• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات   بحوث ودراسات   إبهاج المسلم بشرح صحيح مسلم   الدر الثمين   سلسلة 10 أحكام مختصرة   فوائد شرح الأربعين   كتب   صوتيات   مواد مترجمة  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    10 مسائل مهمة ومختصرة في: شهر الله المحرم
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    10 مسائل مهمة ومختصرة في الأضحية (PDF)
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    10 مسائل مهمة ومختصرة في 10 ذي الحجة (PDF)
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    الدعاء لمن أتى بصدقة
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    حديث: صدقة لم يأكل منها
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    حديث: هو لها صدقة، ولنا هدية
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    باب: (ترك استعمال آل النبي على الصدقة)
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    حديث: «كخ كخ، ارم بها، أما علمت أنا لا نأكل ...
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    شرح حديث: سيخرج في آخر الزمان قوم أحداث الأسنان ...
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    التعريف بالخوارج وصفاتهم
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    حديث: ألا تأمنوني؟ وأنا أمين من في السماء
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    إعطاء المؤلفة قلوبهم على الإسلام وتصبر من قوي ...
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    إعطاء المؤلفة قلوبهم على الإسلام وتصبر من قوي ...
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    إعطاء المؤلفة قلوبهم من الزكاة
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    باب: (إعطاء من سأل بفحش وغلظة) (2)
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    باب: (إعطاء من سأل بفحش وغلظة) (1)
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
شبكة الألوكة / المواقع الشخصية / مواقع المشايخ والعلماء / الشيخ عبدالرحمن بن محمد الدوسري / تفسير القرآن العظيم
علامة باركود

تفسير سورة البقرة .. الآيات (178 : 179)

تفسير سورة البقرة .. الآيات ( 178 : 179 )
الشيخ عبدالرحمن بن محمد الدوسري

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 6/3/2013 ميلادي - 23/4/1434 هجري

الزيارات: 51308

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

تفسير سورة البقرة

الآيات [ 178 : 179]

 

قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ * وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 178-179].


لما ذكر الله في الآية السابقة أصول السياسة الخارجية للمجتمع الإنساني كما أوضحناه في مبتدئها ومنتهاها، وذكر الصلات الروحية من أنواع العطف العام والزكاة مما يقضي بالرحمة والوداد، أعقب ذلك بالتشريع العظيم الذي هو من ضروريات السياسة الداخلية لحفظ نظام الإنسانية وبقائها وانتظام أحوالها، ألا وهو القصاص الرادع للمجرمين ردعاً حقيقياً يقطع دابر الجريمة من قتل وجرح وقطع عضو ونحوه.

 

وقد ذكر المفسرون أن القصاص في القتل كان محتماً على اليهود لا يقبل منهم سواه مهما تراضوا عليه، وأن الدية محتمة على النصارى بلا قصاص، وأن الله شرع لهذه الأمة مسلكاً وسطاً يوجب القصاص عند إصرار أولياء المقتول، ويجيز لهم أخذ الدية إذا استحبوها عفواً عن القصاص.

 

ولا شك أن القرآن جاء وسطاً حقيقياً بين جميع الشرائع والآراء البشرية، وأن أحكامه منبثقة من رحمة الله وحكمته. فقد كان الجاهليون يتحكمون في أمر القصاص على حسب قوة أولياء المقتول وضعف أولياء القاتل، فيطلبون قتل الرئيس أو قتل عشرة مكانه، ويطلبون بدل الأنثى ذكراً، وبدل العبد حرّاً، ويرفضون المساواة، فإن أجيبوا لما طلبوا وإلا قاتلوا قبيلة القاتل وسفكوا دماءً كثيرة، أو حصل إفناء الأسرتين من القاتل والمقتول.

 

أما الجاهلية الحديثة فلها أنظمة ممجوجة مقبوحة لا تطفئ غضب أولياء المقتول، ولا تشفي حرج صدورهم من المجرم الجاني، ولا تقضي على نفس الجريمة التي تستشري في المجتمع إذا عدم الرادع والوازع، والعجب أنهم يرحمون القاتل المجرم ولا يرحمون المقتول وأسرة المقتول وأولاده، ويعملون على علاج عقلية القاتل، زاعمين أنه لم يقتل إلا لمرض في عقله، فيذهبون به إلى مستشفى الاعصاب لينعم بالعلاج والأكل الطيب ولا يعملون على علاج قرح صدور أولاد المقتول وأسرته بشفاء غليلهم من القاتل.

 

والحقيقة الصحيحة هي أن المرض ليس في عقلية القاتل المجرم القاسي القلب، وإنما المرض في عقلية الجاهلية الحديثة المشرعة لمجتمعها ما لا يضمن له الراحة والسلام. وقد يقولون في الجدل: إننا إذا خسرنا المقتول فلا نحب أن نخسر القاتل، فيفقد المجتمع عضوين، ولكن برحمتنا له لا نخسر إلا عضواً واحداً، وهذه مغالطة خبيثة مفضوح كذبها، لأن المجتمع لا يربح من مجرم، فالمجرم عضو فاسد في جسم المجتمع يجب قطعه، لأن الرحمن العليم الحكيم لا يعلم له علاجاً إلا القطع حتى يرضى أولياء المقتول باستيفائه ويقبلوا الدية فتحسم مادة النزاع، ويكون الخوف الذي أحاط به قبل العفو من القتل خير تربية له فلا يعود إلى جريمة أخرى، وهذا الحكم بوجوب القصاص هو على من قتل عمداً عدواناً، فأما القتل خطأ أو شبه عمد فإنه لا يجب فيه القصاص.

 

فقوله تعالى: ﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمُ ﴾ يعني: فرض وحتم وألزم عليكم عند مطالبة صاحب الحق (القصاص) وهو القود الذي هو قتل القاتل، وسمي قصاصاً للمماثلة الواجبة فيه، فهذه الآية الكريمة اقتضت عدة إيجابات:

أحدها: الإيجاب على الحاكم أن يقود القاتل ويسلمه لأولياء المقتول ليقتلوه بقتلته تحت سلطان الحكم، إلا إذا عفوا عن القتل راغبين في الدية أو الأجر من الله، فلا يقدح في وجوب القصاص قدرة الولي على العفو.


ثانيها: وجوب المماثلة في القتل، وهو أن يفعل بالقاتل مثل فعله من قولك اقتص فلان أثر فلان. إذا فعل مثل فعله، والتسوية في القتل صفة القتل، وإيجاب الصفة يقتضي إيجاب الذات، فيجب على الحاكم تحقيقه وتطبيقه.

 

ثالثها: وجوب التنفيذ على ولي الأمر حتى لو تاب القاتل، فإن التوبة الصادقة وإن نفعته فيما بينه وبين الله، فإنها لا تسقط حق المخلوق المقتول ظلماً وعدواناً حتى يسلم نفسه إلى أولياء المقتول ليعفو عنه أو يقتلوه، وبذلك تكمل توبته، سواء عفوا عنه أم لا، فالقصاص كفارة لفعله كما ورد في الحديث الثامن عشر من صحيح البخاري عن عبادة بن الصامت: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال – وحوله عصابة من أصحابه -: ((بايعوني على ألا تشركوا بالله شيئاً ولا تسرقوا ولا تزنوا ولا تقتلوا أولادكم، ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم، ولا تعصوني في معروف، فمن وفى منكم فأجره على الله، ومن أصاب من ذلك شيئاً فعوقب به في الدنيا فهو كفارة له، ومن أصاب من ذلك شيئاً ثم ستره الله فهو إلى الله إن شاء عاقبه، وإن شاء عفا عنه))، فبايعناه على ذلك[1].


رابعها: وجوب المساواة في الشخصية كما فصله الله بحكمه العادل المفصل في هذه الآية بقوله: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى ﴾ أي: بسبب قتل القتلى.


والتقدير: يا أيها الأئمة كتب عليكم استيفاء القصاص إن أراد لي المقتول ذلك. أو: يا أيها القاتلون كتب عليكم تسليم النفس عند مطالبة المولى بالقصاص، والمماثلة في القتل هي أن يقتل القاتل بمثل ما قتل، فإن كان قتله بالسيف قتل بالسيف، وإن كان بالسكين ذبح بها، إن كان في الرقبة ففي الرقبة، وإن كان بشق البطن شق بطنه، وإن كان برض الحجارة رض بالحجارة على الطريقة التي فعلها، وإن كان بالإحراق أحرق، أو بالإغراق أغرق، كما صح في الحديث: أن يهودياً رضخ رأس صبية بالحجارة فقتلها، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يرضخ رأس اليهودي بالحجارة[2]. وقد اقتاده النبي صلى الله عليه وسلم بالمرأة بشرعة التوراة المطلقة فيها النفس بالنفس على الإطلاق، لا على شريعتنا في هذه الآية. فهذه المماثلة.


وأما المساواة فهي بالأشخاص والأوصاف، كما قال تعالى: ﴿ الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى ﴾ يعني: أن مراعاة أوصاف القاتلين في القصاص أمر محتم لا هوادة فيه ولا جور، عكس ما يفعل في الجاهلية، فلا يقتل الحر بالعبد لعدم المساواة، ولا يقتل سيد القبلية بالحر، بل يقتل نفس القاتل مهما كان، ويقتل وحده بلا تعدد، وإذا قتل العبد عبداً يقتل هو ولا يقتل سيده بدله، ولا أحد الأحرار من قبيلته، وتقتل المرأة إذا قتلت، ولا يقتل رجل فداء عنها، وكل هذا إبطال لما عليه الجاهلية.


ومن مسمى القصاص وتفسير السنة المطهرة له اشترط الفقهاء لوجوب القصاص أربعة شروط:

أحدها: أن يكون القاتل مكلفاً عامداً، والمكلف هو العاقل البالغ، فلا قصاص على صبي لم يبلغ، ولا على مجنون أو من زال عقله بنوم أو إغماء أو سبب يعذر فيه شرعاً، وذلك لعدم التكافؤ والمساواة في العقل، ولعدم المساواة في التكليف، والعبرة في الجنون أن يكون مجنوناً قبل الفعل وحال الجناية لا بعدها، فإن من اختل عقله بعد الجناية خوفاً من القصاص لا يسقط عنه القصاص، وكذلك لا يسقط القصاص عن سكران متعمد للشرب لجنايته على عقله. فأما السكران المكره على الشرب أو المخدوع فجنايته على من أكرهه أو خدعه إن كان فعله مؤامرة على الجناية، وألحقوا بالسكران العامد للشرب من شرب أدوية مجهزة بالمسكرات فعليه القصاص.


ثانيها: أن يكون المقتول معصوم الدم، فلا قصاص بقتل كافر ولا مرتد عن الإسلام، ولا زانِ محصن، ولا محارب قد تحتم قتله، يعني قاطع الطريق الذي جمع في جنايته بين أخذ المال والقتل قبل توبته الشرعية، ولكن يعزره الإمام لافتياته على سلطان الحكم. ومن جنى على أطراف مسلم فارتد قبل القصاص، أو على ذمي فصار حربياً، سقط القصاص عن ذلك الجاني حتى لو سرت جنايته على المجني المرتد أو المحارب فمات منها وحتى لو جرحهما جرحاً آخر فماتا منه، لانتفاء العصمة بالردة عن الإسلام أو محاربته، وإنما يجب نصف الدية.


ثالثها: المساواة وهي كون الجاني مكافئاً للمجني عليه في الدين والحرية أو الرق، فيقتل المسلم الحر بمثله، ويقتل الكافر الذمي بقتل مثله ولو خالفه في النحلة الكافرة، لأن الكفر سواء ووجوب القصاص عمومي في التماثل، ويقتل العبد المسلم بالعبد المسلم، والعبد الذمي بالعبد الذمي، ويجري القصاص بينهما فيما هو دون النفس، ولا يقتل المسلم بالكافر، ولا الحر بالعبد، فإن قتل السيد عبده عزره الإمام تعزيراً قد يصل إلى القتل إذا عرف أنه من قوم طبيعتهم القسوة على العبيد بالقتل فيقتله تعزيراً لا حدّاً، ويقتل المبعض حرية بمثله لا بمن هو أقل منه حرية، وإذا قتل الكافر الذمي عبداً مسلماً لم يقتل به وعليه قيمته لسيده، ولكن يقتل لنقضه عهد الإسلام بقتله ذلك العبد المسلم، ويقتل الذكر بالأنثى ولا يعطي أولياؤه شيئاً مقابل فضله بالذكروة على الصحيح لعموم آية ﴿ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ ﴾ [المائدة: 45] ولا يخصها مفهوم قوله تعالى: ﴿ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى ﴾ لأن سبب النزول يبطل مفهوم المخالفة، والآية وردت لإبطال سنة الجاهلية في القتل بدل الأنثى ذكراً لاحتقارها عندهم، من باب أولى تقتل الأنثى بالذكر، ويقتل الكافر بالمسلم، ويقتل النصراني واليهودي بالمجوسي، لأن الكفر ملة واحدة تجمعهم، ويقتل المرتد بالذمي، وبالمستأمن ولو تاب، ويقدم قتل القصاص على القتل بالردة ونقض العهد؛ لأنه حق آدمي، فإن عفا عنه ولي القصاص إلى الدية قتلناه بالردة وتعلقت الدية بما له، ولا يقتل مسلم ولو كان عبداً بكافر ذمي، ولكن تضاعف عليه الدية جبارً للعهد، كما قضى بذلك عثمان رضي الله عنه وقيل: لا تضاعف، ولا يقتل الذمي الحر بالعبد، كما روي عن أبي بكر وعمر وعلي وجمع من الصحابة، ولكن يقتل لنقضه العهد بقتله العبد المسلم، ويضمن قيمته لسيده من تركته، وإن جرح المسلم ذمياً ثم أسلم ومات من جرحه فلا قصاص، وكذا إذا جرح الحر عبداً ثم عتق ومات من جرحه لا قصاص له لانعدام المكافأة وقت الجناية، ولكن عليه دية مسلم، لأن الاعتبار في الأرش بحال استقرار الجناية لا باعتبار وقتها، وهكذا لا يقطع طرف الحر بطرف العبد، كما لايقص به. وقد ذكر الفقهاء تفاصيل الجنايات مستمدين حكمها من الكتاب والسنة بما ليس هذا التفسير من مواضعه، فليرجع المستفيد إلى كتبهم.


رابعها: ألا يكون المقتول من ذرية القاتل، وهذا فيه خلاف مشهور، وأحسن المذاهب مذهب مالك، وعلى الحاكم الوالي أن ينظر في سجايا القاتل لولده وسبب جريمته ليقتله تعزيزاً لا حدَّا إذا تحقق من قسوته بلا عقوق صحيح حامل لها، أو يدعه إذا رأى عكس ذلك، وكذلك ينظر الحاكم في سبب قتل الوالد أو الوالدة للولد، فإن كان لمقصد جاهلي، كضيف نفسه من إطعامه أو حرمانه من ميراثه، أو بسبب عشق عشيقته، أو لعدم التمكن من الاستمتاع الجنسي بالمعشوق مادام الولد موجوداً، فإن قتله لهذه الأسباب وجب قتل الوالد أو الوالدة تعزيزاً على خروجهما عن أصل الفطرة من الحب والحنان والشفقة على الفروع إلى الإفراط في حب الذات، والقسوة في سبيل تحصيل الشهوة المحرمة، أو السعي لحرمانه النصيب المفروض من اللَّه.


فهذه جنايات فظيعة خطيرة يجب أن يشدد في عقوباتها أعظم مما يفعل بالجاني على الأباعد خصوصاً مادام باب التعزيز مفتوحاً للحكام وولاة الأمور، وكانت مشروعية القصاص والتشديد في التعزيز لإقامة العدل وردع الجناة وقطع دابر الجريمة.

 

وفي قوله سبحانه: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ ﴾ [البقرة: 178] نداء لجميع المؤمنين، سراتهم وعامتهم، وإعلام لهم أنه يجب القصاص عليهم كلهم، فلا يتأخر سراتهم أو يتوانون في التنفيذ، ولا يحاول القاتل الانفلات مما شرعه اللَّه عليه، ولا يحاول أولياء القاتل التهرب من الاقتصاص، فلا تأخذهم نخوة العصبية وحمية الجاهلية على إخفائه أو ترحيله، أو القيام بما يسقط حكم اللَّه عليه، فضلاً عن منعه وحمايته دونه، بل يجب على القاتل أولاً تسليم نفسه توبة للَّه وخضوعاً لحكمه، كما يجب على أوليائه أن يمكنوا أولياء المقتول منه ويعينوهم عليه، فإن رحمته الصحيحة والحمية الحقيقية عليه هي بإقامة حكم اللَّه عليه في الدنيا لينجو من عقوبات الآخرة، ولا يشاركوه بإثمه في سلوكهم مسالك الجاهلية، وكذلك يجب على كل من علم بالحادثة من المسلمين أن يساعد أولياء المقتل على كشف الحقيقة وأن يقوم بمناصرتهم، ومن عكس القضية فساعد القاتل أو حرض أولياءه على نصرته أو الحيلولة دون إقامة القصاص عليه فقد بارز اللَّه بالمعصية، وكان شريكاً للمجرم في الإثم، وليعلم أن هذه الآية محكمة لا نسخ فيها وأن آية المائدة إخبار عما في التوراة، واللَّه أعلم.


وقوله سبحانه: ﴿ فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ﴾ [البقرة: 178] يعني: إذا عفا بعض أولياء المقتول عن قصاص القاتل طالبين الدية بدلاً من القصاص، وجب عليهم اتباع القاتل لاستيفاء الدية بالمعروف، فلا[3] يشقوا عليه بها أو يحملوه ما لا يطيق، بل يحسنوا الاقتضاء والطلب دون إحراج، فلا يرهقوا القاتل من أمره عسراً، بل يرفقوا به في الطلب كما رفقوا به في إسقاط القتل، ويجب عليه الأداء بإحسان، فلا يماطلهم في دفع الدية، ولا يسيء إليهم في صفة دفعها، ولا ينقص من حقهم فيها أو يلمزهم بما يكدر صفاء العفو ويقرح قلوبهم، بل يجازي إحسانهم إليه بالإحسان، وأي إحسان أعظم وأفضل من استبقائهم حياته بالعفو عن قتله والرضا بالدية التي يعيب العرب أخذها تحريضاً على القصاص، كما قال الشاعر يعيب قوماً رضوا بالدية:

وإن الذي أصبحتمو تحلبونه
دم غير أن اللون ليس بأشقرا

 

لأنهم أخذوا الدية مائه من الإبل، فأصبحوا يحلبون بعضها، فسخر منهم قومهم وعابوهم بذلك.

 

واعلم أن الحق في الخيار بين القصاص أو قبول الدية عفواً عن القتل إنما هو لأولياء المقتول، وهم عصبته الذين يعتزون ويسعدون بوجوده، ويهانون وييأسون بفقده، ويحرمون من عونه ورفده. فمن أزهق روحه كان لهم الحق في إزهاق روحه لما تستفزهم نعرة القرابة ودوافع المصلحة، فجعل الشارع الحق لهم، فلا يجوز للحاكم أن يستبد بالأمر دونهم، لأنه قد يفشو الشر ويستحر القتل بين أسرتين أو قبلتين، حيث يثور الأولياء للانتقام بسبب عدم إقامة العدل الذي شرعه اللَّه لهم، فإنما حصر اللَّه الحق لهم سدَّا للتشاحن والخصام، وحصر العفو لهم عن الفتنة وكل محذور، ورغبهم في العفو لإثارة العاطفة الدينية باستعطاف القاتل وقومه لهم، واستعتابهم إياهم عن مواصلة الجريمة، واستجلاب الأريحية الإنسانية واستبقاء المودة. ففي حالة عفوهم يوجب اللَّه حقن الدم، فلا يجوز لأي مسئول في الدولة أن يرفض عفوهم، كما لا يجوز له الاستقلال بالعفو إذا طلبوا القصاص، كيلا يخرج أضغانهم ويضطرهم على التقاتل أخذاً بالثأر.

 

واعلم أنه إذا عفا بعضهم سقط القصاص ووجبت الدية له وللباقين في الحكم الشرعي، فإن اللَّه يحب من عباده العفو، ولذلك فرض اتباع العفو وإن لم يكن كاملاً متفقاً عليه من جميع الأولياء، ولهذا نص اللَّه بصيغة التبعيض في الآية بقوله: ﴿ فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ ﴾ [البقرة: 178] بل بصيغة التبعيض والتنكير، إعلاماً بأن الحكم العفو لا يتوقف على الاتفاق.

 

وفي قوله سبحانه وتعالى ﴿ مِنْ أَخِيهِ ﴾ فائدتان:

إحداهما: الدلالة على أن القاتل لا يكفر؛ لأن المراد بالأخوة هنا أخوة الإيمان والإسلام، فلم يخرج الجاني بالقتل منها ولكن ينقص إيمانه. وقد قال سبحانه وتعالى في سورة الحجرات عن حكم الطائفتين من المؤمنين إذا اقتتلوا: ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ [الحجرات: 10] فالجرائم لا تخرج العبد من دين الإسلام، وإنما تنقض إيمانه أو تخرجه من الإيمان إذا تكاثرت فيكون مسلماً فاسقاً، إلا إذا أصر عليها بحيث تكون المعاصي والمخالفات له سجية، فإنه يكون مشركاً متبعاً للهوى كما مضى تفصيله في تفسير الآية (81).


وثانيهما: الترقيق الذي يحرك عاطفة الرحمة والحنان والحث على العفو. وتؤكد الآية الكريمة رغبة الشارع في العفو امتناناً على الأمة المحمدية بإجازته؛ لتخيف الحرج في العقوبة واستبقاء لروح الإخاء والمودة بين المسلمين كيلا يتسرب التصدع بين الأسر والجماعات، ولهذا قال سبحانه وتعالى: ﴿ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ ﴾ لأن من قبلنا من بني إسرائيل لا يقبل منهم في القتل إلا القصاص، ولكن رحمة اللَّه بهذه الأمة عظيمة عميمة في أغلب شئون الحياة. فقبول الدية والندب إليها هو من بعض الآصار المرفوعة عن هذه الأمة، خلافاً لمن قبلها ليحل التعاطف والإحسان بالعفو بدل القسوة والنفرة والتشاجر، فمن لم يرض بالعفو الذي رضي به بعض أقاربه واعتدى على القاتل بعد سقوط القصاص فهذا غير راض بحكم اللَّه، يريد التقدم على اللَّه بتحكيم أغراض نفسه من التشفي في غير موضعه، ولهذا توعده اللَّه بقوله: ﴿ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ أي: من سعي للانتقام من القاتل بعد العفو المسقط للقصاص فله العذاب الأليم في الدنيا بقتله إذا قتل أو قطع عضو منه إذا قطع من الجاني المعفو عنه شيئاً، وفي الآخرة له ما يستحقه من عذاب لقاء رفض حكم اللَّه وتفضيل حكم نفسه.


وقال عمر بن عبد العزيز: إن عقوبته تعزير الحاكم بما شاء، وأكثر الأئمة بخلافه، وروي عن قتادة أن العذاب الأليم هو أن يقتل لا محالة ولا يعفى عنه ولا تقبل الدية منه لقوله صلى الله عليه وسلم: ((لا أعافي أحداً قتل بعد أخذ الدية))[4].

 

واعلم أنه يجب على المسلمين الوقوف عند حدود اللَّه في تقدير الديات للنفس وللأعضاء والجوارح والأصابع والأسنان والعظام والجراحات، ولا يجوز لهم الالتفات إلى ما قننه العصريون في أنظمة العمل والعمال مما يخالف الشريعة الإسلامية، مما لو ابتلي به أحد واضعيه لتذمر منه ونادى بإلغائه لمخالفته العدالة الفطرية، وكذلك يجب عليهم اعتبار ما نص عليه الشارع بأنه جُبار يعني: هدراً جباراً فمن اعتبره غير جبار ووضع فيه دية أو غرامة باسم الدية فإنه غير راض باللَّه حكماً، وذلك في قوله صلى الله عليه وسلم: ((البئر جبار والمعدن جبار))[5].

 

وقوله: ((جناية العجماء جبار))[6]. والعجماء: كل ما لا يعقل كالبهمية وآلات الحديد المتحركة تحركاً ذاتياً لا فعل للبشر فيه. فأما ما للإنسان سبب في جنايته أو ضرره فإنه يضمنه على ما فصله الفقهاء من جميع المذاهب في باب جناية البهائم وفصول شتى من كتب الفقه، معتمدين بذلك على ما يضمن بالسبب أو المباشرة، ومن حكم بالضمان فيما نتج من العجماء فهو من ورثة الذين بدلوا قولاً غير الذي قيل لهم، وهو أيضاً ممن لم يعتقد كمال الدين والشريعة، ولم يعتبر كفايتهما لشئون المسلمين، فاستورد الأنظمة الكافرة معجباً بها، ومنتقصاً لنص الرسول صلى الله عليه وسلم: ((جناية العجماء جبار)) ومتهمكاً بها والعياذ باللَّه.


هذا وقد ورد الوعيد الشديد على قتل المؤمن عمداً كما سيأتي في الآية (93) من سورة النساء. وقد ورد عنه صلى الله عليه وسلم: ((لا يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دماً حراماً))[7]، وقال: ((لا يحل دم امرئ مؤمن إلا بثلاث: النفس بالنفس، والثيب الزاني، والتارك لدينه المفارق للجماعة))[8]، وقال: ((إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار، قيل له: هذا القاتل، فما بال المقتول؟ قال: إنه كان حريصاً على قتل صاحبه))[9]. والأحاديث كثيرة، وقانا اللَّه من المخالفات.


وقد وقع الإجماع على قتل الجماعة بالواحد، وفرع الفقهاء عليه فروعاً كثيرة استناداً على ما ورد وقد صدر الإجماع من الصحابة، لما روى سعيد بن المسيب: أن عمر قتل سبعة من أهل صنعاء قتلوا رجلا[10]. وعن علي وابن عباس معناه ولم يعرف لهم مخالف في عصرهم، ولأنها عقوبة تجب على للواحد فوجبت على الجماعة كحد القذف، ولأنه لو لم يشرع القصاص في الجماعة بالواحد لبطلت الحكمة في مشروعية القصاص وحصل الاحتيال على إسقاطه بتآمر عدد من الناس على قتل من هو عدو لواحد منهم حتى لا تناله عقوبة القصاص.

 

وقوله سبحانه: ﴿ وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 179] هذا تعليل لمشروعية القصاص وحكمته ذات النتائج الحسنة وبيان الأسباب والحكم لوضع الأحكام العملية كإقامة البراهين والدلائل لإثبات المطالب العقلية؛ لأن حقيقة التعليل يعرف بها الحق من الباطل، ويعرف العدل من الجور، ويعرف ما يتفق مع المصالح الإنسانية، وبذلك يكون الحكم له موقع في النفوس، فتنبعث على المحافظة عليه والرغبة في تنفيذه، وهذه الآية الكريمة قد بينت حكمة القصاص بأسلوب عظيم رفيع لا يسامى، وعبارة مهذبة لا تُحاكى؛ فقد تقرر واشتهر أنها من أبلغ آيات القرآن المعجزة في التحدي لأبلغ البلغاء وأفصح الفصحاء، وفيها من دقائق البلاغة جعل الضد متضمناً لضده، مع قصر الكلمات بكل إيجاز وهو الحياة في الإماتة التي هي القصاص، كما أن فيها تعريف القصاص وتنكير الحياة للإشعار بأن في هذا الجنس من الحكم نوعاً عظيماً من الحياة لا يقدر قدره ولا يحصل بدون إيقاع هذا الحكم.


ثم إن هذا الشطر من الآية الكريمة: ﴿ وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ ﴾ مع إيجازها قد ارتقت إلى أعلى مقامات الإعجاز، فلقد كان العرب ينقلون كلمة في معناها عن بعض بلغائهم يعجبون من إيجازها ويظنون أن طاقة الفصاحة لا تصل إلى أبعد من غايتها، وهي الكلمة المشهورة: (القتل أنفى للقتل) وقد افتتنوا بها لأنه قد قيل قبلها كلمات أخرى في معناها لبعض البلغاء، كقولهم: (قتل البعض إحياء للجميع)، وقولهم: (أكثروا القتل ليقل القتل) فأجمعوا على أن هذه الكلمة: (القتل أنفى للقتل) أبلغها، ولكن جاءتهم كلمة اللَّه العليا من فوق سبع سماوات فقضت على تلك الكلمة التي بهرتهم ببلاغتها، وأين هي من كلمة اللَّه السامية وحكمته المنقطعة النظير؟


وقد تنافس (الألوسي) مع (الرازي) رحمهما اللَّه على بيان التفاوت في البلاغة بين تلك الكلمة العربية ولفظة شطر الآية المقصود، فذكر (الرازي) ستة وجوه تمتاز بها لفظة الآية ﴿ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ ﴾ على كلمة: (القتل أنفى للقتل) فقال:

أولها: إذا تأملت علمت أن قوله ﴿ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ ﴾ أشد اختصاراً من قولهم: (القتل أنفى للقتل).


ثانيهما: أن قولهم: (القتل أنفى للقتل) ظاهره يقتضي كون الشيء سبباً لانتفاء نفسه وهو محال. وقوله: ﴿ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ ﴾ ليس كذلك؛ لأن المذكور نوع من القتل وهو القصاص، ثم ما جعله سبباً لمطلق الحياة؛ لأنه ذكر الحياة منكرة، بل جعله سبباً لنوع من أنواع الحياة.


ثالثها: أن قولهم (القتل أنفى للقتل) فيه تكرير لفظ وليس قوله: ﴿ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ ﴾ كذلك.


رابعها: أن قول القائل: (القتل أنفى للقتل): لا يفيد إلا الردع عن القتل. وقوله: ﴿ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ ﴾ يفيد الردع عن القتل وعن الجرح وغيرهما، فهو أجمع للفوائد.


خامسها: أن نفي القتل مطلوب تبعاً من حيث إنه يتضمن حصول الحياة. وأما الآية فإنها دالة على حصول الحياة، وهو مقصود أصلي، فكان هذا أولى.


سادسها: أن القتل ظلماً قتل مع أنه لا يكون نافياً للقتل، بل هو سبب لزيادة القتل، إنما النافي لوقوع القتل هو القتل المخصوص وهو القصاص، فظاهر قولهم باطل، أما الآية فهي صحيحة ظاهراً وتقديراً، فظهر التفاوت بين الآية وكلام العرب. انتهى الكلام الرزي.


أما الألوسي فذكر هذه الوجوه باختصار وزاد عليها نحوها فقال:

الأول: قلة الحروف: فإن الملفوظ في الآية عشرة أحرف، وكلمة العربي أربعة عشر حرفاً.


الثاني: الاطراد: إذ في كل قصاص حياة وليس كل قتل أنفى للقتل، فإن القتل ظلماً أدعى للقتل.


الثالث: ما في تنوين ﴿ حَيَاةٌ ﴾ من النوعية أو التعظيم.


الرابع: صنعة الطباق بين القصاص والحياة، فإن القصاص تفويت الحياة فهو مقابلها.


الخامس: النص على ما هو المطلوب بالذات - أعني الحياة - فإن نفي القتل إنما يطلب لها لا لذاته.


السادس: الغرابة من حيث جعل الشيء فيه حاصلاً في ضده. ومن جهة أن المظروف إذا حواه الظرف صانه عن التفرق، فكأن القصاص فيما نحن فيه يحمي الحياة من الآفات.


السابع: الخلو عن التكرار مع التقارب، فإنه يخلو عن استبشاع، ولا يعد من رد العجز على الصدر حتى يكون محسناً.


الثامن: عذوبة اللفظ وسلاسته، حيث لم يكن فيها ما في قولهم من توالي الأسباب الخفيفة، إذ ليس في قولهم حرفان متحركان على التوالي إلا في موضع واحد، ولا شك أنه ينقص من سلامة اللفظ وجريانه على اللسان. وأيضاً: الخروج من الفاء إلى اللام أعدل من الخروج من اللام إلى الهمزة؛ لبعد الهمزة من اللام، وكذلك الخروج من الصاد إلى الحاء أعدل من الخروج من الألف إلى اللام.


التاسع: عدم الاحتياج إلى الحيثية - أي: التعليل - وقولهم يحتاج إليها.


العاشر: تعريف القصاص بلام الجنس الدالة على حقيقة هذا الحكم المشتملة على الضرب والجرح والقتل وغير ذلك. وقولهم لا يشمله.


الحادي عشر: خلوه من (أفعل) الموهم أن في الترك نفياً للقتل أيضاً.


الثاني عشر: اشتماله على ما يصلح للقتال هو الحياة، بخلاف قولهم فإنه يشتمل على نفي اكتنفه قتلان وأنه لمما يليق بهم.


الثالث عشر: خلوها مما يوهم قولهم من كون الشيء سبباً لا نتفاء نفسه وهو محال، إلى غير ذلك، فسبحان من علت كلمته وبهرت آيته. انتهى كلام الألوسي.


ولا شك أن هذه الآية أبلغ مما يتصوره المتصورون، وكلماتها أوجز، وأنها أفادت حكماً لم تكن تعرفها العرب ولا تسير عليها، ولم يطلبها أحد من عقلائهم وأدبائهم، وهي المساواة في العقوبة، وبيان أن في تحقيقها تحصل الحياة الطيبة والأمن والاستقرار وصيانة الناس من اعتداء بعضهم على بعض، وأما ما ينطوي عليه كلام العرب مما معناه الأمر بالقتل ليقل القتل أو ينتفي، فمقصدهم فيه الإسراف في قتل القبيلة المعتدية لتضعف بنقص رجالها، فلا تقدر على الأخذ بالثأر، فيكون معنى كلمتهم الماضية أن قتلنا لعدونا أنفى لقتله إيانا، فقتلنا إياه إحياء لنا، فأين هذه الكلمة التي احتوت معانيها على الظلم من ذلك العدل الذي نص اللَّه عليه في هذه الآية الكريمة.


واعلم أن حذف المتعلق من قوله تعالى: ﴿ وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ ﴾ يدل على تعميم جميع أنواع الحياة، وأن اللَّه شرع القصاص والعلم بحصوله يروع من هَمَّ بالقتل؛ فيردعه عنه ويكون سبب حياة نفسين أو نفوس كثيرة تقتتل من أجله خصوصاً على سنة الجاهلية في اقتتال طائفتين بسبب قتل واحد، فإذا اقتص من القاتل سلم الباقون، فحصل بإقامة القصاص لهم حياة حسية وحياة معنوية يحصلون بها على التعايش السلمي والأخوة والوفاق والعيش الرغد، وتحصيل الحياة الطيبة في الدار الآخرة للمقتول قصاصاً، حيث يكفر القصاص عنه جريمته الفظيعة كما أسلفنا في حديث عبادة بن الصامت عن النبي صلى الله عليه وسلم بذلك.


فهذه الآية الكريمة قررت أن الحياة هي المطلوبة بالذات، وأن القصاص وسيلة من وسائلها، بخلاف الاكتفاء بالدية فإنه لا يردع كل أحد. وكم من غني تطغيه ثروته على قتل من يعاديه ولو يدفع أضعاف الديات، ولكن إذا عرف أن لا مندوحة له عن القصاص ارتدع عن الفتك الذي تسول له نفسه به، وكذلك السجن الطويل مهما طال فليس برادع للمجرمين، خصوصاً سجن هذا الزمان، فإن الأشقياء من كل جنس يعتبرون السجن كفندق أو دار سعادة لهم يستريحون فيه ويأكلون ويحصلون على بعض الترفيهات والفحص الطبي مجاناً، فقد يندفع بعضهم إلى الجريمة مفضلاً دخول السجن على حالته البائسة، خصوصاً من يراه أحسن مستقراً من منزله في الصيف والشتاء، أو من يرجو صدور العفو بليلة القدر أو عيد جلوس الحاكم، ونحو ذلك مما هو مشتهر بين مرتكبي الجرائم في الدول التي لا تقيم حدود اللَّه.


وقد اشتهر عن بعض المجرمين المحبوسين أنه لما انتهت مدة سجنه فأطلقوه قال للسجان: أرجو ألا يحل بمقعدي أحد ولا ينقل فراشي فإني سوف أرجع إليه.


فما أعظم حكمة اللَّه في شرعه، ورحمته بعباده، حيث شرع القصاص وسائر الحدود الرادعة.


وفي هذه الآية من بلاغة اللفظ وبراعة العبارة ما يزيل استبشاع القتل من النفوس في هذه العقوبة، ويوطن النفوس على قبول المساواة، حيث لم يسم العقوبة قتلاً أو إعداماً، بل سماها قصاصاً، يعني مساواة بين الناس، تجلب لهم الحياة الطيبة السعيدة.


وليعلم أن الدول الأوربية تعمل بسنة عرب الجاهلية على قاعدتهم (القتل أنفى للقتل) فيجعلون القتل لأعدائهم وخصومهم أنفى لقتلهم إياهم، وهكذا شأنهم مع الضعفاء كالشعوب التي استعمروها بأي وسيلة. فما أبعدهم عن عدل الإسلام، والرحمة الصحيحة بالإنسانية.


وليعلم أيضاً أن الدول الكافرة من (أوربا) وتلاميذها الذين صادرت عقولهم، فانضبعوا بها وانصبغوا يستبشعون القصاص الشرعي الصحيح، زاعمين عدم ملاءمته للإنسانية العصرية، ويوجبون العدول عنه إلى تربية فنية يزعموها كما أسلفناها، أو إلى السجن، وهم يقتلون الجماعات الكثيرة لأدنى غرض سياسي بلا تعقل أو رحمة. وكذلك في سبيل التمييز العنصري أو التعصب الديني، يفتكون بالمجموعات البشرية بأبشع صور القتل، إذ يدفنون الجمع الكثير وهم أحياء بحيث تضطرهم المحركات الحديدية (الداركتارات) إلى حفر مهيئة لهم كي يتساقطوا فيها والعياذ باللَّه. فأين رحمتهم التي يزعمونها في رفض القصاص الشرعي؟!!


ومن ناحية أخرى فالذين يحكمون منهم بمضاعفة الدية لنفس الصانع الفني أو جوارحه، ولنفس العالم الخبيرحامل الشهادات بحجة خسارة الوطن والأمة بفقده، تراهم لا يبالون به في سبيل الأغراض النفسية أو الأمر السياسية. فما أكثر العلماء من الفنيين العسكريين والاقتصاديين ونحوهم من حملة الشعادات العالية التي خسرت الدولة على تربيتهم مبالغ طائلة أزهقوا أرواحهم بالمشانق أو طلقات الرصاص. أفلا يكفي هذا شاهداً على تناقضهم وبطلان مزاعمهم؟ وأن مقصودهم معاداة الشريعة ورفضها لا مجرد التعديل الذي هو في الحقيقة استدراك على اللَّه ورسوله.


ولما أرشد اللَّه لحكمة القصاص العظيمة خص النداء بذوي العقول الرجيحة قائلاً:

﴿ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ ﴾ وهم أصحاب العقول الكاملة المستقيمة على فطرتها لم تزغها الأهواء، ولم يزحزحها الغزو الفكري الماكر عن أصالتها الفطرية. ومع أن الخطاب في هذه الآية الكريمة عام لجميع المسلمين المؤمنين فقد ختمها اللَّه بتخصيص أولي الألباب في النداء؛ لأن ذا اللب الصحيح هو الذي يعرف قيمة الحياة والمحافظة عليها، ولا ينطلي عليه دجل الملاحدة وتلبيساتهم التي هي قلب للحقائق مجلوبة بزخارف من قولي الزور والبهرجة؛ لأنهم يعرفون ما تقوم به المصلحة العامة وما يتوسل به إليها، وهذا موجود فيما شرعه اللَّه من القصاص الذي هو العدل، ومن العفو الذي هو الفضل، فكأن اللَّه يقول في ندائه لأولي الألباب: يا أولي الألباب إنكم تفقهون الأسرار العظيمة في مشروعية القصاص وما اشتمل عليه من المصالح للمجتمع والحاكم في تربيته السياسية والاجتماعية.


وعلى هذا فيجب على المسلم المؤمن أن يستعمل عقله استعمالاً استقلالياً في فهم دقائق الأحكام ومقصود اللَّه منها وما فيها من المنفعة للإنسانية جمعاء، كما أن هذا النداء الإلهي بهذه الآية الكريمة لأولي الألباب يفيد بكل جلاء ووضوح أن المنكر لمنفعة القصاص أو المستهجن لمشروعيته بعد أن هذا البيان، هو عديم اللب، فاقد الجنان، قد تخمر قلبه بالهوى أو صادرته شياطين الإنس من الملاحدة أفراخ الماسونية اليهودية، فهو في سكر معنوي من الأهواء والأضاليل.


وفي ختام اللَّه لهذه الآية الكريمة بقوله: ﴿ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ تعليق للرجاء بالظرف، وذلك في قوله: ﴿ وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ ﴾ يعني: ثبتت لكم الحياة بتنفيذ القصاص المفروض عليكم، لأنه يعدكم ويهيئكم للتقوى التي هي أخذكم بجميع وسائل الوقاية لصيانة مجتمعكم من سفك الدماء وسائر أنواع الاعتداء الذي تفقدون به الأمن والطمأنينة؛ لأن العاقل يحرص على حفظ الحياة ويحترز من سوء العواقب الناتجة من جريمة القتل والإفساد في الأرض، التي لا ينجي منها إلا التزام تقوى اللَّه بتنفيذ القصاص إذا لم يرض أولياء المقتول بالدية. وكثيراً ما يشيد الله بذكر أولي الألباب مفصِّلاً أوصافهم كما في الآية (190-194) من سورة آل عمران: ﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَِ ﴾ والآية (164) من سورة البقرة التي أسلفنا تفسيرها، والآية (19) من سورة الرعد: ﴿ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ ﴾ [الرعد: 20، 19].



[1] أخرجه البخاري كتاب الإيمان [17].

[2] أخرجه البخاري كتاب الطلاق باب الإشارة في الطلاق والأمور رقم [5295]، ومسلم [1672] من حديث أنس رضي الله عنه.

[3] لا: هنا ناهية جازمة تبعاً لمعنى الآية.

[4] أخرجه البيهقي في سننه [8/54] من طريق سعيد بن أبي عروبة عن مطر عن الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم وقال: هذا منقطع وقد روي موصولاً فذكره من طريق حماد قال أنبأ مطر الوراق قال وأحسبه عن الحسن عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم... الحديث، وأخرجه أبو داود الطيالسي رقم [1763] من طريق حماد بن سلمة عن مطر عن رجل عن جابر به.

وفي إسناده مطر بن طهمان الوراق وهو ضعيف مضطرب الحديث وذكر الحديث ابن عدي في الكامل [6/396] والعقيلي في الضعفاء [4/219] واستنكراه على مطر.

والحديث له شاهد ضعيف من طريق نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((ولا أعافي رجلاً قتل بعد عفوه وأخذه الدية)).

وفي سنده سويد بن عبد العزيز وهو متروك. انظر ميزان الاعتدال [3/349] فلا يصلح للتقوية.

[5] أخرجه البخاري كتاب الزكاة باب في الركاز الخمس رقم [1499]، ومسلم [1710] من حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً بلفظ ((العجماء جرحها جبار والبئر جبار والمعدن جبار وفي الركاز الخمس)).

[6] جزء من الحديث السابق.

[7] أخرجه البخاري كتاب الديات رقم [6862] من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.

[8] أخرجه البخاري كتاب الديات باب قول الله تعالى: ﴿ أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ ﴾ رقم [6878]، ومسلم رقم [1676] كلاهما من حديث ابن مسعود رضي الله عنه.

[9] أخرجه البخاري كتاب الإيمان باب قول الله تعالى: ﴿ وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا ﴾ [الحجرات: 9] رقم [31]، ومسلم رقم [2888] من حديث أبي بكرة رضي الله عنه.

[10] انظر صحيح البخاري كتاب الديات، باب إذا أصاب قوم من رجل، فقد أخرجه البخاري في ترجمة الباب من طريق نافع عن ابن عمر به.

أما رواية سعيد بن المسيب فأخرجها البيهقي [8/40].





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • تفسير سورة البقرة .. الآيات ( 170 : 171)
  • تفسير سورة البقرة .. الآيات (172 : 173)
  • تفسير سورة البقرة .. الآيات (174 : 175)
  • تفسير سورة البقرة .. الآية ( 176 )
  • تفسير سورة البقرة .. الآية (177)
  • تفسير سورة البقرة .. الآيات (180 : 182)

مختارات من الشبكة

  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (135 - 152) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (102 - 134) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (65 - 101) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (1 - 40) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (40 - 64) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • الفتوحات الربانية في تفسير الآيات القرآنية: سورة البقرة الآيات (1-5)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الفتوحات الربانية في تفسير الآيات القرآنية: تفسير الآيتين (6-7) من سورة البقرة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير ابن باز لسورة البقرة: الآيات 11 - 20(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير ابن باز لسورة البقرة الآيات: 1 – 10(مقالة - آفاق الشريعة)
  • قطوف مختارة من تفسير سورة البقرة: الجزء الثالث - الآيات 200 - 286 (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 0:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب