• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات   بحوث ودراسات   إبهاج المسلم بشرح صحيح مسلم   الدر الثمين   سلسلة 10 أحكام مختصرة   فوائد شرح الأربعين   كتب   صوتيات   مواد مترجمة  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    10 مسائل مهمة ومختصرة في: شهر الله المحرم
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    10 مسائل مهمة ومختصرة في الأضحية (PDF)
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    10 مسائل مهمة ومختصرة في 10 ذي الحجة (PDF)
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    الدعاء لمن أتى بصدقة
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    حديث: صدقة لم يأكل منها
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    حديث: هو لها صدقة، ولنا هدية
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    باب: (ترك استعمال آل النبي على الصدقة)
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    حديث: «كخ كخ، ارم بها، أما علمت أنا لا نأكل ...
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    شرح حديث: سيخرج في آخر الزمان قوم أحداث الأسنان ...
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    التعريف بالخوارج وصفاتهم
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    حديث: ألا تأمنوني؟ وأنا أمين من في السماء
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    إعطاء المؤلفة قلوبهم على الإسلام وتصبر من قوي ...
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    إعطاء المؤلفة قلوبهم على الإسلام وتصبر من قوي ...
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    إعطاء المؤلفة قلوبهم من الزكاة
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    باب: (إعطاء من سأل بفحش وغلظة) (2)
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    باب: (إعطاء من سأل بفحش وغلظة) (1)
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
شبكة الألوكة / المواقع الشخصية / مواقع المشايخ والعلماء / الشيخ دبيان محمد الدبيان / مقالات / قضايا مالية فقهية
علامة باركود

التورق البسيط والتورق المصرفي (1/ 2) (WORD)

الشيخ دبيان محمد الدبيان

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 8/2/2011 ميلادي - 4/3/1432 هجري

الزيارات: 29319

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

وينقسم الائتمان قسمين:

ائتمان نقدي: وهو القَرْض؛ حيث يُقدَّم الائتمان في شكلِ نقود، ويُسدَّد في شكل نقود، وهذا يوقع في صريح الرِّبا، والذي يَتنافى مع الأخلاقِ والقِيَم الإسلامية.

وائتمان تجاري: تكون فيه السِّلعةُ أحدَ البديلَيْن، فتُباع السلعة الحاضرة بمال آجِل بأكثرَ مِن قيمتها مقابلَ التأجيل.

 

وتمارس البنوكُ والمصارفُ التمويلَ الائتماني متمثِّلاً في صيغة المرابحة.

 

وإذا كانتِ السلعة ليستْ مقصودةً للمشتري، وإنَّما كان الهدف من شراء السِّلْعة من البنك هو الحصول على السيولة الكافية؛ لتمويلِ احتياجاته، سُمِّي هذا بالاصطلاح الفقهي التورُّق.

 

و(التورُّق) اصطلاحٌ مأخوذ من الوَرِق، وهو اسمٌ للدراهم، وفي التنزيل: ﴿ فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ ﴾ [الكهف: 19].

 

وقد عَرَّف المجمع الفقهي الإسلامي التورُّقَ بقوله: "هو شراءُ سلعة في حوزة البائِع وملكه بثمنٍ مؤجَّل، ثم يبيع المشتري السلعةَ بنقد لغيرِ البائع للحصول على النقْد".

 

وسُمِّيت بمسألة التورق؛ لأنَّ المشتري يشتري سلعةً لا يريدها لذاتها، وإنما يريد أن يتوصَّل بها إلى الوَرِق (النقد).

وقد تضمَّن التعريف شرطين مهمَّين:

الأول: يشترط تملُّك السِّلعة بعينها لدَى البائع قبلَ البيع، فإنْ باع البنك أو التاجر السلعةَ قبل تملُّكها، فقد باع ما لا يَملِك، وهذا لا يجوز لما رواه أبو داود الطيالسي (2257) من طريقِ حمَّاد بن زيد، عن أيوب، عن عمرو بن شُعَيب، عن أبيه، عن عبدالله بن عمرو، قال: نهى رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - عن سَلَف وبيْع، وعن شرْطَيْن في بيع، وعن بيع ما ليس عندَك، وعن رِبح ما لم يضمن، وإسناده حسن.

الثاني: أن يَبيع المشتري السلعةَ على غيرِ البائع أو مَن يُنزَّل منزلتَه، بعدَ قبض المشتري السلعةَ القبضَ الشرعي، فإنِ اشترى البائع السلعة رجعتْ إلى مسألة العِينة.

وينقسم التورُّق قسمين:

أحدهما: التورُّق البسيط، أو التورُّق القديم.

الثاني: التورُّق المصرفي، أو التورُّق المنظَّم، وهو معاملةٌ معاصرة، لا تمارس إلا مِن خلال المصارف والبنوك، ولما كان التورُّقُ مهمًّا جدًّا في حياتنا الاقتصادية لتمويلِ المشروعات الضرورية، سواء في الحصول على مسْكَن، أم قيام منشآت إنتاجية، ولكون التورُّق بنوعيه محلَّ خلاف فِقهي، ناسب أن أُخصِّص هذا المقالَ؛ لبحثِ التورق البسيط، وسيكون البحثُ في المقال القادم - إن شاء الله تعالى - عن التورُّق المنظم (التورق المصرفي)، أسأل الله وحْدَه عونه وتوفيقَه.

 

وقد ذَهب إلى تحريمِ التورُّق البسيط أو التورُّق القديم كلٌّ مِن عمر بن عبدالعزيز - رحمه الله - واختاره بعضُ الحنفية؛ حيث فسَّروا العِينة بالتورق، ونصَّ الإمامُ أحمد في رواية أبي داود على أنَّه العِينة، وأطلق عليه اسمَها، وقال بتحريم التورُّقِ كلٌّ من ابن تيمية وابن القيم مِن الحنابلة.

وقد استدلَّ القائلون بالتحريم بأدلَّة، منها:

الدليل الأول: ما رواه الإمامُ أحمد من طريقِ أبي عامرٍ المُزَني، حدَّثَنا شيخٌ من بني تميم، قال: خطَبَنا عليٌّ، وفيه: نهى رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - عن بيع المضطرين، وعن بيْع الغَرَر.

وجه الاستدلال:

أنَّ الرجل لا يلجأ إلى التورُّقِ إلا في حال الاضطرار إذا لم يجدْ مَن يُقرِضه، فيضطر إلى شراءِ سِلعةٍ بأكثرَ مِن ثمنها مؤجَّلاً؛ ليبيعَها ويحصُلَ على النقد.

 

قال ابن تيمية: "هذا الحديث مِن دلائل النبوة، فإنَّ عامَّة العِينة إنما تقع من رجلٍ مُضطرٍّ إلى نفقة يضنُّ عليه الموسِر بالقَرْض... فيَبيعون له ثمنَ المائة بضِعْفها، أو نحو ذلك؛ ولهذا كَرِه العلماءُ أن يكون أكثر بيع الرجل أو عامَّته نسيئةً؛ لئلاَّ يدخل في اسم العِينة وبيع المضطر".

ونوقش هذا الاستدلال مِن ثلاثة وجوه:

الوجه الأول: أنَّ الحديث ضعيف، فيه علَّتان: العلة الأولى: صالح أبو عامر مختلَف فيه.

والعلة الثانية: الرجل المبهَم من بني تميم.

 

وله شاهدٌ مِن حديث حُذَيفة، لكنَّه ضعيف جدًّا، فلا يصلُح للاعتبار.

 

رواه أبو يعلى في مسنده، كما في "المطالب العالية" (1422) مِن طريق الكوثر بن حكيم، عن مكحولٍ قال: "بلَغَني عن حُذَيفةَ - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((ألا إنَّ زمانكم هذا زمان عضوض))، وفي الحديث: ((وشَهِد شِرار الناس يُبايعون كلَّ مضطر، ألاَ إنَّ بيع المضطرين حرام، إنَّ بيع المضطرين حرام، المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يخذُله...))"؛ الحديث.

 

وفي إسناده الكوثر بن حكيم؛ قال النَّسائي: متروك الحديث؛ "الضعفاء والمتروكين" (503).

 

وسُئِل أحمد عنه، فقال: متروك الحديث؛ "الجرح والتعديل" (7/176).

 

وقال يحيى بن معين: ليس بشيء؛ المرجع السابق.

 

كما أنَّ فيه انقطاعًا بين مكحول وحُذَيفة.

الوجه الثاني: لا نُسلِّم أنَّ كلَّ مَن لجأ إلى التورُّق مضطر؛ وذلك لاختلافِ ذلك باختلاف الدواعي إلى تحصيلِ النقْد، فإنْ أراد تحصيله لتأمينِ أمرٍ ضروري فتعذَّر عليه إلا بهذه الوسيلة، فهو مضطر، وإنْ أراده لتأمين أمرٍ حاجي فهو محتاج، وإنْ أراده لتأمين أمر كمالي، فهو متوسِّع في المباح، والواقع شاهدٌ على لجوء الناس إلى هذه المعاملة لتحقيقِ الأمور الثلاثة، فلم يصحَّ طرد حكم الاضطرار في جميعِ الصور.

الوجه الثالث: أنَّ الفقهاء قدِ اختلفوا في تعريفِ بيع المضطر، وقد صحَّح الحنابلةُ - ومنهم ابن تيمية - بيعَه وشراءَه.

 

فقد عرَّفه ابنُ عابدين من الحنفية: بأن يضطرَّ إلى بيع شيءٍ من ماله، ولم يرضَ المشتري إلا بشرائه دونَ ثمنِ المِثْل، بغبْن فاحش.

 

ومثال شراء المضطر، قال: "أن يضطرَّ الرجلُ إلى طعام أو شراب، أو لباس أو غيره، ولا يَبيعه البائعُ إلا بأكثرَ مِن ثمنه"، وهاتان الصورتان ليستَا داخلتَيْن في التورُّق.

 

وقال الحطَّاب في "مواهب الجليل": "سُئِل السُّيُورِيُّ عمَّن يتعدَّى عليه الأعراب، فيسجنونه، فيَبيع هو أو وكيله، أو مَن يَحتسِب له رِيعًا لفدائه، هل يجوز شراؤه أو لا؟ فأجاب: بيع المضطر لفِدائه جائزٌ ماضٍ، باع هو، أو وكيلُه بأمره، وكذا أخْذه معاملةً أو سلفًا، ومَن فعل ذلك معه، أُجِر على قدْرِ نِيته في الدنيا والآخِرة".

 

وعرَّفه الحنابلة: بأن يُكرَه على دفْع مال، فيبيع ملْكَه لذلك؛ قال في الإنصاف: "وهو بيْع المضطر".

 

وقال الخطَّابي: "بيْع المضطر يكون على وجهين:

أحدهما: أن يضطرَّ إلى العقد عن طريقِ الإكراه عليه، فهذا فاسدٌ لا ينعقد.

والوجه الآخر: أن يضطرَّ إلى البيْع لدَيْن يركبه، أو مؤونة تُرهِقه، فيبيع ما في يدِه بالوَكْس مِن أجل الضرورة".

 

فالإكراه هنا ليس على البيع، وإنَّما الإكراه على سببِ البيع، كما لو طلَب شخصٌ ظالِمٌ من آخَرَ مالاً، فاضطرَّه إلى بيع ماله ليدفعَ له؛ لئلاَّ ينالَه أذى، أو يُمنع من حقٍّ من حقوقه، فقيل في هذه الصورة: البيع صحيح لازم، وهو المعتمَد في مذهب المالكية، ومذهب الشافعية، واختيار ابن تيمية مِن الحنابلة.

 

وقيل: البيع صحيح غيرُ لازم، وللمُكرَه الخيارُ؛ إنْ شاء أمضاه، وإنْ شاء ردَّه، وهو قولٌ في مذهب المالكية.

 

وقيل: لا يصحُّ، وهو وجهٌ في مذهب الشافعية، وقولٌ في مذهب الحنابلة.

 

وقيل: يصحُّ البيع، ويُكرَه الشراء منه، وهو مذهَب الحنابلة.

 

فدلَّ هذا على أنَّ بيع المضطر إذا لم يُكرَه على البيع، وإنما كان الإكراه على سببِ البيع؛ وذلك بغرضِ الحصول على المال: أنَّ بيعه صحيحٌ لازم، حتى على قول ابن تيمية الذي يُحرِّم التورق.

الدليل الثاني للقائلين بالتحريم:

أنَّ المقصودَ من هذه المعاملة هو الدراهم، فتكون السلعةُ مُلغاةً، ومِنْ ثَمَّ تصبح المعاملةُ كأنَّها بيع دراهم بدراهم، مع الزيادة والتأجيل، وهذا هو الرِّبا، وفي هذا يقول ابن تيمية: "المعنى الذي مِن أجله حُرِّم الربا موجودٌ فيها بعَيْنه، مع زيادة الكُلْفة بشراء السلعة وبيعها، والخسارة فيها، فالشريعة لا تُحرِّم الضررَ الأدنى، وتبيح ما هو أعْلَى منه".

 

وقال أيضًا: "التورُّقُ أصلُ الرِّبا، فإنَّ الله حرَّم أخذ دراهم بدراهم أكثرَ منها إلى أجَلٍ؛ لِمَا في ذلك مِن ضرر على المحتاج، وأكْل لماله بالباطل، وهذا المعنى موجودٌ في هذه الصورة".

ويناقش:

قال سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز: "وأمَّا تعليل مَن منَعَها أو كرِهها؛ لكون المقصودِ منها هو النقد، فليس ذلك موجبًا لتحريمها، ولا لكراهتها؛ لأنَّ مقصود التجار غالبًا في المعاملات هو تحصيلُ نقود أكثر بنقود أقل، والسِّلع المبيعة هي الواسطةُ في ذلك، وإنما يمنع مثل هذا العقْد إذا كان البيع والشراء مِن شخصٍ واحد كمسألة العِينة، فإنَّ ذلك يُتَّخذ حيلة على الرِّبا".

 

وإذا كان تحريمُ التورُّقِ مِن أجل رفْع الظلم عن المحتاج ومنع الإضرار به، فهل تقولون: لو اشتراها بضِعْف ثمنها مؤجَّلاً عالمًا بذلك، وهو يُريد السلعة، هل زيادة الثمَن عليه في مقابل التأجيل حرام؟ الجواب: لا، ولا يضَع جمهور الفقهاء حدًّا للزيادة في مقابل التأجيل، فالصورة هنا خاليةٌ تمامًا من التحريم عندَ القائلين بتحريم التورق، والقول بتحريمها قولٌ شاذ، وهذه الصورةُ هي التي يُمكن أن يظهرَ فيها استغلالُ المحتاج وغبنه.

 

وأمَّا بيع المتورِّق السلعةَ، فهو يبيعها بسِعْر مثلها حالَّة، ولا يُغبَن في بيعها، فكيف تَحوَّل البيع الأول الحلال الذي هو مَظِنَّة الاستغلال والغبن، كيف تحوَّل إلى حرام بمجرَّد أنْ باعها صاحبها بسِعر مثلها، أليس هذا خلافَ القياس؟!

الدليل الثالث للقائلين بالتحريم:

روى عبدالرزَّاق في مُصنَّفه، قال: أخبرَنا ابن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن عطاء، عن ابن عبَّاس، قال: "إذا استقمتَ بنقد، وبعتَ بنقد، فلا بأسَ به، وإذا استقمت بنقد فبعتَ بنسيئة فلا، إنما ذلك ورِق بورق..."؛ إسناده صحيح.

وجه الاستدلال:

يقول ابنُ تيمية في تفسير كلامِ ابن عباس: "يَعني إذا قوَّمْتَها بنقد، ثم بِعتَها نسيئًا، كان مقصودُ المشتري اشتراءَ دراهم معجَّلة بدراهم مؤجَّلة، وهذا شأن المورِّقين، فإنَّ الرجل يأتيه فيقول: أريد ألف درهم، فيخرج له سِلعةً تساوي ألف درهم، وهذا هو الاستقامة - يقول: أقمتُ السلعة وقوَّمتها واستقمتها بمعنًى واحد، وهي لغة مكيَّة معروفة بمعنى التقويم - فإذا قوَّمتها بألف، قال: اشتريتُها بألف ومائتين، أو أكثر أو أقل...".

ويناقش:

لا أرى كلامَ ابن عباس يَنزِل على المتورِّقين، فالقِسمة ثلاثة، نصَّ ابن عباس على اثنتين منها، وترَك الثالثة:

فالصورة الأولى التي نصَّ عليها ابنُ عباس: أن يُقوِّم السلعة بنقْد، ويشتريها بنقْد، فهذا الذي قال فيه: إنَّه جائز.

الصورة الثانية: أن يُقوِّم السلعة بنقد، ويشتريها بنَسيئة، فهذا الذي منَعَه ابن عباس، ولعلَّ ذلك على سبيلِ الكراهة لمشابهته صورةَ التعاقد المحرم؛ سدًّا لذريعة المشابهة للرِّبا.

الصورة الثالثة، والتي لم ينصَّ ابنُ عباس عليها: أن يُقوِّم السلعة بنسيئة، ويشتريَها بنسيئة؛ بحيث لا يتعرَّض البائع والمشتري لقيمة السِّلعة حالَّة، وإنما دخَل العاقدانِ مِن ابتداء العقْد على أنَّ الثمنَ مُؤجَّل، فهذا لا حرَج فيه، حتى ولو زادتْ قِيمة السِّلعة عن ثمنِها معجَّلة، وعامَّة الأمَّة على جوازه إلا خلافًا شاذًّا؛ لانتفاء المشابهة بينها وبين الصورة المحرَّمة، وهذا ما يفعله المتورِّق؛ ولذلك قال ابنُ سيرين - فيما نقَله ابن تيمية عنه -: "إذا أراد أن يَبتاعه بنقْد، فليساومْه بنقد، وإنْ كان يريد أن يبتاعَه بنسَأ، فليساومه بنسَأ".

الدليل الرابع للقائلين بالتحريم:

أنَّ الزيادة في مقابلِ التأجيل من الرِّبا المحرَّم؛ لأنَّها زيادةٌ في مقابلِ الأجَل والإمهال، وهذه الزِّيادةُ لا يُقابلها عِوض إلا الأجَل، فيكون من الرِّبا الصريح.

ويجاب عن ذلك من وجوه كثيرة:

الوجه الأول: أنَّ الزيادةَ في الأجل ليستْ كلها محرَّمة، بل هي على ثلاثة أنواع:

النوع الأول: الزيادة في الأجَلِ في مقابل القرض، وهذا مُحرَّم بالإجماع؛ لأنَّ القرض قُصِد به الإرفاق والإحسان، واشتراط الزيادة فيه تجْعَل الغرَض من القرْض التكسُّبَ والمعاوضة، وهذا يُخرِج القرض عن موضوعه؛ ولذلك لو زاده المقترض عندَ الوفاء بلا اشتراط ولا عادَة لم تحرُم الزيادة؛ ولا تُعَدُّ من قبيل الربا؛ لأنَّ هذه الزيادة لم تكن مقصودةً في العقد، ولم تكن هي الباعِثَ عليه؛ ولذلك لم يُوفَّق مَن قاس تحريمَ الزيادة في ثمن المبيع على الزِّيادة في مقدار القرْض؛ لاختلافِ عقْد القرْض عن عقد البيع.

النوع الثاني: الزيادة في الأَجل في مقابل الدَّيْن الثابت في الذِّمَّة، كما لو باع الإنسانُ سلعةً بمائة ريال، وثبَت هذا الدَّينُ في ذِمَّته، فلمَّا عجَز عن السداد لإعسار ونحوه، زِيد في مقدار الدَّين مِن أجل التأجيل، وهذا من الرِّبا المجمع عليه، وهو مِن ربا الجاهلية، وقياس الزيادة في ثمن المبيع ابتداءً على الزيادة في قدْر الدَّين بعدَ العجز عن السداد بسببِ التأجيل - قياسٌ مع الفارق، فالأُولى زيادةٌ تابعة للثمَن مندمِجة معه لا تتميَّز عن أصله، ولا تُحسب هذه الزيادة في البيوع إلا مَرَّةً واحدة عندَ إبرام العقْد، ولا تتضاعَف هذه الزيادةُ في التأجيل إن أعْسر المدين، بل يُؤجَّل الثمن إلى ميسرة في إرْفاق يُشبِه القرض، بينما الزيادة الثانية زيادةٌ منفصلة عن الثمن انفصالاً تامًّا، وإنما أُضيفتْ على قدْر الدَّين بعدَ ثبوت مقداره في الذِّمَّة؛ بسبب العجزِ عن السداد، فكيف يصحُّ قياس هذه على تلك؟!

النوع الثالث: الزيادة في ثمَن المبيع مقابلَ التأجيل ابتداءً عند عقد البيع، فهذا جائز بمقتضى النصِّ الشرعي.

 

فقد روى مسلمٌ من طريق أبي الأشعث، عن عُبادةَ بن الصامت، قال: قال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((الذهب بالذهب، والفِضَّة بالفِضَّة، والبُرُّ بالبُر، والشَّعير بالشعير، والتَّمر بالتمر، والمِلْح بالمِلْح، مِثْلاً بمثل، سواءً بسواء، يدًا بيد، فإذا اختلفتْ هذه الأصناف فبِيُعوا كيف شِئتم، إذا كان يدًا بيد)).

فالحديث تضمَّن أحكامًا، منها:

(أ) أنَّ بيع الذهب بالذهب والفِضَّة بالفِضَّة: يحرُم فيه الزيادة، كما يحرُم فيه التأجيل، فالزيادة محرَّمة، والتأجيل كذلك.

 

(ب) أنَّ بيع الذهب بالفِضَّة، والبُر بالتمر: يجوز فيه الزيادة، وليس هناك حدٌّ للزيادة الجائزة شرعًا؛ لقوله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((فبِيعوا كيف شئتم))، ولكن لا يجوز فيه التأجيلُ؛ لقوله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إذا كان يدًا بيد)).

 

(ج) أنَّ بيع الذهب بالبُر يجوز فيه اجتماعُ الزيادة والتأجيل، والزيادة علَّقها بالمشيئة؛ ((فبيعوا كيف شئتم))، وهذا دليلٌ على جواز اجتماع الزيادة مع التأجيل، ولو قلنا: لا تجوز الزيادة في مقابلِ التأجيل مع اختلافِ الجِنس والعلَّة، لكان ذلك يعني تحريمَ اجتماع الزِّيادة والتأجيل في مِثل هذه البيوع، وهذا خلافُ مقتضى الحديث.

 

فالشارع الذي حرَّم الزيادةَ والتأجيل في بيْع الذَّهَب بالذَّهَب، وأجاز الزِّيادة وحْدَها دون التأجيل في بيْع الذهب بالفِضَّة، هو الذي أجاز اجتماعَ الزيادة والتأجيل في بيْع البُرِّ بالذهب، والسيَّارة بالنقود.

الوجه الثاني: قد قام الدليلُ الشرعيُّ على جوازِ الزِّيادة في مقابل التأجيل.

 

فقد رَوى الإمامُ أحمد من طريقِ جرير - يعني: ابن حازم - عن محمَّد - يعني: ابن إسحاق - عن أبي سفيان، عن مسلم بن جُبَير، عن عمرو بن حريش، قال: سألت عبدالله بن عمرو بن العاص، فقلت: إنَّا بأرضٍ ليس بها دينار ولا درهم، وإنما نبايع بالإبل والغنم إلى أجَل، فما ترَى في ذلك؟ قال: "على الخبير سَقَطْتَ، جَهَّز رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - جيشًا على إبلٍ من إبلِ الصدقة، فنفدت، وبقِي ناس، فقال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((اشترِ لنا إبلاً بقلائصَ مِن إبل الصدقة إذا جاءتْ حتى نؤدِّيَها إليهم))، فاشتريتُ البعير بالاثنين والثلاث مِن قلائص، حتى فرغت، فأدَّى ذلك رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - من إبل الصَّدَقة.

 

وفي لفظ أبي داود: فكان يأخُذ البعيرَ بالبعيرين إلى إبلِ الصدقة"؛ وهذا حديث حسن.

وجه الاستدلال:

الأصل في الثمن الحالِّ أن يكون البعيرُ في مقابل البعير، فلمَّا أُجِّل الثمن، صار البعيرُ في مقابل بعيرين إلى ثلاثة.

واعترض على هذا الاستدلال:

لا يلزم مِن بيع البعير بالبعيرين أن يكونَ ذلك في مقابل التأجيل، فالواقع يدلُّ على أنَّ بعض الحيوانات أفضلُ مِن بعض، فليستِ الحيوانات متساويةَ القِيَم، حتى يقال: إنَّ الزيادة في الثمن كانتْ في مقابل التأجيل، فقد يكون البعيرُ الواحد خيرًا من الاثنين ومِن الثلاثة في الوصف.

وأجيب:

حمل الزيادة في الثمن على أنَّ ذلك بسببِ اختلاف الوصف حملٌ على سبب لم يُذكَر مطلقًا في الحديث، وتجاهُلٌ لسبب قد نُصَّ عليه في الحديث، وهو التأجيل، وهذا غيرُ سديد، فلو كان الباعثُ على الزيادة غيرَ الأجل، لذُكِر في البيع، فلمَّا لم تُذكر الجودة مطلقًا في الحديث وذُكِر الأجَلُ في العقد، تبيَّن أنه هو السببُ في الزيادة.

 

هذا مِن جهة، ومن جهة أخرى فإنَّ الثمن في هذه الصَّفْقة موصوفٌ في الذمَّة، وليس مشاهَدًا حتى يقال: إنَّ البعير المبيع أجودُ من البعيرين ومِن الثلاثة، فالأصل أنَّ الثمن سيكون على صِفة المبيع في الجودة، مع زيادةٍ في العدد مقابلَ التأجيل.

 

ومِن الأدلَّة على جوازِ الزيادة في مقابل التأجيل: القياسُ على جواز الزيادة في مقدارِ المبيع مقابلَ التأجيل كما في السَّلَم؛ لِمَا رواه مسلم من طريقِ أبي المنهال، عن ابن عبَّاس قال: قَدِم النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - المدينة، وهم يُسلِفون في الثِّمار السَّنَةَ والسنتين، فقال: ((مَن أسْلَف في تمر، فلْيُسلفْ في كَيْل معلوم، ووزن معلوم، إلى أجلٍ معلوم)).

وجه الاستدلال:

دلَّ الحديث على أنَّ المزارعين من الصحابة - رضي الله عنهم - كانوا يُسلِفون في الثمار السَّنَة والسَّنَتين؛ بحيث يتسلَّمون الثمن مُقدَّمًا مقابلَ الزيادة في مقدارِ المبيع، وكان الارتفاق للمزارعين بأنْ يستفيدوا مِن تقديم الثمن لإصلاح حرْثِهم وزرعهم، وكان التجَّار ينتفعون مِن زيادة المبيع مقابلَ تأجيله، والفارق بيْن مقدار المبيع حالاًّ، ومقداره مؤجَّلاً - هو الباعث على عقد السَّلَم، وقد أقرَّهم النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - على ذلك، فما جاز في المبيع جاز في الثمن؛ لأنَّه أحد العِوضين.

الوجه الثالث:

الزِّيادة في ثمن السلعة مقابلَ التأجيل غايةُ ما فيه أنه قد باع السلعة بأكثرَ مِن ثمنها، وهذا لا يَقتضي التحريم ما دام أنَّ العاقدين قد رَضيَا بذلك، فهو لو باعَها بأكثرَ مِن ثمنها والثمن حالٌّ، وكان المشتري عالمًا، لم يبطلِ البيع بمجرَّد الزيادة، فمِن باب أَوْلى إذا باعها مع التأجيل.

 

هذه تقريبًا أقوى أدلَّة القائلين بالتحريم.

القول الثاني: جواز التورق، وقد ذهَب إلى القولِ بالجواز جمهورُ الفقهاء مِن الحنفية، وقول في مذهب المالكية، والمذهب عندَ الشافعية، والحنابلة.

 

وبه أفتى سماحةُ الشيخ محمد بن إبراهيم، والشيخ ابن باز، والشيخ عبدالرحمن السعدي، وقال بجوزاه شيخُنا ابن عثيمين بشروط، وصَدَر بجوازه قرارُ مجمع الفقه الإسلامي التابع لرابطة العالَم الإسلامي.

 

وقد استدلَّ القائلون بجواز التورُّق مطلقًا بأدلَّة، منها:

الدليل الأول:

قال - تعالى -: ﴿ وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ ﴾ [البقرة: 275].

 

وقال - تعالى -: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ ﴾ [البقرة: 282].

 

والتورق بيع دخله التأجيل، وقد تَمَّ بأركانه وشروطه، فهو داخلٌ في عمومِ ما أحلَّ الله مِنَ البيع والمداينة، وليس في ذلك أيُّ حِيلة على الرِّبا.

الدليل الثاني:

الأصْل حلُّ جميع المعاملات إلا ما قام الدليلُ على منْعه، ولا دليلَ على منْع التورُّق، فالمُطالَب بالدليل الصحيح الخالي مِنَ النزاع هو المانِع، وليس المبيح.

الدليل الثالث:

ما رواه البخاريُّ من طريقِ مالك، عن عبدالمجيد بن سُهَيل بن عبدالرحمن بن عوْف، عن سعيد بن المسيَّب، عن أبي سعيدٍ الخُدري وأبي هريرة - رضي الله عنهما -: أنَّ رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - استعمل رجلاً على خيبر، فجاءَهم بتمر جَنيبٍ، فقال: ((أكُلُّ تَمر خيبر هكذا؟))، فقال: إنَّا لنأخذ الصاعَ مِن هذا بالصاعين، والصاعين بالثلاثة، فقال: ((لا تفعل، بِعِ الجَمْع بالدراهم، ثم ابتع بالدراهم جَنيبًا))، وقال في الميزان مثل ذلك.

وجه الاستدلال:

أنَّ هذا الرجلَ لديه تَمرٌ رديء يريد الحصولَ على تمر جيِّد، فإنْ باع الصاعين منه بالصاع وقَع في عينِ الرِّبا، ولكن إنْ باعه بدراهم، وهو لا يُريد الدراهم، أصبحَ البيعُ صحيحًا؛ لأنَّه قد توفَّرت فيه أركانُه وشروطه، وإنْ كان قصدُه من هذا البيع هو الحصولَ على التمر الجيِّد، فهذا القصْد لا يقدح في صحَّة البيع، ما دام أنه قدِ اشترى التمرَ الجيِّد من رجل آخَر غير الذي اشترى منه التمر الرديء.

 

وهذا كالنصِّ في الموضوع، فإنَّ المتورِّقَ يشتري السلعةَ وهو لا يُريد السلعة، وإنما قصدُه الدراهم، وهذا لا يَقْدَح في صحَّة البيع، ثم يبيع السِّلعةَ على رجلٍ آخَرَ غير الرَّجُل الذي باع عليه السِّلعة، فمَن أراد أن يُفرِّق بين الصورتَيْن، فسيتكلَّف الفرْق.

الدليل الرابع:

التورُّقُ يدلُّ على جوازه القياسُ الصحيح؛ قال ابنُ تيمية: "المشتري تارةً يشتري السِّلْعةَ؛ لينتفعَ بها، وتارةً يشتريها؛ ليتجرَ بها، فهذان جائزان باتِّفاق المسلمين، وتارةً لا يكون مقصودُه إلا أخذَ الدراهم، فينظر كم تُساوي نقدًا؟ فيشتري بها إلى أجَل، ثم يبيعها في السوق بنقد، فمقصودُه الورِق...".

 

وفي موضع آخر: "سُئِل عن رجل عندَه فرس، شراه بمائة وثمانين درهمًا، فطَلَبه منه إنسان بثلاثمائة دِرهم إلى مدَّة ثلاثة شهور، فهل يحلُّ ذلك؟

فأجاب: الحمد لله، إنْ كان الذي يشتريه؛ لينتفعَ به، أو يتجرَّ به، فلا بأسَ في بيعه إلى أجَل... وأما إذا كان محتاجًا إلى دراهم، فاشتراه؛ ليبيعَه في الحال، ويأخذ ثمنَه، فهذا مكروهٌ في أظهرِ قولي العلماء".

 

فهل يجوز للتاجِر أن يشتريَ السلعة بثمن مؤجَّل، ويبيعها بثمن حالٍّ مِن أجل تكثيرِ الدراهم، لا مِن أجل حاجته، ولا مِن أجل السلعة، ولا يجوز للمحتاجِ أن يشتريَها؛ ليبيعها ويقضي بها حاجتَه؟! أليس كلٌّ مِن التاجر والمحتاج قدِ اشترى السلعةَ مِن أجْلِ الدراهم، ولكن هذا مِن أجل المكاثَرة، وهذا من أجل دفْع الحاجة، فأيهما أوْلَى بالمراعاة؟!

الدليل الخامس:

مسيسُ الحاجةِ إلى هذه المعاملة، فإنَّ المسلم قد تشتدُّ حاجته إلى النقْد، ولا يجد مَن يُقرضه دون رِبًا، وهذه المعاملة ليس فيها مفسدةُ الرِّبا، فالبائع يبيعه السلعة بثمنٍ مؤجَّل، وهو لا يعلم نيَّتَه، هل يريد السلعة نفسَها، أو يريد الدراهم، وفِعْل البائعِ جائزٌ بالإجماع؛ لقوله - تعالى -: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ ﴾ [البقرة: 282]، والمشتري يشتري منه السلعة وهو لا يعلم قصْدَه من ذلك، هل باعَها بنِيَّة التورُّق، أو بنية التخلُّص والاستغناء عن السِّلْعة؟ وفعل المشتري جائزٌ بالإجماع؛ لأنَّه اشترى سلعةً مِن مالكها، وهي في حوزته، فهذان طرَفان في المعاملة لا إشكالَ في فعلهما، بَقِي المتورِّق، فالمتورِّقُ قد باع سلعةً ثبت ملْكُه عليها بعقد صحيح، فهو قدْ باع ملكه، فالقياس صحَّةُ فِعْله.

القول الثالث: ذهب بعضُ العلماء إلى كراهة التورق، وهو قولٌ في مذهب الحنفية، ورواية في مذهب أحمد.

 

ولعلَّ الذي كرِه التورُّقَ إنما كرِهه؛ لما فيه من استغلالِ حاجة المضطر، وحمله على شراءِ السِّلعة بأكثرَ مِن سعر يومها، ولوجود الخِلاف في جواز التورُّقِ، وخشيةَ أن يكون فيه مضارعةٌ للصور المحرَّمة.

ويناقش:

بأنَّ الكراهة حُكْمٌ شرعي يحتاج إلى دليلٍ شرعي، ولو سلَّمْنا أنَّ التورُّقَ مكروه، فإنَّ الحاجة الشديدة ترفَع الكراهة، كما ترفع الضرورةُ حُكمَ المحرَّم، والله أعلم.

القول الرابع: ذَهَب إلى كراهة التورق إذا اتُّخِذ ذلك حيلة على الربا، وهذا هو المذهب عندَ المالكية.

وجه مَن قال بالكراهة إنِ اتخذت حِيلة:

بأنه إذا اتَّفق معه قبلَ شراء السِّلعة على أنْ تكون المائةُ مائةً وعشرة، فقد ضارعتْ هذه الصورةُ صورةَ الربا، ومشابهة الرِّبا أقل أحواله أن تكون مكروهة.

 

والذي عليه العملُ الآن هو القول بجواز التورُّق البسيط، ولو منعنا التورقَ البسيط، لأغلقتْ أكثرُ المصارف الإسلامية أبوابها؛ لأنَّها لا تتعامل بالائتمان النَّقْدي، وهو القروض، وإنَّما جُلُّ معاملاتها يأتي من الائتمان التجاري المتمثِّل في بيع المرابحة للآمِر بالشراء، وهي الصيغة التي يلجأ إليها المتورِّق، فقد بلغتْ نسبة التمويل بأسلوب المرابحة في بنك البركة البحريني في عام 1995 أكثر من 79%، وفي مصرف قطر الإسلامي بلغَتِ النسبة في العام نفسِه أكثرَ من 67%، وفي البنك الإسلامي الأردني بلغت النسبة أكثر من 55 % من العام نفسه.

 

إنَّ بعض الباحثين يرى أنَّ الائتمان النقدي "القروض الرِّبويَّة" ربَّما تكون أيسرَ على الأفراد من التورُّقِ، وهذه نظرةٌ قاصرة راعى فيها الباحثُ الزيادةَ القليلة التي يتكبَّدها المتورق من جرَّاء شراء السلع بثمنٍ آجِل أعْلى من قيمتها، ثم بيعها بخسارة؛ للحصولِ على السيولة، ولو نظَر فيها إلى استفادة القِطاع الخاص من جرَّاء تقديم السِّلَع والخدمات لتمويلِ الحاجات الاستهلاكيَّة، بدلاً من تقديم القروض الربويَّة، وكيف يتحوَّلُ الائتمانُ التجاري إلى دعْم الحركة التجارية مِن منتج ومستهلك، لأدرك أنَّ هذا الضرر اليسير مغمورٌ في جانبِ المصلحة العامَّة، وعلى كلِّ حال، فالشارع عندما اشترط التماثل والتقابض في الأموال الرِّبويَّة إذا كانت مِن جِنس واحد، عمَد إلى تضييقِ بيع المقاضاة بيْن تلك الأموال، فإذا منع الرجل مِن التفاضل بيْن بيْع الرِّيال بالريال، وبيْن بيع الذَّهَب بالذهب، والفِضَّة بالفضَّة، وهكذا سائر الأموال الرِّبويَّة المِثلية، كالأرز والقمح والتمر، عمَد إلى منْعِ الائتمان النقدي؛ لأنَّ أحدًا لن يبيعَ رِيالاً بريال، ولا ذهبًا بذهب مع التساوي، ولا تمرًا بتمْر مع تساويهما؛ لأنَّ هذه المبادلةَ لن تكونَ مثمرةً للتاجر، وربَّما تكون حِكمةُ الشارع من منع التفاضل بين الأموال الرِّبويَّة؛ حتى لا يؤدي الاتجار بهذه السلع على هذه الطريقة إلى قِلَّتها في أسواق المسلمين، مع أنَّ فيها قِوامَ العَيْش، والله أعلم.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • التورق وتطبيقاته المصرفية المعاصرة في الفقه الإسلامي
  • التورق البسيط والتورق المصرفي (2/2) (WORD)
  • حكم مقلوب التورق المصرفي

مختارات من الشبكة

  • التورق البسيط والتورق المصرفي (1/ 2) (PDF)(كتاب - موقع الشيخ دبيان محمد الدبيان)
  • التورق والتورق المصرفي(مقالة - آفاق الشريعة)
  • حكم بطاقة التورق المنظم(مقالة - موقع د. طالب بن عمر بن حيدرة الكثيري)
  • حكم التورق المنظم(مقالة - موقع د. طالب بن عمر بن حيدرة الكثيري)
  • حكم التورق(مقالة - موقع د. طالب بن عمر بن حيدرة الكثيري)
  • التورق العكسي (عرض تقديمي)(كتاب - موقع د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر)
  • التورق (عرض تقديمي)(كتاب - موقع د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر)
  • تكييف التورق التمويلي بين الحل والحرمة (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • بيع التورق(مقالة - آفاق الشريعة)
  • التورق البنكي وأحكامه(محاضرة - موقع د. علي بن عبدالعزيز الشبل)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 16:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب