• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات   بحوث ودراسات   إبهاج المسلم بشرح صحيح مسلم   الدر الثمين   سلسلة 10 أحكام مختصرة   فوائد شرح الأربعين   كتب   صوتيات   مواد مترجمة  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    10 مسائل مهمة ومختصرة في: شهر الله المحرم
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    10 مسائل مهمة ومختصرة في الأضحية (PDF)
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    10 مسائل مهمة ومختصرة في 10 ذي الحجة (PDF)
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    الدعاء لمن أتى بصدقة
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    حديث: صدقة لم يأكل منها
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    حديث: هو لها صدقة، ولنا هدية
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    باب: (ترك استعمال آل النبي على الصدقة)
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    حديث: «كخ كخ، ارم بها، أما علمت أنا لا نأكل ...
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    شرح حديث: سيخرج في آخر الزمان قوم أحداث الأسنان ...
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    التعريف بالخوارج وصفاتهم
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    حديث: ألا تأمنوني؟ وأنا أمين من في السماء
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    إعطاء المؤلفة قلوبهم على الإسلام وتصبر من قوي ...
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    إعطاء المؤلفة قلوبهم على الإسلام وتصبر من قوي ...
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    إعطاء المؤلفة قلوبهم من الزكاة
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    باب: (إعطاء من سأل بفحش وغلظة) (2)
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    باب: (إعطاء من سأل بفحش وغلظة) (1)
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
شبكة الألوكة / المواقع الشخصية / مواقع المشايخ والعلماء / أ. د. مصطفى حلمي / بحوث ودراسات
علامة باركود

مذهب الشيخ مصطفى صبري في الخلافة (2)

مذهب الشيخ مصطفى صبري في الخلافة (2)
أ. د. مصطفى حلمي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 6/7/2013 ميلادي - 27/8/1434 هجري

الزيارات: 11779

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

مذهب الشيخ مصطفى صبري في الخلافة (2)

النص المحقق من كتاب: "النكير على منكري النعمة من الدين والخلافة والأمة"


إني أسلِّم لعلماء مصر كل ما ذكروا في مقالاتهم المروِّجة لصنيع مصطفى كمال، وكل ما ذكره صاحب الكتاب الصادر في أنقرة من الأحكام الفقهية والوقائع التاريخية المترقية إلى صدر الإسلام، وأن السلطة حق الأمة، إن شاؤوا أعطوها لواحد معين أو جماعة معيَّنة، وإن شاؤوا أعطوا تمامها أو بعضًا منها دون بعض، وأن السلطان محمد وحيد الدين لم يكن جامعًا لشرائط الإمامة[1]، وكذا الكثير مِن السلاطين العثمانية، بل الأموية والعباسية أيضًا، وأن الخلافة كما يصح أن يتقلدها الملوك والسلاطين يصحُّ أن يتقلدها مَن يرأس جمهور المسلمين، حتى إن مصطفى كمال لو كان حائزًا لأول شروط الإمامة وهو التديُّن بدين الإسلام ولم يكن من أعدائه الذين يسعون في إلغائه تصحُّ إمامته وخلافته، وقد أخذتِ الأقلام التركية تتوجَّه إلى هذه الغاية كما يظهر مِن مُطالَعة الكتاب الأنقروي النشر المجهول النسب، وإن شئت قلت مع مؤلف ذلك الكتاب: إن الخلافة يجب أن تُهمَل، وإنها انقطعت منذ أعصار كثيرة، والخلفاء الذين نعرفهم كلهم خلفاء صوريون، فصارت النتيجة أن الخلافة لا حقيقة لها، ولا أهمية؛ كأنها خرافة من الخرافات، ولا أدري ماذا يصير على هذا موقف عبدالمجيد القريب العهد جدًّا بالمساعي المصروفة لتأييده، وها أنا أرخيتُ العنان لتسليم جميع ما ذكره هذا وهؤلاء، وتصديقه، ولكني أقول لك - أيها المخاطَب المتبصِّر المتفكِّر -: ما السبب الذي أفضى إلى تجريد الخلافة عن السلطة أولاً، ثم إهمالها وإبطالها بالكلية، وأيَّة حاجة مسَّت إلى تلك الفعال الموجِبة لأنواع القيل والقال حتى سالت أودية بأعناق أهل السباق ذوي العلوم المستفيضة في أنحاء الفقه الأكبر والأصغر وتاريخ الإسلام؟ وجل أسفي على أن الباحثين سُكارى، بعضهم يهوى أبطال الشرق، والأذن تعشق قبل العين أحيانًا، بعضهم بسُكرِ التعمُّق العلمي في مسألة مهمَّة دينية وسياسية وتاريخية، ولا يدري غير مؤلف الكتاب الأنقروي أصل هذا الشغل الشاغل على مثال ما قاله بعض العارفين لواحد ممَّن يتفانى في أوراد طريقته الصوفية: "شغلك الذكر عن المَذكور"، فيا أيها السائرون في مجرى الكلام، كأنكم سائرون في المنام، ألهاكم التكاثر بما تعلمون، فأين تذهبون، وقد سبق السيف العذل، وتتقدَّم على الفُتيا العمل؟ مع أني ألفِتُ أنظار العناية في مقالتي التي كتبتُها على المقطم والأهرام قبل هذا بسنَة إلى أصل هذا الشغل الشاغل ومنشئه السائق إليه، وسألتُ الباحثين الخائضين في أعماق التفحُّص لتوفيق الحادثة للشرع أو تطبيقها على مثال[2] سبق في ماضي الإسلام، وقلت لهم: أخبروني أولاً أية حاجة أو مصلحة دينية أو قومية ساقت مصطفى كمال إلى الفصل بين الخلافة والسلطة، أكان هذا غاية فتح أزمير أو مقدِّمة توقَّفتْ عليها هزيمة جيوش اليونان، أو الغلبة على وفود مؤتمر (لوزان)؟ فما أجابني غير صدى ندائي، وألفِتُ الأنظار فيها أيضًا إلى أن هذا الصنيع ليس عبارة عن الاعتداء على أشخاص الخلفاء لإزالة فسادهم على ما ادعَوه؛ لأن فساد الأشخاص طريق إزالته تبديل المُصلِحين بالمفسدين، وقد عُزل خليفة السوء - على زعمهم - وأقيم الخليفة المحمود شخصه، فأيُّ حُجَّة بعد عزل الشخص إلى عزل الخلافة عن منصِب حكومتها، واتخاذ الخليفة والخلافة ظهريين تركهما في الأستانة غير المصون محلها في اعتقادهم، حتى لم يروها جديرة لأن تتَّخذ عاصمة، فهل لا يلزم في مقرِّ الخلافة العِصمة التي تلزم في مقرِّ الحكومة؛ كما قال العلامة السيد رشيد رضا؟ ولكن السيد المشار إليه مع كونه من بين علماء مصر الذين خاضوا في تدقيق هذا البحث وحيدًا في الاطلاع على طباع الحكومة التركية الحديثة والتنبيه على خططهم منذ سنين، كيف لم ينتبه لحل هذه العُقدة التي أبداها نفسُه أو صفَح عن تقريعهم به؟!

 

وها أنا أقول: لا يلزم العصمة في مقر الخلافة والخليفة عندهم؛ لأنهم ملتزمون إهمالَهما وإبطالهما؛ ولهذا كان عندي ما سألهم السيد الشاب إليه مِن إيتاء الخلافة حقها ومنصبها المشروع - مع أن ما أرادوه من حقها المشروع فوق ما انتزعوه منها - هدر أو عبث، لا يَجوز صدور مثله عن مثله، وقد ذكر نفسه في كتابه أن المتفرنجين الذين قسمهم إلى حزب قويٍّ منظَّم في الترك وغير منظَّم في مصر، وضعيف في مثل سوريا والعراق، أعداء الديانة والخلافة، وأن عداوتهم أشد من عداوة غير المسلمين، وليت شعري كيف خفِي على فراسة الشيخ العلامة أن الذين أمسكوا بزمام الحكومة التركية مِن حزبَي الاتحاديين والكماليين أولئك المتفرنجون المنظَّمون الأقوياء الأشداء العداوة للديانة والخلافة، وفي رئاستهم الآن بطل الشرق بطل الأبطال مصطفى كمال، وقد جرى على بطالته في خطة عداوته؟

 

وبعدما استثنيتُ صاحب المنار، فكل مَن كتب وأفتى في مسألة الخلافة مِن علماء مصر كان خبطه في تطبيق الحادثة لما أُسندت إليه في الدين أو التاريخ أشدَّ مِن خبط عشواء، وكأن بطل الشرق شنَّ بها على علومهم وعقولهم غارة شعواء، والآيات والأحاديث التي اشتملت عليها مقالاتهم لتصيرنَّ وبالاً عليهم؛ لما حرفوا الكلم عن مواضعه واستعانوا به في ترويج المعصية، بل اللا دينية، ولو مِن حيث لا يشعرون؛ لكونه في محل لا يُعذر فيه عدم الشعور، ولزوم إخراج الحكومة من ربقة الدين، ونفوذه لتفريق الحكومة عن الخلافة لتفريق الدنيا عن الدين لزوم بيِّن لا يخلو عن معنى الالتزام.

 

ولعمري إن المسألة كانت جليَّة[3]؛ بحيث لا تَخفى - لبساطتها - على عامة المسلمين، ولكن كثيرًا من الذين جلسوا مواقع العلم لبَّسوا الأمر عليهم، وليحملنَّ أثقالهم وأثقالاً مع أثقالهم، وليسألن يوم القيامة عما كانوا يعملون، ولو تفكَّروا لوَجدوا لهم عبرة وعِظة في لسان حال العلماء بالأستانة، وهو في محل الحادثة؛ حيث لم يزالوا ساكتين، ما شهد لمصطفى كمال في هذه المسألة أحد مِن المعروفين فيها بعلم الدين، خلا صاحب الكتاب الذي أعدَّ له طريق الرجعة والبراءة عند الناس، وخلا شرذمة مِن جهَلة المُداهِنين، وكنتُ في مقالتي المبحوث عنها مرارًا دعوت على المصريِّين المُصرِّين على مشايعة مصطفى كمال والمُسرِفين[4] في إحسان الظن به وإساءته فيمَن خالفه، كما أنهم كانوا كذلك في شأن رجال الاتحاديين: أن يسلط الله عليهم أو يَحشرهم معه في الآخرة، ولو سألت الله في كتابي هذا أن يبتليهم بمثل ما راق في نظرهم من حال بلادنا؛ فيجعل مصرهم في عهد استقلاله وحريته مغرمَ ومغنمَ حزبٍ إفرنجي الاعتقاد، بلشفيِّ الاستبداد، حزب الأحمرَين الدم والذهب، فيتغلَّب ويلعَب بأموالهم وأنفسهم ودينهم ولسانِ دينهم وشعائرهم وحريتهم واجتهادهم وانتخابهم، يقعد لهم صراطهم المستقيم، فيَنزع عنهم لباسهم، ويُذيقهم لباس الجوع والخوف، يغشُّهم في مصالحهم بأنواع المضارِّ، ويَمكرهم مكرَ الليل والنهار، ولا يفكهم مِن نار الوغى إلى نار القرى، بل إلى نيران حريق تكسَح المدن والقُرى، حتى يجعل أوطانهم كالعهنِ المنفوشِ عاليها سافلها، ويجعل مَن لا يتبعهم كالفراش المبثوث كأن لم يغنوا فيها، ويجعل مع ذلك وزرَ جميع ما فعله عليهم، ويرمي كل طائفة بسلاحها الخالص بها؛ فيَقرِف أحفظ الناس لدينه بخيانة الدِّين، وأعفَّ الناس في معاملاته ببَيع الوطن، والحال أن دين الشعب تحت قدمه، وثمَن الوطن في جيبِه، وجيبُ مَن قرف عليه كفؤاد أم موسى فارغًا من ثمن ما ملكت يداه قديمًا، وغصبه القارف القاذف فضلاً عن ثمن المبيع، إلى آخِر ما جرى في بلادنا، وأجرى الدموع، وفرَّق الجموع، وما لم يسمع منه أكثر مِن المسموع، فلو سألت الله في المصريِّين مثل ذلك لكان المُصاب، ومَن وقع عليه العذاب خيارهم الأبرياء على مقتضى قضية المماثلة، فلم يَشفني دعائي مِن داء الاستياء، ولم يَكفِني مجازاة المصريِّين جزاء الافتراء، "فإذا رميتُ يُصيبني سهمي" وإذا تلقينا "خاصة" في قوله -تعالى-: ﴿ وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً ﴾ [الأنفال: 25]، واردًا على النفي وجدنا في الآية الكريمة تصوير هذه الحالة المفجعة، وإن كان التبادر عكس ذلك؛ أعني: كون النفي واردًا على القيد.

 

ثم إني يَغلب عليَّ الضحك عندما رأيتُ العلماء المصريِّين يُكرِّرون البحث عن استبداد الخلفاء وتَغلُّبهم[5] على الناس، ويَجتهِدون بذلك في إثبات الحق لمصطفى كمال فيما فعله مِن تغيير أمر الخلافة، مع أنه ما تَغلَّب خليفة حق بعد المغفور له عبدالحميد، إنما وقع التغلُّب بعده على الخلفاء حتى عمَّ هذا التغلب عبدالحميد أيضًا في منتهى خلافته، ولقد انضمَّ إلى التغلب المتطاول على الخلفاء مُفتريات تَثلبُهم وتَستهين بهم، وشارك المُفترين مَن تكلم في مسألة الخلافة من علماء مصر رجمًا بالغيب في معصية الخلفاء، وإيمانًا بالغيب في طاعة المتغلبين الجدُد مثل مصطفى كمال وأسلافه، وأولئك الخلفاء على علاتهم وخطيئاتهم بالنسبة إلى هؤلاء الفجار مِن صلحاء الناس لا أقلَّ مِن أن يَنزلوا في عداد العصاة المؤمنين.

وماذا بمصرَ مِن المُضحِكات
ولكنَّه ضَحِك كالبُكا

 

ومِن المُضحِكات قول الدكتور المصري "حسين همَّت" الذي بحث عنِّي وعن مصطفى كمال - فيما كتبه على المقطم بالعدد الصادر في 31 من أكتوبر سنة 1923-: "رجل خدم الدولة والدِّين، وأنقذ الشرع الذي ظنَّ مصطفى صبري أنه محصور في شخص السلطان المخلوع وأتباعه؛ لأنه جهل أن العالم يسير خطوات واسعة نحو الديمقراطية الصحيحة، إذا كان يَجهَل حقيقة الأحوال[6] في العالم فليَرجع إلى روسيا ويرى كيف أُلقي القيصر إلى النار، وكيف نبَذ الألمان الإمبراطور، وكيف يهدِّد الإسبان ملكهم، وما ذاك إلا لأن هذه الأمم ملَّتْ حكمَ الفرد المضرِّ الاستبدادي الذي كان فيه هؤلاء القياصرة يُمثِّلون دور مَن يستمد سلطته مِن الإله"، وأقول للرجل: إن كنتَ رأيتَ بي جهلاً فهو مما عفتُ حتى غثَت نفسي مِن علومكم الحولاء التي تزيِّن لكم مثل ما جرى في الروسية البلشفيَّة، وتريكم الأشياء على غير ما هي عليه، وإذا سلب الله عقول أمة يظهر من بينهم أمثالكم ممَّن يُنفِّرهم عن الذين يستمدون سلطتهم من الإله، ويَدعوهم إلى الذين يستمدون سلطتهم من الشيطان؛ ثقةً بألفاظ الكذابين الذي يَعِدون بالديمقراطية ثم يفعلون بالناس ما لم يفعله الجبابرة الأولى، ولا يميِّز من المعنى ولا الديمقراطية التي أتَت خالصة مِن قِبَل الأمة من مموِّهة تَقسرهم عليها سيوف الجيش التي ليس من شأنها التدخل في السياسيات، وبعد ذلك كله يُغالي في حماقته ويَغبِط الروسيِّين في الإدارة البلشفية التي هي أول اثنتَين مِن أعظم فتن الدنيا الحديثة، وثانيتهما الفتنة الكمالية والاتحادية، وماذا أقول أنا؟ فليجعل الله لمِصرهم نصيبًا مِن أحوال مغبوطية، وقد كشفتُ عن ماهيَّة الديمقراطية الكمالية في غير هذا الموضع مِن هذا الكتاب.

 

ومن المضحكات تصديق المصريِّين وثقتهم بصحة وجدِّية ما سنَّه الكماليُّون مِن قانون منع المُسكِرات، ظانِّين أن ذلك وقَع منهم لوجه الله أو مصلحة الأمة، وعادية من محاسنهم ومناقبهم، مع أنهم نهوا أن يَبيع الكحولَ مَن شاء من الناس؛ ليكونوا هم البائعين، فيختصُّ ربحها بهم وهو عظيم جدًّا، وكثير ممَّن في تركيا يعلم اشتغال بعض أعضاء المجلس الوطني بهذه التجارة، واتخاذ بيوتهم معامل المسكرات ومخازنها، وكذا يعلم كل مَن في تركيا أن مصطفى كمال أشهر مدمني الخمر، لا يمرُّ عليه وعلى أصحابه وأحبابه وماسطيه يوم وليلة بلا مُسكِر[7].

 

ومِن المضحكات الأليمة واللئيمة ما كتبه بعض صحُفهم يصوِّر الجمهورية التركية، ولما هو آية وغاية مِن الغفلة والحماقة، ولا يكاد يَصدُر مثله مِن غير المصريِّين، يقول: "فاز أنصار التجدُّد في أنقرة، ونودي بالجمهورية التركية، فأصبح يوم 27 أكتوبر سنة 1923 علَمًا مِن الأعلام، ويومًا من الأيام المشهورة في تاريخ الشرق والترك والإسلام؛ ففيه نودي بالجمهورية الشرقية المسلمة الأولى، وفيه أعيد الحكم شوريًّا ديمقراطيًّا كما بدأه الإسلام مِن قبل بعد انقضاء ألف وثلاثمائة سنة وسنة واحدة، فمَحا يوم أنقرة يوم صفِّين، ونقَض مصطفى كمال ما أسَّسه ابن أبي سفيان، فأعاد الأمر شورى بعد أن جعله ذاك مُلكًا عَضوضًا[8].

 

ولا بدَّ للإنسان في رؤية التقلب التركي بهذا الشكل أن يُبتلى بالعمى المصري؛ مِن حيث البصر والبصيرة، ونحن نتأدب ونستحي أن نوازِن رئيس الجمهورية التركي بالخلفاء الراشدين، وهو الذي ألغى الحكومة الإسلامية في تركيا! ولا نقول ذلك بالنظر إلى شكل الجمهورية، ولا شكل ما تقدَّمها، بل النظر إلى معنى الإسلام وروحه، وفضلاً عن الجمهورية الإسلامية في عصرها الذهبي فإن هذه الجمهورية لا تَعدِل الجمهورية الإفرنجية في جدتها وإخلاصها وابتنائها على آراء شعوبها، ثم إنا نستحي أيضًا أن نَعدِل رئيس الجمهور التركي بأدق قلامة ظفر لابن أبي سفيان؛ لا في الرويَّة، ولا في العدالة، ولا في الاحترام بكرامة الأمة وحريتها، مع كون هذا رئيس الحكومة الجمهورية الديمقراطية في الكلام، وكون ذلك رئيس الحكومة المُطلَقة وصاحب الملك العَضوض، وهو الذي أوصى عند موته أن يوضَع في عينيه مِن قلامة أظفار النبي -صلى الله عليه وسلم- التي كان يدَّخرها ويدفن معها، وهذا الرئيس لو وقع في يده رسول الله حيًّا لهمَّ بأن يَقتلع أظفاره!

 

وقد اتبع هذه العماية المصرية أمير شعرائهم شوقي بك؛ حيث قال في قصيدته التي عنونها بقول: "الأستانة تُعزَل وأنقرة تُكلَّل":

إن الذين توارَثوكِ على الهَوى
بعد ابنِ هندٍ طالَما كذَبوكِ[9]

 

والخِطاب للخلافة؛ فكأنَّ الخلفاء صدَقوا الخلافة في نصف نصف عصر مِن ثلاثة عشر عصرًا ونصف عصرٍ، ثم كذَبوها في مدة تبلغ أضعاف ما صدَقوها فيه بخمسين، حتى جاء مصطفى كمال فصدَقها مرة ثانية، فإذًا ما يعبر عنه تاريخ الإسلام فاثنان مِن مائة جزء منه صادقان، وثمانية وتسعون منه مملوءة بالكذب، ثم استؤنف الصدق بمصطفى كمال، وهو الذي ألغى الخلافة؛ حيث أخلاها عن العمل؛ لئلا يختلط الدين بالدنيا ولا يكون له سلطة عليها، وليت شِعري إن الحديث النبوي الذي أشار إلى تغيُّر صفوة الخلافة بعد ثلاثين سنة لماذا ترك الإشارة إلى هذا الاستئناف بعد ثلاثمائة سنين، وعندنا إن كان بعد الثلاثين بدأ الملك العضوض فعهد مصطفى كمال مبدأ المُلكِ العقور.

 

ومُضحِكات المصريِّين المناقِضة لحقائق الوقائع كثيرة لا تُحصى[10] حتى لم يخلُ منها السيد رشيد رضا أيضًا عن سعة اطلاعه ودقَّة فهمه؛ حيث قال: "إن الحكومة الحاضرة التركية ألغَت السلطة الشخصيَّة بتمامها"[11]، قاله حين يئنُّ الأتراك تحت قهر السلطة الشخصية الكمالية.

 

وبين تلك المُضحكات كلمة تدمع منها عين الإنصاف، وقد أكثروا التفوَّه بها عند ذكر السلطان وحيد الدين، وهي كلمة الباحث عن فراره مِن الأستانة والتجائه إلى حماية الإنجليز، كلما اتَّفقت فيها ألسنتهم يَتنقصِونه بها ملء أفواههم، فهل كانوا يودُّون ألا يبرَح الأستانة ويُصاب بما يُصاب به المرحوم علي كمال بك، وكيف كانوا يفعلون لو وقعوا موقعه وأيقنوا التهلكة، فاحكموا بالعدل والإنصاف ولا تحرِّموا عليه ما أحلَّ الله لعباده، ولا يجرمنَّكم شنآن الإنجليز على ألا تَعدِلوا في الحكم على الخليفة وحيد الدين، وأنتم - علماء الدين - أمناء الله في أرضه، مع أن المفرور منه - وهي الشركة المستبدِّة المستولية على بلاد الأتراك، المؤلَّفة أعضاؤها النافذة مِن المُتفرنِجين - أشد حقدًا وأسوأ نية وقصدًا في الإسلام والمسلمين مِن المُلتجَأ إليه، لا تعلمونهم نحن نعلمهم، وأنتم مسؤولون عند الله ومناقشون في الحساب يوم القيامة أشدَّ المناقشة مما حدث في بلادنا منذ سنين من الأحوال المُدهِشة والألاعيب المرتَّبة لقَبضِ روح الإسلام في محيَّاه، وكنتم أنتم عونًا للمُعتدين القابضين في كل مُلمَّة توقع عليه مُغطاة بالهرج والمرج، ولما أنكم سمَّاعون للكذب، ونظارون في الأشياء بعيون غير صحيحة لا تزالون توجِّهون في المعارك السياسية المُستحدَثة بين الأتراك سهامكم المسمومة بالشماتة الشنْعاء إلى مَن ترونهم ضُعَفاء مِن الذين اجتنبوا الطاغوت أن يَعبدوها، مُتظاهرين عليهم بالإثم والعدوان، وتصطفُّون مع الذين يؤمنون بالجبت والطاغوت، ﴿ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً ﴾ [النساء: 51]، والله ربُّنا هو أعلم مَن جاء بالهدى، وبمن تكون له عاقبة الدار إنه لا يفلح الظالمون، ولعلَّ الالتحاق بمَن غلب خلَّة طُبعت عليها مصر، وكان فيها من قبل قد قيل للناس: هل أنتم مجتمعون ﴿ لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِنْ كَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ ﴾ [الشعراء: 40].

 

فإن كان كَبُرت عليكم معاتبتي، وألفيتموها شديدة بل سيئة فاعذرونا؛ فإنا قد أصبْنا منكم ومن أوليائكم من الأتراك الاتحاديين والكماليين ظلمًا وهضمًا، وإنه لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا مَن ظُلم، وإنا رأيناكم أجرأ الناس على الفُتيا حسب ما يقضي الهوى في القضايا، فلمَ تُحاجُّون فيما ليس لكم به علم، وتجادلون في الحق بعدما تبين، ألم يَكفكُم في رؤية الحق والحقيقة مسألة الخلافة الحديثة حتى تحرَّيتم لها مساغًا في شرع الإسلام ومثالاً في تاريخه؟ ولن تجدوا حتى تقوم الساعة مسارًا ومثالاً في الإسلام لتجريد الحكومة عن الخلافة لتجريدها عن الدين، وبعبارة صريحة نطَق بها مندوبهم في مؤتمر "لوزان": "لتكون حكومة لا دينيَّة"، فكيف تشهدون لأناس شاهدين على أنفسهم بالكفر؟ تؤولون وتقرِّبون إلى الدين أفعال الذين يريدون التباعد منه، ما هذا بخدمة لهم ولا للدين، ﴿ هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَنْ يُجَادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً ﴾ [النساء: 109].



[1] وفعلاً اقترح عليه "رؤوف" - وكان من أعوانه - ورئيس الوزارة، ولفيف مِن رجال السياسة تكوينَ حكومة واحدة يصبح فيها السلطان ملكًا دستوريًّا، ويَصير مصطفى كمال رئيسًا لوزارة، لكنه أخفى نواياه الحقيقية عن محدِّثيه مقدِّمي الاقتراح، فلم يكن يرغب في أن يكون رئيسًا لوزارة تخضَع لسلطان دستوري، وإنما يرى أن تذهب السلطنة والخلافة وتنشأ جمهورية يستطيع في ظلها أن يُنصَّب حاكمًا مطلقًا على البلاد (أرمسترونج - مصطفى كمال) (ص: 189 -190)، أما قوله: "حتى إن مصطفى كمال لو كان حائزًا على أول شروط الإمامة وهو التدين بدين الإسلام ولم يكن مِن أعدائه.. إلخ"، فهو يشير إلى عِرقه الدونمي اليهودي.

[2] حقًّا، إنها حادثة لم يَسبِق لها مثيل في التاريخ الإسلامي، ويبدو الشيخ منطقيًّا في تقديمه الحُجَّة تلو الأخرى في بطلان ما فعلوه، كما هو ظاهر في السياق، لا سيما مطالبته التمييز بين الأشخاص والنظام، وتساؤله: "فأي حاجة بعد عزل الشخص إلى عزل الخلافة؟".

[3] حرص المؤلف منذ البداية على المجاهرة بأن ما فعله الكماليون مخالفة للشرع الإسلامي، وهذا أمر بديهي غنيٌّ عن البحث والمناظرة، ولا يحتاج إلى إثبات، ولكنه عندما وجد التباسًا عند الكثيرين، اضطرَّ إلى الشرح والتوضيح؛ كما نرى.

[4] كان ميل المصريِّين لمصطفى كمال في البداية مستمَدًّا مِن الرابطة الدينية التي ربطتهم بدولة الخلافة الإسلامية، فقد امتلأت قلوبهم حزنًا لمصير الأستانة - دار الخلافة - وقد اقتسمها الإنجليز والفرنسيون والطليان، ثم استيقظ الأمل في قلوبهم حينما علموا بثورة الأتراك في الأناضول على قوات الاحتلال، وتعلَّقت الآمال بأتاتورك لقيادته المتمرِّدين في قتال يائس مع اليونان الذين انتشروا في قرى أزمير يدمِّرون كل ما يصل إلى أيديهم، ولا يُراعون لشيء حُرمة، وكان ابتهاج المصريِّين بانتصار الترك بقيادة مصطفى كمال إنما كان مِن وجهة نظر إسلامية خالصة، وعندما أعلن الجمهورية بعد ذلك واتخذ "أنقرة" عاصمة لها، مكتفيًا بإرسال ممثل لحكومة "أنقرة" الجمهورية، لدى الخليفة في الأستانة، حينئذ تباينت مذاهب الناس في هذا الانقلاب، ولكن كثرتهم أيَّدت مصطفى كمال، ورجت من ورائه الخير للمسلمين.

وعندما فاجأهم بإلغاء الخلافة وظهرت حقيقة نواياه، تحوَّل التأييد إلى هجوم عنيف؛ فقد أصبح العالم الإسلامي للمرة الأولى - منذ وفاة الرسول - صلى الله عليه وسلم - بلا خلافة، فأخذ الذين ناصروا مصطفى كمال بالأسف وأحسَنوا به الظن، يَعتذرون عما ساقوا إليه مِن مدح، ويبرَؤون مِن صنيعه، ويُبالغون في ذمه، عندما تأكَّدوا من انحرافه.

ومن أحسن ما كتب في تصوير هذا الانحراف - كما يرى الأستاذ محمد محمد حسين - مقال لمصطفى صادق الرافعي نَقتبِس منه سطورًا تصور وقع المأساة، قال: "وكانت هذه المعاملة الإسلامية الكريمة مِن هذا الطاغية - يقصد قبل انكشاف حقيقته - هي بعينها رِبا اللفافة اليهودية في مخِّه - مشيرًا إلى ما أشيع وقتذاك من أن فيه عرقًا يهوديًّا - تُصلِح بإقراض مائة وفيها نية الخراب بستين في المائة، فإنه ما كاد يتمكَّن مِن الناس ويعرف إقبالهم عليه وثِقتهم به، حتى طلبت اللفافة اليهودية رأس المال والربا!!"؛ د. محمد حسين: الاتجاهات الوطنية في الأدب المعاصر (2: 41).

[5] يصف الأستاذ أنور الجندي هذا الاتجاه السائد إلى الآن بقوله: "لقد تأخَّرْنا في مصر والشرق في كتبنا المدرسية وأبحاثنا التاريخية بوجهة النظر الغربية تجاه الدولة العثمانية، وهي وجهة خاصة للغربيِّين، نتيجة للتوسُّع التركي العثماني في أوروبا، والمقاوَمة التي عرفتها مناطق البلقان وغيرها في القرن التاسع عشر، وقد نقل الاستعمار البريطاني في مصر، والفرنسي في سوريا، وجهة النظر هذه إلى كتب التاريخ التي تُدرَّس في مدارسنا وجامعاتنا، كما تأثَّر بها بعض مؤرِّخينا متابِعة للنظرة الغربية، أو تحت تأثير الدعوات الإقليمية؛ كالفرعونية والفينيقية، غير أن هذه النظرة تعمَّقت مِن بعدُ، وبلغت أقصى غاياتها في تجاوز الحقيقة، على إثر ظهور الصحافة العربية التي حرَّرها وأخرجها اللبنانيون المارُون خرِّيجو معاهد الإرساليات، وأصحاب العداء الواضح للدولة العثمانية؛ مقال: قضية الدولة العثمانية، مجلة الاعتصام، العدد العاشر، ربيع الآخر 1394هـ/ مايو 1974 م.

[6] أثبت المؤلف أنه - على العكس - يعلم حقيقة الأحوال في العالم آنذاك؛ فلم تخدعْه الألفاظ الرنانة والدعايات الكاذبة عن الديمقراطية أو حرية الشعوب، والعمل بمقتضى إرادتها التي أعلنها الكماليُّون؛ حيث وقف بنفسه على أن هذه الديماغوجية تُخفي وراءها أقسى صور الحكم المطلق، فهم - على حدِّ قوله - يَعِدون بالديمقراطية ثم يفعلون بالناس ما لم يفعله الجبابرة الأول، ويتخذون مِن الجيوش أداة للحكم، بينما ليس من مهامِّها إدارة الشؤون السياسية.

لقد سبَق الشيخ مصطفى عصرَه بمثل هذا الرأي، وكأنه يضع يده على عِلَل بعض الأزمات السياسية المعاصِرة في دول العالم الثالث.

[7] يقول أرمسترونج: "فقد عاودته آلام كُليتيه، وصارت تهاجمه بلا انقطاع، فيُغالِبها بالإفراط في الخمر" (ص: 211).

[8] يذكِّرنا هذا الإعلان بالحملات الإعلامية الطنانة، المحشوَّة بالأكاذيب والأغلاط؛ لتُخفي وراءها الحقائق، وتُمهِّد لقرارات مصيرية ضد الشعوب ومصالحها وعقائدها، ويكفي قراءة تعليق الشيخ مصطفى صبري عليها ليتَّضح لنا تعمُّد التزوير التاريخي، وتشويه الحقائق والتمسُّح بالإسلام وأمجاده؛ لإخفاء حقيقة النوايا المعادية للإسلام نفسه، وقد تجرأ أتاتورك على ما لم يجرؤ عليه حاكم قبله، أو حتى مجرَّد التفكير فيه، إذ يروي لنا الأستاذ مصطفى السعدني أنه عندما كان قنصلاً في إستانبول عام 1952 علم أن مصطفى كمال كان يُفكِّر جديًّا في أن يُلغي الدين الإسلامي، وأن يجعل الديانة السيخيَّة ديانة الدولة التركية، ولكن بعض أعوانه حذَّروه من مغبة ذلك الإجراء الخطير!! مصطفى السعدني: الفكر الصهيوني والسياسة اليهودية (ص: 216، 217) المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، القاهرة، يناير 1971 م.

[9] وذلك عندما كان شوقي مخدوعًا كغيره من المسلمين - كما بينَّا آنفًا - حيث كان يظن أنه ينتصر للإسلام، وذلك في مثل قوله:

الله أكبر، كم في الفتح مِن عجب
يا خالد الترك، جدِّد خالد العرب

فلما ظهرت الحقيقة، بكى الخلافة - كما فعل المسلمون - وقال في قصيدته التي مطلعها:

عادتْ أغاني العرس رجعَ نواحِ
ونُعيتِ بين معالم الأفراح
كفِّنتِ في ليلِ الزفاف بثَوبه
ودُفنتِ عند تبلُّج الإصباح
ضجَّت عليكِ مآذنٌ ومنابر
وبكَت عليكِ ممالِك ونَواح
الهند والهةٌ، ومصر حزينة
تبكي عليك بمدمَع سحَّاح
والشام تسأل، والعراق وفارس:
أمحا مِن الأرض الخلافةَ ماحِ؟

د. محمد حسين: الاتجاهات الوطنية في الأدب المعاصر، وفتحي رضوان: مصطفى كامل (ص: 246) اقرأ العدد (390/ 1974م دار المعارف).

[10] ومن العجائب أن هذه المُضحكات تقع مِن المصريِّين عن غيرة وحمية ووفاء منهم للأتراك؛ بِناءً على كونهم دولة الخلافة، لكن تلك الحميَّة جاهلية بتمام معنى لفظة الجهالة، ألا تراهم يؤيِّدونهم حتى في إلغاء دولة الخلافة، وقلبها إلى الدولة اللا دينية، ثم إنهم على حفظ العهد والوفاء للترك ماذا يريدون بالترك؟ هل هو مَن يتكلَّم بالإضافة إلى الترك ويُجيد في صنعة الدعاية إلى اسمه وإن كانت تلك الدعاية لنفسِ الداعي ونفس الداعي بالنسبة إلى الترك والإسلام، أو كان متغلِّبًا على الأتراك لا بالعزِّ المُعتاد للتغلب، بل بالتغلب الذي يُثير الفتنة على دينهم وأموالهم وأنفسهم، ويكون أعظم مضارِّه وأدومها عليهم مِن بين الأقوام الذين مازَجوهم وعايَشوهم لإمكان قطع علاقة السائرين عن المتغلِّبين بصورة ما؛ ولهذا تجد الأتراك أفقرَ وأخسرَ مِن الشعوب التي افترقن منهم في نتيجة سِني الحروب مع كون تلك الشعوب - في الأكثر - على الثغور التي جرَت الحرب بساحتها، وتغلب الأدعياء على الأحقاء والتِباسها بهم صار آفة على الترك أيَّ آفة، فمَن سخط مِن جنايات الأدعياء يَلعن الترك على الإطلاق، فلما يتحمَّل كُلفة التمييز بين الجناة وأضدادهم أو يصب في تمييزه، ومَن دام على غيرة الترك ومحبَّته يجعل غيرته وقفًا على الأدعياء وعونًا لهم في كل فعالهم، ولو كان فعالهم ويلاً للترك نفسه.

وقد رأيت مقالة في جريدة "الرأي العام" البيروتية الغراء لصاحبها الفاضل، وتبعه صاحب جريدة "البرق" الغراء في معاتبَة أبناء العرب الذين لا يَنتهون عن محبة الأتراك بعدما ازورُّوا عن الجماعة الإسلامية، وعوَّضوا بها الجامعة الطورانية حتى اجتهدوا في إقامة أحكامها وشعائرها مقام الأحكام الإسلامية وشعائرها، لكنِّي أعيذ هاتَين الجريدتَين وصاحبيهما الفاضلين أن يقعا في الغلَط، ويأخذا الأمة التركية البريئة المسكينة بذنوب الاتحاديين والكماليين، وحسبُها ما قاسته منهم ولا تزال تقاسيه مِن أنواع المصائب والدواهي القاضية على دينهم ودنياهم، فارحما مصابهم الذي ما أصيبت بمثله أمة مِن الأمم، ولا تَحثوا الملح على جرحائهم، فإن أنقذها الله وفيها هشاشة نفس بقيتْ قبل أن يجهزوا عليها، فتجد أنها على العهد القديم من محبة إخوانها المسلمين ما خانته وما نكثته، وهي تلعن الخائنين والناكثين قبل ما تَلعنان وفوق ما تلعنان، وها أنا واحد مِن تلك الأمة ومثال حي:

جاهدتُهم قبلكما، وجاهدت مَن يتعصَّب لهم من إخوانكما بالعصبية العمياء قبلكما، حتى انتقدني واحد منهم في جريدته بأني أريد التقرب إلى غير جنسي، فأنتما تلومان الأتراك على صدودهم واجتنابهم، وهو يلومني على اقترابي، مع أنه هو الذي أراد أن يَقترِب إلى غير جنسه وملته إن كان هو مسلمًا؛ لأن الذين تعصَّب لهم رفضوا الإسلام منذ زمان، وأما أنا فلا أفهم من دعاوى الجنسية شيئًا يرتاح له قلبي ويلتذُّ به في أية جنسية كانت، وما هجرتُ جِنسي وما صرمتُ قومي الأتراك المسلمين، وإنما صرمت فئة بغتْ عليهم وعلى الخلافة الإسلامية، وأحبت اللا دينية على الإيمان والجنسية في الإسلام، فإن فعلت العرب كذلك وفضَّلت جنسيتها على إسلامها فسأَصرمهم أيضًا.

ثم إن رأس الخطر الذي يسوق اليوم بعض إخواننا العرب إلى قَلْيِ الترك بأمتها ورمَّتها غلطهم في هوى الترك قبل قلاها؛ لأنهم أحبوا الاتحاديين والكماليين على ظنِّهم أمة الترك، وعززوهم بنية الأمة، حتى أبطروهم وأبصروهم يَكفرون بنعمة الإسلام، وهذا الذي يروَنه منهم مِن الإساءة جزاء ذاك الغلط؛ أعني: غلطهم في موضع المحبة، ثم إني أعيذهم بالله من الغلط مرة ثانية في موضع السخط، وألا يدوم التباس الحق بالباطل فيتجنَّى على المظلوم بجناية الظالم، وليس من العدل ولا مقتضى العقل أن تحب الحكومة الاتحادية أو الكمالية التي تضيِّق على الأمة التركية وتخنقها، وتعدُّ تلك المحبة الممنوحة للذين هم المصيبة الموبقة المسلَّطة على أمة الترك محبة الترك، ثم يسخط على الترك بما فعله المسلَّطون على الترك قاصِمي ظهرها، فيستفيد أولئك المسلَّطون من المحبة الموجَّهة نحو اسم الترك، وينزلوا السخط المتولد من فعالهم على الترك، والأمة كما أنها مظلومة في حالة السخط فهي ما انتفعت مِن حالة المحبة، بل أصيبت بها أيضًا؛ من حيث إنها عززت الداهية الاتحادية والكمالية وسلطانها عليهم، والذي أريد أن أبيِّنه هنا ولا تسعفني مقدرتي في اللغة العربية كما أردت، فما ينبغي لإخواننا المسلمين الذين لهم آصرة على الترك ثمينة يعزُّ عليهم انصرامها أن يشغلوا به جانبًا خطيرًا من الدقة والاهتمام.

عديري مِن لسان أعجمي
يضيق معربًا عن رحب نَحبي
وقد أنطقتُه حتى إذا ما
تنامى طولُه أنطقتُ قلبي

[11] ونلاحظ أنه يدعو إخوانه العرب للتمييز بين الشعب التركي المسلم الحريص على إسلامه وبين الاتحاديين والكماليين؛ فإن هذا الشعب يعاني مع إخوانه العرب من أنواع المصائب والدواهي القاضية على دينه ودنياه، ويبدي دهشته - وهو محق - لأنه عندما جاهدهم اتُّهم بأنه يريد التقرب إلى غير جنسه، فلا ينبغي - إذًا - على العرب أن يَخلطوا بين الشعب التركي وحكامه الجدد اللا دينيين.

وعندما ثار العرب على الحكم التركي بسبب هؤلاء الطغاة ابتُلُوا بالمستعمرين مِن الأوروبيين اليهود، وعلى سبيل المثال: نقتبس هنا بضعة أسطر مِن رسالة وجهها الوفد السوري في جنيف إلى ممثل فرنسا التي استعمرت سوريا واستولت عليها عقب انحلال الخلافة، والرسالة مؤرَّخة في 3 من نوفمبر سنة 1926م قال فيها: "لقد مضى ثمانية عشر شهرًا والحرب مشتعلة نيرانها في سورية، وبلاغات حكومتها الرحمية تَذكُر بالمباهاة خسارة الثائرين، وقد بلغت 16 ألفًا "ستة عشر ألفًا" حتى الآن ما عدا النساء والأولاد، فإن هذه البلاغات تتجاوَز الإجماع عنها بالطبع، لقد دمِّر نحو خمسمائة قرية، وأصبح قسم مِن مدينة دمشق خرائط، وباتت سورية في حالة شقاء لا توصف".

أوجين يونغ: الإسلام وآسيا أمام المطامع الأوربية (ص: 83)، مطبعة النهضة بشارع عبدالعزيز بمصر سنة 1928م.

والخطاب - كما يرى القارئ الكريم - يتحدث بنفسه، ولا يحتاج إلى تعليق، فقط نودُّ أن نسترعي انتباه الباحثين إلى طرف من المآسي التي أحدقت ببلاد المسلمين - وما فلسطين منا ببعيد - لكي يُقارنوا بين الحكم العثماني - حتى في أسوأ حالاته في عصوره الأخيرة - وبين الاستعمار الغربي الذي لا يعلم إلا الله - تعالى - متى الخلاص من آثار الاستعمار العسكري التي ما زلنا نحتفل بذكرى أعياد التخلص منه!





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • مذهب الشيخ مصطفى صبري في الخلافة (1)
  • مشيخة الإسلام في الدولة العثمانية

مختارات من الشبكة

  • الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن التويجري في محاضرة: وقفات مع قوله تعالى: {إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة}(مقالة - موقع الشيخ عبدالله بن عبدالعزيز بن عقيل العقيل)
  • رسالة الشيخ عبدالكريم الدبان إلى شيخه الشيخ أحمد الراوي (PDF)(كتاب - ثقافة ومعرفة)
  • ترجمة الشيخ عبداللطيف بن الشيخ عبدالرحمن بن شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • الشيخ المحدث عبدالله بن عبدالرحمن السعد في محاضرة: مسائل متعلقة بشهري شعبان ورمضان(مقالة - موقع الشيخ عبدالله بن عبدالعزيز بن عقيل العقيل)
  • الشيخ د. عصام بن صالح العويد في محاضرة بعنوان (أركان تربية القرآن)(مقالة - موقع الشيخ عبدالله بن عبدالعزيز بن عقيل العقيل)
  • مسند الديار النجدية وفقيهها الشيخ محمد بن عبدالرحمن بن إسحاق آل الشيخ(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • الشيخ عبدالرحمن الدوسري مع الشيخ صالح الحيدان - الإيمان بالقضاء والقدر(مادة مرئية - موقع الشيخ عبدالرحمن بن محمد الدوسري)
  • رسالة وفاء ومحبة لعلماء دمشق من الشيخ محمد عبد الجواد القاياتي إلى الشيخ عبد الرزاق البيطار(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • مخطوطة إجازة من الشيخ علي بن سليمان المنصوري إلى الشيخ حسين بن مراد(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • الشيخ جبران بن سلمان سحاري في محاضرة: اختيارات فضيلة الشيخ عبدالله بن عقيل في باب النكاح(مقالة - موقع الشيخ عبدالله بن عبدالعزيز بن عقيل العقيل)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 16:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب