• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات   بحوث ودراسات   إبهاج المسلم بشرح صحيح مسلم   الدر الثمين   سلسلة 10 أحكام مختصرة   فوائد شرح الأربعين   كتب   صوتيات   مواد مترجمة  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    10 مسائل مهمة ومختصرة في: شهر الله المحرم
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    10 مسائل مهمة ومختصرة في الأضحية (PDF)
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    10 مسائل مهمة ومختصرة في 10 ذي الحجة (PDF)
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    الدعاء لمن أتى بصدقة
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    حديث: صدقة لم يأكل منها
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    حديث: هو لها صدقة، ولنا هدية
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    باب: (ترك استعمال آل النبي على الصدقة)
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    حديث: «كخ كخ، ارم بها، أما علمت أنا لا نأكل ...
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    شرح حديث: سيخرج في آخر الزمان قوم أحداث الأسنان ...
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    التعريف بالخوارج وصفاتهم
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    حديث: ألا تأمنوني؟ وأنا أمين من في السماء
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    إعطاء المؤلفة قلوبهم على الإسلام وتصبر من قوي ...
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    إعطاء المؤلفة قلوبهم على الإسلام وتصبر من قوي ...
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    إعطاء المؤلفة قلوبهم من الزكاة
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    باب: (إعطاء من سأل بفحش وغلظة) (2)
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    باب: (إعطاء من سأل بفحش وغلظة) (1)
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
شبكة الألوكة / المواقع الشخصية / مواقع المشايخ والعلماء / الشيخ إبراهيم بن محمد الحقيل / خطب منبرية
علامة باركود

احتساب النبي صلى الله عليه وسلَّم (7)

الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل

المصدر: ألقيت بتاريخ: 20/5/1430هـ
مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 23/5/2009 ميلادي - 28/5/1430 هجري

الزيارات: 27015

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

مجالات احتسابه  - صلَّى الله عليه وسلَّم - (ب)



الحمد لله الولي الحميد، العزيز المجيد، شرع لنا من الدين أكمله، وأنزل علينا من الحديث أحسنه، وجعل أُمَّتنا خير الأمم؛ ﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ المُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِالله ﴾ [آل عمران: 110]، نحمده على ما حبانا وأولانا، ونشكره على ما أعطانا وكفانا، فنحن عبيده فقراء إليه، وهو ربنا غنيٌ عنَّا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحْدَه لا شريك له، ما من شيء في المخلوقات إلاَّ وهو دالٌّ على رُبُوبيته وألوهيته وعظمته وقدرته؛ ﴿ صُنْعَ اللهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ ﴾ [النمل: 88]، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله؛ هداه ربه وهدى به، وابتلاه وابتلى به، فمن أطاعه نجا، ومَن عصاه هلك، صلَّى الله وسلَّم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين.

أمَّا بعد:
فاتقوا الله - تعالى - وأطيعوه، فإنكم إليه راجعون، ولدنياكم مفارقون، وعلى أعمالكم محاسبون؛ ﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ﴾ [الزَّلزلة: 8].

أيُّها الناس:
حُبُّ الدنيا، والركونُ إليها، والميل إلى شهواتها، وتعلُّقُ القلب بملذاتها - غريزةٌ فطرية غرسها الله - تعالى - في النَّاس ليبتليهم بها وبشريعته؛ ﴿ زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ ﴾ [آل عمران: 14]، ﴿ كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ العَاجِلَةَ ﴾ [القيامة: 20]، ﴿ بَلْ تُؤْثِرُونَ الحَيَاةَ الدُّنْيَا ﴾ [الأعلى: 16]، وأنزل الله - تعالى - الشرائع التي إنْ أخذ النَّاس بها، كملت لهم الدنيا والآخرة، وإن بخسوا شيئًا منها، نَقَصَ من كمال نعيمهم في الدُّنيا والآخرة بقدر ما بخسوا من شريعة ربهم - جلَّ وعلا.

إنَّ دين الإسلام يَجمع نعيمَ الدُّنيا والآخرة، لا كما يظُنُّ كثير من الناس أنه مقتصر على الآخرة، وأنَّ رغد الدُّنيا ما هو إلا في المناهج المادية الإلحادية التي قذفت بها الحضارة المُعاصرة، ونجد في القرآن آياتٍ كثيرةً تَعِدُ المؤمنين بخيرات الدُّنيا إنْ هم أقاموا شريعة الله - تعالى - فيهم، وتتوعدهم بنقص الدُّنيا إنْ هم رغبوا عنها؛ ﴿ وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ ﴾ [المائدة: 66]، ﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ القُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ ﴾ [الأعراف: 96]، فإقامة الدين باب للرفاهية في الدُّنيا، وتتابع الخيرات على العباد.

ولما كان دينُ الإسلام يَجمع لمن أقامه بين نعيم الدُّنيا والآخرة، فإنَّه جاء مُنظمًا لحياة الناس، مصلحًا لشؤونهم كلها، ولا يقتصر على جوانب العبادات فقط، كما يُريد المفسدون حصره فيها، وكانت شعيرة الحسبة مثالاً بيِّنًا على تدخُّل الإسلام في شؤون الناس كلها، وتنظيمه لحياتهم، وعدم السماح بأي تجاوُز لشريعة الله - تعالى - سواء على مستوى الأفراد، أم على مستوى الجماعة والأمة؛ لأنَّ الخلل يوجب نقص الدين والدُّنيا، فتتأثر به سلبًا الخيرات العاجلة والآجلة.

وكان تطبيق النبي  - صلَّى الله عليه وسلَّم - لشعيرة الحسبة برهانًا ساطعًا، ودليلاً قاطعًا على ذلك؛ إذ احتسب - صلَّى الله عليه وسلَّم - على الناس في تصحيح عقائدهم وعباداتهم، وتصويب ما أخطؤوا فيه من مُعاملاتهم، وتقويم أخلاقهم وسلوكيَّاتِهم، حتى إن الشؤون العامَّة في السياسة والولاية والأموال والتِّجارة وغيرها نالت نصيبَها من احتساب النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - وأمثلة ذلك قولاً وتطبيقًا كثيرة مبثوثة في سنته العطرة.

ومن احتسابه - صلَّى الله عليه وسلَّم - في جوانب الإصلاح الأسري، وضبط البُيُوت المسلمة من الانفلات، وتخليصها من الظلم: ما جاء في حديث إِيَاسِ بن عبدالله - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((لا تَضْرِبُنَّ إِمَاءَ الله))، فَجَاءَ عُمَرُ إلى النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - فقال: يا رَسُولَ الله، قد ذَئِرَ النِّسَاءُ على أَزْوَاجِهِنَّ، فَأْمُرْ بِضَرْبِهِنَّ، فَضُرِبْنَ فَطَافَ بِآلِ مُحَمَّدٍ - صلَّى الله عليه وسلَّم - طَائِفُ نِسَاءٍ كَثِيرٍ، فلَمَّا أَصْبَحَ قال: ((لقد طَافَ اللَّيْلَةَ بِآلِ مُحَمَّدٍ سَبْعُونَ امْرَأَةً، كُلُّ امْرَأَةٍ تَشْتَكِي زَوْجَهَا فلا تَجِدُونَ أُولَئِكَ خِيَارَكُمْ))؛ رواه ابن ماجه، وصححه ابن حبان.

ففي هذا الحديث نهى - صلَّى الله عليه وسلَّم - عن ضرب النِّساء، ثم رخَّص فيه؛ لتأديبهن، لَمَّا أخبره عمر بتمرُّدهن، فلما أسرف الرجال في ضرب النساء، احتسب عليهم، وبيَّن أن من ضرب امرأته، فليس من خيار الرجال، ومن نظر إلى سنته وجد كثرة وصاياه - صلَّى الله عليه وسلَّم - بالنساء، وكثرة وصاياه للنساء بأزواجهن؛ مما يكون سببًا في إصلاح البيوت واستقرارها.

وفيما يتعلَّق بالأولاد، احتسب النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - في رفع الظُّلم عنهم، وتمييز بعضهم على بعض، وأمر بالعدل فيهم؛ لئلا تقع الضَّغائن بينهم، فتشتعل البُيُوت بالإحن والأحقاد، فيُؤدي ذلك إلى الخصام وقطيعة الأرحام؛ روى النُّعْمَانُ بنُ بَشِيرٍ - رضي الله عنهما - قال: "سَأَلَتْ أُمِّي أبي بَعْضَ الْمَوْهِبَةِ لي من مَالِهِ، ثُمَّ بَدَا له فَوَهَبَهَا لي، فقالت: لَا أَرْضَى حتى تُشْهِدَ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - فَأَخَذَ بِيَدِي وأنا غُلَامٌ، فَأَتَى بِيَ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - فقال: إِنَّ أُمَّهُ بِنْتَ رَوَاحَةَ سَأَلَتْنِي بَعْضَ الْمَوْهِبَةِ لِهَذَا، قال: ((أَلَكَ وَلَدٌ سِوَاهُ؟))، قال: نعم، قال: فَأُرَاهُ، قال: ((لَا تُشْهِدْنِي على جَوْرٍ))، وفي رواية: ((لَا أَشْهَدُ على جَوْرٍ))؛ رواه الشيخان، وفي رواية لمسلم قال: ((أَيَسُرُّكَ أَنْ يَكُونُوا إِلَيْكَ في الْبِرِّ سَوَاءً؟))، قال: بَلَى، قال: ((فلا، إِذًا)).

وأَمَّا احتسابه - صلَّى الله عليه وسلَّم - في جوانب الفساد المالي لإصلاحها، فإنَّه يدخل في عموم النَّصيحة التي شرعها لأُمَّته، وجعلها تفسيرًا للدين كله؛ لأنَّها تشمل خصالَ الإسلامِ والإيمان والإحسان، ومعلوم أنَّ النصيحة شعبةٌ من شعب الاحتساب على النَّاس، ولم يقصرها النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - على العامَّة دون الخاصة، بل أمر بها الجميعَ للجميع؛ حتى تكون الأمة أمة واحدة، يُنكِر ما فيها من فساد جميع أفرادها؛ كما في حديث تَمِيمٍ الدَّارِيِّ - رضي الله عنه -: أَنَّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((الدِّينُ النَّصِيحَةُ))، قُلْنَا: لِمَنْ؟ قال: ((لله وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ ولأئمة الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ))؛ رواه مسلم.

وأمَّا التطبيق العملي للحسبة في جوانب الفساد المالي مع الولاة والعُمَّال والموظفين في الدَّولة، فمثاله حديثُ أبي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ - رضي الله عنه - قال: "اسْتَعْمَلَ رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - رَجُلاً على صَدَقَاتِ بَنِي سُلَيْمٍ يُدْعَى ابنَ اللَّتَبِيَّةِ، فلَمَّا جاء، حَاسَبَهُ، قال: هذا مَالُكُمْ، وَهَذَا هَدِيَّةٌ، فقال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((فَهَلَّا جَلَسْتَ في بَيْتِ أَبِيكَ وَأُمِّكَ حتى تَأْتِيَكَ هَدِيَّتُكَ إن كُنْتَ صَادِقًا))، ثُمَّ خَطَبَنَا فَحَمِدَ الله وَأَثْنَى عليه، ثُمَّ قال: ((أَمَّا بَعْدُ، فَإِنِّي أستعمل الرَّجُلَ مِنْكُمْ على الْعَمَلِ مِمَّا وَلَّانِي الله، فَيَأْتِي فيقول: هذا مَالُكُمْ، وَهَذَا هَدِيَّةٌ أُهْدِيَتْ لي، أَفَلَا جَلَسَ في بَيْتِ أبيه وَأُمِّهِ حتى تَأْتِيَهُ هَدِيَّتُهُ، والله، لَا يَأْخُذُ أَحَدٌ مِنْكُمْ شيئًا بِغَيْرِ حَقِّهِ إلا لَقِيَ الله يَحْمِلُهُ يوم الْقِيَامَةِ، فَلَأَعْرِفَنَّ أَحَدًا مِنْكُمْ لَقِيَ الله يَحْمِلُ بَعِيرًا له رُغَاءٌ، أو بَقَرَةً لها خُوَارٌ، أو شَاةً تَيْعَرُ))، ثُمَّ رَفَعَ يَدَهُ حتى رُئي بَيَاضُ إِبْطِهِ يقول: ((اللهم هل بَلَّغْتُ بَصرَ عَيْنِي وَسَمْعَ أُذُنِي))؛ رواه الشَّيخان.

فتأمَّلوا - عباد الله - عظيم اهتمامه - صلَّى الله عليه وسلَّم - بهذا الأمر، وتشديده فيه، حتَّى خطبهم على المنبر لأجله؛ مِمَّا يدلُّ على أهمية الاحتساب في مسائل الأموال؛ ذلك أنَّ الفساد فيها يُؤدِّي إلى ظُلم الناس وإفقارِهم، ورفع أمنهم، وهو منكر يجب إنكاره، والاحتساب على أهله، وإلا فسدت أحوال الأمة.

ولما رأى النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - من بعض أصحابه - رضي الله عنهم - استشرافًا للمال، وتطلعًا للحصول عليه، وسُؤالاً له - خشي عليه من فتنة المال، وخاف تعلُّق قلبه به فيهلك، فاحتسب عليه في ذلك؛ مَحبةً له، وشفقة عليه، وهدايةً للأمة، وتعليمًا لها، وكان احتسابه - صلَّى الله عليه وسلَّم - على هذا الصحابي من أعظم النَّصائح التي استفاد منها، ولزمها إلى موته - رضي الله عنه - كما في حديث حَكِيمِ بنِ حِزَامٍ - رضي الله عنه - قال: "سَأَلْتُ رَسُولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فَأَعْطَانِي، ثُمَّ سَأَلْتُهُ فَأَعْطَانِي، ثُمَّ قال لي: ((يا حَكِيمُ، إِنَّ هذا الْمَالَ خَضِرٌ حُلْوٌ، فَمَنْ أَخَذَهُ بِسَخَاوَةِ نَفْسٍ، بُورِكَ له فيه، وَمَنْ أَخَذَهُ بِإِشْرَافِ نَفْسٍ، لم يُبَارَكْ له فيه، وكان كَالَّذِي يَأْكُلُ ولا يَشْبَعُ، وَالْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ من الْيَدِ السُّفْلَى))، قال حَكِيمٌ: فقلت: يا رَسُولَ الله، وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَا أَرْزَأُ أَحَدًا بَعْدَكَ شيئًا حتى أُفَارِقَ الدُّنْيَا، فَكَانَ أبو بَكْرٍ يَدْعُو حَكِيمًا؛ لِيُعْطِيَهُ الْعَطَاءَ، فَيَأْبَى أَنْ يَقْبَلَ منه شيئًا، ثُمَّ إِنَّ عُمَرَ دَعَاهُ؛ لِيُعْطِيَهُ، فأبى أَنْ يَقْبَلَهُ، فقال: يا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ، إني أَعْرِضُ عليه حَقَّهُ الذي قَسَمَ الله له من هذا الْفَيْءِ، فَيَأْبَى أَنْ يَأْخُذَهُ، فلم يَرْزَأْ حَكِيمٌ أَحَدًا من الناس بَعْدَ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - حتى تُوُفِّيَ رَحِمَهُ الله"؛ رواه الشيخان، وفي رواية لابن راهويه: أنَّه - رضي الله عنه - ما أخذ من أبي بكر، ولا عمر، ولا عثمان، ولا معاوية ديوانًا ولا غيره حتى مات.

وما ضرَّه ذلك، بل أغناه الله - تعالى - ببركة وفائه بوعده للنبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - حين احتسب عليه لما كرر مسألته، قال الذهبي - رحمه الله تعالى -: "فمات حين مات، وإنه لمن أكثر قريش مالاً".

فعُلم بذلك أنَّ دينَ الإسلام هو دينُ الاحتساب على النَّاس في إصلاحِ أحوالهم في الحال والمآل، وعلى مُستوى الأفراد والجماعة والأُمَّة، وأنَّ دعوات ترك الاحتساب بحجة عدم التدخُّل في الخصوصيَّات ليس من دين الإسلام في شيء؛ بل إنَّ ذلك سبب لسلب خيريَّة الأُمَّة، كما سلبت الخيرية والتفضيل عن بني إسرائيل، ولعنوا بسبب كفرهم وتعطيلهم لشعيرة الاحتساب؛ ﴿ لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ﴾ [المائدة: 79]، فالحذرَ الحذرَ من طاعة المفسدين المبطلين الذين يَسعَوْن في الأرض فسادًا، ويستميتون في إبطال شريعة الله - تعالى - بتعطيل شعيرة الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، كفى الله - تعالى - البلادَ والعبادَ شرَّهم، وردهم على أعقابهم خاسرين، وأقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.


الخطبة الثانية

الحمد لله حمدًا طيبًا كثيرًا مُباركًا فيه، كما يُحب ربنا ويرضى، نحمده على ما أعطى، ونشكره على ما أَوْلى، وأشهد أن لا إلهَ إلا الله وحْدَه لا شريك له، وأشهدُ أن محمدًا عبده ورسوله، صلَّى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه، ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين.

أمَّا بعد:
فاتقوا الله - تعالى - وأطيعوه، وأحيوا شعيرةَ الحسبة فيكم، فإنَّها سبب خيرية أمتكم، وتفضيلكم على من سواكم؛ ﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ المُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِالله ﴾ [آل عمران: 110].

أيها المسلمون:
إنَّ من أعظمِ أسباب الوَهن والضَّعف الذي ابتليتْ بهِ أُمة الإسلام في أزمانها المتأخرة: تعطيلَ شعيرة الحسبة بمفهومها الشَّامل الكامل، وحصرها في جوانب العبادة والأخلاق والسُّلوك، ثم قصرها على جهات مُعينة دون سائر النَّاس، وهذا الخلل في فهم وظيفة الحسبة أدَّى إلى تقليصها وضَعْفها، وسنحت الفُرصة لأهل الفساد والإفساد بالنُّمو بين الناس، وتعطيل مصالحهم، وإفساد أخلاقهم، ولو نظرنا إلى القرآن، فإنَّنا نجد أن نبي الله شعيبًا - عليه السَّلام - قد احتسب على قومه في كفرهم وفيما حلَّ بهم من فساد مالي، حتى كانوا ينكرون عليه تدخله في كيفية تنمية أموالهم، ويزعمون أنهم أحرار فيها، يفعلون ما يشاؤون، وهي ذات الحجة التي يحتج بها المفسدون في عصرنا هذا؛ ﴿ قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلاَتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ ﴾ [هود: 87].

يقول العلامة ابن عاشور - رحمه الله تعالى -: "على عقلاء الأقوام، وأصحاب الأحلام منهم، إذا رأوا دبيبَ الفساد في عامَّتهم أن يبادروا للسَّعي إلى بيان ما حلَّ بالنَّاس من الضلال في نُفُوسهم، وأنْ يكشفوا لهم ماهيته وشبهته وعواقبه، وأنْ يَمنعوهم منه بما أوتوه من الموعظة والسُّلطان، ويزجروا المفسدين عن ذلك الفساد حتَّى يرتدعوا، فإنْ هم تركوا ذلك وتوانوا فيه، لم يلبث الفساد أن يسريَ في النفوس، وينتقل بالعدوى من واحد إلى غيره، حتَّى يعم أو يكاد، فيعسر اقتلاعه من النُّفوس". اهـ.

إن الله - تعالى - قد أمرنا بالاقتداء بالمرسلين - عليهم السلام -: ﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ ﴾ [الأنعام: 90]، وقد كانوا من المحتسبين على النَّاس، يأمرونهم بالمعروف الذي أمر الله - تعالى - به، وينهونهم عن المنكر الذي نهى الله - تعالى - عنه، وأُمرنا كذلك بالتأسي بالنبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ الله أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ﴾ [الأحزاب: 21]، ورسولنا محمد - صلَّى الله عليه وسلَّم - هو إمام المحتسبين، والاقتداءُ به في الحسبة اقتداء به في الوظيفة العُظمى، والمهمة الكُبرى التي لأجلها بعث الله - تعالى - الرُّسل - عليهم السلام - لأقوامهم، وأنزل بتفاصيلها كتبه السماوية، وقسم النَّاس فَريقين: فريقًا في الجنَّة، وفريقًا في السَّعير، فلا يقوم بالحسبة إلاَّ أتباع الرسل، وأتباعهم هم خيار النَّاس، ولا يستنكف عنها أو يُحاربها إلاَّ أعداء الرسل، وأعداؤهم هم شرارُ الناس؛ فليخترْ كل عبد لنفسه ما شاء، فبعمله يُجزى يوم القيامة؛ ﴿ لِيَجْزِيَ اللهُ كُلَّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ إِنَّ اللهَ سَرِيعُ الحِسَابِ ﴾ [إبراهيم: 51]، ﴿ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ ﴾ [المدَّثر: 38].

وصلُّوا وسلموا على نبيكم...





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • احتساب النبي صلى الله عليه وسلم (1)
  • احتساب النبي صلى الله عليه وسلم (2)
  • احتساب الأنبياء عليهم السلام
  • احتساب النبي صلى الله عليه وسلم (3)
  • احتساب النبي صلى الله عليه وسلم (4)
  • احتساب النبي صلى الله عليه وسلم (5)
  • احتساب النبي صلى الله عليه وسلم (6)
  • احتساب النبي صلى الله عليه وسلم (8)

مختارات من الشبكة

  • (احتساب سبعين نية لصوم رمضان) من كتاب (بذل الجنان في احتساب سبعين نية لصوم رمضان: ج1)(مقالة - ملفات خاصة)
  • فضائل زيارة مسجد النبي صلَّى الله عليه وسلَّم(مقالة - موقع الشيخ عبدالله بن صالح القصيِّر)
  • خواطر ومواقف عن محبة النبي صلَّى الله عليه وسلَّم(مقالة - آفاق الشريعة)
  • حقوق النبي صلَّى الله عليه وسلَّم علينا (6)(مقالة - موقع الشيخ إبراهيم بن محمد الحقيل)
  • حال النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - في رمضان(مقالة - ملفات خاصة)
  • الأعشى يمدح رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم(مقالة - حضارة الكلمة)
  • حوار مع القيادي العالمي جون أدير حول أحدث كتبه "قيادة محمد" - صلَّى الله عليه وسلَّم(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم (قصيدة للأطفال)(مقالة - حضارة الكلمة)
  • من شمائل المصطفى صلَّى الله عليه وسلَّم(مقالة - آفاق الشريعة)
  • دليل الحاجِّ والمعتمر وزائر مسجد الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم(مقالة - ملفات خاصة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 13/11/1446هـ - الساعة: 23:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب