تفنيد دعوى سطو السيوطي على كتب الأقدمين

تفنيد دعوى سطو السيوطي على كتب الأقدمين

ردٌّ على افتراء:

بعد ما سبق عرضه من منهج السيوطي في تناوُل كتب التراث، لا يسعنا قبولُ الدعوى التي تتَّهم الشيخَ جلال الدين بالسَّطْو على كتبِ الأقدمين وتحويرِها ثم نسبتِها لنفسه، كما لا يسعنا قبولُ الدعوى الأخرى التي تنفي نسبةَ عددٍ كبير من المؤلفات إليه.

دعوى السطو:

بدأ هذه الدعوى: "شمس الدين السخاوي" القاهري الشافعي، المتوفَّى سنة 902هـ، في كتاب: "الضوء اللامع لأهل القرن التاسع"[1]، حين اتَّهم السيوطيَّ بأنه اختَلَس منه - حين كان يتردَّد عليه - كثيرًا من الأعمال: "كالخصال الموجبة للضلال، والأسماءِ النبوية، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وموت الأبناء، وما لا يحصره[2]"، كما اتَّهمه بأنه: أخذ من كُتُب المحموديَّة وغيرها كثيرًا من التصانيف المتقدمة التي لا عَهْد لكثير من العصريين بها من فنون، فغيَّر فيها يسيرًا، وقدَّم وأخَّر، ونَسَبَها لنفسه، وهوَّل في مقدماتها بما يتوهَّم منه الجاهلُ شيئًا مما لا يوفي ببعضه[3].

واتَّهمه كذلك بأن ما كتبه في: "تحريم المنطق" جرَّدَه من مصنَّفٍ لابن تيمية[4]، وأن كثيرًا من كتبه قد اختلسها من مصنَّفات ابنِ حجر ومسَخَها ثم نسبَها لنفسه، مثل: "لُباب النقول في أسباب النزول، وعين الإصابة في معرفة الصحابة، والنُّكَت البديعات على الموضوعات، والمدرج إلى المدرج، وتذكرة المؤتسي بمن حدث ونسي، وتُحفة النَّابِه بتلخيصِ المتشابِه، وما رواه الواعون في أخبار الطاعون، والأساس في مناقب بني العباس، وجزء في أسماء المدلِّسين، وكشف النقاب عن الألقاب، ونشر العبير في تخريج أحاديث الشرح الكبير[5]".

وقد تولَّى السيوطيُّ الردَّ على هذه الادِّعاءات بقلمِه اللاَّذِع وأسلوبِه الساخر وحُجَجه القوية ومنهجِه الموضوعي بطريقٍ مباشرة وغير مباشرة.

فممَّا كتبَه للردِّ على هذه الادِّعاءات: "الفارِق بين المصنِّف والسارق"[6]، و"الكاوي في تاريخ السخاوي"[7]، و"الدوران الفلكي على ابن الكركي"[8]، و"القول المجمل في الرد على المهمل"[9]، و"طرز العمامة في التفرقة بين المقامة والقمامة"[10]، و"التعريف بآداب التأليف"[11] وغيرها.

كما تولَّى الدفاعَ عنه عددٌ من العلماء والمفكِّرين، نذكر منهم: الإمام الشعراني - المتوفَّى سنة 973 هـ - في ذيل طبقاته[12]، والإمام الشوكاني - المتوفى سنة 1250 هـ - في البدر الطالع[13]، وفيه يقول عن السخاوي: "كثيرُ التحامُل على أكابرِ أقرانِه، لا يقيم لهم وزنًا، بل لا يَسلم غالبُهم من الحطِّ عليه، فلْيَعرف المطَّلع على ترجمةِ هذا الفاضل - أي: السيوطي - في الضَّوء اللامع أنها صدرت من خصمٍ له غير مقبول عليه"[14].

وفي تفنيد دعوى السطو، يقول الشوكاني: "ما زال دأبُ المصنِّفين، يأتي الآخِر فيأخذ من كتبِ مَن قبلَه، فيختصِرُ أو يوضِّح أو يَعترض، أو نحو ذلك من الأغراضِ التي هي الباعثة على التصنيف، ومَن ذاك الذي يعمد إلى فنٍّ قد صَنَّف فيه مَن قَبْله فلا يأخذ من كلامه؟"[15].

ونحن نتفق مع ما قيل بحقٍّ مِن أن السيوطي - وبعضَ معاصريه من العلماء - قد قاموا بعملين رائعين، أولهما: الحفاظُ على التراثِ العلمي والأدبي، والآخر: تجديدُ هذا التراثِ وتنميتُه بإدخال إضافاتٍ عليه لم تخطر للأسلافِ على بالٍ[16].

ونضيف إلى ذلك: أن السيوطيَّ قد اختطَّ لنفسِه منهجًا علميًّا يعتمد على الأمانةِ في كلِّ ما يَنقل أو ينسب إلى الآخرين، ويكفِي إلقاء نظرةٍ على مقدمات كتبِه وبعضِ أبوابها وفصولِها لنرى مدى التثبُّت مما يَنقل ونسبته إلى قائله، فهو قد غلَبَت عليه نزعةُ روايةِ الحديث والدقَّة في سنده ومتنه، فطبَّق هذا المعيارَ على كلِّ ما كتَب وصنَّف[17].