• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات   بحوث ودراسات   إبهاج المسلم بشرح صحيح مسلم   الدر الثمين   سلسلة 10 أحكام مختصرة   فوائد شرح الأربعين   كتب   صوتيات   مواد مترجمة  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    10 مسائل مهمة ومختصرة في: شهر الله المحرم
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    10 مسائل مهمة ومختصرة في الأضحية (PDF)
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    10 مسائل مهمة ومختصرة في 10 ذي الحجة (PDF)
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    الدعاء لمن أتى بصدقة
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    حديث: صدقة لم يأكل منها
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    حديث: هو لها صدقة، ولنا هدية
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    باب: (ترك استعمال آل النبي على الصدقة)
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    حديث: «كخ كخ، ارم بها، أما علمت أنا لا نأكل ...
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    شرح حديث: سيخرج في آخر الزمان قوم أحداث الأسنان ...
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    التعريف بالخوارج وصفاتهم
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    حديث: ألا تأمنوني؟ وأنا أمين من في السماء
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    إعطاء المؤلفة قلوبهم على الإسلام وتصبر من قوي ...
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    إعطاء المؤلفة قلوبهم على الإسلام وتصبر من قوي ...
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    إعطاء المؤلفة قلوبهم من الزكاة
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    باب: (إعطاء من سأل بفحش وغلظة) (2)
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    باب: (إعطاء من سأل بفحش وغلظة) (1)
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
شبكة الألوكة / المواقع الشخصية / مواقع المشايخ والعلماء / الشيخ عبدالرحمن بن محمد الدوسري / تفسير القرآن العظيم
علامة باركود

تفسير سورة البقرة .. الآيات (190 : 192)

الشيخ عبدالرحمن بن محمد الدوسري

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 31/7/2013 ميلادي - 23/9/1434 هجري

الزيارات: 41136

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

تفسير سورة البقرة

الآيات (190 : 192)


قال تعالى: ﴿ وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ * وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ * فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [البقرة: 190-192].


وفي هذه الآيات وما بعدها مما يتعلق بالقتال فوائد عظيمة:

الأولى: ارتباطها بما قبلها من أن الأهلة مواقيت للناس يعرفون بها الشهور التي منها الأشهر الحرم التي يحرم القتال فيها في الجاهلية، وفيها الأمر بإتيان البيوت من أبوابها والتزام التقوى على الإطلاق في كل شيء، والتقوى هي طاعة الله بترك المحظورات وفعل الواجبات، ومن أعظم أنواع التقوى طاعة الله في قتال أعدائه؛ لأن ذلك أشق شيء على النفوس، فلذا قال: ﴿ وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ﴾.


الثانية: هذا الأمر بهذه الآية بالقتال هو المرحلة الثانية من مراحل الجهاد، فإن الله فرضه على الأمة ورتبه على أربع مراحل أو خمس: أولها الإذن وهو الوارد في سورة الحج بقوله: ﴿ أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا ﴾ [الحج: 39] فإنها أو آية مدنية نزلت في الجهاد.


وقد حقق العلماء كونها مدنية لا مكية من ستة وجوه، ومنهم الإمام ابن القيم في زاد المعاد.


وفيها الإذن العمومي بالقتال، ثم جاءت هذه الآية بقصر القتال على المقاتلين ومعاملتهم بالقصاص في كل شيء.


وقد توهم جمع من الناس أن القتال في الإسلام لم يشرع إلا للدفاع أخذاً بظاهر هذه الآية، خصوصاً بعض الكتاب في الزمان الذين يدفعون عن الإسلام وصمة الإفرنج بأنه دين قام على القوة والسيف لا على الحجة والإقناع، فقد ضبعتهم الدعاية الفاجرة، فأخذوا في سبيل الدفاع عن الإسلام يزعمون أن المسلمين كالصعاليك أو كأقل من مستوى الحيوان، لم يؤمروا بالجهاد إلا للدفاع، والدفاع أمر فطري حتى في البهائم، ولكن أعمتهم الدعاية عن فهم النصوص بل حتى عن طبيعة الحال، وهم يقدرون أن يردوا عليهم من واقعهم الخبيث، فهم الذين فجروا الحروب الصليبية التي لا يزال آثارها السيئة إلى الآن، وهم الذين تمخر سفنهم عباب البحر، وتعبر جنودهم ومعداتهم البراري لاستعمار الشعوب واستغلال خيراتها وإفساد أخلاقها وتذويب عقيدتها وإرهاق بلادها، بينما المسلمون يقاتلون في سبيل الله لإعلاء كلمته بإقامة حكمه المصلح لأهل الأرض، وقمع المفترين على الله والمتسلطين على عباده بالقهر والإرهاب، وتحرير الشعوب من عبادة الأشخاص إلى عبادة الله وإصلاح أخلاقهم إصلاحاً ينفعهم في الدين والدنيا.


وقد شهد فطاحل المؤرخين أنه لم يوجد غاز ولا فاتح أرحم من المسلمين وأنفع منهم للأمم المغلوبة، مستشهدين بأقوى دليل دامغ وهو تمام رغبتهم فيهم ومحبتهم لهم، وذلك بعد محاولتهم الخروج عليهم والانتفاضة من حكمهم كلما سنحت لهم الفرصة بذلك، وقد سنحت لهم مراراً عديدة في أزمات حصلت على الدولة الإسلامية، فلم يخرجوا عن حكمها إلا قسراً. وهذا من أكبر الأدلة على أن الزحف الإسلامي زحف مقدس محبوب، فوائده ملموسة، بخلاف الزحف الوثني الاستغلالي البغيض، ولكن هؤلاء الكتاب جرتهم الهزيمة العقلية إلى القول بأن مشروعية الجهاد للدفاع فقط، متعامين عن النصوص من الكتاب والسنة، وعن واقع المسلمين حتى اجروا إلى التلبيس والتحريف من حيث لا يشعرون، ولكن الحقيقة التي لا محيد عنها قطعاً هي أن الله سبحانه أمر نبيه - صلى الله عليه وسلم - والمؤمنين بالصبر والصفح، ثم أمره بالهجرة وأذن له بالقتال، ثم أمره في هذه الآية أن يقاتل من قاتله ويكف يده عمن لم يقاتله، ثم جاءه الأمر الثالث بقتال المشركين كافة حتى يكون الدين كله لله، ولا يحصل للمسلمين فتنة حسية بالإرهاب والتعذيب ولا فتنة معنوية فكرية بالتضليل والتشكيك.


ثم بعد ذلك الأمر صار الكفار ثلاثة أصناف: منهم أهل صلح، قسم أهل حرب، وقسم أهل ذمة، فأمر الله نبيه والمؤمنين أن يتموا لأهل الصلح والعهد عهدهم ما استقاموا عليه، فإن خافوا منهم خيانة نبذوا إليهم عهدهم ولم يقاتلوهم حتى يخبروهم بنقض العهد، كما أمرهم أيضاً بقتال من نقض عهده قبل أن ينبذ إليه، فهذا الدور الرابع من أدوار الجهاد.


ثم نزلت سورة براءة ببيان حكم هذه الأقسام جميعهما، فأمرهم الله بالبراءة من عهود الكفار ونبذها إليهم وجعلها ثلاثة أقسام:

• قسم أمرهم بقتالهم وهم الذين لم يستقيموا على العهد، فحاربوهم وانتصروا عليهم.


• وقسم لهم عهد مؤقت لم ينقضوه ولم يظاهروا عليه، فأمرهم الله أن يتموا لهم عهدهم إلى مدتهم كما في الآية الرابعة.


• وقسم ثالث لم يكن لهم عهد ولم يحاربوه، وبعضهم كان له عهد مطلق غير محدود، فهؤلاء أمهلهم الله أربعة أشهر كما في الآية الأولى والثانية، وهي التي سماها الأشهر الحرم ابتداؤها من يوم الإيذان عاشر شهر ذي الحجة، وانتهاؤها عاشر شهر ربيع الثاني.


وليست الأشهر الحرم القديمة المعظمة في الجاهلية من دين إبراهيم والمذكورة في الآية (36).


﴿ إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ ﴾ [التوبة: 36]. وإنما هي أشهر المهلة المحمدية المذكورة في الآية الخامسة: ﴿ فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [التوبة: 5]. فجعل للتخلية ثلاثة شروط:

أحدها: التوبة من الشرك بجميع أنواعه المقتضية لحصر العبادة والاحتكام لله.

ثانيها: إقامة الصلاة.

ثالثها: إيتاء الزكاة، فليس لهم حكم غير ذلك إلا القتل.


• والقسم الرابع أعداء المسلمين من أهل الكتاب ومن لهم شبهة كتاب، فهؤلاء نزلت فيهم آية السيف رقم (29): ﴿ قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ ﴾ [التوبة: 29]. فجعل لقتالهم غاية واضحة لا يجوز توقيف القتال عنهم إلا حين الوقوف عندها وهي دفع الجزية مع التزام الصغار لعزة الإسلام والمسلمين، وعلل الله ذلك بعلتين فظيعتين هما: ادعاؤهم لله ولداً واتخاذهم أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله كما جرى تفسيره في حديث عدي بن حاتم.


وروى الربيع ابن زيد أنه لما أنزل الله هذه الآية: ﴿ وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ ﴾ كان يقاتل من قاتل ويكف عن قتال من تركه، وما ذكرناه في ترتيب أحكام القتال هو الحق الواضح الحقيق بالقبول والذي تشهد له الآيات، خصوصاً سورة براءة التي أرسل بها الرسول - صلى الله عليه وسلم - أبا بكر وعلي بن أبي طالب، ليعلن للمشركين براءته من عهودهم، وألا يحج بعد العام مشرك[1].


ولا مجال فيها لتأويل المحرفين والمنهزمين هزيمة عقلية، فقد افتتحها الله بالبراءة من عهود المشركين، وأمهلهم أربعة أشهر يسيحون في الأرض ليختاروا الإسلام أو القتال المرغم عليه، وذلك لأن جزيرة العرب عاصمة الإسلام يجب ألا يكون فيها دينان، لأن الاختلاف في الدين لا تستقيم بوجوده وحدة، ولا يحصل للمسلمين معه الانطلاقة الواجبة، ولأن دين أهلها الأصلي هو الإسلام الموروث من ملة إبراهيم، وما حصل فيهم من الوثنية فهو دخيل ليس بأصيل، أدخلته اليهود عليها في عهد خزاعة على يد عمرو بن لحي السابق ذكره، والدخيل يجب محوه وإزالته.


ثم إن في غضون هذه السورة أنزل الله آية السيف (29) الموجبة لقتال اليهود والنصارى ونحوهم كالمجوس والبوذيين.


ثم في الآية (73) قتال الكفار والمنافقين والغلظة عليهم بدون قيد أو شرط. ثم في الآية (123) قتال الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة. وهذا بلا قيد ولا شرط أيضاً، مع ما فيها من الآيات الأخرى التي فيها التشديد بأمر الجهاد وفضيحة المنافقين المخذلين للمسلمين فيه، وآية المبايعة العظيمة لله على النفس والمال كما سنوضحها.


ولا عيب على الإسلام إذا أمر أهله بقتال أعدائه المحاربين له عسكرياً وفكرياً والذين بقاؤهم خطر على العقيدة وعلى أمن البلاد، ولا عليه عيب أيضاً بقتال المفترين على الله بتحريف وحيه من أهل الكتاب، وانتقاصهم لجنابة الكريم بزعمهم أن له ولداً أو أنه ثالث ثلاثة، ونقضهم لعهده المأخوذ عليهم من العمل بالتوراة والإنجيل المبشرين بمحمد - صلى الله عليه وسلم - والموجبين للإيمان به. أليس من أساء إلى حاكم من حكام البشر أو أنقض عهده يستحق القتال تأديباً وإرغاماً؟ فكيف بالمؤذين لله والناقضين لعهوده؟!! إن قتالهم من أوجب الواجب في الدين حتى يفيئوا إلى أمر الله، أو يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون جزاءً وفاقاً، فما الحاجة إلى الالتواء في جواب الطاعنين على الإسلام بدعوى أن مشروعية القتال للدفاع.


أيخفى عليهم أن من لم يغز لا بد أن يغزى؟ فإن من لم يدع إلى الحق ويغز في سيبل نصرة الحق إلى الباطل وغزي بصنوف الباطل، وتداعت عليه الأمم من كل ناحية كما هي سنة الله الكونية التي لن تتغير: ﴿ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا ﴾ [الفتح: 23].


أم يريدون من الإسلام أن يقبع في المسجد ويقتصر أهله على الصلاة ونحوها، ومذاهبهم ومبادئهم تصول وتجول وتتحكم في كل ميدان من ميادين الحياة، والإسلام ليس له وجود في أي وزارة أو دائرة أو أي مرفق من مرافق الحياة؟!!


هذا هدم لتوحيد الله من أساسه، ورفض لألوهيته في الأرض، واتخاذ أنداد من دونه لهم الامر والتشريع المقبول النافذ، واتخاذ رسل غير محمد - صلى الله عليه وسلم -، يستلهمون منهم الهداية والثقافة، ويكونون هم القدوة والأسوة في القول والعمل، فماذا بقي لله ورسوله؟ هذا هو ثمرة تعطيل الجهاد والتميع في الشهوات وتحريف الكلم عن مواضعه.


لقد طمع بالمسلمين أجبن الناس وأرذلهم، ولقد انحرفت عقائدهم وأخلاقهم لما ركنوا إلى الدعة التي بثت فيهم التفرق وجعلتهم شيعاً وأحزاباً متناحرة، كل فريق يقدس المتنفذ عليه، ويتقبل ما يصدر منه أعظم من تقبله وحي الله، وكل قطر فيه ما يسمى خليفة. ولو ساروا على ما أوجب الله عليهم من جهاد الكافرين والمنافقين، دفاعاً عن العقيدة، وحماية لها، وقمعاً لكل بدعة ومبتدع، لما حصل عليهم بدعة الباطنية والقرمطية الكافرة، وغيرها من البدع والفتن التي أطمعت فيهم أقصى أهل الأرض من التتار.


هذا في السابق وأما في اللاحق، فلو تعاونوا مع (الترك) دولة الوحدة الإسلامية على تصحيح الإسلام أولاً من الشوائب التي أدخلت فيه، وتصفية الأدمغة والبلاد من تقديس الأضرحة والاستغاثة بها من دون الله، ثم على الزحف المقدس لإقامة حكم الله العادل في الشرق والغرب، ولو فعلوا هذا امتثالاً لواجب الله في الجهاد لما صاروا إلى هذه الحالة الموبوءة التي جعلت بعض الكتاب يخجل من وجوب الجهاد في الإسلام، ويقصره بالتأويل الفاسد على الدفاع، ولما تردت أحوالهم وفسدت أخلاق شبابهم، ولا تعود عليهم الحياة الطيبة والسعادة الصحيحة حتى يرفعوا رايات الجهاد من جديد بمقاصد حسنة خالصة لله.


الثالثة: قوله سبحانه: ﴿ وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ﴾ يعني: لأجل نصرة دين الله، والتمكن من حمل رسالته، وتوزيع هدايته، وإقامة حكمه، لتنفيذ شريعته وإعلاء كلمته، تحقيقاً لطاعته وطلباً لرضوانه واستمطاراً لمدده ونصره العزيز.


فإيجاب القتال والجهاد من أجل ذلك لا من أجل وطنية أو قومية عصبية، وما يدعيه المهزومون من أن وجوب القتال للدفاع تعليل فاسد الاعتبار يعلم فساده كل من تصور معنى قوله تعالى: ﴿ وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ﴾ أدنى تصور، لأن القتال في سبيل الله ليس له معنى سوى ما ذكرناه، وليس الدفاع من معانيه. ولو اضطر إلى الدفاع عن عقيدته بالقوة لما احتاج إلى نزول الأمر، ودعوى الدفاع لا تصح إلا في الدفاع عن النفس أو الوطن أو استباحة الأهل والعرض أو مصادرة المال.


فأما العقيدة فلا إكراه عليها؛ لأن المكره عليها يضطر إلى النفاق أو المداهنة، فيظهر خلاف ما يبطن، فلهذا كان وجوب القتال في الإسلام لإقامة حكم الله في الظاهر، وقمع المفتري على الله والتمكن من حمل الرسالة كما قدمنا، وليس على الإكراه في الدين؛ لأن الدين في القلب، والقلوب لا يسيطر عليها إنما السيطرة على الأبدان. وقد تظافرت النصوص عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في أن المقاتل في سبيل الله هو من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا( [2].


وأما قوله تعالى: ﴿ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ ﴾ فهي جملة مئولة لا تعارض النصوص القطعية، فتقييد الله القتال بمن يقاتلنا فيه تأويلات:

أحدها: قاتلوا في سيبل الله من يقف في وجوهكم ليصدكم عن هدفكم الذي هو تنفيذ أمر الله، فأما الذي يلقي السلم لا يقاتلكم فلا تقاتلوه.


ثانيها: قاتلوا الذين يقاتلونكم من الرجال القادرين، ولا تعتدوا بقتل النساء والعجزة من المقعدين ونحوهم.


قال ابن عباس وعمر بن عبد العزيز ومجاهد في الآية: ﴿ وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ ﴾ هي محكمة، أي: قاتلوا الذين هم بحالة من يقاتلونكم، ولا تعتدوا في قتل النساء والصبيان والرهبان وشبههم. قال أبو جعفر النحاس: وهذا أصح القولين في السنة والنظر. فقد ورد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رأى في بعض مغازيه امرأة مقتولة، فكره ذلك ونهى عن قتل النساء والصبيان[3]. وبهذا أوصى أبو بكر الصديق يزيد بن أبي سفيان حين أرسله إلى الشام إلا المؤذي من النساء ونحوهم كما يأتي تفصيله. والحاصل أن هذه الآية مجملة لا يصح أن يعارض بها النصوص القطعية المعنى الناصة على وجوب القتال بصيغة العموم دون قيد أو تخصيص أو احتمال تأويل كما مضى ذكرها والإشارة إلى موضعها في سورة التوبة.


ثالثها: قال بعض العلماء: إن هذه الآية منسوخة بآية السيف وآيات براءة التي في أولها وأوسطها وآخرها كما أشرنا إليه، والصحيح أنها ليست منسوخة، هي محكمة وتستعمل في معانيها المذكورة، وعند ضعف المسلمين لا يقاتلون إلا من قاتلهم على المعنى الرابع من معانيها، أما عند قوة المسلمين على الزحف بالرسالة وتوسيع رقعة الدين فلا يلتفت إليها، بل يعمل بما في سورة براءة.


رابعها: تدل الآية بعدها على أنها موجبة للقتال العام مع تخصيص واستثناء من لم يقدر على قتالنا من النساء والشيوخ والصبيان والرهبان القابعين في صوامعهم ولم يقوموا بتحريض ولا تشجيع ضدنا، وكذلك العجزة والمقعدين، وذلك بأن الآية التي بعدها رقم (191) نصها: ﴿ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ ﴾ وهذا أمر عام واضح بقتال الكفار، سواء قاتلوا أو لم يقاتلوا كما حققه المفسرون. وقوله تعالى: ﴿ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ ﴾ الثقف هو إحكام الأخذ على وجه الغلبة، يقال: رجل ثقيف، أي: سريع الأخذ لأقرانه، وفي هذا دليل على قتل الأسير كما سيأتي ذكره في سورة الأنفال إن شاء الله. وقال الشاعر:

فإما تثقفوني فاقتلوني
فمن أثقف فليس إلى خلود

 

وعلى هذا الأساس فسر المحققون الآية المتقدمة بأنها أمر عام بالقتال، ولم يسلموا للقائلين ترك من لم يبدأ بالقتال، فإنما سلموا استثناء من يعجز عن القتال، فأما الذي فيه قدرة على القتال ولم يقاتل فالمنع من قتاله غير مسلم كما تشهد النصوص بذلك، فقد أوجب الله على المسلمين أن يقتلوا الكفار حيث تمكنوا منهم في أي مكان بقوله: ﴿ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ ﴾ وتستلزم هذه الآية على المسلمين التدرب الكامل على الفنون العسكرية وإتقان الرمي وغيره مما يقدرون به على الثقف الذي هو سرعة الأخذ للعدو؛ لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، وقوله سبحانه: ﴿ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ ﴾ فيه إيجاب لمعاملة العدو بالقصاص.


فالآن يخرج المسلمون المشركين من مكة كما أخرجوهم منها، أو يرغمونهم على الإسلام والإذعان لحكم الله. وهذا أمر عام لجميع المسلمين إلى يوم القيامة أن يقتصوا من عدوهم ولا يتخاذلوا عنه، ولا يرضوا أو يصبروا على عار الذل ولا يعطوا الدنية في دينهم. وقد أبدى صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ورضي عنهم بسالة وقوة فائقة يوم الحديبية، وسجل لهم التاريخ مفخرة القوة في العقيدة، والقوة في الأخلاق، والقوة في التماسك، والقوة في التصميم رضا بالله ورسوله، فموقف عمر بن الخطاب معروف، وموقف الصحابة أهل بيعة الرضوان معروف، حتى أنهم لم يذبحوا الهدي حتى رأوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد نحر هديه، فأذعنوا للأمر الواقع على مضض حتى أثلج الله صدورهم بإنزال سورة الفتح، وصدقهم وعده في خيبر وغيرها بحيث تضخم عددهم تضخماً هائلاً قبل فتح مكة.


وهكذا يجب أن يكون موقف المسلمين من عدوهم في الجهاد، وصدق تضحيتهم لدينهم وحبهم لنبيهم المرشد الأمين - صلى الله عليه وسلم - بحيث إن عروة بن مسعود الثقفي - لما رأى حالتهم معه - قال لقريش بعدما رجع إليهم: أي قوم، والله لقد وفدت على الملوك على كسرى وقيصر والنجاشي، والله ما رأيت ملكاً يعظمه أصحابه مثلما يعظم أصحاب محمد محمداً. والله ما تنخم نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم فدلك بها وجهه وجلده، وإذا أمرهم ابتدروا أمره، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه، وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده، وما يحدون إليه النظر تعظيماً له، وقد عرض عليكم خطة رشد فاقبلوها. وقد كان عروة يرمقهم منذ وصوله إليهم للمفاوضة، إلى أن ذهب منهم[4].


وهكذا يجب أن يكون حب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أمته هذا الزمان؛ ليتفانوا بالدفع برسالته إلى الأمام ونصرة سنته، لا أن يخلف فيهم خلوف منهزمة تفسر وجوب الجهاد للدفاع، عياذاً بالله من التحريف.


خامسها: في قوله تعالى: ﴿ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ ﴾ لا يقصر حكمها على مكة فقط، لأنهم لو قدروا على إخراجهم من جميع الجزيرة لأخرجوهم، بل قد حاولوا إخراج المهاجرين من الحبشة بإغراء النجاشي على ذلك لولا أن فتح الله على قلبه، فلهذا فهم النبي - صلى الله عليه وسلم - من هذه الآية إخراج المشركين واليهود ونحوهم من جميع نواحي الجزيرة إن لم يسلموا، كما حصل ذلك من فعله ومن قوله، فإنه - صلى الله عليه وسلم - أجلى كل مشرك من الحرم، ثم أجلاهم من المدينة وقال: ((لا يجتمع دينان في جزيرة العرب))[5]. فمن أقر مشركاً ملحداً أو يهودياً أو نصرانياً ونحوه من الكفار في جزيرة العرب عاصمة الإسلام باسم قومية أو فعل هذا عن عقيدة كان هادماً للملة الإبراهيمية المحمدية.


سادسها: قوله تعالى: ﴿ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ ﴾ فيه أقوى دليل على أن مشروعية القتال ليس للدفاع، وإنما هو لقمع الكفر الموجب لفتنة المسلمين عن دينهم، والفتنة فسرها بعضهم بالشرك والكفر، وبعضهم فسرها بتخويف المسلمين وإرهاقهم والتلبيس عليهم، أو تعذيبهم، أو العمل على تشكيكهم، وعلى كلا التفسيرين أو التفاسير، فقد نص الله على أن الفتنة أشد من القتل، وفي الآية (217): ﴿ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ ﴾. وهذان النصان صريحان في أن وجوب القتال لأجل الفتنة التي تحصل من الكفار على المسلمين، فإن كفرهم بأنفسهم أعظم من قتالهم للمسلمين فكيف إذا انضم إلى كفرهم فتنتهم للمسلمين بالإيذاء والتلبيس؟ ومن الضروري أن الكفر يجر في الغالب إلى ذلك، لأن الكافر يحبذ طريقته ويفند طريقة المسلمين، فمجرد كفره أشد من اعتدائه على المسلمين بالقتال، وما يجره كفره من زيادة الفتنة أكبر من القتل، فأصبحت علة وجوب الجهاد ليست بداءتهم بالقتال حتى يعلل بالدفاع، وإنما العلة كفرهم الموجب لفتنة المسلمين.


ولا جرم أن يجعل الله الفتنة أشد من القتل وأفظع، لأن مجرد كفر الكفار يحملهم على أحد أمرين: إما إيذاء المؤمنين وتخويفهم والسخرية بهم والعمل على تعذيبهم ليفتنوهم عن الدين، كما فعلوا بعمار بن ياسر والدته التي قتلوها بأبشع قتلة وحشية عرفها التاريخ، وكما فعلوا ببلال وأبي بصير وغيرهم، بل كما فعلوا برسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبأبي بكر حين فقد الحماية، وكما حبسوهم في الشعب وحصروهم حتى أكلوا أوراق الشجر، وطالت فتنتهم واستمرت حتى ألجأوهم إلى ترك المال والوطن هرباً من إضلالهم في الدين، وتخليصاً لأنفسهم مما يخافون ويحذرون، فهذه فتنة شديدة أشد من القتل الذي يريحهم من هموم الدنيا وإرهاب الأعداء.


والفتنة الأخرى فتنة التضليل والتشكيك والسخرية ورمي المؤمنين بالألقاب الذميمة المنفرة عنهم البعيدَ والقريب، وضرب الأمثلة الباطلة لأجل التلبيس والمجادلة بالباطل ليزهقوا به الحق، وادعاؤهم عدم تحريم بعض المحرمات كالخمر والربا، وكإباحة التهتك والتبرج تحت البحث في السفور الذي يجدون لإباحته مجالاً من بعض المفتونين وبعض أدعياء الحديث الذين تغلب عليهم أهواؤهم، فيرجحون من الأحاديث المرسلة والمجملة ما لو رجحه خصمهم لصاحوا عليه ورموه بالجهل والغواية، وكادعائهم التناقض في القرآن ليخلصوا من ذلك إلى أنه من نسج محمد - صلى الله عليه وسلم - وتلفيقه، وإدعائهم كذب الأحاديث ومخالفتها للعقل ليهدروا شطر نصوص الدين، وكادعائهم أن الحج من أعمال الجاهلية، أو أن الحجر الأسود مما تبقى من رواسب الأصنام، وكزعمهم أن في القرآن رجعية وخرافات لا يقبلها العلم العصري المتطور، وكزعمهم أن التحريم معطل للإرادة وصانع للإغراء، وكدعوتهم إلى إشباع الغرائز الجنسية باسم الحرية ومقاومة الكبت، وكدعواهم أن الله لا دخل له في البشر، وأن الدين كلام كنائس ومساجد لتخدير العوام وإياهمهم حتى لا يلتفتوا للسياسة، بل زادوا على ذلك فزعموا أن الله خرافة، وأن الكتب المقدسة من تلقين العجائز وبقايا الأساطير، وأن الدين جنح إليه الإنسان البدائي الأول الجاهل الخواف، الذي تخيفه أصوات الرياح والرعد، فابتدعوا له ما يسكن روعه باسم الدين، وأما إنسان العصر فعالم مكتشف، لا تخيفه هذه الأشياء، ولا يرفع بها رأساً، وأن جميع العوالم نشأت في الطبيعة، وأن الإنسان يستحيل إلى تراب، وليس وراء موته حياة أخرى، وما ينسب من الأنبياء من وعيده الآخرة تهويل، إلى غير ذلك من أنواع الفتنة التي تبثها اليهودية فيما يسمى بعالم الفكر على أيدي عملائها أمثال (دارون، وفرويد الصهيوني الخطير) الذي تشهد عليه خطبه وصاياه بذلك، ثم على يد أفراخهم وتلاميذهم ممن يحملون أسماء عربية أو إسلامية، وأدمغتهم فاسدة مفسدة، لما اجتروه من حشائش الأباطيل، وأنواع الفتنة كثيرة، ينعق بها تارة كبار المسئولين الصرحاء وغير الصرحاء من أئمة الكفر وأفراخهم، يوعزون إلى الصحف الكثيرة الرواج بنشرها لتركيز الإلحاد وبث سمومه، ويلبسون على الناس تزيين كل خبيث وباطل بدعوى المدنية والتطور والتقدمية وغيرها من زخارف الإفك والبهتان حتى بلغ من فتنتهم للشباب تبغيضهم للدين وتنفيرهم منه أن زعموا بأن الدين كواجهة لحماية الحكام الإقطاعيين والمستغلين، وأنه (أفيون الشعوب) يخدرهم ويبلدهم عن رؤية مساوئ هؤلاء وعن مقاومتهم، مع أن هذا قلب للحقيقة، فالدين يعارض هذه الأشياء ويقاوم أهلها.


وكم ذهب عشرات الألوف ضحية لمقاومة الانتهازيين والمبطلين والاستغلاليين!! وكم قتل وسحق عشرات الملايين في البلاد الشيوعية، لأن الشيوعية لم تجد من يقف في وجهها من أهل الدين غير المسلمين، ولكن جميع دعاويهم فتنة يصدون بها عن سبيل الله، وجريمة أهلها أشد من القتل وأفظع، فمشروعية القتال ردعاً للفتنة وبتراً لها من الأساس حتى لا يكون لها وجود، لأن هذه الفتنة المتنوعة التي تلبس لكل زمان وبيئة لبوساً ملائماً تحول بين جماهير الناس وبين قبول دين الله كدين يرجعون إليه في كل شيء ويقصرون حل جميع مشاكلهم عليه، بل تحول بينهم وبين تصحيح معتقداتهم وتصوراتهم، حتى تخضعهم بالتضليل تارة والإرهاب تارة لعبادة الأشخاص بدلاً من رب الأشخاص، وتغويهم بأنواع الغرور إغواء لا مثيل له، بأن تجعلهم يتبجحون بعدم عبادة الأشخاص ورفضهم، وأنهم يعملون للمبادئ الوطنية والمصالح القومية والمذاهب المادية ونحوها، متعامين عن الذي يسيرهم ويخطط لهم من طواغيت الأشخاص تارة، وأراذل الأشخاص وأقزامهم تارة.


فسمات هذا الدين القويم هي مواجهة ذلك الواقع الذي أنشأته وتنشئه تلك الفتنة المتنوعة مواجهة بالبيان المصحح للاعتقاد، وبالقوة الرادعة لهذه الفتنة، لتوقفها عند حدها، حتى تحرر الناس من عبودية بعضهم لبعض، وتشمخ برءوسهم إلى التعلق بالله وحده.


ومن سمات هذا الدين العجيبة ترتيبه لحركيته الواقعية على مراحل ملائمة لقمع هذه الفتنة وإشعاع النور في القلوب، وكونها لا تخرج عن قواعد التوحيد حتى في أدق الفروع، وكونه ديناً عالمياً غير محدود، ولا يعترف بالحدود والسدود، بل يوجب على جميع البشرية أن تكون أمة واحدة عابدة لرب واحد، متجهه إلى هدف واحد هو إعلاء كلمة الله، وإقامة حكمه في الأرض، وقمع المفترى عليه بدون إكراه على الدين، ولكن لحماية الدين من كل فتنة حسية أو معنوية. فمن عمل ضد هذا الدين، أو حارب دولته فهو يوجب قتاله، ولو كان ممن ينتسب للدين، ومن جنح للسلم والتزام أحكامه ولم يقم بما يسئ إلى الدين أو أهله كان مصون الدم والمال، وإن كان يهودياً أو نصرانياً أو ذمياً، كما هو واضح من هذه الآيات التي نتكلم عليها والتي بعدها في سورة النساء والأنفال والتوبة وغيرها.


فقوله تعالى: ﴿ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ ﴾ موضحة لما قد يشكل من مشروعية الجهاد.


فمشروعية الجهاد وقتال الكفار ليست للدفاع عن الأرض ولا عن مجرد الاستبقاء على النفس، فإن الأرض بذاتها لا اعتبار لها ولا قيمة في الحكم الإسلامي إلا بقدر ما يقوم بها من سلطان الدين، وتنفيذ شريعته بحيث تكون محضنّاً للإسلام، ومستقراً لمنهجه، ومنطلقاً لمده من كل ناحية.


ولهذا جعل الله الغاية للقتال زوال الفتنة عن الدين، لأن القيمة للعقيدة والقتال من أجلها والموالاة والمعاداة في سبيلها، فالجناية على العقيدة أشد من الجناية على النفس والمال والوطن، ولهذا لا تجوز مسألة الجاني على العقيدة بمختلف المطاعن في أي وسيلة من وسائل النشر الظاهر أو الدس الخفي في وسائل التعليم، وإن أبدى المسالمة والمصادقة في الأمور السياسية رعاية لمصالحه، فإنه لا يجوز للقيادة الإسلامية تركه يستجم وينمو على حساب العقيدة أبداً.


ومن كانت غضبته لمصالحه أو كرامته الشخصية أشد من غضبته للدين، فليس من الله في شيء، حيث لا يغضب إلا لنفسه، ويسالم الجاني إذا تملقه، فينبغي للمسلم التمعن في حقيقة قوله تعالى: ﴿ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ ﴾ والتمعن أيضاً في سبب عداوة الكافر والملحد والمنافق للدين بقوله تعالى: ﴿ وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ [البقرة: 217] فإنهم لا يتركون حرب المسلمين بجميع أنواع الحرب الكاوية والباردة، الحرب الفكرية والعسكرية حتى يردوا من استطاعوا ردته من المسلمين شيباً أو شباناً عن الإسلام.


وقوله سبحانه: ﴿ وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ ﴾ اختلف المفسرون أهي محكمة أو منسوخة، فقال مجاهد: هي محكمة ولا يجوز قتال أحد في المسجد الحرام حتى يقاتل فيه، وبهذا قال طاوس وبعض العلماء أخذاً بظاهر الآية، وهو مذهب أبي حنيفة وأصحابه، لما في الصحيح عن ابن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم فتح مكة: ((إن هذا البلد حرمه الله يوم خلق السماوات والأرض، فهو حرام بحرمة الله، وأنه لم يحل القتال فيه لأحد قبلي، ولم يحل لي إلا ساعة من نهار))[6].


وقال قتادة ومقاتل: هي منسوخة بقوله تعالى: ﴿ فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [التوبة: 5] وبقوله: ﴿ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ ﴾ فيجوز الابتداء في الحرم، وهذا مذهب مالك والشافعي وكثير من العلماء، ولهم حجج: منها: أن سورة براءة نزلت بعد سورة البقرة بسنتين، فكانت (براءة) متأخرة والمتأخر ناسخ.


ومنها: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل مكة عام الفتح وعليه المغفر وهو درع على قدر الرأس يلبس في حال الحرب. فقيل له: إن ابن خطل متعلق بأستار الكعبة، فقال: ((اقتلوه))[7].


ومنها أنه - صلى الله عليه وسلم - بعث خالد بن الوليد يوم الفتح وقال: ((احصدهم حصداً بالسيف حتى تلقاني على الصفا))[8].



[1] أخرجه البخاري، كتاب أبواب الصلاة باب: ما يستر العورة، [362، 369]، ومسلم [1347].

[2] [صحيح] أخرجه البخاري، كتاب: العلم، باب: من سأل وهو قائم، [123]، ومسلم: [1904].

[3] أخرجه البخاري، كتاب الجهاد والسير، باب قتل الصبيان في الحرب، [2014]، ومسلم [1744].

[4] أخرجه البخاري، كتاب: الوضوء، باب: استعمال فضل وضوء الناس، [187]. مطولاً ومختصراً، وغيره.

[5] أخرجه الإمام أحمد: [6/274]، والبيهقي: [6/115، 135]، وانظر علل الدارقطني: [7/290]، [1360].

[6] أخرجه البخاري، كتاب: العلم، باب: كتابة العلم، [112]، ومسلم: [1353].

[7] أخرجه البخاري، كتاب جزاء الصيد، باب: دخول الحرم، ومكة بغير إحرام، [1846] ومسلم: [1357].

[8] ذكره القرطبي بتفسيره: [2/ 352].





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • تفسير سورة البقرة .. الآيات (183 : 184) (4)
  • تفسير سورة البقرة .. الآيات (183 : 184) (5)
  • تفسير سورة البقرة .. الآيات (183 : 184) (6)
  • تفسير سورة البقرة .. الآيات (183 : 184) (7)
  • تفسير سورة البقرة .. الآيات (183: 184) (8)
  • تفسير سورة البقرة .. الآية (189)
  • تفسير سورة البقرة .. الآية (193)
  • تفسير سورة البقرة .. الآية (195)
  • تفسير سورة البقرة .. الآية (196)
  • تفسير سورة البقرة .. الآيات (210 : 211)

مختارات من الشبكة

  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (135 - 152) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (102 - 134) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (65 - 101) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (1 - 40) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (40 - 64) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • الفتوحات الربانية في تفسير الآيات القرآنية: تفسير الآيتين (6-7) من سورة البقرة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الفتوحات الربانية في تفسير الآيات القرآنية: سورة البقرة الآيات (1-5)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مخطوطة تفسير بعض من سورة البقرة ثم تفسير سورة يس(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • مقدمة بين يدي تفسير سورة البقرة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير ابن باز لسورة البقرة: الآيات 11 - 20(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 16:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب