• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات   بحوث ودراسات   إبهاج المسلم بشرح صحيح مسلم   الدر الثمين   سلسلة 10 أحكام مختصرة   فوائد شرح الأربعين   كتب   صوتيات   مواد مترجمة  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    10 مسائل مهمة ومختصرة في: شهر الله المحرم
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    10 مسائل مهمة ومختصرة في الأضحية (PDF)
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    10 مسائل مهمة ومختصرة في 10 ذي الحجة (PDF)
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    الدعاء لمن أتى بصدقة
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    حديث: صدقة لم يأكل منها
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    حديث: هو لها صدقة، ولنا هدية
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    باب: (ترك استعمال آل النبي على الصدقة)
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    حديث: «كخ كخ، ارم بها، أما علمت أنا لا نأكل ...
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    شرح حديث: سيخرج في آخر الزمان قوم أحداث الأسنان ...
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    التعريف بالخوارج وصفاتهم
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    حديث: ألا تأمنوني؟ وأنا أمين من في السماء
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    إعطاء المؤلفة قلوبهم على الإسلام وتصبر من قوي ...
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    إعطاء المؤلفة قلوبهم على الإسلام وتصبر من قوي ...
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    إعطاء المؤلفة قلوبهم من الزكاة
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    باب: (إعطاء من سأل بفحش وغلظة) (2)
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    باب: (إعطاء من سأل بفحش وغلظة) (1)
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
شبكة الألوكة / المواقع الشخصية / مواقع المشايخ والعلماء / الشيخ إبراهيم بن محمد الحقيل / خطب منبرية
علامة باركود

الخليل عليه السلام (2)

الخليل عليه السلام (2)
الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 18/2/2021 ميلادي - 6/7/1442 هجري

الزيارات: 14280

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الخليل عليه السلام (2)

﴿ وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلًا ﴾


الْحَمْدُ لِلَّهِ الْخَلَّاقِ الْعَلِيمِ؛ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ، لَهُ الْحَمْدُ كُلُّهُ، وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ فَطَرَ عِبَادَهُ عَلَى الْإِيمَانِ وَالتَّوْحِيدِ؛ فَحَرَفَتْهُمُ الشَّيَاطِينُ إِلَى الْجُحُودِ وَالتَّنْدِيدِ، لَا رَبَّ لَنَا سِوَاهُ، وَلَا نَعْبُدُ إِلَّا إِيَّاهُ، مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَصَفِيُّهُ وَخَلِيلُهُ؛ بَعَثَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ؛ فَفَتَحَ بِهِ أَعْيُنًا عُمْيًا، وَآذَانًا صُمًّا، وَقُلُوبًا غُلْفًا، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

 

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ، وَأَقِيمُوا لَهُ دِينَكُمْ، وَأَخْلِصُوا لَهُ فِي أَعْمَالِكُمْ؛ فَإِنَّ الِاجْتِمَاعَ وَالتَّحَابُبَ لَا يَكُونُ إِلَّا بِإِقَامَةِ الدِّينِ، وَإِنَّ الِاخْتِلَافَ وَالتَّبَاغُضَ يَقَعُ بِتَفْرِقَةِ الدِّينِ ﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ * مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ * مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ ﴾ [الرُّومِ: 30 - 32].

 

أَيُّهَا النَّاسُ: سِيَرُ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ هِيَ سِيَرُ أَفَاضِلِ الْخَلْقِ، وَخِيَارِ الْبَشَرِ، مِمَّنِ اصْطَفَاهُمُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى الْعَالَمِينَ، وَفَضَّلَهُمْ عَلَى الْخَلْقِ أَجْمَعِينَ، وَاخْتَصَّهُمْ بِرِسَالَاتِهِ، وَكَلَّفَهُمْ بِتَبْلِيغِ دِينِهِ، فَمَنْ تَبِعَهُمْ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَأَرْضَاهُ، وَمَنْ عَارَضَهُمْ سَخِطَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَأَرْدَاهُ ﴿ يَا بَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ [الْأَعْرَافِ: 35- 36]، وَيُقَالُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِلَّذِينَ كَذَّبُوا الرُّسُلَ وَعَارَضُوهُمْ: ﴿ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ * قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ ﴾ [الزُّمَرِ: 71- 72].

 

وَإِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَبُو الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا مِنْ نَسْلِهِ، وَأَكْرَمَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِذَلِكَ لِإِيمَانِهِ وَيَقِينِهِ وَصَبْرِهِ، وَلِنُصْحِهِ فِي دَعْوَةِ قَوْمِهِ، وَمَا زَالَ اللَّهُ تَعَالَى يَبْتَلِيهِ حَتَّى بَلَغَ مَنْزِلَةَ الْخُلَّةِ، وَهِيَ أَعْلَى مَنَازِلِ الْمَحَبَّةِ، فَكَانَ خَلِيلًا لِلرَّحْمَنِ سُبْحَانَهُ بِنَصِّ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا ﴾ [النِّسَاءِ: 125]، وَعَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ: «أَنَّ مُعَاذًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَمَّا قَدِمَ الْيَمَنَ صَلَّى بِهِمُ الصُّبْحَ، فَقَرَأَ: ﴿ وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا ﴾ [النِّسَاءِ: 125]، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: لَقَدْ قَرَّتْ عَيْنُ أُمِّ إِبْرَاهِيمَ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَجَاءَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قِيلَ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَنْ أَكْرَمُ النَّاسِ؟ قَالَ: أَتْقَاهُمْ، فَقَالُوا: لَيْسَ عَنْ هَذَا نَسْأَلُكَ، قَالَ: فَيُوسُفُ نَبِيُّ اللَّهِ، ابْنُ نَبِيِّ اللَّهِ، ابْنِ نَبِيِّ اللَّهِ، ابْنِ خَلِيلِ اللَّهِ...» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.

 

وَهِيَ مَنْزِلَةٌ عَظِيمَةٌ لِإِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمْ يَبْلُغْهَا أَحَدٌ مِنَ الرُّسُلِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ سِوَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَدْ شَارَكَ إِبْرَاهِيمَ فِيهَا، كَمَا فِي حَدِيثِ جُنْدُبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ بِخَمْسٍ وَهُوَ يَقُولُ: «إِنِّي أَبْرَأُ إِلَى اللَّهِ أَنْ يَكُونَ لِي مِنْكُمْ خَلِيلٌ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدِ اتَّخَذَنِي خَلِيلًا كَمَا اتَّخَذَ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا، وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا مِنْ أُمَّتِي خَلِيلًا لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلًا...» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

 

فَاللَّهُ تَعَالَى قَدِ اتَّخَذَ إِبْرَاهِيمَ وَمُحَمَّدًا خَلِيلَيْنِ «وَالْخَلِيلُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ الصَّاحِبُ الْمُلَازِمُ الَّذِي لَا يَخْفَى عَنْهُ شَيْءٌ مِنْ أُمُورِ صَاحِبِهِ».

 

وَيُرَادُ بِالْخُلَّةِ نِهَايَةُ الْمَحَبَّةِ، «فَيُطْلَقُ الْخَلِيلُ بِمَعْنَى الْحَبِيبِ أَوِ الْمُحِبِّ لِمَنْ يُحِبُّهُ إِذَا كَانَتْ هَذِهِ الْمَحَبَّةُ خَالِصَةً مِنْ كُلِّ شَائِبَةٍ، بِحَيْثُ لَمْ تَدَعْ فِي قَلْبِ صَاحِبِهَا مَوْضِعًا لِحُبٍّ آخَرَ، فهي الْمَحَبَّةُ وَالْمَوَدَّةُ الَّتِي تَتَخَلَّلُ النَّفْسَ وَتُمَازِجُهَا، وَاللَّهُ يُحِبُّ الْأَصْفِيَاءَ مِنْ عِبَادِهِ وَيُحِبُّونَهُ، وَقَدْ كَانَ إِبْرَاهِيمُ كَامِلَ الْحُبِّ لِلَّهِ تَعَالَى؛ وَلِذَلِكَ عَادَى أَبَاهُ وَقَوْمَهُ وَجَمِيعَ النَّاسِ فِي حُبِّهِ تَعَالَى وَالْإِخْلَاصِ لَهُ».

 

وَلَمَّا سَأَلَ اللَّهَ تَعَالَى الْوَلَدَ رَزَقَهُ إِسْمَاعِيلَ عَلَى كِبَرٍ؛ فَابْتَلَاهُ اللَّهُ تَعَالَى بِتَرْكِ وَلَدِهِ بِمَكَّةَ طِفْلًا رَضِيعًا مَعَ أُمِّهِ بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ، لَيْسَ عِنْدَهُمْ أَحَدٌ إِلَّا اللَّهُ تَعَالَى، فَامْتَثَلَ الْخَلِيلُ أَمْرَ رَبِّهِ سُبْحَانَهُ، وَلَمَّا شَبَّ الْوَلَدُ، وَرُجِيَ نَفْعُهُ، وَأَحَبَّهُ إِبْرَاهِيمُ كَأَشَدِّ مَا يُحِبُّ وَالِدٌ وَلَدَهُ؛ اقْتَضَتِ الْخُلَّةُ أَنْ يُبْتَلَى بِذَبْحِهِ فِي رُؤْيَا مَنَامٍ -وَرُؤْيَا الْأَنْبِيَاءِ حَقٌّ- لِيَكُونَ أَشَدَّ بَلَاءً، وَأَعْسَرَ امْتِحَانًا، فَأُمِرَ بِذَبْحِهِ كَمَا تُذْبَحُ الشَّاةُ، وَلَمْ يُؤْمَرْ بِمُجَرَّدِ قَتْلِهِ، وَذَلِكَ أَشُدُّ عَلَى الْأَبِ الْمُحِبِّ لِوَلَدِهِ، فَامْتَثَلَ الْخَلِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَأَضْجَعَ وَلَدَهُ لِلذَّبْحِ، فَفَدَاهُ اللَّهُ تَعَالَى بِذِبْحٍ عَظِيمٍ؛ لِأَنَّ حِكْمَةَ اللَّهِ تَعَالَى كَانَتْ فِي ابْتِلَاءِ إِبْرَاهِيمَ، وَلَيْسَتْ فِي ذَبْحِ إِسْمَاعِيلَ، فَلَمَّا ثَبَتَ فِي الِابْتِلَاءِ كَانَ الْفِدَاءُ ﴿ فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ * وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ * وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ * وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ * سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ * كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الصَّافَّاتِ: 103-111]، فَبَرْهَنَ الْخَلِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّ حُبَّهُ لِوَلَدِهِ مَهْمَا بَلَغَ لَنْ يَكُونَ أَشَدَّ مِنْ حُبِّهِ لِرَبِّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وَأَنَّ حُبَّهُ لِلَّهِ تَعَالَى لَا يُزَاحِمُهُ حُبٌّ أَبَدًا، وَلَوْ كَانَ وَلَدًا جَاءَهُ عَلَى كِبَرٍ، وَتَعَلَّقَ قَلْبُهُ بِهِ، فَبَعْدَ هَذَا أَيَعْجَبُ أَحَدٌ أَنْ يَتَّخِذَ الرَّحْمَنُ سُبْحَانَهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا؟!

 

وممَا كَانَ سَبَبًا فِي بُلُوغِ الْخَلِيلِ عَلَيْهِ السَّلَامُ مَنْزِلَةَ الْخُلَّةِ، أنه كَانَ يَنْسُبُ لِلَّهِ تَعَالَى كُلَّ نِعْمَةٍ، وَيُنْزِلُ بِهِ كُلَّ فَاقَةٍ وَحَاجَةٍ، وَلَا يَسْأَلُ الْمَخْلُوقِينَ شَيْئًا، يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ فِي مُجَادَلَتِهِ لِقَوْمِهِ: ﴿ قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ * أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ * فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ * الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ * وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ * وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ * وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ * وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ ﴾ [الشُّعَرَاءِ: 75 - 82]، وَلَمَّا قُذِفَ فِي النَّارِ بَعْدَ أَنْ حَطَّمَ الْأَصْنَامَ قَالَ: «حَسْبِيَ اللَّهُ»، أَيْ: يَكْفِينِي، وَلَمْ يَطْلُبْ عَوْنَ أَحَدٍ إِلَّا اللَّهَ تَعَالَى، وَفِي الْآثَارِ أَنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ سَأَلَهُ وَهُوَ يُقْذَفُ فِي النَّارِ فَقَالَ لَهُ: «يَا إِبْرَاهِيمُ أَلَكَ حَاجَةٌ؟ قَالَ: أَمَّا إِلَيْكَ فَلَا» فَاسْتَحَقَّ بِإِيمَانِهِ وَيَقِينِهِ وَاسْتِغْنَائِهِ بِاللَّهِ تَعَالَى وَحْدَهُ عَنْ أَيِّ مَخْلُوقٍ مَنْزِلَةَ الْخُلَّةِ؛ تَكْرِيمًا لَهُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى.

 

فَذَلِكُمْ جَدُّكُمُ الْخَلِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، اجْتَبَاهُ رَبُّهُ وَاصْطَفَاهُ، وَجَعَلَ الْأَنْبِيَاءَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ؛ كَرَامَةً لَهُ وَلِلْمُؤْمِنِينَ مِنْ عَقِبِهِ.

 

بَارَكَ اللَّهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ...

 

الخطبة الثانية

الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

 

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوهُ ﴿ وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ﴾ [الْبَقَرَةِ: 281].

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: الْخُلَّةُ مَنْزِلَةٌ عَظِيمَةٌ اخْتُصَّ بِهَا النَّبِيَّانِ الْكَرِيمَانِ إِبْرَاهِيمُ وَمُحَمَّدٌ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ «وَالْخُلَّةُ هِيَ كَمَالُ الْمَحَبَّةِ الْمُسْتَلْزِمَةِ مِنَ الْعَبْدِ كَمَالَ الْعُبُودِيَّةِ لِلَّهِ تَعَالَى، وَمِنَ الرَّبِّ سُبْحَانَهُ كَمَالَ الرُّبُوبِيَّةِ لِعِبَادِهِ الَّذِينَ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ».

 

وَكُلُّ مَنِ ادَّعَى وَصْلًا بِالْخَلِيلِ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَزِمَهُ أَنْ يُثْبِتَ أَنَّهُ عَلَى مِلَّتِهِ الْحَنِيفِيَّةِ، وَإِلَّا كَانَتْ دَعْوَاهُ كَاذِبَةً، وَكَانَ انْتِسَابُهُ لِلْخَلِيلِ زَائِفًا، وَقَدِ ادَّعَى الْمُشْرِكُونَ فِي مَكَّةَ أَنَّهُمْ عَلَى إِرْثِ الْخَلِيلِ عَلَيْهِ السَّلَامُ، رَغْمَ أَنَّهُمْ بَدَّلُوهُ وَغَيَّرُوهُ، فَكَذَّبَ اللَّهُ تَعَالَى ادِّعَاءَهُمْ مُبَيِّنًا حَقِيقَةَ دِينِ الْخَلِيلِ: ﴿ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ [النَّحْلِ: 120]. وَادَّعَى الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى أَنَّهُمْ أَتْبَاعُ الْخَلِيلِ رَغْمَ أَنَّهُمْ غَيَّرُوا دِينَهُ، وَبَدَّلُوا مِلَّتَهُ، كَمَا فَعَلَ الْمُشْرِكُونَ فِي مَكَّةَ، فَكَذَّبَ اللَّهُ تَعَالَى دَعْوَاهُمْ، وَبَرَّأَ الْخَلِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنْهُمْ وَمِنْ شِرْكِهِمْ: ﴿ وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ [الْبَقَرَةِ: 135]، وَقَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿ مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ [آلِ عِمْرَانَ: 67]، ثُمَّ بَيَّنَ سُبْحَانَهُ أَنَّ أَتْبَاعَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، الْمُتَمَسِّكِينَ بِدِينِهِ هُمْ مَنْ حَقَّقَ دِينَ الْخَلِيلِ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَاتَّبَعَ مِلَّتَهُ؛ لِأَنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبَعْثَتِهِ قَدْ جَدَّدَ دِينَ الْخَلِيلِ، وَأَزَالَ عَنْهُ أَوْضَارَ الشِّرْكِ وَالْوَثَنِيَّةِ، الَّتِي أَلْصَقَهَا بِهِ الْمُشْرِكُونَ وَالْيَهُودُ وَالنَّصَارَى، فَالْمُسْلِمُونَ أَوْلَى بِالْخَلِيلِ عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنْ مُشْرِكِي الْعَرَبِ، وَمِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى بِنَصِّ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ: ﴿ إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [آلِ عِمْرَانَ: 68]. وَكُلُّ مُحَاوَلَةٍ لِخَلْطِ الْحَنِيفِيَّةِ الْإِبْرَاهِيمِيَّةِ الصَّافِيَةِ بِأَوْضَارِ شِرْكِ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ أَوْ تَحْرِيفَاتِ أَحْبَارِ الْيَهُودِ وَرُهْبَانِ النَّصَارَى فَهِيَ مِنْ تَغْيِيرِ دِينِ الْخَلِيلِ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَالْحَيْدَةِ عَنْ مِلَّتِهِ إِلَى الشِّرْكِ؛ لِأَنَّ التَّوْحِيدَ لَا يَتَّحِدُ مَعَ الشِّرْكِ، وَلِأَنَّ الْحَنِيفِيَّةَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ لَا تَقْبَلُ أَنْ يُخْلَطَ بِهَا غَيْرُهَا، وَلَا أَنْ يُدْخَلَ فِيهَا مَا لَيْسَ مِنْهَا، وَهَذَا مِنَ التَّلْبِيسِ عَلَى النَّاسِ، وَقَدْ نَهَى اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَهْلَ الْكِتَابِ: ﴿ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [آلِ عِمْرَانَ: 71]، وَفِي آيَةٍ أُخْرَى: ﴿ وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [الْبَقَرَةِ: 42].

 

وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ...






 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • دروس من إيجابية الخليل عليه السلام
  • رحلة مع الخليل عليه السلام
  • ثناء الخليل عليه السلام على ربه سبحانه (خطبة)
  • الخليل عليه السلام (1) (ملة إبراهيم حنيفا)
  • الخليل عليه السلام (3) (إن إبراهيم كان أمة قانتا لله)
  • الخليل عليه السلام (4) ﴿ جاء ربه بقلب سليم ﴾
  • الخليل عليه السلام (5) تغيير دين الخليل
  • الخليل عليه السلام (6) {إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه}
  • الخليل عليه السلام (7) ﴿ وإذ يرفع إبراهيم القواعد من الببت ﴾
  • الخليل عليه السلام (9): { ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه }
  • بين الخليل عليه السلام وأبيه (خطبة)
  • الخليل عليه السلام (10) {وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر أتتخذ أصناما آلهة}
  • الخليل عليه السلام (11) {ولقد جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى}

مختارات من الشبكة

  • على خطى الخليل عليه السلام: قيمة البر(مقالة - آفاق الشريعة)
  • على خطى الخليل عليه السلام: قيمة الدعاء للذرية(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الخليل عليه السلام (8): {وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن} (خطبة)(مقالة - موقع الشيخ إبراهيم بن محمد الحقيل)
  • مخطوطة مثير الغرام وخلاصة الكلام في فضل زيارة سيدنا الخليل عليه السلام(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • من دعوات الخليل عليه السلام (٢) ويليه من فضل عشر ذي الحجة(محاضرة - موقع د. صغير بن محمد الصغير)
  • من دعوات الخليل عليه السلام ووصيته لبنيه (١)(محاضرة - موقع د. صغير بن محمد الصغير)
  • مخطوطة فضل زيارة الخليل عليه السلام وموضع قبره وقبور أبنائه الكرام(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • الصفات التي اتصف بها الخليل - عليه السلام - في مجتمعه(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الصفات التي اتصف بها إبراهيم الخليل -عليه السلام-(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الخليل إبراهيم عليه السلام في الكتاب والسنة: دعوته وهجراته ورد شبه المستشرقين(رسالة علمية - ملفات خاصة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 13/11/1446هـ - الساعة: 23:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب