• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات   بحوث ودراسات   إبهاج المسلم بشرح صحيح مسلم   الدر الثمين   سلسلة 10 أحكام مختصرة   فوائد شرح الأربعين   كتب   صوتيات   مواد مترجمة  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    10 مسائل مهمة ومختصرة في: شهر الله المحرم
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    10 مسائل مهمة ومختصرة في الأضحية (PDF)
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    10 مسائل مهمة ومختصرة في 10 ذي الحجة (PDF)
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    الدعاء لمن أتى بصدقة
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    حديث: صدقة لم يأكل منها
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    حديث: هو لها صدقة، ولنا هدية
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    باب: (ترك استعمال آل النبي على الصدقة)
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    حديث: «كخ كخ، ارم بها، أما علمت أنا لا نأكل ...
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    شرح حديث: سيخرج في آخر الزمان قوم أحداث الأسنان ...
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    التعريف بالخوارج وصفاتهم
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    حديث: ألا تأمنوني؟ وأنا أمين من في السماء
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    إعطاء المؤلفة قلوبهم على الإسلام وتصبر من قوي ...
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    إعطاء المؤلفة قلوبهم على الإسلام وتصبر من قوي ...
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    إعطاء المؤلفة قلوبهم من الزكاة
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    باب: (إعطاء من سأل بفحش وغلظة) (2)
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    باب: (إعطاء من سأل بفحش وغلظة) (1)
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
شبكة الألوكة / المواقع الشخصية / مواقع المشايخ والعلماء / الشيخ إبراهيم بن محمد الحقيل / خطب منبرية
علامة باركود

الشيخ عبد العزيز بن باز

الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 8/9/2007 ميلادي - 25/8/1428 هجري

الزيارات: 57182

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الشيخ عبد العزيز بن باز

 

الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَنْ يهده الله فلا مضلَّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلَّى الله وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه، ومَنِ اهتدى بهداهم إلى يوم الدين.

 

أما بعد فيا أيها الناس:

اتقوا الله تعالى واعملوا صالحًا: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾ [الحشر: 18].

أيها المؤمنون:

كلما تقادمت الأرض؛ كَثُرَ خرابها، وقلَّ صلاحها؛ حتى تقوم الساعة وما في الأرض مَنْ يقول: ربِّيَ الله! وخراب الأرض ليس خراب عمران، أو نقص موارد: ﴿ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا وَاللهُ يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الحِسَابِ ﴾ [الرعد: 41].

 

قال ابن عباس رضيَ الله عنهما: "خرابها بموت علمائها وفقائها، وأهل الخير منها"[1]، وقال مجاهدٌ رحمه الله تعالى: "هو موت العلماء"[2].

 

يزداد النقص فيها شيئًا فشيئًا؛ حتى يُرفع العلم، ويَثبت الجهل، وذلك من أشراط الساعة؛ كما أخبر بذلك رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم[3].

 

ولذهاب العلم كيفيةٌ ذكرها رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بقوله: ((إن الله لا يقبض العلم انتزاعًا ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقَبْض العلماء، حتى إذا لم يُبْقِ عالمًا؛ اتخذ الناس رؤوسًا جهَّالاً، فسُئلوا فأفتوا بغير علمٍ؛ فضلُّوا وأضلُّوا))؛ أخرجه البخاري ومسلم[4].

 

وقال ابن عباس لما مات زيد بن ثابت: "مَنْ سرَّه أن ينظر كيف ذهاب العلم؛ فهكذا ذهابه"[5].

 

وما من شكٍّ في أن العلم إذا ذهب بقَبْض العلماء كَثُرَ الجهل، وإذا كَثُرَ الجهل كَثُرَ الفساد، وقلَّ الصلاح؛ فلا يُؤمر بمعروف، ولا يُنهى عن منكر؛ قال النبيُّ عليه الصَّلاة والسَّلام: ((لا تقوم الساعة حتى يأخذ الله شريطته من أهل الأرض، فيبقى فيها عَجَاجَة لا يعرفون معروفًا ولا ينكرون منكرًا))؛ أخرجه الإمام أحمد[6].

وإذا وقع ذلك فلا تَسَلْ عن الفتن والمصائب؛ لأنها من الكثرة بما لا يُتَصَوَّر؛ كما قال النبيُّ عليه الصَّلاة والسَّلام: ((يوشَك أن يُغرْبَل الناس غَرْبَلَةً، وتبقى حُثالةٌ منَ الناس قد مَرجت عهودهم وأماناتهم، وكانوا هكذا...))، وشبك بين أصابعه. أخرجه أحمد[7].

 

وإذا أردتم أن تشاهدوا ما أخبرتْ به هذه الأحاديث واقعًا محسوسًا؛ فانظروا إلى أحوال بلادٍ ذهب علماؤها ومصلحوها، وكَثُرَ مفسدوها، وترأَّسها جُهَّالٌ؛ تجدوا أحوالها مُزرِيَة، وجهل أهلها مركَّبًا؛ تراهم يتعلَّقون بالمخلوق دون الخالق، ويتقرَّبون إلى الله تعالى بما يغضبه، يطوفون بالقبور، ويذبحون لها، ويستغيثون بها، ويدعونها من دون الله تعالى، ويظنُّون ذلك قربةً، ويحسبون أنهم على شيءٍ وهم في الباطل والضَّلال: ﴿ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا ﴾ [الكهف: 104]، وإذا وُجِدَ الشِّرك فما هو أقل منه أوْلى أن يوجد من البدع والخرافات، والكبائر والموبقات، والانحرافات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأخلاقية وغيرها.

وهذا يُبرز أهمية وقيمة العلماء الربَّانيين - علماء الملَّة والدين - ولا يدرك ذلك إلاَّ مَنْ عاش أو رأى الجاهلية الأولى، وهل يدرك قيمة الصحَّة إلاَّ مَنْ مرض أو رأى مريضًا متألِّمًا؟! وهل يعرف معنى الحرية إلاَّ مَنْ حُبس أو شاهد حبيسًا؟!

 

والأمَّة الإسلامية في مشارق الأرض ومغاربها تحتسب على الله تعالى وفاةَ عَلَمِ أعلامها، وإمام أئمتها في عصره؛ سماحة الشيخ أبي عبدالله بن باز، وتَحْسَب أنه إمام العلماء الربَّانيين في وقته؛ علمًا وفقهًا، وزهدًا وورعًا، وسَمْتًا وخُلُقًا، ودعوةً وجهادًا.

 

ذلك الشيخ الذي أطبق المؤمنون من أمَّة محمدٍ صلَّى الله عليه وسلَّم في مشارق الأرض ومغاربها في هذا العصر على محبَّته وتوقيره.

 

إن هذا الإمام المبجَّل، الذي وُدِّع الجمعة الماضية، وألقى عليه محبُّوه آخِر نظرةٍ في الدنيا - ما هو إلا حلْقة في سلسلة متصلة من أعلام الإسلام وعظمائه، تضرب في تاريخ الأمة منذ القرن الأول الهجري، قبل ما يزيد على ألف وأربعمائة سنة، تناقلوا الحقَّ جيلاً بعد جيل، وطائفةً بعد طائفة، وإمامًا من بعد إمام. وستظل هذه السلسلة متَّصلة إلى أن يأتي أمر الله تعالى؛ كما ثبت ذلك عن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم.

 

ورغم الإيمان بهذا، فإن الأمَّة تحزن لفراق أئمتها، وتَجِـدُ على موت علمائها، وتظلم الدنيا على أفراد كانوا يعيشون على مائدة علمٍ ثم فقدوها، وليس هذا الأمر جديدًا ولا عجبًا؛ بل هو قديمٌ ومعقولٌ.

لمَّا مات زيد بن ثابت رضيَ الله عنه قال أبو هُرَيْرَة رضيَ الله عنه: "مات حَبْر الأمَّة، ولعلَّ الله أن يجعل في ابن عباس منه خَلَفًا"[8]؛ فكان ابن عباس رضيَ الله عنهما نِعْمَ الخَلَف لمَنْ سَلَف، ثمَّ لمَّا مات ابن عباس رضيَ الله عنهما قال جابر بن عبدالله رضيَ الله عنهما: "مات أعلم الناس، وأحلم الناس، ولقد أصيبت به هذه الأمَّة مصيبةً لا تُرْتَق"[9].

 

نعم والله، إنَّ وَجْدَ الأمَّة على علمائها عظيمٌ، وأساها على فراق أئمتها كبيرٌ، وإذا كانت أسرة العالم تفقد وليَّها؛ فإن أسرته العلمية من إخوانه العلماء وطلاَّبه أشدُّ فَرَقًا على فَقْدِه؛ لأنهم فقدوا مَنْ يستشيرونه ويسألونه ويستفتونه.

 

لما حضرت معاذَ بن جبل الوفاةُ، رأى رجلاً يبكي؛ فقال رضيَ الله عنه: "ما يبكيكَ؟ قال: ما أبكي على دنيا كنت أصبتها منكَ؛ ولكن أبكي على العلم الذي كنتُ أصيبه منكَ. فقال رضيَ الله عنه: ولا تَبْكِهِ؛ فإنَّ إبراهيم صلوات الله عليه كان في الأرض، وليس بها علمٌ؛ فآتاه الله عِلْمًا"[10].

 

نعم والله، إن طلاب العلم أكثر تأثُّرًا لفراقه وفَقْده، وكذلك يفقده إخوانه العلماء ويحزنون لذلك.

قال هشام بن حسان: "كنا عند محمد بن سيرين عشيَّة يوم الخميس، فدخل عليه رجلٌ بعد العصر، فقال: مات الحسنُ البصريُّ. فترحَّم عليه محمد، وتغيَّر لونه، وأمسك عن الكلام، فما تكلَّم حتى غربت الشمس، وأمسك القـوم عنه مما رأوا من وَجْدِه عليه"[11]، وما عاش محمد بن سيرين بعد الحسن البصري إلا مائة يومٍ حتى لحقه، رحمهما الله ورضيَ عنهما[12].

 

إن احتفاء الناس بالشيخ عظيم، ووَجَلهم من مرضه كان كبيرًا، وفجيعتهم بموته كانت شديدة؛ فازدحموا على تشييع جِنازته، وقَدِموا من أقاصي البلاد وخارجها إلى حيث يُشيَّع، حتى لم تعد الطائرات تحتمل المزيد من المشيِّعين. فمَنْ لم يجد له مقعدًا؛ انضمَّ إلى قوافل المسافرين برًّا، الذين اتَّصل أقصاهم بأدناهم من مكة إلى الرياض، وصُلِّيَت عليه صلاة الغائب في مشارق الأرض ومغاربها، وأخذت وسائل الإعلام من مقروءٍ ومسموعٍ ومشاهَدٍ تحكي سيرتَه وخِلالَه ومناقِبَه.

إن ذلك كله ليس بمُسْتَغْرَبٍ ولا كثيرٍ في حقِّ الشيخ رحمه الله تعالى فحقه أكبر من ذلك بكثير؛ إذ هو أمة كاملة في رجل واحد، فهل فقدان أمة يستغرب فيه مثل هذا الاحتفاء والاهتمام من قبل المسلمين؟!

 

إن شيخنا أبا عبدالله بن باز كان إمام أهل السُّنة في عصره، كما كان أبو عبد الله بن حنبل إمام أهل السنة في وقته، ومرض ابن باز؛ فكَثُرَ عوَّادُه والسائلون عنه والدَّاعون له، ومن قبل مرض ابن حنبل؛ فكان الناس يدخلون عليه أفواجًا من بعد أفواج، وأُغلق باب الزقاق من كثرة الناس الذين ملؤوا الشوارع والمساجد، وتعطَّل بعض الباعة من شدَّة الزِّحام[13]. وقُبِض الإمام أحمد؛ فارتجَّتِ الدنيا بأسرها، حتى كان مشيعوه بين ألف ألف وألفَي ألف على اختلاف روايات المؤرِّخين[14]. قال عبدالوهاب الورَّاق: "ما بَلَغَنَا أن جمعًا في الجاهلية ولا الإسلام مثله"[15]، وصُلِّي عليه عقب صلاة الجمعة، وكذلك قُبِضَ الإمام ابن باز؛ فشيَّعه ألف ألف على الأقل، وصلَّى عليه صلاة الغائب جموعٌ لا يعلم عددها إلا الله تعالى عقب صلاة الجمعة أيضًا. غفر الله له، ورحمه وعفا عنه.

اللهم إنا نسألك أن تُسكنه الفردوسَ الأعلى من الجنة، اللهم إنه كان شديد التأسِّي بسُنَّة نبيِّكَ محمد صلَّى الله عليه وسلَّم فاجمعه به، واجمعنا بهما في جنات النعيم، برحمتك يا أرحم الراحمين.

 

وأقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.

الخطبة الثَّانية

الحمد لله، حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه، كما يحبُّ ربُّنا ويرضى، أحمده وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه، ومَنْ سار على نَهجهم إلى يوم الدِّين.

 

أما بعد:

فإن موت العلماء وإن كان مصيبة، وفقد الأئمة وإن كان محزنًا إلاَّ أن جنائزهم المشهودة عزٌّ لأهل السُّنة والخير والصلاح. نعم، إنهم يدعون إلى الله تعالى طوال حياتهم؛ فإذا ما ماتوا أعزَّ الله بمشهد جنائزهم أهل الخير والصلاح. فلم تتوقَّف دعوتهم بمجرَّد موتهم؛ بل اتَّصلت إلى ما بعد دفنهم.

 

قال عبد الوهاب الوارَّق: "أظهر الناس في جنازة أحمد بن حنبل السُّنَّةَ، والطعن على أهل البدع، فسرَّ الله المسلمين بذلك على ما عندهم من المصيبة، لما رأوا من العزِّ وعلوِّ الإسلام، وكَبْت أهل الزِّيغ"[16].

 

وظهر مثل ذلك في جنازة أبي عبدالله بن باز، لقد اندحر المنافقون، وتوارى المفسدون؛ لما رأوا من عظيم مشهد جِنازته، وإطباق الناس على محبَّته؛ مما أكَّد على أنه لا مكان لأهل النفاق والزِّيغ في هذه البلاد المباركة، وكم سَرَّنا والله كثرة الكتابات عنه، والاحتفاء به، مما أظهر عزَّ الإسلام، وظهور أهل الخير والصَّلاح.

 

إن هذا الشيخ المودِّع تمكَّن بفضله وعمله وتقواه من قلوب العباد حتى دخلها. أصلح ما بينه وبين الله تعالى؛ فأصلح الله له الخَلْق، وبثَّ له القَبول في الأرض؛ فحملته قلوب الخَلْق قبل أن تحمله أعناق الرجال.

 

إن هذا الإمام المبجَّل لم يكن صنيعة إعلامٍ زائفٍ، ضلل الناس بشخصية لا تستحقُّ التبجيل، ولم تَلِجْ محبته قلوب الناس بسبب دِعاية كاذبة، كلا؛ بل عرفه كلُّ مَنْ أتاه، وعَلِمَ صدقَه وإخلاصه، كلُّ مَنْ سمعه، هكذا نحسبه والله حسيبه.

 

إنه ما بلغ منزلته تلك بنَسَبٍ كان يتَّصل بأوسط القبائل، ولا اشترى محبَّة الناس بمالٍ كان يملكه، ولا بجاهٍ وَرِثَه كابرًا عن كابر، ولا بمنصبٍ كان يسعى إليه؛ بل كان المال يأتيه فيَزْهد فيه، ويفرِّقه على مستحقِّيه، وظلَّ الجاه يلاحقه؛ فأمسكه بيديه ولم يَلِجْ قلبه؛ فسَّخره في خدمة الإسلام، ومعونة الضعفاء، ونصرة المستضعفين.

إن جنازته رحمه الله تعالى وتأثُّر الناس بوفاته؛ أعطت دورسًا عدَّةً لسائر الناس:

أعطت دروسًا لأهل الجاه والمناصب أن يتواضعوا، ويسخِّروا ما رُزقوا في خدمة الناس، وقضاء حوائجهم؛ حتى يستحوذوا على قلوبهم، وينالوا محبَّتهم.

 

وأعطت جنازته دروسًا لأهل العلم وطلابه؛ أن يَجِدُّو في الطَّلب، ويُخلصوا النيَّة، ويُتبعوا العلم العمل.

 

وأعطت دروسًا للعامة؛ أن يُقبِلوا على العلم، ويَعُوا منزلة العلم وأهله.

وأعطت جِنازته رحمه الله تعالى درسًا مهمًّا لجميع الناس، هو: أن يُصلحوا ما بينهم وبين الله تعالى؛ حتى يُصلح الله لهم الخَلْق، ويذلِّل لمحبَّتهم قلوب العباد؛ فالقلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن، يقلِّبها كيف يشاء[17]، وإذا أحب الله عبدًا أحبَّه أهل السماء، وبُسِطَ له القَبول في الأرض[18]، وهكذا نحسب الشيخ رحمه الله تعالى والله حسيبه.

طاب حيًّا وميِّتًا، وتواصلت دروسه ومآثره قبل وفاته وبعدها، وما خلَّف من علمٍ سيبقى إلى ما شاء الله تعالى، وإذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث، ومنها: علمٌ يُنتفع به؛ كما صحَّ ذلك عن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم[19].

 

فلله دَرُّه، وما أحسن عاقبته، وجبر الله مصاب المسلمين فيه، وعوَّضهم خيرًا.

 

﴿ سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ العِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلامٌ عَلَى المُرْسَلِينَ * وَالحَمْدُ لله رَبِّ العَالَمِينَ ﴾ [الصَّافات: 180-182].

 

وصلى الله على نبيِّنا محمد وآله وصحبه أجمعين.

 


[1] تفسير ابن كثير (2/ 805) عند تفسير الآية (41) من سورة الرعد.

[2] المصدر السابق (2/ 805).

[3] كما في حديث أنس رضيَ الله عنه عند البخاري في العلم باب رفع العلم وظهور الجهل (80)، ومسلم في العلم باب رفع العلم وقبضه وظهور الجهل والفتن في آخر الزمان (2671).

[4] أخرجه البخاري في العلم باب كيف يقبض العلم (100) ومسلم في العلم باب رفع العلم وقبضه وظهور الجهل والفتن في آخر الزمان (2673) من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص - رضيَ الله عنهما.

[5] أخرجه الطبراني في الكبير (4751) والحاكم (3/ 422) وله طرق كثيرة ذكرها الحافظ ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله (1/ 601).

[6] أخرجه الإمام أحمد (2/ 210) والحاكم وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين إن كان الحسن سمعه من عبد الله بن عمرو ووافقه الذهبي (4/ 435) وصححه الشيخ شاكر في شرحه للمسند وأثبت سماع الحسن من عبد الله بن عمرو بثبوت المعاصرة الكافية في الحكم بذلك حتى يثبت عدم السماع في حديث بعينه، انظر: شرحه على المسند برقم (6964)، وإثبات السماع انظره في رقم (6508)، وذكره الهيثمي وقال: رواه أحمد مرفوعًا وموقوفًا ورجالهما رجال الصحيح (8/ 13).

[7] أخرجه أحمد (2/ 221) والبخاري تعليقًا في الصلاة باب تشبيك الأصابع في المسجد وغيره (480) وقال الحافظ ابن حجر: وصله إبراهيم الحربي في غريب الحديث انظر: الفتح (1/ 675) والحديث أخرجه أيضًا أبو داود في الملاحم باب الأمر والنهي (4343)، وابن ماجه في الفتن باب التثبيت في الفتنة (3957) والحاكم وصححه ووافقه الذهبي (4/ 435)، وصححه الشيخ شاكر في شرحه على المسند (7063).

[8] أخرجه ابن سعد في الطبقات (2/ 362) والطبراني في الكبير (4750)، والحاكم (3/ 427).

[9] الطبقات الكبرى لابن سعد (2/ 372)، وصفة الصفوة (1/ 758).

[10] انظر: مصنف عبدالرزاق (20164)، والتاريخ الصغير للبخاري (1/ 73)، ومجمع الزوائد (2/ 311)، وسير أعلام النبلاء (1/ 459).

[11] سير أعلام النبلاء (4/ 587).

[12] المصدر السابق.

[13] انظر: سير أعلام النبلاء (11/ 335 ـ 337).

[14] المصدر السابق.

[15] المصدر السابق (11/ 339).

[16] المصدر السابق (11/ 342).

[17] كما في حديث عبد الله بن عمرو رضيَ الله عنهما عند مسلم في القدر باب تصريف الله تعالى القلوب كيف يشاء (2654)، وحديث أنس بن مالك رضيَ الله عنه عند الترمذي في القدر باب ما جاء أن القلوب بين أصبعي الرحمن وقال الترمذي: حسن صحيح، وحديث عائشة عند أحمد (6/ 251) والنسائي في عمل اليوم والليلة (304) وحديث أنس عند ابن ماجه (3834) وعبد ابن حميد (1518) وحديث النواس بن سمعان وحديث أبي هريرة كلاهما عند ابن أبي عاصم في السنة (229 - 230).

[18] كما في حديث أبي هريرة رضيَ الله عنه عند البخاري في التوحيد باب كلام الرب مع جبريل ونداء الله للملائكة (7485) ومسلم في البر والصلة باب إذا أحب الله عبدًا حببه إلى عباده (2637) والترمذي في التفسير باب ومن سورة مريم (3160).

[19] كما في حديث أبي هريرة رضيَ الله عنه عند مسلم في الوصية باب ما يلحق الإنسان من الثواب بعد وفاته (1631)، وأبي داود في الوصايا باب ما جاء في الصدقة عن الميت (2880) والترمذي في الأحكام باب في الوقف (1376)، والنسائي في الوصايا باب فضل الصدقة عن الميت (6/ 251).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • الشيخ ابن باز رحمه الله في جزيرة نيوكالدونيا
  • اهتمام سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز بالحديث النبوي وأثره في العقيدة
  • الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله نموذج من الرعيل الأول
  • وقفات في وفاة الشيخ ابن باز

مختارات من الشبكة

  • معالي الشيخ عبد العزيز بن محمد بن إبراهيم آل الشيخ (ت 1426)(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • رسالة وفاء ومحبة لعلماء دمشق من الشيخ محمد عبد الجواد القاياتي إلى الشيخ عبد الرزاق البيطار(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن التويجري في محاضرة: وقفات مع قوله تعالى: {إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة}(مقالة - موقع الشيخ عبدالله بن عبدالعزيز بن عقيل العقيل)
  • لقاء فضيلة الشيخ عبد الرحمن بن عبد العزيز الدهامي على قناة وصال (برنامج أني صائم)(مادة مرئية - موقع الشيخ عبدالرحمن بن عبدالعزيز الدهامي)
  • حوار مع سماحة الشيخ عبد الله بن عبد العزيز آل عقيل رحمه الله(مقالة - موقع الشيخ عبدالله بن عبدالعزيز بن عقيل العقيل)
  • مجموع فيه من آثار سماحة الشيخ عبد الله بن عبد العزيز العقيل (PDF)(كتاب - موقع الشيخ عبدالله بن عبدالعزيز بن عقيل العقيل)
  • إجازة الشيخ عبد العزيز بن محمد الزيادي الحنفي لشيخ الجامع الأزهر أحمد الدمنهوري المذاهبي (ت1192) (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • ترجمة الشيخ عبداللطيف بن الشيخ عبدالرحمن بن شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • الشيخ عبد العزيز بن ناصر بن رشيد (ت 1408هـ)(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • رسالة الشيخ عبدالكريم الدبان إلى شيخه الشيخ أحمد الراوي (PDF)(كتاب - ثقافة ومعرفة)

 


تعليقات الزوار
2- جزاك الله خيرا
نوف المزيني - السعوديه 02-12-2013 04:17 PM

هذه الخطبة أكثر من رئعة وفقك الله وأزال خطاياك حتى لو كانت مثل زبد البحر آمين وكلنا أجمعين

1- إمام الأئمة
عبد الحفيظ أيوب - المغرب 27-10-2012 11:43 PM

السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
أما بعد..
فاني أحمد الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم.
وأحمده على أن رزق هذه الأمة الإسلامية بهذا العالم العلامة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله ابن باز رحمه الله تعالى.
الذي غزا الأمة الإسلامية بعلمه الكبير التي كانت محتاجة إليه في أمورها الدينية والدنيوية والذي ربى جيلا من العلماء الكبار.فرحمه الله رحمة واسعة وجمعنا به إن شاء الله في جنته كما أتقرب إلى الله بحبه.
والسلام عليكم.

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 0:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب