• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات   بحوث ودراسات   إبهاج المسلم بشرح صحيح مسلم   الدر الثمين   سلسلة 10 أحكام مختصرة   فوائد شرح الأربعين   كتب   صوتيات   مواد مترجمة  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    10 مسائل مهمة ومختصرة في: شهر الله المحرم
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    10 مسائل مهمة ومختصرة في الأضحية (PDF)
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    10 مسائل مهمة ومختصرة في 10 ذي الحجة (PDF)
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    الدعاء لمن أتى بصدقة
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    حديث: صدقة لم يأكل منها
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    حديث: هو لها صدقة، ولنا هدية
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    باب: (ترك استعمال آل النبي على الصدقة)
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    حديث: «كخ كخ، ارم بها، أما علمت أنا لا نأكل ...
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    شرح حديث: سيخرج في آخر الزمان قوم أحداث الأسنان ...
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    التعريف بالخوارج وصفاتهم
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    حديث: ألا تأمنوني؟ وأنا أمين من في السماء
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    إعطاء المؤلفة قلوبهم على الإسلام وتصبر من قوي ...
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    إعطاء المؤلفة قلوبهم على الإسلام وتصبر من قوي ...
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    إعطاء المؤلفة قلوبهم من الزكاة
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    باب: (إعطاء من سأل بفحش وغلظة) (2)
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    باب: (إعطاء من سأل بفحش وغلظة) (1)
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
شبكة الألوكة / المواقع الشخصية / مواقع المشايخ والعلماء / د. محمود بن أحمد الدوسري / خطب
علامة باركود

فضائل التوبة وأسرارها

فضائل التوبة وأسرارها
د. محمود بن أحمد الدوسري

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 30/11/2021 ميلادي - 24/4/1443 هجري

الزيارات: 41968

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

فَضَائِلُ التَّوبةِ وأسْرارُها

 

الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الكريم، وعلى آله وصحبه أجمعين، أمَّا بعد:

فإنَّ الله تبارك وتعالى يُحِبُّ أنْ يتفضَّل على عباده، ويتم نِعَمَه عليهم، ويُريهم مواقِعَ بِرِّه وكرمِه؛ فيُحْسِنُ إلى مَنْ أساء، ويعفو عمَّنْ ظَلَم، ويغفر لِمَنْ أذنب، ويقبل عذر من اعتذر إليه، ولو شاء اللهُ تعالى ألَّا يُعصَى في الأرض طرفةَ عَينٍ لم يُعْصَ، ولكن اقْتَضَتْ مشيئتُه ما هو مقتضى حِكمَتِه.

 

ولهذا؛ فَتَحَ - بِجُودِه وكَرِمِه - بابَ التوبةِ لعباده، وأمَرَهم بها، وحضَّهم عليها؛ فقال سبحانه: ﴿ وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ ﴾ [الزمر: 54]، ووعدهم بقبولها منهم مهما عظُمت الذنوب: ﴿ وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرْ اللَّهَ يَجِدْ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا ﴾ [النساء: 110].

 

قال الله تعالى في شأن المنافقين: ﴿ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنْ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا ﴾ [النساء: 145، 146]، وقال سبحانه في شأن النصارى: ﴿ لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ ثم دعاهم إلى التوبة بقوله سبحانه: ﴿ أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [المائدة: 73-74].

 

وقال في شأن أصحاب الأخدود، الذين عذَّبوا المؤمنين بحرقهم بالنار: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ ﴾ [البروج: 10]، قال الحسن البصري رحمه الله: (انْظُرُوا إِلَى هَذَا الْكَرَمِ وَالْجُودِ؛ قَتَلُوا أَوْلِيَاءَهُ، وَهُوَ يَدْعُوهُمْ إِلَى التَّوْبَةِ وَالرَّحْمَةِ). فلا يَحِلُّ لأحد - بعد ذلك - أن يَقْنَطَ من رحمة الله، ولا أن يُقَنِّطَ من رحمته تبارك وتعالى، واللهُ تعالى «يَبْسُطُ يَدَهُ بِاللَّيْلِ؛ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ، وَيَبْسُطُ يَدَهُ بِالنَّهَارِ؛ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ»؛ رواه مسلم.

 

عباد الله، للتوبة فضائلُ جَمَّة، وأسرارٌ بَدِيعة، وفوائِدُ مُتعدِّدة، من أعظمها: أنَّ التوبة سببٌ للفلاح؛ قال تعالى: ﴿ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [النور: 31]، فمَنْ أراد الفوزَ بسعادة الدارين؛ فليتبْ إلى الله تعالى.

 

ومن أعظم البِشارات للتائبين: أن التائب تبدَّل سيئاتُه حسناتٍ فضلًا من الله وكرمًا، قال تعالى: ﴿ إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ﴾ [الفرقان: 70]. وبالتوبة تُكَفَّرُ جميعُ الذنوب والسيئات: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ﴾ [التحريم: 8].

 

والتوبة سببٌ لنزولِ الأمطار، وزيادةِ القوة، والإمدادِ بالأموال والأولاد: قال هودٌ عليه السلام لقومه: ﴿ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلْ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ ﴾ [هود: 25]، وقال نوحٌ عليه السلام لقومه: ﴿ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلْ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا ﴾ نوح: 10-12].

 

واللهُ تعالى يُحِبُّ التوبةَ والتوابين: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ﴾ [البقرة: 222]. قال ابن القيم رحمه الله: (وَلَوْ لَمْ تَكُنِ التَّوْبَةُ أَحَبَّ الْأَشْيَاءِ إِلَيْهِ، لَمَا ابْتُلِيَ بِالذَّنْبِ أَكْرَمُ الْخَلْقِ عَلَيْهِ؛ فَلِمَحَبَّتِهِ لِتَوْبَةِ عَبْدِهِ، ابْتَلَاهُ بِالذَّنْبِ الَّذِي يُوجِبُ وُقُوعَ مَحْبُوبِهِ مِنَ التَّوْبَةِ، وَزِيَادَةَ مَحَبَّتِهِ لِعَبْدِهِ؛ فَإِنَّ لِلتَّائِبِينَ عِنْدَهُ مَحَبَّةً خَاصَّةً).

 

وهو - تبارك وتعالى - يفرح بتوبة التائبين: كما مثَّلَه النبيُّ صلى الله عليه وسلم بقوله: «لَلَّهُ أَفْرَحُ بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِنْ رَجُلٍ نَزَلَ مَنْزِلًا وَبِهِ مَهْلَكَةٌ، وَمَعَهُ رَاحِلَتُهُ عَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ، فَوَضَعَ رَأْسَهُ فَنَامَ نَوْمَةً، فَاسْتَيْقَظَ وَقَدْ ذَهَبَتْ رَاحِلَتُهُ حَتَّى اشْتَدَّ عَلَيْهِ الْحَرُّ وَالْعَطَشُ، قَالَ: أَرْجِعُ إِلَى مَكَانِي، فَرَجَعَ فَنَامَ نَوْمَةً، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَإِذَا رَاحِلَتُهُ عِنْدَهُ»؛ رواه البخاري.

 

قال ابن القيم رحمه الله: (وَلَمْ يَجِئْ هَذَا الْفَرَحُ فِي شَيْءٍ مِنَ الطَّاعَاتِ سِوَى التَّوْبَةِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ لِهَذَا الْفَرَحِ تَأْثِيرًا عَظِيمًا فِي حَالِ التَّائِبِ وَقَلْبِهِ، وَهُوَ مِنْ أَسْرَارِ تَقْدِيرِ الذُّنُوبِ عَلَى الْعِبَادِ؛ فَإِنَّ الْعَبْدَ يَنَالُ بِالتَّوْبَةِ دَرَجَةَ الْمَحْبُوبِيَّةِ، فَيَصِيرُ حَبِيبًا لِلَّهِ؛ فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ، وَيُحِبُّ الْعَبْدَ الْمُفَتَّنَ التَّوَّابَ).

 

أيها المسلمون، للتوبة آثارٌ عجيبة، لا تحصل بغيرها: فالتوبة توجب للتائب المَحبَّةَ، والرِّقةَ، واللُّطفَ، وشُكْرَ الله، وحَمْدَه، والرضا عنه، وتوجب له الذُّلَّ والانكسارَ، والخضوعَ، والتذلُّلَ لله ما هو أحب إلى الله من كثير من الأعمال الظاهرة.

 

قال ابن القيم رحمه الله: (فَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِالْعَبْدِ خَيْرًا؛ أَلْقَاهُ فِي ذَنْبٍ يَكْسِرُهُ بِهِ، وَيُعَرِّفُهُ قَدْرَهُ، وَيَكْفِي بِهِ عِبَادَهُ شَرَّهُ، وَيُنَكِّسُ بِهِ رَأْسَهُ، وَيَسْتَخْرِجُ بِهِ مِنْهُ دَاءَ الْعُجْبِ، وَالْكِبْرِ، وَالْمِنَّةِ عَلَيْهِ، وَعَلَى عِبَادِهِ، فَيَكُونُ هَذَا الذَّنْبُ أَنْفَعَ لَهُ مِنْ طَاعَاتٍ كَثِيرَةٍ، وَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ شُرْبِ الدَّوَاءِ؛ لِيَسْتَخْرِجَ بِهِ الدَّاءَ الْعُضَالَ).

 

ومن فضائل التوبة وأسرارِها: أنها تُعرِّف العبدَ حقيقةَ نفسِه: وأنها الظالِمَةُ الجَهول، وأنَّ كلَّ ما فيها من خيرٍ، وعلمٍ، وهدى، وإنابةٍ وتقوى - فهو من ربِّها الذي زكَّاها. فإذا ابْتُلِيَ العبدُ بالذنب؛ عَرَفَ نفسَه، ونَقْصَها، وفَقْرَها إلى مَنْ يتولَّاها ويحفظها.

 

ومن فضائلها وأسرارِها: أنْ يَعْرِفَ المُذنِبُ كَرَمَ اللهِ وسِترَه، وسَعَةَ حِلْمِه، وأنه سبحانه لو شاء لَعاجَلَه على الذنب، ولَهَتَكَ سِتْرَه بين العباد؛ فلم يَطِبْ له عَيشٌ معهم أبدًا، ويَعْرِفَ - أيضًا - كَرَمَ اللهِ في قبول التوبة، فلا سبيل إلى النَّجاة إلَّا بعفو الله، وكرمِه، ومغفرتِه؛ فهو الذي جاد عليه بأنْ وفَّقَه للتوبة، وألْهَمَه إياها، ثم قَبِلَها منه.

 

ومن فضائلها وأسرارِها: أنْ يُعامِلَ العبدُ بني جِنْسِه في زَلَّاتهم وإساءاتِهم بما يُحِبُّ أنْ يُعامله اللهُ به في إساءاتِه وزَلَّاتِه وذنوبِه؛ فإنَّ الجزاء من جِنسِ العمل؛ فمَنْ عَفَا عُفِيَ عنه، ومَن استقصى استَقْصَى اللهُ عليه.

 

ومن فضائلها وأسرارِها: إقامةُ المعاذيرِ للخَلْق: فإذا أذنبَ العبدُ أقامَ المعاذيرَ للخلق، واتَّسَعَتْ رحمتُه لهم، واستراح العُصاةُ من دعائه عليهم، وقنوطِه من هدايتهم؛ فإنه إذا أذنب رأى نفسَه واحدًا منهم؛ فهو يسأل اللهَ المغفرةَ لهم، ويرجو لهم ما يرجوه لنفسه، ويخاف عليهم ما يخافه على نفسه.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله... عباد الله.. ومن فضائل التوبة وأسرارِها: أن يَتَعَرَّفَ العبدُ على نِعمة المُعافاة: فإنَّ مَنْ تربَّى في العافية لا يعلمُ ما يُقاسيه المُبتلى، ولا يعرفُ مِقدار العافية؛ فلو عَرَفَ أهلُ الطاعة أنهم هم المُنْعَمُ عليهم في الحقيقة، لَعَلِموا أنَّ لله عليهم من الشُّكر أضعافَ ما على غيرهم، وإنْ تَوَسَّدوا التُّرابَ، ومَضَغوا الحَصَى؛ فَهُم أهلُ النِّعمة المطلقة، وأنَّ مَنْ خلَّى اللهُ بينه وبين معاصيه فقد سقَط من عينه.

 

فإذا طالَبَتِ العبدَ نفسُه بما تُطالِبُه به من حظوظ الدنيا، وأرَتْه أنه في بليَّةٍ وضائقةٍ؛ تَدارَكَهُ اللهُ برحمته، وابتلاه ببعض الذُّنوب، فرأى ما كان فيه من المُعافاة والنِّعمة، وأنه لا نِسبةَ لِمَا كان فيه من النِّعم إلى ما طَلَبَتْه نفسُه من الحظوظ؛ فحينئذٍ يكون أكثرُ أمانيه وآمالِه العَوْدَ إلى حاله، وأن يمتِّعه الله بعافيته.

 

ومن فضائلها وأسرارِها: التَّحَرُّز والتَّيَقُّظ من العدو: فإذا تاب العبدُ، وأدرَكَ ما هو فيه من الخطأ، وندم على ما كان منه من التفريط - أوجبَ له ذلك تمام التَّحَرُّز والتَّيَقُّظ؛ فيَعْلَم من أين يدخلُ عليه اللُّصوصُ والقُطَّاعُ، ويَعرف مكامِنَهم، ويعرف مِنْ أين يخرجون عليه؟ ومتى يخرجون؟ فهو قد استعدَّ لهم وتأهَّب، وعَرَفَ بماذا يَسْتَدْفِعُ شرَّهم وكيدَهم؛ فلو أنَّه مرَّ عليهم على غِرَّةٍ وطمأنينةٍ لم يأمنْ أن يَظْفَرُوا به، ويجتاحُوه جملةً.

 

والتوبة سبيلٌ لإغاظة الشيطان ومُراغَمَتِه: فالقلب يَذْهَلُ عن عدوه؛ فإذا أصابه منه مكروه اسْتَجْمَعَتْ له قُوَّتُه، وطلب بثأره إنْ كان قلبُه حُرًّا كريمًا؛ كالرَّجل الشُّجاع إذا جُرِحَ فإنَّه لا يقومُ له شيء، بل تراه بعدها هائجًا، طالِبًا، مِقْدامًا. والقلبُ المَهِينُ كالرَّجل الضعيف المَهِين؛ إذا جُرِحَ ولَّى هارِبًا، والجِراحاتُ في أكتافه.

 

وكذلك الأسَدُ إذا جُرِح فإنَّه لا يُطاق؛ فلا خير فيمَنْ لا مُروءَةَ له، لا يطلب أخْذَ ثأرِه من أعدى عدوٍّ له، فما شيءٌ أشفى للقلب من أخذه بثأره من عدوِّه، ولا عدوَّ أعدى له من الشيطان؛ فإنْ كان له قلبٌ من قلوب الرِّجال المُتسابِقين في حَلَبة المَجْدِ جدَّ في أخذ الثَّأر، وغاظَ عدوَّه كلَّ الغَيظ، وأتْعَبَه، حَتَّى يَقُولَ الشَّيْطَانُ: يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوقِعْهُ فِيمَا أَوْقَعْتُهُ فِيهِ؛ فَيَنْدَمُ الشَّيْطَانُ عَلَى إِيقَاعِهِ فِي الذَّنْبِ، كَنَدَامَةِ فَاعِلِهِ عَلَى ارْتِكَابِهِ، لَكِنْ شَتَّانَ مَا بَيْنَ النَّدَمَيْنِ.

 

وَاللَّهُ تَعَالَى يُحِبُّ مِنْ عَبْدِهِ مُرَاغَمَةَ عَدُوِّهِ وَغَيْظَهُ، وهذه الْعُبُودِيَّةُ مِنْ أَسْرَارِ التَّوْبَةِ؛ فَيَحْصُلُ مِنَ الْعَبْدِ مُرَاغَمَةُ الْعَدُوِّ بِالتَّوْبَةِ، وَالتَّدَارُكِ، وَحُصُولِ مَحْبُوبِ اللَّهِ مِنَ التَّوْبَةِ، وَمَا يَتْبَعُهَا مِنْ زِيَادَةِ الْأَعْمَالِ - مَا يُوجِبُ جَعْلَ مَكَانِ السَّيِّئَةِ حَسَنَةً، بَلْ حَسَنَاتٍ.

 

فهذه بعضُ فضائلِ التوبة وأسرارِها، ومن خلال ذلك يتبيَّن لنا عِظَمُ شأنِ التوبة، وكبيرُ منزلَتِها عند الله، كما تتبيَّن لنا - أيضًا - حِكْمَةُ اللهِ في خَلْقِ المعاصي، وتقديرِ السَّيِّئات.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • أسباب سوء الخاتمة .. التسويف بالتوبة
  • تأملات في آيات من القرآن الكريم .. سورة التوبة
  • من أسباب حسن الخاتمة .. الدعاء والتوبة
  • التوبة من الغيبة
  • التوبة أسلوب حياة
  • كلمة عن التوبة إلى الله
  • التوبة النصوح
  • الإخلاص في التواضع والتوبة
  • التوبة والفرار إلى الله

مختارات من الشبكة

  • من فضائل النبي: منزلة الفضيلة ومعجزة القرآن الكريم(مقالة - آفاق الشريعة)
  • محضر سماع (الأربعون في فضائل الأعمال) على مؤلفها فضيلة الشيخ محمد بن لطفي الصباغ(مقالة - موقع د. محمد بن لطفي الصباغ)
  • 45 فضيلة من فضائل أذكار الصلاة(كتاب - آفاق الشريعة)
  • 30 فضيلة من فضائل أذكار الصباح والمساء(كتاب - آفاق الشريعة)
  • 23 فضيلة من فضائل أذكار النوم والاستيقاظ (WORD)(كتاب - آفاق الشريعة)
  • خطبة المسجد الحرام 14/11/1431هـ - فضائل مكة المكرمة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • القدس وآفاق التحدي (2)(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • الاستغفار.. فضائل وأسرار(محاضرة - مكتبة الألوكة)
  • العشر الأول من ذي الحجة .. فضائل وأسرار(مقالة - ملفات خاصة)
  • فضائل الصيام وأسراره، وخصائص رمضان(مقالة - ملفات خاصة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 16:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب