• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات   بحوث ودراسات   إبهاج المسلم بشرح صحيح مسلم   الدر الثمين   سلسلة 10 أحكام مختصرة   فوائد شرح الأربعين   كتب   صوتيات   مواد مترجمة  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    شرح (صفوة أصول الفقه) لابن سعدي - رحمه الله - ...
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    التعليق على رسالة (ذم قسوة القلب) لابن رجب (PDF)
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    10 مسائل مهمة ومختصرة في: شهر الله المحرم
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    10 مسائل مهمة ومختصرة في الأضحية (PDF)
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    10 مسائل مهمة ومختصرة في 10 ذي الحجة (PDF)
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    الدعاء لمن أتى بصدقة
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    حديث: صدقة لم يأكل منها
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    حديث: هو لها صدقة، ولنا هدية
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    باب: (ترك استعمال آل النبي على الصدقة)
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    حديث: «كخ كخ، ارم بها، أما علمت أنا لا نأكل ...
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    شرح حديث: سيخرج في آخر الزمان قوم أحداث الأسنان ...
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    التعريف بالخوارج وصفاتهم
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    حديث: ألا تأمنوني؟ وأنا أمين من في السماء
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    إعطاء المؤلفة قلوبهم على الإسلام وتصبر من قوي ...
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    إعطاء المؤلفة قلوبهم على الإسلام وتصبر من قوي ...
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    إعطاء المؤلفة قلوبهم من الزكاة
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
شبكة الألوكة / المواقع الشخصية / مواقع المشايخ والعلماء / د. محمود بن أحمد الدوسري / خطب
علامة باركود

ففروا إلى الله (خطبة)

ففروا إلى الله (خطبة)
د. محمود بن أحمد الدوسري

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 31/7/2025 ميلادي - 6/2/1447 هجري

الزيارات: 22405

حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعةأرسل إلى صديقتعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

ففروا إلى الله


إِنَّ ‌الْحَمْدَ ‌لِلَّهِ ‌نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، أَمَّا بَعْدُ: الدُّنْيَا فَتَّانَةٌ غَرَّارَةٌ، وَالْفِتَنُ كَثِيرَةٌ وَمُتَنَوِّعَةٌ، وَالنَّفْسُ أَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ، وَالشَّيْطَانُ مُتَرَبِّصٌ بِالْمُؤْمِنِينَ؛ لِذَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ بِالْفِرَارِ إِلَيْهِ مِنْ جَمِيعِ الْفِتَنِ؛ فَتْنَةِ الشِّرْكِ، وَفِتْنَةِ النِّفَاقِ، وَفِتْنَةِ الْابْتِدَاعِ فِي الدِّينِ، وَفِتْنَةِ الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ، وَفِتْنَةِ النِّسَاءِ، وَفِتْنَةِ الْجَاهِ وَحُبِّ الرِّئَاسَةِ، وَفِتْنَةِ الْمَعَاصِي وَفُشُوِّ الْمُنْكَرَاتِ، وَفِتْنَةِ الْاخْتِلَافِ وَالْفُرْقَةِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، وَفِتْنَةِ التَّحَاسُدِ عَلَى الدُّنْيَا، وَفِتْنَةِ التَّعَصُّبِ لِآرَاءِ الرِّجَالِ وَالتَّقْلِيدِ الْأَعْمَى، وَفِتْنَةِ الْمَمَاتِ، وَفِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ، وَجَمِيعِ الْفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ - فَقَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿ فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ ﴾ [الذَّارِيَاتِ: 50][1] ؛ أَيِ: اهْرُبُوا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى؛ بِالْإِيمَانِ بِهِ، وَالْعَمَلِ بِطَاعَتِهِ، وَالتَّوْبَةِ إِلَيْهِ، وَالتَّوَكُّلِ عَلَيْهِ[2]، وَاهْرُبُوا مِمَّا يُوجِبُ الْعِقَابَ- مِنَ الْكُفْرِ وَالْعِصْيَانِ، إِلَى مَا يُوجِبُ الثَّوَابَ- مِنَ الطَّاعَةِ وَالْإِيمَانِ[3]، وَفِرُّوا ‌إِلَى ‌اللَّهِ مِنْ سِجْنِ الْهَوَى، وَطَاعَةِ الشَّيْطَانِ، وَرُفَقَاءِ السُّوءِ، وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ[4].

 

عِبَادَ اللَّهِ.. يَجِبُ عَلَيْنَا جَمِيعًا أَنْ نَفِرَّ مِمَّا يَكْرَهُهُ اللَّهُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا؛ إِلَى مَا يُحِبُّهُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا؛ فَنَفِرُّمِنَ الْجَهْلِ إِلَى الْعِلْمِ، وَمِنَ الْكُفْرِ إِلَى الْإِيمَانِ، وَمِنَ الشِّرْكِ إِلَى التَّوْحِيدِ، وَمِنَ الْبِدْعَةِ إِلَى السُّنَّةِ، وَمِنَ الْمَعْصِيَةِ إِلَى الطَّاعَةِ، وَمِنَ الْغَفْلَةِ إِلَى الذِّكْرِ، وَنَفِرُّ مِنْ أَسْبَابِ غَضَبِ اللَّهِ تَعَالَى وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنَ الْعُقُوبَةِ إِلَى أَسْبَابِ رَحْمَتِهِ وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا مِنَ الْمُعَافَاةِ، وَنَفِرُّ مِنَ الْفِتَنِ وَمُضِلَّاتِهَا. وَنَفِرُّ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى؛ بِتَوْحِيدِهِ، وَالسَّعْيِ إِلَى مَرْضَاتِهِ، وَجَنَّتِهِ، هَرَبًا مِنْ سَخَطِهِ وَعُقُوبَتِهِ، وَفِي ذَلِكَ يَقُولُ ابْنُ الْقَيِّمِ رَحِمَهُ اللَّهُ: (وَلَهُ فِي كُلِّ وَقْتٍ هِجْرَتَانِ: هِجْرَةٌ إِلَى اللَّهِ بِالطَّلَبِ وَالْمَحَبَّةِ، وَالْعُبُودِيَّةِ وَالتَّوَكُّلِ وَالْإِنَابَةِ، وَالتَّسْلِيمِ وَالتَّفْوِيضِ، وَالْخَوْفِ وَالرَّجَاءِ، وَالْإِقْبَالِ عَلَيْهِ، وَصِدْقِ اللُّجْأِ وَالِافْتِقَارِ فِي كُلِّ نَفَسٍ إِلَيْهِ. وَهِجْرَةٍ إِلَى رَسُولِهِ فِي حَرَكَاتِهِ وَسَكَنَاتِهِ الظَّاهِرَةِ وَالْبَاطِنَةِ، بِحَيْثُ تَكُونُ مُوَافِقَةً لِشَرْعِهِ الَّذِي هُوَ تَفْصِيلُ مَحَابِّ اللَّهِ وَمَرْضَاتِهِ)[5].

 

وَمِنَ الْآيَاتِ الْوَارِدَةِ فِي مَعْنَى الْفِرَارِ إِلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ، وَاللُّجُوءِ إِلَيْهِ:

1-قَوْلُهُ تَعَالَى– عَنِ الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ تَخَلَّفُوا عَنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ: ﴿ وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ﴾ [التَّوْبَةِ: 118].

 

2-قَوْلُهُ تَعَالَى– عَنْ خَلِيلِهِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: ﴿ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [الْعَنْكَبُوتِ: 26].

 

3-قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [آلِ عِمْرَانَ: 133].

 

وَمِنَ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي مَعْنَى الْفِرَارِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَاللُّجُوءِ إِلَيْهِ:

1-قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اللَّهُمَّ أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ، وَبِمُعَافَاتِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْكَ لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ، أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَالْمَعْنَى: (مَا ‌اسْتَعَذْتُ ‌إِلَّا ‌بِكَ، وَلَا اسْتَعَذْتُ إِلَّا مِنْكَ. وَهَذَا يُشْبِهُ قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا مَلْجَأَ وَلَا مَنْجَا مِنْكَ إِلَّا إِلَيْكَ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ، فَاللَّهُ تَعَالَى هُوَ الَّذِي يُنَجِّي مِنْ نَفْسِهِ بِنَفْسِهِ، وَيُعِيذُ مِنْ نَفْسِهِ بِنَفْسِهِ.

 

وَكَذَلِكَ الْفِرَارُ؛ يَفِرُّ عَبْدُهُ مِنْهُ إِلَيْهِ. وَهَذَا كُلُّهُ تَحْقِيقٌ لِلتَّوْحِيدِ وَالْقَدَرِ، وَأَنَّهُ لَا رَبَّ غَيْرُهُ، وَلَا خَالِقَ سِوَاهُ، وَلَا يَمْلِكُ الْمَخْلُوقُ لِنَفْسِهِ وَلَا لِغَيْرِهِ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا، وَلَا مَوْتًا وَلَا حَيَاةً وَلَا نُشُورًا، بَلِ الْأَمْرُ كُلُّهُ لِلَّهِ، لَيْسَ لِأَحَدٍ سِوَاهُ مِنْهُ شَيْءٌ؛ كَمَا قَالَ تَعَالَى- لِأَكْرَمِ خَلْقِهِ عَلَيْهِ، وَأَحَبِّهِمْ إِلَيْهِ: ﴿ لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ ﴾ [آلِ عِمْرَانَ: 128].

 

فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنْهُ، وَفِرَّ مِنْهُ إِلَيْهِ، وَاجْعَلْ لُجْأَكَ مِنْهُ إِلَيْهِ؛ فَالْأَمْرُ كُلُّهُ لَهُ، لَا يَمْلِكُ أَحَدٌ مَعَهُ مِنْهُ شَيْئًا، وَلَا يَأْتِي بِالْحَسَنَاتِ إِلَّا هُوَ، وَلَا يَذْهَبُ بِالسَّيِّئَاتِ إِلَّا هُوَ، وَلَا تَتَحَرَّكُ ذَرَّةٌ فَمَا فَوْقَهَا إِلَّا بِإِذْنِهِ، وَلَا يَضُرُّ سُمٌّ وَلَا سِحْرٌ وَلَا شَيْطَانٌ وَلَا حَيَوَانٌ وَلَا غَيْرُهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ وَمَشِيئَتِهِ، يُصِيبُ بِذَلِكَ مَنْ يَشَاءُ، وَيَصْرِفُهُ عَمَّنْ يَشَاءُ.

 

فَأَعْرَفُ الْخَلْقِ بِهِ وَأَقْوَمُهُمْ بِتَوْحِيدِهِ مَنْ قَالَ - فِي دُعَائِهِ: «وَأَعُوذُ بِكَ مِنْكَ»، فَلَيْسَ لِلْخَلْقِ مَعَاذٌ سِوَاهُ، وَلَا مُسْتَعَاذٌ مِنْهُ إِلَّا وَهُوَ رَبُّهُ، وَخَالِقُهُ وَمَلِيكُهُ، وَتَحْتَ قَهْرِهِ وَسُلْطَانِهِ)[6].

 

2- قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يُوشِكُ أَنْ يَكُونَ خَيْرَ مَالِ الْمُسْلِمِ غَنَمٌ يَتْبَعُ بِهَا شَعَفَ الْجِبَالِ، وَمَوَاقِعَ الْقَطْرِ؛ يَفِرُّ بِدِينِهِ مِنَ الْفِتَنِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

 

الخطبة الثانية

الْحَمْدُ لِلَّهِ... أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ.. وَمِنْ أَهَمِّ الْفَوَائِدِ الْمُسْتَفَادَةِ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ ﴾:

1- نَفِرُّ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى مِمَّا يَكْرَهُهُ اللَّهُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا إِلَى مَا يُحِبُّهُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا: فَنَفِرُّ مِنَ الْجَهْلِ إِلَى الْعِلْمِ، وَمِنَ الْكُفْرِ إِلَى الْإِيمَانِ، وَمِنَ الْمَعْصِيَةِ إِلَى الطَّاعَةِ، وَمِنَ الْغَفْلَةِ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ؛ فَمَنِ اسْتَكْمَلَ هَذِهِ الْأُمُورَ فَقَدِ اسْتَكْمَلَ الدِّينَ كُلَّهُ، وَزَالَ عَنْهُ الْمَرْهُوبُ، وَحَصَلَ لَهُ نِهَايَةُ الْمُرَادِ وَالْمَطْلُوبِ[7].

 

2- كُلُّ مَنْ خِفْتَ مِنْهُ فَرَرْتَ مِنْهُ بَعِيدًا، إِلَّا اللَّهَ تَعَالَى لَا تَهْرُبْ مِنْهُ إِلَّا إِلَيْهِ: فَإِنَّهُ بِحَسَبِ الْخَوْفِ مِنْهُ يَكُونُ الْفِرَارُ إِلَيْهِ، قَالَ تَعَالَى: ﴿ اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ مَا لَكُمْ مِنْ مَلْجَإٍِ يَوْمَئِذٍ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ ﴾ [الشُّورَى: 47].

 

3- سَمَّى اللَّهُ الرُّجُوعَ إِلَيْهِ: فِرَارًا: لِأَنَّ فِي الرُّجُوعِ لِغَيْرِهِ أَنْوَاعَ الْمَخَاوِفِ وَالْمَكَارِهِ، وَفِي الرُّجُوعِ إِلَيْهِ أَنْوَاعُ الْمَحَابِّ، وَالْأَمْنُ وَالسُّرُورِ، وَالسَّعَادَةُ وَالْفَوْزُ[8].

 

4- لَا يُنَجِّي الْإِنْسَانَ مِنَ الْمِحَنِ وَالْمَصَائِبِ، وَالْأَمْرَاضِ وَالِابْتِلَاءَاتِ؛ إِلَّا الْفِرَارُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى.

 

5- يَفِرُّ الْإِنْسَانُ مِنْ قَدَرِ اللَّهِ إِلَى قَدَرِ اللَّهِ: فَيَفِرُّ مِنَ الْأَمْرَاضِ بِمُعَالَجَتِهَا، وَمِنَ الْمَصَائِبِ بِمُقَاوَمَتِهَا؛ لِأَنَّ الْأَمْرَاضَ هُوَ قَدَّرَهَا، وَالْأَدْوِيَةُ هُوَ وَضَعَهَا، وَدَعَا الْعِبَادَ إِلَى اسْتِعْمَالِهَا، وَالتَّعَالُجِ بِهَا، فَكُلُّهَا مِنْهُ بِقَدَرِهِ، فَلَا يَفِرُّ النَّاسُ مِنْ قَدَرِهِ إِلَّا إِلَى قَدَرِهِ؛ وَلِهَذَا لَمَّا قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ لِعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا – فِي قِصَّةِ الْوَبَاءِ: «أَفِرَارًا مِنْ قَدَرِ اللَّهِ؟! فَقَالَ عُمَرُ: لَوْ غَيْرُكَ قَالَهَا يَا أَبَا عُبَيْدَةَ! نَعَمْ؛ نَفِرُّ مِنْ قَدَرِ اللَّهِ إِلَى قَدَرِ اللَّهِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، فَيَفِرُّ الْعَبْدُ مِنْ قَضَائِهِ وَقَدَرِهِ إِلَى قَضَائِهِ وَقَدَرِهِ، وَيَكُونُ الْفِرَارُ أَيْضًا مِنْ شَرٍّ فِي مَخْلُوقٍ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، يَرْجُو مِنْهُ الْخَيْرَ فِي غَيْرِهِ[9].

 

6- الْعَبْدُ لَا يَعْصِمُهُ مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ إِنْ أَرَادَ بِهِ سُوءًا، أَوْ أَرَادَ بِهِ رَحْمَةً: قَالَ تَعَالَى: ﴿ وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [الْأَنْعَامِ: 17]. فَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيٌّ وَلَا نَصِيرٌ، فَأَيْنَ نَفِرُّ مِنْ أَمْرِهِ وَحُكْمِهِ، وَلَا مَلْجَأَ إِلَّا إِلَيْهِ؟![10].

 

7- لَيْسَ الْمُرَادُ بِالْفِرَارِ مِنَ الدُّنْيَا تَرْكَ السَّعْيِ فِيهَا وَالْعَمَلِ؛ بَلِ الْمَطْلُوبُ الْفِرَارُ مِنْ شُرُورِ الدُّنْيَا، وَفِتَنِهَا: وَلَا بُدَّ مِنَ اتِّخَاذِ الْأَسْبَابِ الْمَشْرُوعَةِ لِتَحْصِيلِ الرِّزْقِ، وَرَغَدِ الْعَيْشِ، وَالتَّوْسِعَةِ عَلَى الْأَهْلِ[11].

 

8- هُنَاكَ فَرْقٌ بَيْنَ فِرَارِ السُّعَدَاءِ، وَفِرَارِ الْأَشْقِيَاءِ: فَفِرَارُ السُّعَدَاءِ: الْفِرَارُ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَفِرَارُ الْأَشْقِيَاءِ: الْفِرَارُ مِنْهُ إِلَى غَيْرِهِ[12].

 

9- قَالَ تَعَالَى: ﴿ فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ * وَلَا تَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ ﴾ [الذَّارِيَاتِ: 50، 51]. وَالشَّاهِدُ: ﴿ وَلَا تَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ ﴾ فَهَذَا فِرَارٌ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، بَلْ هُوَ أَصْلُ الْفِرَارِ إِلَيْهِ: بِأَنْ يَفِرَّ الْعَبْدُ مِنَ اتِّخَاذِ آلِهَةٍ غَيْرِ اللَّهِ؛ مِنَ الْأَوْثَانِ وَالْأَنْدَادِ وَالْقُبُورِ، وَغَيْرِهَا مِمَّا عُبِدَ مِنْ دُونِ اللَّهِ، وَيُخْلِصَ الْعَبْدُ لِرَبِّهِ الْعِبَادَةَ، وَالْخَوْفَ وَالرَّجَاءَ، وَالدُّعَاءَ، وَالْإِنَابَةَ[13].

 

10- مَنْ فَرَّ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى فِي الدُّنْيَا؛ أَمَّنَهُ اللَّهُ فِي الْآخِرَةِ: قَالَ تَعَالَى: ﴿ يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ ﴾ [عَبَسَ: 34-37].



[1] حَقِيقَةُ الْفِرَارِ: الْهَرَبُ مِنْ شَيْءٍ إِِلَى شَيْءٍ. يُقَال: فر إِِلَيْهِ، أي: لَجأ إِليه. انظر: المعجم الوسيط، ((2/ 680)؛ مدارج السالكين، (2/ 114).

[2] انظر: تفسير الطبري، (21/ 5498)؛ تفسير القرطبي، (17/ 53)؛ تفسير ابن كثير، (7/ 424).

[3] انظر: زاد المسير، لابن الجوزي (4/ 173).

[4] انظر: التبصرة، لا بن الجوزي (1/ 50).

[5] طريق الهجرتين وباب السعادتين، (ص21).

[6] شفاء العليل، (2/ 354، 355) بتصرف يسير.

[7] انظر: تفسير السعدي، (ص812).

[8] انظر: المصدر نفسه، (ص811).

[9] انظر: تفسير ابن باديس، (ص362).

[10] انظر: جامع الرسائل، لابن تيمية (2/ 336).

[11] انظر: تفسير ابن باديس، (ص362).

[12] انظر: مدارج السالكين، (1/ 466).

[13] انظر: تفسير السعدي، (ص812).





حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعةأرسل إلى صديقتعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات

شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • {ونضع الموازين القسط ليوم القيامة} (خطبة)
  • بشارة القرآن لأهل التوحيد (خطبة)
  • خطورة إنكار البعث (خطبة)
  • رجل يداين ويسامح (خطبة)
  • ففروا إلى الله إني لكم منه نذير مبين
  • سبيل الإفلاس التجسس على الناس (خطبة)

مختارات من الشبكة

  • ضوابط التسويق في السنة النبوية (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الآمنون يوم الفزع الأكبر (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • نعمة وبركة الأمطار (خطبة)(مقالة - موقع د. صغير بن محمد الصغير)
  • فضائل الحياء (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة: إصلاح المجتمع، أهميته ومعالمه(مقالة - آفاق الشريعة)
  • من أراد أن يسلم، فليحذر من داء الأمم (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة: وقفات مع شهر رجب(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تكريم المرأة في الإسلام (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الهدي النبوي في التعامل مع المخطئ (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • العافية (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • ندوة قرآنية في سراييفو تجمع حفاظ البوسنة حول جمال العيش بالقرآن
  • سلسلة ورش قرآنية جديدة لتعزيز فهم القرآن في حياة الشباب
  • أمسية إسلامية تعزز قيم الإيمان والأخوة في مدينة كورتشا
  • بعد سنوات من المطالبات... اعتماد إنشاء مقبرة إسلامية في كارابانشيل
  • ندوة متخصصة حول الزكاة تجمع أئمة مدينة توزلا
  • الموسم الرابع من برنامج المحاضرات العلمية في مساجد سراييفو
  • زغرب تستضيف المؤتمر الرابع عشر للشباب المسلم في كرواتيا
  • نابريجني تشلني تستضيف المسابقة المفتوحة لتلاوة القرآن للأطفال في دورتها الـ27

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 6/7/1447هـ - الساعة: 10:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب