• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات   بحوث ودراسات   إبهاج المسلم بشرح صحيح مسلم   الدر الثمين   سلسلة 10 أحكام مختصرة   فوائد شرح الأربعين   كتب   صوتيات   مواد مترجمة  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    10 مسائل مهمة ومختصرة في: شهر الله المحرم
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    10 مسائل مهمة ومختصرة في الأضحية (PDF)
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    10 مسائل مهمة ومختصرة في 10 ذي الحجة (PDF)
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    الدعاء لمن أتى بصدقة
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    حديث: صدقة لم يأكل منها
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    حديث: هو لها صدقة، ولنا هدية
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    باب: (ترك استعمال آل النبي على الصدقة)
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    حديث: «كخ كخ، ارم بها، أما علمت أنا لا نأكل ...
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    شرح حديث: سيخرج في آخر الزمان قوم أحداث الأسنان ...
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    التعريف بالخوارج وصفاتهم
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    حديث: ألا تأمنوني؟ وأنا أمين من في السماء
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    إعطاء المؤلفة قلوبهم على الإسلام وتصبر من قوي ...
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    إعطاء المؤلفة قلوبهم على الإسلام وتصبر من قوي ...
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    إعطاء المؤلفة قلوبهم من الزكاة
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    باب: (إعطاء من سأل بفحش وغلظة) (2)
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    باب: (إعطاء من سأل بفحش وغلظة) (1)
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
شبكة الألوكة / المواقع الشخصية / مواقع المشايخ والعلماء / د. زيد بن محمد الرماني / تحقيقات وحوارات صحفية
علامة باركود

إقبال محموم على الملذات في شهر الطاعات

د. زيد بن محمد الرماني

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 3/7/2010 ميلادي - 21/7/1431 هجري

الزيارات: 11116

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

إقبال محموم على الملذات في شهر الطاعات

 

تحقيق/فوزية المحمد

 

ما أسباب سعار الاستهلاك الذي يصيبنا في شهر المفترض فيه كبح جماح النفس عن الملذات؟ وما تأثير ذلك على ميزانية الأسرة؟ وكيف نواجه هذا الإسراف؟

 

قبل قدوم رمضان بأيام وربما بأسابيع تعلن حالة الطوارئ في البيوت والأسواق، ويبدأ تزاحم الجميع على شراء الأغذية والسلع الرمضانية، الضرورية وغير الضرورية، في "تظاهرة استهلاكية" مبالغ فيها، تحول شهر رمضان من شهر للعبادة والصوم والإقلال من الملذات، إلى شهر للتسوق والتخمة والإسراف.

 

عن هذه التحولات الكبرى في الرؤية لرمضان وكيف انقلبت المفاهيم تحدث إلى "الدعوة" عدد من المشايخ الأفاضل وأخصائيون في الطب والاقتصاد والتغذية.

 

الدكتور سعد محمد المقرن أستاذ الاقتصاد بجامعة الإمام يقول: لا يشك أحد في الفضل العظيم الذي أودعه الله شهر رمضان المبارك كما لا يماري أحد في الفرحة والسرور التي تعم المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها بحلول هذا الشهر المبارك، بل إن الاستعدادات الكثيرة التي تسبق هذا الشهر لأكبر دليل على ذلك. لكن يبدو أن الغاية من شهر رمضان قد تحولت من كونه فرصة للتخلص من أعباء الحياة وهمومها، والسمو بالنفس والارتفاع بها عن شهوات الدنيا، وملذاتها إلى شهر يحمل العائلة أعباء مادية غير عادية. فمن الملاحظة تحول شهر رمضان إلى شهر استهلاكي عند كثير من الناس بشكل يفوق المعتاد ويخرج إلى حد التبذير وهو أمر يحتاج إلى وقفة لما له من آثار سلبية كثيرة. فشهر رمضان في الحقيقة يعد – بعد كونه تقوى لله جل وعلا- فرصة لإعادة التنظيم الاقتصادي للبيت والأسرة والمجتمع، وطبيعة الصيام من المفترض أن تساعد على ذلك، فتحول النظام الغذائي من ثلاث وجبات في الأيام العادية إلى وجبتين وضيق الوقت الإفطار المتاح بالنسبة لسائر الأيام أمر له معناه، وهو فرصة لتخفيض النظام الاستهلاكي لدى الأسر خاصة أننا أصبحنا أمة استهلاكية أكثر منا أمة إنتاجية، ومما لا يخفى على أحد أن حمى الشراء تؤدي إلى مع الوقت إلى خلل في اقتصاديات الأسرة وينتج عنها آثار سلبية مادية وتربوية.

 

وأشد ما يعجب له الإنسان تلك العلاقة الطردية الدائمة بين شهر رمضان، وبين زيادة الاستهلاك والإنفاق بل قل التبذير والإسراف والتي ما فتئت وسائل الإعلام على تزكيتها ونشرها بالدعاية الحثيثة لها قبل الشهر وأثناء الشهر حتى ملئت عقول كثير من الناس بما جعلهم يبعثرون أموالهم دون وعي أو إدراك صحيح.

 

إن التبذير والإسراف وهوس الشراء يعد خللاً في السلوك يحتاج إلى علاج وشهر رمضان في الحقيقة ما هو إلا فرصة لتصحيح ذلك السلوك لو نظرنا إلى شهر رمضان نظرة قائمة على الهدي النبوي الشريف لأدركنا أنه يجمع بين النظرة الدينية للشهر والمتضمنة أيضا للنظرة الاقتصادية بدعوته إلى التخفف قدر المستطاع من الأكل والشرب والإقبال على الدنيا بوجه عام. هذا بالإضافة إلى أن نظرة الإسلام للمسلم في مجال الإنفاق هي نظرة الكفاية لا التبذير والإسراف ﴿ وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ ﴾ [الأعراف: 31] ﴿ إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا ﴾ [الإسراء: 27] فأين ذلك من مآكل ومشارب نهايته صناديق النفايات وضياع الأموال.

 

إن الاستفادة من رمضان في ترشيد النفقات تتحقق عندما يعلم المسلم أن منفعته وإشباعه يتحقق ليس فقط بالإشباع المادي بل من خلال الإشباع الروحي الذي يتميز به هذا الشهر المبارك عن غيره لو أحسن المسلم استغلاله والاستفادة فلو تفكر حين يمسه ألم الجوع أو شدة العطش إخوانا له في بقاع الأرض لا يجدون ما يسدون به رمقهم ليس لساعات معدودة وإنما لأيام طويلة لعرف نعمة الله عليه ولدعاه ذلك للإحسان إلى أولئك المحتاجين لا إلى مزيد من النفقات وملء حاويات النفايات.

 

عندما تمتلئ المعدة:
وللإسراف آثاره الصحية الضارة ويحدثنا عنها الدكتور ماجد النوفل أستاذ علوم الأغذية يقول: الإسراف في تناول الطعام يؤدي إلى انخفاض كفاءة وقدرة الجسم على النشاط البدني والذهني، ونحن في شهر رمضان المبارك نسرف في تناول الطعام مما يؤثِّر على حسن العبادة لذلك كان لقمان ينصح ابنه بقوله يا بني إذا امتلأت المعدة، نامت الفكرة، وخرست الحكمة، وقعدت الأعضاء عن العبادة، وإذا كانت جميع الدراسات الصحية قديما وحديثا قد توصلت إلى ضرورة عدم الإسراف فإن القرآن الكريم قد سبق ذلك عندما ذكر في آياته الكريمة القاعدة الصحية في التغذية وكلوا وأشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين. وأفضل طريقة لتنفيذ هذه القاعدة الصحية ما ذكره الرسول صلى الله عليه وسلم نحن قوم لا نأكل حتى نجوع، وإذا أكلنا لا نشبع وقال أيضاً كلوا واشربوا والبسوا وتصدقوا من غير مخيلة ولا إسراف.

 

ويضيف الدكتور النوفل: أثبتت الدراسات العلمية الحديثة أن الفائدة الصحية من تقليل كمية الطعام المتناولة ترجع إلى انخفاض تكوين ما يعرف بالشقوق الحرة في الجسم وهي مركبات تتحرك داخله في كل الاتجاهات وتدمر في حركتها خلايا الجسم سريعة التعرض للإصابة وأيضاً تتلف أغشية الخلايا العادية وجزءاً من الشفرات الوراثية المسئولة عن سلامة التشغيل العادي لأجهزة الجسم.

 

ونتيجة لذلك ينخفض معدل كفاءة العمليات الحيوية في الجسم الذي يسرف في تناول الطعام فيتعرض إلى سرعة ظهور أعراض الشيخوخة مع ارتفاع نسبة تعرضه للإصابة بالأورام والأمراض المختلفة، وهناك آراء علمية تعتبر أن الإقلال من تناول الطعام هو العلاج الذي يزيد من كفاءة العمليات الحيوية في الجسم ويدعم قدرة الخلايا على التعامل مع المواد الضارة التي تدخل جسم الإنسان.

 

أما والجديد الذي أثبتته الدراسات الحديثة أن هناك فائدة أخرى من تقليل تناول الطعام، وهي وقاية الجسم من أضرار التداخلات الغذائية التي تحدث عادة من الإسراف في الطعام فمع الأضرار المعروفة للإسراف في تناول اللحوم والدواجن، ومنتجاتها من التعرض للإصابة بحصوات الكلي ومرض النقرس فإنها تتداخل أيضا -سلبياً- مع الكالسيوم في الجسم وتزيد من معدل فقده في البول مما يضعف العظام فتصاب بالهشاشة وتعتبر هشاشة العظام من أهم المشاكل الصحية التي تعاني منها بعض الدول المتقدمة بسبب إسرافها في تناول اللحوم ومنتجاتها بالرغم من زيادة معدل استهلاكها للألبان.

 

ماراثون الأكل:
ومن المثير للانتباه أن الأغذية الصحية الغنية بالألياف مثل الخضراوات والفواكه ومنتجات الحبوب يؤدي الإسراف في تناولها إلى ظهور تداخلاتها الغذائية الضارة التي منها تقليل امتصاص الجسم لبعض المغذيات المهمة مثل الكالسيوم والحديد والزنك مما يؤثِّر على درجة الوقاية من الأمراض.

 

ومن المعروف أن الإسراف في تناول الأغذية الدهنية والدسمة يعرض الجسم للإصابة بالسمنة وتصلب الشرايين وأمراض القلب فضلا عن زيادة نسبة الإصابة بالأورام المرتبطة بكثرة تناول الدهون بينما تؤدي كثرة تناول الأغذية السكرية إلى تعرض الأسنان للأضرار الصحية وإلي مخاطر ارتفاع مستويات الأنسولين في الجسم. ولا يقتصر الإسراف على الإنفاق على الطعام وإنما تناوله أيضاً؛ فأغلبية الصائمين ما إن يؤذن لصلاة المغرب ويضرب مدفع الإفطار حتى يبدأون ماراثون تناول الطعام والانتقال من صنف إلى آخر حتى أذان الفجر وضرب مدفع الإمساك. ويرجع هذا النهم في الأكل.

 

كما يؤكد الدكتور النوفل إلى تصور خاطئ هو أن الصائم لا يأكل طوال النهار؛ ومن حقه أن يعوض ذلك الحرمان بأكل كميات إضافية عند الإفطار، وكأن الإنسان يجتر كما تفعل الجمال والنوق في سفرها الطويل عندما تحتفظ بالأكل في سنامها غير مهضوم لتجتره عند الجوع، وتهضمه فتشعر بالشبع، وتستطيع مواصلة الرحلة. هذا التصور على الرغم من طرافته خاطئ تماما؛ فمعدة الإنسان تهضم جميع الأطعمة بمجرد أن تصل إليها، وبالتالي كلما زادت كمية الطعام زاد الوقت اللازم للهضم، وهو ما يسبب الخمول والكسل، فلا يستطيع الصائم ممارسة أي نشاط بعد الإفطار لشعوره بالثقل، وفي أحيان كثيرة يسبب هذا الإفراط في تناول الطعام عسر الهضم، خاصة إذا ما كانت المواد الغذائية المتناولة تحتوي على نسبة كبيرة من الدهون؛ لأن تكسير الدهون وهضمها يحتاج إلى وقت أكبر من هضم السكريات والنشويات.

 

... في النفايات:
ويبدأ الدكتور بشير فرحان حديثه بتعريف الإسراف.. ويقول: بأنه مجاوزة الحد في كل فعل أو قول وتبذير في غير وجه شرعي وقد يكون في معصية أو لعب وتسلية وله أسباب، فالكثير ينجذب للإعلانات التجارية الإغراءات أصحاب المحال، ولوسائل الإعلام دور أيضا والأمر بحاجة إلى الشعور بالمسؤولية تجاه المال المعد للإنفاق كما أن لربة البيت دوراً في الحد من الإسراف في الإنفاق واستشعار قيمة وفائدة المال وخاصة في هذا الشهر، فالكثير من العوائل تسرف في إعداد موائدها وتملؤها بأصناف الطعام المختلفة والتي يذهب معظمها إلى مكبات النفايات، وعلينا أن نعلم أن النعمة معرضة للزوال فلا تعرضوا أنفسكم لسخط الله. وهل المطلوب من الأسر الاقتصاد بشكل دائم؟ أن الشرع قبل كل شيء دعانا إلى الوسطية في الأمور، واثني على المقتصدين في الوقت نفسه لم يدعنا إلى التقصير على أنفسنا وبيوتنا والله سبحانه يقول: ﴿ وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا ﴾ [الفرقان: 67] فما أجمل أن يكون الإنفاق بشكل شرعي وبصورة صحيحة لا تقتير ولا إسراف.

 

وأخيراً نقول: إن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم يقول تعليماً لنا وتفهيماً: لكل شيء زكاة وزكاة الجسد الصيام والصيام نصف الصبر فإذا كان الصيام هو نصف الصبر فإن الصبر مفتاح الفرج وفي الفرج تكمن راحة النفس وإذا كنا في شهر نتحمل الصيام ونحرم أنفسنا من لذة الطعام والشراب والشهوات فلماذا لا نريح أنفسنا برضا الله عنا، فلماذا لا نعود أنفسنا على عدم الإسراف في النفقات؟ ولماذا لا نسعى لتطهير أنفسنا وتزكية دواخلنا من تفاهات الحياة وحب التهام الأكلات التي ليس لها طريق سوى الفضلات أليس في ذلك راحة للنفوس بعدم معصية الله؟! إننا بحاجة إلى تدبير أمورنا وتقتير شهواتنا ورغباتنا الدنيوية وتوجيهها لما يضمن لنا الراحة في الدنيا والآخرة.. ندعوكم في هذا الشهر الفضيل وأنتم تصومون عن الطعام والشراب، ندعوكم لصيام العيون وصيام اللسان وصيام اليدين عن الإسراف في النفقات إلا نفقة صدقة لسائل، أو عابر سبيل ولمحتاج، وما أكثرهم في هذه الأيام، فالأيتام كثيرون والمتشردون دون مأوى بعد أن هدمت بيوتهم وبسبب ما نمر به من ظروف عصيبة بوجود الاحتلال وما يفرزه لنا في كل يوم من خراب ودمار، فسارعوا لكسب العيش الرغيد في جنة الخلد لا في دنيا بالية.

 

هنا لذة الجوع:
وعن ظاهرة الإسراف يقول الشيخ الدكتور عائض بن عبد الله القرني الداعية الإسلامي المعروف: من الأخطاء الإسراف في رمضان في موائد الإفطار والسحور فيوضع من الطعام ما يكفي الفئام من الناس، ويكثر من الأنواع ويتفننون في عرض كل غال ورخيص من مطعم ومشرب ثم لا يؤكل منه إلا القليل ويهدر باقية في النفايات، وهذا خلاف هدي الإسلام العظيم، قال سبحانه وتعالى: ﴿ وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ﴾  [الأعراف: 31] فكل ما زاد على حاجة الإنسان واستهلاكه فهو إسراف مذموم، ولا يرضى به رب الصائمين ويندرج في قوله تعالى:﴿ وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا * إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا ﴾  [الإسراء: 26 - 27] وقال عز وجل: ﴿ وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا ﴾ [الفرقان: 67]

 

وقال القرني: من مقاصد الصيام استفراغ المواد الفاسدة في المعدة بتقليل الطعام، وكيف يتم ذلك لمن أسرف في طعامه وشرابه، وبذَّر في مأكله؟! ناهيك عن من أتعب أهله بتكليف صنع كثير من الأطعمة والأشربة حتى أشغلهم عن العبادة، ولو اقتصر على الضروري لوجد أهله وقتاً واسعاً للتزود من طاعة الله عز وجل مشيراً إلى أن الصائم يعيش لذة الجوع لمرضاة الله وطعم الظمأ في سبيل الله، والذي جعل النهار نوماً كله لا يجد ذلك.

 

المنهج القرآني:
وعن الطريقة الصحيحة لتناول الطعام تقول سلمى عبد الحميد أخصائية التغذية: لا يوجد أفضل من المنهج القرآني فالله عز وجل يأمرنا بألا نسرف في تناول الطعام ﴿ يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ﴾ [الأعراف: 31] ويقول الله تبارك وتعالى: ﴿ وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا * إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا ﴾ [الإسراء: 26 - 27].

 

وتضيف: إن الآيتين الكريمتين مدلولهما أن الإسراف لا يحبه الله، ورمضان ليس شهر أكل وشرب ولكنه شهر عبادة وإنابة. كما يقول الرسول عليه الصلاة والسلام: "بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه فإن كان لا محالة فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه" وتعلق الأستاذة سلمى قائلة: المنهج النبوي في طريقة تناول الطعام هو الذي ينصح به علماء التغذية في الغرب الآن؛ فقد ثبت أن كثرة الأكل وملء المعدة بالطعام يجعلها تتمدد فتضغط على الحجاب الحاجز الفاصل بين الجهازين الهضمي والتنفسي فيقل الفراغ المتاح للرئتين فلا تستطيعان التمدد للتنفس كما ينبغي، فيسبب ذلك ضيق النفس.

 

وفي نفس السياق نجد حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: "صوموا تصحوا"، فقد بينت الدراسات العلمية أن الأفراد الذين يتناولون طعامهم في شهر رمضان باعتدال وحسن اختيار تنخفض عندهم نسبة الكولسترول والدهون والسكر في الدم، بالإضافة إلى إراحة الجهاز الهضمي وتحسنه في العديد من الجوانب الصحية، ولكن للأسف ما يحدث هو العكس؛ حيث نجد أن ملء البطون والإسراف في تناول ما لذ وطاب من كل أنواع الحلويات والأكلات الدسمة في هذا الشهر أدى إلى حدوث العديد من الاضطرابات الهضمية بين الناس، وكأن الفرد يحتاج إلى غذاء أكثر في هذا الشهر الفضيل، في حين أن معظم الأفراد يحتاجون إلى كمية غذاء أقل خاصة من المواد النشوية والدهنية (المولدة للطاقة) لقلة حركتهم وجهدهم المبذول في شهر رمضان، والدليل على ذلك معاناة الكثيرين من زيادة الوزن خلال رمضان وبعده بسبب تناولهم ما يفوق احتياجاتهم الحقيقية. وتضيف: أيضا من الظواهر والأخطاء التي يرتكبها البعض ترك السحور؛ فكثير منهم لا يتسحرون بالرغم من ترغيب النبي صلى الله عليه وسلم في السحور؛ حيث قال عليه الصلاة والسلام: "تسحروا فإن في السحور بركة"، كما أن البعض يعجل السحور خلافا للسنة المطهرة التي أمرت بتأخيره ما لم يخش طلوع الفجر مصداقا لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطور وأخروا السحور".

 

الشره للطعام يعطل العبادة:
ومن جانبه شدد الشيخ محمد الماجد على ضرورة الاقتصاد وعدم الإسراف في شهر رمضان وقال: "إن الإسراف والتبذير عدوان للنعم بسببهما تتبدل وتتغير ويتحول حال العباد، فالإسراف نفسه صفة قبيحة في الإنسان والتبذير وصف ذميم وكفى بهاتين الصفتين قبحاً للمرء يتصف بهما. والمسرفون أنفسهم في خطر وبلاء كبيرين فإنهم لا يحبهم الله (إنه لا يحب المسرفين)، وشهر رمضان شرع لتقوى الله تعالى لقوله: (لعلكم تتقون)، أي لم يشرع حتى تتفنن الأسرة في أنواع الطعام والشراب.

 

ودعا الشيخ محمد الماجد المسلمين إلى تفعيل شهر رمضان بداخلهم للوصول إلى أهدافه الحقيقية التي تتضمن تقوى الله وخشيته، والاستزادة من العمل الصالح، وجعل رمضان موسماً من مواسم الخيرات التي تتوافر فيها العلاقات الاجتماعية، وتقوى فيها صلة الأرحام، ولذلك ينبغي أن يقتصر فطور رمضان على المتيسر من الطعام لأن الزيادة فيه تضعف النفس عن ممارسة العبادة والمعروف عن شهر رمضان انه شهر للعبادة.

 

وحول ظاهرة الاستهلاك المسرف في رمضان بين الماجد أن الإسراف موجود، وأضاف: "للإعلام دور مهم في تشجيع المرأة بالذات على الإسراف، فالإعلانات التجارية عن السلع المخفضة والتي تسبق رمضان تحفز بداخلها عادة الإسراف، كما أن للعادات دوراً مهماً، إذ إن المجتمع السعودي يعتمد على الولائم في شهر رمضان، لذلك تلجأ الأسر إلى الشراء بكميات كبيرة، ربما تفيض عن حاجاتها اليومية من الطعام، وهنا لا بد من الموازنة بين الإنفاق والاستهلاك فيجب على المرأة، المسئولة الأولى عن إدارة شؤون المنزل، أن تقتصد في إنفاقها في رمضان.

 

استنفار الأسواق والأسر:
الدكتور زيد محمد الرماني عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية يقول: الصوم مدرسة روحية عظيمة القدر، تتجلى فيه المشاركة التامة بين الغني والفقير. وفي الصوم فرصة لتربية ملكة الأمانة في شعور الصائم، وفريضة الصيام تربي في نفسية الصائم ملكة النظام. وبعبارة مختصرة، الصوم هو أحد دعائم الإسلام وأركانه الخمسة. جاء في الحديث القدسي: "الصوم لي وأنا أجزي به".

 

ومن جهة أخرى، فإن من معاني الصوم أنه إمساك عن شهوة البطن. وبالمعنى الاقتصادي، تخفيض الإنفاق أي ترشيده بمعنى أدق. بيد أننا نرى، في حياتنا المعاصرة، علاقة طردية بين شهر رمضان والاستهلاك الشره. والمرء يدهش من هذا النهم الاستهلاكي الذي يستشري لدى الناس عامة في هذا الشهر دون مبرر منطقي، فالجميع يركض نحو دائرة الاستهلاك المفرط. والاستعداد للاستهلاك في شهر رمضان يبدأ مبكراً مصحوباً بحملات رهيبة من الدعاية والإعلان والمهرجانات التسويقية التي تحاصر الأسرة في كل مكان وزمان ومن خلال أكثر من وسيلة. فالزوجة تضغط باتجاه شراء المزيد من الحاجات، والأولاد يلحون في مطالبهم الاستهلاكية، والزوج نفسه لديه حالة شراهة لشراء أي شيء قابل للاستهلاك وبكميات أكثر من اللازم. فعندما يأتي شهر رمضان نرى أغلبية المسلمين يرصدون ميزانية أكبر من ميزانية الأشهر العادية، وتبدأ مضاعفة الاستهلاك، ويكون النهار صوماً وكسلاً والليل طعاماً واستهلاكاً.

 

ونسي هؤلاء أو تناسوا أن اختصار وجبات الطعام اليومية من ثلاث وجبات إلى وجبتين اثنتين فرصة طيبة لخفض مستوى الاستهلاك، وهي فرصة مواتية لاقتصادياتنا خصوصاً نحن أمة مستهلكة. فجميع الإحصاءات تشير إلى أن الأقطار الإسلامية كافة تستهلك أكثر من إنتاجها، وتستورد أكثر من تصديرها، وما هذا الاستهلاك الزائد دائماً والاستيراد الزائد غالباً إلا عاملان اقتصاديان خطيران تشقى بويلاتهما الموازنات العامة وموازين المدفوعات. وغير خافٍ، أن الإنفاق البذخي في شهر رمضان أمر لا يمكن أن يتسق مع وضعية مجتمعاتنا الإسلامية التي في أغلبها مجتمعات نامية في حاجة ماسة إلى المحافظة على كل جهد وكل إمكانية من الهدر، وما نصنعه في شهر رمضان هو بكل تأكيد هدر لإمكانات مادية وهدر لقيم سامية وهدر لسلوك منزلة القناعة.

 

تبعية غذائية:
ومن المعلوم أن الاستهلاك المتزايد باستمرار معناه المزيد من الاعتماد على الخارج، وذلك لأننا لم نصل بعد إلى مرحلة الاكتفاء الذاتي أو مستوى معقول لتوفير احتياجاتنا الاستهلاكية اعتماداً على مواردنا وجهودنا الذاتية، وهذا له بعد أخطر يتمثَّل في وجود حالة تبعية غذائية للآخر الذي يمتلك هذه الموارد ويستطيع أن يتحكم في نوعيتها وجودتها ووقت إرسالها إلينا. ومن ثم، فإن لهذا الميل إلى الاستهلاك الشره أبعاداً خطيرة كثيرة تهدد حياتنا الاقتصادية، وتهدد أيضاً أمننا الاقتصادي. فهل يكون شهر رمضان فرصة ومجالاً لامتلاك إرادة التصدي لحالة الاستهلاك الشرهة التي تنتابنا في هذا الشهر الكريم؟ إن صفة استهلاك المسلم هي الكفاية لا التبذير، وإن منفعته وإشباعه يتحقق ليس فقط بالإشباع المادي بل من خلال الإشباع الروحي بأداء الواجب نحو المسلمين من مال الله الذي رزقه إياه. وإن منفعة المسلم تتحقق حتى في قيامه بواجبه نحو المسلمين، وقبل ذلك أهله وزوجته وولده. ولذا، يسعى المسلم إلى مرضاة الله تعالى، فيشكر الله على نعمه ويحمده كلما وُفق إلى استهلاك شيء من رزق ربه. والمسلم ينفق ماله ليحقق منفعة بسد حاجته، وبلوغ متعته والكفاية عن الحرام، وتحقيق مرضاة الله ونيل ثوابه عز وجل.

 

ترتيب الأولويات:
ويضيف الدكتور الرماني إن شهر رمضان فرصة دورية للتعرف على قائمة النفقات الواجبة بالمفهوم الاقتصادي، وعلى قائمة الاستبعاد النفقي، ثم فرصة لترتيب سلم الأولويات، ثم فرصة كذلك للتعرف على مستوى الفائض الممكن. ثم إن شهر رمضان فرصة لتحقيق ترشيد أفضل، ولتوسيع وعاء الفائض الممكن، ولكن شريطة أن يرتبط بالقاعدة القرآنية الإرشادية المعروفة؛ كلوا واشربوا ولا تسرفوا. هذه القاعدة، ولا شك هي ميدان الترشيد على المستوى الفردي والمستوى العام. لقد أكد الباحثون على حقيقة مهمة تنص على أن فوضى الاستهلاك تبرز بوضوح، حينما تبدأ الزوجة بعرض نفقاتها من السلع والمواد الغذائية التي تبتلع الدخل الشهري حتى آخر قرش فيه. وتنتقل عدوى التبذير إلى الأطفال فينمو معهم انعدام الحس بقيمة الأشياء فلا يحافظون بالتالي على ألعابهم أو كتبهم. وفي ظل ذلك، لا يعود التبذير والترف مسألة فردية بل مظهراً اجتماعياً، ولا يعود قضية وقتية حالية، بل مسألة تمتد إلى المستقبل ولا يعود التبذير والترف مقتصراً على الأسرة بل يمتد إلى الوطن كافة.

 

هل المرأة أكثر إسرافاً؟
وانتقل الدكتور الرماني بالحديث إلى مقارنة في الاستهلاك بين الرجل والمرأة وقال: الشائع بيننا أن المرأة أكثر إسرافاً من الرجل سواءً في ملبسها أو إنفاقها، ولكن هناك من الرجال من هم أكثر إسرافاً في أموالهم وسلوكهم ومقتنياتهم، فالأمر نسبي ويرتبط بحجم ما يتوفر لدى الفرد من مغريات نحو الإسراف. ويبقى السؤال المهم؛ أيهما أكثر إسرافاً الرجل أم المرأة أم الاثنان معاً؟ والحقيقة أن كلاً من الرجل والمرأة مسئول، وإن كان الإسراف والتبذير قد يكون أكثر في المجتمع النسوي نسبياً. ومن ثم فإن الزوجة التي تعد وتطبخ والزوج الذي يجلب وينفق كلاهما متهم في الشراهة الاستهلاكية التي تنتاب مجتمعنا في شهر رمضان وغير رمضان. وبلغة الإحصاءات والأرقام يذكر أنه في أحد الأعوام قدر نصيب شهر رمضان من جملة الاستهلاك السنوي في إحدى الدول العربية بما نسبته 20%، أي أن هذه الدولة تستهلك في شهر واحد وهو شهر رمضان خمس استهلاكها السنوي كله، بينما تستهلك في الأشهر المتبقية الأربعة أخماس (80%) الباقية. وقد كلف شهر رمضان في ذلك العام خزانة تلك الدولة حوالي 720 مليون دولار أمريكي. وتشير بعض الدراسات التي أجريت حديثاً إلى أن ما يلقى ويتلف من مواد غذائية ويوضع في صناديق القمامة كبير إلى الحد الذي قد يبلغ في بعض الحالات 45% من حجم القمامة. لذا، يمكن القول، بصفة عامة، إن الإسراف في شهر رمضان وفي غيره، سمة من سمات منطقتنا العربية. فشهر رمضان، يجري تحويله عاماً بعد عام إلى مناسبة للترويج الكثيف لمختلف السلع، وتسهم في ذلك بقوة مختلف وسائل الإعلام، وفنون الدعاية ووكالات الإعلانات. وهكذا، يتزايد إخضاع المشاعر الدينية للاستغلال كوسيلة من وسائل توسيع السوق، بل وأحياناً لترويج أكثر السلع بعداً عن الدين. وعليه، فإننا نؤكد على أن مفتاح حل الأزمات الحقيقي إنما يكمن في التربية الاستهلاكية. إن شهر رمضان هو محاولة لصياغة نمط استهلاكي رشيد وعملية تدريب مكثف تستغرق شهراً واحداً يشعر فيها الإنسان أن بإمكانه أن يعيش بإلغاء استهلاك بعض الحاجات في حياته اليومية ولساعات طويلة كل يوم.

 

إنه محاولة تربوية لكسر النهم الاستهلاكي الذي أجمع علماء الاجتماع وعلماء النفس على أنه حالة مرضية. وهنا نذكر بعض المعالجات التي يمكن من خلالها التصدي للشراهة الاستهلاكية أو التخفيف من حدتها فيما يلي:ينبغي التخلص من القيم الاستهلاكية السيئة حتى لا يتسبب الاستهلاك الترفي في الفقر، إذ باستمراره تضيع موارد الأسرة. كبح رغباتنا العاطفية المتعلقة بالشراء والاستهلاك على مستوى الأطفال والنساء والأسر. الحذر من تقليد المجتمعات المترفة ذات النمط الاستهلاكي الشره المترف.

 

حكمة اقتصادية:
ويضيف الدكتور الرماني: ذات يوم أوقف أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ابنه عبدالله، رضي الله عنهما، وسأله؛ إلى أين أنت ذاهب؟ فقال عبدالله؛ للسوق، وبرر ذلك بقوله؛ لأشتري لحماً اشتهيته، فقال له الفاروق؛ أكلما اشتهيت شيئاً اشتريته. إنها حكمة اقتصادية خالدة وقاعدة استهلاكية رشيدة، خصوصاً نحن نشهد في أيامنا هذه سباقاً محموماً يترافق معه أساليب تسويقية جديدة وأساليب إعلانية مثيرة ووسائل إعلامية جذابة. وأقول لأختي المرأة المسلمة، ينبغي عليك عندما تشعرين بأن حافز الإنفاق يدفعك إلى مزيد من الإسراف والتبذير والتسوق والشراء والشراهة الاستهلاكية، عليك إتباع الخطوات التالية:تمهلي قليلاً قبل أن تخرجي نقودك واسألي نفسك إن كان هذا الشعور حقيقياً أم انفعالياً. احرصي على ألا تشتري محبة الآخرين بالهدايا أو تقليدهم ومحاكاتهم بالإنفاق المفرط. اسألي نفسك قبل الشراء إذا كان بالإمكان شراء ما هو أفضل من هذا الشيء إذا أتيحت فرصة عرض سعري أفضل. وختام القول؛ فإننا لو جمعنا كل ما ننفق على الأمور التافهة في صندوق، ثم وجهنا هذا المال للقضاء على أسباب المآسي من حياة الناس لصلحت الأرض وطاب العيش فيها.

 

البعد عن الوسطية:
الدكتور رياض المسيميري يقول: الإسراف في كل شيء أمر مستهجن كرهه الشارع وحذَّر منه، قال تعالى: ﴿ وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ ﴾ [الأعراف: 31]، ويشتد الإسراف كراهة وسوءاً حين يحدث مضاراً في البدن أو المال أو غيرها، كذلك الإضرار الذي يحدثه الإسراف في الطعام، فما ملأ ابن آدم وعاء شراً من بطنه! ومن عجائبنا نحن المسلمين أننا حوّلنا شهر الصيام والاقتصاد في الطعام والشراب إلى شهر التخمة والسباق المحموم إلى الموائد ذات الأصناف والألوان مما لذَّ وطاب! إن تناول المباح من الطعام أمر مشروع لا عيب فيه ولا تثريب، لكن من الخطأ أن نجعل من المباح وسيلة لتدمير أجسادنا بذلك السيل الجارف من الأكل والشرب بلا حساب للعواقب، والله يقول: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا ﴾ [النساء: 29].

 

إن أسواق الأطعمة والأغذية تشهد ازدحاماً موسمياً لا نظير له في شهر رمضان، فعلى أي شيء يدل ذلك؟ بل إن الأطباء يؤكدون أن المراجعين بسبب الشره الزائد في الأكل والشرب يكثرون في شهر الصوم!! ويبدو أننا بعيدون كل البعد عن وسطية الإسلام في أمور ومسالك شتى، عقدية وتعبدية وأخلاقية، فكنا ضحايا الإفراط والغلو أحياناً، وصرعى التفريط والجفاء في أحيان أخرى. فكان الإفراط في تناول الأطعمة والأشربة أحد مظاهر البعد عن الوسطية، وكانت نتائجها بالطبع فقداناً لروحانية الصيام، وخروجاً به عن حِكمه النفيسة.

 

وأحسب أن أحد أسباب شيوع هذه الظاهرة هو ضعف الوسيلة الإعلامية التي تبث الوعي الصحيح، وتشيع الثقافة السليمة إزاء هذه التصرفات. إن الإعلام الإسلامي للأسف الشديد لم يفقد دوره الحقيقي حتى الآن، بل ربما فقهه بالمقلوب، فبدلاً من أن يوجه عنايته الجادة نحو بناء العقيدة السلفية، وتذكير الناس بأمورهم التعبدية، وتشجيعهم على الحياة السلوكية الرزينة، وبيان المعاني العظيمة لشعائر الإسلام بما فيها شعيرة الصيام وآدابه وأهدافه.

 

أقول بدلاً من كل هذا ألفيته أعلاماً تكريسياً دعائياً لكل التصرفات والاتجاهات غير المقبولة شرعاً أو خلقاً أو ذوقاً كذلك. جانب الدعاية الذي تبثه القنوات التلفازية والفضائية والإذاعية، أليس في أكثر معطياته دعوة للاستهلاك والإسراف إلى درجة الضرر الماحق؟!.

 

فالأطعمة بأنواعها وألوانها وطرق طهيها وإعدادها تعرض بشكل مغرٍ وأسلوب مدروس، يدفع الصائمين دفعاً إلى الازدحام أمام أسواق المحلات الغذائية قبيل الغروب، ثم الهجوم الضاري على الموائد بعده بلحظات، فليت إعلامنا إذا لم يبن ما ينبغي فعله من الاعتدال والتوسط في تناول الطيب بلا إفراط أو تفريط، أقول ليته إذا لم يبن ذلك ليته سكت!

 

هل هو زمن قحط؟!

الدكتور عباس الحازمي إمام وخطيب جامع النور بالرياض يقول: شهر رمضان مختص بأمور كثيرة وعظيمة تجعل له خصوصية وهو فريضة من فرائض الإسلام قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 183] ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "من صام يوماً في سبيل الله باعد الله وجهه عن النار سبعين خريفاً".

 

ويضيف الدكتور وليس من التخطيط والإعداد للتزود من هذا الشهر الكريم والفوز بالرضوان ليس من الإعداد هذا التدافع الشديد والتزاحم الكبير أمام الأسواق وكأن الناس مقبلون على زمن قحط وليس من التجديد والابتكار أصناف الأطعمة والأشربة التي تمتلئ بها بيوتنا استعداداً لهذا القادم، والانشغال التام بهذه الولائم عن المقصود الأعظم من هذه العبادة. ويؤكِّد الدكتور على أن من أسباب إقبال الناس على الشراء في شهر رمضان المبارك أن الناس يحرصون على الشراء بدعوى قول النساء ان الرجال طلباتهم على الأكل والشرب تكثر في شهر رمضان لذلك هن يثقلن الكاهل بكثرة طلبات الشراء تحقيقاً لرغبة الرجال، وأيضاً تريد النساء اختصار الطريق لقلوب الرجال واستبقائهن لبقايا مهارة سلبتها اعتماد كثير من النساء على الخادمات في الطبخ فهن يردن من خلال هذا الشهر تنويع المأكولات والمشروبات وتقديمها على المائدة، وهذا لا شك جهل بخصائص الشهر وفضائله من قبل الرجال والنساء، فليس رمضان شهر أكل وشرب وتكاسل عن أداء الطاعات.

 

يضيف: أن الدعايات تلعب دوراً مهماً في إقبال الناس على الشراء والازدحام في الأسواق وللأسف يكون مصير بقايا هذه الأطعمة والأشربة أكياس النفايات وسلال المهملات في صور تدل على دلالة واضحة على التعدي على حرمة الشهر الكريم وتتنافى في الوقت نفسه مع آداب وحكم الصيام العظيمة، في الوقت الذي تتوارى خلف هذه الغايات المضللة من الإعلانات إشارات خجولة عن فضل العبادة في بيت الله الحرام ومسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وشيء من الحث على البذل في سبيل الله ورعاية الأيتام وتحفيظ القرآن الكريم.

 

الخشوع والبطنة:
الشيخ حسن النعيمي إمام وخطيب جامع أبو بكر الصديق بالرياض يقول: ما يحدث من تزاحم الناس وإقبالهم على الشراء قبل دخول شهر رمضان الكريم في مواقف وصور تتنافى مع حقيقة الصيام الذي فرضه الله على الخلق فالله جل شأنه عندما شرع للمسلمين الصيام احتلت منزلة التقوى أولى المنازل ومن معاني التقوى الوصول إلى مرحلة الخشوع والخضوع لله عز وجل والخشوع ضمناً يتنافى مع البطنة التي هي بسبب الأكل.

 

ويضيف الدكتور النعيمي أن الجائع يشعر بالصبر والصبر جزء من التقوى والصبر لله لن يكون إلا بالتخفف من الآثام والذنوب والمعاصي ومحصلة التقوى تكون بالصبر فكيف لنا الوصول للصبر ونحن نناقض أنفسنا فالمرء يصوم جزءاً من اليوم فإذا ما جاء الليل وأفطر أشبع بطنه بما لذ وطاب من المأكل والمشرب بما يتناقض مع النصف الأول من النهار.

 

ويقول: إن من أهداف وآداب وحكم الصيام العالية أن يشعر الغني بلذة الجوع لدى الفقير وهذا حقيقة لا يتأتى مع إقبال الناس وازدحامهم في الأسواق والمحلات التجارية فكيف سيشعر المسلم بأخيه المسلم وهو ينفق يمنة ويسرة شعاره في ذلك البذخ وعدم النظر لمن حوله من الفقراء والمحتاجين. أفليس التصدق والإحسان إلى هذه الفئة أولى من التسابق في ميادين المأكولات والمشروبات بدون حاجة ماسة تدعو إلى ذلك. أمر آخر إن كثيراً من الناس اعتادوا الصيام في مناسبات عدة منها صيام الأيام البيض وصيام يومي الاثنين والخميس وصيام يوم عرفة ويوم عاشوراء وغيرها من أنواع القربات ولم نر هؤلاء يتكدسون في هذه المحلات والأسواق بحثاً عن أطعمة وأشربة هي متوفرة أصلاً في منازلهم، فما الذي نقص من صيام هؤلاء أثناء هذه المناسبات لاشك أنه لم ينقص منهم شيء وان شاء كتب لهم أجر الصيام إذاً فلماذا إذا أقبل شهر رمضان المبارك رأيت هؤلاء وغيرهم يسارعون ويزاحم بعضهم بعضاً وكأن الناس مقبلون على مجاعة لاشك أن هذا يتنافى مع عملية الارتقاء بالصيام وتحقيق أهدافه السامية.

 

ويضيف الدكتور النعيمي حديثه بأن هذا الازدحام والإقبال من الناس على المحلات والأسواق يمثل ثقافة القطيع تحول معها الناس إلى مجرد آلات تحركها الدعايات الإعلانية هدفها الصرف التجاري ووصل الناس مع هذه الحملات الإعلانية إلى مرحلة لا يفكرون بل ينساقون وراءها لأنواع من المأكولات والمشروبات هي موجودة أصلاً في بقاله وسوق ولكن يزداد التركيز على تسويقها في شهر رمضان المبارك. وحتماً إن الذي يغطى بالنفقات شراء كل هذه الأصناف سيفقد كثيراً من معاني وفوائد الصيام وتظهر في صور من التكاسل والتقاعس عن أداء الصلوات وخاصة صلاة التراويح والإحساس بالكسل والنوم.

 

ويختتم الدكتور حديثه بأن الأطباء في مجال تخصصهم ينصحون بما جاءت به السنة المطهرة بالتخفف من الأكل والشرب، ويعدون رمضان فرحة لصائم ليخفف من وزنه وليقي نفسه من الأمراض فكيف يستفيد من رمضان من اتخم بطنه بكثرة المأكولات والمشارب، كما أن كثيراً من العلاج يكون بالحمية وشهر رمضان فرصة عظيمة لمن أراد أن يحقق نجاحاً صحياً إذا التزم فيه بالنهج النبوي الشريف ثلث لطعامك وثلث لشرابك وثلث لنفسك.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • د. زيد الرماني: التوسع في القروض يقود لنتائج كارثية

مختارات من الشبكة

  • إقبال شهر شعبان فرصة لتجديد العهد والإيمان(مقالة - آفاق الشريعة)
  • سباق الذكاء الاصطناعي: فضول لا ينتهي، وسباق محموم، ودور العالم العربي في هذا السباق(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • التهور الاقتنائي جراء الاستهلاك المحموم!(مقالة - موقع د. زيد بن محمد الرماني)
  • مسلمو البلقان يستقبلون رمضان بحماس شديد وإقبال على الطاعة(مقالة - المسلمون في العالم)
  • علماء أغنياء آثروا العلم على الملذات: دعلج(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • علماء أغنياء آثروا العلم على الملذات: ابن حزم(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • تزايد الإقبال السنوي على مسابقة القرآن الكريم في ييلابوغا(مقالة - المسلمون في العالم)
  • إقبال رمضان(مقالة - حضارة الكلمة)
  • سر إقبال القلوب على ربها آخر الليل(مقالة - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)
  • اختتام فعاليات مؤتمر تفسير القرآن بجامعة العلامة إقبال المفتوحة(مقالة - المسلمون في العالم)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 16:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب