• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات   بحوث ودراسات   إبهاج المسلم بشرح صحيح مسلم   الدر الثمين   سلسلة 10 أحكام مختصرة   فوائد شرح الأربعين   كتب   صوتيات   مواد مترجمة  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    10 مسائل مهمة ومختصرة في: شهر الله المحرم
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    10 مسائل مهمة ومختصرة في الأضحية (PDF)
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    10 مسائل مهمة ومختصرة في 10 ذي الحجة (PDF)
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    الدعاء لمن أتى بصدقة
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    حديث: صدقة لم يأكل منها
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    حديث: هو لها صدقة، ولنا هدية
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    باب: (ترك استعمال آل النبي على الصدقة)
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    حديث: «كخ كخ، ارم بها، أما علمت أنا لا نأكل ...
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    شرح حديث: سيخرج في آخر الزمان قوم أحداث الأسنان ...
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    التعريف بالخوارج وصفاتهم
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    حديث: ألا تأمنوني؟ وأنا أمين من في السماء
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    إعطاء المؤلفة قلوبهم على الإسلام وتصبر من قوي ...
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    إعطاء المؤلفة قلوبهم على الإسلام وتصبر من قوي ...
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    إعطاء المؤلفة قلوبهم من الزكاة
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    باب: (إعطاء من سأل بفحش وغلظة) (2)
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    باب: (إعطاء من سأل بفحش وغلظة) (1)
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
شبكة الألوكة / المواقع الشخصية / مواقع المشايخ والعلماء / الشيخ عبدالرحمن بن محمد الدوسري / تفسير القرآن العظيم
علامة باركود

تفسير سورة البقرة .. الآية (216)

تفسير سورة البقرة .. الآية ( 216 )
الشيخ عبدالرحمن بن محمد الدوسري

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 4/12/2013 ميلادي - 30/1/1435 هجري

الزيارات: 29361

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

تفسير سورة البقرة

الآية (216)


يقول الله - تعالى -: ﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [216].


هذا الدور الثالث من أدوار حكم القتال، فإن الدور الأول جاء بالإذن في قوله تعالى في سورة الحج: ﴿ أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا ﴾ [الحج: 39].


والدور الثاني وجوبه مقيد بالاعتداء، وذلك في الآية [190] التي سبق بعض تفسيرها وهذا الدور الثالث وهو الوجوب على الإطلاق، لكن خصصه بعضهم فيمن يصد المسلمين عن الدعوة فإن قتاله واجب عليهم، وفي دعوى التخصيص بحث سيأتي إن شاء الله.


ولا شك أن القتال من ضروريات الزحف بالمد الإسلامي إلى الأمام، فيجب قتال من يقف بوجه المسلمين لصدهم أو تعويقهم عن ذلك ليجاهدوا فيما يبيده أو يقهره ويكسر شوكته.


قال بعض الحكماء:

سيف القتال والجهاد هو آية العز، وبه مصرت الأمصار ومدنت المدن، وانتشر الدين الإسلامي ونفذت تشريعاته، وبه حمي الإسلام من عبث العابثين في غابر الزمان ويحميه من طمع الطامعين في الحاضر، وبه امتدت سيطرة الإسلام إلى ما وراء جبال الأورال شمالاً وخط الاستواء جنوباً والصين شرقاً وجبال المييرن غرباً.


قال: فيجب على المسلمين ألا يتملصوا من قول بعض الأوروبيين: إن الدين الإسلامي قد انتشر بالسيف فإن هذا القول لا يضر جوهر الدين شيئاً، فإن المنصفين منهم يعلمون أنه قام بالدعوة والإقناع، وأن السيف لم يجرد إلا لحماية الدعوة، وإنما التملص منه يضر المسلمين لأنه يقعدهم عن نصرة الدين بالسيف، ويقودهم إلى التخاذل والتواكل، ويجمعهم على الاعتقاد بترك الوسائل، فيستخذون إلى الضعف كما هي حالتهم اليوم، وتبتلعهم الأمم القوية التي جعلت شعار تمدنها السيف أو القوة، وهذا ما يريده الطاعنون على الإسلام من بث الهزيمة النفسية حتى تنعكس حالهم من غزاة محررين إلى مطموع بهم ومستعبدين.


وقال: يجب على المسلمين أن يدرسوا آيات الجهاد صباح مساء، ويطيلوا النظر في قوله تعالى: ﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ ﴾ [الأنفال: 60].


لعلهم يتحفزون إلى مجاراة الأمم القوية المجاهدة في الأمم الضعيفة.


وقوله سبحانه وتعالى: ﴿ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ ﴾ من الكراهة فوضع المصدر موضع الوصف للمبالغة، كأنه في نفسه كراهة لفرط كراهتهم له أو هو فعل بمعنى معقول كالخبز بمعنى المخبوز أي وهو مكروه لكم، وهذا الكره سببه نفور الطبع عن القتال لما فيه من شدة الخطب والهول وخطر القتل ومشقة النفس وصعوبة النزال وهول إزهاق الأرواح ومئونة الأموال وما يحصل في أثنائه من الترويع والإرجاف، فلهذا صار مكروهاً للنفوس، ولكنها كراهة لا تنافي الإيمان لأنها كراهة جبلية لا تنافي الرضا بما كتبه لله، بل ولا تحمل السخط في نفوس المؤمنين على ما كتبه الله عليهم، وفي الكره خلاف لغوي بفتح الكاف أو ضمها، وحاصله أن الفتح للمضطر والضم للمختار فالكره بفتح الكاف: هو الإباء والمشقة تتكفلها النفوس فتتحملها. والكره بالضم: هو المشقة تحتملها من غير أن تتكفلها. فالأول كقوله تعالى: ﴿ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ ﴾ [آل عمران: 83].


والثاني قوله تعالى: ﴿ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ ﴾.

فالكره - بفتح الكاف -: هو ما حمله عليه غيره فأدخله عليه كرهاً. والكره - بضم الكاف -: هو ما حمل الرجل نفسه عليه من غير إكراه أحد إياه عليه، فهي كراهة طبيعية لا تنافي الإيمان ولا تنافي الرضا بما يحصل، كالمريض الذي يكره شرب الدواء البشع.


وقوله سبحانه: ﴿ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ﴾ هو عام في جميع ما كلفهم الله به من التكاليف الإسلامية تكرهها الطباع، وهي مناط صلاح الأمة ومنها القتال فإن عواقبه حميدة جداً، إذ به يحصل إحدى الحسنيين إما النصر والغنيمة والظفر الذي به رفعة الرءوس وإملاء الإرادة على الأعداء، وإما الشهادة التي تحصل بعد الاستبسال والنكاية بالعدو وتكون سبباً للفوز الأعظم عند الله، وجميع التكاليف الأخرى وإن كرهتها النفوس ففيها خير كثير في جهاد النفس وترتيبها على ما يحبه الله وعلى ما فيه مراغمة للشيطان فتتضاعف أجور صاحبها ويتأهل لجميع أنواع المعالي التي من أشرفها حمل الرسالة والذود عنها فـ (عسى) هنا للإشفاق على ما ذهب إليه البعض.


وقوله سبحانه: ﴿ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ ﴾ هو عام أيضاً في جميع ما نهاهم الله عنه مما تحبه نفوسهم وتهواه، وهو يفضي بها إلى الهلاك والدمار الحسي والمعنوي وخصوصاً في تركهم الجهاد وقتال الأعداء فإن فيه الضعف والذلة وطمع الأعداء المفضي إلى الاحتلال ونهب الأموال وسبي الذراري وحرمان الحظوظ العظيمة من ثواب الله، ورفضهم لنصره، واستسلامهم لأعدائه وأعدائهم مما يزيد في غيظهم، كما أنهم يحرمون أنفسهم من شفاء صدورهم بنكاية عدوهم وإذلاله، فينقلب غيظ العدو عليهم، فيخزيهم بين الأمم ويتشفى لصدره منهم، فتنقلب منافع القتال التي أوضحناها سابقاً بما تحصل للمسلمين أضراراً عليهم فـ (عسى) في هذا الموضع الثاني للترجي حسبما ذهب إليه بعضهم، وإنما ذكر (عسى) الدالة على عدم القطع، لأن النفس إذا ارتاضت وصفت انعكس عليها الأمر الحاصل لها قبل ذلك، فيكون محبوبها مكروهاً ومكروهها محبوباً، فلما كانت قابلة بالارتياض لمثل هذا الانعكاس لم يقطع بأنها تكره ما هو خير لها وتحب ما هو شر لها، فلا حاجة إلى أن يقال: إنها هنا مستعملة في التحقيق بمعنى (قد) كما في أكثر القرآن لهذا السبب.


وقال بعضهم: إن (عسى) هنا بمعنى (قد) ومنهم الأصم. وقال أبو عبيدة: (عسى) من الله إيجاب، والمعنى: عسى أن تكرهوا الجهاد لما فيه من مفارقة الوطن والأهل والمال والأحباب، ولما يحصل فيه من هول الموت وإرهاق العدو، ولكنه خير لكم حيث تستمطرون نصر الله الذي خرجتم لطاعته ومن أجله فينصركم على عدوكم وتغلبوه وتشفوا غليلكم منه وتخزونه بالذل، ويرى التنكيل على أيديكم، وتغنمون منه الشيء الكثير، ومن قتل منكم فهو شهيد فوزه أعظم من فوزكم، وإن عكستم الأمر فتركتم قتاله حباً للراحة وطمعاً في السلم الكاذب فإنه لا بد من انطلاقة عدوكم عليكم ليضربكم ضربته اللازبة فينعكس أمركم ويكون ما تحبونه شراً لكم والعياذ بالله.


ومما يدل على أن (قد) ليست للتحقيق أن المؤمنين الراسخين في الإيمان لم يكرهوا الجهاد ولم يتهربوا عن القتال، وإنما يكرهه ضعفاء الإيمان أو الجاهلون بمعاني ما أنزل الله على رسوله، فأما المؤمنون العالمون بما أنزل الله فقد أفاض الله على ألسنتهم من صدق الخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين توجهه إلى بدر ما ينير القلوب ويفيض الدموع حيث قام أبو بكر وعمر رضي الله عهما فتكلما وأحسنا، ثم قام المقداد بن عمرو رضي الله عنه فقال: يا رسول الله، امض لما أمرك الله فنحن معك، والله لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى: ﴿ فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ ﴾ [المائدة: 24]، ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون، فوالذي بعثك بالحق لو سرت إلى - (برك الغماد) - لجالدنا معك من دونه حتى تبلغه - و(برك الغماد) بلد باليمن - فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم خيراً ودعا له.


ثم قال: ((أشيروا عليّ أيها الناس)). فقال له سعد بن معاذ الأنصاري رضي الله عنه: والله لكأنك تريدنا يا رسول الله. قال: ((أجل)). قال: فقد آمنا بك وصدقناك وشهدنا أن ما جئت به هو الحق، وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة، فامض يا رسول الله لما أردت فنحن معك، فوالذي بعثك بالحق، لو استعرضت هذا البحر فخضته لخضناه معك ما تخلف منا رجل واحد، وما نكره أن تلقي بنا عدونا غداً. إننا لصبر في الحرب صدق في اللقاء، لعل الله يريك منا ما تقر به عينك، فسر بنا على بركة الله[1].


هكذا منطق المؤمنين العالمين، ومنه نفهم أن الآية ليست على عمومها، بل فيهم من يكره القتال لجهله بحقيقة الأمر وحسن العاقبة، وفيهم من ينشرح صدره للقتال امتثالاً لله واتكالاً عليه.


ومن هنا يتبين لنا أنه ليس جميع التكاليف الإسلامية مكروهة للنفوس، بل بعض المأمورات، وليس جميع المنهيات في الإسلام شاقة ومكروهة للنفوس، بل بعضها أيضاً كما يشهد العقل والواقع، بل إن جميع التكاليف الإسلامية من الأوامر والنواهي ليست مكروهة عند المؤمنين الذين خالط الإيمان بشاشة قلوبهم، فالمؤمنون حقاً والمتدبرون لوحي الله حقاً لا يكرهون شيئاً من التكاليف الإسلامية أبداً، وإنما يكرهها الجهال بمعاني التنزيل وضعفاء الإيمان كما سبق.


وفي هذه الآية الكريمة وختامها بقوله: ﴿ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ فوائد كثيرة:

أولها: أن المؤمن إذا علم أن المكروه قد يأتي بالمحبوب انشرح صدره لما يكرهه كما ينشرح صدر المريض للاكتواء بالنار الحامية وشرب الدواء الكريه طلباً للعافية فيقدم على فعل ما يكرهه من بذل النفوس والمال ورجاء حصول محبوباته من وراء ذلك.


ثانيها: أنه إذا علم أن المحبوب قد يأتي بالمكروه فإنه لا يأمن حصول الضرر من الجانب الذي يرجو منه الخير فتأتيه المضرة من حيث يريد المسرة وذلك لجهله بالعواقب.


ثالثها: أنه لا يقترح على ربه أي شيء ولا يختار لنفسه عليه أي شيء حتى في قلبه، فلا يقل: لو أن الله أمر بكذا أو حكم بكذا أو جعل كذا في وقت كذا، ولا يسأله ما ليس له به علم، فلعل هلاكه أو مضرته فيه وهو لا يعلم، فلا يختار على ربه شيئاً بل يسأله حسن الاختيار له، ويسأله أن يرضيه بما يختاره له أو يقدره عليه، كما في حديث الدعاء النبوي: ((وأسألك الرضا بعد القضاء، وأسألك اللطف فيما جرت به المقادير))[2].


رابعها: أن هذه الآية تقتضي من العبد تفويض جميع أموره إلى الله الذي يعلم عواقبها.


خامسها: أنها تقتضي من العبد رضاؤه بما يفرض عليه أو يشرع له في الأحكام معتقداً كفايتها للمقاصد الحسنة وحل المشكلات في الحاضر والمستقبل، ومعتقداً أيضاً خيريتها إما في الحال أو في الاستقبال.


سادسها: أنه إذا فوض أمره إلى الله ورضي بما يختاره فالله يمده بالثقة على ما تحمله والعزيمة على تنفيذه ويعينه على الصبر عليه ويصرف عنه الآفات التي تعترض اختياره أو تعرقل تنفيذه ويريه من حسن العواقب لاختياره له ورضاه به ما لم يكن يرى بعضه لولا ذلك.


سابعها: أنه لا أنفع ولا أجدى من امتثال أمر الله وإن شق عليه في الابتداء لأن عواقب أحكام الله كلها خيرات ومسرات ولذات وأفراح وإن كرهتها النفس في البداية، ففيها خير ونفع قد لا يعلمه إلا المشرع الذي هو الله العليم الحكيم.


هذا في فعل المأمورات، فأما ترك المحظورات فأعظم وأعظم لأنه لا ينهى إلا عن كل سيء وخبيث ومضر وفاسد، فلا شيء أضر على العبد من ارتكاب ما نهى الله عنه إن مالت إليه نفسه أو وجدت لذة عاجلة فعواقبها من المصائب والشرور والآلام والأحزان ما لا يحصى.


ثامنها: أن العقل يقضي على صاحبه باجتناب اللذة العاجلة التي يعقبها شر طويل وألم عظيم، كما يقضي عليه الإقدام على تحمل الألم الذي يعقبه لذة عظيمة وخير كثير، فكيف إذا انضاف إلى ذلك تعليم الله الذي تدرك به الغايات من مبادئها وعلم العبد أن الله قد يجعل الخير فيما هو مكروه للنفوس ورآه مفروضاً عليه، فإن إيمانه بالله يكسبه قوة صبر يوطن به نفسه على تحمل المشقة طمعاً في حسن العاقبة وثقة بالله المشرع العظيم القائل: ﴿ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 216] فبقوة يقينه وصبره يهون عليه تحمل كل مشقة.


تاسعها: من فوائد هذه الآية الكريمة أنها تريح قلب المؤمن من الوساوس والأفكار وأنواع الاختيارات المشغلة لقلبه والمضيعة لوقته والمخلة بعقله، فيتلقى أوامر الله ونواهيه برحابة صدر وانشراح خاطر جازماً أن عاقبتها الخير بجميع معانيه ودفع الشر بجميع معانيه وتحصيل السعادتين العاجلة والآجلة فيكسب راحة الضمير وصدق العزيمة والقوة المعنوية، فهذا نزر يسير من معاني قوله: ﴿ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾.


ومن عظيم هداية الله لعباده في القرآن أنه لا يزهدهم ولا يبغضهم الشيء المحبوب المرغوب في الطباع أبداً، ولا يهون عليهم الأمر الشديد كالقتال مثلاً، وإنما يخبرهم بحسن نتائجه، ويبشرهم بما يعوضهم عن محبوباتهم من الثمن النفيس الذي لا مثيل له ليفتح لهم نوافذ جديدة، يشرفون منها على الحياة الحقيقية الصحيحة لا الحياة البهيمية الزائفة، كما يطلون من تلك النوافذ على حكمة التكاليف التي لم يفرضها الله عليهم كضريبة للنفس والمال إلا للأهداف العليا التي اصطفاهم الله لها من بين البشر، كما قال سبحانه وتعالى: ﴿ وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ ﴾ [الحج: 78].


يعني: تخيركم واصطفاكم للزحف المقدس الصحيح لتوزيع هداية الله وقمع من يقف في وجوهكم لتستلموا القيادة العالمية.


فإذا تدبرت آية القتال هذه والآيات التي قبلها والتي سيأتي بعدها في سورة الأنفال والتوبة الحج وسورة القتال. أقول: إذا تدبرت الجميع منها أو بعضها وجدت الله فيها لا ينكر على بعض النفوس إحساسها بهول القتال وكراهيته، ولا حبها للمال الذي يعدل النفوس، لأن دينه القويم لا يماري في الفطرة ولا يصادمها وإنما يهذبها ويجعل فيها قابلية لتحمل الشداد والجود بالمال والنفس بما يسلط الأضواء من الجوانب الأخرى لتقتلع ظلمات الطبع وظلمات الشهوة وسائر الظلمات الشيطانية، فيبسط وحي الله على جميع ذلك نوراً يحوله إلى الخير ويفجر طاقاته ويجعله يستسهل الصعاب، ويكون مقداماً لا ترهبه أي قوة على وجه الأرض، وجواداً لا يشح بماله مستجيباً للشيطان الذي يعده الفقر بل يجود به مستجيباً لأمر الله موفياً ببيعه واثقاً بوعده، إذ يقول: ﴿ وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ﴾ [سبأ: 39].


ثم إن هاهنا فوائد:

أحدها: أن القتال أمر مفروض قد كتبه الله على هذه الأمة، فلا مفر لها منه، وإن كرهه بعضهم خوفاً على زوال كيانهم، فإن تخوفهم هذا سببه الجهل، ولذا قال تعالى: ﴿ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾. فالله قد وعدهم بالنصر ووعده محقق الوقوع لا بد من حصوله. ﴿ وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ ﴾ [الروم: 6].


وقد توعدهم على ترك الجهاد والإنفاق في سبيله بأن يستبدلهم بقوم غيرهم ثم لا يكونوا أمثالهم كما في آخر سورة محمد صلى الله عليه وسلم.


ثانيها: الذين كرهوا أو يكرهون القتال من الرعيل الأول لم يكرهوه عن جبن أو ضعف إيمان، لأنهم قد اعتادوا القتال والحروب الضارية، فيما بينهم قبل الإسلام، ولكن كرهه بعضهم لقلتهم أمام الكثرة الهائلة من الكفار، فأقنعهم الله بحسن العاقبة حتى قال: ﴿ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾.


ومن مباحث الإعراب لهذه الآية أن جملة ﴿ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ ﴾ في موضع الحال، وقيل: في موضع صفة وقد مضى في فتح الكاف وضمها واختلاف المعنى بذلك.


وقوله تعالى: ﴿ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا ﴾ أن والفعل في موضع رفع فاعل عسى، وليس في عسى ضمير، ﴿ وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ﴾ جملة في موضع نصب فيجوز أن تكون صفة لشيء وساغ دخول الواو لما كانت صورة الجملة هنا كصورتها إذا كانت حالاً، ويجوز أن تكون حالاً من النكرة لأن المعنى يقتضيه.



[1]أخرجه مسلم: [1779]، وغيره.

[2]أخرجه النسائي بالكبرى: [1228]، وأب يعلى: [1624]، والطبراني بالكبير: [4803]، والبيهقي بالشعب: [195، 196] كلهم بدون قوله: ((وأسألك اللطف فيما جرت به المقادير)).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • تفسير سورة البقرة .. الآية (213)
  • تفسير سورة البقرة .. الآية (214)
  • تفسير سورة البقرة .. الآية (215)
  • تفسير سورة البقرة .. الآية (217)
  • تفسير سورة البقرة .. الآية (218)
  • تفسير سورة البقرة .. الآية (219)
  • تفسير سورة البقرة .. الآية (220)

مختارات من الشبكة

  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (135 - 152) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (102 - 134) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (65 - 101) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (1 - 40) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (40 - 64) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • الفتوحات الربانية في تفسير الآيات القرآنية: تفسير الآيتين (6-7) من سورة البقرة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير سور المفصَّل ( 10 ) تفسير الآيتين من سورة الفاتحة ﴿ مالك يوم الدين - إياك نعبد وإياك نستعين ﴾(مادة مرئية - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)
  • تفسير سور المفصَّل ( 9 ) تفسير الآيتين من سورة الفاتحة ﴿ الحمد لله رب العالمين - الرحمن الرحيم ﴾(مادة مرئية - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)
  • تفسير سور المفصل 212 - سورة الأعلى ج 1 - مقدمة لتفسير السورة(مادة مرئية - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)
  • مخطوطة تفسير بعض من سورة البقرة ثم تفسير سورة يس(مخطوط - مكتبة الألوكة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 0:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب