• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات   بحوث ودراسات   إبهاج المسلم بشرح صحيح مسلم   الدر الثمين   سلسلة 10 أحكام مختصرة   فوائد شرح الأربعين   كتب   صوتيات   مواد مترجمة  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    10 مسائل مهمة ومختصرة في: شهر الله المحرم
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    10 مسائل مهمة ومختصرة في الأضحية (PDF)
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    10 مسائل مهمة ومختصرة في 10 ذي الحجة (PDF)
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    الدعاء لمن أتى بصدقة
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    حديث: صدقة لم يأكل منها
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    حديث: هو لها صدقة، ولنا هدية
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    باب: (ترك استعمال آل النبي على الصدقة)
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    حديث: «كخ كخ، ارم بها، أما علمت أنا لا نأكل ...
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    شرح حديث: سيخرج في آخر الزمان قوم أحداث الأسنان ...
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    التعريف بالخوارج وصفاتهم
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    حديث: ألا تأمنوني؟ وأنا أمين من في السماء
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    إعطاء المؤلفة قلوبهم على الإسلام وتصبر من قوي ...
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    إعطاء المؤلفة قلوبهم على الإسلام وتصبر من قوي ...
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    إعطاء المؤلفة قلوبهم من الزكاة
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    باب: (إعطاء من سأل بفحش وغلظة) (2)
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    باب: (إعطاء من سأل بفحش وغلظة) (1)
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
شبكة الألوكة / المواقع الشخصية / مواقع المشايخ والعلماء / الشيخ خالد بن عبدالمنعم الرفاعي / استشارات
علامة باركود

الفرق بين محالات العقول ومحارات العقول، في ضوء حديث النزول

الشيخ خالد بن عبدالمنعم الرفاعي

استشارات متعلقة

تاريخ الإضافة: 25/2/2012 ميلادي - 2/4/1433 هجري

الزيارات: 44923

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق 
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر
السؤال:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أُريد إرسال سؤالي إلى الشيخ خالد بن عبدالمنعم الرفاعي.

 

كنتُ أعتقد أوَّلاً أنَّ الدِّين ما جاء الشرعُ به، وأنَّ العقل مرفوضٌ تمامًا في الشريعة، ولكن عندما سَمِعت وقرَأْتُ في مسالة التحسين والتقبيح العقلي شيئًا قليلاً، وعرَفت مذهبَ المعتزلة الذين غَلَوا في العقل على حساب الشرع، ومذهب الأشعريَّة الذين نَفَوْا أن يُدرِك العقل حُسْنَ الحَسَن، وقُبْحَ القبيح، ومذهب الحقِّ - أهل السُّنة - الذي سطَّره شيخ الإسلام في كتابه "دَرْء التعارُض" اختصارًا.

شاء الله أن أدرسَ شيئًا من النصرانيَّة، فأَحْبَبْتُ أن أُشبعَ الرغبة في معرفة الانقلاب الغربي إلى العلمانيَّة، والذي كان السبب الرئيس فيه - أو إن شِئْتَ الوحيد - هو الدين الفاسد، فقَرَأتُ كتاب "العلمانية"؛ للشيخ سفر الحوالي، والسؤال الذي أشكَل عليَّ الآن مسألة التثليث، فالشيخ بعد أن ذكَر قضيَّة إنكار العقل والفكر وكلِّ شيءٍ على أنَّ 1+1+1=1، وظلَّت وستَظَلُّ الكنيسة عاجزة عن ذلك، قال ما نصُّه: "من هذه الإجابات يتَّضح أن الكنيسة لَم تضع حلاًّ للمشكلة، إلاَّ المشكلة نفسها، فالعقل يسأل الكنيسة عن سرِّ التثليث، فتُجيب بأنَّ هذا (سرٌّ)، ويا لَيْتَ أنه كان السرَّ الوحيد، ولقائلٍ أن يقولَ: إنَّ الأديان كلَّها - بما فيها الإسلام - لا تَخلو من مُغيَّبات، أو حقائقَ لا يستطيع العقل إدراكَها، ولكن يدفع هذا القول أنَّ هناك فَرْقًا بين ما يَحكم العقل باستحالته كالتثليث، وبين ما لا يَستطيع العقل إدراكَه، والإسلام وإن كان فيه الأخير، فإنه يَخلو تمامًا من الأوَّل، فليس فيه ما يَحكُمُ العقل باستحالته أبدًا"؛ ا .هـ ص 41.

أُريدك شيخَنا أن تَشرحَ الفرق بين الاثنين في ضوء الحديث المتواتر المُتَّفق عليه، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((يَنزل ربُّنا - تبارَك وتعالى - كلَّ ليلة إلى السماء الدنيا، حين يَبقى ثُلُث الليل الآخر، يقول: مَن يَدعوني، فأَستجيب له؟ مَن يَسألني، فأُعطيه؟ مَن يَستغفرني، فأَغْفِر له؟)).

 

الجواب:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبه ومَن والاهُ، أمَّا بعدُ:

فالشريعة الإسلاميَّة - أصولاً وفروعًا - ليس فيها شيءٌ يُخالف العقل ألبتَّةَ، ولكن قد يُشكِل على كثيرٍ من الناس نصوصٌ لا يَفهمونها، فتكون مشكِلةً بالنسبة إليهم؛ لعَجزهم عن فَهْم معانيها، ولا يَعني عدم فَهْمهم أنَّ في القرآن ما يُخالف صريحَ العقل والحِس؛ فالقرآن أنزَله الله شفاءً لِما في الصدور، وبيانًا للناس، فلا يجوز أن يكونَ بخلاف ذلك، لكن قد تَخفَى آثار الرسالة في بعض الأمْكنة والأزْمِنة؛ حتى لا يَعرفوا ما جاء به الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - سواءٌ اللفظ، أو المعنى، فيَصيروا في ظُلمة الجهل بسبب عدمِ نورِ النبوَّة.

 

قال شيخ الإسلام ابن تيميَّة- في "دَرْء التعارض" (1 / 83) -:

"فأنزَل الله الكتاب حاكمًا بين الناس فيما اختَلفوا فيه؛ إذ لا يُمكن الحكمُ بين الناس في موارد النزاع والاختلاف على الإطلاق، إلاَّ بكتابٍ مُنزَّلٍ من السماء، ولا ريبَ أنَّ بعض الناس قد يَعلم بعقله ما لا يَعلمُه غيرُه، وإن لَم يُمكنْه بيانُ ذلك لغيره، ولكن ما عُلِمَ بصريح العقل، لا يُتصوَّر أن يُعارِضه الشرعُ ألبتَّةَ، بل المنقول الصحيح لا يُعارضُه معقولٌ صريحٌ قطُّ.

وقد تأمَّلتُ ذلك في عامة ما تنازَعَ الناسُ فيه، فوجَدتُ ما خالَف النصوص الصحيحة الصريحة شُبهاتٍ فاسدةً، يُعلَمُ بالعقل بُطلانُها، بل يُعلَمُ بالعقل ثبوتُ نقيضِها المُوافِق للشرع.

وهذا تأمَّلتُه في مسائل الأصول الكبار؛ كمسائل التوحيد والصفات، ومسائل القَدَر والنبوَّات والمَعاد، وغير ذلك، ووَجَدتُ ما يُعلَم بصريح العقل، لَم يُخالفه سمعٌ قطُّ، بل السمع الذي يُقال: إنه يُخالفه؛ إمَّا حديث موضوعٌ، أو دلالةٌ ضعيفةٌ؛ فلا يَصلح أن يكون دليلاً لو تَجرَّد عن معارضة العقل الصريح، فكيف إذا خالَفه صريحُ المعقول؟

ونحن نعلم أنَّ الرُّسل لا يُخبِرون بمحالات العقول، بل بمُحارات العقول، فلا يُخبِرون بما يَعلمُ العقل انتفاءَه، بل يُخبِرون بما يَعجِز العقلُ عن معرفته.

والكلام على هذا - على وجه التفصيل - مذكورٌ في موضعه، فإنَّ أدلَّة نُفاة الصفات والقدَر، ونحو ذلك، إذا تدبَّرها العاقلُ الفاضلُ وأعطاها حقَّها من النظر العقلي، علِمَ بالعقل فسادها، وثبوت نقيضِها؛ كما قد بيَّناه في غير هذا الموضع"؛ ا .هـ.

ولو تأمَّلت - رعَاك الله - كلامَ شيخ الإسلام السابق، أيْقَنت بالفارق بين دين النصارى المحرَّف، والذي يقضي العقل باستحالة أنه من عند الله، ويَعلمُ العقلُ انتفاءَه؛ لكونه مُشتملاً على المُحالات العقليَّة، بخلاف دين الإسلام الحقِّ الذي أخبَر فيه الله ورسوله بمُحارات العقول، الذي يَعجِز العقلُ عن معرفته، ككيفيَّة نزول الربِّ المَبنيَّة على استحالة معرفة كيفيَّة ذاته - سبحانه.

ففارِقٌ كبير بين عدم إدراك العقل لبعض المُغيَّبات، أو لكيفيَّة صفات الله الفعليَّة، وبين مُباينة الدين للمعقول، ومُناقضته للفِطَر، كما في الدِّيانة النصرانيَّة المُحرَّفة.

ولو درَست عقيدة أهل السُّنة والجماعة في مسألة الأسماء والصفات، فلن تَجِدَ تناقُضًا ألبتَّةَ، بل ستجد أنَّ المنقول يوافِق المعقول والبدهيَّات العقليَّة، ومن ذلك حديث النزول، فمذهب سلف الأمة وأئمَّتها أن يُوصَف الله بما وَصَف به نفسه، وبما وصَفه به رسوله - صلَّى الله عليه وسلَّم - من غير تحريفٍ ولا تعطيلٍ، ولا تكييفٍ ولا تمثيلٍ، فلا يجوز نفيُ صفات الله تعالى التي وصَف بها نفسَه، ولا يجوز تمثيلُها بصفات المخلوقين، بل هو - سبحانه - ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾ [الشورى: 11].

ليس كمثله شيء؛ لا في ذاته، ولا في صفاته، ولا في أفعاله.

 

وسأَذْكر لك قاعدة أهل السُّنة والجماعة في مسائل الصفات؛ قال شيخ الإسلام ابن تيميَّة في "مجموع الفتاوى" (3 / 25 - 27):

"القول في الصفات كالقول في الذات؛ فإنَّ الله ليس كمثله شيء؛ لا في ذاته، ولا في صفاته، ولا في أفعاله، فإذا كان له ذاتٌ حقيقةٌ لا تُماثِل الذوات، فالذات متَّصفةٌ بصفات حقيقة لا تُماثِل سائرَ الصفات، فإذا قال السائل: كيف استَوَى على العرش؟ قيل له: كما قال ربيعةُ ومالك وغيرُهما - رضي الله عنهما -: الاستواء معلوم، والكَيْف مَجهول، والإيمان به واجبٌ، والسؤال عن الكيفيَّة بدعة؛ لأنه سؤالٌ عمَّا لا يَعلمه البشر، ولا يُمكنُهم الإجابةُ عنه، وكذلك إذا قال: كيف ينزلُ ربُّنا إلى السماء الدنيا؟ قيل له: كيف هو؟ فإذا قال: لا أعلم كيفيَّته، قيل له: ونحن لا نَعلم كيفيَّة نزوله؛ إذ العلم بكيفيَّة الصفة، يَستلزمُ العلم بكيفيَّة الموصوف، وهو فرْعٌ له، وتابعٌ له؛ فكيف تُطالبني بالعلم بكيفيَّة سمعِه، وبصرِه، وتكليمِه، واستوائِه، ونزولِه، وأنت لا تعلم كيفيَّةَ ذاته؟ وإذا كنتَ تُقِرُّ بأنَّ له حقيقة ثابتة في نفس الأمر، مُستوجبة لصفات الكمال، لا يُماثلها شيء، فسمعُه، وبصرُه، وكلامُه، ونزولُه، واستواؤُه - ثابتٌ في نفس الأمر، وهو متَّصف بصفات الكمال التي لا يُشابهه فيها سمعُ المخلوقين، وبصرُهم، وكلامُهم، ونزولُهم، واستواؤُهم، وهذا الكلام لازمٌ لهم في العقليَّات، وفي تأويل السمعيَّات؛ فإن مَن أثبَت شيئًا ونَفَى شيئًا بالعقل، إذَا أُلزِمَ فيما نفَاه من الصفات التي جاء بها الكتاب والسُّنة - نظيرَ ما يَلزمه فيما أثْبَته، ولو طُولِبَ بالفرق بين المحذور في هذا وهذا، لَم يَجد بينهما فرقًا؛ ولهذا لا يوجد لنُفاة بعض الصفات دون بعض - الذين يُوجبون فيما نَفَوه؛ إمَّا التفويض، وإمَّا التأويل المخالف لمقتضى اللفظ - قانونٌ مستقيم، فإذا قيل لهم: لِمَ تَأَوَّلتُم هذا وأقْرَرتُم هذا، والسؤالُ فيهما واحد؟ لَم يكن لهم جوابٌ صحيحٌ، فهذا تَناقضُهم في النفي، وكذا تناقُضهم في الإثبات؛ فإنَّ مَن تَأَوَّلَ النصوص على معنًى من المعاني التي يُثبتُها، فإنهم إذا صَرَفوا النصَّ عن المعنى الذي هو مقتضاهُ إلى معنًى آخرَ، لَزِِمهم في المعنى المصروفِ إليه ما كان يَلزمُهم في المعنى المصروف عنه، فإذا قال قائلٌ: تَأْويلُ محبَّتِه ورضاه، وغَضبِه وسَخطِه، هو إرادته للثواب والعقاب - كان ما يَلزمُه في الإرادة نظيرَ ما يَلزمُه في الحبِّ، والمَقتِ، والرضا، والسخط، ولو فَسَّر ذلك بمفعولاته - وهو ما يخلُقُه من الثواب والعقاب - فإنه يَلزمُه في ذلك نظيرُ ما فرَّ منه؛ فإن الفعل لا بُدَّ أن يقومَ أولاً بالفاعل، والثوابُ والعقابُ المفعول، إنما يكون على فِعلِ ما يحبُّه ويرضاه، ويسخطُه ويُبغضُه المثيبُ المُعاقِبُ؛ فهم إن أثْبَتوا الفعلَ على مثلِ الوجه المعقول في الشاهد للعبد، مثَّلوا، وإن أثبَتُوه على خلاف ذلك، فكذلك الصفات".

 

وقال في "مجموع الفتاوى" (5 / 323 - 331):

"فإن وصْفَه - سبحانه وتعالى - في هذا الحديث بالنزول، هو كوصفه بسائر الصفات؛ كوصفه بالاستواء إلى السماء وهي دخَانٌ، ووصفه بأنه خَلَق السموات والأرض في ستَّة أيام ثم استَوَى على العرش، ووصفِه بالإتيان والمجيء؛ في مثل قوله تعالى: ﴿ هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ ﴾ [البقرة: 210]، وقوله: ﴿ هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ ﴾ [الأنعام: 158]، وقوله: ﴿ وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا ﴾ [الفجر: 22]، وكذلك قوله تعالى: ﴿ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ ﴾ [الفرقان: 59]، وقوله: ﴿ وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ ﴾ [الذاريات: 47]، وقوله: ﴿ اللهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ ﴾ [الروم: 40]، وقوله: ﴿ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ ﴾ [السجدة: 5].

وأمثال ذلك من الأفعال التي وَصَفَ الله تعالى بها نفسه التي تُسَمِّيها النحاةُ أفعالاً مُتَعدِّية، وهي غالب ما ذُكِرَ في القرآن، أو يُسمُّونها لازمةً؛ لكونها لا تَنصب المفعولَ به، بل لا تتعدَّى إليه إلاَّ بحرف الجر؛ كالاستواء إلى السماء، وعلى العرش، والنزولِ إلى السماء الدنيا، ونحو ذلك؛ فإن الله وَصَفَ نفسَه بهذه الأفعال، ووصَف نفسه بالأقوال اللازمة والمُتَعدِّية في مثل قوله: ﴿ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ ﴾ [البقرة: 30]، وقوله: ﴿ وَكَلَّمَ اللهُ مُوسَى تَكْلِيمًا ﴾ [النساء: 164]، وقوله تعالى: ﴿ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا ﴾ [الأعراف: 22]، وقوله: ﴿ وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ ﴾ [القصص: 65]، وقوله: ﴿ وَاللهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ ﴾ [الأحزاب: 4]، وقوله: ﴿ اللهُ لَا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللهِ حَدِيثًا ﴾ [النساء: 87]، وقوله: ﴿ اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ ﴾ [الزمر: 23]، وقوله: ﴿ وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا ﴾ [الأعراف: 137]، وقوله: ﴿ وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلاً ﴾ [الأنعام: 115] وقوله: ﴿ وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللهُ وَعْدَهُ ﴾ [آل عمران: 152]، وكذلك وصَف نفسه بالعلم والقوة والرحمة، ونحو ذلك؛ كما في قوله: ﴿ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاءَ ﴾ [البقرة: 255]، وقوله: ﴿ إِنَّ اللهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ ﴾[الذاريات: 58]، وقوله: ﴿ رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا ﴾ [غافر: 7]، وقوله: ﴿ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ﴾[الأعراف: 156].

ونحو ذلك مما وصَف به نفسه في كتابه وما صحَّ عن رسوله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فإنَّ القول في جميع ذلك من جنسٍ واحدٍ.

ومذهب سلف الأُمَّة وأئمَّتها أنهم يَصفونه بما وصَف به نفسه ووصَفه به رسوله - صلَّى الله عليه وسلَّم - في النفي والإثبات.

والله - سبحانه وتعالى - قد نفى عن نفسه مُماثلةَ المخلوقين؛ فقال الله تعالى: ﴿ قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ * اللهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ ﴾ [سورة الإخلاص].

فبيَّن أنه لَم يكن أحد كفوًا له، وقال تعالى: ﴿ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا ﴾ [مريم: 65].

فأنكَر أن يكون له سَميٌّ، وقال تعالى: ﴿ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا ﴾ [البقرة: 22]، وقال تعالى: ﴿ فَلَا تَضْرِبُوا للهِ الْأَمْثَالَ ﴾ [النحل: 74]، وقال تعالى: ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ﴾ [الشورى: 11].

ففيما أخبَر به عن نفسه من تنزيهِه عن الكُفُؤ والسَّميِّ، والمِثْلِ والنِّدِّ، وضَرْب الأمثال له - بيانُ أنْ لا مثلَ له في صفاته، ولا أفعاله، فإنَّ التماثُل في الصفات والأفعال يتضمَّن التماثُل في الذات، فإنَّ الذاتين المختلفتين يَمتنع تماثُلُ صفاتِهما وأفعالِهما؛ إذ تَماثُلُ الصفات والأفعال يَستلزِم تماثُلَ الذوات؛ فإن الصفة تابعةٌ للموصوف بها، والفعلُ أيضًا تابعٌ للفاعل، بل هو مما يوصَف به الفاعل، فإذا كانت الصفتان متماثلتين، كان الموصوفان متماثِلين، حتى إنه يكون بين الصفات من التشابُه والاختلاف بحسَب ما بين الموصوفين؛ كالإنسانين كما كانا من نوعٍ واحد، فتَختلف مقاديرُهما وصفاتُهما بحسَب اختلاف ذاتَيْهما، ويَتشابَه ذلك بحسَب تَشابُه ذلك.

كذلك إذا قيل: بين الإنسان والفرس تشابُهٌ من جهة أنَّ هذا حيوانٌ وهذا حيوانٌ، واختلافٌ من جهة أنَّ هذا ناطقٌ، وهذا صاهلٌ، وغير ذلك من الأمور، كان بين الصفتين من التشابُهِ والاختلافُ بحسَب ما بين الذاتين، وذلك أنَّ الذاتَ المجرَّدةَ عن الصفة، لا توجَد إلاَّ في الذِّهن، فالذِّهنُ يُقدِّر ذاتًا مجرَّدةً عن الصفة، ويُقدِّر وجودًا مُطلقًا لا يتعيَّنُ، وأمَّا الموجوداتُ في أنفسها، فلا يُمكِن فيها وجودُ ذاتٍ مجرَّدةٍ عن كلِّ صفة، ولا وجودٌ مُطلقٌ لا يتعيَّن ولا يتخصَّصُ، فإذا قيل: عِلْمُ زيدٍ، ونزولُ زيدٍ، واستواءُ زيدٍ، ونحو ذلك، لَم يدلَّ هذا إلاَّ على ما يَختصُّ به زيدٌ من علمٍ، ونزولٍ، واستواءٍ، ونحوِ ذلك، لَم يدلَّ على ما يَشْرَكُه فيه غيرُه، لكن لَمَّا عَلِمْنا أن زيدًا نظيرُ عمرو، وعَلِمنا أنَّ عِلْمَه نظيرُ علمِه، ونزولَه نظيرُ نزولِه، واستواءَه نظيرُ استوائِه، فهذا عَلِمناه من جهة القياس والمعقول والاعتبار، لا من جهة دَلالة اللفظ، فإذا كان هذا في صفات المخلوق، فذلك في الخالق أَوْلَى، فإذا قيل: عِلْمُ الله، وكلامُ الله، ونزولُه، واستواؤُه، ووجودُه، وحياتُه، ونحو ذلك - لَم يَدُلَّ ذلك على ما يَشْرَكُه فيه أحدٌ من المخلوقين بطريق الأَوْلَى، ولَم يَدُلَّ ذلك على مماثلة الغير له في ذلك؛ كما دَلَّ في زيدٍ وعمرو؛ لأنَّا هناك عَلِمْنا التماثُلَ من جهة الاعتبار والقياس؛ لكون زيدٍ مثل عمرو؛ وهنا نعلم أنَّ الله لا مثلَ له، ولا كُفوَ ولا نِدَّ، فلا يجوز أن نَفهمَ من ذلك أنَّ علمَه مثلُ عِلْمِ غيره، ولا كلامَه مثلُ كلام غيره، ولا استواءَه مثلُ استواء غيره، ولا نزولَه مثلُ نزول غيره، ولا حياتَه مثلُ حياة غيره، فالقول في صفاتِه كالقولِ في ذاته، واللهُ تعالى ليس كمثله شيء؛ لا في ذاتِه، ولا في صفاته، ولا في أفعالِه، لكن يُفهَم من ذلك أنَّ نسبة هذه الصفة إلى موصوفها، كنسبة هذه الصفة إلى موصوفها، فعِلْمُ الله وكلامُه ونزولُه واستواؤُه، هو كما يُناسب ذاتَه، ويَليقُ بها؛ كما أنَّ صفةَ العبد هي كما تُناسب ذاتَه، وتَليق بها، ونِسبة صفاته إلى ذاته، كنسبة صفات العبد إلى ذاته؛ ولهذا قال بعضهم: إذا قال لك السائلُ: كيف يَنزل؟ أو كيف استَوى؟ أو كيف يَعلم؟ أو كيف يتكلَّم ويُقَدِّر ويَخلق؟ فقلْ له: كيف هو في نفسه؟ فإذا قال: أنا لا أعلم كيفيَّة ذاته، فقل له: وأنا لا أعلم كيفيَّة صفاته، فإنَّ العلم بكيفيَّة الصفة يَتْبَعُ العِلْمَ بكيفيَّة الموصوف، فهذا إذا استُعمِلَتْ هذه الأسماءُ والصفاتُ على وجه التخصيص والتعيين، وهذا هو الوارد في الكتاب والسُّنة، وأمَّا إذا قِيلَت مُطلقةً وعامَّةً - كما يوجد في كلام النُّظار: الموجود ينقسم إلى قديمٍ ومُحدثٍ، والعلمُ ينقسم إلى قديمٍ ومحدثٍ، ونحو ذلك - فهذا مُسمَّى اللفظ المُطلق والعام، والعلمُ معنًى مُطلقٌ وعامٌّ، والمعاني لا تكون مُطلقةً وعامةً إلاَّ في الأذهان لا في الأعيان؛ فلا يكون موجودٌ وجودًا مُطلقًا، أو عامًّا إلاَّ في الذِّهن، ولا يكون مطلقٌ أو عامٌّ إلاَّ في الذِّهن، ولا يكون إنسانٌ أو حيوانٌ مُطلقٌ وعامٌّ إلاَّ في الذهن، وإلاَّ، فلا تكون الموجودات في أنفسِها إلاَّ مُعيَّنةً مخصوصةً متميِّزةً عن غيرها، فليَتدبَّرِ العاقِلُ هذا المقامَ الفارقَ؛ فإنه زَلَّ فيه خَلْقٌ من أُولِي النظر الخائضين في الحقائق، حتى ظنُّوا أن هذه المعاني العامَّة المُطلَقةَ الكليَّةَ، تكون موجودةً في الخارج كذلك".

 

أمَّا إن كنتَ تقصدُ أنَّ النزولَ معلومٌ معناهُ في اللغة، ولكن كَيْفُه مجهولٌ، وأنَّ هذا من التناقُض، فالجواب ما ذكَره أيضًا شيخ الإسلام ابن تيميَّة؛ حيث قال في "مجموع الفتاوى" (3 / 28):

"فإن الله - سبحانه وتعالى - أخبَرَنا عمَّا في الجنة من المخلوقات؛ من أصناف المطاعم، والملابس، والمناكح، والمساكن، فأخبَرَنا أنَّ فيها لبنًا، وعسلاً، وخمرًا، وماءً، ولحمًا، وحريرًا، وذهبًا، وفضةً، وفاكهةً، وحورًا، وقصورًا، وقد قال ابن عباس - رضي الله عنهما -: ليس في الدنيا شيءٌ مما في الجنة إلاَّ الأسماء، وإذا كانت تلك الحقائق التي أخبَرَ الله عنها، هي موافِقةٌ في الأسماء للحقائق الموجودة في الدنيا، وليستْ مُماثلة لها، بل بينهما من التبايُن ما لا يَعلمه إلاَّ الله تعالى، فالخالق - سبحانه وتعالى - أعظمُ مُبايَنَةً للمخلوقات من مُباينة المخلوقِ للمخلوق، ومباينتُه لمخلوقاته أعظمُ من مُباينةِ موجود الآخرة لموجود الدنيا؛ إذ المخلوقُ أقربُ إلى المخلوقِ الموافِقِ له في الاسم من الخالق إلى المخلوق، وهذا بَيِّنٌ واضحٌ".

 

وأسأل الله العَلِي الأعلى أن أكونَ قد وُفِّقتُ في بيان الجواب، كما أسأله أن يُلهمَك رُشدك، ويُعِيذَك شرَّ نفسك.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق 
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • الجواب عن إشكال وقع في سند حديث في الطبعة الميمنية لمسند الإمام أحمد
  • كيف انتقى البخاري صحيحه من ستمائة ألف حديث؟

مختارات من الشبكة

  • الفرق بين الفرقة الناجية وباقي الفرق(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الفرق بين الفرق لعبد القاهر البغدادي(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • ما الفرق بين حروف المعاني - حروف المباني - الحروف الأبجدية؟ ستفهم الفرق الآن(مادة مرئية - مكتبة الألوكة)
  • بعض ما يتعلق بالثلاث والسبعين فرقة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الأدب والغزو الفكري(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • الفرق بين العقل والمروءة (تصميم)(مقالة - مكتبة الألوكة)
  • بيان الفرق بين بعض العبارات الجهمية الصريحة وبين العبارات المجملة التي يقولها عامة المسلمين(مقالة - آفاق الشريعة)
  • القواعد الأصولية: تعريفها، الفرق بينها وبين القواعد الفقهية(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الفرق بين محاولة أبرهة هدم الكعبة وبين المحاولات التي بعده(استشارة - موقع الشيخ خالد بن عبدالمنعم الرفاعي)
  • الفرق بين الحكم بغير ما أنزل الله في قضية معينة وبين تبديل شرع الله بقانون وضعي(مقالة - آفاق الشريعة)

 


مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 16:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب