - 64) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • الفتوحات الربانية في تفسير الآيات القرآنية: تفسير الآيتين (6-7) من سورة البقرة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير سور المفصل 220 - سورة الأعلى ج 9 الآية 1(مادة مرئية - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 16:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب