• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات   بحوث ودراسات   إبهاج المسلم بشرح صحيح مسلم   الدر الثمين   سلسلة 10 أحكام مختصرة   فوائد شرح الأربعين   كتب   صوتيات   مواد مترجمة  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    10 مسائل مهمة ومختصرة في: شهر الله المحرم
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    10 مسائل مهمة ومختصرة في الأضحية (PDF)
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    10 مسائل مهمة ومختصرة في 10 ذي الحجة (PDF)
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    الدعاء لمن أتى بصدقة
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    حديث: صدقة لم يأكل منها
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    حديث: هو لها صدقة، ولنا هدية
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    باب: (ترك استعمال آل النبي على الصدقة)
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    حديث: «كخ كخ، ارم بها، أما علمت أنا لا نأكل ...
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    شرح حديث: سيخرج في آخر الزمان قوم أحداث الأسنان ...
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    التعريف بالخوارج وصفاتهم
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    حديث: ألا تأمنوني؟ وأنا أمين من في السماء
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    إعطاء المؤلفة قلوبهم على الإسلام وتصبر من قوي ...
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    إعطاء المؤلفة قلوبهم على الإسلام وتصبر من قوي ...
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    إعطاء المؤلفة قلوبهم من الزكاة
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    باب: (إعطاء من سأل بفحش وغلظة) (2)
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    باب: (إعطاء من سأل بفحش وغلظة) (1)
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
شبكة الألوكة / المواقع الشخصية / مواقع المشايخ والعلماء / أ. د. فؤاد محمد موسى / مقالات
علامة باركود

إبراهيم عليه السلام أبو الحجة والمنطق (2)

أ. د. فؤاد محمد موسى

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 2/6/2016 ميلادي - 25/8/1437 هجري

الزيارات: 24336

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

سلسلة تأملات تربوية في بعض آيات القرآن الكريم

إبراهيم عليه السلام.. أبو الحجة والمنطق

الحلقة الثانية



لقد أَعطى الله عز وجل خليلَه إبراهيم عليه السلام الحُجة البالغة، القوية الدامغة، التامَّة الكاملة، التي ليس فيها نقص ولا غموض، وحاجَّ بها قومه عبَّادَ الكواكب والتماثيل، وبهت بها النمرود؛ ﴿ وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ ﴾ [الأنعام: 83].


وتهدف هذه المقالة إلى:

1- بيان ما كان يتمتَّع به إبراهيم عليه السلام من ذكاء بالغ استخدمه في مشوار حياته الدعوي، ومارس قدرات فكريَّة متعدِّدة، يُسميها الآن علماء النفس بالذكاء الناجح، وهو آخر ما توصل إليه العالم "روبرت ج ستيرنبرغ" منذ عشرين عامًا فقط.

 

2- بيان ما كان يتمتَّع به إبراهيم عليه السلام من الحُجَّة كمنهج علمي امتاز به خطاب الوحي، من خطاب عقلي منطقي، يَجهله الكثيرون، ولا يُجيدونه في دعوتهم؛ مما جعل أعداء الإسلام يتَّهمونه بالجمود والتخلُّف.

 

3- بيان الأنواع المختلفة من المنهج العِلمي، والمواقف الواقعيَّة التي يستخدم فيها.

 

4- بيان بعض الإعجاز العلمي في القرآن الكريم التي جاءت في ثنايا الأحداث.

 

5- بيان ما يظنه البعض كذبًا في أقوال إبراهيم عليه السلام: ﴿ إِنِّي سَقِيمٌ ﴾ [الصافات: 89]، ﴿ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا ﴾ [الأنبياء: 63]، بل هي فروض افترضها إبراهيم عليه السلام بما يتماشى مع معتقدات القوم وأهوائهم؛ كقوله أيضًا للكوكب، ثم القمر، ثم الشمس، لما رأى كل واحد منهم: ﴿ هَذَا رَبِّي ﴾ [الأنعام: 76]، ثمَّ أعقب ذلك إثباته لهم عدم صحَّة هذه الفروض بالمنهج العلمي الذي يَقبله العقل، وهذا مُنتهى الذكاء، والذي يُسمى الآن: "الذكاء الناجح"؛ أي: التفكير القائم على العلم بالبيانات الموجودة، وتحليلها واستخدامها لحلِّ مشاكل في الواقع الحياتي بنجاح.

 

لقد مرَّت رحلة دَعوة إبراهيم عليه السلام لقومه في مراحل مُتتابعة، كل مرحلة تمهِّد للمرحلة التالية لها، وتقوم على المرحلة السابقة لها، كما تدلُّ على ذلك الأحداث التي روَتها العديد من السور القرآنيَّة، وإن كان ما جاء في كل سورة ليس تكرارًا لما جاء في الأخرى، ولكن يكمل بعضه بعضًا، وما جاء في كل سورة يناسِب موضوعها، فالقرآن الكريم ليس به تكرار كما يؤكِّد على ذلك المفسرون.


المرحلة الثالثة: مرحلة البرهان العملي على تخويف قوم إبراهيم عليه السلام له بأصنامهم (آلهتهم):

والآيات التالية في سورتي الصافات والأنبياء توضح هذه المرحلة:

﴿ فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ * فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ * فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ * فَرَاغَ إِلَى آلِهَتِهِمْ فَقَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ * مَا لَكُمْ لَا تَنْطِقُونَ * فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ * فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ * قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ * وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ ﴾ [الصافات: 88 - 96].


﴿ وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ * فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلَّا كَبِيرًا لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ * قَالُوا مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ * قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ * قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ * قَالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ * قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ * فَرَجَعُوا إِلَى أَنْفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ * ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُؤُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلَاءِ يَنْطِقُونَ * قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكُمْ شَيْئًا وَلَا يَضُرُّكُمْ * أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ﴾ [الأنبياء: 57 - 67].

 

رغم مخاطبة إبراهيم عليه السلام قومه بخطاب العقل واللطف، فإنهم ككل متكبِّر، وكل الظلمة في بقاع الأرض عند هزيمتهم فكريًّا لا يجدون إلا سبيل التهديد والوعيد والتخويف لمن يتعامل معهم بالعقل واللطف، فكان سبيلهم هو تخويف إبراهيم عليه السلام بآلهتهم، وأنها ستنتقم منه، وهذا ظاهر بوضوح في ردِّ إبراهيم عليه السلام كما في الآيات.

 

﴿ وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ * وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [الأنعام: 80، 81].


إن سبيل كل مفلس عقليًّا هو سبيل الإرهاب، وهذا ما نَراه يمارس على كل مسلم متمسِّك بدينه الحق قولًا وعملًا!

إن أبواق التخويف بكل وسائلها؛ من وسائل إعلام تُطلق أبواقها وحناجرها تَنعق ليل تهار، وصلصلة الأسلحة وعروضها في الميادين والشوارع، وعروض الجيوش والأسلحة الفتاكة الكيميائية والجرثومية والنووية والهيدروجينية؛ كلها لتخويف الحق من الباطل الذي لا عقل له.

 

إنَّ قوم إبراهيم عليه السلام يُخوِّفونه بآلهتهم وأصنامهم التي يعبدونها من دون الله، فماذا فعل؟

 

هيا بنا ننظر ماذا كان تصرف إبراهيم عليه السلام...

 

إنه في تحدٍّ جديد معهم، إنه لم يخَفْ من التهديد والوعيد في حقيقة الأمر، ولم يترك الساحة لهم، ولا بد من برهان جديد على بطلان زعمهم بأن آلهتهم ستُصيبه بلَعنتها.

 

لقد سلَّم إبراهيم عليه السلام لهم في بداية الأمر بصحَّة زعمهم، وأنه سقيم بسبب ذلك؛ حيث جاء ذلك في سورة الصافات بقوله: ﴿ فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ ﴾ [الصافات: 89]، بعد جداله معهم سابقًا في عبادتهم الكواكب والنجوم، والمؤشِّر على ذلك أن هذه الآية جاءت بعد الآية: ﴿ فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ ﴾ [الصافات: 88]؛ أي: بعد الجدال والحوار السابق الذي دار حول النجوم في سورة الأنعام.

 

لقد قال إبراهيم عليه السلام لقومه: إنَّه مريض بسبب لَعنة آلهتهم، تمشيًا مع ادعائهم بتخويفه منهم؛ كما فعل من قبل في مسايرته لهم لعبادتهم الكواكب والنجوم، بقوله: ﴿ فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي ﴾ [الأنعام: 76]، وقوله: ﴿ فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي ﴾ [الأنعام: 77]، وقوله: ﴿ فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ ﴾ [الأنعام: 78].


فقوله لهم: ﴿ إِنِّي سَقِيمٌ ﴾ فرض أيضًا فرضه إبراهيم عليه السلام تمشيًا مع مُعتقدات قومه، كما فعل من قبل.

 

لقد كانت خطة إبراهيم عليه السلام في اختبار صحَّة هذا الفرض هو تحطيم هذه الأصنام بعيدًا عن أعيُن القوم ليَنجح في مخططه، ولذلك فرض فرضًا جديدًا، إبطاله يُبطل صحَّة الفرض السابق، وهذا الفرض هو:

﴿ قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ ﴾ [الأنبياء: 63].

 

إنها العبقرية في التفكير، والإبداع الفكري في التفكير، وهو ما يسمَّى حديثًا جدًّا في علوم الفكر البشري بـ"التفكير في التفكير".

وهذا ما ظهر جليًّا في قوله عليه السلام: ﴿ وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ ﴾ [الأنبياء: 57].

تمعَّن في كلمة:﴿ لَأَكِيدَنَّ ﴾؛ إنَّها أفضل تعبير عن "التفكير في التفكير".

 

هيا بنا نَرى كيف وصَل إبراهيم عليه السلام إلى فَرضه الثاني، وكيف جعَلهم هم الذين يُثبتوا عدَمَ صحَّته، وبالتالي عدم صحَّة الفرض الأول:

فبعد قول إبراهيم عليه السلام لقومه: إنه سقيم، وقَع في ظنِّهم أنَّ آلهتهم قد نالت منه، وتركوه وحيدًا يلاقي عذابَ آلهتهم له؛ ﴿ فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ ﴾ [الصافات: 90].


هنا جاءت الفرصة لإبراهيم عليه السلام لتنفيذ مخطَّطه، وإثبات خطأ قومه بأنَّ آلهتهم هي التي تسبَّبَت في مرضه.


فقام بتكسير الأصنام جميعًا إلا أكبر صنَم، فوضع الفأسَ على كتفه؛ ليصل إلى هدفه بفَرض الفرض الذي أفاقهم وجعلهم ينطقون بالحقِّ.


﴿ فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ ﴾ [الصافات: 93]، ﴿ فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلَّا كَبِيرًا لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ ﴾ [الأنبياء: 58].


فكانت صدمتهم التي زلزلَت عقولهم بتكسير آلهتهم التي يَعبدونها من دون الله، وكان هذا الحوار بينهم الذي يدلُّ على عجزهم وتخبُّطهم في التفكير:

﴿ قَالُوا مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ * قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ * قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ ﴾ [الأنبياء: 59 - 61].

﴿ فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ ﴾ [الصافات: 94].


فلما أَتوا بإبراهيم كان قولهم له في تعجُّب وخزي:

﴿ قَالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ ﴾ [الأنبياء: 62].


وهم الذي هدَّدوه من قبل بانتقام هذه الآلهة له، بل إنَّه أخبرهم بأنه سَقيم بسبب هذه الآلهة.

يا لها من خيبة أمل لهم!

 

هنا تحقَّق لإبراهيم عليه السلام ما كان يَصبو إليه، فقال في حِكمة وتهكُّم:

﴿ قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ ﴾ [الأنبياء: 63].

وهذا هو الفرض الذي فرَضه إبراهيم عليه السلام عليهم ليُثبتوا مدى صحَّته؛ لأنه يتمشى مع زعمهم بأنَّ آلهتهم تفعل ما تريد، وتضر وتنفع!

 

وفي داخل السؤال ﴿ فَاسْأَلُوهُمْ ﴾، ما يوحي بالإجابة: ﴿ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ ﴾ [الأنبياء: 63]، وتهكم بليغ عليهم.

فما كان منهم إلَّا أن فكَّروا، لأول مرَّة تفكيرًا صحيحًا: ﴿ فَرَجَعُوا إِلَى أَنْفُسِهِمْ ﴾، ثم كانت الإجابة المنطقيَّة الصَّحيحة بينهم وبين أنفسهم: ﴿ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ ﴾ [الأنبياء: 64].


ويا للعجب!

إنهم بعد هذه الصَّحوة الفكريَّة، يقلبون الأمر؛ كما يُقال في الأمثال: (يقلبون المجن)، ثم يتَّهمون إبراهيمَ عليه السلام بما هم فيه من غباء! فكان قولهم:

﴿ ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُءُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلَاءِ يَنْطِقُونَ ﴾ [الأنبياء: 65].


لقد قالوا كلمةَ الحقِّ التي أرادها إبراهيم عليه السلام وخطط لها من قبل، فقالوا: ﴿ مَا هَؤُلَاءِ يَنْطِقُونَ ﴾ [الأنبياء: 65].

وهنا بطَل ما كانوا يَزعمون أنَّ آلهتهم تَفعل ما تريد، وهدَّدوا بها إبراهيم عليه السلام.

وتحقَّق لإبراهيم عليه السلام بطلان ما عرضه عليهم من قبل بفَرضه أنَّه سقيم بسبب ضرَر آلهتهم.

 

جدول يوضح الفروض وتفنيدها:

م

الفرض

قائله

تفنيد الفرض

قائله

1

﴿ فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ ﴾؛ أي: إنَّ آلهتكم سبَّبَت لي المرض.

إبراهيم عليه السلام

﴿ فَرَجَعُوا إِلَى أَنْفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ ﴾

﴿ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلَاءِ يَنْطِقُونَ ﴾.

 

 

القوم

2

﴿ قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ ﴾.

إبراهيم عليه السلام

 

لاحظ أنَّ تفنيد الفرض الثاني فند الفرض الأول.


وهذا بخلاف حوار إبراهيم عليه السلام معهم من قبل في عبادتهم للنُّجوم؛ حيث كان هو الذي فرَض الفروضَ وهو الذي فنَّدها لهم، إلَّا أنه في هذه المرَّة قادهم إلى أن يفكِّروا وينطقوا بالحق المبين.


يا له من ذَكاء خارق!

نعم، إنَّه نبي!

بل أبو الأنبياء!

والأكثر من ذلك خليل الرحمن.

ولم ينتهِ الأمر عند ذلك.

انظر!

فما كان من إبراهيم عليه السلام إلا أن قال في قوَّة وعزَّة من الله:

﴿ قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكُمْ شَيْئًا وَلَا يَضُرُّكُمْ * أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ﴾ [الأنبياء: 66، 67].


لأوَّل مرة يَستخدم إبراهيم عليه السلام أسلوبَ الهجوم على القوم، ويوبِّخهم لعلَّهم يَرجعون عن غيِّهم ويعقلون.


ثم يَستطرد قائلًا لهم:

﴿ قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ * وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ ﴾ [الصافات: 95، 96].

إنَّه يعود بهم إلى القضيَّة الأولى، ليدعوهم إلى عبادة الخالق الواحد الأحد، إنه صاحب دعوة.

 

تعلَّموا يا دعاة الأمَّة من أبيكم إبراهيم عليه السلام كيفيَّةَ الدعوة، الذكاء والمثابرة، والصبر في دعوتكم.

 

ثم يَعود إبراهيم عليه السلام ليذكِّرهم بتخويفهم له، ويدعوهم مرَّة أخرى فيقول:

﴿ وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ ﴾ [الأنعام: 80].

إنه ردُّ الواثق من ربِّه دون الغرور بما لديه من حجَّة، ولكن يدَع الأمر لمشيئة الله: ﴿ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا ﴾.


ثم يستطرد قائلًا:

﴿ وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [الأنعام: 81].


يا لها من رَوعة في التفكير والتخطيط، والإبداع والتنفيذ والخطاب... في دعوته عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام.

 

وإلى الحلقة التالية.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • إبراهيم عليه السلام أبو الحجة والمنطق (1)
  • إبراهيم عليه السلام أبو الحجة والمنطق (3)
  • سلسلة أولو العزم: إبراهيم عليه السلام (خطبة)
  • لماذا نذكر إبراهيم عليه السلام في التشهد عن دون الأنبياء؟

مختارات من الشبكة

  • خطبة عيد الأضحى المبارك ذو الحجة 1444هـ (الابتلاء في حياة إبراهيم عليه السلام)(مقالة - ملفات خاصة)
  • واتخذ الله ابراهيم خليلا "إبراهيم عليه السلام"(مادة مرئية - مكتبة الألوكة)
  • تشجير نسب الأنبياء عليهم السلام من آدم عليه السلام إلى محمد صلى الله عليه وسلم(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • عيسى ابن مريم عليه السلام (5) رفع عيسى عليه السلام إلى السماء(مقالة - موقع د. محمد منير الجنباز)
  • قصة داود عليه السلام (3) وفاة داود عليه السلام(مقالة - موقع د. محمد منير الجنباز)
  • قصة داود عليه السلام (2) أخبار داود عليه السلام(مقالة - موقع د. محمد منير الجنباز)
  • قصة موسى عليه السلام (12) وفاة موسى عليه السلام(مقالة - موقع د. محمد منير الجنباز)
  • حجة إبراهيم عليه السلام على الملك(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أيها الأنام أفشوا السلام تدخلوا دار السلام بسلام(مقالة - آفاق الشريعة)
  • بين إبراهيم عليه السلام ومحمد صلى الله عليه وسلم(مقالة - آفاق الشريعة)

 


تعليقات الزوار
1- تعليق على المقال الثاني
مجدي عبد المجيد خاطر - مصر 28-12-2021 02:23 PM

هذا مقال صعب.
وتنبع صعوبته من صعوبة ما يتعرّض له من قضايا فكرية ومجتمعيّة.
فمن ناحية، يواصل المقال استئناسه بالمنهج العلمي/التربوي في تفسير القرآن وقضايا العقيدة. ومن ناحية أخرى يسلِّط الضوء على ما في حياة ومحنة خليل الرحمن إبراهيم عليه السلام من تواز مع ما قد يتعرّض له القابضون على الجمر من المؤمنين والمؤمنات.
كما يؤسس المقال لطريق واعٍ للدعوة إلى سبيل الله بالمنطق والحجة التي لن تُعيي صاحب قلب ودين سليمين.
وهذه نقطة في غاية الأهميّة والخطورة!
لنتأمل كم مرّة تكرر النداء على أولي الألباب في القرآن الكريم. وأول كلمة نزلت على نبينا المُختار عليه أفضل الصلاة والسلام "إقرأ".
إنّ المقال نموذج واضح لا يقبل اللبس لما يُمكن للعلم إذا أحسن استخدامه أن يُقدمه في تفسير القرآن وطرح جانب من قضايا الإسلام بشكل مُعاصر يُمكن للأجيال الجديدة عمومًا؛ والتربويين خصوصًا، التعاطي معه والإفادة منه.

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 16:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب