• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات   بحوث ودراسات   إبهاج المسلم بشرح صحيح مسلم   الدر الثمين   سلسلة 10 أحكام مختصرة   فوائد شرح الأربعين   كتب   صوتيات   مواد مترجمة  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    10 مسائل مهمة ومختصرة في: شهر الله المحرم
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    10 مسائل مهمة ومختصرة في الأضحية (PDF)
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    10 مسائل مهمة ومختصرة في 10 ذي الحجة (PDF)
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    الدعاء لمن أتى بصدقة
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    حديث: صدقة لم يأكل منها
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    حديث: هو لها صدقة، ولنا هدية
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    باب: (ترك استعمال آل النبي على الصدقة)
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    حديث: «كخ كخ، ارم بها، أما علمت أنا لا نأكل ...
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    شرح حديث: سيخرج في آخر الزمان قوم أحداث الأسنان ...
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    التعريف بالخوارج وصفاتهم
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    حديث: ألا تأمنوني؟ وأنا أمين من في السماء
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    إعطاء المؤلفة قلوبهم على الإسلام وتصبر من قوي ...
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    إعطاء المؤلفة قلوبهم على الإسلام وتصبر من قوي ...
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    إعطاء المؤلفة قلوبهم من الزكاة
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    باب: (إعطاء من سأل بفحش وغلظة) (2)
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    باب: (إعطاء من سأل بفحش وغلظة) (1)
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
شبكة الألوكة / المواقع الشخصية / مواقع المشايخ والعلماء / الشيخ دبيان محمد الدبيان / مقالات / قضايا مالية فقهية
علامة باركود

الإلزام بالواعد في صيغ المرابحة للآمر بالشراء (WORD)

الشيخ دبيان محمد الدبيان


تاريخ الإضافة: 25/1/2011 ميلادي - 19/2/1432 هجري

الزيارات: 91996

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الإلزام بالواعد في صيغ المرابحة للآمر بالشراء

 

تُعَدُّ المرابحةُ للآمر بالشراء أحدَ أهمِّ صيغ التمويل للمصارف الإسلامية، باعتبار أنَّ البنك وسيط مالي بيْن فِئة تملِك فائضًا ماليًّا، وفئة أخرى لديها عجزٌ مالي، وحتى ينهض المصرفُ بوظيفته يحتاج إلى صِيغ بديلة عن صِيغة الإقراض بالفائدة، والتي تقوم عليها البنوكُ التقليديَّة.

 

ويُمكن تقسيمُ هذه الصِّيَغ التي يلجأ إليها المصرفُ الإسلامي إلى مجموعتَين رئيسيتَين:

الأولى: الصِّيغ المعتمدة على الاشتراكِ في الرِّبْح والخَسارة كالمضاربة، والمشاركة، وهذه لا تزال ضعيفةً لدَى المصارف الإسلامية؛ لأنَّ الاستثمار فيها يَنبني على مخاطرَ عالية.

 

الثانية: الصِّيغ المعتمدة على الدُّيون، ويقصد بها تلك التي تتمخَّض في دفاترِ البنك عن التزامات مُطلَقة بالدفع مِن قِبل المستفيدين مِن التمويل، وأصول المصرِف الإسلامي فيها شبيهةٌ بأصول المصرف التقليدي مع فارق مهم:

الأول: أنَّ هذه الديون محلُّها السِّلَع، وليستِ النقود كما هي البنوك الرِّبوية.

الثاني: أنه في حال إنْ أعسر المدين، فإنَّ قِيمة السلعة لا تتضاعف، بل يُؤجَّل الثمن إلى مَيْسرة في إرفاق يشبه القرض، وهذا فارق مهم.

 

وأهمُّ هذه الصِّيغ المعتمدة على الديون هي صيغةُ المرابحة للآمر بالشراء.

وصورته: أن يطلب المشتري مِن المصرف (البنك) سلعةً ليستْ عنده، سواء كانت معيَّنة أم موصوفة، ويَعِده بشرائها نسيئةً مع رِبح معلوم، فيقوم المصرفُ بشرائها ثم يبيعها إيَّاه.

 

وهي غالبًا ما تتمُّ بين ثلاثة أطراف:

• عميل يريد شراءَ البضاعة.

• وبنك ليس لديه هذه البضاعة.

• ومُورِّد يملك البضاعة.

 

وتبدأ هذه العملية مِن تقدُّمِ العميل للمصرف، طالبًا الحصولَ على سلعة لا يملك ثمنها، فيعقد مواعدةً على الشراء من المصرف نسيئةً بربح يتحدَّد كنسبة مئوية من تكاليفِ الحصول عليها، فإذا قام المصرفُ بدراسة مَلاءَة العميل، وطلب الضماناتِ الكافية، قام بشراء هذه السِّلْعة، وعندَ ورود مُستندات ملكية البنك للسِّلعة يُوقِّع مع العميل عقدَ بيع يتضمَّن الثمن الفعلي، والمصاريف الأخرى كافَّة، والربح المتَّفق عليه، ثُمَّ يذهب العميلُ ليتسلمَ السلعة من المورِّد.

 

والأصل في البيع أنْ تكونَ السِّلعة المبيعة حاضرةً عندَ البيع لدى البائع، ولكن هذا غيرُ متاح بالنسبة للمصرف؛ لأنَّه بحُكم وظيفة الوساطة المالية التي يتميَّز بها عن التاجر - لا يتمكَّن من إيجاد المستودعات المليئة بالسلع والأصول كالسيارات، والطائرات، والسفن، والمنازل، والأثاث ونحوها؛ لذلك أُدْخِلتْ في العقد فكرةُ (الأمر بالشراء)؛ أي: إنَّ المصرف لا يشتري السلعة إلاَّ إذا أمرَه العميل بذلك.

 

والمصرف سيتعرَّض لمخاطرة عالية لو أنَّه استجاب لأمرِ كلِّ عميل يطلب سلعة معيَّنة، لا سيَّما أنَّ وقتًا وجهدًا ليس بالقليل ربَّما يفصل بين أمر العميل وإتمام البنك لعمليةِ الشراء وتوفير السلعة؛ ولذلك أدخلت في هذه الصيغة فِكرةُ الإلزام بالوعد، وأنَّ العميل الذي يَعِدُ البنكَ يجب أن يكون جادًّا ملتزمًا بتنفيذ الوعد، وإذا نكل عن الشراء، فقد أجاز بعضُ الفقهاء المعاصرين أن يلزم المصرف العميل بالتعويضِ عن الضرر الذي يلحق المصرفَ مِن جرَّاء عدم الوفاء، وهذا الضرر يتمثَّل في الخَسارة التي ربَّما لَحِقَتْ بالبنك عندما يَبيع السلعةَ إلى عميل آخر، فإذا باعها بالتكلفة نفسها أو برِبْح، فليس له أن يطالبَ ذلك العميل بأيِّ تعويض، وهو إنْ خسر لا يطالبه إلا بالخَسارة الحقيقيَّة.

هذه تقريبًا الصورة الشائعة لبيع المرابحة المصرفية، وفِكرة الإلزام بالوعد عن طريقِ تحمُّلِ الخسائر.

 

الحكم الفقهي لصيغة المرابحة للآمر بالشراء:

هذا العقد يتمُّ على صورتين:

الصورة الأولى:

أن يكون الوعدُ غيرَ ملزم لأحدٍ من الطرفين، فإذا اشترى البنكُ البضاعة، ودخلتْ ملكَه، أَخبر المشتري بذلك، وخيَّره، إنْ شاء اشترى، وإنْ شاء ترَك، وهذا ما تطبقه شركة الراجحي المصرفية.

 

وهذا البيع بهذه الصورة مُختلَفٌ فيه:

فقيل: يجوز البيع، وهو مذهب الحنفية، والشافعية، والحنابلة.

وذهب المالكية إلى تحريمِ هذا البيع مُطلقًا إذا ذكر مقدار الرِّبح، وهو ظاهر قول ابن تيمية، كما في "جامع المسائل" (المجموعة الأولى ص: 225 - 226)، ورجَّحه شيخُنا ابن عثيمين - رحمه الله.

 

يقول الدردير من المالكية في "الشرح الكبير": "وكُرِه: اشترِه، ويومئ لتربيحه، فإنْ صرَّح بقدر الزيادة حَرُم..."، فحرم المالكية ذِكرَ مقدار الربح، ومعلوم أنَّ بيع المرابحة يختلف عن بيع المساومة، فالتفاوض بين البنك والمشتري في بَيْع المرابحة يدور على نِسبة الربح؛ ممَّا يعني ضرورةَ كشف البائع للمشتري عن ثمنِ شرائه، أو أي تكاليف أخرى (مثل النقل والتخزين) - إنْ وُجِدت.

 

دليل الجمهور على الجواز:

إذا كان الوعدُ غيرَ ملزم، وجعل الخيار لهما، تحقَّقت عِدَّةُ مصالح:

الأولى: خرجت المعاملةُ مِن كونها قرضًا بفائدة، إلى كونها بيعًا وتجارة، ومِن كون المصرف مجرَّدَ ممول، إلى مشترٍ حقيقة.

الثانية: يكون البائع حينئذٍ قد باع ما يملك؛ لأنَّ العقد لم ينعقد إلا بعدَ تملُّك المصرف للبضاعة، وكان الإيجابُ والقَبول بعدَ تملك البضاعة حقيقيًّا، وليس صوريًّا.

الثالثة: أنَّ المصرف إذا رَبِح بعدَ ذلك يكون قد رَبِح فيما كان عليه ضمانه؛ لأنَّ السلعة إذا هلكَتْ هلكَت على ملْك البائع (المصرف).

 

دليل المالكية على التحريم:

اعتبر المالكيةُ ذلك مِن باب سدِّ الذرائع؛ حتى لا يكونَ حِيلةً في بيع دراهم بدارهم أكثرَ منها إلى أجَل، بينهما سِلعةٌ مُحلِّلة.

وعلَّل ابن تيمية التحريمَ بأنَّ اشتراط الربح قبلَ شِراء البضاعة يجعل المقصودَ دراهم بدراهم إلى أجَل.

واشترط شيخُنا ابن عثيمين لصحَّة هذه المعاملة أن يكون البنك تاجرًا لديه السِّلع مملوكةً له قبل طلب المشتري، فإنِ اشترى السلعة بناءً على رغبة المشتري، فإنَّ ذلك حيلةٌ على الرِّبا.

 

قال شيخنا - رحمه الله - كما في "اللقاء الثلاثين من لقاءات الباب المفتوح": "إذا كانتِ السيارة ليستْ عندَ البائع، ولكن باع عليك سيَّارة على أساس أنه يشتريها لك ثم يبيعها، فهذا حرام؛ لأنَّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال لحكيم بن حزام: ((لا تَبِعْ ما ليس عندك)).

 

أما إذا كان وعدًا ولم يعقِدْ معك عقدًا إلا بعدَ أنِ اشتراها، فإنْ باعها عليك بما اشتراها به، فلا بأس؛ لأنه ليس هناك رِبًا إذا باعها برأس ماله، أما إذا باعَها عليك برِبح، فإنَّ هذا الربح ربا، لكنَّه ليس ربًا صريحًا، بل هو ربا مغلَّف بصورة عقد ليس بمقصود، فإنَّ البائع لم يقصدِ الشراءَ لنفسه من الأصل؛ إنما قصد الشراء لك، فيكون كالذي أقْرَضك القِيمةَ بزيادة، وهذا هو الرِّبا بعينه... وأما قول بعضهم: إني لا أُلزمك بالسيارة إن شئتَ فاتركها، فهذا كلام فارغ؛ لأنَّ الرجل لم يأتِ ويقول: أريد السيارة بعينها، ثم بعدَ ذلك يتراجع أبدًا.

 

فالذي نرى: أنَّ هذه الطريقة حرام، وإذا أردتَ بدلها، فاذهبْ إلى صاحب معرض عنده سيارات، وقل له: أنا أريد أن تبيعَ لي هذه السيارة مقسطة، وآتي لك بكفيلٍ يغرم لك الثمن عندَ حلول الأجل، وإن شئتَ ارهن السيَّارة، وهكذا تَسْلَم مِن هذه الحيل؛ ا.هـ كلام شيخنا محمد بن عثيمين - عليه رحمة الله.

 

ويناقش:

بأنَّنا إذا اعتبرْنا أنَّ الإلزام غير موجود، وأنَّ العقد حقيقة يكون بعد تملك البضاعة، وأنَّ كل واحد من المتبايعين بالخيار، انتفَتِ الحيلة، والتجار كلهم بلا استثناء لا يَشْتَرون السِّلعَ لأنفسهم، وإنما يشترون السلع من أجْلِ بيعها للناس بزيادة رِبْح، فهم يَقصدون بشراءِ السلع الدراهمَ، ولا شيء غير الدراهم، يشترون بأقلَّ ليبيعوا بأكثر، ولا فرق عندي بيْن تاجر يشتري السلعة لشخص غير معيَّن، فيكون ذلك حلالاً بلا خلاف، وبين تاجر يشتري السلعةَ لشخص أو أشخاص معيَّنين، المهم ألاَّ تكون المبادلة بين دراهم ودراهم، ولو كان البيع حرامًا إذا اشتراها لشخص بعينه باعتبار أنَّ السلعة ملغاة، فكأنَّه باع دراهم بدراهم مع التفاضُل والنسأ، لقلنا: لا يجوز البيع، ولو كان بمِثل الثمن الذي اشتراها به إذا كان البيعُ نسيئة؛ لأنَّنا إذا ألغينا السلعةَ واعتبرنا البيع دراهم بدراهم، حرُم النسأ ولو لم يكن هناك تفاضُل، وشيخنا قد نصَّ على جواز هذه الصورة ممَّا يُضعِّف حُجَّةَ هذا القول، والله أعلم.

 

الصورة الثانية:

أن يكون الوعدُ ملزمًا للمتواعدين، والإلزام بالوعد تارةً يكون بلزوم البيع، وتارةً يكون بتحمُّلِ الخسارة التي لحِقَتْ بالبنك بسبب نكول الآمِرِ بالشراء عندَما يبيع البنك سلعتَه على عميلٍ آخَرَ ويتعرَّض لخسارة حقيقيَّة.

 

فهذا البيع بهذه الصورة مَنَعه الفقهاءُ المتقدِّمون كالحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلة، ورجَّح المنعَ جمعٌ من العلماء المعاصرين، منهم سماحة الشيخ ابن باز، والدكتور محمد الأشقر، والدكتور الصديق الضرير، والشيخ بكر أبو زيد، والشيخ سليمان بن تركي التركي، والدكتور رفيق بن يونس المصري، وغيرهم، واللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في السعودية؛ انظر: مجلة البحوث الإسلامية العدد السابع (ص:114)، وبه أخَذَ مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي.

 

جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي رقم (3.2): "المواعدة (وهي التي تصدر مِن الطرفين) تجوز في بيْع المرابحة بشرط الخيار للمتواعدين كليهما أو أحدهما، فإذا لم يكن هناك خيارٌ فإنَّها لا تجوز؛ لأنَّ المواعدة الملزِمة في بيع المرابحة تُشبِه البيعَ نفْسَه حيث يشترط عندئذٍ أن يكون البائعُ مالكًا للمبيع؛ حتى لا تكون هناك مخالفةٌ لنهي النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - عن "بيع الإنسان ما ليس عنده".

وأحسبُ أنَّ المسألة مُجمَعٌ على منعها، لولا خلافٌ لبعض العلماء المعاصرين.

 

وقد سبَقني إلى هذه النتيجة الدكتور محمد الأشقر، حيث يقول - وفقه الله -: "ولم نجِدْ أحدًا من العلماء السابقين قال بهذا القول بعدَ التمحيص، وبعدَ التعب في البحث، ونسب إلى المالكية وإلى ابن شُبْرمة القاضي، ولا تصحُّ هذه النسبة".

يقول الشيخ نزيه حمَّاد: "لم يُنقَل عن أحد منهم - يعني: مِن الفقهاء - قول بأنَّ في المواعدة قوَّة مُلزِمة لأحدِ المتواعدين، أو لكليهما؛ لأنَّ التواعد على إنشاء عقْد في المستقبل ليس عقدًا.

 

وذَهَب بعضُ العلماء المعاصرين إلى القول بجواز الإلزام بالوعْد في بيْع المرابحة، مِن ذلك: الدكتور يوسف القرضاوي، والدكتور سامي حسن حمود، وفضيلة الشيخ عبدالله بن منيع، والدكتور علي القره داغي، والدكتور: إبراهيم فاضل الدبو.

والتزمتْ بالأخْذِ بالإلزام أكثرُ المصارف الإسلامية، مِن ذلك: مجموعة دلة البركة، وبيت التمويل الكويتي، ومصرف قطر الإسلامي، وهو رأي الأكثرية في مؤتمر المصرف الإسلامي بدبي، وقرار المؤتمر الثاني للمصرِف الإسلامي بالكويت.

 

الأدلة على تحريم الإلزام بالوعد:

الإلزام بالوعد يجعلنا نتساءَل: متى انعقَد البيع؟ فمِن المتفق عليه بين أهل العلم: أنَّ البيع لا ينعقد إلا بإيجاب وقَبول، وهما رُكنَا البيع المتَّفق عليه بيْن أهل العلم.

فهل انعقدَ البيع بمجرَّد الوعد، وقبل شراء البضاعة، أو انعقَد بعد شراء البضاعة؟

 

فإنْ قلنا: إنَّ البيع انعقد بمجرَّد الوعد وقَبل شراء البضاعة، فهذا لا يصحُّ، والأدلَّة على بطلانِ هذا العقد، ما يلي:

الدليل الأول:

أنَّ المبيع إنْ كان معيَّنًا كما لو قال المشتري: أريد أن أشتريَ هذا البيت، فقد باع البنك ما لا يملك لِحَظِّ نفْسه؛ (احترازًا من بيع الفضولي)، وهذا لا يجوز، بل مُجْمَع على بطلان البيع؛ لأنَّ مِن شروط البيع أن يكونَ المبيع مملوكًا للبائع أو مأذونًا له فيه.

 

ونقَل الإجماعَ على المنع الزيلعيُّ، وابن الهمام من الحنفية.

وذكر ابن عبدالبر: أنَّ بيع ما ليس عندَ الإنسان مِن الأصول المجتمع على تحريمها.

وقال ابن القيِّم - رحمه الله -: "إذا باعه شيئًا معينًا، وليس في ملْكه، ثم مضَى ليشتريه ويسلمه له، كان متردِّدًا بين الحصول وعدمه، فكان غَررًا يشبه القمار، فنُهي عنه".

 

وإنْ كان المبيع موصوفًا، وليس معيَّنًا، كما لو قال: أريد سيَّارةً جديدة، صِفتها كذا وكذا، فإنَّ هذا من باب بيع الدَّيْن بالدَّيْن في الصورة المُجمَع على منعها؛ لأنَّ المبيع موصوفٌ في الذمة غيرُ مملوك للبنك، والثمن دَيْن على المشتري لم يُسلَّم في مجلس العقد حتى يكون سَلَمًا، بل سوف يُسلَّم على شكل أقساط، ويُسمِّيه بعض الفقهاء ابتداء الدَّيْن بالدَّيْن.

 

وهذا مُجمَعٌ على تحريمه؛ حيث لم يختلف أحدٌ في منعه.

قال الشافعي: "المسلمون يَنْهَون عن بيْع الدَّيْن بالدَّيْن".

وقال أحمد: "لم يصحَّ منه - أي: في النهي عن بيع الكالئ بالكالئ - حديث، ولكن هو إجماعٌ، وهذا مِثل أن يُسلف إليه شيء مؤجَّل، فهذا الذي لا يجوز بالإجماع"، ثم قال ابن تيمية: "والإجماع إنَّما هو بالدَّيْن الواجب كالسَّلف المؤجَّل من الطرفين".

 

الدليل الثاني:

أنَّنا لو صحَّحْنا البيع قبل تملُّك البضاعة، وقَعْنا في النهي عن رِبح ما لم يُضمَن، فقد نهى الشارع عنه؛ لما روى أبو داود الطيالسيُّ من طريق حمَّاد بن زيد، عن أيوب، عن عمرو بن شُعَيب، عن أبيه، عن عبدالله بن عمرو، قال: نهى رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم "عن سَلَف وبيع، وعن شرْطَيْن في بيع، وعن بيع ما ليس عندَك، وعن رِبح ما لم يُضمَن"؛ إسناده حسن.

 

والمقصود: "نَهى عن رِبح ما لم يضمن"، معناه: أنَّ الربح يستحقُّه مَن يلزمه ضمانُ السِّلعة لو هلكت، فما لم يدخُل في ضمانه لا يستحقُّ منافعَه، واستحقاق الرِّبح يكون مقابلَ تحمُّل خسارة هلاكه.

 

الدليل الثالث:

قياس عقْد البيع على سائرِ العقود، فإذا كان عقد الطَّلاق لا يقَع بمجرَّد الوعد به، ولا يلزم بذلك، وكذلك عقْد النِّكاح لا يقع بمجرَّد الوعد به، ولا يلزم، فكذلك لا يقَع البيع بمجرَّد الوعد به.

 

وإنْ قلنا: إنَّ البيع قد انعقَد بعدَ شِراء البضاعة، ولكن بالوعد الملزِم المتقدِّم على تملُّك البضاعة؛ فهذا البيعُ لا يصحُّ أيضًا؛ للتعاليلِ الآتية:

التعليل الأول:

إذا تَمَّ الاتِّفاقُ على كون المواعَدة مُلزِمة للطرفين، فهذا يُصيِّر الوعدَ عقدًا؛ لأنَّ الإلزام من أبرز خصائص العقد، وقد صرَّح الفقهاء بأن الوعد لا يعتبر عقدًا.

 

وفي ذلك يقول ابن حزم: "والتواعد على بيْع الذهب بالذهب، أو الفضة بالفضة، وفي سائرِ الأصناف الأربعة، بعضها ببعضٍ جائز، تبايعَا بعدَ ذلك أو لم يتبايعَا؛ لأنَّ الوعدَ ليس بيعًا".

وفي مذهب الحنفية: جاء في المادة (171) من مجلة الأحكام: "صِيغة الاستقبال التي هي بمعنى الوعْد المجرَّد، مثل: سَأَبيع، وأشتري، لا ينعقد بها البيع".

 

قال في شرحها: "صِيغة الاستقبال في اللُّغة العربية هي المضارع المقترن بالسِّين أو سوف، كأن يُقال: سأبيعك، أو سوف أبيعك، وإنما لا ينعقد البيع بها؛ لأنها وعْدٌ مُجرَّد".

وقال صاحب "كشاف القناع": "لو قال البائعُ: بعتُك بكذا، فقال المشتري: أنا آخُذُه بذلك، لم يصحَّ؛ أي: لم ينعقد البيع؛ لأنَّ ذلك وعدٌ بأخْذه".

 

فالقول بالإلزام بالوعد، مع القول بأنَّ البيع لم يتمَّ إلا بعد تملك المصرف للبضاعة - قولٌ ينقضُ بعضُه بعضًا، فإذا ألزمنا المشتري بالوعد السابق، بالرِّبْح السابق، كان البيع منعقدًا بذلك الوعْد؛ لأنَّه لا خيارَ لهما في إحداثِ إيجاب جديد، وسعْر جديد، وكان الإيجابُ والقَبول الحادث بعدَ تملُّك البضاعة، لا حاجةَ إليهما، فهما إيجاب وقَبول صُوريَّان، والعِبرة في العقود بالمقاصِد والمعاني، لا للألفاظ والمباني.

 

وفي ذلك يقول الشيخ نزيه حمَّاد: "على أنَّ المتواعدين لو اتَّفقَا على أن يكون العقد الذي تواعدَا على إنشائه في المستقبل ملزمًا للطرفين من وقتِ المواعدة، فإنَّها تنقلب إلى عقد، وتَسرِي عليها أحكامُ ذلك العقد؛ إذ العِبرة في العقود للمقاصِد والمعاني، لا للألفاظ والمباني".

 

التعليل الثاني:

أنَّه لا يوجد فرْقٌ مؤثِّر بين أن يبيع الإنسانُ ما لا يملكه، أو أن يَعِدَ شخصًا وعدًا لازمًا ببيعه ما لا يملكه.

يقول الشيخ الصديق الضرير: "بيع المرابحة للآمِر بالشراء مع إلزام الآمر بوعْده، يُؤدِّي إلى بيع الإنسان ما ليس عندَه؛ لأنَّه لا فرْقَ بين أن يقول شخصٌ لآخرَ: بعتُك سلعة كذا بمبلغ كذا، والسِّلعة ليستْ عنده، وبين أن يقول شخص لآخر: اشترِ سلعة كذا، وأنا ملتزمٌ بشرائها منك بمبلغ كذا، وبيع الإنسان ما ليس عندَه منهيٌّ عنه بحديث: ((لا تَبِعْ ما ليس عندك))، ولا يُغيِّر من هذه الحقيقة كونُ البنك والآمر بالشراء سينُشِئان عقدَ بيعٍ من جديد بعدَ شراء البنك السلعة، وتقديمها للآمِر، ما دام كلُّ واحد منهما مُلزمًا بإنشاء البيع على الصورة التي تضمَّنها الوعد".

 

التعليل الثالث:

إذا ألزمْنا الآمر بالشراء فإنْ كان البيع قد انعقَد قبل تملُّك البضاعة، فقد باع ما لا يَملِك، وإنْ أكرهنا المشتري على الشراء بعد تملُّكِ البضاعة بطَل البيع؛ لأنَّ البيع لا يكون إلا عن رِضًا وطِيب نفْس من العاقدين.

 

دليل مَن قال: إنَّ البيع لازم بمجرَّد الوعد:

الدليل الأول: الأصلُ في المعاملات الإباحة، فلا يحرُم منها شيءٌ إلا بدليلٍ صحيح صريح، ولا دليلَ هنا على التحريم.

 

ويُناقش: لا خلافَ في أنَّ الأصل في المعاملات الإباحة؛ قال تعالى: ﴿ وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ ﴾ [البقرة: 275]، إلا أنَّ هذه المسألة (أعني: الإلزام بالوعد) قد قامتِ الأدلة على منعها - كما ذكرْنا ذلك مدعومًا بفَهْم الفقهاء المتقدِّمين.

 

الدليل الثاني: أنَّ البنك (المصرف) لا يبيع البضاعةَ إلا بعد تملُّكها، فرِبْحه فيها يكون قد رَبِح فيما استقرَّ عليه ضمانُه.

 

ويُجاب: القول بأنَّ المصرف لا يبيع البضاعةَ إلا بعد تملكها قولٌ غير صحيح؛ لأنَّ اعتبار البيع لازمًا بالاتفاق الأول وقبل تملُّك البضاعة، يجعل الاتفاقَ الجديد بعد تملُّك البضاعة صوريًّا؛ لأنَّه لا أثَر له في لزومِ البيع، ولا أثَر له في قِيمة السلعة، وإيجابٌ وقَبول هذا شأنُهما، لا قِيمة لهما، فإنَّ الإيجاب والقَبول من طبيعتهما أنَّهما يُحدِّدان السلعة ويحدِّدان قيمتها، ويُعبِّران عن رضا المتعاقدين، ويكون المشتري بالخيار قبلَ صدور القَبول، وهذا غيرُ موجود في الإيجاب والقبول الحادثين بعد تملُّك المصرف للبضاعة.

 

ولذلك اعتبر الشافعي - رحمه الله - المواعدةَ على وجه الإلزام بيعًا، فقال في الأم (3/93): "إذا أرى الرجلُ الرجلَ السلعة، فقال: اشترِ هذه، وأُربحك فيها كذا، فاشتراها الرجل، فالشِّراء جائز، والذي قال: أُربحك فيها بالخيار، إنْ شاء أحْدَث فيها بيعًا، وإنْ شاء ترَكَه... فإنْ جدَّداه جاز، وإن تبايعَا به على أنْ ألزَمَا أنفسهما الأمر الأول، فهو مفسوخ".

 

فجعل الشافعيُّ الإلزامَ بالتواعد الأول بيعًا، وأنه داخل في بيع ما لا يملكه البائع.

وعلى التسليم بأنَّ البيع قد جرَى بعدَ تملُّك البضاعة، فإنَّ إتمام العقد سيتمُّ تحتَ ضغط الإلزام، والمساءلة القضائية، فلا يتحقَّق شرْط الرضا الواجِب في العقود.

 

الدليل الثالث:

الشارع لم يمنعْ مِن المعاملات إلاَّ ما كان مشتملاً على ظُلم، وهو أساسُ تحريم الرِّبا، والاحتكار، والغش، أو خُشِي منه أن يؤدِّي إلى نزاع وعداوةٍ بيْن الناس، وهو أساسُ تحريم الميْسِر والغرر.

 

والقول بالإلزام بالمواعدة فيه مصلحةٌ للعاقدين: مِن جهة الاطمئنان إلى إتمام العقد، وفيه مصلحةٌ عامة مِن جهة استقرار المعاملات وضبطها، وتقليل النِّزاع والخلاف، ومع هذه المصلحة، فلا محظورَ في القول بالإلزام.

ويناقش: لا نُسلِّم بأنَّ الإلزام بالوعد فيه مصلحةٌ للعاقدين ومصلحة للسوق مِن جِهة استقرار المعاملات وضبطها، وعلى التسليم بأنَّ فيه مصلحةً فقد عارضَها ما يجعلها ملغاةً في نظر الشارع، وهو نهيُه عن بيع الإنسان ما لا يملكه، وعن رِبْحه فيما لم يضمن.

 

الدليل الرابع:

أنَّ قواعدَ الشريعة جاءتْ بمنْعِ الإضرار بالآخرين، وبرَفْعه إنْ وقَع، كما قال صلَّى الله عليه وسلَّم: ((لا ضَررَ ولا ضِرار))، وفي القول بعدمِ الإلزام بالمواعدة فيه إضرارٌ بالمصرف، فقد يأتي المصرفُ بالسلعة على الوصف المرغوب، ثم يبدو للواعدِ ألا يأخذها، ولا يجد البنك مَن يشتريها منه؛ لكونها جاءتْ حسب مواصفات محدَّدة، وهذا ممَّا يُوقِع الضررَ الشديد بالمصرف.

 

فإلزام العميل بوعْده، لا يَعني إطلاقًا إلزامه بإتمامِ عملية الشراء؛ لأنَّ البيع لا يتمُّ إلا عن تراضٍ، ولكن ذلك يَقتضي إلزامَ العميل بجَبْر الضرر المترتِّب على البنك مِن جرَّاء دخولِ البنك - بناء على وعْد العميل - في عملية شِراءٍ، ما كان له أن يدخُلَ فيها لولا وعدُ العميل بشرائها منه، وفي حال عدمِ رغبة العميل الوفاءَ بوعده، وإتمام العملية، يقوم البنكُ ببيع السلعة إلى طرفٍ ثالث، حسب السعر الجاري في السوق، فإن ترتَّب على عملية البيع خسارةٌ عن التكلفة الفعلية للشراء، فيجب على العميلِ حينئذٍ تعويضُ البنك عن تلك الخسارة؛ عملاً بالقاعدة الفِقهية: لا ضررَ ولا ضِرار، حيث نهَتِ الشريعة الإسلامية عن إضرارِ الإنسان بنفسه، ناهِيك عن إضرارِه بغيره.

 

ويُجاب من وجهين:

الوجه الأول: إنْ كان البنكُ قدِ اشترى السلعة للعميل، فهو مُجرَّد وكيل، وما يأخذه مِن فائدة على القرض فإنَّما هو مِن باب الإقراض بفائدة، وهو صريحُ الربا، وإنْ كان الشراء سيتمُّ للبنك لا للعميل، فلا يجب أن يتحمَّل العميلُ ما يلحق البنك مِن خسائرَ بسبب هذه العملية؛ للأمور التالية:

(أ) التعويض عن الضرر على القول به، يجبُ أن يكون عن ضرر حقيقي، وليس بما جَرَتْ عادةُ التجَّار باحتماله في التجارة، فلا يكون مجرَّد نكول العميل عن الشراء ضررًا يسوغ للمصرف المطالبةَ بالتعويض، ولا يكون بيْع البضاعة عندَ نكول العميل بسِعر أقل مِن المتَّفق عليه مع العميل ضررًا يسوغ للمصرف مطالبتَه بتعويضه؛ لأنَّ من طبيعةِ التجارة التعرُّضَ للربح والخسارة.

 

(ب) إذا باع البنك البضاعةَ بعد نكول العميل على عميلٍ آخرَ ورَبِح فيها، فإنَّ الربح سيكون للمصرف وحدَه، وفي المقابل إذا باعها بخسارة فعَلَيْه أن يتحمَّل ذلك؛ لأنَّ الغُنْم بالغُرْم، والخراج بالضمان، فمِن الظلم أن يأخذ البنك الربحَ إذا باع البضاعة بزيادة، بينما يرجع على العميلِ إذا تعرَّض لخسارة.

 

(جـ) على التسليم بأنَّ ما لحِقَ البنكَ بسبب التجارة يُعتبر ضررًا، فإنَّه لا يزال بمثله؛ لأنَّ القول بإلزام المشتري إكراهٌ له، وفي تحميله للخسارة ضررٌ عليه أيضًا لا يقلُّ عن ضرر البنك، ولا تُقبل دعوى العكس؛ فإنَّ البنك جهةٌ مقصودة ممَّا يجعل سلعتَها مَظِنَّة الرواج.

 

(د) إذا كان البنكُ لا يتعرَّض لأيِّ مخاطر، أصبحتِ العملية مجرَّدَ صيغة تمويل مالي يعود على البنك بما يُسمَّى بالربح دون أي مخاطر، وأصبح الأمرُ مثلَ أن يوكِّل شخص البنكَ بشراء السلعة له، ويطلب منه دفْعَ ثمنها للبائِع، على أن يقومَ هو بتسديدِ الثمن بزيادة على أقساط، فما الفرق بيْن هذه الصورة وبيْن صورة بيع المرابحة للآمِر بالشراء إذا انقلب إلى مجرَّد تمويل بزيادة، وبلا مخاطر.

 

إنَّ أساس جواز معاملة بيع المرابحة للآمِر بالشراء: هو تعرض المصرف لاحتمالات الربح والخسارة، فإذا أفرز التطبيقُ صورًا نقطع معها بالربح في جميعِ الأحوال، ولا يتصوَّر فيه أي مخاطرة، انقلبت هذه المعاملةُ إلى تمويل رِبوي.

 

الوجه الثاني: أيُّ فرْق بين أن يطلب البنكُ التعويضَ عن الخسارة، أو أن يشترطَ التاجر إذا اشترى البضاعةَ عدمَ الخسارة، فإذا كان التاجر لا يَحِلُّ له أن يشترط ذلك، فكذلك البنك لا يحلُّ له أن يطلب التعويضَ عن الخسارة جرَّاء شراء بضاعة ما، فإنِ اشتَرَطَ ذلك فهو شرْط باطل؛ لأنَّ ذلك يخالف مقتضى العقد، فإنَّ طبيعة التجارة أن يتحمَّل المشتري للبضاعة الغرم، مقابل أن يكون الغُنم حلالاً إذا حصل عليه.

 

قال الشافعي: "إذا اشترى جاريةً على ألاَّ يبيعها، أو على أنْ لا خسارةَ عليه مِن ثمنها، فالبيع فاسِد".

وقال في "كشاف القناع": "مِن الشروط الفاسدة (شَرَطَ في العقد ما ينافي مقتضاه، نحو أن يشترط أنْ لا خسارة عليه)".

 

وعلى البنك إذا أراد أن يدفعَ الضَّرر عن نفسه، فليتخذ لذلك الطرقَ الشرعية، كما أرشد إلى ذلك محمَّد بن الحسن وابن القيِّم عليهما - رحمة الله - فلا يتعيَّن الإلزام بالمواعدة طريقًا وحيدًا لرفع الضرر، بل يمكن رفْعُ الضرر المتوقع بطرق أخرى مشروعة، كأن يشتريَ المصرف السلعة بشرط الخيار له وحْدَه دون البائع، وتُحدَّد مدة كافية، وأثناء المدَّة يبيع المصرف ما اشتراه، فإنْ لم يتمكن المصرف مِن البيع أبلغ البائع الأول بفَسْخ العقد، ورد المبيع، وهذا جيد في البيوع المحلية (الداخلية)، ويُراعى في هذا بأن لا يصدر مِن المصرف إيجابٌ يسقط خياره، وإنما يُخبِر الآمر بالشراء بوجود البضاعة، فإنْ أصدر المشتري إيجابًا كان القَبول من المصرف بيعًا للآمر بالشراء بعدَ تملُّك البضاعة، وسَلِم من خطر نكول المشتري، وإلا ردَّ البضاعة، وأما في البضائع التي تحتاج إلى استيراد، فإن المصرف يمكنه أن يُكلِّف الآمر بالشراء باستلام البضاعة قبلَ تصديرها، إما بنفسه، أو عن طريقِ وكيله، فإذا رأى البضاعة قبل تصديرها، ووافق عليها، كان ذلك بيعًا لازمًا، وتكون في يدِ البنك بمنزلة الأمانة.

 

قال في "إعلام الموقعين" (4 /23): "رجلٌ قال لغيره: اشترِ هذه الدار - أو هذه السلعة - مِن فلان بكذا وكذا، وأنا أُربحك فيها كذا وكذا، فخاف إنِ اشتراها أن يبدوَ للآمر فلا يُريدها، ولا يتمكَّن من الرد، فالحيلة أن يشتريَها على أنه بالخِيار ثلاثةَ أيام، أو أكثر، ثم يقول للآمِر: قد اشتريتُها بما ذكرت، فإنْ أخذها منه، وإلا تمكَّن مِن ردِّها على البائِع بالخيار...".

 

جاء في كتاب "الحيل" لمحمد بن الحسن الشيباني (ص: 79، 127) رواية السرخسي، قال: "قلت: أرأيتَ رجلاً أَمَر رجلاً أن يشتريَ دارًا بألف درهم، وأخبرَه أنَّه إنْ فعل، اشتراها الآمرُ بألْف درهم ومائة درهم، فأراد المأمورُ شراءَ الدار، ثم خاف إنِ اشتراها أن يبدو للآمِر فلا يأخذها، فتبقَى في يدِ المأمور، كيف الحِيلة في ذلك؟


قال: يشتري المأمورُ الدارَ على أنه بالخيار فيها ثلاثةَ أيام، ويقضيها، ويجيء الآمِر، ويبدأ فيقول: قد أخذتُ منك هذه الدار بألف ومائة درهم، فيقول المأمور: هي لك بذلك، فيكون ذلك للآمِر لازمًا، ويكون استيجابًا مِن المأمور للمشتري؛ أي: ولا يَقُل المأمور مبتدئًا: بعتُك إياها بألف ومائة؛ لأنَّ خيارَه يسقط بذلك، فيفقد حقَّه في إعادة البيت إلى بائعه، وإنْ لم يرغبِ الآمر في شرائها تمكَّن المأمور من ردِّها بشرْط الخيار، فيدفع عنه الضرر بذلك"؛ ا.هـ، وانظر "المبسوط" (30/237).

 

الدليل الخامس:

إذا سلَّمنا أنَّ البيع كان قبل تملُّك البضاعة، فإنَّ تحريم البيع قبل التملك إنما هو مِن خشية الغرر، فقد يحصل وقد لا يحصل، وباب الغرر يُغتفَر فيه ما لا يُغتفر في غيره؛ ولذا جاز منه اليسير، والتابع، وما يحتاج إليه حاجةً عامَّة؛ لأنَّ منع الناس ممَّا يحتاجون إليه حاجةً عامة، ضررُه أشدُّ من ضرر الوقوع في الغرر.

 

فإذًا الحاجةُ داعيةٌ إلى الإلزام بالوعْد، كما دعَتِ الحاجة إلى جواز بيْع السَّلَم، وجواز عقْد الاستصناع، واغتُفِر ما يعتريهما مِن الغرر تقديرًا للحاجة، والحاجة هنا داعيةٌ لاتِّساع رُقعة التعامل، وتضخُّم رؤوس الأموال، وحاجة المنشآت إلى دعْمها بالآلات والمباني التي لا قِوامَ لها إلا بها، فإنْ لم تتمَّ تلك المعاملة وقَع المسلِمُ في حرَجٍ ومشقَّة الفوات لمصالح يُريد تحقيقها، فإن لم تكن مِن هذا الباب اضطر إلى القرْض بفائدة، ودِينُه يعصمه مِن هذا الربا المحرم، فليُقرر هذا التعامل تحتَ وطأة الحاجة، والانتشال من المُحرَّم، وتحقيق مصالح المسلمين.

 

ويجاب: لو لم تكنِ النصوص صريحةً في الباب لقِيل في جوازه بناءً على هذه الحاجة أو المصلحة، ولكن إذا كانتِ النصوص صريحةً في منْع الإنسان من بيع ما لا يملكه، ومِن بيع الدَّيْن بالدَّيْن في الصُّورة المجمَع عليها، ومِن النهي عن الرِّبح فيما لم يضمن، دلَّ على أنَّ هذه المصلحة ملغاةٌ في حُكم الشارع، وكان الأخذُ بها تغييرًا لحُكم الشرع، فأيُّ مصلحةٍ ممكن أن تُطلب في مخالفة الحكم الشرعي؟!

 

الدليل السادس:

جاءت توصيةُ مؤتمر المصرف الإسلامي بدبي 1399 هـ 1979 بما نصُّه: "يرى المؤتمر أنَّ هذا التعامل يتضمَّن وعدًا من عميل المصرف بالشراء... ووعدًا آخرَ مِن المصرف بإتمام هذا البيع بعدَ الشراء، طبقًا لذلك الشرط، إنَّ مثل هذا الوعد ملزمٌ للطرفين قضاءً، طبقًا لأحكام المذهب المالكي، وهو مُلزِم للطرفين دِيانة، طبقًا لأحكام المذاهب الأخرى، وما يلزم دِيانةً يمكن الإلزامُ به قضاءً إذا اقتضتِ المصلحة ذلك، وأمكن للقضاء التدخُّلُ فيه".

 

ويناقش: لو كان الخطأ في حُكْم المسألة لم أنبِّه على ذلك بالاسم؛ إجلالاً للمشايخ الفضلاء المشاركين في المؤتمر، ولأنَّه لا أحدَ معصومٌ من الخطأ، ولأنَّ مسائلَ الاجتهاد غالبًا ما يكون الحُكم فيها من قبيل الظن، وقد يكون الصوابُ خلافَه، ولكن أن يكون مستندُ الفتوى في نِسبة قول إلى غير أهله، واعتماد ذلك دليلاً على جوازِ مِثل هذه المعاملة، فهذا خطأٌ عِلمي يجب تصحيحه، والرجوع عنه.

فقول المشاركين: "إنَّ مثل هذا الوعد ملزمٌ للطرفين قضاءً طبقًا لأحكام المذهب المالكي".

 

فالمالكية قد نصُّوا على تحريم هذه المعاملة، بل إنَّ المالكية من أشدِّ المذاهب تحريمًا لهذه المسألة، وقد نقلتُ ذلك عنهم مِن كتبهم حين عرْض الأقوال، مِن ذلك ما ذكره مالك في "الموطأ" (2/663)، وابن رشد في "المقدمات" (2/58)، والباجي في "المنتقى" (5/38)، وابن عبدالبر في "الاستذكار" (19/255)، وفي الكافي (ص: 325)، وخليل في مختصره، ووافقه عليه شُرَّاح المختصر على كثرتهم، منهم الحطَّاب في "مواهب الجليل" (4/406)، والخرشي (5/107)، وغيرهم، ولا مانعَ مِن عرْض شيء منها مرَّةً أخرى؛ ليتبينَ للقارئ أنَّ نِسبة هذا القول إلى المذهب المالكي خطأٌ عِلمي.

 

يقول ابن جزي: "إنَّ العِينة ثلاثة أقسام: الأول: أن يقول رجل لآخر: اشترِ لي سلعةً بعشرة، وأنا أعطيك خمسةَ عشرَ إلى أجَل، فهذا رِبا حرام".

ويقول الدردير في "الشرح الكبير": "وكره: اشترِه، ويومئ لتربيحه، فإنْ صرَّح بقدر الزيادة حرُم...".

 

فكيف يقال بعدَ ذلك: إنَّ الوعد ملزمٌ للطرفين قضاءً طبقًا لأحكام المذهب المالكي؟ وقد أنكر هذه النسبةَ جملةٌ مِن العلماء الأفاضل ممَّن بحث هذه المسألة، منهم الدكتور محمد الأشقر، حيث يقول بعد أن نقل جملةً من نصوص المالكية على تحريمِ هذه المعاملة، قال: "فهذه نصوصُ المالكية صريحة في تحريم هذا النَّوْع من التعامل... ومن هنا ينبغي مراجعةُ ما يُنسب إلى المالكية مِن ذلك، وتصحيح المقال في تلك النِّسبة عندَ مَن كتب في مسألة الإلزام بالوعد، سواء فيما تنشُرُه البنوك الإسلامية، أو ما يُكتب عنها؛ وذلك لتصحيح المسيرة وإصلاح الزَّلَل، والمؤمنون رجَّاعون إلى الحق، وقَّافون عنده، والله يتولَّى الصالحين، ويَنبغي أن يتولَّى تصحيحَ تِلك النِّسبة علماءُ هذا المؤتمر الثاني للمصارف الإسلاميَّة"؛ انظر: بحوث فقهية في قضايا اقتصادية معاصرة (ص: 96).

 

ويقول الدكتور رفيق المصري في كتابه "بحوث في المصارف الإسلامية" (ص: 253): "قالوا: إنَّ الواعدَ بالشراء يمكن إلزامه قضاءً حسب قواعِد المذهب المالكي... الجواب: لا؛ ذلك أنَّ المالكيَّة أنفسهم يُشارِكون الإمام الشافعي في حُرْمة العملية صراحة"، ثم نقَل لنا كلامَ ابن جزي في "القوانين الفِقهيَّة" في تحريم مِثل هذه المعاملة.

 

ويقول الشيخ ربيع محمود الرُّوبي - كما في بيع المرابحة للواعد الملزم بالشراء والدور التنموي للمصارف الإسلامية (ص: 21) -: "يُلاحَظ على هذا القرار - يعني: قرار المؤتمر الأوَّل للمصرف الإسلامي - كثيرٌ مِن المآخذ، فالمالكية - على ما رأينا - لا يُجيزون وعدَ المرابحة، ولا يلزمون به، فهو يخرج مِن دائرة الوعود الملزمة عندهم، وثانيًا: أنَّ الشافعية - كما أوضحْنا - لا يُلزمون بهذا الوعد دِيانةً ولا قضاءً".

 

ويقول الشيخ الصديق الضرير: "لا يصحُّ القول بالإلزام بالوعد في هذه المعاملة اعتمادًا على رأي المالكية أو غيرهم، ويُؤيِّد هذا أنَّ الإمام مالكًا وفقهاء المالكية مِن بعده نصُّوا على منْع هذه المعاملة إذا وقعَتْ على الإلزام".

 

والسؤال: إذا كان هذا مذهبَ المالكية، فكيف وقَع الخطأ في نِسبة المذهب للمالكية مِن المشايخ الفضلاء، وهُم جَمْع، وهُم مَن هُم في الفضل والعلم؟!

والجواب عن ذلك:

الْتبس الأمرُ على المشايخ في مسألة الإلزام بالوعد بالمعروف في مسألة الإلزام بالمواعَدة في باب المعاوضة، والمسألة الأولى مُختلَفٌ فيها، بينما المسألة الأخرى متَّفق على منْعِها بين المذاهب.

 

يقول الدكتور الصديق الضرير: "الوعد الذي وَقَع الاختلاف فيه بين المالكية وغيرهم، فقال المالكيةُ بالإلزام به دِيانةً وقضاءً، وقال غيرهم: بالإلزام به دِيانةً لا قضاءً، هو الوعد بالمعروف مِن جانب واحد، كأنْ يَعِدَ شخصٌ آخَرَ بأن يدفع له مبلغًا مِن المال، ومسألتنا هذه ليستْ مِن هذا القبيل؛ لأنَّ الوعد فيه مِن أحد الطرفين، يقابله وعدٌ من الطرَف الآخر، فهو أقرب إلى العقد منه إلى الوعد، ويَنبغي أن تُطبَّق عليه أحكام العقد.

 

ثم إنَّ الوعد الملزم الذي يجب الوفاءُ به دِيانةً وقضاءً، أو دِيانةً فقط هو الوعد الذي لا يترتَّب على الإلزام به محظور، والإلزام بالوعدِ في بيع المرابحة يترتَّب عليه محظور، وهو بيْع الإنسان ما لا يملك".

 

ويقول الشيخ سليمان بن تركي التركي: "بنَى بعضُ الباحثين القولَ بالإلزام بالمواعدة في المعاوضات على ما سَبَق مِن مذهب الإمام مالك في الإلزام بالوعد إذا دخَل الموعود بسبب الوعد في كُلْفة، وهذا غيرُ صحيح؛ لأنَّ المقصود بالوعد لدَى الفقهاء المتقدِّمين وما سبَق عرضُه مِن الخلاف في الإلزام به إنَّما هو الوعدُ بالمعروف، دون الوعد بالمعاوضة".

 

جاء في القاعدة التاسعة والستِّين من قواعد الونشريسي: "الأصل منْع المواعدة بما لا يصحُّ وقوعه في الحال حمايةً".

وجاء في شرح هذه القاعدة: "ومِن ثَمَّ منَع مالكٌ المواعدة في العدَّة، وعلى بيع الطعام قبل قبضِه، ووقت نداء الجُمُعة، وعلى ما ليس عندَك".

 

وأمَّا الإلزام بالوعد عندَ بعض المالكية، فهو ما كان مِن قبيل المعروف؛ ولذلك قال الحطَّاب - رحمه الله -: "مدلولُ الالتزام لُغة: هو إلزامُ الشخص نفسه ما لم يكن لازمًا، وهو بهذا المعنى شاملٌ للبيع والإجارة، والنِّكاح وسائر العقود، وأمَّا في عُرْف الفقهاء: هو إلزام الشخصِ نفسَه شيئًا مِن المعروف مطلقًا، أو معلَّقًا على شيء، فهو بمعنى العَطيَّة، وقد يُطلق في العُرْف على ما هو أخصُّ مِن ذلك، وهو: إلزام المعروف بلفظ الالتزام، وهو الغالِب في عُرْف الناس اليوم".

 

وقد رأى بعضُ العلماء المعاصرين بأنَّه إذا جاز الإلزام بالوعد بالمعروف، والقضاء به إذا تَمَّ على سبب، ودخَل الموعودُ في السبب، مع أنَّه تبرُّعٌ محض، فلأنْ يُلزمَ به في المعاوضات أَوْلى وأَحْرى.

 

وهذا القولُ في الحقيقة قلبٌ للقاعدة الفِقهية المعروفة، وهي أنَّ الغرر يُغتفَر في باب التبرُّعات أكثر منه في باب المعاوضات؛ ولهذا اغتُفِر في عقود التبرعات هبةُ المجهول، والوصية به، وعدم القُدْرة على تسليمه، وكلُّ هذه الأمور لا يجوز بيعها.

 

القول الراجح في هذه المسألة:

أرى أنَّ بيع المرابحة للواعِد بالشراء جائزةٌ بشرْط عدم الإلزام، وأن يكون الخيارُ للبائع والمشتري على حدٍّ سواء، وإذا اشترى التاجرُ أو المصرف البضاعة، وتحقَّق الواعدُ مِن مطابقتها، ورغِب في شرائها كان له ذلك بإيجابٍ وقَبول جديدَيْن.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


مختارات من الشبكة

  • الإلزام بالواعد في صيغ المرابحة للآمر بالشراء (PDF)(كتاب - موقع الشيخ دبيان محمد الدبيان)
  • طرق الإلزام الأخلاقي وتنوعها (أو وسائل الردع والزجر) في الإسلام(مقالة - موقع أ. د. مصطفى حلمي)
  • الدين مصدر الإلزام الخلقي والأحكام الشرعية(مقالة - موقع أ. د. مصطفى حلمي)
  • ملخص بحث: الحقيقة الغائبة بين الإلزام والجزاء(مقالة - الإصدارات والمسابقات)
  • حكم استخدام صيغة من صيغ العقود المركبة بوعد(مقالة - موقع د. طالب بن عمر بن حيدرة الكثيري)
  • صيغ المبالغة في الشعر(مقالة - حضارة الكلمة)
  • صيغة أفعل(مقالة - حضارة الكلمة)
  • صيغ الأمر(مقالة - حضارة الكلمة)
  • صيغ التكبير للحاج وغير الحاج(مقالة - مكتبة الألوكة)
  • التسبيح والتحميد والتكبير بعد الصلاة: صيغ وفوائد (خطبة)(مقالة - موقع د. محمود بن أحمد الدوسري)

 


تعليقات الزوار
11- رد على تعليق الأخ بلال حسناوي
دبيان بن محمد الدبيان - السعودية 25-01-2018 11:44 PM

السلام عليكم أشكر لكم حواركم الراقي والذي يعكس فهما عميقا
بالنسبة لتعامل البنك مع العميل فهي مواعد غير ملزمة لأي منهما فلا تعتبر عقدا
وبالنسبة لتعامل البنك مع صاحب المصنع لشراء السيارة لبيعها بعد تملكها وكونه يشتريها بشرط الخيار فهو عقد حقيقي وهو منفك عن المواعدة مع طرف ثالث
فإذا تملك البنك السلعة اتصل البنك بالعمل هل يرغب في المضي في المفاهمة السابقة وتحويلها إلى عقد أو لا يرغب وله الحق في ذلك دون ترتب أي التزام عليه فإن نكل رد السلعة إلى المصنع بحق الخيار ونقض العقد.
الأشكال في هذه الصيغة عند الحنابلة يرون عرض السلعة للبيع مسقط للخيار لأن الخيار للتروي فإذا عرضت السلعة فقد أسقطت خيارك خلافا للشافعية
فعلى البنك أن يشعر العميل بطريقة لا يكون فيها عرض السلعة للبيع حتى لا يسقط خياره وفقا للمذهب الحنبلي
أما سؤالكم عن قرار المجمع وكونه يساوي بين أن يكون الخيار لهما أو لأحدهما فالذي أراه ن العقد إذا كان ملزما لأحدهما فقد تحول إلى عقد فلا يجوز.

10- طلب توضيح
بلال حسناوي - الجزائر 25-01-2018 12:33 PM

وعلى البنك إذا أراد أن يدفعَ الضَّرر عن نفسه، فليتخذ لذلك الطرقَ الشرعية،
الخاصة بالمرابحة للآمر بالشراء منها البيع بالخيار هل بهذه الطريقة التي قال بها الشيخ إبن القيم لا يصبح فيها البنك إن اشترى بالخيار من المورد أن يقع في بيع السلعة للأمر وهي في رحال المورد الأصلي أم أن عملية شراء المصرف تكون شكلية فقط أفيدونا بارك الله فيكم؟
2-المواعدة – وهي التي تصدر من الطرفين – تجوز في بيع المرابحة بشرط الخيار للمتواعدين، كليهما أو أحدهما...قرار المجمع لم أفهم أحديها أي أن الخيار للمشتري مع الإلزام للمصرف وهنا نقع في الصورة الأولى الموضحة من طرفكم أم لا؟ أم أن الخيار للمصرف والإلزام للمشتري فهنا نقع في بيع ما ليس عند المصرف أفيدونا بارك الله فيكم.

9- جزاك الله خيرا
كريم العثماني - المغرب 04-08-2017 06:54 PM

ماشاء الله، بحث قيم، أفدتم و أمتعتم بتحليلكم الرائع يا شيخنا الفاضل

8- الخلاف محسوم بعلم المقاصد ومحسوم بإجماع الأولين
محمد علي أبو جاد القيرواني - تونس 06-05-2015 03:38 PM

عندما يختلف أهل العلم في مسألة من المسائل الفقهية، فإن علم المقاصد هو الذي يحسم الخلاف بينهم، لأن "اعتبارَ المقاصد وتحكيمَها أمر مسلَّم ومتفق عليه عند كافة العلماء سلفاً وخلفاً، باستثناء قلّة من ذوي النـزعة المغالية في سطحيتها وحَرفيتها، كما هو شأن الخوارج والظاهرية" كما قال ذلك الريسوني، فلا يبقى بعد استنباط مقصود الشارع على نحو منضبط مجال للمكابرة في المسائل الخلافية.

وقد عقد ابن عاشور رحمه الله قسما صدّر به كتابه أثبت فيه أن مقاصد الشريعة قطعية على خلاف أصول الفقه، وقال أن غرضه من تأليف الكتاب "إقلال الاختلاف بين فقهاء الأمصار... إذ كانوا لا ينتهون في حجاجهم إلى أدلة ضرورية أو قريبة منها يُذعن إليها المكابر ويهتدي بها المشبه عليه" ، مما يعني أن الوقوف على مقاصد الشارع يحسم الخلافات الفقهية أو يقللها، لأنه علم يفيد القطع لا الظن، فيحصل منه اليقين على مراد الشارع، لذلك قال رحمه الله: "إذا انتظم الدليل على إثبات مقصد شرعي، وجب على المتجادلين فيه أن يستقبلوا قبلة الإنصاف، وينبذوا الاحتمالات الضعاف" .
وقال الشاطبي رحمه الله: "كل أصل شرعي لم يشهد له نص معين، وكان ملائماً لتصرفات الشرع، ومأخوذاً معناه من أدلته فهو صحصح يبنى عليه، ويرجع إليه، إذ كان ذلك الأصل قد صار بمجموع أدلته مقطوعاً به؛ لأن الأدلة لا تلزم أن تدل على القطع بالحكم بانفرادها دون انضمام غيرها إليها، ومن أجل ذلك أفاد التواترُ القطعَ، وإن كانت أخبار الآحاد التي أخذت في الاستقراء كل منها على حدة تفيد الظن " .
فدلّ هذا على أن استقراء مقاصد الشريعة لا يكون من نص معزول، بل يكون من عدة نصوص وجملة أدلة شرعية تفيد في مجموعها القطع.
ومما مثّل به الشاطبي رحمه الله لهذا التقعيد "...أن النفس نُهي عن قتلها، وجُعل قتلُها موجباً للقصاص، متوعَّداً عليه ومن كبائر الذنوب المقرونة بالشرك، ووجب سد رمق المضطر، ووجبت الزكاة والمواساة والقيام على من لا يقدر على إصلاح نفسه، وأقيم الحكام والقضاة والملوك لذلك، ورتبت الأجناد لقتال من رام قتل النفس، ووجب على الخائف من الموت سد رمقه بكل حلال وحرام من الميتة والدم ولحم الخنزير إلى غير ذلك..."
ثم استنتج رحمه الله أن " كل هذه النصوص والأحكام تدل يقيناً على أن الشرع قاصد لحفظ النفس، وأن المحافظة عليها أصل قطعي، لم يثبت بدليل واحد خاص ولا يشهد له أصل معين يمتاز برجوعه إليه، بل علمت ملاءمة هذا الأصل للشريعة بمجموع أدلة لا تنحصر في باب واحد، ولو استند إلى شيء معين لوجب تعيينه، فهذا الأصل إذن مأخوذ من استقراء مقتضيات الأدلة بإطلاق، لا من أحدها على الخصوص..."
مجمل القول إذن أن قطب الرحى في علم المقاصد هو البحث عن غرض ومقصد الشارع من شرعه للحكم، ومقصود الشارع إما أن يدل عليه دليل لفظي أو دليل استقرائيّ، وهذا القصد لا يخرج عن جلب المصالح ودرأ المفاسد، والمصالح المستجلبة ليست هي التي يراها الخلق مصالح، كما أن المفاسد المستدفعة ليست هي التي يراها الخلق مفاسد، بل أن ما يفضي إلى المحافظة على مقصود الشرع هو المصلحة، وفي هذا المعنى يقول الغزالي رحمه الله: "أما المصلحة فهي عبارة - في الأصل - عن جلب منفعة أو دفع مضرة. ولسنا نعني به ذلك، فإن جلب المنفعة ودفع المضرة مقاصد الخلق، وصلاح الخلق في تحصيل مقاصدهم، لكنا نعني بالمصلحة: المحافظة على مقصود الشرع..."

وخلاف العلماء المعاصرين في حكم بيع المرابحة للآمر بالشراء، خلاف شديد، والتحاكم فيه إلى علم المقاصد الشرعية هو مناط هذه المحاولة، لذلك ينبغي فهم المعاني التي تتفرع عن تركيب العقود بعضها على بعض، ثم النظر هل أنها تؤدي معنى التجارة التي ندب إليها الشارع الحكيم، أم تؤدي معنى الربا الجشع الذي نهى عنه الشارع الحكيم.

والمرابحة المركبة كما تجريها البنوك الإسلامية اليوم تقوم على مجموعة من العقود المترابطة.

إذا تم عزل بعضها عن بعض فليس في العقد المنفرد ما يثير شبهة – باستثناء الوعد الملزم كما بينه الشيخ الدبيّان حفظه الله -، لكن إذا تم النظر إلى العقود مجتمعة ولم يُعزَل بعضها عن بعض، يصبح الأمر مثيرا لكثير من التهم، لأن هناك زيادة في عدد العقود لا تقتضيها حقيقة المعاملة.

فالمعاملة في الأصل لا تحتاج إلى أكثر من عقد شراء بالتقسيط بين مشتري السلعة ومالكها الأصلي، ولأن التقسيط ليس دائما متاحا، فيُفترض أن يلتجئ الراغب في الشراء إلى إبرام عقد قرض مع طرف آخر مليء، دون أن يكون هناك تعلق بين عقد القرض وعقد البيع، ودون أن يقع الاسترباح من عقد القرض لأن ذلك من الربا الصريح.

لكن حين يقع دمج القرض في البيع، على نحو يصبح معه الطرف الذي كان يُفترض أن يكون مقرضا (وهو البنك عادة) هو نفسه الذي اشترى السلعة لطالبها، وحجته في ذلك قوله تعالى (أحل الله البيع) ، فإن الأمر يصبح ربا مُقنع، أضيفت له حيلة على طريقة أهل السبت:

فنجد في المعاملة التركيب التالي:

• يُمضي طالبُ السلعة على التزام مسبق بالشراء قبل أن يشتري المصرف له السلعة، كما يلزمه بدفع تسبقة يتحوّط بها المصرف من خطر النكول، وحجته في ذلك قوله تعالى (أوفوا بالعهد).
• يسند البنك توكيلا للحريف ليشتري نيابة عنه، ودون أن يعطيه أجرا عن وكالته، فيربح المصرف بذلك من جهتين: الأولى أنها وكالة مجانيّة، والثانية أنه يستغني عن انتداب أعوان يمثلونه في البيع والشراء ويكلفونه رواتب وعربات للتنقل، ويحتج في ذلك بأن التوكيل جائز بلا خلاف.
• يشترط البنك لنفسه البراءة من العيوب الظاهرة والخفية، بحيث إذا اكتشف الحريف عيبا في السلعة فليس له الرجوع بذلك على البنك والمطالبة بالضمان، ويحتج في ذلك بحديث (المسلمون على شروطهم) وبمذهب الأحناف الذي يجيز اشتراط البراءة من العيوب.
• لا يتسلم البنك السلعة بنفسه ولا يقبضها بل يتسلمها الحريف نيابة عنه، والحجة أن التوكيل يجيز له هذا، كما أن البنك لا يملك مخازن يمكن أن يحوز السلعة فيها.
• لا يسلمُ الحريف السلعة إلى البنك الموكل بل يحوزها مباشرة لخاصة نفسه دون مرور بالبنك، والحجة في ذلك أن البنك إنما اشتراها لصالح الحريف، فلا معنى لأن يسلمها إلى البنك بيمينه ويستلمها منه بشماله.

فتركيب العقود على هذا النحو (وعد ملزم بالشراء مع توكيل بالشراء مع توكيل بتسلم السلعة مع بيع للسلعة بشرط البراءة من العيوب) يفضي إلى مشهد نهائي متطابق في كل مفاصله مع القرض الربوي، إذ في النهاية نجد أن البنك الذي اختار دور التاجر ورفض دور المُقرض، لم يباشر من وظائف التاجر شيئا، وانتفع بكل امتيازات المقرض الذي يستربح من قرضه، كما نجد الحريف الذي كان يُفترض أن يكون مشتريا قد تحمل بكل واجبات المقترض ولم ينتفع بشيء مما ينتفع به المشتري.

فجميع وظائف التاجر حوّلها البنك على كاهل الحريف، وجميع امتيازات المُقرض ما فرّط البنك في شيء منها، وضَمِنَ لنفسه الربح دون تعب ولا مخاطرة ولا دخول في ضمان العيوب، هذا معناه أن البنك لبس عمامة التاجر وباشر وظائف المُقرض.

فإذا عُرض هذا على علم المقاصد نُسف يقينا، وأُتي على بنيانه من القواعد، مهما كانت حججه متماسكة في الظاهر.

ثم إن ضوابط السوق في الإسلام كيفما هي مقصودة للشارع الحكيم، مقتضاها أن السوق هي الحَكَمُ في التسعير بحسب وفرة السلع وقلّتها، وبجمع النصوص بعضها على بعض يُفهم على وجه القطع أن مقصود الشارع منها أن يبقى السوق هو السلطان بلا مؤثرات خارجة عنه، حتى يبقى هناك توازن بين الثروة والنقد، ويبقى هناك توازن بين ما في أيدي المشترين من النقود وما في أيدي الباعة من السلع، فإذا انخفضت كتلة النقد التي تحت أيدي الناس، كسدت السلع حتى تنخفض أثمانها وتعود متاحة للناس، وإذا انخفضت كتلة السلع تحت أيدي أربابها بُذلت لأجلها الأموالُ المكنوزةُ حتى تُحرّكَ الثروةَ وتعيد التوازن بين العرض والطلب في السوق، لذلك كلما طرأ تدخل من التاجر يخل بهذا القانون (قانون العرض والطلب) ويتحكم في الأسعار بأي شكل من الأشكال، إلا ونهى عنه الشارع الحكيم، من ذلك:
• حديث (من احتكر طعاما أربعين ليلة، فقد برئ من الله تعالى، وبرئ الله تعالى منه) وهذا لأن القصد من الاحتكار هو إفراغ السوق من السلع حتى تشتد حاجة الناس إليها فيرتفع سعرها، ولأن هذا تحكم في العَرض فقد حُرّم، ولذلك قال في حديث آخر حثـًّا على جلب السلعة إلى السوق ونهيا عن احتكارها (الجالب مرزوق والمحتكر ملعون).
• حديث (لا تلقّوا الركبان ولا يبع حاضر لباد) هو بدوره لأجل المحافظة على عدالة السوق وسد المنافذ على المؤثرات الخارجية، وترك السوق تفرز بمفردها قانونها وأسعارها، لأن تلقي الركبان فيه إضرار بالركبان وبأهل البلد، أما الركبان فإن المُتَلَقِّي لهم سيأخذ السلعة بأقل من سعرها في السوق، فيخدعون ويُغبنون، وأما أهل البلد فلأن المتلقي للركبان سيرفع السعر بخلاف ما لو نزل بها أصحابها الأسواق، وعليه فسيكون حَكَمًا على السوق وهو المتحكم في السعر، وليس السوق هو الحكم على التاجر، ولأجل هذا المعنى الذي فيه توجيه للسعر بشكل يجحف بالناس حُرّم تلقي الركبان، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم أن صاحب السلعة مخير بين الرضى بالصفقة وإبطالها إذا اتضح له حين ينزل السوق أنه قد غُبن: فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا تلَقُّوا الجلب، فمن تلقاه فاشترى منه، فإذا أتى سيدُه السوق فهو بالخيار)، أي أن البائع (سيّد الجلب) من حقه أن يفسخ البيع ويسترد السلعةإذا تبين أنهباعها بأقل من سعر السوق.

• حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: غلا السعر على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقالوا: يا رسول الله سعّر لنا، فقال: "إن الله هو المسعر، القابض، الباسط، الرازق، وإني لأرجو أن ألقى الله - عز وجل - وليس أحد منكم يطلبني بمظلمة في دم ولا مال" ، فقوله صلى الله عليه وسلم: (وليس أحد منكم يطلبني بمظلمة في دم ولا مال)، دل على أن علة النهي هي الظلم، أي أن مقصود الشارع الحكيم من النهي عن التسعير هو نفي الظلم، إذ قد يكون السعر المقرر للسلعة أقل مما أنفقه التاجر من مال وجُهد لجلبها، فيكون التسعير ظالما له، فمتى كان في التسعير ظلم للناس إلا وعُدّ من المناهي، وعملا بمفهوم المخالفة متى كان في التسعير إنصاف للناس إلا وعُدّ من المندوبات، لأن الحكم يدور مع علته وجودا وعدما، هذا معناه أنه إذا كان السعر الذي أفرزه السوق ناتجا عن المؤثرات الخارجية كالاحتكار وتلقي الركبان ونحوه مما فيه ظلم للناس، فإن التسعير هو الذي يحفظ للسوق عدالتها ويرفع الظلم عن الناس، وبالتالي يصبح جائزا لولي الأمر أن يتدخل لتعديل السعر لا سيما فيما هو من أقوات الناس، وهذا لأن التسعير ليس محرما لذاته بل هو محرم سدا للذريعة، والمقرر عند علماء الأصول أن ما حُرم سدا للذريعة جاز للمصلحة الراجحة.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ((... إذا كان الناس يبيعون سلعتهم على الوجه المعروف من غير ظلم منهم، وقد ارتفع السعر: إما لقلة الشيء، وإما لكثرة الخلق فهذا إلى الله، فإلزام الخلق أن يبيعوا بقيمة عينها إكراه بغير حق، وأما الثاني: فمثل أن يمتنع أرباب السلع من بيعها مع ضرورة الناس إليها إلا بزيادة على القيمة المعروفة، فهنا يجب عليهم بيعها بقيمة المثل، ولا معنى للتسعير إلا إلزامهم بقيمة المثل )) ا.هـ..

• حديث النهى عن النجش الثابت بأدلة متوافرة، وهو الزيادة الصورية في ثمن المبيع من قبل من لا يريد الشراء، وغرضه أن يغتر غيره فيزيد بزيادته، وقد روى مسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: ((لا تحاسدوا، ولا تناجشوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، ولا يبع بعضكم على بيع بعض، وكونوا عباد الله إخواناً...)) ، كما أورد مالك عن نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع النجش، وأورد ابن حزم في المحلى في كتاب البيوع ص 374 من طريق عبد الرزاق عن إسماعيل بن عياش عن عبيد بن مهاجر قال ((بعث عمر بن عبد العزيز عبيد بن مسلم يبيع السبي فلما فرغ أتى عمر فقال له: إن البيع كان كاسدا لولا أني كنت أزيد عليهم وأنفقه، فقال له عمر: كنت تزيد عليهم ولا تريد أن تشتري؟ قال: نعم. فقال عمر: هذا نجش، والنجش لا يحل، ابعث مناديا ينادي: أن البيع مردود، وأن النجش لا يحل))

وعلى هذا فَنَهْيُ الشارع الحكيم عن النجش علته كذلك الظلم، لأن اصطناع المزايدة لأجل أن يغتر الناس فيشترون، هو مؤثر طارئ أجنبي عن السوق، ليس له تعلق بحركة العرض والطلب، افتعله التاجر لأجل الترفيع في السعر، والحال أن التقاء العرض بالطلب ينبغي أن يكون تلقائيا وعفويا كي يفرز سعرا عادلا، وإلا كان ظلما منهيا عنه.

فيتحصل من جملة هذه الأحاديث المعنى التالي: ليس لتاجر أن يخرق قانون السوق فيكون ضامنا للغُنم على الدوام، بل يخضع لقانون العرض والطلب، وإذا اقتضى الحال أن تكسد السلعة فلتكسد، وإلا اختل التوازن بين الثروة والنقد، وآل الأمر إلى التضخم الذي هو من أسوأ نتائج الاقتصاد الربوي، والبنك حين يُحوّل جميع المخاطر على كاهل الحريف، ويضمن بيع السلعة قبل أن يشتريها، ويتبرأ من عيوبها، ويضمن الربح لنفسه تماما مثل المقرضين بفائدة... صار مرابيا ولو لبس فقهاؤه عمامة مالك ابن أنس.

وما أجمل ما قال شيخنا الدبيّان:

((...أيُّ فرْق بين أن يطلب البنكُ التعويضَ عن الخسارة، أو أن يشترطَ التاجر إذا اشترى البضاعةَ عدمَ الخسارة...))

7- قضي الأمر الذي فيه تستفتيان
محمد علي أبو جاد القيرواني - تونس 06-05-2015 11:03 AM

الحمد لله رب العالمين

إن مقال شيخنا الفاضل جامع بين قوة الحجة وأدب الخلاف، مع أن من يرى الانحرافات التطبيقية في أعمال البنوك الإسلامية التي آلت إلى جعل المرابحة قرضا ربويّا مقنعا، وسببها فتاوى المجيزين للوعد الملزم، يصاب بالضيق والتشنج وتنتابه رغبة في ترك ضوابط الحوار المتأدّب .

6- إلى الأخ محمد فيصل
الشيخ دبيان محمد الدبيان - السعودية 01-04-2013 12:51 PM

بسم الله الرحمن الرحيم
أشكر القارئ على تواصله، ونقاشه المثمر، والحوار من أنفع الطرق الموصلة إلى الحق بدليله إن شاء الله تعالى.
وأما جوابي عن القول بأن إلزام العميل بوعده، لا يعني إطلاقاً إلزامه بإتمام عملية الشراء؛ لأن البيع لا يتم إلا عن تراض، ولكن ذلك يقتضي إلزام العميل بجبر الضرر المترتب على البنك من جراء دخول البنك بناء على وعد العميل في عملية شراء ما كان له أن يدخل فيها لولا وعد العميل بشرائها منه، وفي حال عدم رغبة العميل الوفاء بوعده، وإتمام العملية، يقوم البنك ببيع السلعة إلى طرف ثالث، حسب السعر الجاري في السوق، فإن ترتب على عملية البيع خسارة عن التكلفة الفعلية للشراء فيجب على العميل حينئذ تعويض البنك عن تلك الخسارة، عملاً بالقاعدة الفقهية: لا ضرر ولا ضرار، حيث نهت الشريعة الإسلامية عن إضرار الإنسان بنفسه، ناهيك عن إضراره بغيره(1).
ويجاب من وجهين:
الوجه الأول:
إن كان البنك قد اشترى السلعة للعميل فهو مجرد وكيل، وما يأخذه من فائدة على القرض فإنما هو من باب الإقراض بفائدة، وهو صريح الربا، وإن كان الشراء سيتم للبنك لا للعميل، فلا يجب أن يتحمل العميل ما يلحق البنك من خسائر بسبب هذه العملية، للأمور التالية:
(أ) ـ التعويض عن الضرر على القول به يجب أن يكون عن ضرر حقيقي، وليس بما جرت عادة التجار باحتماله في التجارة، فلا يكون مجرد نكول العميل عن الشراء ضرراً يسوغ للمصرف المطالبة بالتعويض، ولا يكون بيع البضاعة عند نكول العميل بسعر أقل من المتفق عليه مع العميل ضرراً يسوغ للمصرف مطالبته بتعويضه؛ لأن من طبيعة التجارة التعرض للربح والخسارة.
(ب) إذا باع البنك البضاعة بعد نكول العميل على عميل آخر وربح فيها فإن الربح سيكون للمصرف وحده، وفي المقابل إذا باعها بخسارة فعليه أن يتحمل ذلك؛ لأن الغنم بالغرم، والخراج بالضمان، فمن الظلم أن يأخذ البنك الربح إذا باع البضاعة بزيادة، بينما يرجع على العميل إذا تعرض لخسارة.
(جـ) - على التسليم بأن ما لحق البنك بسبب التجارة يعتبر ضرراً فإنه لا يزال بمثله؛ لأن القول بإلزام المشتري إكراه له، وفي تحميله للخسارة ضرر عليه أيضاً لا يقل عن ضرر البنك، ولا تقبل دعوى العكس، فإن البنك جهة مقصودة مما يجعل سلعته مظنة الرواج.
(د) - إذا كان البنك لا يتعرض لأي مخاطر، أصبحت العملية مجرد صيغة تمويل مالي يعود على البنك بما يسمى بالربح دون أي مخاطر، وأصبح الأمر مثل أن يوكل شخص البنك بشراء السلعة له، ويطلب منه دفع ثمنها للبائع، على أن يقوم هو بتسديد الثمن بزيادة على أقساط، فما الفرق بين هذه الصورة وبين صورة بيع المرابحة للآمر بالشراء إذا انقلب إلى مجرد تمويل بزيادة، وبلا مخاطر.
إن أساس جواز معاملة بيع المرابحة للآمر بالشراء: هو تعرض المصرف لاحتمالات الربح والخسارة، فإذا أفرز التطبيق صوراً نقطع معها بالربح في جميع الأحوال، ولا يتصور فيه أي مخاطرة، انقلبت هذه المعاملة إلى تمويل ربوي(2).
الوجه الثاني: أي فرق بين أن يطلب البنك التعويض عن الخسارة، أو أن يشترط التاجر إذا اشترى البضاعة عدم الخسارة، فإذا كان التاجر لا يحل له أن يشترط ذلك، فكذلك البنك لا يحل له أن يطلب التعويض عن الخسارة جراء شراء بضاعة ما، فإن اشتَرَطَ ذلك فهو شرط باطل؛ لأن ذلك يخالف مقتضى العقد، فإن طبيعة التجارة أن يتحمل المشتري للبضاعة الغرم، مقابل أن يكون الغنم حلالاً إذا حصل عليه.
قال الشافعي: «إذا اشترى جارية على أن لا يبيعها، أو على أن لا خسارة عليه من ثمنها، فالبيع فاسد..» (3).
وقال في كشاف القناع: «(الثاني) من الشروط الفاسدة (شَرَطَ في العقد ما ينافي مقتضاه، نحو أن يشترط أن لا خسارة عليه) »(4).
وعلى البنك إذا أراد أن يدفع الضرر عن نفسه، فليتخذ لذلك الطرق الشرعية، كما أرشد إلى ذلك محمد بن الحسن وابن القيم عليهما رحمة الله، فلا يتعين الإلزام بالمواعدة طريقاً وحيداً لرفع الضرر، بل يمكن رفع الضرر المتوقع بطرق أخرى مشروعة، كأن يشتري المصرف السلعة بشرط الخيار له وحده دون البائع، وتحدد مدة كافية، وأثناء المدة يبيع المصرف ما اشتراه، فإن لم يتمكن المصرف من البيع أبلغ البائع الأول بفسخ العقد، ورد المبيع، وهذا جيد في البيوع المحلية (الداخلية ) ويراعي في هذا بأن لا يصدر من المصرف إيجاب يسقط خياره، وإنما يخبر الآمر بالشراء بوجود البضاعة، فإن أصدر المشتري إيجاباً كان القبول من المصرف بيعاً للآمر بالشراء بعد تملك البضاعة، وسلم من خطر نكول المشتري وإلا رد البضاعة، وأما في البضائع التي تحتاج إلى استيراد، فإن المصرف يمكنه أن يكلف الآمر بالشراء باستلام البضاعة قبل تصديرها، إما بنفسه، أو عن طريق وكيله، فإذا رأى البضاعة قبل تصديرها، ووافق عليها، كان ذلك بيعاً لازماً، وتكون في يد البنك بمنزلة الأمانة.
قال في إعلام الموقعين: «رجل قال لغيره: اشتر هذه الدار - أو هذه السلعة من فلان - بكذا وكذا, وأنا أربحك فيها كذا وكذا، فخاف إن اشتراها أن يبدو للآمر فلا يريدها, ولا يتمكن من الرد, فالحيلة أن يشتريها على أنه بالخيار ثلاثة أيام، أو أكثر , ثم يقول للآمر: قد اشتريتها بما ذكرت, فإن أخذها منه, وإلا تمكن من ردها على البائع بالخيار...» (5).
قال محمد بن الحسن: «قلت: أرأيت رجلاً أمر رجلاً أن يشتري داراً بألف درهم، وأخبره أنه إن فعل، اشتراها الآمر بألف درهم، ومائة درهم، فأراد المأمور شراء الدار، ثم خاف إن اشتراها، أن يبدو للآمر فلا يأخذها، فتبقى في يد المأمور، كيف الحيلة في ذلك ؟
قال: يشتري المأمور الدار على أنه بالخيار فيها ثلاثة أيام، ويقضيها، ويجيئ الآمر، ويبدأ فيقول: قد أخذت منك هذه الدار بألف ومائة درهم، فيقول المأمور: هي لك بذلك، فيكون ذلك للآمر لازماً، ويكون استيجاباً من المأمور للمشتري، أي ولا يقل المأمور مبتدئاً: بعتك إياها بألف ومائة؛ لأن خياره يسقط بذلك، فيفقد حقه في إعادة البيت إلى بائعه، وإن لم يرغب الآمر في شرائها تمكن المأمور من ردها بشرط الخيار، فيدفع عنه الضرر بذلك» (6). اهـ
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) انظر المعايير الشرعية لصيغ التمويل المصرفي اللاربوي (ص: 46).
(2) انظر: بحوث فقهية في قضايا اقتصادية معاصرة (ص: 105)، مجلة مجمع الفقه الإسلامي (5/2/ص 1121).
(3) مختصر المزني (ص: 87).
(4) كشاف القناع (3/193)، وانظر الفروع (4/63)، الإنصاف (4/350).
(5) إعلام الموقعين (4/23).
(6) كتاب الحيل لمحمد بن الحسن الشيباني (ص:79، 127)، رواية السرخسي، وانظر المبسوط للسرخسي (30/237).

5- أتفق ولكن هنا إشكال
محمد فيصل - Indonesia 31-03-2013 06:21 PM

أنا متشكر على استجابتكم السريعة. متعنا الله بعلومكم ونفعنا بها.
أنا أتفق معكم بهذه المقارنة (لو قلت لك بعتك هذا الشيء لا يكون البيع ملزما حتى نتفرق فهل إذا قلت سأبيعك يكون ملزما قبل وقوع العقد).

فالأمر هو أننا لا نمكن أن نتجاهل الخسائر الحقيقية المتحققة التي عرضت لها البنك بعد الدخول في السبب. بينما الخسائر في العميل لا تزال محتملة وأيضا أنه هو الملغي بوعده أعني هو السبب في خسارة البنك.

هل لنا من سبيل أن نعنى بـ"الإلزام" مجرد تعويض الخسائر, ولا نعني به إلزام العقد.

مع كل الاحترام الواجب لأهل العلم, لا أقصد الإنكار، إنما أريد التأكد. أعتذر لسوء العبارة.

4- إلى الأخ الكريم محمد فيصل
الشيخ دبيان محمد الدبيان - السعودية 31-03-2013 02:41 PM

يحسن الرجوع إلى كتابي المعاملات المالية أصالة ومعاصرة ففيها التوثيق المطلوب
ومما يزيد الأمر وضوحاً أنني لو قلت لك بعتك هذا الشيء لا يكون البيع ملزما حتى نتفرق فهل إذا قلت سأبيعك يكون ملزما قبل وقوع العقد

3- الحق معكم إن شاء الله
محمد فيصل - Indonesia 31-03-2013 09:57 AM

قد أحسنتم الردّ
ولكن يكون من الرائع للطلاب مثلنا أن ذكرتم المراجع حتى يكون من السهل لنا أن نرجع مرة أخرى إلى الآراء المذكورة هنا.

2- بحث أنيق ومفيد
عبد القادر جلال محمد - السودان 12-03-2011 04:55 PM

أسال الذي خلق الكون أن يختصك من بين خلقك ويقول وعزتي وجلالي لا أرد لك دعاء..

1 2 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 0:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب