• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات   بحوث ودراسات   إبهاج المسلم بشرح صحيح مسلم   الدر الثمين   سلسلة 10 أحكام مختصرة   فوائد شرح الأربعين   كتب   صوتيات   مواد مترجمة  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    10 مسائل مهمة ومختصرة في: شهر الله المحرم
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    10 مسائل مهمة ومختصرة في الأضحية (PDF)
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    10 مسائل مهمة ومختصرة في 10 ذي الحجة (PDF)
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    الدعاء لمن أتى بصدقة
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    حديث: صدقة لم يأكل منها
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    حديث: هو لها صدقة، ولنا هدية
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    باب: (ترك استعمال آل النبي على الصدقة)
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    حديث: «كخ كخ، ارم بها، أما علمت أنا لا نأكل ...
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    شرح حديث: سيخرج في آخر الزمان قوم أحداث الأسنان ...
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    التعريف بالخوارج وصفاتهم
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    حديث: ألا تأمنوني؟ وأنا أمين من في السماء
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    إعطاء المؤلفة قلوبهم على الإسلام وتصبر من قوي ...
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    إعطاء المؤلفة قلوبهم على الإسلام وتصبر من قوي ...
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    إعطاء المؤلفة قلوبهم من الزكاة
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    باب: (إعطاء من سأل بفحش وغلظة) (2)
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    باب: (إعطاء من سأل بفحش وغلظة) (1)
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
شبكة الألوكة / المواقع الشخصية / مواقع المشايخ والعلماء / الشيخ عبدالرحمن بن محمد الدوسري / تفسير القرآن العظيم
علامة باركود

تفسير سورة البقرة .. الآيات ( 144 : 147 )

تفسير سورة البقرة .. الآيات ( 144 : 147 )
الشيخ عبدالرحمن بن محمد الدوسري

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 7/11/2012 ميلادي - 22/12/1433 هجري

الزيارات: 24956

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

تفسير سورة البقرة

الآيات [ 144: 147 ]


وقوله سبحانه: ﴿ قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ ﴾ [144].

 

يذكر الله نبيه بتقليب وجهه في السماء، يعني: كثرة تردده في جميع جهاته شوقاً وانتظاراً لنزول الوحي بتحويل القبلة إلى الكعبة، كما أسلفنا من حرصه على مخالفة اليهود حتى في اتجاههم والاتجاه من أعظم المهمات.

 

وقوله سبحانه عن نبيه: ﴿ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ ﴾ ولم يقل (تقلب بصرك) لزيادة اهتمامه، ولأن تقلب الوجه مستلزم لتقلب البصر، وذلك لأن الكعبة قبلة أبيه إبراهيم، والتوجه إليها أدعى إلى إيمان العرب، وعلى العرب القبول بإذن الله في ظهورهم هذا الدين العام؛ لأنهم كانوا أكمل استعداداً من جميع الأمم.

 

ولا غرابة في تشوقه صلى الله عليه وسلم لقبلة إبراهيم، وقد جاء بإحياء ملته الحنيفية وتجديد دعوته، وليس بعد هذا من الرغبة عن أمر الله تعالى إلى هوى النفس لأن تشوقه وتقلب وجهه ليس ناشئاً عن شهوة نفسية وإنما نشأ عن رغبة دينية هي مخالفة اليهود ومخالفة أعداء الله مما يرضاها الله لرسوله وأتباع رسوله، ويعينهم عليها، لأن روح النبي صلى الله عليه وسلم منطوية على الدين في جملته ومن قبل أن ينزل عليه الوحي بتفصيل مسائله، فهي تشعر بصفاتها وإشراقها بحاجة الأمة التي بعث فيها شعوراً إجمالياً كلياً لا يكاد يتجلى في جزيئات المسائل وآحاد الأحكام إلا عند شدة الحاجة إليها والاستعداد لتشريعها. فعند ذلك يتوجه قلب النبي صلى الله عليه وسلم إلى ربه طالباً بلسان استعداده بيان ما يشعر به مجملاً وإيضاح ما يلوح له مبهماً فينزل الروح على قلبه بإذن الله يخاطبه بلسان قومه عن ربه.

 

وهكذا كانت قضية تحويل القبلة في شعوره حتى قال له الله: ﴿ قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ ﴾ مصدر الوحي انتظاراً لما ترجوه من تحويل القبلة: ﴿ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا ﴾ لأن هذا التوجه بالرجاء إلى الله هو الذي يحبه الله ويهدي قلب صاحبه إلى ما يرجوه ويطلبه، فلذلك قال له فلنجعلنك متولياً قبلة تحبها وترضاها، وقد قرن الوعد بالأمر فقال: ﴿ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ﴾ وتولية الوجه لمكان ما هي جعله قبلته وأمامه، كما أن التولي عنه جعله وراءه، والشطر يطلق على الجهة وعلى قسم من أقسام البيت. وفي قوله: ﴿ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ﴾ إشارة إلى جهاته الأربع وأن المصلي يتجه إلى الشطر المحاذي لبلده، فمن كان بلده في الجنوب يتجه إلى الشطر الذي بين الركن اليماني والحجر الأسود، ومن كان إلى الشرق يتجه إلى الشطر الذي فيه الباب، ومن كان في الغرب يتجه عكس ذلك، ومن كان شمالاً يتجه إلى الشطر الذي بين الركن العراقي والشامي، ومن كان بين ذلك يتجه إلى أحد الأركان المحاذية لبلده. ولا يصح إطلاق الشطر على العين لما فيه من الحرج والمشقة، فلا يجب إصابة عينها إلا على المكي القريب منها، وأما البعيد فيكفيه جهتها. ولهذا قال سبحانه: ﴿ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ ﴾ يعني: في أي مكان من البر أو البحر تكونوا فاستقبلوا الكعبة، أي وجهتها حسب اجتهادكم.

 

وفي تثنية الله للمؤمنين بعد الخطاب لرسوله صلى الله عليه وسلم بقوله: ﴿ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ﴾ تشريف للمؤمنين واهتمام بشأنهم حيث قال: ﴿ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ ﴾ فأمر الله المؤمنين بما أمر به رسوله، والأمر للرسول يعم المؤمنين ما لم يقم دليل الاختصاص، ولكن الله سبحانه نص على أمر المؤمنين نصاً صريحاً للتأكيد الذي اقتضته الحال في حادثة القبلة، فإنها كانت حادثة كبيرة استتبعها فتنة عظيمة من دس اليهود ولجاجتهم، فأراد الله أن يعلم المؤمنين بعنايته بها ويقررها في أنفسهم، فأكد الأمر بها وشرفهم بالخطاب مع خطاب الرسول صلى الله عليه وسلم، لتقوى معنويتهم وتطمئن قلوبهم ويتلقوا تلك الفتنة التي أثار اليهود وروجها المنافقون والكافرون بالحزم والثبات على الإتباع، ولئلا يتوهم من سابق الكلام أنه خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم.

 

ثم بعد هذا عاد إلى بيان حال السفهاء مثيري الفتنة في قضية تحويل الكعبة فقال سبحانه: ﴿ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ ﴾ يعني يعلمون أن استقبال المسجد الحرام هو الحق المنزل من الله على نبيه.

 

وجمهور المفسرين جرى على أن أكثر مثيري الفتنة هم من أهل الكتاب المقيمين في الحجاز، ولولا ذلك لم تكن الفتنة عظيمة، لأن كلام المشركين في مسائل الوحي والتشريع قلما يلتفت إليه لجهلهم، وأما أهل الكتاب فمعروفون بين العرب بالعلم، ومن كان كذلك فإن عامة الناس تتقبل كلامه ولو نطق بالمحال، لأن الثقة بمظهره تعمي الناس عن تمحيص خبره، فهو في حاله الظاهرة شبهة إذا أنكر وحجة إذا اعترف، لأن جماهير الناس قد اعتادوا تقليد مثله وتصديقه بدون بحث عن الدليل. وقد جرى أصحاب المظاهر العلمية والدينية على الانتفاع بغرور الناس بهم فصار الغرض لهم من أقوالهم التأثير في نفوس الناس، فهم يقولون ما لا يعتقدونه لأجل ذلك، ويسندون ما يقولون إلى كتبهم كذباً صريحاً أو تأويلاً بعيداً كما كان أحبار اليهود يطعنون بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد ما جاء به ويذكرون للناس أقوالاً ينسبونها إلى التوراة، وما هي منها، بل الذي في التوراة عكسها، وكذلك الشأن في أمر القبلة، فإنه منصوص في التوراة من بعض صفاته صلى الله عليه وسلم أنه يستقبل الكعبة، فقد قام عندهم الدليل على صحة نبوته صلى الله عليه وسلم وصدقه في قبلته، ويعلمون أن أمر القبلة مما جاء به الوحي من الله وأنه الحق الذي لا محيص عنه، ولهذا توعدهم الله بقوله: ﴿ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ﴾، لأنهم يعترضون عناداً وبغياً وشراً للمؤمنين، فهو مطلع على ظواهرهم وضمائرهم، حسيب على ما في سرائرهم، ورقيب على أعمالهم، لا يغفل عن شيء منها، بل يخزيهم بفضيحتهم في الدنيا، ويعاقبهم على كل ما اجترحوه ضد المؤمنين وضد وحيه المبين في الدنيا أولاً بصنوف العذاب، ثم في الآخرة مأواهم جهنم وبئس المصير.

 

وقد سبق القول عن حرصه صلى الله عليه وسلم على إيمان أهل الكتاب ورجائه منهم أكثر من رجائه لإيمان المشركين، وأنه يحزنه صدودهم وما يقيمونه من الشبهات، ويتمنى لو أعطي من الآيات والدلائل ما يمحو كل شبهة، فأعطاء الله ما أراد وزيادة، كما مضى تفصيل الأسلحة المعنوية الدامغة لهم في كل مجال، وخصوصاً حول إبراهيم صلى الله عليه وسلم. وقد أخبره الله هنا بأنهم غير مشتبهين بالحق فتزال شبهتهم، وإنما هم قوم معاندون جاحدون على علم، وزاده الله إعلاماً عظيماً أنه لا تنفع معهم كل حجة ولا كل آية أبداً، فقال سبحانه: ﴿ وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ وَمَا أَنْتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَمَا بَعْضُهُمْ بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ ﴾ [145].

 

يعني لو أتبت الذين أوتوا الكتاب بكل آية على نبوتك وكل حجة على صدقك وكل برهان ودليل يوضح قولك، ما تبعوا قبلتك، فضلاً عن اتباع ملتك، لأن اتباع قبلته دليل على اتباعه، وإنما كان الأمر كذلك لأنهم معاندون عرفوا الحق وتركوه بغياً وحسداً وعناداً، ولا ينتفع بالآيات إلا الذي يطلب الحق وهو مشتبه عليه، فإذا أوضحته الآيات اتبعه، وأما من جزم على الإعراض عن الحق بكل إصرار فهذا لا حيلة فيه قطعاً. وأيضاً فهم مختلفون فيما بينهم، وبعضهم ليس بتابع قبلة بعض.

 

وقوله سبحانه عن نبيه صلى الله عليه وسلم: ﴿ وَمَا أَنْتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ ﴾ أبلغ مما لو قال: (ولا تتبع) لأن ذلك يتضمن أنه صلى الله عليه وسلم متصف بمخالفتهم كما هو الواجب عليه وعلى أمته، فلا يمكن وقوعه منه بتاتاً، بخلاف أمته، فإنه قد ينزلق بعضهم فيوافق الكفار في بعض الأحوال أو يتشبه بهم جهلاً أو أنضباعاً عن مركب نقص ونحوه، فينور الله بصيرته للعودة أو يصب عليه سوط عذاب كما هي سنته الكونية القدرية.

 

ثم قال سبحانه: ﴿ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ ﴾ ولم يقل دينهم، لأنهم ليسوا على دين، ولا شك أن كل من ترك الدين فقد اتبع الهوى لا محالة. وهذا تهديد من الله لنبيه إنك إن اتبعت أهواءهم ﴿ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ من الْعِلْمُ ﴾ بأنك على الحق وهم على الباطل ﴿ إنَّكَ إِذاً ﴾ إن اتبعتهم ﴿ لَمِنَ الظَّالِمِينَ ﴾ أي داخل فيهم ومندرج في جملتهم.

 

وأي ظلم أعظم من ظلم من عرف الحق والباطل ففضل الباطل على الحق؟

 

وهذا وإن كان الخطاب ظاهراً له صلى الله عليه وسلم فإن أمته داخلة في ذلك بطريق الأولى، وأيضاً فإذا كان هو لو فعل ذلك (وحاشاه) كان ظالماً مع علو مرتبته، فغيره من سائر الأمة من باب أولى والعياذ بالله.

 

فليعلم المسلم المؤمن أن هذا الخطاب بهذا الوعيد لأعلى الناس مرتبة وأفضلهم عند الله، هو أشد وعيداً لغيره ممن يتبع الهوى بعد استبانة الحق استرضاء للناس بمجاراتهم على ما هم فيه من الباطل، فإنه سبحانه أفرد نبيه بالخطاب، مع أن المراد به أمته إذ يستحيل أن يتبع هو أهواءهم أو أن يجاريهم على شيء قد نهاه الله عنه. فلينتبه الغافل ويستيقن أن اتباع أهواء الناس من حاكم أو محكوم، ولو لغرض صحيح، هو من الظلم العظيم الذي يهدم الإيمان ويردي الناس في مهاوى الباطل، فكأن الله يقول إن هذا العمل جريمة عظيمة لا يتسامح الله فيها مع أحد حتى لو وقعت من نبيه وحبيبه صلى الله عليه وسلم، فكيف لو وقعت من غيره؟

 

وإذا كانت جميع أمته صلى الله عليه وسلم داخلة في هذا الوعيد الشديد في قوله سبحانه له: ﴿ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ ﴾ ودخولها من باب أولى، فإن توجه الوعيد هذا وفي سورة الرعد أيضاً على العلماء أشد من توجهه على غيرهم، لأن قوله: ﴿ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِن الْعِلْمِ ﴾ يدل على ذلك.

 

وينبغي أن يفهم أن أكثر الأمة الإسلامية علماء فيما يتعلق بالعقيدة وأصول الإيمان، والغالب علماء فيما سوى ذلك، لأنك لو خاصمت الذي يدعي أنه "عامي" لا عالم بأقل شيء في الحكمة، لأبشعك في الحجة وأبشع القضاة، ولكنهم يتهربون من المسئولية باسم (العامية). وهذا لا يجوز فالله العليم بذات الصدور يعلم أنهم يعرفون المنكر أنه منكر واضح، فكيف يسكتون عن إنكاره ويلقون بالتبعة على غيرهم؟

 

هذا تنصل لا يجوز، بل هذا تمويه على الله، ثم إن الدين الإسلامي ليس فيه ما يسمى رجال دين كالمذهب الكنسي النصراني وغيره مما احتكره الطواغيت.

 

فالإسلام على العكس ليس محتكراً عند أحد، وجميع المسلمين رجال دين، وكلهم مسئولون أمام الله، وأما ما اخترعه بعض الحكام السابقين من تكوين علماء مخصوصين بألقاب، فهذا لأغراض نفسية أو سياسية وقد يكون في غيرهم من هو أعلم منهم أضعاف المرات، ولكنها المقاصد أو عدم الحرص على التمحيص، فلا عبرة بذلك في الدين، بل المسئولية أمام الله يشترك بها الجميع، وقاصمة الظهر قوله صلى الله عليه وسلم: ((إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى))[1] فالمقاصد المنبعثة من القلوب هي الميزان في جزاء الله على كل فعل أو ترك، بل على كل حركة وسكون، والله لا تخفى عليه خافية، ولا ينطلي عليه التلبيس.

 

وقوله سبحانه:﴿ الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ  * الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ ﴾  [146-147].

 

ذكر الله في الآية (144) أن أهل الكتاب يعلمون الحق في أمر القبلة، وأن محمداً صلى الله عليه وسلم صادق فيما أخبر عن تحويلها، ولكنهم يجحدون ويمكرون لاستعذابهم الباطل وتفضيله على الحق حسداً وبغياً. ثم إنه سبحانه في هذه الآية أخبرنا عن الأصل وعن العلة في ذلك العلو وذلك الإنكار، وهو أنه قد تقرر عندهم وعرفوا الحق في صدق رسالة محمد وصدق ما جاء به معرفة يقينية، وذلك مما وجدوه في كتبهم من البشارة به وأوصافه وأنه من بني إسماعيل من العرب ليس منهم وأن قبلته الكعبة، فهم يعرفونه تماماً بالنعوت والأوصاف التي في التوراة، وبما شاهدوه من ظهور آياته وآثار هدايته، فمعرفتهم وصلت في اليقين إلى حد معرفة أبنائهم الذين تولوا تربيتهم، وهل يوجد شيء أعرف إلى الشخص من أبنائه؟ بل هل يشك أحد في معرفة أبنائه الذين هم تحت رعايته وبين يديه؟ هذا لا يمكن فالله العليم

 

الخبير حكم عليهم وأخبرنا بحكمه أنهم يعرفون الحق محمداً صلى الله عليه وسلم وما جاء به من كل شيء، كما يعرفون أبناءهم.

 

وقد قال عبد الله بن سلام رضي الله عنه، وكان من علماء اليهود وأحبارهم: (أنا أعلم به من ابني)[2]. فقال له عمر رضي الله عنه: لم؟ قال: لأني لست أشك في محمد أنه نبي، فأما ولدي فلعل أمه خانت. وقد اعترف غيره ممن هداه الله من أحبارهم وكذلك تميم الداري من علماء النصارى اعترف بأنهم عرفوه صلى الله عليه وسلم معرفة لا يتطرق إليها الشك، وذلك أن معرفة أهل الكتاب بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم ليست مقصورة على ما ورد في التوراة من ذكره وأوصافه، بل انضاف إلى ذلك ظهور المعجزة على يديه مما يعتبر العلم به والمعرفة أقوى من معرفة الأبناء وأبوة الآباء.

 

فقوله سبحانه وتعالى: ﴿ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ ﴾ المراد به تشبيه العلم بأشخاص الأبناء وذواتهم، كما أن الأب يعرف شخص ابنه معرفة لا يشتبه معها بغيره فكذا هاهنا، وعند هذا يستقيم التشبيه، فليس المراد أن العلم بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم كالعلم ببنوة الأبناء على الحقيقة، لأن نبوته صلى الله عليه وسلم متيقنة وبنوة الأبناء ليست متيقنة، وإنما المراد بتشبيه الأشخاص. وقد خص الله الأبناء بالذكر، لأن الذكور أعرف وأشهر، وهم بصحبة الآباء ألزم، وبقلوبهم ألصق.

 

أما قوله سبحانه: ﴿ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾ فالمراد به أكثرهم، لأن المؤمن منهم قليل جداً والباقون على كفرهم هم الأكثرية الساحقة، فأكثرهم اتصف بكتمان الحق والكفر به، ودل بقوله: ﴿ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ ﴾ على الذم، لأن كتمان الحق في الدين محظور إذا أمكن إظهاره.

 

ولا شك أن كتمان الحق من نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وما جاء به جريمة من أعظم الجرائم خصوصاً صدورها من أهل الكتاب الذين عندهم شهادة به من الله، ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده من الله؟ وفي ضمن هذا تسلية للرسول صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين، وتحذير له وللمؤمنين من شرهم ومكرهم وشبهاتهم.

 

ويستدل من هذه الآية على أن العالم يجب عليه حتمًّا إظهار العلم والحق وتبيينه وتزيينه للناس بكل ما يقدر عليه من حسن عبارة وإلقاء برهان ونفي شبهة، والقيام بإبطال الباطل وتزييفه وتمييزه عن الحق وتقبيحه وتشيينه وتنفير الناس منه بكل عبارة وأسلوب مؤدٍّ إلى ذلك.

 

وسيأتي أعظم الوعيد على من كتم شيئاً من العلم في الآيتين (159) و (174) كما سيأتي إن شاء الله عن قريب، وفي الحديث الصحيح ما معناه: ((من كتم علماً يعلمه ألجمه الله بلجام من ناره))[3].

 

وقوله سبحانه وتعالى: ﴿ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ ﴾ يعني: (الحق) الذي أنت عليه (من ربك) من الله لا من غيره، فالألف واللام للجنس، يعني ما أنت عليه من ربك هو الحق، وما عليه غيرك من أهل الكتاب فهو الباطل. وقيل إن الألف واللام للعهد إشارة إلى الحق الذي عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو الحق الذي كتمه أهل الكتاب، وهو قول وجيه لا يقل عن سابقه.

 

وقوله سبحانه لنبيه: ﴿ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ ﴾ الامتراء والشك والتردد متقاربة المعنى، وهي تعرض لمن لا يعرفون الحق، فأما الذين يعرفون الحق كمحمد صلى الله عليه وسلم والمؤمنين، فلا يلتفتون إلى أوهام هؤلاء الجاحدين، ولا يعتريهم الامتراء لما استيقنوه من الحق الذي هم عليه المشتمل على المطالب العالية والأوامر الحسنة وتزكية النفوس.

 


[1] أخرجه البخاري (1) ومسلم (1907/155) والترمذي (1647) والنسائي (1/58) و(6/58) وابن ماجه (4227) من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه.

[2] الطبري (2/163).

[3] أخرجه أبو داود (3658) وأحمد (2/263) من حديث أبي هريرة رضي الله عليه مرفوعاً. وقال الخليلي في الإرشاد (1/322): والمحفوظ من حديث أبي هريرة موقوف.

وللحديث طرق كثيرة عن عدد من الصحابة لا تخلو من مقال.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • تفسير سورة البقرة .. الآيات ( 130: 134 )
  • تفسير سورة البقرة .. الآيات ( 135: 137 )
  • تفسير سورة البقرة .. الآيات ( 138 : 140 )
  • تفسير سورة البقرة .. الآيات ( 141 : 142 )
  • تفسير سورة البقرة .. الآية ( 143 )
  • تفسير سورة البقرة .. الآيات (148 : 149)
  • تفسير سورة البقرة .. الآيات ( 150 : 152 )
  • تفسير سورة البقرة .. الآية ( 153 )
  • تفسير سورة البقرة .. الآيات ( 154 )

مختارات من الشبكة

  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (135 - 152) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (102 - 134) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (65 - 101) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (1 - 40) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (40 - 64) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • تفسير سور المفصل 212 - سورة الأعلى ج 1 - مقدمة لتفسير السورة(مادة مرئية - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)
  • الفتوحات الربانية في تفسير الآيات القرآنية: تفسير الآيتين (6-7) من سورة البقرة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مخطوطة تفسير بعض من سورة البقرة ثم تفسير سورة يس(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • الفتوحات الربانية في تفسير الآيات القرآنية: سورة البقرة الآيات (1-5)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الفتوحات الربانية في تفسير الآيات القرآنية: تفسير سورة الإخلاص(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 16:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب