• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات   بحوث ودراسات   إبهاج المسلم بشرح صحيح مسلم   الدر الثمين   سلسلة 10 أحكام مختصرة   فوائد شرح الأربعين   كتب   صوتيات   مواد مترجمة  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    10 مسائل مهمة ومختصرة في: شهر الله المحرم
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    10 مسائل مهمة ومختصرة في الأضحية (PDF)
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    10 مسائل مهمة ومختصرة في 10 ذي الحجة (PDF)
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    الدعاء لمن أتى بصدقة
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    حديث: صدقة لم يأكل منها
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    حديث: هو لها صدقة، ولنا هدية
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    باب: (ترك استعمال آل النبي على الصدقة)
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    حديث: «كخ كخ، ارم بها، أما علمت أنا لا نأكل ...
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    شرح حديث: سيخرج في آخر الزمان قوم أحداث الأسنان ...
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    التعريف بالخوارج وصفاتهم
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    حديث: ألا تأمنوني؟ وأنا أمين من في السماء
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    إعطاء المؤلفة قلوبهم على الإسلام وتصبر من قوي ...
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    إعطاء المؤلفة قلوبهم على الإسلام وتصبر من قوي ...
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    إعطاء المؤلفة قلوبهم من الزكاة
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    باب: (إعطاء من سأل بفحش وغلظة) (2)
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    باب: (إعطاء من سأل بفحش وغلظة) (1)
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
شبكة الألوكة / المواقع الشخصية / مواقع المشايخ والعلماء / الشيخ إبراهيم بن محمد الحقيل / خطب منبرية
علامة باركود

الفساد المالي والإداري (2)

الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل

المصدر: تاريخ الخطبة: 15 من شوال 1428هـ.
مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 29/10/2007 ميلادي - 17/10/1428 هجري

الزيارات: 28759

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الفساد المالي والإداري (2)

هدايا الموظفين


الحمد لله وحده ﴿ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ القَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [يوسف:40] نحمده حمد الشاكرين، ونستغفره استغفار المذنبين، ونسأله من فضل العظيم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك؛ الخير بيديه، والشر ليس إليه ﴿ وَآَتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ الله لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ ﴾ [إبراهيم:34] وأشهد أن محمدا عبده ورسوله؛ بلغنا رسالات ربنا، ونصح لنا؛ فلا خير إلا دلنا عليه، ولا شر إلا حذرنا منه.. تركنا على بيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين.


أما بعد: فاتقوا الله تعالى وأطيعوه ﴿ وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى الله ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ﴾ [البقرة:281].


أيها الناس: كلما تقادم عهد النبوة، واقترب الناس من القيامة؛ قلَّ الدين في الناس، وفسدت الأخلاق، ومرجت العهود، وضُيعت الأمانات، ولا يأتي على الناس زمان إلا والذي بعده شر منه، وروى أبو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا ضُيِّعَتْ الْأَمَانَةُ فَانْتَظِرْ السَّاعَةَ) رواه البخاري. وقال ابن مسعود رضي الله عنه: أول ما تفقدون من دينكم الأمانة.

 

وإذا فقدت الأمانة بين الناس ضاعت الحقوق، واضمحل العدل، وانتشر الظلم، وحينئذ يرفع الأمن، ويسود الخوف.


والشريعة الربانية قد أكدت على وجوب أداء الأمانة، وحرمت الخيانة، وسدَّت كلَّ الطرق المفضية إليها؛ حتى إنها منعت ما هو مندوب في الأصل إذا أفضى إلى محرم تفسد به الذمم، وتقتطع الحقوق، ويعطى من لا يستحق، ويمنع المستحق؛ كما حرمت الشريعة الهدية لذوي الولايات والوظائف، إذا بذلت لهم لأجل مناصبهم ووظائفهم وجعلتها رشوة، مع أن الهدية مأمور بها شرعا، ومندوب إليها، وفي الحديث: (تَهَادَوْا فإن الْهَدِيَّةَ تُذْهِبُ وَغَرَ الصَّدْرِ) رواه أحمد. والرشوة ملعون دافعها وآخذها والساعي بينهما؛ إذ (لَعَنَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم الرَّاشِي وَالْمُرْتَشِي) رواه أبو داود.

 

فما أبعد ما بين الهدية المأمور بها، والرشوة الممنوع منها، ومع ذلك كانت الهدية رشوة في المواضع التي تكون سببا لفساد الذمم، وضياع الأمانة، وإهدار الحقوق.


وأصحاب الولايات كالأمراء والوزراء والمحافظين والقضاة والمديرين ووكلائهم والموظفين تحت ولاياتهم صغروا أم كبروا، ممن يحتاج الناس إليهم؛ إنما نُصِبوا في ولاياتهم لخدمة الناس، وإدارة شؤونهم، ورعاية مصالحهم، وإقامة العدل فيهم، ورفع الظلم عنهم، ويأخذون أجورهم على أعمالهم من بيت المال.


وهكذا من يعملون في الشركات والمؤسسات وغيرها إنما يخدمون من شَغَّلَوهم فيها، ويتقاضون أجورهم منهم، فلا بدَّ أن يبذلوا النصح في أعمالهم، ويحقوا الحق، ويؤدوا الأمانة، مراقبين الله تعالى في وظائفهم.


ولما كان الناس محتاجين إلى ذوي الولايات والمناصب والوظائف في قضاء حاجاتهم؛ فإن كثيرا منهم يتوددون لهم، ويتزلفون إليهم، وربما بذلوا في سبيل ذلك الوسائط من الهدايا والأموال والولائم والخدمات وغيرها؛ لنيل حقوقهم منهم، أو للحصول على ما لا حق لهم فيه، أو لتقديمهم على غيرهم، حتى إن بعض أهل المناصب والوظائف يملكون في زمن قليل ثروات طائلة لو استغرقوا أعمارهم كلها في جمعها من أرزاقهم ما جمعوها، ولكنها هدايا الناس وصِلَاتُهم التي لولا مناصبهم ووظائفهم ما ظفروا بشيء منها.

 

وأضحى الخبيرين في هذا الباب يدلون غيرهم على مفاتيح من لهم حاجة عندهم، وكيف تقضى حاجاتهم، وما يناسب بذله لهم من أجل ذلك.


وهذه الهدايا التي تبذل لهؤلاء الموظفين لأجل وظائفهم قد منعت الشريعة منها سواء كانت مالا أم متاعا أم ولائم أم خدمات أم غيرها، ولا حق لهم فيها؛ إذ لولا وظائفهم ما بذلت لهم، فحُرِّم بذلها على الباذلين، كما حُرِّم أخذها على العاملين، ولا يحل لموظف صغيرا كان أم كبيرا أن يماطل في حقوق الناس، أو يؤخر معاملاتهم؛ لأجل أن يبذلوا له شيئا، أو يتقربوا إليه بصنيعة.


كما لا يحل له أن يقبل هدية بذلت إليه ممن له مصلحة عنده ولو لم يشارطه عليها؛ لأنها تؤثر في قلبه، فيقدمه على غيره، أو يتجاوز عن نقص أو خلل في معاملته لأجل هديته؛ وذلك من تضييع الأمانة وغش المسلمين.


والأصل في منع هدايا الموظفين وتحريمها حديثُ أبي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ رضي الله عنه قال: (اسْتَعْمَلَ رسول الله صلى الله عليه وسلم رَجُلًا على صَدَقَاتِ بَنِي سُلَيْمٍ يُدْعَى بن الْلَّتَبِيَّةِ، فلما جاء حَاسَبَهُ، قال: هذا مَالُكُمْ وَهَذَا هَدِيَّةٌ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فَهَلَّا جَلَسْتَ في بَيْتِ أَبِيكَ وَأُمِّكَ حتى تَأْتِيَكَ هَدِيَّتُكَ إن كُنْتَ صَادِقًا؟! ثُمَّ خَطَبَنَا فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عليه، ثُمَّ قال: أَمَّا بَعْدُ: فَإِنِّي استعمل الرَّجُلَ مِنْكُمْ على الْعَمَلِ مِمَّا وَلَّانِي الله فَيَأْتِي فيقول هذا مَالُكُمْ وَهَذَا هَدِيَّةٌ أُهْدِيَتْ لي أَفَلَا جَلَسَ في بَيْتِ أبيه وَأُمِّهِ حتى تَأْتِيَهُ هَدِيَّتُهُ؟! والله لَا يَأْخُذُ أَحَدٌ مِنْكُمْ شيئا بِغَيْرِ حَقِّهِ إلا لَقِيَ اللَّهَ يَحْمِلُهُ يوم الْقِيَامَةِ فَلَأَعْرِفَنَّ أَحَدًا مِنْكُمْ لَقِيَ اللَّهَ يَحْمِلُ بَعِيرًا له رُغَاءٌ أو بَقَرَةً لها خُوَارٌ أو شَاةً تَيْعَرُ، ثُمَّ رَفَعَ يَدَهُ حتى روي بَيَاضُ إِبْطِهِ يقول: اللهم هل بَلَّغْتُ) رواه الشيخان.

 

وروى بُرَيْدَةُ رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من اسْتَعْمَلْنَاهُ على عَمَلٍ فَرَزَقْنَاهُ رِزْقًا فما أَخَذَ بَعْدَ ذلك فَهُوَ غُلُولٌ) رواه أبو داود.


قال الخطابي رحمه الله تعالى: (في هذا بيان أن هدايا العمال سحت، وأنه ليس سبيلها سبيل سائر الهدايا المباحة، وإنما يهدى إليه للمحاباة، وليخفف عن المهدي، ويسوغ له بعض الواجب عليه، وهو خيانة، وبخس للحق الواجب عليه استيفاؤه لأهله).اهـ. معالم السنن بحاشية أبي داود3 /355.


هذا؛ وقد كان سلفنا الصالح رحمهم الله تعالى يتورعون عن قبول الهدايا؛ خوفاً من الشبهة، وخصوصاً إذا تقلد أحدهم عملاً من أعمال المسلمين، كما عقد البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه باباً لذلك قال فيه: (باب من لم يقبل الهدية لعلة) ثم ساق البخاري قول عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى: (كانت الهدية في زمن رسول الله هدية، واليوم رشوة).


وقصة ذلك ما روى عمرو بن مهاجر رحمه الله تعالى قال: (اشتهى عمر بن عبد العزيز تفاحا فقال: لو كان عندنا شيء من تفاح فإنه طيب الريح طيب الطعم، فقام رجل من أهل بيته فأهدى إليه تفاحا، فلما جاء به الرسول قال عمر: ما أطيب ريحه وأحسنه! ارفعه يا غلام، وأقرئ فلانا السلام، وقل له: إن هديتك وقعت عندنا بحيث نحب، قال عمرو بن مهاجر: فقلت له: يا أمير المؤمنين، ابن عمك ورجل من أهل بيتك وقد بلغك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة! فقال: ويحك! إن الهدية كانت للنبي صلى الله عليه وسلم هدية وهي لنا اليوم رشوة).

 

فإن كانت الهدية لمن يحكم بين الناس كالقاضي ونحوه فالإثم أكبر، والخطر أشد؛ لما يلحقه من تهمة تغيير أحكام الله تعالى، ورفضه للعدل، وإقراره للظلم بسبب ما أهدي إليه.


قال الشوكاني رحمه الله تعالى: (وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْهَدَايَا التي تُهْدَى لِلْقُضَاةِ وَنَحْوِهِمْ هِيَ نَوْعٌ من الرِّشْوَةِ؛ لِأَنَّ الْمُهْدِيَ إذَا لم يَكُنْ مُعْتَادًا لِلْإِهْدَاءِ إلَى الْقَاضِي قبل وِلايَتِهِ لا يُهْدِي إلَيْهِ إلَّا لِغَرَضٍ وهو: إمَّا التَّقَوِّي بِهِ على بَاطِلِهِ، أو التَّوَصُّلُ لِهَدِيَّتِهِ له إلَى حَقِّهِ، وَالْكُلُّ حَرَامٌ، وَأَقَلُّ الْأَحْوَالِ أَنْ يَكُونَ طَالِبًا لِقُرْبِهِ من الْحَاكِمِ وَتَعْظِيمِهِ وَنُفُوذِ كَلامِهِ وَلا غَرَضَ له بِذَلِكَ إلَّا الاسْتِطَالَةَ على خُصُومِهِ، أو الْأَمْنَ من مُطَالَبَتِهِمْ له، فَيَحْتَشِمُهُ من له حَقٌّ عليه، وَيَخَافُهُ من لا يَخَافُهُ قبل ذلك، وَهَذِهِ الْأَغْرَاضُ كُلُّهَا تؤول إلَى ما آلَتْ إلَيْهِ الرِّشْوَةُ، فَلْيَحْذَرْ الْحَاكِمُ الْمُتَحَفِّظُ لِدِينِهِ، الْمُسْتَعِدُّ لِلْوُقُوفِ بين يَدَيْ رَبِّهِ من قَبُولِ هَدَايَا من أَهْدَى إلَيْهِ بَعْدَ تَوَلِّيهِ لِلْقَضَاءِ؛ فإن لِلْإِحْسَانِ تَأْثِيرًا في طَبْعِ الْإِنْسَانِ، وَالْقُلُوبُ مَجْبُولَةٌ على حُبِّ من أَحْسَنَ إلَيْهَا، فَرُبَّمَا مَالَتْ نَفْسُهُ إلَى الْمُهْدِي إلَيْهِ مَيْلًا يُؤَثِّرُ الْمَيْلُ عن الْحَقِّ عِنْدَ عُرُوضِ الْمُخَاصَمَةِ بين الْمُهْدِي وَبَيْنَ غَيْرِهِ وَالْقَاضِي لا يَشْعُرُ بِذَلِكَ وَيَظُنُّ أَنَّهُ لم يَخْرُجْ عن الصَّوَابِ بِسَبَبِ ما قد زَرَعَهُ الْإِحْسَانُ في قَلْبِهِ وَالرِّشْوَةُ لا تَفْعَلُ زِيَادَةً على هذا).اهـ.


ألا فليتق الله تعالى كل عبد ولي ولاية صغيرة كانت أم كبيرة، وليؤد الأمانة في ولايته، وليحذر من بخس الحقوق، واستحلال الرشاوى باسم الهدايا؛ فإن العبرة بالمعاني لا بالمسميات، قال أصحاب جندب بن عبد الله رضي الله عنه له: أوصنا، فقال رضي الله عنه: (إِنَّ أَوَّلَ ما يُنْتِنُ من الْإِنْسَانِ بَطْنُهُ فَمَنْ اسْتَطَاعَ أَنْ لَا يَأْكُلَ إلا طَيِّبًا فَلْيَفْعَلْ) رواه البخاري.


بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم....


الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا أمن إلا للمؤمنين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.


أما بعد: فاتقوا الله تعالى وأطيعوه عباد الله واعلموا أن كل جسد نبت من سحت في النار أولى به ﴿ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة:188].

أيها المسلمون: إذا أُهدي للموظف هديةٌ لأجل وظيفته فيجب عليه ردها وعدم قبولها، كما يجب عليه أن ينكر على باذلها، ويبين له أنها رشوة لا يحل بذلها ولا أخذها. فإن لم يستطع الإنكار عليه؛ لقوته ونفوذه وقد يضره فلا يقبلها ولا يحابيه من أجلها، بل يحق الحق ويبطل الباطل، فإن لم يقدر على ذلك استعفى من البت في معاملته لتحال على غيره، وذلك أقل ما يجب عليه لاجتناب الوقوع في الإثم.

فإن قبل الموظفُ هدية أهديت إليه لأجل وظيفته؛ جهلا بالحكم، أو تهاونا بالتحريم؛ فلا يستحلها، ولا يتصرف فيها بل يردها إلى بيت المال؛ لأنها ليست ملكا له دون سائر المسلمين، ويتوب إلى الله تعالى من قبول ما أُهدي إليه لأجل منصبه أو وظيفته؛ لعموم قول النبي عليه الصلاة والسلام: (من اسْتَعْمَلْنَاهُ مِنْكُمْ على عَمَلٍ فليجيء بِقَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ) رواه مسلم.

وروى مَالِكٌ في الموطأ عن زَيْدِ بن أسلم عن أبيه أنه قال: (خَرَجَ عبدُ الله وَعُبَيْدُ الله ابْنَا عُمَرَ بنِ الْخَطَّابِ في جَيْشٍ إلى الْعِرَاقِ فلما قَفَلاَ مَرَّا على أبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ وهو أَمِيرُ الْبَصْرَةِ فَرَحَّبَ بِهِمَا وَسَهَّلَ، ثُمَّ قال: لو أقدر لَكُمَا على أَمْرٍ أنفعكما بِهِ لَفَعَلْتُ، ثُمَّ قال: بَلَى، هَا هُنَا مَالٌ من مَالِ الله أُرِيدُ أن أبعث بِهِ إلى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ فَأُسْلِفُكُمَاهُ فَتَبْتَاعَانِ بِهِ مَتَاعًا من مَتَاعِ الْعِرَاقِ ثُمَّ تَبِيعَانِهِ بِالْمَدِينَةِ، فَتُؤَدِّيَانِ رَأْسَ الْمَالِ إلى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَيَكُونُ الرِّبْحُ لَكُمَا، فَقَالاَ: وَدِدْنَا ذلك، فَفَعَلَ وَكَتَبَ إلى عُمَرَ بن الْخَطَّابِ أن يَأْخُذَ مِنْهُمَا الْمَالَ، فلما قَدِمَا بَاعَا فَأُرْبِحَا، فلما دَفَعَا ذلك إلى عُمَرَ قال: أَكُلُّ الْجَيْشِ أَسْلَفَهُ مِثْلَ ما أسلفكما؟ قَالاَ: لاَ، فقال عُمَرُ بن الْخَطَّابِ: ابْنَا أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ فَأَسْلَفَكُمَا، أَدِّيَا الْمَالَ وَرِبْحَهُ، فَأَمَّا عبدُ الله فَسَكَتَ وأما عُبَيْدُ الله فقال: ما ينبغي لك يا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ هذا، لو نَقَصَ هذا الْمَالُ أو هَلَكَ لَضَمِنَّاهُ، فقال عُمَرُ: أَدِّيَاهُ، فَسَكَتَ عبدُ الله وَرَاجَعَهُ عُبَيْدُ الله، فقال رَجُلٌ من جُلَسَاءِ عُمَرَ: يا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لو جَعَلْتَهُ قِرَاضًا، فقال عُمَرُ: قد جَعَلْتُهُ قِرَاضًا، فَأَخَذَ عُمَرُ رَأْسَ الْمَالِ وَنِصْفَ رِبْحِهِ، وَأَخَذَ عبدُ الله وَعُبَيْدُ الله ابْنَا عُمَرَ بن الْخَطَّابِ نِصْفَ رِبْحِ الْمَالِ).

أيها الإخوة: لقد استهان كثير من الناس بهذا الباب الخطير، وهو سبب فساد الذمم، وشراء الضمائر، والمماطلة في الحق، والتقاعس عن أداء الواجب إلا برشوة أو هدية يبذلها صاحب الحق.

وتالله إن ذلك لمن أهم أسباب تخلف المسلمين وانحطاطهم؛ إذ لما عمت هذه الأخلاق الرديئة كثيرا من بلدان المسلمين توقف نماؤها، واستشرى فسادها، وخربت إداراتها، وتعطلت مصالحها، وصار المرء يعمل لنفسه لا لبلده وأمته، ويسعى في ملئ خزائنه بالمال، ولو كان في ذلك انتهاك الشريعة ومخالفة النظام، ولو كان فيه خراب الديار والعمران، وعمَّ ذلك مجتمعات المسلمين أو يكاد، ولم يسلم منه قادر عليه صغيرا كان أم كبيرا، إلا من سلمه الله تعالى، وقليل ما هم.

وبسبب ذلك ساد في كثير من الديار السفلة والأراذل الذين يفسدون ولا يصلحون، سادوا بما جمعوا من أموال محرمة جلبت لهم جاها لا يستحقونه، فخربت البلدان بسببهم، وانزوى الأمناءُ المصلحون الناصحون، وخمل ذكرهم؛ لأن البيئات المتلوثة بالرشوة والغش والسحت وأكل الحرام وممارسته وتسويغه لا مكان فيها للأمناء والمصلحين الناصحين.

وما تقدمت بلاد الغرب على بلاد المسلمين بذكاء في عقول أبنائها، ولا بفساد أخلاقها وأعراضها، وتحرر نسائها؛ كما يقول أهل الغش والتدليس والتغريب من دعاة الفساد والإفساد، ولكنها تقدمت بأنظمة صارمة تجاه الغش والرشوة وجميع أنواع الفساد الإداري والمالي، لا محاباة فيها لأحد، ويؤاخذ بها الكبير والصغير على حدٍ سواء.

ولا سبيل لنجاة الفرد من عذاب الله تعالى إلا بمراقبته في السر والعلن، والخوف منه، قبل الخوف من الجهات الرقابية، ولا سبيل لنهضة الأمة وتقدمها، وانتشالها من الجهل والتخلف إلا بإقامة العدل، ورفع الظلم، واستعمال الأمين، وإقصاء الخائن، ومكافأة المحسن، ومعاقبة المسيء، ومحاسبة المقصر، وعدم محاباة أحد في ذلك، كبيرا كان أم صغيرا، وإلا كان المزيد من التخلف والانحطاط والذل والتبعية، ولن يكون حالنا إلا كحال بني إسرائيل من قبل: إذا سرق فيهم الشريف قطعوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد.

ألا فاتقوا الله ربكم أيها المسلمون وراقبوه في وظائفكم ومكاتبكم؛ فإنه مطلع على سركم وعلانيتكم، ومحاسبكم على أعمالكم ﴿ يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ ﴾ [الحاقَّة:18].

فأعدوا لما ستسألون عنه جوابا، وإنكم لمسئولون عن أموالكم من أين اكتسبتموها، وأين أنفقتموها، ولا تنظروا إلى من تخوضوا في المال الحرام كم جمعوا؛ فإنهم زائلون عن جمعهم، وأموالهم تثقل ظهورهم، ومن اغتصب شبرا من الأرض طوقه يوم القيامة من سبع أرضين فاحذروا ثم احذروا.

وصلوا وسلموا على نبيكم....

 





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • الفساد المالي والإداري (1)
  • مراقبة الدولة للأسواق المالية المعاصرة
  • الغلول
  • الاقتصاد الإسلامي يتقدم لإنقاذ العالم
  • أكل المال الحرام
  • داء المحسوبيات
  • الفساد المالي والإداري (4)
  • الفساد المالي والإداري (3)
  • الكسب الحلال
  • الفساد الأعظم
  • الفساد الإداري ومظاهره
  • الفساد المالي والإداري (5)
  • قراءة في كتاب: الفساد الإداري وجرائم إساءة استعمال السلطة الوظيفية
  • ظاهرة الفساد: ماهيتها ومظاهرها وأشكالها
  • الاستخلاف المالي في الإسلام
  • خطبة عن الفساد المالي

مختارات من الشبكة

  • الفساد الإداري(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • منهج السنة النبوية في محاربة الفساد الإداري (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أسس مكافحة الفساد الإداري والمالي في ضوء السنة النبوية (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • الفساد الإداري والمالي ( خطبة )(مقالة - موقع الشيخ أحمد بن عبدالرحمن الزومان)
  • من أوجه الفساد المالي (2) المتاجرة في الخمر(مقالة - آفاق الشريعة)
  • من أوجه الفساد المالي (1) الرشوة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • ملخص بحث: المحسوبية والواسطة وأثرهما في الفساد الاقتصادي والإداري (بحث ثاني)(مقالة - الإصدارات والمسابقات)
  • بشاعة الفساد وقول الله تعالى: (والله لا يحب الفساد)(محاضرة - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)
  • الفساد وحش متعدد الرؤوس(مقالة - موقع د. زيد بن محمد الرماني)
  • الفساد الإداري وخطره على المجتمع(مقالة - آفاق الشريعة)

 


تعليقات الزوار
1- وفقكم الله
ابن الإسلام - مصر 18-03-2009 01:29 PM
إن الله قسّم بينكم أخلاقكم كما قسّم بينكم أرزاقكم ، وإن الله يعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب ، ولا يعطي الدين إلا من يحب ، فمن أعطاه الله الدين فقد أحبه ، ولا يكسب عبد مالاً حراما فينفق منه فيبارَك له فيه ولا يُتصدق منه فيقبل منه ولا يتركه خلف ظهره إلا كان زاده إلى النار ، إن الله لا يمحو السيئ بالسيئ ولكن يمحو السيئ بالحسن "
1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 16:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب