• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات   بحوث ودراسات   إبهاج المسلم بشرح صحيح مسلم   الدر الثمين   سلسلة 10 أحكام مختصرة   فوائد شرح الأربعين   كتب   صوتيات   مواد مترجمة  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    10 مسائل مهمة ومختصرة في: شهر الله المحرم
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    10 مسائل مهمة ومختصرة في الأضحية (PDF)
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    10 مسائل مهمة ومختصرة في 10 ذي الحجة (PDF)
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    الدعاء لمن أتى بصدقة
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    حديث: صدقة لم يأكل منها
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    حديث: هو لها صدقة، ولنا هدية
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    باب: (ترك استعمال آل النبي على الصدقة)
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    حديث: «كخ كخ، ارم بها، أما علمت أنا لا نأكل ...
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    شرح حديث: سيخرج في آخر الزمان قوم أحداث الأسنان ...
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    التعريف بالخوارج وصفاتهم
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    حديث: ألا تأمنوني؟ وأنا أمين من في السماء
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    إعطاء المؤلفة قلوبهم على الإسلام وتصبر من قوي ...
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    إعطاء المؤلفة قلوبهم على الإسلام وتصبر من قوي ...
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    إعطاء المؤلفة قلوبهم من الزكاة
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    باب: (إعطاء من سأل بفحش وغلظة) (2)
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    باب: (إعطاء من سأل بفحش وغلظة) (1)
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
شبكة الألوكة / المواقع الشخصية / مواقع المشايخ والعلماء / الشيخ عبدالرحمن بن محمد الدوسري / تفسير القرآن العظيم
علامة باركود

تفسير سورة البقرة .. الآيات (278 - 281)

تفسير سورة البقرة .. الآيات (278 - 281)
الشيخ عبدالرحمن بن محمد الدوسري

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 9/7/2014 ميلادي - 11/9/1435 هجري

الزيارات: 61961

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

تفسير سورة البقرة

الآيات (278 - 281)


قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ * وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 278، 279، 280، 281].


ينادي الله عباده بنداء التشريف حيث وصفهم بالإيمان ويأمرهم بالتقوى التي تردعهم عن أهوائهم ومطامعهم وتوقفهم عند حدود ربهم، ثم يأمرهم الله بترك ما بقي من الربا الذي كانوا يرابون به غرماءهم.


وهذه الآيات قاطعة لكل شبهة يتعلق بها المبطلون والمغرضون والمنهزمون الذين يسترخصون أنفسهم في سبيل المدح الكاذب أو التمسك بالوظيفة، فيصدرون الفتاوى الشاذة بإباحة الربا، متعلقين بشبهات أوهى من بيت العنكبوت، كما فصلت ذلك آنفاً، فالله العليم الحكيم سد بهذه الآيات منافذ الشبهات والتأويلات لعلمه المحيط بطبائع البشر، وأنه سيأتي من يتحايل على إباحة بعض أنواع الربا متعلقاً بشبهة أو تأويل فاسد يقتضي تحريف الكلم عن مواضعه.


فلهذا صفعهم بهذه الآيات التي تقطع دابر كل شبهة وتأويل، فإنه سبحانه وتعالى لما بين في الآية المتقدمة أن من انتهى عن الربا فله ما سلف، فقد كان يجوز أن يظن أنه لا فرق بين المقبوض منه وبين الباقي في ذمة الغرماء فلذا قال تعالى في هذه الآية: ﴿ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا ﴾ ليبين لهم أن ما لم يقبض من الدين فالزيادة التي فيه محرمة، فضلاً عما يريدون مضاعفته قبل التحريم وأنه ليس لهم أن يأخذوا إلا رءوس أموالهم، وإنما شدد الله عليهم في وعيده، لأن المنتظر حلول دينه مدة طويلة يظن أن الزيادة الربوية أصبحت حقاً له عند الحلول الذي طال انتظاره، فيحتاج في منعه عنها وردعه إلى تشديد عظيم في الوعيد، فلهذا ذكرهم الله بالتقوى التي هي اتقاء ما نهى الله عنه واتقاء العذاب الأليم في نيران الجحيم بالتزام الأوامر واجتناب النواهي الإلهية، فبدأ سبحانه بتذكير عباده بالتقوى، ثم أمرهم بترك الباقي من الربا الذي لم يقبضوه بعد أن عفا عنهم ما قبضوه قبل التحريم ليتحقق عندهم أن قبضه محرم، سواء كان بعضه أو جميعه.


فيا له من تعميم إلهي كريم يحصل بتحقيقه طهارة خلق الفرد وغرس المودة بين الجماعة، إذ ما يأكل الربا من له خلق وضمير وما يشيع الربا في الجماعة إلا وتنعدم بينهم المودة ويشيع التنافر وتسود الكراهية، لأن الذي يعطيك ديناراً ليأخذ منك بدله دينارين تعتبره عدواً لك يمتص دمك، فلا يصفو قلبك له أبداً. أما الذي يقرضك القرض الحسن، ويمهلك لتستفيد منه فإن قلبك يحبه وينجذب إليه وتعتبره صاحب معروف، تحرص على مكافأته ومساعدته ومقابلته بالإحسان، وتتمنى أن تسنح فرصة تخدمه بها، هذه طبيعة البشر.


وقد صور الله سبحانه شناعة الربا وسوء حال أهله تصويراً فظيعاً مرعباً مفزعاً، حيث قال في الآيات السابقة: ﴿ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ﴾ وهذا تصوير يحمل التهديد المعنوي المرهف للحس صورة المصروع الذي به مس من الشيطان.


وقد أسلفنا الكلام على معنى تخبطه، وأنه عام في الدنيا والآخرة، وأنه في دنياه يتخبط تخبط المجنون بالوساوس التي تساور نفسه في كل لحظة من الحرص على المال والهواجس الربوية التي تخل بحركاته مما هو مألوف عند المرابين يعرفه المتوسمون، ولكي يستجيش الله مشاعر المرابين لم يكتف بهذا التصوير، بل أعقبه بوعيد شديد لم يتوعد به أحداً من العصاة غيرهم وهو الحرب، إذ يقول سبحانه: ﴿ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ﴾. وقد أسلفنا أن فيها قراءة أخرى (فآذنوا) وبها يتضح المعنى كل الإيضاح، وهي قراءة عاصم وحمزة.


وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن عليّ أنهما قرأ كذلك (فآذنوا) بمد، يعني: فأعلموا، ويشبهها قوله تعالى: ﴿ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ آَذَنْتُكُمْ عَلَى سَوَاءٍ ﴾ [الأنبياء: 109] يعني أعلمتكم، ومفعول الإيذان محذوف في هذه الآية، تقديره: فأعلموا من لم ينته عن الربا بحرب من الله ورسوله، وإذا أمروا بإعلام فهم قد علموا ذلك، لكن ليس في علمهم دلالة على إعلام غيرهم، فهذه القراءة أوكد في البلاغة من قراءة الجزم وإن كانت هي المشهورة، مع أن قراءة عاصم مقدمة عند الإمام أحمد على قراءة حفص ونحوه إذا كانت من طريق أبي بكر بن عياش عن عاصم، وهي كذلك، وقراءة العامة من الإذن الذي هو العلم، أي: كونوا على علم وإذن، فإن لم تتركوا ما بقي لكم من الربا بعد تحريمه كما أمركم الله بتركه، فاعلموا واستيقنوا بأنكم على حرب من الله ورسوله، حيث لم تمتثلوا أمر الله وترتدعوا عن نهيه لأن إصراركم هذا خروج عن الشريعة يخرجكم عن الإيمان وإن بقيتم في دائرة الإسلام، فأنتم خارجون عن حكم الله ورسوله محاربون لهما.


وقد بنى العلماء على هذه القاعدة أن من أصر على المعاملة بالربا ولم يترك الزائد للغرماء فإنه إن قدر عليه الإمام قبض عليه وعزره بما يراه رادعاً له من الحبس أو الضرب أو الصلب على خشية أن يربطه عليها يوماً أو أياماً في مواقع متعددة ليخزيه بين الناس على حسب اجتهاده فيما يراه رادعاً، لأن بعض الناس لا يؤدبه السجن ولا يبالي به، وبعضهم يؤدبه الضرب، ولكنه لا يتحمل الضرب، فالذي لا يتحمل الضرب بتاتاً يخزى بالربط على خشبة لا أن يستعمل الإمام القسوة مفاجئة دون الاجتهاد بالنظر في أحوال الناس، فقد سبرنا بعض أحوال الناس فوجدنا بعضهم لا يبالي بالسجن أبداً ولا يردعه ويخيفه إلا الضرب، وبعضهم على العكس، أما إذ كان آكل الربا مما له عصبة وشوكة محاربة، فإن الإمام يقاتله كما يقاتل مانعي الزكاة في أي قرية أو قبيلة وكما يقاتل المجمعين على ترك الأذان أو ترك دفن الموتى، وغير ذلك من شعائر الإسلام.


واختلفوا في خطاب الله بقوله: ﴿ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ﴾. هل هو مع المؤمنين المصرين على المعاملة بالربا، أو هو خطاب مع الكافرين المستحلين للربا القائلين ﴿ إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا ﴾ فأولى المعاني أنها في المؤمنين المصرين على الربا، لأن قوله ﴿ فَأْذَنُوا ﴾ خطاب مع قوم تقدم ذكرهم وهم المخاطبون بقوله: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ﴾ إلى قوله: ﴿ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾، وذلك يدل بكل جلاء ووضح على أن الخطاب مع المؤمنين فإن قيل: كيف أمر بمحاربة المسلمين؟ قلنا: هذه اللفظة قد تطلق على من عصى الله غير مستحل للمعصية كما جاء في الحديث القدسي: ((من عادى لي ولياً فقد بارزني بالمحاربة))([1]). وفي نص آخر: ((فقد آذنته بالحرب)). كما جعل كثير من المفسرين والفقهاء قوله تعالى: ﴿ إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا ﴾ [المائدة: 33]. أصلاً في قطع الطريق من المسلمين، فثبت أن ذكر هذا النوع من التهديد مع المسلمين وارد في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.


وإذن الجواب عن السؤال المذكور على وجهين:

أحدهما: أن المراد المبالغة في التهديد دون نفس الحرب.


ثانيهما: أن المراد نفس الحرب، ولكن فيه تفصيلاً حاصله أن الإصرار على الربا إن كان من شخص واحد يقدر عليه عزره الإمام، وإن كانوا جماعة محتمين قاتلهم الإمام، كما فصلناه سابقاً.


قال ابن عباس رض الله عنهما: من عامل بالربا فإن تاب وإلا ضرب عنقه. والقول الثاني أنها في الكفار، ولكن منطوق الآية الصريح يكذب هذا الزعم.


وفي هذه الآية دليل على أن من كفر بشريعة واحدة من شرائع الإسلام كان كافراً به كله مهما زعم، وفي قوله تعالى: ﴿ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ دلالة واضحة على أن الإيمان لا يتكامل إذا أصر صاحبه على كبيرة من كبائر الذنوب، وإنما يصير مؤمناً إذا اجتنبت الكبائر، كما أن في هذه الآية أيضاً رداً على المرجئة.


وروى ابن جرير عن السدي أن هاتين الآيتين نزلتا في العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه عم النبي صلى الله عليه وسلم ورجل من بني المغيرة كانا شريكين في الجاهلية أسلفا في الربا إلى أناس من ثقيف من بني عمرو، وهم بنو عمرو بن عمير، فجاء الإسلام ولهما أموال عظيمة في الربا، فأنزل الله ﴿ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا ﴾ من فضل كان من الجاهلية من الربا.


وأخرج ابن جرير أيضاً عن ابن جريج قال: كانت ثقيف قد صالحت النبي صلى الله عليه وسلم على أن ما لهم من ربا على الناس وما كان للناس عليهم من رباً فهو موضوع، فلما كان فتح مكة استعمل النبي صلى الله عليه وسلم عتاب بن أسيد على مكة، وكانت بنو عمرو بن عمير بن عوف يأخذون الربا من بني المغيرة وكانت بنو المغيرة يربون لهم في الجاهلية فجاء الإسلام ولهم عليهم مال كثير، فأتاهم بنو عمرو يطلبون رباهم، فأبى بنو المغيرة أن يعطوهم في الإسلام ورفعوا ذلك إلى عتاب بن أسيد، فكتب عتاب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنزلت هذه الآيات وكتب بها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عتاب، وقال: ((إن رضوا وإلا فآذنهم بحرب))[2].


وأخرج أبو يعلى في مسنده وابن منده من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس نحو هذا. ومهما يروى من أسباب النزول فالعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، ولكن يستدل بها على قتال المصر المخالف.


وفي قوله تعالى: ﴿ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ عدة معانٍ:

أحدها: أن هذا مثل ما يقال: إن كنت أخاً فأكرمني معناه: من كان أخاً لرجل أكرمه.


ثانيها: إن كنتم مؤمنين قبله.


ثالثها: إن كنتم تريدون استدامة الحكم لكم بالإيمان.


رابعها: يا أيها الذين آمنوا بلسانهم ذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين بقلوبكم.


خامسها: وهو الصحيح أنه إن كان إيمانكم تاماً شاملاً بجميع ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم من الأحكام فذروا ما بقي من الربا، وذلك أنه قد عهد بالأسلوب العربي أن يقال إن كنت متصفاً بهذا الشيء فافعل كذا، ويذكر أمراً من شأنه أن يكون أثراً لهذا الوصف.


ويؤخذ من هذه الآية أن من لم يترك ما بقي من الربا بعد نهي الله عنه، وتوعده عليه فليس معدوداً من المؤمنين، لأن الإيمان الصحيح لابد أن يكون له السلطان الأعلى على إرادة صاحبه حتى يخضعها لإرادة الله.


وهذه الجملة من الآية بهذا المعنى مؤيده لما قلناه في تفسير خلود أهل الربا في النار، وأن من الناس من يؤمن ببعض الكتاب ويكفر ببعض، وذلك إذا لم يذعن للجميع ويعمل بالجميع، كما قدمنا مراراً أن الله حكم على من يعمل ببعض ويترك البعض الآخر أنه كافر ببعض الكتاب، ومن كان كافراً بالبعض كان كافراً بالجميع.


وقوله سبحانه: ﴿ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ ﴾.

يعني إن تبتم ورجعتم عن الربا فاقتصروا على رءوس أموالكم التي دفعتموها بدون أخذ زيادة عليها ﴿ لَا تَظْلِمُونَ ﴾ غرماءكم بأخذ زيادة منهم على رأس المال ﴿ وَلَا تُظْلَمُونَ ﴾ من قبل غرماءكم فينقصوكم شيئاً، بل تأخذون أموالكم كاملة.


قال العلماء: في هذه الآية أصل كبير في أحكام الكفار إذا أسلموا، وذلك لأن ما مضى منهم في وقت الكفر فإنه يبقى ولا ينقص ولا يفسخ، وما لا يوجد منه شيء في حال الكفر فحكمه محمول على الإسلام، فإذا تناكحوا على ما يجوز عندهم ولا يجوز في الإسلام نقرهم عليه إذا أسلموا بدون تعقيب، وإن كان النكاح وقع على محرم فقبضته الزوجة فقد مضى، وإن كانت لم تقبضه فلها مهر مثلها دون المهر المسمى، وهكذا.


وقوله سبحانه: ﴿ وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [280] يعني إذا وجد الغريم مدينه معسراً عند حلول الأجل وجب عليه إمهاله إلى وقت يساره إذا كان الإعسار متحققاً والمدين ليس ماكراً متلاعباً، وهذا الحكم من محاسن الدين الإسلامي وأحكامه الرحيمة السهلة الصادرة من عليم حكيم رحمن رحيم جل وعلا وكونه ملائماً لصلاح الأحوال الاقتصادية في كل زمان ومكان.


(والعسرة) في اللغة اسم من الإعسار وهو تعذر الموجود من المال، يقال أعسر الرجل إذا صار إلى حالة العسرة، وهي الحالة التي يتعذر فيها وجود المال.


وقوله: ﴿ فَنَظِرَةٌ ﴾ أي تأخير، فهي من الإنظار، يعني الإمهال. و(الميسرة): مقولة من اليسر واليسار الذي هو ضد الإعسار، وهو تيسر الموجود عليه من المال، ويقال: أيسر الرجل فهو ميسر، يعني كان غنياً.


واعلم أن حكم الإنظار ليس مختصاً بالدين الذي فيه رباً، بل هو عام في كل دين يكون المدين فيه معسراً.


وقوله سبحانه: ﴿ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ لما أمر الله الدائن أن يمهل المدين حال الإعسار ولا يضيق عليه ويشدد الخناق وهو معسر لا يقدر على التسديد، بل يرحمه منتظراً إيساره مصوراً نفسه في حالته ممتثلاً أمر الله بذلك حتى يوسر ويقدر على وفائه أعقب الله سبحانه أمر الإمهال بالتحبيب في التصدق عليه بذلك الدين وإعفائه منه لتبرأ ذمة صاحبه ويفوز بأجر الصدقة والإبراء من الله عز وجل، وقوله تعالى: ﴿ تَصَدَّقُوا ﴾ أصلها تتصدقوا، ولكن جرى حذف التاء الثانية وتشديد الصاد للإدغام.


والمعنى: أن تصدقكم على المعسر بوضع الدين عنه وإعفائه منه خير لكم من إنظاره لتبرأ ذمته، لأن لبراءة الذمة تأثيراً عظيماً في تقوية قلب المدين ورفع معنويته بوضع ما أثقله وأذله من الدين الموجب لقهر الرجال.


ففي هذه الآية الكريمة ندب إلى الصدقة والسماح للمدين الفقير الذي حل به الإعسار.


وقد جاء أسلوب الآية على طريقة التحبيب لما في ذلك من التعاطف والتزاحم والتكافل الصحيح بين الناس، ومبرة بعضهم لبعض، وذلك من أعظم أسباب السعادة والهناء والرفاهية للأمة لارتفاع البؤس عنها والشقاء.


وقد رمز الله إلى العلم بذلك حيث قال: ﴿ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ لأن من لا يعلم بوجوه الخير وحسن تأثيره لا يفعله، أما الذي يعلم فإنه يعمل حتماً في الغالب لمعرفته بفوائد المسامحة وقوة رجائه ما عند الله.


وفي هذه الجملة تهديد للعصاة الذين يعلمون ولا يعملون، وذلك لأن العمل من لوازم العلم، فمن لا يعمل بما علمه فعذابه شديد جداً، ويجب على المسلم أن يعتقد حصول الخير فيما سماه الله خيراً ولا يشك في حصوله أو يفضل غيره عليه، والمراد بالخير حصول الثناء الجميل والمحبة الصادقة والتعاون والتراحم وما يحصل من ثواب الله الجزيل في الدار الآخرة.


وعلى هذا فإمهال المعسر واجب والتصدق عليه بالدين سنة، وقد جعل الله الغارم من أهل الزكاة المستحقين، وهو الذي يتدين للإصلاح بين الناس، أو يتدين لنفسه فيعسر، فالباب قد فتحه الله لعباده المؤمنين فيجب عليهم أن لا يتساهلا في دفع الزكاة إلى الغارمين، سواء منهم من كان مديناً لهم أو لغيرهم. ومن جعل إبراء دينه من الصدقة لا من الزكاة فهو أفضل بكثير، وذلك خشية التحايل على إنفاق الزكاة في حظوظ نفسه، فإن الخير الذي حث عليه في إبراء المدين كونه من صدقة الدائن، وأما غير الدائن فمن الأفضل أن يخصص قسماً من الزكاة للغارم الذي هو المدين المعسر.


ومن المعروف أن إمهال المعسر واجب وإبرائه سنة، ولكن الإبراء أفضل من الإمهال الواجب، وقد عدها بعض العلماء ثلاث مندوبات أفضل من الواجبات وهي التطهر قبل الوقت وابتداء السلام وإنظار المعسر، ونظمها بقوله:

الفرض أفضل من تطوع عابد
حتى ولو قد جاء منه بأكثر
إلا التطهر قبل وقت وابتداء
للسلام كذلك إبراء المعسر

 

وقوله تعالى: ﴿ وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ﴾. يعني واخشوا يوماً عظيماً هوله، شديداً فزعه ترجعون فيه إلى الله فينكشف لكم ما كان محجوباً عنكم وما أنتم غافلون عنه بشواغل حياتكم الجسدية التي أشغلتكم عن مراقبة الله والدار الآخرة فخذوا لأنفسكم وقاية تقيكم من خزي ذلك اليوم الذي لا سلطان فيه إلا سلطان الله، ولا ملك فيه لسواه.


فما أحسن هداية الله وإرشاده، حيث ختم آيات الربا والوعيد الشديد عليه بقوله: ﴿ وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ﴾. فإن التذكير بيوم القيامة الذي تبطل فيه كل الشواغل وتنقطع فيه جميع الوسائل خير صارف للمسلم عن طمعه وغفلته وأمانيه الشيطانية، فإن الشيطان يغره بأن له استقلالاً تاماً بنفسه وأنه مرتبط بأمراء ورؤساء وزعماء يخافهم ويرجوهم، وأنهم يقدرونه إذا كان مثرياً، وأنه تعرض له حاجات وضرورات يجب أن يستعد لها بجمع المال وتكثيره من أي جهة كانت حراماً أو حلالاً، فتكون هذه الخواطر شغله الشاغل الذي يستغرق وقته عن ذكر الله والالتفات إليه، كما قال تعالى: ﴿ أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ ﴾ [التكاثر: 1، 2].


فالتذكير باليوم الآخر هو أنفع دواء لمرض انصراف النفس عن الله والتفكر في سلطانه.


وقوله تعالى: ﴿ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ﴾ يعني في ذلك اليوم الذي يرجعون فيه إلى الله يوم التوفية الكبرى لكل نفس بما كسبته من خير أو شر، ومن حق أو ظلم، لأن الحكم فيه للواحد القهار ليس لأحد سواه ممن يرشي أو يحابي أو تؤثر فيه الوساطة، بل هو سبحانه في ذلك اليوم هو المتصرف المنفرد في الحكم، لا ينفع عنده مال ولا بنون، لا ينفع عنده إلا سلامة القلوب وطهارتها مما سواه ونزاهة الجوارح عن التلطخ بالمعاصي المغضبة له والمبعدة عنه.


فختام آيات الربا بهذه الآية يتناسب مع جو المعاملات عموماً والربا خصوصاً، فليحذر المحتالون على الله بأكل الربا باسم التورق الذين يأتيهم المحتاج فيبيعونه سكراً أو نوعاً آخر من الأرز والقماش، وليس موجوداً كله عندهم، بل يوقفونه على باب المخزن ويقولون له إعدد مالك استلمه بيدك، امسح أوائل المال، فيمسحه ويقول قبضت، فيقول له الدائن: راجعني ببيعه فإن القبض يكلفك أجوراً أنت في غنى عنها، فيسوم عليه، ثم يبيعه على الدائن وهو في مخزنه ويدفع له النقد. فهذا العمل يزيد إثمه على إثم الربا الصريح الذي في البنوك وغيرها، لأن فيه احتيالاً على الله. فأرباب هذا الكلام ورثة لأصحاب السبت المحتالين.


وصدق أبو أيوب السختياني إذ يقول: إنهم يخادعون الله كما يخادعون صبياً.


فنعوذ بالله من تلبيس إبليس وتزيينه، فهؤلاء وأشكالهم من أكلة الربا بالحيلة أو بغير الحيلة لو استشعروا مشاهد يوم القيامة، وناقشوا أنفسهم على وقوفهم عند حدود الله، وتصوروا مصيرهم المحتوم، لارتدعوا في الغالب عما هم عليه من الإصرار والغرور.


ولنختم الكلام بذكر بعض الحكم لتحريم الربا وإبطال شبهة القائلين بأن البيع مثل الربا، لأن الله سبحانه أجمل الجواب بما يعرفه العرب الأقحاح وقت النزول بسليقتهم ويرتدعون بما سمعوا، فقال: ﴿ وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا ﴾. يعني أن الحل والحرمة ليسا عند أهل القياس الفاسد الذي تمليه عليهم أطماعهم بلا علة ولا برهان، فإنه لا يصح مساواة الربا بالبيع إلا إذا أبيح للناس أن يكونوا في معاملاتهم كالذئاب الضارية، كل واحد منهم ينتهز الفرصة لافتراس أخيه، ولكن ربهم العظيم سبحانه رب رحيم يشرع لعباده من الأحكام ما يربيهم على التراحم والتعاطف والإحسان والتكاتف ليكون كل فرد منهم عوناً للآخر وسنداً للآخر، خصوصاً عند شدة الحاجة إليه، فهو سبحانه لا يشرع الأحكام وفقاً لأهوائهم وشهواتهم وملابساتهم المادية، ولكن يشرعها وفق مصالحهم وحماية مجتمعهم عن البؤس والفساد.


وهو سبحانه عليم بمستقبل أحوالهم ومآل سلوكهم وأعمالهم، بخلاف أصحاب القوانين الوضعية في هذه الجاهلية الجديدة فإنهم يضعون الأحكام للناس بحسب حالتهم الحاضرة ورغباتهم المادية والشهوانية مما يرونه موافقاً للرأي العام في نظرهم من غير نظر في عواقبها ولا في تأثيرها على الفضائل أو الرذائل، فهم لا يقيمون للفضيلة والعفة والحصانة وزناً، كما لا يقيمون لحماية العقل والروح وزناً.


ولهذا نرى البلاد التي ابتليت بالقوانين المستوردة قد عفت فيها رسوم الدين وفسدت فيها الأخلاق وعدم فيها التراحم والتعاطف، حتى إن بعض الأفراد يموت جوعاً، وبعضهم لا يجد ما يلبسه، بل ما يستر فيه عورته، ولا يحظى بمن يرحمه بشراء سروال قصير في أرخص الأثمان، حتى صاروا عرضة للثورات والانقلابات، ونقمة الفقير على الغنيّ.


وقد ألف الفيلسوف (تولستوي) كتاباً سماه (ما العمل) فيه ما يزعج القارئ لفظاً عنها حتى قال في آخره: "إن أوربا نجحت في تحرير الناس من الرق، ولكنها غفلت عن رفع نير الدينار عن أعناق الناس الذين ربما استعبدهم المال يوماً ما".


قلت: ولقد استعبدهم وأضاع منهم كل شرف وعفة وفضيلة أنهم عملوا على تحرير الرقيق من رقة الحسي، ولكنهم عملوا على استرقاق الجميع بالرق المعنوي الذي لا يمكن تحريره، كما أغروهم بفتنة السكر المعنوي الذي لا يفيق صاحبه مدى الدهر، فما أعظم شقاء البشرية بين الرق المعنوي والسكر المعنوي.


فالله سبحانه حرم الربا على عباده لأن فيه استغلال ضرورات إخوانهم، وأحل البيع لأن الربح فيه لا يختص فيه بأكل الغني الواجد مال الفقير المحتاج فهذا وجه التباين، وهناك وجه آخر وهو أن الله جعل طريق تعامل الناس في معايشتهم أن يكون استفاد كل من الآخر بعمل، ولم يجعل لأحد فيهم حقاً بغير عمل، لأنه باطل لا مقابل له. وبهذه الطريقة أحل البيع لأن فيه عوضاً يقابل عوضاً، وحرم الربا لأنه زيادة لا مقابل لها.


ويظهر أيضاً فساد قياسهم للربا بالبيع أن البيع فيه من الفائدة ما يقتضي حله، وفي الربا من المفسدة ما يقتضي تحريمه، وذلك أن البيع يشترك فيه انقطاع البائع والمشتري كل بحسبه، فالبائع ينتفع بالنقود باستبدال سلعة غير التي باعها أو يقضي بها حاجة طارئة، وأما المشتري فإنه ينتفع بما اشتراه انتفاعاً حقيقياً، لأنه لا يشتري الحنطة إلا ليبذرها زرعاً أو يأكلها أو يتربص بها زيادة الثمن ليبيعها، فهو على كل حال قد انتفع بما اشتراه وأعطى البائع ثمناً يرضيه، وكان البيع والشراء بمحض اختيار صحيح ورغبة صحيحة.


وأما الربا فهو عبارة عن إعطاء الدراهم ونحوها لتؤخذ مضاعفة في وقت آخر، فما يؤخذ من الزيادة على رأس المال لا مقابل له من عين ولا عمل سوى الإمهال المندوب أو الواجب شرعاً بدونها، ثم إن هذه الزيادة لا تعطى بالرضا الاختياري القلبي الصحيح، وإنما تعطى بالكره والاضطرار.


وهناك وجه رابع لتحريم الربا من دون البيع، وهو أن النقدين وضعهما الله ميزاناً لتقدير أثمان الأشياء التي ينتفع بها الناس في معايشتهم وتبادل مصالحهم فإذا تحول هذا وصار النقد مقصوداً بالاستغلال انعكست القضية حتى تؤدي إلى انتزاع الثروة من أيدي أكثر الناس وحصرها في أيدي المرابين الذين يقصرون همتهم على استغلال النقدين، فحصلت طبقية غير متوازنة تعيش على امتصاص دم المحتاجين، وتسعد بشقائهم، وتنعم ببؤسهم، بدلاً من أن يكون تعاون في الجهد والعمل والإنتاج كما أسلفنا تقريره.


وللغزالي رحمه الله كلام نفيس في هذا الباب نختصره عن الإطالة والتعقيد، فقد قال في كتاب الشكر من الإحياء:

من نعم الله تعالى خلق الدراهم والدنانير، وبهما قوام الدنيا، ولو أنهما لا منفعة في أعيانهما، ولكن يضطر الناس إليهما لحاجة كل واحد منهم إلى أعيان كثيرة، وقد يعجز عما يحتاج إليه ويستغني عما لديه، فلا يحصل له مبادلة عين بعين إلا بغبن كثير، فخلق الله الدراهم والدنانير حاكمين ومتوسطين بين سائر الأموال حتى تقدر الأموال بهما، فالله خلقهما لتتداولهما الأيدي ويكونا أثماناً للأموال، ولحكمة أخرى هي التوسل بهما إلى سائر الأشياء لعزهما، فمن ملكهما فقد ملك كل شيء، لا كمن ملك ثوباً، فإنه لم يملك إلا الثوب، فكل من عمل فيهما عملاً لا يليق بالحكم بل يخالف الغرض المقصود بالحكم، فقد كفر نعمة الله فيهما، فإذن من كنزهما فقد ظلمهما وأبطل الحكمة فيهما، لأنه إذا كثر فقد ضيع الحكم ولا يحصل الغرض المقصود به، ولذا أخبر الله الذين يعجزون عن قراءة الأسطر الإلهية المكتوبة على صفحات الموجودات والتي لا تدرك بالبصر بل بالبصيرة أخبرهم بعجزهم بكلام مسموع من النبي صلى الله عليه وسلم عن الله بقوله: ﴿ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ ﴾ [التوبة: 34، 35].


وكل من اتخذ من الدنانير والدراهم آنية من ذهب أو فضة فقد كنز النعمة بسوء استعماله وكان ذنبه أعظم من ذنب المكتنز، وكل من عامل معاملة الربا على الدراهم والدنانير فقد كفر النعمة وظلم الأمة لأنهما خلقا لغيرهما لا لنفسهما، فإذا اتجر في عينهما فقد اتخذهما مقصوداً على خلاف وضع الحكمة، إذ طلب النقد لغير ما وضع له ظلم...


إلى آخر ما قال.


وقد تصرفت في كلامه بزيادة ونقص اقتضتهما المناسبة ومن أراد المزيد فليرجع إليه في موضعه المشار إليه.


وإن فظاعة أمر المرابي المستلزمة سخط الله عليه أنه رفض إقراض الله قرضاً حسناً يحصل فيه المضاعفة الكثيرة من الله زاهداً فيما عند الله، أو غير واثق بوعد الله، مكتفياً بما يأخذه من السحت الحرام، بائعاً فيه رضوان الله، فلا جرم إذا جعل الله سوء عاقبته فظيعة في الدنيا والآخرة ﴿ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ﴾ واعتبره الله محارباً له، لأن فظاعة ذنبه لا مثيل لها.


وقوله تعالى: ﴿ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ﴾ يعني لا ينقص من أجور أعمالهم الصالحة شيء أبداً ولا يزاد في سيئاتهم شيء حتى مثقال ذرة أو خردلة، كما وردت النصوص بذلك.


وقد وردت آثار حسان في نزول هذه الآيات، وأن آخر ما نزل من القرآن آية الربا وآية الدين، فقد أخرج البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما أن آخر آية نزلت آية الربا[3] وأخرج البيهقي عن عمر رضي الله عنه. وكذلك أخرج الإمام أحمد وابن ماجه مثله عن عمر رضي الله عنه[4].


وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: خطبنا عمر فقال: إن من آخر القرآن نزولاً آية الربا. قال في الإتقان: والمراد بها: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا ﴾ إلى ﴿ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾.


وأخرج النسائي من طريق عكرمة عن ابن عباس قال: آخر شيء نزل من القرآن: ﴿ وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ﴾. وكذا أخرجه سعيد بن جبير عن ابن عباس.


وأخرجه ابن جرير من طريق الصوفي والضحاك عن ابن عباس. وكذا قال الفريابي في تفسيره.


وعن ابن شهاب عند ابن عبيد أن آخر القرآن عهداً بالعرش آية الربا وآية الدين.


قال السيوطي بعد نقله لجميع الآثار: ولا منافاة عندي بين هذه الروايات في آية الربا وآية ﴿ وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ﴾ وآية الدين لأن الظاهر أنها نزلت دفعة واحدة كترتيبها في المصحف، ولأنها في قصة واحدة، فأخبر كل واحد عن بعض ما نزل بأنه الآخر، وذلك صحيح.


قلت: لا منافاة بين رواية: إن آخر القرآن نزولاً آية الربا أو آية ﴿ وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ﴾ لأنها مرتبطة بآيات الربا أتم الارتباط. وقد ورد غير هذه الروايات في النزول اختصرناها لتقارب معانيها، كما وردت آثار مختلفة في مدة بقائه صلى الله عليه وسلم بعد نزول هذه الآيات أعرضت عنها لتباينها.


وورد في هذه الآية: ﴿ وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ﴾ أنه صلى الله عليه وسلم قال: ((اجعلوها بين آية الربا وآية الدين)). وفي رواية أخرى: ((جاء جبريل فقال: اجعلوها على رأس مائتين وثمانين آية من سورة البقرة))[5].


وهكذا شأنه صلى الله عليه وسلم في ترتيب الآيات وعلى المسلم أن يحتاط لنفسه في شئون المعاملات والصرف، حتى لا يدخل عليه شيء من الربا فيفسد كسبه ويقسو قلبه، فإن الربا هو مخرب البيوت، ومزيل الرحمة من القلوب، ومسبب العداوة ومنميها بين الأغنياء والفقراء، وخصوصاً ربا النسيئة الذي توعد الله عباده بأشد الوعيد الذي توعد به على الكفر.


والعجب كيف يسمح لعاقل عقله أن يلوك قول الملحدين بأن تحريم الربا ضار بالناس أو عائق لكم في الاقتصاد؟ وثروته لا تحصل إلا بتخريب بيوت المعوزين لإشباع نهمة الطامعين الفاسقين.



[1] أخرجه البخاري، كتاب الرقاق، باب: التواضع، [6502].

[2] أخرجه الطبري: [3/107].

[3] أخرجه البخاري، كتاب التفسير، باب: ﴿ وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ﴾، [4544]، وغيره.

[4] أخرجه الإمام أحمد: [5/117]، والبيهقي: [5/275].

ولكن عن ابن عباس رضي الله عنهما.

وأخرجه الإمام أحمد: [1/36، 49]، وابن ماجه: [2276]، من حديث عمر رضي الله عنه.

[5] ذكرهما القرطبي في تفسيره [3/375].





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • تفسير سورة البقرة .. الآيات (272 – 274)
  • تفسير سورة البقرة .. الآيات (275 - 276)
  • تفسير سورة البقرة .. الآية (277)
  • تفسير سورة البقرة ( آية الدين 282 )
  • تفسير سورة البقرة .. الآية (283)
  • تفسير سورة البقرة .. الآية (284)
  • تفسير خواتيم سورة البقرة

مختارات من الشبكة

  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (135 - 152) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (102 - 134) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (65 - 101) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (1 - 40) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (40 - 64) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • الفتوحات الربانية في تفسير الآيات القرآنية: تفسير الآيتين (6-7) من سورة البقرة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الفتوحات الربانية في تفسير الآيات القرآنية: سورة البقرة الآيات (1-5)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مخطوطة تفسير بعض من سورة البقرة ثم تفسير سورة يس(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • تفسير ابن باز لسورة البقرة: الآيات 11 - 20(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير ابن باز لسورة البقرة الآيات: 1 – 10(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 16:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب