• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات   بحوث ودراسات   إبهاج المسلم بشرح صحيح مسلم   الدر الثمين   سلسلة 10 أحكام مختصرة   فوائد شرح الأربعين   كتب   صوتيات   مواد مترجمة  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    10 مسائل مهمة ومختصرة في: شهر الله المحرم
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    10 مسائل مهمة ومختصرة في الأضحية (PDF)
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    10 مسائل مهمة ومختصرة في 10 ذي الحجة (PDF)
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    الدعاء لمن أتى بصدقة
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    حديث: صدقة لم يأكل منها
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    حديث: هو لها صدقة، ولنا هدية
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    باب: (ترك استعمال آل النبي على الصدقة)
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    حديث: «كخ كخ، ارم بها، أما علمت أنا لا نأكل ...
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    شرح حديث: سيخرج في آخر الزمان قوم أحداث الأسنان ...
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    التعريف بالخوارج وصفاتهم
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    حديث: ألا تأمنوني؟ وأنا أمين من في السماء
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    إعطاء المؤلفة قلوبهم على الإسلام وتصبر من قوي ...
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    إعطاء المؤلفة قلوبهم على الإسلام وتصبر من قوي ...
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    إعطاء المؤلفة قلوبهم من الزكاة
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    باب: (إعطاء من سأل بفحش وغلظة) (2)
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    باب: (إعطاء من سأل بفحش وغلظة) (1)
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
شبكة الألوكة / المواقع الشخصية / مواقع المشايخ والعلماء / الشيخ إبراهيم بن محمد الحقيل / خطب منبرية
علامة باركود

غزوة بني قريظة الغدر والعقوبة

الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 17/12/2006 ميلادي - 26/11/1427 هجري

الزيارات: 133202

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

غزوة بني قريظة الغدر والعقوبة

24/11/1427


الحمد لله رب العالمين، مالك الملك، ومدبر الأمر، له الحكم وإليه ترجعون، نحمده ونشكره، ونتوب إليه ونستغفره، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده ﴿ وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا ﴾ [الأحزاب: 25] وأشهد أن محمدا عبده ورسوله؛ اصطفاه الله تعالى على العالمين، وجعله حجة على الناس أجمعين، وأظهر به الإيمان والمؤمنين، وأذل به اليهود والمشركين، وكتب البقاء لشريعته إلى يوم الدين، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه؛ قدموا ولاءهم لله تعالى ولدينه على ولائهم لآبائهم وإخوانهم وحلفائهم وعشائرهم، فكانوا كما قال الله تعالى ﴿ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ ﴾[المجادلة: 22] والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

 

أما بعد: فاتقوا الله تعالى وأطيعوه ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (18) وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾ [الحشر: 18، 19].

 

أيها الناس: الغدر والخيانة من أحط الصفات، وأسوأ الأخلاق، ولا تسود الخيانة في الناس إلا انتشر فيهم الخوف، فلا يأمن بعضهم بعضا؛ ولذا جاءت شريعة الله تعالى آمرة بالأمانة والوفاء، ناهية عن الغدر والخيانة ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ﴾[المائدة: 1] ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [الأنفال: 27] وفي آية أخرى ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا ﴾ [النساء: 107].

 

ولما كانت سنة الله تعالى في عباده أن يوجد فيهم الخونة الغدارون ولا سيما في العهود والمواثيق فإن الله عز وجل خذر المؤمنين منهم، وبين كيفية التعامل معهم ﴿ وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ ﴾[الأنفال: 58].

 

وأمة بني إسرائيل هي أشهر الأمم في الخيانة والغدر؛ فلا يعاهدون عهدا إلا نقضوه، ولا يسالمهم قوم إلا غدروا بهم، ولا يحسن إليهم أحد إلا أساءوا إليه، ويرون ذلك حقا من حقوقهم، وفرضا من فروض دينهم(أوكلما عاهدوا عهدا نبذه فريق منهم بل أكثرهم لا يؤمنون) (فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم وجعلنا قلوبهم قاسية) (الذين عاهدت منهم ثم ينقضون عهدهم في كل مرة وهم لا يتقون).

 

وأكبر دليل على أن اليهود أغدر الناس وأخونهم: أن كل قبائلهم في المدينة نقضت عهودها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحق عليهم العذاب في الدنيا فمنهم من هجروا وأخرجوا من ديارهم، ومنهم من قتلوا وسبيت نساؤهم وذراريهم.

 

وفي آخر ذي القعدة من السنة الخامسة من الهجرة نقضت بنو قريظة عهدهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمكن الله تعالى المؤمنين منهم، فقضوا فيهم بحكم الله تعالى الذي أنزله.

 

لقد كان من سياسة النبي صلى الله عليه وسلم أول هجرته للمدينة أن وادع اليهود فيها، وعاهدهم بميثاق بين فيه ما لهم من الحقوق وما عليهم من الواجبات، وكان من بين بنود ذلك الميثاق: أن للمسلمين دينهم، ولليهود دينهم، وأن على اليهود نفقتهم، وعلى المسلمين نفقتهم، وأن بينهم النصر على من حارب أهل هذه الصحيفة، وأن بينهم النصح والنصيحة والبر دون الإثم، وأن اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين.

 

والتزم المسلمون بهذا العهد والميثاق؛ لأن من شيمتهم الوفاء والأمانة، فدينهم يأمرهم بذلك ويحرم عليهم الغدر والخيانة ولكن اليهود نقضوا العهد قبيلة قبيلة، وأخطر ما نقضت اليهود من العهود، وأشده ضررا على المسلمين، وأكثره خسة ودناءة وغدرا فعلة بني قريظة؛ إذ إن مقتضى المعاهدة معهم أن يشاركوا المسلمين في دفع خطر المشركين عن المدينة وقد حاصروها بأعداد كثيفة في غزوة الأحزاب، ولم يكتف اليهود بخذلان المسلمين في هذا الوقت العصيب، والتخلي عنهم في هذا المأزق الحرج، بل دعتهم نفوسهم الخبيثة التي تنضح بالغدر، وتقطر بالخيانة، دعتهم إلى طعن المسلمين في ظهورهم، وخفرهم في نسائهم وذراريهم، وممالأة المشركين عليهم، ويا له من موقف عصيب، ويا لها من خيانة لا نظير لها البتة.

 

ولما تسامع بعض الناس بخبر الغدر هذا، وخافوا على من في الحصون من النساء والأطفال من غدر اليهود، أراد النبي صلى الله عليه وسلم الاستيثاق من غدرهم، فأرسل الزبير والسعدين ابن معاذ وابن عبادة رضي الله عنهم، فرجعوا مؤكدين خبر نقض قريظة للعهد، وعظم بلاء المؤمنين، واشتدت محنتهم، وأصبحوا يواجهون عدوا شرسا يحاصر المدينة في عدد كثيف يبلغ عشرة آلاف مقاتل، ويعالجون منافقين يخذلون ويرجفون، ويبثون الشائعات والأكاذيب، ولا يدرون ما يصنعون باليهود وهم داخل الحصون عند النساء والأطفال وقد تنكروا للمسلمين، وانحازوا للمشركين ﴿ هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا ﴾ [الأحزاب: 11].

 

وحمل سعد بن معاذ رضي الله عنه في قلبه على بني قريظة بسبب خيانتهم القبيحة رغم أنهم كانوا حلفاءه وأقرب الناس إليه في الجاهلية، ولما جرح رضي الله عنه في الأحزاب ونزف وخشي أن يموت قبل أن يرى عذاب الله تعالى في بني قريظة، فدعا الله تعالى قائلا (اللهم لا تُخْرِج نَفْسي حتى تَقَرَّ عيني من بني قريظة فاستمسك عرقه فما قطر قطرة).

 

استجاب الله تعالى لدعوات المؤمنين وتضرعهم، وخذل الكافرين والمنافقين، فردَّ بقدرته وحكمته ورحمته المشركين على أعقابهم، وصدَّع تحالف اليهود معهم بشكوكٍ ألقاها في قلوب الفريقين، وتوفيقٍ منه سبحانه لنعيم بن مسعود رضي الله عنه في الوقيعة بينهم وقد أسلم ولم يعلموا بإسلامه، فعادت أحزاب المشركين خاسرة خائبة إلى مكة، وعاد رسول الله صلى الله عليه وسلم (ووضع السلاح واغتسل، فأتاه جبريل وقد عصب رأسه الغبار فقال: وضعت السلاح فوالله ما وضعته؟! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فأين؟ قال: ها هنا، وأومأ إلى بني قريظة) فأذن عليه الصلاة والسلام في الناس:(لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة).

 

وهذا يدل على أن غزو بني قريظة واستئصال شأفتهم جاء الأمر به من عند الله عز وجل عن طريق جبريل عليه السلام، وليس فعلا فعله النبي عليه الصلاة والسلام وأقره الله تعالى عليه، بل إن جبريل عليه السلام أنكر على النبي صلى الله عليه وسلم وضع السلاح والاغتسال قبل إيقاع العقوبة بالخونة المجرمين من يهود بني قريظة، وأخبره أن الملائكة عليهم السلام لم يضعوا أسلحتهم.

 

خرج النبي صلى الله عليه وسلم إليهم وقد بعث عليا رضي الله عنه على مقدمة الجيش ومعه اللواء فحاصرهم خمسا وعشرين ليلة، فلما اشتد حصرهم، واشتد البلاء قيل لهم: انزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاستشاروا أبا لبابة بن عبد المنذر فأشار إليهم أنه الذبح، قالوا: ننزل على حكم سعد بن معاذ- وكان رضي الله عنه حليفا لهم فظنوا أن يحابيهم ويخفف الحكم عليهم- فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: انزلوا على حكم سعد بن معاذ فنزلوا وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى سعد بن معاذ فأتي به على حمار عليه إِكاف من ليف قد حمل عليه وحفَّ به قومه، يحاولون الشفاعة في بني قريظة، فقالوا: يا أبا عمرو، حلفاؤك ومواليك وأهل النكاية ومن قد علمت، وهو رضي الله عنه ساكت لا يرجع إليهم شيئا، ولا يلتفت إليهم، حتى إذا دنا من دورهم التفت إلى قومه فقال: قد أنى لي أن لا أبالي في الله لومه لائم، وفي رواية: قال رضي الله عنه:(قد آن لسعد أن لا تأخذه في الله لومة لائم) فجيء بسعد رضي الله عنه وهو جريح، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أنزلوه، فأنزلوه، ثم قال عليه الصلاة والسلام: إن هؤلاء نزلوا على حكمك، قال: فإني أحكم فيهم أن تقتل مقاتلتهم وتسبى ذراريهم، قال عليه الصلاة والسلام: حكمت بحكم الله عز وجل، فقتل رجالهم وكانوا بين ست مئة وتسع مئة، إلا من أسلم منهم حقن إسلامه دمه، وسبيت نساؤهم وذرياتهم، وقسمت في المسلمين.

 

فكان هذا العقاب الشديد مناسبا لجرمهم الشنيع، وقد وجد بعض المعاصرين من المسلمين في نفوسهم شيئا من هذا الحكم الشديد مع أنه حكم الله تعالى من فوق سبع سموات، ولسان حالهم يقول: كيف تفنى قبيلة كاملة من اليهود بسبب خيانتهم، والإسلام دين الرأفة والرحمة، والسماحة والمسامحة. ويزداد حرجهم حين يستغل الأعداء هذه المواقف من السيرة النبوية ليشغبوا بها على الإسلام، ويتهموه بالفاشية والدموية. ولا شك في أن هذه الحرج الذي يجده بعض المسلمين من هذه الحادثة ومثيلاتها ينطوي على عدم استسلام كامل لله تعالى، ويدل على شك داخل تلك القلوب في حكمه عز وجل، والله تعالى يقول ﴿ فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [النساء: 65] فلا يسع مسلما إلا الرضا بحكم الله تعالى وأمره، واليقين بأنه الحق والعدل، وأن ما عارضه هو الباطل والظلم.

 

وسبب هذا الضعف في الاستسلام لشريعة الله تعالى هو أن من سلك هذا المسلك الخاطئ قد سلم بحكم الطاغوت المتمثل فيما يسمى بحقوق الإنسان، ثم جعله حاكما على شريعة الله تعالى، فما وافق قوانينهم الوضعية من شريعة الله تعالى رضيه وصاح بأن الإسلام قد سبق إليه، وما خالف قوانينهم طعن فيه وتأوله، وفي أحسن الأحوال يقبله على استحياء ويخفيه كأنما هو عار ونقص وخلل في الإسلام.

 

وقوانينهم الدولية الوضعية المتعلقة بالسلم والحرب، وحقوق الإنسان والمرأة والطفل، وحقوق الأسرى وغيرهم، فيها ما يوافق شرع الله تعالى فيكتسب شرفا بذلك، وإن لم يكن لواضعيه فيه نية ولا احتساب، كما أن في قوانينهم ما يعارض شرع الله تعالى وهو تحت الأقدام وإن زمر له المزمرون، وطبل له المطبلون، وجعله المنافقون في هذا العصر شريعتهم التي لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها، وما هو إلا من وحي الشيطان ووساوسه، وكل ما عارض الشريعة فهو الباطل والظلم، ولا يحق الحق، ولا يقضي بالعدل، ولا بد أن يوقن المسلم بذلك؛ لأنه ما صار مسلما إلا لقناعته بالإسلام، واستسلامه لأحكام الله تعالى.

 

وغالب الذين يداخلهم شك في بعض أحكام الشريعة، ويجدون حرجا من قضاء المسلمين على بني قريظة إنما نظروا إلى المجرم حال سفك دمه، ولم يستحضروا جريمته الشنعاء، فامتلأت قلوبهم بالرحمة والشفقة على المجرمين فزعموا حفظ حقوقهم، ونسوا من ظلمهم وغدر بهم هؤلاء المجرمون.

 

ومعلوم أن الدول في هذا العصر مجمعة على قتل الجاسوس الذي ينقل الأخبار للدول المعادية، ويعينها على دولته، وأين فعل جاسوس واحد خان وطنه من نقض اليهود للعهد وهم أمة كاملة تتطلع لإبادة المسلمين، وتقابل عظيم إحسانهم إليهم بحفظ العهد معهم مع القدرة عليهم، وإحسان جوارهم، والدفاع عنهم، تقابل أمة اليهود ذلك بأعظم الإساءة، وأشد دركات الغدر والخيانة.

 

لقد نقضت قريظة عهدها في أصعب موقف، وأشد ساعة، ولو أن مظاهرة اليهود للمشركين، وخيانتهم للمسلمين تمت على ما أرادوا، ودخل المشركون المدينة، وتمكن اليهود من نساء المسلمين وأطفالهم لأبادوهم عن بكرة أبيهم، أفإن سلم الله تعالى المؤمنين، ورد المشركين، وأنزلت العقوبة الشرعية بالخونة الغادرين يجد المسلم حرجا في نفسه من حكم الله تعالى، فيتذكر حال اليهود وهم يقتلون، ولا يستحضر حال المسلمين لو تمكن منهم المشركون بسبب خيانة اليهود. ولمن في قلبه أدنى حرج من ذلك عبرة وعظة فيما يفعله اليهود في أهل فلسطين، من الغدر والخيانة، ونقض العهد، وقصد الآمنين والنساء والأطفال بالقتل والترويع، وهدم الدور على أصحابها، ولا يكاد يمر يوم دون أن يقتلوا نساء وأطفالا، فتبا لقوانين وضعية توجد حرجا في قلوب بعض المسلمين من شريعة الله تبارك وتعالى، ونعوذ بالله تعالى من الزيغ والضلال، ومن الاستدراك على الشريعة الغراء، ونسأله سبحانه أن يرزقنا الرضا والإذعان والقبول والتسليم، إنه سميع قريب.

 

وأقول ما تسمعون واستغفر الله.


الخطبة الثانية

الحمد لله الحكم العدل وهو خير الحاكمين، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

أما بعد: فاتقوا الله تعالى وأطيعوه، واعملوا صالحا قبل أن يحال بينكم وبين العمل، واعلموا أن الأجل قريب، وأن الحساب عسير{ ﴿ وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَاوَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا ﴾ [الكهف: 49] .

 

أيها المسلمون: في غدر بني قريظة وغدرهم للمسلمين دليل على أن الطوائف والأقليات التي ليست على دين أهل البلد هي أقرب للخيانة والغدر من الأداء والوفاء متى ما رأت الفرصة سانحة لذلك، وأن إحسان أهل البلد إليهم سنوات متتابعة، وحمايتهم لهم، وحفظ حقوقهم، لا يمنعهم أبدا من الغدر والخيانة، وممالأة الأعداء على أبناء أوطانهم، وأن زعمهم أنهم وطنيون، وأن مصلحة الأوطان فوق أديانهم وطوائفهم ومذاهبهم ما هو إلا شعار يخدرون به أهل الغفلة من الناس.

 

ولئن كانت خيانة بني قريظة شاهدة على ذلك فإن التاريخ مليء بالنماذج التي تدل على هذه السنة، وتؤكد تلك الحقيقة، وفي أثناء الحروب الصليبية أسس نصارى الشرق من الأقباط والموارنة لواء كاملا يعين نصارى الغرب على إبادة المسلمين، ويدل على عوراتهم، رغم العداوة الشديدة بين نصارى الشرق وهم الأرثوذكس، ونصارى الغرب وهم الكاثوليك.

 

وفي اجتياح التتار لبلاد المسلمين، وقضائهم على الخلافة العباسية انحاز ابن العلقمي الرافضي الباطني إلى المغول ضد المسلمين رغم أنه كان يشغل وزيرا للخليفة العباسي، فما رده عن خيانته توزير العباسيين له، وإغداقهم الأموال عليه، وتمكينه من مفاصل الدولة وثرواتها وقراراتها، بل استغل ذلك في نسج المؤمرات التي قضى بها على من أحسنوا إليه، وهذه النماذج الخائنة تتكرر عبر العصور والدول، وما أكثرهم في هذا العصر، وأشد تمكنهم في كثير من بلاد أهل الإسلام.

 

ولئن دل التاريخ على هذه الحقيقة فإن في واقعنا المعاصر نماذج منها، ففي اجتياح الصرب للبوسنة كان صرب البوسنة يدلون المحاربين من صربيا على جيرانهم وأبناء وطنهم من المسلمين، ويشاركون العدو الغاشم في إبادة أبناء وطنهم، وكذلك فعلوا في كوسوفا.

 

وفعل مثل ذلك الباطنيون الصفويون والعلمانيون في أفغانستان، كما فعلوه في العراق- ولا زالوا- ومذابحهم ضد جيرانهم من أهل السنة على أشدها، ولا زالت الأقليات النصرانية في بلاد المسلمين تحرض الغرب على دولها، وتدل على عورات المسلمين، وتسرب الأخبار والمعلومات للدول المستكبرة، وتستنجد بها على أوطانهم، وليس بعيدا عن ذلك ما حصل وما يحصل في السودان والصومال وإرتيريا وغيرها.

 

ورأينا في حرب لبنان القريبة أصحاب الطوائف الضالة قد ركلوا وطنيتهم بأقدامهم، وانحازوا بولائهم للدولة الصفوية الفارسية الطامعة في إعادة أمجاد كسرى بن هرمز وأنو شروان، رغم إحسان دولهم إليهم. كما رأينا أن أتباع التيارات الليبرالية الغربية قد أجروا أنفسهم لما يخدم مصالح الدول التي تستأجرهم، وتأمرهم وتنهاهم، بعيدا عن مصالح أوطانهم.

 

وكل هذه النماذج السيئة من الغدر والخيانة ما هي إلا صورة مكرورة من خيانة بني قريظة، وإذا ما ألمت بأهل أي بلاد ملمة، ودهمها عدوها ظهر هؤلاء الخونة على حقيقتهم، وخرجوا من تقيتهم، وركلوا وطنيتهم، وأعلنوا العداء السافر لمن أحسنوا إليهم، وحفظوا لهم حقوقهم، ولم يكرهوهم على دينهم.والتاريخ والواقع المعاصر مليئان بالشواهد على ذلك، والكيس الفطن لا ينخدع بالشعارات دون الحقائق، ولا يغشى على بصره لحن القول، وكثرة الوعود والعهود؛ فكم من وعد أخلف، وكم من معاهد غدر، ولا قوة للمسلمين ولا نجاة لهم من غدر الغادرين، وخيانة الخائنين، ورد كيد الكائدين إلا بالتمسك بدينهم، وتحكيم شرع ربهم، ومخالفة من يريدون إضعاف المسلمين بتبديل دينهم، وتغيير مناهجهم، وحرفهم عن منهجهم، مع أخذ الحيطة والحذر من الطوائف الضالة، وعدم تمكينهم في بلاد المسلمين، والاستعانة بالله تعالى على كل خائن وغادر، وإعداد العدة لإرهاب أعداء الخارج، وتخويف أهل الغدر والخيانة من أعداء الداخل ﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ﴾ [الأنفال: 60].

 

وصلوا وسلموا.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • تحليل نوعي وكمي لغزوات النبي صلى الله عليه وسلم
  • غزوة بني المصطلق
  • غزوة بني النضير دروس وعبر
  • غزوة بني قريظة دروس وعبر
  • أحداث غزوة بني قريظة
  • قصة غزوة بني قريظة
  • من مواقف الرسول مع اليهود
  • الغدر بالمسلمين
  • لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة
  • غزوة: « بني قريظة »
  • غزوة بني قريظة في ذي القعدة وصدر من ذي الحجة سنة خمس من الهجرة
  • غزوة بني المصطلق وأحداثها
  • غزوة بني قريظة: دروس وعبر (خطبة)
  • غزوة بني قريظة
  • جنة الخلد (8) لباس أهل الجنة وحليتهم

مختارات من الشبكة

  • غزوة حمراء الأسد والرجيع ورعل وذكوان وبئر معونة وغزوة بني المصطلق(مقالة - آفاق الشريعة)
  • دروس وعبر من غزوة: «الخندق» و «بني قريظة»(مقالة - موقع د. أمين بن عبدالله الشقاوي)
  • خاتم النبيين (26) غزوة بني قريظة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • دروس غزوة الخندق وبني قريظة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • إتحاف الخيرة بشرح منظومة ابن أبي العز في السيرة (15)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • موسوعة المتسابقين في السيرة النبوية (7)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • غزوة خالد بن الوليد بني جذيمة(مقالة - موقع د. محمد منير الجنباز)
  • نظرية السلم الاجتماعي من خلال تحكيم سعد بن معاذ في بني قريظة(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • غزوة تبوك أو العسرة(مقالة - موقع د. أمين بن عبدالله الشقاوي)
  • غزوة ذات السلاسل وغزوة الخبط(مقالة - موقع د. محمد منير الجنباز)

 


تعليقات الزوار
2- تحقيق التوحيد و الولاء لله
محمد خلف الثوابية - الاردن 31-03-2011 10:33 AM

اسال الله العظيم رب العرش الكريم أن يرزق شيخنا الفاضل الإخلاص والتوفيق والسداد وأن يهدي الله على يديه قلوبا غلفا علاها الصدأ وأن ينورها بنور الإيمان والولاء والمحبة لله جل علاه نعم إن ماجسده الصحابي الجليل سعد بن معاذ هو عظيم الولاء والتجرد وعدم التبعية لغير الله نعم هذا هو دأب الصالحين من أمة محمد صلى الله عليه وسلم اللذين لايركعون لغير الله ولا ينحازون ولا يتنازلون عن مبدأ من مبادئهم التي جبلهم الله عليها قال تعالى:{قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ * لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ * وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ * وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ}.

1- كلمة حق
ريان العمودي - اليابان 02-04-2008 03:07 AM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

صدقت في كل كلمة قلتها.

جزاك الله وجزى كل من يقدم الخير للإسلام خيرا
1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 9/11/1446هـ - الساعة: 17:29
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب