نظام الجلسات

فقه التقاضي

الحلقة الواحدة والأربعون

نظام الجلسات

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، نبيِّنا محمدٍ وعلى آله وصَحْبه ومَن اهتدى بهداه.

أمَّا بعدُ:

فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وحيَّاكم الله مستمعي الأفاضل في برنامجكم "فقه التقاضي"، وقد ذكَرت في حلقات مضَت أنَّ نظام المرافعات السعودي الصادرَ عام 1421هـ، قد خصَّص الباب الخامس للحديث عن إجراءات الجلسات ونظامها في فصلين اثنين؛ خُصِّص الأول منهما لإجراءات الجلسات في تسع مواد، وقد مضى رصْدُ أبرز ما ورَد فيه، وأما الفصل الثاني، فقد خُصِّص للحديث عن نظام الجلسة وكيفيَّة تسييرها من قِبَل القاضي في مادتين فقط، أستعرضهما معكم بإذن الله تعالى في هذه الحلقة، مُعرِّجًا على ما ورَد في نظام الإجراءات الجزائيَّة حيالَ ضَبْط الجلسة والتعامل مع ما قد يقع فيها من إخلال أو جناية.

ففي المادة التاسعة والستين من نظام المرافعات الشرعية: (ضبْطُ الجلسة وإدارتها منوطان برئيسها، وله في سبيل ذلك أن يُخرجَ من قاعة الجلسة مَن يُخِلُّ بنظامها، فإن لَم يَمتثل، كان للمحكمة أن تَحكم على الفور بحبسه مدة لا تزيد على أربع وعشرين ساعة، ويكون حكمها نهائيًّا، وللمحكمة أن ترجعَ عن ذلك الحكم).

وبيَّنت اللائحة التنفيذية لهذه المادة أنَّ للقاضي الذي يَنظر الدعوى مُنفردًا ما لرئيس الجلسة من الاختصاص المنصوص عليه في هذه المادة؛ وذلك لأن نظر القضية قد يكون من قاضٍ فردٍ، أو من ثلاثة قضاة، ولا بدَّ لكل جلسة من قيام رئيسها بمسؤولية ضبط الجلسة، وترتيب السير فيها، وحِفظ نظام الجلسة، ومَنْع التعدِّي من أطراف القضية أو غيرهم على مسار القضية؛ لِما في ذلك من تحقيق مصلحة الأطراف، وحِفظ نظام الجلسة واحترام المحكمة.

ولأهميَّة ضبط الجلسة، كان لرئيس الجلسة أن يأمرَ مَن يُخِلُّ بنظامها بالخروج من قاعة الجلسة؛ لأنَّ في إخراجه حفظًا لنظام الجلسة، ومنعًا من التعدي على أطراف القضيَّة، أو التشويش على سَيْر العدالة، فإن لَم يَمتثل، كان للمحكمة أن تحكمَ على الفور بحبسه مدَّة لا تزيد على أربع وعشرين ساعة، ويكون حكمها نهائيًّا؛ أي إنَّ الصلاحية مُطلقة للمحكمة في تقدير هذا التعزير المحدَّد بالإيقاف، بما لا يزيد عن أربع وعشرين ساعة، ويَحصل الإيقاف بعد أن تَأمر المحكمة بذلك، ويُدوَّن هذا الأمر في ضبط القضيَّة، ويُنظم في قرارٍ دون تسجيل؛ لأن طبيعته الاستعجال، ويُبعث للجهة المختصة لتنفيذه، مع الاحتفاظ بصورة منه في المحكمة، وهذا التعزير لحقِّ المحكمة ووَفْق تقدير القاضي رئيس الجلسة؛ ولذا كان للمحكمة أن ترجعَ عن ذلك الحكم.

وهذا الإجراء فيما لو وقَع من أحد الحاضرين في الجلسة الإخلالُ بنظامها، وأما إذا حصَل في الجلسة واقعة تَستوجب عقوبة أحد الحاضرين، كما لو تهجَّم أحدهم على خَصمه بجناية أو قذَفه بما يوجِب حدًّا أو تعزيرًا، فإنَّ اللائحة التنفيذية للمادة تُبيِّن أنَّ القاضي يُعِدُّ مَحضرًا بذلك، ويكتب بإحالته مع المدَّعي العام لمحاكمته لدى المحكمة المختصة؛ لأن الجُرم قد يَستوجب تعزيرًا بأكثر من الإيقاف أربعًا وعشرين ساعة، أو أن يكون في هذه الجناية حقٌّ خاصٌّ لأحد الأشخاص.

وبيَّنت اللائحة التنفيذية للمادة أنه إذا كان مَن حصَل منه الإخلال بنظام الجلسات أحدَ المحامين، فإن مُجازاته بالعقوبة المنصوص عليها في هذه المادة، لا يَمنع من تطبيق العقوبات عليه الواردة في نظام المحاماة.

وأمَّا المادة السبعون، فقد حدَّدت مسؤولية توجيه الأسئلة إلى الخصوم والشهود، ونصُّها: (الرئيس هو الذي يتولَّى توجيه الأسئلة إلى الخصوم والشهود، وللأعضاء المشتركين معه في الجلسة والخصوم - أن يَطلبوا منه توجيه ما يريدون توجيهَه من أسئلة متَّصلة بالدعوى).

مستمعي الأفاضل:

كانت هذه خلاصة الحديث عن نظام الجلسة وكيفيَّة تسييرها من قِبَل القاضي، مما ورَد في نظام المرافعات الشرعيَّة.

وقد ورَد نحوُ ذلك في نظام الإجراءات الجزائية السعودي الصادرِ عام 1422هـ، ففي المادة الثالثة والأربعين بعد المائة: (ضبطُ الجلسة وإداراتها منوطان برئيسها، وله في سبيل ذلك أن يُخرِج من قاعة الجلسة من يُخِلُّ بنظامها، فإن لَم يَمتثِل، كان للمحكمة أن تَحكمَ على الفور بسجنه مُدَّة لا تزيد على أربع وعشرين ساعة، ويكون حُكمها نهائيًّا، وللمحكمة إلى ما قبل انتهاء الجلسة أن تَرجِع عن ذلك الحُكم).

وهذه المادة بنصِّها هي المادة التاسعة والستون من نظام المرافعات الشرعيَّة.

وفي المادة الرابعة والأربعين بعد المائة من نظام الإجراءات الجزائية، إيضاحٌ لكيفيَّة معالجة ما قد يقع خلال انعقاد الجلسة من جريمة أو تعدٍّ على هيئة المحكمة، أو على أحد أعضائها، أو أحد موظَّفيها، ونصُّ المادة: (للمحكمة أن تُحاكِم مَن تقع منه في أثناء انعقادها جريمةُ تَعدٍّ على هيئتها، أو على أحد أعضائِها، أو أحد موظَّفيها، وتَحكم عليه وَِفْقًا للوجه الشرعي بعد سَماع أقواله).

وواضحٌ أنَّ هذا الحكم جوازي للمحكمة؛ إذ إن للمحكمة عند معالجة ما قد يقعُ خلال انعقاد الجلسة - من جريمة، أو تَعدٍّ على هيئة المحكمة، أو على أحد أعضائها، أو أحد موظَّفيها - أن تَسلك أحد السُّبل الآتية:

1- إمَّا أن تتغاضى عمَّا حصَل منه من تَعدٍّ، أو تكتفي بلومه وتوبيخه.

2- وإمَّا أن تكتفي بإيقاف مَن يحصل منه ذلك أربعًا وعشرين ساعة.

3- وإمَّا أن تُحاكِمه وتحكُم عليه وَفْقًا للوجه الشرعي بعد سماع أقواله.

4- وإمَّا أن تُعِدَّ مَحضرًا بذلك، وتكتب بإحالة الجاني مع المدَّعي العام؛ لمحاكمته لدى المحكمة المختصة؛ وَفْق ما ورَد في لائحة المادة التاسعة والستين من نظام المرافعات الشرعيَّة.

ولذا جاء في المادة الخامسة والأربعين بعد المائة من نظام الإجراءات الجزائية:

(إذا وقَعت في الجلسة جريمة غير مشمولة بحُكم المادتين الثالثة والأربعين بعد المائة والرابعة والأربعين بعد المائة، فللمحكمة - إذا لَم ترَ إحالة القضيَّة إلى هيئة التحقيق والادِعاء العام - أن تحكُم على مَن ارتكَبها وَفْقًا للوجه الشرعي بعد سماع أقوالِه، إلاَّ إذا كان النظر في الجريمة من اختِصاص محكمة أُخرى، فتُحال القضية إلى تلك المحكمة).

وفي كلِّ الأحوال، فإن حقَّ الجاني محفوظٌ في توفير ضمانة المحاكمة وَفْق الأصول الشرعية، وبعد استيفاء الأقوال والدفوعات، وإعطاء المحكوم عليه حقَّ الاعتراض على الحكم لدى محكمةٍ أعلى درجةً.

ومع ذلك كله، فإنَّ الجرائم التي تقع خلال الجلسة، ولَم تَنظُرها المحكمة في الحال؛ إمَّا لعدم التأكُّد من حصولها، أو رغبة المحكمة في عدم تطويل القضيَّة المعروضة عليها بالشـروع في قضيَّة جنائيَّة ونحو ذلك، فإنَّ حق المجني عليه محفوظٌ؛ ولذا نصَّت المادة السادسة والأربعون بعد المائة من نظام الإجراءات الجزائية على أن: (الجرائم التي تقع في الجلسة، ولَم تنظُرها المحكمة في الحال، يكون نظرُها وَفْقًا للقواعد العامة).

فللمجني عليه أن يتقدَّم بدعواه متى أرادَ وَفْق الأصول والقواعد العامة في الخصومات.

مستمعي الأفاضل:

كانت هذه لمحات حول ضبط الجلسات القضائية، وحفظ نظامها، ورَدْع مَن يُشوش عليها، أو يتسبَّب في تعطيل سير العدالة، أو يتعدَّى على هيئة المحكمة وأعضائها، أو موظفيها، أو يَرتكب جناية بحقِّ خَصمه؛ مما يَستوجب تعزيرًا يَردع الظالم، ويُنصف المظلوم.

وفي الحلقات القادمة - بإذن الله تعالى - نُواصل الحديث عن فقه التقاضي وإجراءاته.

أسأل الله تعالى أن يُمِدَّني وإيَّاكم بعونه وتوفيقه، والحمد لله ربِّ العالمين.

المرجع:

• نظام المرافعات ولائحته ونظام الإجراءات الجزائية.